«بريكست» بريطانيا... الحمى أقل زخماًhttps://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7/5095964-%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%B3%D8%AA-%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%85%D9%89-%D8%A3%D9%82%D9%84-%D8%B2%D8%AE%D9%85%D8%A7%D9%8B
نتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا تزال تثير جدلاً سياسياً واجتماعياً (أ.ب)
خلال السنوات الـ8 التي مرت منذ التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) عام 2016، كُتبت ملايين الكلمات عن آثاره. وحتى يومنا هذا، لا تزال قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تقسم البريطانيين.
في المملكة المتحدة، هيمن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على النقاش السياسي لسنوات، سيما بين عامي 2016 و2019. وبدا الأمر وكأن الملحمة لا نهاية لها. كنت نائباً في البرلمان ووزيراً في الحكومة البريطانية طوال ذلك الوقت. وأعلم كم من الوقت استهلك الجدل الذي يبدو بلا نهاية.
لكن الساحة السياسية في المملكة المتحدة اليوم أصبحت أقل زخماً بحمى البريكست. واستقر النقاش الآن على شواغل أطول أجلاً: كيف يمكننا تنمية الاقتصاد؟ وكيف يمكننا التعامل مع مستويات الهجرة المرتفعة للغاية؟ وكيف يمكن للمملكة المتحدة أن ترسم طريقها في الساحة الدولية؟
في الأثناء، وفي أوروبا نفسها، هناك مشاكل ملحة لا علاقة لها بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والمشاكل التي تواجهها أوروبا تماثل بشكل ملحوظ مشاكل بريطانيا.
يُنظر إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على اعتبار أنه عمل غريب وضرب من الجنون من جانب البريطانيين، في الوقت الذي أصبحت فيه القوى الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي وألمانيا وفرنسا أكثر تركيزاً على الداخل وأكثر تفتتاً من الناحية السياسية.
كان سقوط حكومة ميشال بارنييه بفرنسا، في بداية ديسمبر (كانون الأول)، مثالاً على مشكلة أوروبية لا علاقة لها بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. جاء رحيل بارنييه، بعد 3 أشهر فقط، بعد وقت قصير من انهيار الائتلاف في ألمانيا، الذي دفع باتجاه إجراء انتخابات مبكرة في فبراير (شباط) 2025، بدل الموعد الذي توقعه الجميع في سبتمبر (أيلول).
في بريطانيا، بطبيعة الحال، حصلنا على نصيبنا العادل من الانتخابات المبكرة. كان قرار ريشي سوناك بإجراء الانتخابات في يوليو (تموز) 2024 أحدث دعوة لإجراء انتخابات مبكرة، بعد الانتخابات المبكرة الناجحة التي أجراها بوريس جونسون عام 2019، وانتخابات تيريزا ماي المبكرة الكارثية عام 2017.
تظهر كل هذه الانتخابات المبكرة كيف أن الخروج البريطاني استشرف عصراً يتسم بقدر أكبر من عدم اليقين والفوضى. لا شك أن الأمور أصبحت أقل قابلية للتنبؤ بها بعد خروج بريطانيا، برغم أن المؤرخين سوف يتناقشون بلا أدنى شك حول ما إذا كان خروج بريطانيا أحد أبرز أعراض عصر الاضطرابات، أو بالأحرى أحد تداعياتها.
يشير نجاح دونالد ترمب في الانتخابات الأميركية عام 2016 إلى أن الخروج البريطاني، الذي سبق انتخابات ترمب، كان جزءاً من مجموعة أوسع من المتغيرات.
كانت القضايا التي أدت إلى بريكست؛ بما فيها ركود النمو الاقتصادي والهجرة الجماعية وفقدان الهوية بالنسبة للعديد من الناس في الغرب، هي القضايا نفسها التي ساهمت إلى حد كبير في انتصارات ترمب الانتخابية في عامي 2016 و2024.
في بداية عام 2025، يواجه الاتحاد الأوروبي وبريطانيا مشاكل تراجع النمو وارتفاع الهجرة نفسها. وتكمن خلف هذه الأسئلة القضايا المتعلقة بسياسات الهوية، والسياسات المثيرة للانقسام والمتعلقة بالعرق والجنس.
ويُقال إن الهوس المتصور بسياسات الهوية كان سبباً في إلحاق ضرر هائل بالديمقراطيين، كما بدا واضحاً في أحد الإعلانات الانتخابية الجمهورية، الذي يقول: «كامالا من أجلهم، والرئيس ترمب من أجلكم!».
