هل تعيد موسكو رسم خرائط النفوذ شرق الفرات؟

مصدر حكومي: روسيا لا تقلقنا ولن نكررعلاقة النظام السابق بها

وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف والسوري أسعد الشيباني في مؤتمر صحافي مشترك في موسكو (أ.ب)
وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف والسوري أسعد الشيباني في مؤتمر صحافي مشترك في موسكو (أ.ب)
TT

هل تعيد موسكو رسم خرائط النفوذ شرق الفرات؟

وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف والسوري أسعد الشيباني في مؤتمر صحافي مشترك في موسكو (أ.ب)
وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف والسوري أسعد الشيباني في مؤتمر صحافي مشترك في موسكو (أ.ب)

تجد موسكو الداعم الأول لنظام الرئيس السابق بشار الأسد نفسها اليوم أمام تحدي إعادة صياغة استراتيجياتها في سوريا التي باتت تزدحم بكبار اللاعبين الدوليين والإقليميين.

ومع سيطرة القوات الحكومية إلى حد ما على منطقة الساحل السوري، المجال الحيوي التقليدي للنفوذ الروسي سابقاً، تتجه روسيا للاستثمار في حالة الفراغ السياسي والأمني وغياب الدولة عن محافظة الحسكة، لإعادة بناء مناطق نفوذ جديدة في شمال شرقي سوريا بالتنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من خلال إعادة التموضع عسكرياً في مطار القامشلي الذي يخضع حتى الآن لسيطرة تلك القوات.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره السوري أسعد الشيباني (أ.ب)

سباق مع الزمن

ومع انهيار نظام الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي وخسارة روسيا أحد أهم الحلفاء، ومع واقع تعقيدات التحالف بين الدولة السورية الوليدة وتركيا، اللاعب الإقليمي الأهم في الشمال السوري، والتعارض البيّن بين السياسات الأميركية والتركية فيما يتعلق بمستقبل المنطقة، والموقف من قوات «قسد» الحليف الأوثق للأميركيين، تجد موسكو نفسها في سباق مع الزمن لإعادة ترتيب أوراقها، وبناء تحالفات جديدة من شأنها الحفاظ على نفوذ ما عبر قوى محلية مثل «قسد» أو بقايا النظام السابق، أو حتى البقاء على أنها لاعب فاعل ومؤثر في المشهد السوري عبر دور سياسي يتمثل في لعب دور الوسيط بين «قسد» والحكومة في دمشق، لكن يبقى ذلك سابقاً لأوانه حتى مع بوادر عودة العلاقة الدبلوماسية بين دمشق وموسكو، وتأكيد الأخيرة على دعم «وحدة الأراضي السورية».

وفي مؤشر واضح على كسر الجليد بين البلدين تأتي زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى موسكو، بعد اتصال هاتفي أجراه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أكد فيه على ضرورة الحفاظ على «وحدة أراضي» سوريا، بعد أسبوع على تدخل إسرائيل عسكرياً في جنوب البلاد.

خسارة استراتيجية

وفي حرص روسي واضح على عدم تكبد خسارة استراتيجية، كان بوتين قد مهّد لعودة العلاقات مع سوريا، بأن أجرى منذ فبراير (شباط) الماضي اتصالاً هاتفياً بنظيره السوري أحمد الشرع، أكد فيه دعم روسيا لـ«وحدة وسيادة وسلامة أراضي سوريا»، وأعرب عن استعداد موسكو لمساعدة سوريا في تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك تقديم المساعدات الإنسانية. كما شدد بوتين على أهمية تنفيذ سلسلة من الإجراءات لتطبيع الوضع في سوريا، وإحياء الحوار بين السوريين، حسبما أعلن الكرملين.

طائرة عسكرية روسية تقلع من قاعدة حميميم الجوية الساحلية في سوريا بعد سقوط النظام ديسمبر الماضي (رويترز)

وبموازاة المبادرات الدبلوماسية، جرت تحركات ميدانية عسكرية وأمنية، حيث أفادت مصادر مطّلعة في شمال شرقي سوريا لصحيفة «الشرق الأوسط» أنّ ضباطاً سابقين في جيش النظام السابق، إضافة إلى عناصر أمنيين، انتقلوا في الأشهر الأخيرة إلى مناطق شرق الفرات برعاية روسية، بعضهم انضم إلى قوات سوريا الديمقراطية، فيما احتفظ آخرون بعلاقاتهم المباشرة مع موسكو. وتؤكد المصادر أن أكبر تموضع للقوات الروسيّة حالياً في مطار القامشلي، في حين تسجّل تحركات غير ثابتة لمجموعات روسية في محيط الرقة. ويُقدر عدد العناصر الروس في شرق الفرات بـ200 عنصر، ما يجعل الوجود العسكري محدوداً مقارنة بالانتشار الأميركي.

وحتى أواخر يوليو (تموز) 2025، انخفض عدد الجنود الأميركيين في سوريا بشكل ملحوظ ضمن سياسة تقليص الوجود العسكري. وكان العدد عند سقوط النظام السابق نحو ألفي جندي موزعين في الشمال الشرقي بين الحسكة ودير الزور، وقاعدة التنف جنوب شرقي سوريا القريبة من الحدود المشتركة مع كل من العراق والأردن.

وخلال الأشهر التالية، بدأت خطة لسحب وإغلاق عدة قواعد عسكرية، ما خفّض العدد إلى نحو 1400 جندي، مع هدف الوصول إلى أقل من ألف جندي بحلول نهاية العام ضمن قاعدتين هما التنف ورميلان بعد أن كان الجنود ينتشرون في ثماني قواعد.

وتشير المصادر الخاصة إلى أن هذا الوجود الروسي ليس جديداً، بل تعود جذوره إلى ما قبل سقوط النظام، حين لعبت موسكو دور الوسيط بين «قسد» والنظام السوري، وسعت إلى بناء قنوات اتصال دائمة بين الطرفين.

لدينا مصالح مع موسكو

قال مسؤول حكومي سوري رفيع لصحيفة «الشرق الأوسط» إنّ دمشق لا تشعر بالقلق من الوجود الروسي في سوريا، مؤكّداً أنّ «روسيا عبّرت في لقاءاتها معنا عن رغبتها في بناء علاقة متوازنة وندية مع الدولة السورية». وأضاف المصدر مفضلاً عدم الكشف عن اسمه: «نعم، لدينا مصالح مع موسكو، سياسيّة وعسكريّة واقتصاديّة في المستقبل، لكنّ علاقتنا بها لن تكون كما كانت عليه في عهد النظام السابق، الذي استقدم الروس لقمع الشعب، ومنحهم كل شيء بلا مقابل ولا حسابات».

