العجز اللبناني رئاسياً يدفع نحو «التدويل»

12 جولة انتخاب بلا حسم ولا تفاهم

العجز اللبناني رئاسياً يدفع نحو «التدويل»
TT

العجز اللبناني رئاسياً يدفع نحو «التدويل»

العجز اللبناني رئاسياً يدفع نحو «التدويل»

لم يعد خافياً أنه بعد الجلسة الأخيرة التي عقدها البرلمان اللبناني لانتخاب رئيس جديد للبنان، وحملت الرقم 12، ولم تسفر عن نتيجة، استسلمت معظم القوى السياسية لواقع عجزها عن اجتراح أي حل للشغور في سُدة الرئاسة الأولى، بل ما حصل أنها باتت تنظر إلى أية إشارة أو حركة خارجية على أنها «خشبة خلاص» تنقذها من المأزق الذي تتخبط فيه منذ مطلع ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وللعلم، يدعو البطريرك الماروني بشارة الراعي، منذ مدة، لـ«تدويل» الأزمة اللبنانية، بعدما طالب، في ديسمبر 2022، بـ«التوجه للأمم المتحدة ودول القرار لإنقاذ لبنان قبل فوات الأوان»، معتبراً أنه «لا مناص من تدويل القضية اللبنانية بعد فشل الحلول الداخلية»، وكرّر هذه الدعوة قبل أيام، إذ قال: «أنا دعوت إلى عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان يطرح القضايا الأساسية؛ وذلك بسبب عجز المسؤولين اللبنانيين عن التحاور لإيجاد حل لبلد يتفتت وشعب يهاجر. لا يحق للمسؤولين تدمير دولة وشعب من خلال تدمير النظام والدستور». عودة إلى جلسة البرلمان الـ12، لم تكن هذه المرة الأولى التي يُشرع الساسة اللبنانيون أبواب بلدهم أمام التدخلات الخارجية، إذ إنهم عند كل استحقاق أساسي ينقسمون، ويبدأ «شد الحبال» إلى أن يستخدم أحد أطراف الصراع ورقة التعطيل، وبهذا يُدخل البلد معه في دوامة من الفراغ الذي أدى مع مرور السنوات إلى تفكك المؤسسات وتحلّلها.

بعد «اتفاق الطائف»، الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية عام 1989... بقي لبنان تحت «الوصاية السورية» حتى خروج الجيش السوري من البلد عام 2005.

حينذاك، كانت القيادة في دمشق الآمرة الناهية في كل الاستحقاقات وعند أي خلاف. وبعدها، دخل لبنان في إشكالات مختلفة، ما استدعى وساطات خارجية انتهت عام 2008 بتوقيع «اتفاق» في العاصمة القطرية الدوحة وضع حداً لأزمة سياسية أمنية استغرقت 18 شهراً وكادت تفجّر حرباً أهلية جديدة.

غير أن أجواء التفاهم التي أرساها «اتفاق الدوحة» لم تعمر طويلاً، فقد عادت الخلافات والصراعات بين القوى اللبنانية، ما عطّل الحياة السياسية في لبنان أشهراً وسنوات، أبرزها الفترة بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان.

يومذاك، لم يكن للخارج دور أساسي يلعبه في إنهاء الشغور الرئاسي الذي استمر سنتين ونصف السنة. وللعلم، طال الشغور نتيجة تمسّك حزب الله بمرشحه الزعيم المسيحي العماد ميشال عون، غير أن الأزمات المتلاحقة التي عصفت بعهد عون - وأبرزها الانهيار المالي والاقتصادي - استدعت طلب لبنان النجدة الخارجية، التي لم تأت بعدُ، بل باتت مشروطة بإقرار المسؤولين الإصلاحات المطلوبة.

حتى الساعة، ورغم مرور نحو 3 سنوات ونصف السنة على الانهيار المالي، لم يضع لبنان أية خطة للنهوض. ومع تحوّل الحكومة الحالية لتصريف الأعمال وشغور سُدة الرئاسة، بات كل شيء مجمّداً ومرتبطاً بانتخاب رئيس ليعود انتظام العمل بالمؤسسات ويعود مجلس الوزراء فاعلاً وقادراً على صياغة الخطط وتنفيذها.