هذه الرسالة المؤثرة بكل فعالية ألمحت إلى أن الديمقراطيين صاروا منغمسين في قضايا مثل حقوق المتحولين جنسياً، والاستخدام الصحيح للضمائر الشخصية، فضلاً عن مجموعة كاملة من النقاشات «المقبولة سياسياً» التي لم تكن على الإطلاق بين اهتمامات غالبية الأميركيين.
في أوروبا، هناك أيضاً مسألة الطاقة الرخيصة. وإلى أي مدى يتعيّن على الناس العاديين أن يدفعوا مقابل «التحول في الطاقة» لتصفير الكربون في اقتصاد بلدانهم عبر التخلي عن الوقود الأحفوري؟ لم تسبق أي قارة أوروبا في جهود «تصفير الكربون» أو الترويج للتخفيف من استخدام الوقود الأحفوري. ومع ذلك، لم تشهد أي قارة صعوداً أقوى للشعبوية اليمينية من أوروبا. فالشعبوية اليمينية عموماً ليست صديقة لـ«التحول الطاقي» والطاقة الخضراء.
من الواضح أن كل هذه المشاكل تتجاوز قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي التي تبدو أضيق وأكثر محدودية؛ إذ تنحسر أكثر في الزمن الماضي.
لكن بالنسبة لعشاق الاتحاد الأوروبي، فهناك شعور بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان بمثابة خسارة لكل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. وهم يزعمون أن المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي كان بوسعهما التعامل مع هذه القضايا بشكل أكثر فاعلية.
غير أن الحقيقة الواقعية تشير إلى خلاف ذلك. فمن المرجح ألا يختلف الوضع الراهن من عدم اليقين والخلافات السياسية إذا ظلت المملكة المتحدة داخل الاتحاد الأوروبي. خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في حد ذاته لم يتسبب في الوعكة التي يعيشها الآن كل بلدان الغرب.
أكد بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) عزمه تنفيذ مختلف أدوات السياسة النقدية الهيكلية القائمة بشكل فعال، وذلك في إطار جهوده لتطوير قوى إنتاجية حديثة النوعية.
دعا عضو في البرلمان الأوروبي وزعيم حزب الشعب، إلى اتخاذ إجراءات أوروبية مضادة تجاه أميركا، حال زيادة الرسوم الجمركية على الواردات إلى الولايات المتحدة.
ديون 25 عاماً من الأسئلة العراقيةhttps://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7/5095399-%D8%AF%D9%8A%D9%88%D9%86-25-%D8%B9%D8%A7%D9%85%D8%A7%D9%8B-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A6%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9
عراقيون يسيرون أمام جدارية ضخمة لصدام حسين في بغداد عام 1991 (غيتي)
يسأل كثيرون في العراق بحكم عادة الإحباط: ماذا لو كان صدّام حسين يحكم حتى اليوم؟ يستسهل كثيرون أجوبة «فانتازية»، لكن أيام صدّام نفسها كانت لتجيب: عراق معزول، بحصار أو حرب يشنها هو، أو تُشن عليه.
يشكك عراقيون في أن «التحولات» قد تحققت بالفعل منذ الغزو الأميركي للعراق، الذي أطاح بالنسخة العراقية من حزب «البعث»، ورئيسها الذي أُعدم في ديسمبر (كانون الأول) 2006، لتتراكم لاحقاً أسئلةٌ يفشل الجميع في الإجابة عنها.
بعد ربع قرن، يبدو العراق بلداً يجمع الأسئلة. يطويها ويمضي، هادئاً أو صاخباً، من دون أجوبة. في أفضل الأحوال يراجع نفسه فيعود إلى لحظة أبريل (نيسان) 2003. يفتح أسئلة جديدة عن الحرب الأهلية (2005)، والبدائل المسلحة (2007)، و«داعش» (2014) والاحتجاج (2019)، والنفوذ الإيراني (على طول الخط)، كلها أسئلة مطروحة على العراق، لا يجيب عنها العراقيون.
سؤال صدّام والبديل
زلزلت هجمات سبتمبر (أيلول) 2001 أميركا والعالم. ارتعدت بغداد. كان صدّام حسين ذلك العام قد «نشر» ما زُعِم أنها رواية هو مَن كتبها، «القلعة الحصينة». في شارع المتنبي، معقل الكتّاب والكُتبيين، وسط بغداد، كان روادٌ يقتنون سراً رواية أخرى، لكنها ممنوعة، للسوري حيدر حيدر «وليمة لأعشاب البحر». والكتب الممنوعة تُباع بأغلفة «مستعارة»، مرة بغلاف كتاب «أم كلثوم... حياتها وأغانيها»، أو بغلاف كتاب آخر كان يقدم صدّام حسين «قائداً مفكراً».