مدير منطقة جبلة خلال زيارته قاعدة حميميم (سانا)

وتابع المسؤول: «من مصلحة سوريا اليوم بناء علاقات متوازنة مع الجميع، تقوم على المصالح المتبادلة، والاحترام المتبادل. هذا لا يعني أنّ العلاقة مع موسكو خالية من العقبات أو التباينات، لكنّ المهم هو وجود رغبة جديّة من الجانبين لبناء نموذج جديد من الشراكة».

وشدّد المسؤول السوري على أنّ روسيا في المقابل «تبدي حرصاً واضحاً على وحدة سوريا، وترفض التدخل في شؤونها الداخليّة، ولا يبدو أنّها تدعم أي أطراف سوى الحكومة المعترف بها دولياً، وهو أمر نعتبره إيجابياً (..) حتى الآن، لم نرصد أي ممارسات أو نيات روسية تثير القلق، أو الشكوك».

حجة محاربة «داعش»

يرى رئيس المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية، مضر الأحمد، أن هناك تنسيقاً وثيقاً بين روسيا وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، خاصة في محيط مطار القامشلي الذي تحوّل، بحسب وصفه، إلى «قاعدة روسية كبيرة». ويؤكد الأحمد أن الدعم الروسي لـ«قسد» يشمل مستويات متعددة، عسكرية وسياسية وأمنية. ويقول الأحمد في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن لموسكو «مصلحة كبيرة» في تعزيز علاقاتها مع «قسد»، موضحاً أن روسيا تستخدم ورقة وجودها شرق الفرات، وتحالفها مع القوات الكردية ما يضعف حكومة دمشق. وأضاف: «موسكو تقف إلى جانب (قسد) ضد اندماجها في الجيش السوري، في ظل عدم ممانعة الولايات المتحدة وإسرائيل للوجود الروسي شرق الفرات».

دورية مشتركة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والولايات المتحدة في ريف القامشلي بشمال شرقي سوريا (رويترز)

ويعدّ الأحمد أن روسيا ترى في اللامركزية التي تطالب بها «قسد» مدخلاً لضمان مصالحها، ولا سيما في الساحل السوري، حيث تنتشر قواعدها الجوية في بانياس وريف جبلة، وفي مقدمتها قاعدة حميميم. كذلك يشير إلى أن روسيا تستغل ورقة «داعش» لتبرير بقائها العسكري في المنطقة، «إذ تُظهر نفسها على أنها قوة تحارب الإرهاب، وبذلك تشرعن وجودها شرق الفرات». ويضيف: «التحالف مع (قسد) يمثل الورقة الأهم بالنسبة لروسيا في سوريا، ولن تفرط بها، فهي من خلالها تقايض حكومة دمشق لتثبيت قواعدها، وتعزيز وجودها في البلاد». ويختم الأحمد بالقول إن روسيا «ليست من مصلحتها اندماج (قسد) مع الحكومة السورية، لأن بقاء الأخيرة مستقلة نسبياً يضمن في المقابل استمرار الوجود العسكري الروسي».

القامشلي مقابل حميميم

في سياق متصل، يكشف الصحافي السوري من مدينة دير الزور، زين العابدين العكيدي، لـ«الشرق الأوسط» أن تحركات القوات الروسية في شرق الفرات تقوم أحياناً بطلعات جوية، إضافة إلى رحلات لطائرات الشحن العسكرية بين مطاري القامشلي –حيث القاعدة الروسية– وقاعدة حميميم العسكرية في الساحل السوري.

جنود روس يقدمون عرضاً عسكرياً في قاعدة حميميم في سوريا (أرشيفية - د.ب.أ)

ويؤكد العكيدي أن عمليات نقل ضباط كبار من النظام السوري السابق من الساحل إلى مطار القامشلي بدأت منذ شهر أبريل (نيسان) الماضي، وبدأ حضورهم يصبح ملحوظاً في المنطقة مع قيام بعضهم بنقل عائلاتهم. ويعتقد العكيدي أن موسكو لن تخلي قاعدة القامشلي، معتبراً أنها ورقة أساسية بيدها أمام الأميركيين والأتراك على حد سواء. ويوضح: «حاولت (قسد) إقناع الروس بإقامة قاعدة قرب حقل العمر النفطي المهم، لكن الروس رفضوا العرض، كما رفضوا طلب (قسد) تغيير اسم مطار القامشلي إلى (قامشلو) أو (قابو) بالكردية، قبل أن يسمحوا لاحقاً بوضع إشارة تدل على المطار بأربع لغات من بينها الكردية». ويضيف العكيدي أن روسيا نقلت عدداً كبيراً من ضباط وعناصر النظام الفارين من الحكومة السورية الجديدة، وأرسلتهم إلى أوكرانيا للقتال معها، مقابل عقود تقارب 1000 دولار أميركي شهرياً، مع منحهم إقامات دائمة في روسيا تحميهم من الملاحقة.

موسكو ودمشق رؤية مشتركة

من جهته، قال الباحث في مركز جسور للدراسات فراس فحّام لصحيفة «الشرق الأوسط» إنّ روسيا تستخدم ضباط النظام السابقين وتحتويهم ضمن قواعدها، سواء في حميميم أو القامشلي، أو حتى في قواعدها خارج سوريا، لا سيما في شرق ليبيا. وأضاف أن موسكو تستخدم هؤلاء الضباط غالباً في مهمات لوجستية وأمنية تتعلق بتأمين القواعد الروسية، مثل الحماية، وجمع المعلومات الاستخباراتية.

لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في دمشق نهاية يناير (روسيا اليوم)

وأوضح فحّام أن المعطيات الميدانية لا تشير إلى أن روسيا بصدد تشكيل بنية عسكرية موازية لـ«قوات سوريا الديمقراطية» في شرق البلاد، مشيراً إلى أن الوجود الروسي في سوريا يتم بشكل واضح ومنسّق مع حكومة دمشق.

ويرى أن أحد أسباب امتناع روسيا عن الدفاع عن نظام الأسد في أيامه الأخيرة هو لا شك تلقيها تطمينات من أطراف فاعلة محلية وإقليمية بأن وجودها العسكري سيستمر. وأكد أن دمشق لن تفرط في علاقتها مع موسكو قبل اتضاح المسار الغربي حيال سوريا، لا سيما في ظل غياب ثقة دمشق بالتوجهات الأميركية المستقبلية في الملف السوري.

وفي أولى إشارات الانفتاح الرسمي على روسيا بعد سقوط نظام بشار الأسد، حرص الشرع على إرسال رسالة واضحة، مفادها بأن أي علاقة استراتيجية جديدة يجب أن تُبنى على أسس متوازنة. وكان الشرع قال في تصريحات سابقة إن إدارته «حريصة على بناء علاقات استراتيجية متجددة مع روسيا»، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن «أي شراكة مقبلة يجب أن تُبنى على قاعدة احترام سيادة الدولة السورية، واستقلال قرارها السياسي، وضمن إطار يضمن استقرار البلاد، ووحدتها».