أين المبادرة الفرنسية؟ لقد فشلت كل المساعي والمبادرات الداخلية، طوال الأشهر الـ8 الماضية، في حل أزمة الرئاسة، علماً بأنه، في هذا الوقت رُصد أكثر من مبادرة خارجية أيضاً، أبرزها «المبادرة الفرنسية» التي قالت بانتخاب رئيس تيار «المَرَدة» سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، مقابل تعيين السفير نواف سلام رئيساً للحكومة. ثم هناك «المبادرة القطرية» غير المعلَنة، التي قيل إنها تسوّق لانتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً.

الفرنسيون يسعون الآن لـ«تنشيط» مبادرتهم، التي كانت قد طُرحت بتفاهم إيراني فرنسي، لكنها لم تجد طريقها للتنفيذ بصيغتها السابقة في ظل رفض كتل نيابية بارزة، أبرزها الكتل المسيحية الكبيرة، القبول بترشيح فرنجية، مرشح «الثنائي الشيعي» المتمثل بحركة «أمل»، وحزب الله.

وبينما يجزم نواب معارضون التقوا المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، خلال زيارته العاصمة بيروت، الأسبوع الماضي، بأنهم استخلصوا من كلامه أن «المبادرة الفرنسية» السابقة صارت من الماضي، تؤكد مصادر «الثنائي الشيعي» أن «المبادرة الفرنسية لا تزال قائمة، وإن كانت مجمدة راهناً بانتظار آلية جديدة لتحريكها، وهو ما فهمناه من لودريان، وما أبلغنا إياه في آن، وبالتحديد لجهة تمسكنا بترشيح فرنجية».

وفي حين يقول «الثنائي»، المتمثل بـ«حزب الله» وحركة «أمل»، إن المَخرج من الاستعصاء، الذي وصل إليه الملف الرئاسي، «يكون بالحوار»، يرفض القسم الأكبر من المعارضة مبدأ الجلوس إلى «طاولة حوار موسعة» مع حزب الله قبل تنازله عن مرشحه سليمان فرنجية. ووفق هؤلاء المعارضين، فإن «الحوار» الذي يريده الحزب هو لمحاولة إقناع بقية القوى أو قسم منها بالسير بفرنجية... وهو ما يرفضونه جملة وتفصيلاً.

من ناحية أخرى، بدا لافتاً ما ورد أخيراً على لسان رئيس كتلة حزب الله النيابية النائب محمد رعد، الذي قال: «نعترف بأنه لا نحن نستطيع أن نأتي بمرشّح من دون تعاونهم، ولا هم يستطيعون أن يأتوا بمرشّحهم من دون تعاوننا». ورأى، من ثم، أن «الحل بأن نأتي ونجلس ونتفاهم ونُقنع بعضنا بعضاً و(صحتين على قلب اللي بيطلع) بالتوافق والتفاهم».

إلا أن الفُرقاء اللبنانيين كافة ينتظرون ما سيعود به لودريان، منتصف يوليو (تموز) الحالي، بعدما بدا في زيارته الأولى مستمعاً. وتُعوِّل القوى الداخلية على الدور الفرنسي، بالتنسيق والتعاون مع المملكة العربية السعودية، لإخراج الملف الرئاسي من عنق الزجاجة... بعدما فشلت، حتى الساعة، مساعي «اللجنة الدولية الخماسية (الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر)»، المهتمة بالشأن اللبناني في إحداث أي خرق بجدار الأزمة.

تاريخ طويل من التدويلفي الحقيقة، يُجمع معظم الخبراء ومتابعي الملف اللبناني عن كثب على أن الملف «مُدوَّل» أصلاً، وانتخاب رئيس للجمهورية طالما كان يحصل بتدخل خارجي. بريجيت خير، الدبلوماسية السابقة في الأمم المتحدة، تقول إنه «منذ الحرب اللبنانية والاحتلال السوري والانتخابات الرئاسية مُدوَّلة، خصوصاً من خلال تدخل النظام السوري لفرض الرؤساء فرضاً، وحين انتُخب الرئيسان السياديان رينيه معوض وبشير الجميّل اغتيلا».

