فشل القوة وثلاثة إخفاقات عالمية

«ليس لدى القوميين ما يبيعونه» في ظل العولمة

سقوط جدار برلين كَسر القواعد التي كانت تنظّم التنافس بين القوى القديمة (غيتي)
سقوط جدار برلين كَسر القواعد التي كانت تنظّم التنافس بين القوى القديمة (غيتي)
TT

فشل القوة وثلاثة إخفاقات عالمية

سقوط جدار برلين كَسر القواعد التي كانت تنظّم التنافس بين القوى القديمة (غيتي)
سقوط جدار برلين كَسر القواعد التي كانت تنظّم التنافس بين القوى القديمة (غيتي)

لعلّه من المغري لكل جيل أن يظن أنه يعيش تغيّراً حادّاً، وأنه يقف عند نقطة تحول في تاريخ البشرية. ومع ذلك، فإن قول ذلك اليوم هو بالتأكيد أكثر صحة من أي وقت مضى. والدليل -لا جدال فيه- أن أبناء جيلي (جيل طفرة المواليد) في فترة ما بعد الحرب العالمية يعيشون تجربة غير عادية؛ لقد وُلدوا في عالم واحد، بين الدول الأوروبية والأميركية، وسوف يختفون في عالم آخر، معولم، لا مركزي، ومن دون أي حدود مكانية.

في لغة العلاقات الدولية يعني ذلك تحولاً وحشياً وانتقالاً غير منضبط من نظام مشترك بين الدول ومهيمن، عمره نحو 4 قرون، إلى عولمة متكاملة لم يعد لها مركز، ولا قيادة واضحة أو حاسمة، التي تتشكّل من خلال عدد من الجهات الفاعلة التي تخضع لأوضاع مختلفة (سياسية، واقتصادية، ودينية... إلخ) وقبل كل شيء من خلال التواصل المعمم.

من السهل تخمين العوامل التي تقف وراء هذا التمزق. إنها بالتأكيد مسألة التقدم التكنولوجي الذي ألغى المسافات، وزاد بشكل خيالي من التبادلات، ورؤية الجميع للجميع، مثل الأحداث الكبرى، بطرق لم يكن من الممكن تصوّرها في العالم من قبل.

تحوّل جدار برلين إلى رمز لانقسام أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية إلى مجالَيْن سوفياتي وغربي (أ.ف.ب)

يُضاف إلى ذلك مزيد من الأسباب السياسية: إنهاء الاستعمار شبه الكامل الذي شهد ولادة الجنوب العالمي، بدءاً من الانتصار المنهجي للضعفاء على الأقوياء، وسقوط جدار برلين، الذي كَسر القواعد التي تنظّم التنافس بين القوى القديمة، لقد تم إضفاء الطابع الرسمي عليها في أعقاب عام 1945، وكان البناء التجريبي للعولمة أكثر تعقيداً بكثير من مجرد ازدهار الليبرالية الجديدة التي كانت تُشير بسذاجة إلى «نهاية التاريخ». وتحقيق الهيمنة الأميركية، ولكنه أكثر إثارة للجدل من أي وقت مضى.

لفترة طويلة، لم نرغب في رؤية الآثار الهائلة لمثل هذه الطفرات. كان انتصار المعسكر الغربي على المعسكر السوفياتي بمثابة نهاية للثنائية القطبية، من خلال خلق وهم السلام الأميركي الذي حافظ حتى على وهم نهاية التاريخ وانتصار النموذج الغربي.

تم الحفاظ على الـ«ناتو»؛ حيث كان يعتقد أنه لا ينبغي المساس بالفريق الفائز. وكانت خيبة الأمل قوية: فقد هُزمت الولايات المتحدة في الصومال، والعراق، ثم في أفغانستان، وسرعان ما ظهرت الصين باعتبارها المستفيد الأكبر من العولمة التي كانت تُحرر نفسها من المجال الأميركي. كان هذا الإحباط الشديد هو السبب وراء التراجع الترمبي والقومي والهويتي والحمائي، الذي سرعان ما سيطر على أوروبا، التي كان عليها أن تعاني من النكسات التي جلبها العالم الجديد، خصوصاً في أفريقيا.