لذا، فإن العلاقة بين موسكو و«قسد» ليست متينة بالشكل الذي قد تبدو عليه بحسب فحّام، لكون موسكو تدعم مبدأ وحدة الأراضي السورية، ما يتناقض مع الرؤية الآيديولوجية لـ«قسد»، ويتقاطع بالمقابل مع الموقف الرسمي لدمشق. وأضاف فحّام أن روسيا استخدمت «قسد» والنظام السوري في مرحلة معينة ورقة ضغط على تركيا، ووسيلة لابتزازها في الملف السوري، بما يفضي إلى تقريب تركيا من النظام، وإبعادها عن المعارضة السورية التي رعتها أنقرة.

واستبعد فحّام أن تُقدم روسيا على بناء منطقة نفوذ مستقلة لها شرق الفرات خارج التنسيق مع دمشق، موضحاً أن موسكو ليست في وارد الصدام مع الحكومة السورية، لأن القواعد الروسية الموجودة على الأراضي السورية باتت فعلياً أشبه بورقة بيد دمشق، ولا يمكن لروسيا المجازفة باستعداء النظام السوري في هذه المرحلة.

وأشار إلى أن موسكو حريصة على الحفاظ على تفاهماتها مع دمشق، لا سيما أنها تتفق مع تركيا على مبدأ وحدة الأراضي السورية، وتُبدي تحفظاً مشتركاً على تنامي النفوذ الإسرائيلي داخل سوريا.

روسيا وعشائر شرق الفرات

ترى قوى محلية فاعلة في مناطق شرق الفرات أنه لا يوجد نفوذ روسي ملموس في هذه المرحلة. وقال الشيخ ناصر الفرج، أحد وجهاء العشائر في شرق الفرات، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «لا وجود لنفوذ روسي حقيقي في شرق الفرات اليوم إلا من خلال (قسد)»، مشيراً إلى أنه «لا توجد أي قنوات تواصل أو حوار بين الروس والعشائر بشكل مباشر». وأضاف: «روسيا لم تتبنَّ أي طرف عشائري في شرق الفرات بعد سقوط النظام، قبل سقوط النظام كانت بعض الميليشيات المحلية في تلك المناطق تحظى بدعم أو غطاء روسي، ضمن ترتيبات أمنية ظرفية تعود إلى ما قبل سقوط النظام السوري».

قائد ميداني: روسيا مثل إيران

وقال أبو خالد الحصي، وهو قائد كتيبة في الجيش السوري (الجديد)، وقائد سابق في «حركة أحرار الشام» لـ«الشرق الأوسط»: «إن من حق الحكومة أن تفكر بعقل الدولة، وهذا أمر نفهمه ونتفهمه»، لكنه شدد على أن السوريين «لن ينسوا ما فعلته روسيا في السنوات الماضية».

وأضاف: «قتل أقربائي، مثل كثير من السوريين الذين سقطوا تحت القصف الروسي، حين كانت الطائرات الروسية تستهدف الأسواق والتجمّعات السكنية ومراكز الدفاع المدني». وأضاف: «لن نرى روسيا إلّا عدواً، فهي شريك مباشر في تهجيرنا، وفي قمع الثورة، وفي تمكين النظام من التوحش».

أطفال يقفون على تلة تطل على مخيم أطمة للنازحين على مشارف إدلب في شمال غربي سوريا (أ.ف.ب)

ورأى الحصي أن «روسيا، كإيران، لعبت دوراً أساسياً في قمع السوريين، لا سيما عبر غاراتها الجوية التي امتدّت لأعوام. ورغم أن العالم شهد صراعات تحولت لاحقاً إلى علاقات طبيعية، فإن ذاكرة الشعوب لا تخضع لهذا المنطق».

وختم قائلاً: «الأفضل أن يأتي يوم نفاوض فيه الروس على تسليم بشار الأسد وعدد من ضباط النظام الهاربين إلى روسيا، من خلال ورقة قواعدهم العسكرية في سوريا. هذا حق مشروع، لكنه لا يغير من حقيقة ثابتة هي: إن روسيا ستبقى عدواً في نظر غالبية السوريين».

سجل مثقل بالدم والنار

وكان

التقرير السنوي الأخير لعام 2024 الصادر عن «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» أورد أن القوات الروسية تسببت بمقتل 6 آلاف و969 مدنياً، بينهم 2055 طفلاً و983 امرأة، بالإضافة إلى مسؤوليتها المباشرة أو غير المباشرة عما لا يقل عن 362 «مجزرة»، منذ بدء تدخلها العسكري في سوريا في 30 سبتمبر (أيلول) 2015. وأظهر تحليل بيانات الشبكة أن العام الأول للتدخل الروسي (2015-2016) شهد أعلى حصيلة من الضحايا، حيث بلغ عدد القتلى المدنيين 3564 شخصاً، وهو ما يمثل نحو 51 في المائة من إجمالي الضحايا خلال السنوات التسع. وسجلت محافظة حلب الحصيلة الأعلى من الضحايا (نحو 41 في المائة من الإجمالي)، تلتها محافظة إدلب بنسبة تقارب 38 في المائة.

وسجّل التقرير أيضاً ما لا يقل عن 237 هجوماً بذخائر عنقودية، إلى جانب 125 هجوماً بأسلحة حارقة شنتها القوات الروسية خلال فترة تدخلها الممتدة حتى 30 سبتمبر 2024. وخلص التقرير إلى أن حجم العنف المتصاعد الذي مارسته القوات الروسية، بالتوازي مع قوات النظام والميليشيات الإيرانية، كان من الأسباب الأساسية في تشريد نحو 4.9 مليون نسمة، كثير منهم تعرّضوا للنزوح القسري المتكرر.

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مستقبِلاً نظيره السوري أحمد الشرع بالمكتب الرئاسي بقصر دولمة بهشة في إسطنبول (د.ب.أ)

نهج تركي في بناء العلاقات

وعلى ما يبدو، فإن الرئيس السوري أحمد الشرع يدرك جيداً أن علاقات التعاون المُتزنة مع موسكو تُشكّل ركيزة استراتيجية لتعزيز الموقف السوري، وخلق توازن ما في العلاقات مع الولايات المتحدة والدول الغربية. وإذ تُستحضر تجربة نظام الأسد الأب الذي ارتكز على الدعم العسكري السوفياتي، ثم اضطر بعد انهيار المعسكر الشرقي إلى انفتاح حذِر على الغرب للحفاظ على المصالح وسط تحوّلات النظام الدولي، فإن الإدارة الحالية تسعى لتجنب تكرار السيناريو ذاته عبر تبني نهج دبلوماسي أكثر توازناً وانفتاحاً على الجميع.