وتعتبر خير، في تصريح، لـ«الشرق الأوسط»، أنه «منذ عام 1975 حتى اليوم لم تجرِ انتخابات رئاسية بشكل طبيعي، أي من خلال تحويل المجلس النيابي (هيئة ناخبة)، وفتح دورات متتالية حتى انتخاب رئيس»، لافتة إلى أنه «خلال السنوات الـ15 الماضية ذهبت 3 سنوات هدراً نتيجة الفراغ الرئاسي»، إلا أن خير تبدو متفائلة بـ«قدرة القوى السيادية، في ظل التوازنات البرلمانية الحالية القائمة، في حال ظلّت متكاتفة، على مواجهة حزب الله ومنعه من فرض الرئيس الذي يريده». وتُشدد على «وجوب أن يكون موقع الرئاسة من نصيب السياديين، باعتبار أن لدى حزب الله وحلفائه رئيس برلمان محسوباً عليهم، كما أنهم يضغطون لفرض رئيس الحكومة الذي يريدون».

ومن ثم ترى خير أن «فشل المبادرة الفرنسية مردُّه أن الفرنسيين أصغوا، منذ البداية، لفريق واحد، وأخطأوا بالانطلاق مع الأزمة على قاعدة أن أي رئيس أفضل من الفراغ، لكننا نعتبر الفراغ أسهل من أن يمسك حزب الله مجدداً بالرئاسات الـ3، وتكرار التجربة التي عشناها في عهد عون».

خضة أمنية تسبق الانتخاب!أما الدكتور سامي نادر، مدير «معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية»، فيردّ: «خروج الانتخابات الرئاسية من الإطار اللبناني إلى وجود مَن يضع يده على المؤسسات ويفرض قراءته الخاصة للدستور، وهو الفريق المتمثل بـ(الثنائي الشيعي) الممسك بالسلاح وبمفتاح مجلس النواب في آن، ولديه امتداد خارجي وعلاقة بنيوية مع إيران».

ويعتبر نادر، في تصريح، لـ«الشرق الأوسط»، أنه «في مواجهة هذا الواقع، هناك الفريق الآخر الذي يرفض الانصياع... ما يجعلنا في أزمة نظام ننتظر مبادرات الخارج... علماً بأن الانتظار في نهاية المطاف هو نوع من أنواع الموت». ويتابع: «منذ عام 1970 ونحن ننتظر المندوبين مستسلمين، لعجزنا عن إنتاج حل داخلي بسبب سطوة السلاح والتلطي وراء الميثاقية».

أما الدكتور هلال خشّان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية ببيروت، فقال، لـ«الشرق الأوسط»، إن «اللبنانيين فقدوا منذ مدة المبادرة والقرار بالملف الرئاسي، كما أنه بتبني حزب الله ترشيح فرنجية... يكون بذلك عملياً هو مرشح إيران باعتبار أن الحزب الواقع منظمة إقليمية»، ثم أوضح أن «توازن القوى الحالي في لبنان لا يسمح لإيران بفرض مرشحها، كما لا يسمح للفريق الآخر بذلك». لذا يتوقع خشان ألا يُنجز انتخاب رئيس «إلا بعد خضة كبيرة، مع ترجيح أن تكون ضربة إسرائيلية، يُصار بعدها إلى انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً للبلاد». ووفق خشّان: «تشعر إسرائيل بأن حزب الله يضعف، وهي تنتظر أن يرتكب خطأ صغيراً لشن حرب هدفها إضعافه، باعتبارها تعد منذ مدة للخيار العسكري».

صيف بلا رئيسفي هذه الأثناء، يقول أحد نواب «التغيير»، لـ«الشرق الأوسط»، إن «المعطيات الراهنة لا توحي بإمكانية تراجع حزب الله قريباً عن مرشحه، رغم علمه بأن حظوظه قد تكون وفق الظروف الحالية شبه معدومة». ويلفت إلى أن «الثنائي الشيعي يراهن على مستجدات إقليمية ودولية تخدم مصالحه وتُعبّد طريق فرنجية إلى بعبدا، وهو يعتقد أن الكتلة الوسطية التي رفضت أن تُصوّت لفرنجية أو للوزير السابق جهاد أزعور، خلال جلسة الانتخاب الأخيرة، قد تُراجع خياراتها، في حال شعرت بأن هناك أجواء خارجية جديدة لمصلحة حزب الله». ويضيف: «لكن، حتى لو حصل ذلك، فإن موقف الكتلتين المسيحيتين الرئيستين الرافض لفرنجية يجعل انتخابه رغم إرادة الأكثرية المسيحية النيابية أمراً مستبعداً تماماً، إلا إذا كان هناك قرار كبير بضرب ما تبقّى من دور ووجود مسيحي في هذا البلد».