في الرواية الأولى، كان بطلها «صباح حسن» الجندي في الجيش العراقي. تأسره إيران جريحاً فيهرب عائداً لصيانة «قلعة الأمة العربية». في الثانية يهرب بطلها «مهدي جواد»، الشيوعي العراقي، من بغداد إلى الجزائر، ليلقي نفسه في البحر، بعد قصة حب «منبوذة»، وليمةً في البحر.
كأن صدّام «المرعب» والعراقيين «المرعوبين» ينسجون قصصاً عن الهرب من العراق وإليه، في رحلة بين السؤال واللاجواب. في تلك السنة، وحين اتُّهم النظام بأنه طرف في هجمات «عالمية» لها صلة بتنظيم «القاعدة»، «انتُخب» -هكذا ورد الفعل في أدبيات «البعث»- قصي صدّام لعضوية لجنة قيادية في حزب البعث، وانطلقت تكهنات عن «التغيير» عبر التوريث بوصفه جواباً عن سؤال البديل، وكان بشار الأسد يومها قد أمضى مورَّثاً، عاماً على رأس البعث السوري، وبعد عامين غزت الولايات المتحدة بغداد، ووُلد عراق صار اليوم «كبيراً» بربع قرن، ولم ينضج بعد.
قبل 20 عاماً، في ظهيرة 9 أبريل 2003، لفَّ جندي من «المارينز» رأس تمثال صدّام بعلم أميركي. سأل عراقيون: لماذا لم تتركوا لنا هذه الصورة الأيقونية، بعَلم عراقي؟
سؤال بغداد وجواب واشنطن
حين يرصد عراقيون الزلزال السوري هذه الأيام، لا يستطيعون فهم كيف حدث «التغيير» السريع من دون دبابات أميركية وقاذفات «بي 52»، ولماذا يصر السوريون على الاحتفال كل يوم بـ«الحرية» من دون «أجنبي»، حتى مع الظلال التركية الناعمة، كما تصيبهم الدهشة من مزاحمة السوريين لـ«أبو محمد الجولاني» الذي لم يختفِ بعد، و«أحمد الشرع» الذي لم تكتمل ولادته، على أجوبة البديل، من دون حمَّام دم، حتى الآن.
لأن العراقيين يحكمون على العالم من ذكرياتهم، ويقيّمون الآخر من أسئلتهم التي لا يجيبون عنها. تفيد وقائع ربع قرن بأنهم ينتظرون من الآخر الإجابات.
تقول ذكريات العراقيين في أغسطس (آب) 2003، بعد 4 أشهر من احتلال العراق، إن السفارة الأردنية هوجمت بالقنابل، ومقر الأمم المتحدة بمركبة ملغومة قتلت موظفين من بينهم رئيس البعثة سيرجيو دي ميلو، واعتقل الأميركيون علي حسن المجيد، «الكيماوي»، ابن عم صدّام، كما قُتل 125 شخصاً في انفجار بالنجف من بينهم رجل الدين الشيعي محمد باقر الحكيم.
في ذلك الشهر الدامي، مثالاً، سأل العراقيون عن الأمن، ونسوا بديل صدّام والديمقراطية والنموذج الغربي الموعود، لتثبت الوقائع اللاحقة أن الجواب عن سؤال الأمن كان احتيالاً للتهرب من سؤال العدالة الانتقالية.
سؤال الحرب الأهلية
حين اصطحب بول بريمر، حاكم العراق الأميركي، أربعة من المعارضين إلى زنزانة صدّام حسين، انهالوا عليه بالأسئلة: «لماذا غزوت الكويت؟»، قال عدنان الباججي (دبلوماسي مخضرم)، و«لماذا قتلت الكرد في مجزرة الأنفال؟»، قال عادل عبد المهدي (رئيس وزراء أسبق)، و«لماذا قتلت رفاقك من البعثيين؟»، يسأل موفق الربيعي، مستشار الأمن القومي السابق، فيما لعنه أحمد الجلبي، فجفل صدّام، وابتسم.
خرج بريمر متخيلاً «هتلر في صدّام» كما وصف في مذكراته «عامي في العراق». خرج المعارضون الأربعة بأجوبة كان من المفترض أن تُعينهم على إدارة «العدالة الانتقالية»، ولم يفعل أحد. كان هذا أواخر ديسمبر 2003.