وتُلمّح قراءة نهج الشرع إلى تشابه لافت مع سياسات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في إدارة علاقات بلاده الخارجية، حيث يتبنى سياسةَ تحالفات متعدّدة المحاور تسمح بالتعاون مع روسيا والغرب في آن واحد. يُضاف إلى ذلك العامل الجوهري المتمثل في العضوية الدائمة لروسيا في مجلس الأمن الدولي، مما يُحوّل التعاون معها إلى رافعة دبلوماسية تمنح دمشق أدوات فعّالة لمواجهة التحديات والضغوط الغربية المستقبلية. هذا المسار يُوفّر للحكومة السورية هامشاً أوسع للمناورة في الساحة الدولية، مع واقع وجود مشكلات داخلية عالقة ومعقدة قد يطول حلّها.


مقالات ذات صلة

حاكم مصرف سوريا المركزي يدعو لدعم الليرة الجديدة

الاقتصاد حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية (إكس)

حاكم مصرف سوريا المركزي يدعو لدعم الليرة الجديدة

أكد حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية، أن الليرة الجديدة ليست مجرد وسيلة تبادل، بل رمز لنجاح الثورة السورية، والانتماء، والثقة بالقدرة على النهوض.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي علم سوريا خلال احتفالات مرور عام على سقوط نظام بشار الأسد وسط حماة (أرشيفية - أ.ف.ب)

سوري يقتل زوجته وبناته الثلاث ثم ينتحر في حماة

لقي خمسة أشخاص من عائلة واحدة سورية حتفهم مساء الجمعة داخل منزلهم في ظروف غامضة بحي البياض في مدينة حماة.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي أرشيفية لسيارات تصطفّ لدخول لبنان بعد الإطاحة ببشار الأسد بالقرب من الحدود اللبنانية السورية (رويترز)

اعتقال 12 شخصاً بينهم ضباط مرتبط بنظام الأسد على الحدود السورية اللبنانية

ألقت وحدات حرس الحدود السورية، في وقى متأخر من يوم أمس (الجمعة)، القبض على 12 شخصاً بينهم عناصر وضباط لديهم ارتباط بالنظام السابق على الحدود السورية اللبنانية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي عناصر من الشرطة السورية خلال عملية أمنية ضد خلية لـ«داعش» في حلب (الداخلية السورية)

اشتباكات بين «قسد» والقوات الحكومية في حلب

أفاد التلفزيون السوري بإصابة جندي من قوات الأمن الداخلي برصاص قناصة من «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) على حاجز أمني في مدينة حلب.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي آثار الانفجار في مسجد علي بن أبي طالب بحمص (د.ب.أ) play-circle

إدانات واسعة للهجوم الإرهابي على مسجد في حمص السورية

أدانت السعودية والإمارات والعراق وتركيا والأردن ولبنان وقطر ومجلس التعاون الخليجي، الجمعة، الهجوم «الإرهابي» على مسجد في حي وادي الذهب بمدينة حمص السورية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

مصر وترمب... تحالف استراتيجي على وقع اضطرابات إقليمية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2018 (الرئاسة المصرية)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2018 (الرئاسة المصرية)
TT

مصر وترمب... تحالف استراتيجي على وقع اضطرابات إقليمية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2018 (الرئاسة المصرية)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2018 (الرئاسة المصرية)

بعد أشهر من التكهنات بشأن مستقبل العلاقات المصرية - الأميركية، وسط حديث متكرر عن بوادر «توتر وأزمة» بين القاهرة وواشنطن على خلفية تبني الرئيس دونالد ترمب مقترحاً لـ«تهجير» سكان غزة، الذي رفضه الرئيس عبد الفتاح السيسي، وما تبع ذلك من تداعيات، جاء لقاء الرئيسين في شرم الشيخ وتوقيعهما اتفاق سلام بشأن غزة ليؤكد استمرار التحالف الاستراتيجي بين البلدين على وقع الاضطرابات الإقليمية.

وبينما شهدت بداية العام الأول من ولاية ترمب حديثاً إعلامياً عن إلغاء السيسي خطط زيارة لواشنطن، ينتهي العام بتكهنات عن اقتراب تنفيذ تلك الزيارة، رد الرئيس الأميركي عليها بقوله: «السيسي صديق لي، وسأكون سعيداً بلقائه أيضاً».

وحمل فوز ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية، نهاية العام الماضي، آمالاً مصرية بتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، عبَّر عنها السيسي، في منشور لتهنئة ترمب عبر حسابه الرسمي على موقع «إكس»، قال فيه: «نتطلع لأن نصل معاً لإحلال السلام، والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليميَّين، وتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية».

لكن طَرْحَ ترمب خطة لـ«تطهير غزة»، وتهجير سكانها إلى مصر والأردن، ألقى بظلاله على العلاقات بين البلدين، لا سيما مع إعلان القاهرة رفضها القاطع للتهجير، وحشدها دعماً دولياً لرفض الطرح الأميركي مع إعلانها مخططاً بديل لإعمار غزة، واستضافتها قمةً طارئةً بهذا الشأن في مارس (آذار) الماضي.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يرحب بنظيره المصري عبد الفتاح السيسي في البيت الأبيض (أرشيفية - رويترز)

القليل المعلن

ويرى ديفيد باتر، الباحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «تشاتام هاوس»، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن الجانب اللافت في العلاقة بين مصر والولايات المتحدة، على مدار العام الماضي، هو «انخفاض مستوى الجوانب العلنية»، فباستثناء «عرض ترمب» في شرم الشيخ، «لم يكن هناك كثير مما جرى، على الملأ».

في حين وصف عمرو حمزاوي، أستاذ العلوم السياسية المصري، مدير برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة «كارنيغي»، العام الأول من ولاية ترمب الثانية، بأنه كان «عاماً صعباً فيما يتعلق بالعلاقات المصرية - الأميركية»، مشيراً في مقابلة مع «الشرق الأوسط» إلى أن «العام بدأ بحديث عن التهجير و(ريفييرا الشرق الأوسط)، لكن مصر بجهودها الدبلوماسية استطاعت تحويل المسار، لتحمل خطة ترمب للسلام إشارة إلى رفض التهجير، وحديث عن مسار أمني وسياسي لغزة، ومسار سياسي للقضية الفلسطينية كلها، وإن كان غير واضح».

وقال حمزاوي: «بدأ العام من نقطة صعبة، هي تطور طبيعي لموقف بايدن المتخاذل في غزة، حيث بدأ الحديث التهجير فعلياً في عهد بايدن، لكن بعد نحو عام من الجهد المصري السياسي والدبلوماسي وصلت الأمور لمعكوس البدايات، حيث أصبح التهجير غير مطروح على أجندة واشنطن، وإن ظل خطراً قائماً لا يمكن تجاهله».

تاريخياً «شكّلت مصر دولةً محوريةً بالنسبة للأمن القومي الأميركي، استناداً إلى موقعها الجغرافي، وثقلها الديمغرافي، ودورها الدبلوماسي»، بحسب تقرير نشرته أخيراً وحدة أبحاث الكونغرس الأميركي.