ثم يشير المصدر إلى أن «تقاطع قوى المعارضة - التيار الوطني الحر لا يبدو هو الآخر متحمساً لتقديم أي تنازلات في هذا الملف، لعلمه بأن خريطة التوازنات الحالية لا تسمح لحزب الله بفرض مرشحه، وبأن ما كان عليه الوضع عام 2016 - حين مرشحه عون - هو غيره اليوم»... سواءً لجهة أنه لا يمتلك الأكثرية النيابية المطلوبة لانتخاب فرنجية، أو لجهة أن الغطاء المسيحي الذي يتمتع به مرشحه هشّ، في ظل تشدّد «التيار الوطني الحر (العونيون)»، و«القوات اللبنانية» في رفض السير به.

هذا، ويعتبر تقاطع «الوطني الحر» - المعارضة أنه، اليوم، في موقع قوة، بعد نجاح مرشحه أزعور بالحصول على 59 صوتاً في جلسة الانتخاب الأخيرة، مقابل 51 صوتاً لفرنجية. بالمقابل، يشيع «الثنائي الشيعي» أن هذا التقاطع «فرط» فور انتهاء الجلسة 12 لانتخاب رئيس، ويؤكد أن الدعوة لأية جلسة ستؤدي لنتائج مغايرة، وإن كانت لن تؤدي لانتخاب فرنجية.

وتربط أحزاب المعارضة، ومعها «العونيون» التراجع عن مرشحهم بتراجع «الثنائي الشيعي» عن فرنجية، وهذا ما لا يبدو حاصلاً قريباً، إذ تؤكد مصادر مطّلعة عن كثب على الملف، أن «رئيس المجلس النيابي نبيه برّي لن يدعو لجلسة جديدة لانتخاب رئيس، في حال لم تتوافر معطيات جديدة تؤدي لنتائج مختلفة عن النتيجة الأخيرة التي لا تسمح بالخروج من حالة الاستعصاء الحالية». وتضيف المصادر نفسها: «بات مستبعَداً جداً حدوث أي خرق يُذكَر في جدار الأزمة قبل نهاية الصيف، علماً بأن هناك من يتحدث عن خط أحمر لا يبدو أن هناك أحداً مستعدّاً لتجاوزه وهو نهاية العام الحالي».

وترجح المصادر أن تكون ورقتا فرنجية وأزعور قد احترقتا حتى حينه، لتتقدم حظوظ مرشح ثالث إما أن يكون قائد الجيش جوزيف عون، أو أن يكون مرشحاً وسطياً كالوزير السابق زياد بارود، والوزير السابق ناجي البستاني، والوزير السابق ناصيف حتي، أو سواهم.

مجموعة مبادرات داخلية لم تصل إلى نتيجة

> منذ شغور سُدة الرئاسة اللبنانية، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، سارع عدد من الفرقاء السياسيين في الداخل اللبناني لإعداد مبادرات تقرِّب وجهات النظر بين القوى المختلفة؛ لحثِّها على التفاهم على اسم رئيس يشكل نقطة تقاطع بينها.

بعض هذه المبادرات اتخذ بُعداً وطنياً، بينما اتخذ بعضها الآخر بُعداً مسيحياً لاعتبار عدد من المرجعيات أن الكلمة الفصل في هذا الملف يجب أن تكون للمسيحيين، كما هي الكلمة الفصل بانتخابات رئيس للمجلس النيابي للشيعة، والكلمة الفصل في تعيين رئيس للحكومة للسنّة.

أما أبرز المبادرات الداخلية لحل الأزمة الرئاسية فهي:

- «مبادرة الإنقاذ الرئاسية» التي أطلقها نواب «التغيير»، مطلع شهر سبتمبر (أيلول) الماضي. ولحظت وثيقة المبادرة أربعة أجزاء: الرؤية، والمقاربة، والمعايير، والمبادرة. ولقد جال نواب «التغيير» بمبادرتهم على الكتل السياسية، لكن أي خرق لم يسجل في جدار الأزمة؛ لأن الأسماء التي طُرحت لم تلقَ إجماعاً، حتى إنها أدت إلى انقسام تكتل التغييريين النيابي، على خلفية تأييد كل مجموعة من النواب مرشحاً مختلفاً عن المجموعة الأخرى.