هذا في الواقع خرق يُبطل القواعد القديمة، ولكنه أيضاً يُبطل ممارسات ورؤى وحتى مفاهيم «جغرافيتنا السياسية» القديمة: لن يتعافى حتى تصبح اللعبة العالمية الجديدة، المكونة من الاعتماد المتبادل والتنقل والديناميكيات الاجتماعية، أكثر كفاءة بشكل لا نهائي.

ثلاثة إخفاقات

من استراتيجيات القوة القديمة هو كتابة تاريخ جديد. أولئك الذين يعرفون كيفية القيام بذلك سوف يفوزون، أما الآخرون، الراسخون في حنينهم، فسيخاطرون بأن يجدوا أنفسهم معزولين ومهمشين بشكل تدريجي. وهكذا شهدت العقود الأولى من هذه الألفية الجديدة ثلاثة إخفاقات على الأقل: إخفاق القوة الكلاسيكية، وإخفاق التحالفات التقليدية، وإخفاق التراجع الوطني. الأمر متروك للجميع لاستخلاص العواقب.

إن فشل القوة يُشير إلى تقادم الاستراتيجية التي استلهمها كلوزفيتز، فلم تعد الحرب قادرة على حل المشكلات التي تخلّت عنها السياسة في السابق، وذلك بسبب افتقارها إلى الفاعلية التي كانت تنسب إليها بالأمس. لم تعد هناك حرب تحمل هذه «المعركة الحاسمة»، التي أشار إليها الاستراتيجي البروسي، التي حدّدت الفائز بوضوح.

وبعيداً عن كونها علامة القوة، فإن الحرب اليوم ترتدي ثياب الضعف: حرب الأقوياء، الذين أصبحوا عاجزين في الصراعات الأفريقية والآسيوية والأوروبية اليوم، حرب الأطراف الذين يذهبون في أغلب الأحيان إلى الصراع، ولم يعودوا في صراعات. باسم السلطة، ولكن تحت تأثير التحلل المؤسسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي. لهذه الأسباب تتتابع اتفاقات السلام، ولكن بقدر متزايد من عدم الفاعلية، في حين تستنزف القوى الإقليمية والعالمية نفسها دون أن تكسب شيئاً.

أدى إنهاء الاستعمار إلى تعزيز الاستقلال الاستراتيجي للدول (أ.ب)

إن عجز القوة، المرتبط بالعولمة القائمة على الاعتماد المتبادل والشمول المعمم، لا يدمّر فكرة الهيمنة القديمة فحسب، بل أيضاً فكرة التحالف أو الكتلة أو المعسكر. لقد أدى إنهاء الاستعمار، والفرص التي أتاحها مؤتمر باندونغ، ثم سقوط جدار برلين، إلى تعزيز الاستقلال الاستراتيجي للدول، التي أدركت تدريجياً أن التأثيرات غير المتوقعة كانت أكثر ربحية بكثير من التحالفات المبرمجة مسبقاً. وعلى هذا، فإن العالم القائم على تحالفات تواجه بعضها بعضاً قد نجح في عالم مجزّأ ومرن؛ حيث أصبحت «التحالفات المتعددة» أو الشراكات المرنة والمتغيرة هي القانون الآن. ويجد العالم الغربي نفسه معزولاً، وهو محاصر في حصن حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ينضح بجو من الثقة بالنفس يُحافظ على عدم الثقة بأولئك الذين هم خارجه، خصوصاً في الجنوب العالمي.

هناك إغراء كبير لتصفية الحسابات، بإحياء القومية والسيادة والانغلاق على الذات، وغالباً ما يذهب الأمر إلى حدّ الدلالات العنصرية، أو على أي حال هرمية. ومع ذلك، فإن هذا الموقف لا يسفر عن شيء؛ كما قال الفيلسوف تزفيتان تودوروف: «ليس لدى القوميين ما يبيعونه». وهذا التأكيد واضح في عالم تحكمه العولمة؛ حيث يتعيّن علينا أن نتعلّم كيف نعيش في نظام دولي يتسم بالتبادل. وتخاطر الشعبوية الوطنية بتعزيز قوتها تحت تأثير الخوف، في حين تظل عالقة في موقف احتجاجي حصري. إنها علامة من علامات زمن التحولات؛ حيث يبدو خيار الاحتجاج أفضل من تحمُّل مسؤولية الحكم.