ترمب يعرض النسخة التي وقَّع عليها لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة بمدينة شرم الشيخ المصرية في أكتوبر 2025 (أرشيفية - أ.ف.ب)

غزة... العقدة الأبرز

كان لحرب غزة دور في تشكيل العلاقات المصرية - الأميركية خلال العام الأول من ولاية ترمب، ودعمت واشنطن جهود الوساطة المصرية - القطرية لإيقاف الحرب. ووجَّه وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، الشكر للقاهرة بعد نجاحها في إقرار هدنة بين إسرائيل وحركة «حماس» في يناير (كانون الثاني) الماضي. لكن مع استئناف القتال مرة أخرى «وُضعت مصر في مواقف دبلوماسية معقّدة إزاء كلٍّ من الولايات المتحدة وإسرائيل؛ فبينما رفضت دعوة ترمب لإعادة توطين سكان غزة، فإن خطتها لإعادة إعمار غزة لم تحظَ بقبول من الولايات المتحدة أو إسرائيل. وتعرَّضت القاهرة لانتقادات من ترمب إثر امتناعها عن الانضمام إلى واشنطن في تنفيذ أعمال عسكرية ضد جماعة (الحوثي) اليمنية»، بحسب وحدة أبحاث الكونغرس.

وأوضح الباحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «تشاتام هاوس» أن «العلاقات المصرية مع إدارة ترمب شهدت توتراً على خلفية ملف غزة؛ حيث ألغى السيسي خططاً لزيارة واشنطن في مطلع العام، عقب إعلان ترمب عن (ريفييرا الشرق الأوسط)، ليقتصر التواصل بين الجانبين على الحد الأدنى».

لكن باتر يشير إلى أن «زيارة ترمب لشرم الشيخ وتوقيع (اتفاق غزة) والاحتفاء بنجاح خطته، كانت فرصة لإعادة ضبط العلاقات بين القاهرة وواشنطن»، لافتاً إلى أنه بالنسبة للوضع في غزة فإن «مصر أصبحت لاعباً رئيسياً لا غنى عنه لإدارة ترمب ولإنجاح خطته».

وقال حمزاوي: «إن غزة كانت الملف الأبرز في العام الأول لإدارة ترمب، ومنحت مصر فرصةً لاستعادة قراءة صانع القرار الأميركي والأوروبي لدورها وسيطاً رئيسياً لحل الصراع وتفعيل وتنفيذ الاتفاق، والانطلاق لمسارات سياسية»، لافتاً إلى أن «القاهرة استطاعت وضع رؤيتها للحل على الطاولة، فبدلاً من تعاقب المسارَين الأمني والسياسي في الطرح الأميركي، أصبح هناك توافق على توازي المسارات، وكذلك الأمر تحول من الحديث عن نزع السلاح إلى قبول فكرة حصر السلاح».

وطوال العام عوّلت مصر على ترمب لإنهاء الحرب في غزة، عبر بيانات وتصريحات رسمية عدة، ودخلت واشنطن بالفعل على خط الوساطة. وحثَّ السيسي نظيره الأميركي، في كلمة متلفزة في يوليو (تموز) الماضي على بذل الجهد لوقف الحرب بوصفه «قادراً على ذلك».

وتعد «مصر دولة لا غنى عنها في خطوات الاستجابة الدولية لحرب غزة، وإن ظلت شريكاً صعباً للولايات المتحدة وإسرائيل»، وفق ما كتبه الباحثان الأميركيان دانيال بيمان وجون ألترمان، في مقال مشترك نشرته «فورين بوليسي». وأوضح بيمان وألترمان أن «الحرب في غزة أعادت تسليط الأضواء الدبلوماسية تدريجياً على مصر، ومنحتها أوراق ضغط قوية».

بدورها، ترى سارة كيرة، مديرة المركز الأوروبي الشمال أفريقي للأبحاث، أن «وتيرة العلاقات المصرية - الأميركية في ظل إدارة ترمب في ولايته الثانية تختلف عن الأولى»، موضحة في مقابلة مع «الشرق الأوسط» أن «ولاية ترمب الأولى شهدت توافقاً بين البلدين في ملفات عدة، وكانت هناك حفاوة من ترمب شخصياً بمصر وإدارتها للملفات المختلفة، لا سيما مكافحة الإرهاب، على عكس الولاية الثانية التي شهدت تباينات في المواقف».

هذه الخلافات في المواقف برزت في أبريل (نيسان) مع حديث ترمب عن «مرور مجاني لسفن بلاده التجارية والعسكرية في قناة السويس المصرية»، مقابل ما تبذله واشنطن من إجراءات لحماية الممر الملاحي.

إيجابية رغم التباين

تباين المواقف بشأن غزة لم يمنع من إشارات إيجابية في ملفات أخرى، ففي بداية العام قرَّرت وزارة الخارجية الأميركية تجميد التمويل الجديد لجميع برامج المساعدات الأميركية في مختلف أنحاء العالم، باستثناء برامج الغذاء الإنسانية، والمساعدات العسكرية لإسرائيل ومصر.

كما لم تدرج واشنطن مصر ضمن قائمة حظر السفر التي أصدرتها في يونيو (حزيران) الماضي، وبرَّر ترمب ذلك بأن «مصر دولة نتعامل معها من كثب. الأمور لديهم تحت السيطرة». واستُثنيت مصر أيضاً من زيادة رسوم الجمارك الأميركية. في وقت أكدت فيه مصر مراراً على «عمق ومتانة» العلاقات الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن.

وأشارت كيرة إلى أن «مصر ضغطت بكل ما أوتيت من قوة لتحقيق السلام وإيقاف الحرب على قطاع غزة، ونجحت في إقناع الجانب الأميركي برؤيتها حتى وصلت لتوقيع اتفاق سلام في شرم الشيخ». وقالت: «تعاملت الدولة المصرية ببراغماتية وذكاء، واستطاعت بفهمها لطبيعة شخصية ترمب وللمصالح الأميركية إقناع واشنطن برؤيتها».

وبينما يتعثر الوصول للمرحلة الثانية من اتفاق غزة، لا تزال مصر تعوّل على ترمب لإنجاح خطته، وتتواصل القاهرة مع واشنطن في هذا الشأن، كما تعمل معها على الإعداد لمؤتمر تمويل إعادة إعمار القطاع، الذي لا يبدو حتى الآن أن إدارة ترمب أعطته الزخم الكافي.

ولا يقتصر الحوار المصري - الأميركي على غزة، بل يمتد إلى عدد آخر من الملفات الإقليمية مثل ليبيا والسودان ولبنان وإيران، إضافة إلى الملفات المرتبطة بالأمن المائي، وعلى رأسها «سد النهضة» الإثيوبي الذي تخشى مصر أن يضر بحصتها من مياه النيل.