- في أكتوبر الماضي أطلق «التيار الوطني الحر» ما عُرف بـ«ورقة الأولويات الرئاسية» التي جال بها على قسم كبير من القوى السياسية. لكن خلافات رئيس «التيار» مع قسم كبير من هذه القوى جعل تقبّلهم لما يطرحه صعباً جداً، حتى إن «القوات اللبنانية» لم توافق على لقاء وفد «التيار»، الذي لم يكن يطرح أصلاً أسماء، بل ما هو أشبه ببرنامج رئاسي اعتبر أن التفاهم عليه يسهل التفاهم على اسم رئيس.

- طرح النائب الدكتور غسان سكاف أكثر من مبادرة جال بها على القوى، لكنها أيضاً لم تصل إلى نتيجة.

- في فبراير (شباط) الماضي، جال المطران أنطوان بونجم، راعي أبرشيّة أنطلياس المارونيّة، على القوى المسيحية، بمبادرة ببركة البطريرك الماروني بشارة الراعي؛ لتقريب وجهات النظر بينهم. إلا أن جهوده باءت بالفشل، خصوصاً في ظل رفض القسم الأكبر منهم الجلوس إلى طاولة حوار مسيحي مسيحي في بكركي، على غرار ما حصل في الاستحقاق الرئاسي الماضي، وهو ما دفع الراعي إلى الدعوة لخلوة روحية بدل حوار بين القادة المسيحيين للتفاهم على مقاربة واحدة للملف الرئاسي.

- وأخيراً، نجحت جهود حزب «الكتائب اللبنانية» بتحقيق تقاطع بين قوى المعارضة و«التيار الوطني الحر» أدى لترشيحهم الوزير السابق جهاد أزعور، وهو ترشيح رفضه «الثنائي الشيعي» وحلفاؤه بحجة أن أزعور «مرشح تحدٍّ».

بناءً عليه، ترى مصادر مواكبة للملف الرئاسي أن «أي مبادرة داخلية سيكون مصيرها الفشل، ما دام الانقسام عمودياً في البلد، وما دام حزب الله رغم المناداة بالحوار يريده حصراً لإقناع بقية القوى بانتخاب مرشحه».

وتضيف، لـ«الشرق الأوسط» أنه «في حال بقي الانقسام على حاله، فحتى المبادرات الخارجية سيكون مصيرها الفشل، ما قد يؤدي بالبلاد والعباد في نهاية المطاف إلى إعادة نظر بالنظام القائم من خلال تعديله أو تغييره».

الفرنسيون يسعون الآن لـ«تنشيط» مبادرتهم التي طُرحت بتفاهم إيراني ـ فرنسي


مقالات ذات صلة

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

حصاد الأسبوع من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

طوال فترة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، حرص الرئيس المنتخب دونالد ترمب على تأكيد قدرته على كسر كل الحواجز، وإعادة تشغيل العلاقات مع موسكو عبر تفاهمات

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع صورة مركبة لبوتين وترمب (أ.ف.ب)

لقاءات بوتين وترمب... كثير من الوعود وقليل من التقارب

فور إعلان الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب استعداده لعقد لقاء سريع مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين فور توليه السلطة، برزت ردود فعل سريعة تذكر بلقاءات سابقة

حصاد الأسبوع تشابو يواجه تحديات عدة... من التمرد في منطقة كابو ديلغادو إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية واستغلال موارد الغاز الطبيعي وإدارة تأثيرات التغير المناخي

دانيال تشابو... رئيس موزمبيق الجديد الطامح إلى استعادة الاستقرار

أدَّى دانيال تشابو، الأربعاء الماضي، اليمين الدستورية رئيساً لموزمبيق، مركِّزاً على اعتبار استعادة الاستقرار السياسي والاجتماعي «أولوية الأولويات».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
حصاد الأسبوع لقطة للعاصمة الموزمبيقية مابوتو (رويترز)

موزمبيق و«فريليمو»... لمحة تاريخية وجيو ـــ سياسية

منذ ما يقرب من خمسين سنة يتربع حزب «فريليمو»، أو «جبهة تحرير موزمبيق»، على سدة الحكم في موزمبيق، مرسّخاً نظام الحزب الواحد، مع أن دستور البلاد المعدل عام 1992

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع الزعيم الكندي جاستن ترودو يعلن أن لا رغبة لبلاده في أن تصبح ولاية أميركية (أ.ب)