* خبير فرنسي في العلاقات الدولية


مقالات ذات صلة

موسكو تنتقد اقتراح زيلينسكي بحصول أوكرانيا على أسلحة نووية

أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث مع المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف في آستانة 27 نوفمبر 2024 (رويترز)

موسكو تنتقد اقتراح زيلينسكي بحصول أوكرانيا على أسلحة نووية

رفض المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، اليوم (الأربعاء)، اقتراح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنه يتعين على أوكرانيا أن تمتلك أسلحة نووية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ (أ.ب)

تعيين الأمين العام السابق لـ«الناتو» وزيراً للمالية في النرويج

أصبح الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، وزيراً جديداً للمالية في النرويج، اليوم (الثلاثاء) في إطار تعديل وزاري.

«الشرق الأوسط» (أوسلو)
أوروبا رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يتحدث خلال مؤتمر صحافي مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته في مقر الحلف في بروكسل ببلجيكا 3 فبراير 2025 (إ.ب.أ)

صعوبات تواجه رئيس الوزراء البريطاني في مساعيه لتوطيد العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وترمب

يواجه كير ستارمر وضعاً معقداً دبلوماسياً واقتصادياً فهو يسعى إلى إعادة بناء العلاقات البريطانية مع الاتحاد الأوروبي مع تجنب الرسوم الجمركية الأميركية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا مارك روته أمين عام حلف شمال الأطلسي «الناتو» ورئيس وزراء المجر فيكتور أوربان قبل اجتماع ثنائي في بروكسل (إ.ب.أ) play-circle

«الناتو»: سنزيد الإنفاق الدفاعي «بشكل ملحوظ» والتوتّرات مع ترمب لن تؤثّر على الردع

قال الأمين العام لـ«الناتو» إن تعهد الإنفاق الدفاعي لدول الحلف سيتم تحديده لاحقاً هذا العام. وأكّد أن التهديد بحرب تجارية مع أميركا لن يؤثّر في قوّة الحلف.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أوروبا علما الاتحاد الأوروبي (يسار) وبريطانيا (رويترز)

الاتحاد الأوروبي و«الأطلسي» يناقشان في «سابقة ثلاثية» تعزيز الإنفاق الدفاعي

يجتمع قادة دول الاتحاد الأوروبي ورئيس الوزراء البريطاني والأمين العام لحلف شمال الأطلسي الاثنين في بروكسل لمحاولة تعزيز الإنفاق الدفاعي في مواجهة العدوان الروسي

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

«المدرسة العالمية للاجئين»: بصيص أمل وسط الحروب والنزوح

TT

«المدرسة العالمية للاجئين»: بصيص أمل وسط الحروب والنزوح

تلامذة سوريون يلعبون خلال الاستراحة في باحة مدرستهم في مخيم للاجئين في أعزاز قرب الحدود التركية (غيتي)
تلامذة سوريون يلعبون خلال الاستراحة في باحة مدرستهم في مخيم للاجئين في أعزاز قرب الحدود التركية (غيتي)

وسط الكوارث الإنسانية الناجمة عن الحروب والنزاعات، لا يزال هناك أمل تعيده مبادرات إنسانية لمن فقدوه. من بين هذه المبادرات تبرز «المدرسة العالمية للاجئين» (World Refugees School)، التي أطلقها الأردني وليد تحبسم عام 2016، لتصبح نموذجاً ناجحاً في مجال تعليم اللاجئين؛ فهي لا تقتصر على محو الأمية، بل تسعى لتقديم تعليم شامل يتيح للاجئين استكمال مراحلهم التعليمية بشهادات معتمدة دولياً؛ ما يعيد الأمل لملايين الطلاب المحرومين من التعليم.

بداية الفكرة لقاء غير متوقع

كانت البداية مع لقاء جمع وليد تحبسم، وهو أحد رواد قطاع تقنية المعلومات في الأردن، مع متبرع أميركي في كاليفورنيا، أراد أن يساهم في تعليم اللاجئين السوريين بعد اندلاع الاحتجاجات في سوريا عام 2011. أراد المتبرع تمويل تعليم 25 طالباً فقط، لكن تحبسم رأى فرصة أكبر. فبدلاً من تعليم مجموعة صغيرة من الطلاب، طرح فكرة يمكن أن تشمل ملايين اللاجئين حول العالم.

يقول تحبسم: «كانت فكرة تقديم تعليم شامل وليست مجرد دورة تدريبية أو محو أمية. التعليم الرسمي هو السبيل لتغيير حياة اللاجئين وتحقيق أحلامهم في مستقبل أفضل».