«سد النهضة» الإثيوبي (وكالة الأنباء الإثيوبية)

سد النهضة

في منتصف يونيو الماضي، أثار ترمب جدلاً في مصر بحديثه عبر منصته «تروث سوشيال» بأنَّ الولايات المتحدة «موَّلت بشكل غبي سد النهضة، الذي بنته إثيوبيا على النيل الأزرق، وأثار أزمةً دبلوماسيةً حادةً مع مصر». وفي أغسطس (آب) الماضي، أعلن «البيت الأبيض» قائمة نجاحات ترمب في إخماد حروب بالعالم، تضمَّنت اتفاقية مزعومة بين مصر وإثيوبيا بشأن «سد النهضة». وكرَّر ترمب مراراً حديثاً عن جهود إدارته في «حل أزمة السد الإثيوبي»، لكن هذا الحديث لم يترجم حتى الآن إلى جهود على الأرض.

وأشار حمزاوي إلى أن «هناك فرصة لتلعب واشنطن دور الوسيط لحل أزمة سد النهضة، والعودة للاتفاق الذي تمَّ في نهاية فترة ترمب الأولى». لكن تشارلز دن، الباحث في «المركز العربي واشنطن دي سي»، كتب في تقرير نُشر أخيراً، يقول: «إن موقف ترمب من السد الإثيوبي قد يمنح قدراً من الرضا للقاهرة، لكنه قد يفضي في الوقت نفسه إلى نتائج غير محمودة، في ظل عدم تبني واشنطن دور الوسيط في هذا الملف حتى الآن».

وكانت واشنطن قد استضافت جولة مفاوضات خلال ولاية ترمب الأولى عام 2020 بمشاركة البنك الدولي، بين مصر وإثيوبيا والسودان، لكنها لم تصل إلى اتفاق نهائي؛ بسبب رفض الجانب الإثيوبي التوقيع على مشروع الاتفاق.

قوات أميركية محمولة جواً خلال تدريبات النجم الساطع في مصر في سبتمبر 2025 (القيادة المركزية الأميركية)

علاقات عسكرية مستمرة

على صعيد العلاقات العسكرية، واصل التعاون بين الجانبين مساره المعتاد. ومنذ عام 1946، قدَّمت الولايات المتحدة لمصر نحو 90 مليار دولار من المساعدات، مع زيادة كبيرة في المساعدات العسكرية والاقتصادية بعد عام 1979، بحسب وحدة أبحاث الكونغرس، التي أشارت إلى أن الإدارات الأميركية المتعاقبة تبرِّر ذلك بوصفه «استثماراً في الاستقرار الإقليمي».

وعلى مدى أكثر من عقد، وضع الكونغرس شروطاً متعلقة بحقوق الإنسان على جزء من المساعدات الموجَّهة لمصر. وخلال الأعوام المالية من 2020 إلى 2023، حجبت إدارة بايدن والكونغرس نحو 750 مليون دولار من التمويل العسكري لمصر، لكن الملحق الفني الأخير الذي قدَّمه ترمب لموازنة عام 2026، تضمّن طلباً بقيمة 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية لمصر، دون أي مشروطية، وفق وحدة أبحاث الكونغرس.

وهنا قال حمزاوي: «الإدارة الأميركية أبعد ما تكون عن وضع مشروطية على مصر، فالعلاقات بين البلدين مبنية على المصالح بين قوة كبرى، وأخرى وسيطة مؤثرة بإيجابية».

بالفعل، منذ حرب غزة، سرَّعت إدارتا بايدن وترمب وتيرة مبيعات الأسلحة الأميركية إلى مصر بشكل ملحوظ، وأخطرت وزارة الخارجية الكونغرس بمبيعات عسكرية لمصر بقيمة إجمالية بلغت 7.3 مليار دولار، بحسب وحدة أبحاث الكونغرس. وفي يوليو الماضي أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) موافقة وزارة الخارجية، على صفقة بيع لمنظومة صواريخ متقدمة للدفاع الجوي إلى مصر، بقيمة تقدر بنحو 4.67 مليار دولار. كما استضافت مصر في سبتمبر (أيلول) الماضي مناورات «النجم الساطع».

وقالت كيرة: «العلاقات بين مصر وواشنطن تسير وفقاً لاعتبارات المصالح»، مؤكدة أن «القاهرة استطاعت تقديم نفسها لاعباً أساسياً في الإقليم». بينما أكد حمزاوي أن «مصر في مكان مركزي في تفكير الولايات المتحدة للشرق الأوسط، حيث تحتاج واشنطن إلى طيف من الحلفاء، ومصر في موقع القلب منه».


عام في السودان... حرب شرعيات ومصالح وخطوط نفوذ

السودان يتصدر قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية للعام الثالث في ظل الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف (رويترز)
السودان يتصدر قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية للعام الثالث في ظل الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف (رويترز)
TT

عام في السودان... حرب شرعيات ومصالح وخطوط نفوذ

السودان يتصدر قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية للعام الثالث في ظل الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف (رويترز)
السودان يتصدر قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية للعام الثالث في ظل الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف (رويترز)

خفتت آمال السودانيين في نهاية قريبة للحرب والمأساة الإنسانية التي يعيشونها منذ 15 أبريل (نيسان) 2023، ومنذ اللحظة التي انطلقت فيها الرصاصة الأولى، ثم تزايد تشاؤمهم بأن المشهد يزداد قتامة مع تعثر المبادرات الإقليمية والدولية.

لكن تدخل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وطلبه من الرئيس الأميركي دونالد ترمب «التدخل» بكامل ثقله الرئاسي، أعاد بريق الأمل، وقفز دور السعودية إلى قلب حديث الناس، وفتح نافذة جديدة تراهن على ثقل قادر على كسر الجمود.

وخلال زيارته الرسمية إلى الولايات المتحدة أخيراً، طلب ولي العهد من الرئيس الأميركي التدخل للمساعدة في وقف الحرب، وفق تصريحات أدلى بها ترمب خلال المنتدى الأميركي – السعودي للأعمال في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكشف ترمب وقتها أن ولي العهد طلب منه التدخل لوقف حرب السودان، بقوله: «سمو الأمير يريد مني القيام بشيء حاسم يتعلق بالسودان»، وأضاف: «بالفعل بدأنا العمل بشأن السودان قبل نصف ساعة، وسيكون لنا دور قوي في إنهاء النزاع هناك».

الأمير محمد بن سلمان مستقبلاً في قصر اليمامة بالرياض رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان (واس)

عندما يتكلم الناس

في الخرطوم التي دمرتها الحرب، نظر مواطنون للتحرك السعودي بوصفه استجابة «متوقعة من الأشقاء»، يقول أحمد موسى، إن «ما فعله ولي العهد السعودي أمر متوقع من المملكة، كدولة شقيقة».