ألمانيا تعيش هاجس التعايش مع مطامح ترمب وماسك

لم يدخل الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب البيت الأبيض بعد... ومع ذلك تعيش أوروبا منذ أسابيع على وقع الخوف من الزلزال الآتي. وكلما اقترب موعد الـ20 يناير

راغدة بهنام (برلين)

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
TT

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)

طوال فترة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، حرص الرئيس المنتخب دونالد ترمب على تأكيد قدرته على كسر كل الحواجز، وإعادة تشغيل العلاقات مع موسكو عبر تفاهمات سريعة وفعالة لوقف القتال في أوكرانيا، ووضع خريطة طريق لمعالجة الملفات الخلافية المتراكمة مع الكرملين. وقبل أيام قليلة من تسلم صلاحياته رسمياً، برزت اندفاعة جديدة من الرئيس الجمهوري نحو روسيا، عندما أعلن استعداده لتنظيم لقاء عاجل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين يرسم ملامح العلاقة المستقبلية ويضع خطط إنهاء الحرب وتخفيف التوتر على مسار التنفيذ. لكن اللافت أن هذه التصريحات لم تُقابَل بشكل حماسي في روسيا. بل فضَّل الكرملين التزام لهجة هادئة تؤكد الانفتاح على الحوار، مع التذكير في الوقت ذاته، بعنصرين ضروريين لنجاح أي محاولة لكسر الجليد بين البلدين، أولهما اتضاح الملامح الأولى لرؤية الرئيس الأميركي الجديد لتسوية الملفات الخلافية المتراكمة، والآخر التذكير بشروط الكرملين لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وبالتوازي مع ذلك، بدت تعليقات الأوساط المقربة من الكرملين متشائمة للغاية، حيال فرص إحراز تقدم جدّي على أي مسار... لا في الحرب الأوكرانية ولا العلاقات مع «ناتو»، ولا ملفّات الأمن الاستراتيجي في أوروبا.

لا ينظر أحد في روسيا بجدية إلى إمكانية تحقيق قفزات سريعة تؤدّي إلى تحسّن العلاقات مع الولايات المتحدة، وتضع إطاراً واقعياً للحوار حول الملفات الخلافية. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب صرّح مرّات عدة بأن موقف روسيا يمكن فهمه، وأن سبب الصراع كان إلى حد كبير السياسة المناهضة لروسيا التي تنتهجها «الدولة العميقة» الأميركية، فإن الأوساط الروسية تنظر بريبة إلى قدرة ترمب، العائد بقوة إلى البيت الأبيض، في تجاوز الكثير من «المطبّات» التي تعترض طريق إعادة تشغيل العلاقات بين موسكو وواشنطن.

رسائل روسية واضحة

في هذا الصدد، كان لافتاً أن موسكو تعمّدت توجيه رسائل واضحة إلى الإدارة الأميركية الجديدة، عبر إطلالتين إعلاميتين لشخصيتين تعدّان من أبرز المقربين لبوتين، هما وزير الخارجية سيرغي لافروف والمستشار الرئاسي وعضو مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف. وفي الحالتين كان التوقيت وشكل التعامل مع «اندفاعة ترمب» يحظيان بأهمية خاصة.

جوهر كلام المسؤولين ركّز على قناعة بأن العالم قد يكون أمام «فرصة حقيقية للسلام» في عهد ترمب، بيد أن الانفتاح الروسي على الحوار مرتبط باستناد هذا الحوار إلى أسس «مبادرات ملموسة وخطوات ذات معنى بشأن الاتصالات على أعلى مستوى»، والأهم من ذلك، أن تتوافر لدى ادارة ترمب «اقتراحات محددة» بشأن أوكرانيا، وفق تعبير لافروف.

والاقتراحات المحددة المطلوبة روسياً، ينبغي أن تنعكس - كما قال الوزير – بـ«جدية في الاستعداد لحل المشاكل المتراكمة عبر الحوار لا عبر الضغوط والتهديدات» التي لم ينجح سلف ترمب في معالجتها.

وفي إشارة ذات مغزى، قال لافروف إنه «من المفيد أن نرى ما هي الأساليب التي سيستخدمها ترمب لجعل أميركا أعظم». وهذه عبارة أكملها باتروشيف بقوله: «هل سيكون ترمب قادراً على ترجمة نواياه بالكامل؟ وكما أظهرت ولايته الأولى، فإن (الدولة العميقة) السيئة السمعة في الولايات المتحدة... قوية للغاية».