وبحسب الدراسات التي أجرتها المجموعة، يصل متوسط فترة لجوء الفرد إلى 17 عاماً، بينما يحتاج اللاجئ إلى نحو 7 سنوات ليشعر بالاستقرار المؤقت. في هذه المدة، غالباً ما يخرِج الأطفال والشباب من النظام التعليمي الرسمي؛ ما يترك فجوة تعليمية تهدد مستقبلهم. هنا برزت الحاجة إلى نظام تعليمي يواكب طبيعة حياة اللاجئين المتنقلة ويوفر لهم فرصاً تعليمية مستدامة.

التلميذة السورية فاطمة الاحمد فقدت رجلها في قصف على إدلب وتقطع يومياً مسافة 3 كلم للوصول إلى التعليم (غيتي)

دعم سعودي ودولي

كان للدعم السعودي دور كبير في نجاح المبادرة، حيث ساهمت المملكة بمبادرات تعليمية أخرى، مثل نظام «نور» الذي يدير المنظومة التعليمية لخدمة أكثر من 6.5 مليون طالب في السعودية.

«الدعم السعودي لم يكن مادياً فقط، بل كان رؤية استراتيجية تركز على أهمية التعليم كونه أولوية إنسانية»، يقول تحبسم.

ويعيد تحبسم الفضل في ذلك إلى لقاء جمعه بالأمير فيصل بن عبد الله، قائلاً «كان الأثر الأكبر في التفكير كيف يمكن البناء على ما تم إنجازه في قطاع التعليم من خلال الشراكة الحقيقية ما بين القطاعين العام والخاص، حيث كانت قضية دعم اللاجئين حول العالم من أهم مخرجات هذا الاجتماع».

الأمير فيصل بن عبد الله

في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» قال الأمير فيصل بن عبد الله، إنه «في ظل الظروف الصعبة التي يعاني منها أشقاؤنا اللاجئون في فلسطين وغيرها من الدول المنكوبة، لمواجهة الأزمات الإنسانية التي تتفاقم يوماً بعد يوم، نجد أنه من المهم جداً دعم حق كل طفل في الحصول على تعليم آمن وجيد؛ كونه حجر الأساس لبناء مستقبل أفضل».

وأضاف الأمير أن مدرسة اللاجئين العالمية تمثل نموذجاً مُلهماً للدور الذي يمكن أن يلعبه التعليم في تخفيف معاناة الأطفال والشباب اللاجئين، وتجديد الأمل في نفوسهم.

وقال: «إن دعمنا هذه المدرسة ومبادراتها التعليمية هو واجب أخلاقي وإنساني نلتزم به لتعزيز فرص التعلم وتقديم يد العون لكل طفل يتطلع إلى مستقبل أفضل رغم التحديات».

وأضاف الأمير: «نؤمن بأن الاستثمار في التعليم ليس مجرد استجابة عاجلة للأزمات، بل هو استثمار طويل الأمد في تحقيق السلام والعدالة والتنمية المستدامة». ومن هذا المنطلق، دعا الأمير المجتمع الدولي والمؤسسات الإنسانية إلى الوقوف صفاً واحداً لدعم هذه الجهود وضمان حصول كل طفل لاجئ على حقه في التعليم.

وقال: «ستبقى الرسالة واضحة في عدم ادخار أي جهد في سبيل دعم اللاجئين أينما كانوا، خصوصاً في هذه الظروف العصيبة التي تتطلب من الجميع الوقوف بمسؤولية إنسانية تجاههم».

أطفال فلسطينيون يحضرون صفاً أقامته معلمة سابقة وأم من رفح لتعليم الأولاد في مركز نزوحهم بإحدى مدارس خان يونس (أ.ف.ب)

التعليم لمكافحة التطرف

يشدّد تحبسم على أهمية التعليم في الحد من الأفكار السلبية التي قد تنشأ في بيئات اللجوء، ويقول: «التعليم ليس رفاهية، بل ضرورة لضمان عدم تحول الأطفال والشباب ضحايا للأفكار المتطرفة التي قد تملأ الفراغ في حياتهم».