وفي الفاشر التي سيطرت عليها «قوات الدعم السريع»، لم تخفِ حواء إبراهيم تأثير الحرب في كلماتها، قبل أن تربط الأمل بأي خطوة توقف النزيف: «الحرب قضت على الأخضر واليابس، وتضررنا منها كثيراً».

أما في الأبيض، عاصمة شمال كردفان المحاصرة، حيث يعيش السكان على حافة القلق من تمدد القتال، فيختصر عيسى عبد الله المزاج العام بقوله: «تأثرت كل البيوت بالحرب، لذلك نحن نرحب بتدخل الأشقاء».

ومن نيالا التي يتخذ منها تحالف «تأسيس» عاصمة موازية، يقول ف. جبريل إن السكان «يأملون أن تجتث الحرب من جذورها، وأن تصل إليهم المساعدات الإنسانية، وأن يعود النازحون إلى ديارهم».

ولا يطلب السودانيون حلاً مفروضاً من الخارج، بقدر ما يريدون وسيطاً «نزيهاً» يعيد الأطراف إلى طاولة الحوار، ويمنع استخدام المسارات السياسية لشراء الوقت، ويعتقدون أن السعودية هي ذلك الوسيط.

شاحنة محمّلة بممتلكات شخصية لعائلات نازحة تنتظر مغادرة نقطة حدودية في مقاطعة الرنك بجنوب السودان (أرشيفية - أ.ف.ب)

إشارات تراجع

على المستوى الرسمي، لم تسر الاستجابة على خط واحد، ففي 19 نوفمبر 2025، وبمجرد إعلان ترمب عن طلب ولي العهد، رحّب رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان بالخطوة، وكتب في تغريدة على «إكس»: «شكراً سمو الأمير محمد بن سلمان، شكراً الرئيس ترمب».

ورحّبت حكومة البرهان بالجهود السعودية والأميركية، وأبدت استعدادها «للانخراط الجاد لتحقيق السلام». لكنها تحفظت على وساطة «المجموعة الرباعية» التي تضم الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر، وأبدت تفضيلاً للوساطة السعودية.

«صفقة عسكرية»

ورحب التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود) الذي يقوده رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك بالجهود السعودية، واعتبرها «خطوة إيجابية قد تفتح مساراً جديداً»، بيد أنه اشترط ألا يكون الحل حصراً بين العسكريين، وأن يشارك المدنيون في أي تسوية شاملة قادمة.

من جهته، عبر تحالف السودان التأسيسي - اختصاراً «تأسيس» - الموالي لـ«قوات الدعم السريع»، عن تأييده للتحرك السعودي، واعتبره تأكيداً على حرص المملكة على منع انهيار السودان.

سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم «الأفاد» للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

هل تنجح المبادرة؟

يراهن السودانيون على تحويل الجهود السعودية - الأميركية من «إشارة سياسية» إلى مسار دبلوماسي كامل يتضمن «ضغطاً يفضي إلى وقف إطلاق نار، وترتيبات إنسانية تفتح الممرات وتخفف المعاناة، ثم عملية سياسية لا تعيد إنتاج الأزمة»، وفق المحامي حاتم إلياس لـ«الشرق الأوسط».

وقال إلياس لـ«الشرق الأوسط»، إن «التحدي الأكبر يبقى في تعقيد الحرب نفسها: صراع على الشرعية، وانقسام مجتمعي، ومؤسسات ضعيفة، وتضارب مصالح أطراف متعددة».

ورغم هذه التعقيدات، فإن المزاج الشعبي من بورتسودان إلى الخرطوم إلى الفاشر والأبيض ونيالا، يبدو واضحاً، حسب الصحافي المقيم في باريس محمد الأسباط، في أن «هناك تعلقاً بالأمل الهش بتوقف البنادق وفتح باب نحو سلام طال انتظاره».

وبعد تراجع آمال السودانيين في حل قريب، عادت الروح المتفائلة مرة أخرى، إثر زيارة رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان للرياض 15 ديسمبر (كانون الأول) الحالي للمملكة، والاجتماع الرفيع الذي عقده معه ولي العهد.

وبدا أن مجرد عقد هذا الاجتماع في الرياض، فتح بوابة جديدة للأمل بوقف الحرب وإنهاء المأساة الإنسانية، وكأن واقع الحال يقول: «تضع السعودية ملف وقف الحرب في السودان على رأس أولوياتها».

ويأمل السودانيون الذين أنهكتهم الحرب وأزهقت أرواح العديد منهم، وأهلكت ضرعهم وزرعهم، وشردتهم في بقاع الدنيا، لاجئين ونازحين، العودة إلى بلادهم وبيوتهم، وحياتهم التي يفتقدونها، فهل تثمر المبادرات سلاماً مستداماً هذه المرة؟


ترمب «عرَّاب» اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

ترمب يعرض النسخة التي وقَّع عليها لاتفاق غزة في شرم الشيخ (أرشيفية - أ.ف.ب)
ترمب يعرض النسخة التي وقَّع عليها لاتفاق غزة في شرم الشيخ (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

ترمب «عرَّاب» اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

ترمب يعرض النسخة التي وقَّع عليها لاتفاق غزة في شرم الشيخ (أرشيفية - أ.ف.ب)
ترمب يعرض النسخة التي وقَّع عليها لاتفاق غزة في شرم الشيخ (أرشيفية - أ.ف.ب)

في قطاع غزة، كان لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب دور بارز في إقناع «حماس» وإسرائيل بضرورة التوصل إلى اتفاق يفضي لوقف إطلاق النار، وإعلان انتهاء الحرب التي استمرت لمدة عامين، دفع خلالها الفلسطينيون أثماناً لا تحتمل من خسائر بشرية ومادية وعلى صعد مختلفة، منها الصحة والبيئة والبنية التحتية وغيرها.

ويحسب لإدارة ترمب أنها نجحت فعلاً بالتوصل لاتفاق بعد محاولات حثيثة من إدارة جو بايدن للتوصل إلى اتفاق يفضي لوقف إطلاق النار، إلا أن كل الجهود فشلت آنذاك في ظل خلافات برزت بينها وبين الحكومة الإسرائيلية بزعامة بنيامين نتنياهو، الذي كان يتوق لعودة ترمب إلى الحكم. إلا أن هذه العودة لم تكن مثل ولاية ترمب الأولى التي منح خلالها لإسرائيل الكثير من الهدايا سواء الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، أو سيادتها على الجولان، أو حتى العمل على الاتفاقيات الإبراهيمية.