أوكرانيا «رأس الأولويات»

الموقف الذي أعرب عنه المسؤولان الروسيان ينطلق من «الاستعداد للمناقشة والاتفاق على أي شيء باستثناء شيء واحد - أوكرانيا. (...) لقد عبّرنا عن موقفنا مراراً وتكراراً، وهو موقف لا يمكن تغييره». وفي هذا الإطار، لوّح لافروف بأنه إذا توصّلت روسيا إلى استنتاج مفاده أن واشنطن ستواصل دعم «النظام النازي المعادي في كييف» فإنها (أي موسكو) ستضطر إلى اتخاذ قرارات صعبة. في حين قال باتروشيف إن أوكرانيا «قد تختفي عن الخريطة خلال هذا العام» إذا استمرت السياسات الغربية السابقة.

الرسالة الروسية الثانية لترمب كان فحواها أن أي تسوية أو ضمانات لأوكرانيا، يجب أن تكون مرتبطة باتفاقيات أوسع نطاقاً. وهنا قال لافروف إن «روسيا مستعدة لمناقشة الضمانات الأمنية لأوكرانيا، لكنها يجب أن تكون جزءاً من اتفاقيات أكبر». بينما أوضح باتروشيف أنه بالإضافة إلى التوصل إلى ترتيبات أمنية في القارة الأوروبية «يجب وقف التمييز ضد السكان الروس في عدد من البلدان، وبالطبع، في دول البلطيق ومولدوفا».

أما النقطة الثالثة التي تحدّد شروط الحوار، فتنطلق من ضرورة البدء بمنح روسيا ضمانات كاملة عبر ملفي: وقف مسار ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الاطلسي (ناتو) وتأكيد حيادها لعشرات السنوات، وتقليص القدرات العسكرية لهذا البلد ومنع تسليحه مجدداً.

هكذا، ترى موسكو المدخل الصحيح للحوار، الذي يجب أن يتأسس - كما قال الرئيس الروسي سابقاً - على قاعدة الإقرار بالتغييرات الميدانية التي وقعت خلال سنتين، بما يضمن الاعتراف الغربي بضم شبه جزيرة القرم والمناطق الأربع التي ضمتها روسيا خلال عام 2022.

تشكل هذه القاعدة التي تنطلق منها موسكو سبباً وجيهاً للتوقعات المتشائمة حول فرص إحراز تقدم، تضاف إلى الشكوك المحيطة بقدرة ترمب الفعلية على تجاوز كل العقبات والضغوط الداخلية والانطلاق نحو تقديم تنازلات مهمّة للروس.

يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية،

لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية

التداعيات على أوكرانيا

كيف يتأثر الوضع في أوكرانيا؟

في هذا الإطار، وضع أحد أبرز خبراء السياسة في «المجلس الروسي للسياسة والأمن»، وهو مؤسسة مرموقة ومقربة من الكرملين، التصور التالي لشكل العلاقة مع ترمب في ملفات رئيسة:

بدايةً، في أوكرانيا ستفشل محاولة ترمب للتوصل إلى وقف إطلاق النار على طول خط التماس. وذلك لأن المخططات الأميركية لـ«وقف الحرب» تتجاهل تماماً المصالح الأمنية الروسية، كما تتجاهل الأسباب التي أدت أولاً إلى الأزمة ثم إلى الصراع العسكري واسع النطاق في أوكرانيا.

في المقابل، لن تقبل واشنطن الشروط الروسية لبدء المفاوضات ومعايير السلام التي أعلن عنها الرئيس فلاديمير بوتين في يونيو (حزيران) الماضي؛ لأنها تعني في الواقع استسلام كييف وهزيمة استراتيجية للغرب. وخلافاً لتوقعات التهدئة، فإن ترمب «المهان»، رداً على رفض خطته، سيعلن دعمه لأوكرانيا ويجمع حزمة أخرى من العقوبات على موسكو. لكنه في الوقت نفسه، سيمتنع عن التصعيد الجدي للصراع؛ كي لا يستفز روسيا ويدفعها إلى ضرب أراضي دول «ناتو»، بما في ذلك القواعد الأميركية الموجودة هناك. ومع هذا، ورغم غطاء الخطاب القاسي المعادي لروسيا، فإن المساعدات الأميركية لنظام كييف ستنخفض، وسيتعيّن على الأوروبيين تغطية العجز الناتج من ذلك. ومن حيث المبدأ، فإن الاتحاد الأوروبي مستعدٌ لذلك، وبالتالي لن يكون هناك خفض كبير في الدعم المادي لأوكرانيا من الغرب في العام الجديد على الأقل.