في العام التالي، سلَّمت واشنطن إياد علاوي حكومة مؤقتة محدودة الصلاحيات، لتتفرغ هي بصلاحية مفتوحة لمعركتين طاحنتين، في النجف ضد «جيش المهدي» بزعامة مقتدى الصدر، وأخرى ضد جماعات مسلحة في الفلوجة، من «مقاومين» و«أصوليين».
انشغل المعارضون في «مجلس الحكم الانتقالي» -هيئة مؤقتة شكَّلها بريمر على أساس المحاصصة في يوليو (تموز) 2003- بترتيب أوراق أعدها الأميركيون للحكم، وكتبوا مسودات عن خرائط الشيعة والسنة والكرد، محمولة على ظهر أسئلة تاريخية عن الأغلبية والأقلية، وحكم «المظلومين» من بعد «الظالمين».
على الأرض، كان حي الغزالية (غربي بغداد) المختلط يستعد لأول فرز طائفي، بالدم. تلك الليلة، شتاء 2005، نُحرت عائلة داخل حمّام المنزل، فأعاد المنتقمون رضيعاً إلى أهله، مخنوقاً. على الفور رُسمت حدود فاصلة بين السُّنة والشيعة، وتحولت سوق شعبية، تقسم المدينة إلى نصفين، إلى خط تماس. تبادل «جيشان» جديدان الهاونات و«الآر بي جي»، والكثير من الضحايا.
كتب المعارضون في مجلس الحكم، داخل المنطقة الخضراء، مسودة الحكم الانتقالي. صوَّت 8 ملايين عراقي لإنشاء «جمعية وطنية» في يناير (كانون الثاني) 2005، ولم يُعرف إذا كانوا قد قرروا استبدال أمراء الطوائف بصدّام، لكنهم اتفقوا في الغزالية على كتابة «رخصة عبور» للسنة والشيعة، من المهجَّرين والمهاجرين، لاجتياز خط التماس، وفرز المدينة.
تناسلت «جيوش» في بغداد، وباتت الصحافة ترقم الأخبار: من السبت إلى السبت، أيام دامية. وخلال عامين ضغط الأميركيون على بغداد لتثبيت الأمن. كان شارع «حيفا» المختلط، وسط بغداد، مسرحاً دموياً على مدار الساعة، مسكه «الجيش الرسمي»، فانفلتت جيوش أخرى في محيط الشارع ومنه إلى كل بغداد: نقاط تفتيش وهمية، وملثمون حقيقيون، بأسلحة الطوائف، و«الدماء إلى الركب».
تلك الأيام بدت جواباً على سؤال البديل، لكن مَن سأله ومَن أجاب عنه؟
عام 2006، ولأن إبراهيم الجعفري (أول رئيس وزراء منتخب) بات منبوذاً من الداخل والخارج، ذهب العراق فوراً إلى عصر نوري المالكي دون أن يجيب عن الأسئلة السابقة. قال المالكي ما معناه المجازي والحرفي: أنا دولة القانون. رأى العراقيون ذلك جواباً عن «الدولة» و«القانون»، وغضّوا الطرف عن الـ«أنا» في «منيفستو» المالكي الشهير.
سؤال المالكي
أُعجب الأميركيون بالمالكي. كان ديك تشيني (نائب الرئيس الأميركي 2001 - 2009) يتندر بالتزامه بـ«إنجاز استقرار العراق»، لكنه قبل ذلك كان قد أرسل جيمس ستيل (ضابط أميركي متهم بإدارة الحروب القذرة في السلفادور منتصف الثمانينات) إلى بغداد لمواجهة «التمرد السني»، بإنشاء «فرق الموت» الشيعية. كان ستيل يمشي في ظل أحمد كاظم، وكيل وزير الداخلية يومها، وفي ظله هو يسير أمراء حرب جدد.
في 2006، زُلزلت العملية السياسية العراقية بتفجير مرقد «العسكريين» في سامراء. انطلقت أسئلة عن «ضرورة» رسم الخرائط الجديدة، بتقاطعات حادة؛ إذ برَّأ المرجع علي السيستاني، في فبراير (شباط) 2007، «أهل السنة» من التفجير، لكنَّ المالكي نفى ضلوع طهران رداً على اتهام أميركي، في يوليو 2013.
يومها كانت «أنا» المالكي تتضخم، وفِرق ستيل المميتة تتناسل في شوارع العراق.
سؤال إيران... و«داعش»
حاول المالكي إنقاذ نفسه مع سقوط المدن تباعاً في يد «داعش»، رغم أنه «المنتصر» على إياد علاوي في انتخابات 2010 برصاصة رحمة «قانونية».