قبول مواقف «حماس»

وفرض ترمب على نتنياهو وحكومته العديد من القرارات المتعلقة بالشأن الفلسطيني والمنطقة بأسرها، وخاصةً فيما يتعلق بالحرب على إسرائيل، حين فاجأ الأخيرة بقبول موقف «حماس» من خطته التي طرحت على الحركة، بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وهو أمر فاجأ نتنياهو وحكومته بشكل خاص، قبل أن تقبل الحكومة الإسرائيلية، بالأمر الواقع، ويتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

وعلى الرغم من أن هذا الإنجاز يحسب لإدارة ترمب، فإن الخروقات الإسرائيلية المستمرة لوقف إطلاق النار الهش للغاية، قد تفضي إلى إفشاله. لكن أيضاً حالة العجز الفلسطينية بعد حرب استمرت عامين واستنزفت كل قدرات فصائلها المسلحة وخاصةً «حماس» و «الجهاد الإسلامي»، ربما تدفع الجميع بقبول ما تطمح إليه الولايات المتحدة من العبور إلى المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار. ليتم ذلك لا بد من دعم من الوسطاء الذين يحاولون تقريب وجهات النظر بين «حماس» وإسرائيل من جانب، والولايات المتحدة من جانب آخر، ويتمحور دورها في الضغط على حكومة نتنياهو، بقبول الاتفاق والالتزام ببنوده. ففي أكثر من مرة منعت هذه الحكومة من اتخاذ إجراءات مثل إغلاق المعابر مجدداً للقطاع بحجة خروقات حصلت من جانب «حماس»، كما ضغطت عليها في العديد من المرات بالالتزام بزيادة عدد الشاحنات التجارية والمساعدات إلى القطاع.

«ضغوط وهمية»؟

رغم أن هذه الضغوط تؤتي أكلها وثمارها في بعض الأحيان، لكن الفصائل الفلسطينية والمراقبين للوضع في قطاع غزة، يرون أنها مجرد ضغوط وهمية في قضايا غير ملحة، وأن هناك حاجة أكثر لضرورة أن يكون الضغط فاعلاً تجاه قضايا أكبر ومهمة بالنسبة للسكان في القطاع، مثل البدء بتوفير المواد الإغاثية من خيام جيدة صالحة للحياة، وإدخال الكرفانات، والبدء بمسيرة إعمار جادة، بينما تتطلع إسرائيل للبدء بنزع سلاح «حماس» والفصائل الأخرى، وأن تتخلى الحركة عن حكمها للقطاع، وهي قضايا ما زالت تبحث ويدار حولها الكثير من اللقاءات والمحادثات الهادفة للانتقال لكل عناصر وبنود الاتفاق بمرحلته الثانية.

خريطة لمراحل الانسحاب من غزة وفق خطة ترمب (البيت الأبيض)

ولربما غالبية سكان قطاع غزة، كانوا يتطلعون لنجاحات أكبر من إدارة ترمب بعد أن فرضت على إسرائيل و«حماس» اتفاق وقف إطلاق النار، سواء من خلال الدبلوماسية التي قادتها هذه الإدارة من جانب، أو من خلال سياسة الضغط عبر الوسطاء وحتى عبر التهديدات التي كان يطلقها ترمب من حين إلى آخر، لكن هناك من يرى سياسياً وشعبياً أن الولايات المتحدة ما زالت لم تقدم الكثير تجاه إنجاح هذا الاتفاق في ظل أنه كان المأمول في أن يتغير واقع القطاع لأفضل من ذلك، خاصةً على مستوى الظروف الحياتية وبدء الإعمار، وهو الأمر الذي يهتم به المواطن في غزة أكثر من أي مطالب أخرى.

المرحلة الثانية

وفتحت اللقاءات المباشرة بين «حماس» والإدارة الأميركية، التي كانت مفاجئة بالنسبة لإسرائيل، أفقاً أكبر لإمكانية الانتقال للمرحلة الثانية بسلاسة كما جرى في المرحلة الأولى، حيث تحاول الحركة الفلسطينية إقناع إدارة ترمب بالعديد من المقترحات التي تقدمها عبر الوسطاء، لكنها كانت تتطلع لعقد لقاء آخر مع المبعوثين الأميركيين لبحث هذه القضايا بشكل مباشر، قبل أن تعترض إسرائيل على هذه اللقاءات، ما أدى لتأجيلها، في وقت جرت تسريبات عن أنها عقدت سراً، وهو الأمر الذي لم يؤكد سواء من الحركة أو الولايات المتحدة.

مسلحون من «حماس» يحملون أحد التوابيت في أثناء تسليم جثث رهائن إسرائيليين إلى «الصليب الأحمر» في خان يونس 20 فبراير 2025 (د.ب.أ)

ويبدو أن «حماس» التي تدرس جيداً الكثير من خطواتها، قبل أن تخطوها، تتفهم خريطة عمل إدارة ترمب التي تصنف في استراتيجية أمنها القومي منطقة الشرق الأوسط «منطقة شراكة» لا التزام عسكري طويل، بما يشير إلى أن الولايات المتحدة تحت حكم ترمب، منفتحة على أن حتى من يصنفون أنهم أعداؤها، يمكن أن تكون لهم الفرصة في حال أثبتوا قدرتهم على أن يصبحوا شركاء نافذين لها في منطقة الشرق الأوسط، وأنه لا يهمها من يحكم، إنما يهمها الشراكة المُجدية فقط.

انتصار مزدوج

وتتجه «حماس» لاستغلال هذه الفرصة التي وضعتها الإدارة الأميركية لنفسها، للتواصل مع جهات غير حكومية في سبيل حل التعقيدات التي تواجه سياساتها الخارجية، خاصةً في منطقة الشرق الأوسط، بما يحقق لها ولرئيسها دونالد ترمب، انتصاراً دبلوماسياً يطمح له الأخير لتحقيق هدفه بالحصول على جائزة «نوبل» للسلام من جانب، وبما يشكل من جانب آخر اتفاقاً قد يكون غير مسبوق فيما يتعلق بواقع القضية الفلسطينية ومصير الصراع مع إسرائيل.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في قمة شرم الشيخ لإنهاء حرب غزة بمصر يوم 13 أكتوبر 2025 (رويترز)

ورغم هذه الرؤية، فإن هناك في «حماس» من لا يأمن الجانب الأميركي الذي قدم في العديد من المرات وعوداً لم تتحقق بالنسبة للحركة، ومنها عندما أطلقت سراح الجندي الإسرائيلي الذي يحمل الجنسية الأميركية، عيدان ألكسندر، كهدية لترمب بعد لقاءات مباشرة بين الجانبين، وضمن اتفاق ضمني يسمح بفتح المعابر وإدخال المساعدات للقطاع، في وقت تهربت فيه إسرائيل من هذا الاتفاق، كما تهربت من اتفاق مماثل بتسليم جثة الضابط الإسرائيلي هدار غولدن مقابل حل أزمة العناصر المسلحة من «حماس» في أنفاق رفح، الأمر الذي قد يؤشر أيضاً إلى عدم قدرة تحقيق الإدارة الأميركية إنجازات حقيقية في قطاع غزة، حال بقيت سياستها على حالها دون ضغط حقيقي على إسرائيل.