إلى جانب ذلك، قد تحاول واشنطن، وفقاً للخبير البارز، بدعم من بريطانيا وحلفاء آخرين، تعزيز الموقف السياسي الداخلي لنظام كييف من خلال المطالبة بإجراء انتخابات في أوكرانيا، وبالتالي استبدال فولوديمير زيلينسكي وفريقه المكروهين بشكل متزايد بمجموعة أخرى بقيادة رئيس الأركان السابق فاليري زالوجني. لكن التأثير السياسي المحلي لمثل هذا الاستبدال سيكون قصير الأجل.

العلاقة مع أوروبا

أيضاً، يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية، لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية. وهذا يعني أنه لن يحقق وعوده حيال علاقة الولايات المتحدة مع «ناتو»، وبدلاً من ذلك، سيرفع السعر الذي يتوجب على الأوروبيين دفعه للانضمام إلى التكتل.

ووفقاً لبعض الخبراء، سيكون لزاماً على الأوروبيين، الذين كانوا يخشون عودة ترمب، أن يقسموا يمين الولاء له. وبالتالي، «لن تكون هناك معارضة ضد ترمب بأي شكل من الأشكال؛ لأن دول الاتحاد الأوروبي تحتاج إلى أميركا زعيمةً: ليس فقط حاميةً عسكريةً، بل وأيضاً زعيمةً سياسيةً ــ لا تقل عن حاجتها إلى روسيا باعتبارها «تهديداً مباشراً على الأبواب».

بهذا المعنى، تتطابق آراء الخبراء في مسألة أن «العداء لروسيا سيظل العامل الحاسم في توحيد أوروبا في عام 2025».

ويضيف بعضهم القناعة بأنه خلافاً للفكرة الرائجة بأن الأوروبيين متردّدون في مواجهة روسيا، بشكل رئيس بسبب الضغوط الأميركية، فإن الحقيقة أن روسيا، باعتبارها عدواً، تشكل عاملاً قوياً في توحيد النخب الأوروبية ودولها. بمعنى أنه كان لا بد من «اختراع التهديد الروسي»، وتقديم الحرب في أوكرانيا باعتبارها المرحلة الأولى من «الاختطاف الروسي لأوروبا».

في السياق ذاته، ينظر إلى الانتخابات المقبلة في ألمانيا، بأنها ستحمل إلى السلطة ائتلافاً جديداً، سيعمل أيضاً على تشديد السياسة تجاه موسكو. ولكن في الوقت نفسه، من غير المرجح إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا بناءً على دعوة من فرنسا، لأن أوروبا تنظر إلى خطر الصدام العسكري المباشر مع روسيا على أنه مفرط في المخاطرة.

وداخلياً، ينتظر أن تواصل أوروبا الاستعداد بنشاط للحرب مع روسيا - وفقاً لأنماط الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن العشرين، لكن على حدود جديدة، تحولت بشكل كبير نحو الشرق. كذلك، سيزداد الإنفاق العسكري للدول، ويتوسع الإنتاج العسكري، وتتحسن البنية التحتية العسكرية، وبخاصة، على الجانب الشرقي لـ«ناتو». وبناءً عليه؛ سيصبح المناخ الاجتماعي والسياسي أكثر صعوبة أيضاً.

وهكذا، بشكل عام، يقول خبراء روس إن عام 2025 عموماً سيكون مليئاً بالصراعات، الممتدة من عهد ولاية الرئيس جو بايدن حول روسيا وفي أوروبا، كما سيكون محفوفاً بالمنعطفات غير المتوقعة والخطيرة.

ومع القناعة بأن الاضطراب الاستراتيجي يتزايد باطراد، فإن نتيجة المعركة من أجل النظام العالمي الجديد ليست مُحددة مسبقاً بأي حال من الأحوال. إذ إن نقطة التوازن الافتراضية في النظام العالمي لا تزال بعيدة كل البعد عن الأفق. وفي هذا الصدد، يرون أن روسيا ستواجه في عهد الإدارة الجديدة تحدّيات جديدة في العديد من المجالات... ولا بد أن تكون مستعدة لها.