يوم 9 يونيو (حزيران) 2014، وكان التنظيم يخوض معارك في الموصل، اجتمع المالكي مع شيوخ قبائل ووجهاء سُنة بناءً على نصيحة كان قد أهملها لتدارك الأمر. قيل إنه وعدهم بما لا يريد، فسقط ثُلث العراق في يد «داعش»، وأفتى السيستاني بـ«الجهاد»، وتبيَّن لاحقاً أن الفتوى ليست لإنقاذ رئيس الوزراء.
رحل المالكي، ووصل قاسم سليماني. وتعلم رؤساء الوزارة اللاحقون كيف يرزحون تحت ضغط طهران، حتى حينما كان يتناوب جهاز «الإطلاعات» و«الحرس الثوري» على مكاتب الحكومة بوصفتَي عطار مختلفتين.
ما زرعه جيمس ستيل، جناه قاسم سليماني. ومع عام 2017 صارت الفصائل المسلحة قوة مهيمنة في العراق، تدور حولها فصائل أخرى، تلعب أحياناً أدوار «التمرد» و«المقاومة»، مع الحكومة وضدها.
يومها، وبعد 14 عاماً، أرست إيران أركان ما يجوز وصفها الآن بـ"حديقة المقاومة"، التي تفيض فصائل مسلحة وميزانيات مالية ضخمة.
سؤال «تشرين»
لم يُجِب العراقيون عن سؤال «داعش»، وعادت الفصائل من معارك التحرير «منتصرة». وتجاهل كثيرون «جواب» السيستاني على سؤال «الحشد الشعبي» بوصفه «النجفي» قوة لـ«حماية العراق»، وليس الشيعة وحدهم، فاختنق الشارع بسؤال: ماذا بعد؟ جاءت حكومة عادل عبد المهدي، في أكتوبر 2018، بديون متراكمة من الأسئلة المعلقة. بعد عام، في أكتوبر 2019، خرج آلاف من الشباب يحتجون على احتيالات السؤال الأول، بأثر رجعي.
تلقى المحتجون جواباً بالرصاص الحي، قُتل المئات، وخُطف آخرون وأُسكت البقية. قدم عبد المهدي للقاتل هدية «التبرئة» بوصفه «طرفاً ثالثاً»، ورحل. لاحقاً ملك سياسيون عراقيون شيئاً من شجاعة الاعتراف، وأزاحوا لثام الطرف الثالث عن وجه الفصائل الموالية.
حيلة «الطرف الثالث» طرحت سؤالاً عن الحد الفاصل بين الفصائل والحشد الشعبي، ومر دون اكتراث جواب حامد الخفاف، ممثل السيستاني في 12 سبتمبر 2019: «المرجع ينتظر تنفيذ قانون وأمر ديواني، بفك ارتباط منتسبي (الحشد) عن الأطر الحزبية، وهيكلة هذه القوة».
تشكلت حكومة مصطفى الكاظمي في مايو (أيار) 2020، بوصفها حلاً وسطاً بين سؤال البديل وجواب الطرف الثالث، لم تصمد تسوياته، ولم ينجُ به «رقصه مع الأفاعي»، فرحل هو الآخر، كما نزل مقتدى الصدر من المسرح، بعد دراما عنيفة في قلب المنطقة الخضراء.
عام 2022، غادر الجميع، وبقيت إيران تتوج نفسها في العراق، بوضع اليد على كل شيء؛ من الدولار إلى السلاح.
سؤال ما بعد الأسد
بعد ربع قرن من احتيال صدّام حسين وبدلائه على الأسئلة الكبرى، هرب بشار الأسد من دمشق. وبدا أن النخبة السياسية تتوجس من هذه المفارقة، رغم أنها تطفو على بِركة من الأسئلة. مع ذلك تحاصر كل من يسأل عن عراق ما بعد الأسد بالريبة والشك، لأن عراق ما بعد صدّام محسوم من دون حسم.
برتبك العراق -دولةً ونظاماً- في هذه اللحظة. مواجهة السؤال السوري تكشف عن الارتباك: هل ننتظر طهران لتتعامل مع أحمد الشرع، أم نسأل الجولاني عن ذكرياته في العراق؟
ذكريات العراقيين تحكم، أكثر من الدستور والحياة الحزبية والبرلمان والمجتمع المدني، لأنهم مثقلون بسداد ديون الأسئلة التي لا يجيبون عنها، وإذ يسألون: ماذا لو لم نكن في «محور المقاومة»؟ يستسهل كثيرون أجوبة فانتازية، فيما أيام العراق نفسها كانت لتجيب: عراق محاور، ينتظر حرباً، أو يشارك في رسم خرائطها.