وفي خضم الصراعات السياسية، غالباً ما يصبح اللاجئون ضحايا المصالح المتشابكة، لكن تحبسم يصرّ على أن التعليم يجب أن يظل بعيداً من التجاذبات السياسية، قائلاً: «هدفنا إنساني بحت، التعليم للجميع بغض النظر عن الخلفيات السياسية أو العرقية».

وتسعى «المدرسة العالمية للاجئين» إلى توسيع خدماتها لتشمل دولاً جديدة، في الشرق الأوسط وأفريقيا، كما تهدف إلى دعم الأنظمة التعليمية الرسمية في المناطق التي تعمل فيها، لتوفير تعليم مستدام للجميع.

لكن، على رغم الإنجازات الكبيرة، لا تزال المدرسة تواجه تحديات تمويلية كبيرة. ويقول تحبسم: «في ظل تركيز المنظمات الدولية على تقديم الطعام والمأوى، يبقى التعليم في مرتبة متأخرة. لكننا نؤمن بأنه الحل الجذري لبناء مستقبل أفضل».

وبالنسبة لوليد تحبسم وفريقه، فإن هذه المبادرة هي بمثابة الضوء في آخر النفق لملايين اللاجئين الذين ينتظرون فرصة لبناء حياة جديدة.

الطريق إلى الاعتراف الدولي

لم يكن الحصول على اعتماد دولي لشهادات «المدرسة العالمية للاجئين» أمراً سهلاً. استغرقت المبادرة ثلاث سنوات من البحث والتفاوض مع مؤسسات تعليمية مرموقة في بريطانيا. في النهاية، نجحت المدرسة في الحصول على الاعتمادية التي تمكّن طلابها من إكمال تعليمهم الجامعي في أي مكان في العالم.

«لم يكن الأمر سهلاً»، يقول تحبسم: «كنا في حاجة إلى إقناع الشركاء الدوليين بجدوى التعليم المدمج الذي يجمع بين التعليم الإلكتروني والحضوري. لكننا أثبتنا أن اللاجئين يستحقون فرصاً متساوية في التعليم».

طفل سوري متوجهاً إلى مدرسته في مخيم للاجئين في منطقة أعزاز قرب الحدود التركية (غيتي)

حلول مبتكرة لمناطق النزاع

قدمت «المدرسة العالمية للاجئين» حلاً عملياً يتمثل في وحدات تعليمية متنقلة (كرفانات) مزودة بالطاقة الشمسية، الإنترنت، ومرافق تعليمية كاملة. تم تصميم هذه الوحدات لتلبية احتياجات اللاجئين في المناطق النائية ومخيمات النزوح، مع ضمان تقديم تجربة تعليمية شبيهة بالتعليم النظامي.

«كان هدفنا توفير بيئة تعليمية مرنة تتكيف مع ظروف اللاجئين»، يقول تحبسم: «الوحدات المتنقلة ليست فقط مدارس، بل هي مراكز تعليمية تُعيد بناء الأمل في المجتمعات التي نخدمها».

الأرقام تتحدث

حتى اليوم، استفاد أكثر من 38 ألف طالب بشكل مباشر من خدمات المدرسة، وتخرج فيها 1800 طالب بشهادات معتمدة، بينما استفاد أكثر من 4.5 مليون شخص بشكل غير مباشر.

في محافظة إدلب السورية، نجحت المدرسة في تقديم التعليم لأكثر من 38 ألف طالب في ظروف غاية في الخطورة، حيث تم تخريج دفعات من الطلاب الذين حصلوا على شهادات معترف بها دولياً، وتم اعتماد البرنامج وشهاداته من قبل منظمة City & Guilds البريطانية.

و«المدرسة العالمية للاجئين» (World Refugees School) مدرسة عالمية تعنى بالتعليم الرسمي (Formal) المبني على مناهج دراسية عالمية ووطنية لجميع الفئات الطلابية المستهدفة، باستخدام التقنيات الرقمية في تعويض نقص الموارد التعليمية المتوفرة للطلبة اللاجئين والمهجرين، آخذين بعين الاهتمام الاختلاف في الموارد البشرية والمادية المتاحة لكل مجموعة منهم، وحقيقة تعرُّضهم للانتقال من دولة إلى أخرى، وبالتالي من نظام دراسي إلى آخر بشكل مستمر، إضافة إلى التعاون مع بعض أعرق المنظمات الدولية في اعتماد البرامج الدراسية، وتوفير اعتماد دولي لبرامجهم الدراسية وشهاداتهم.

ويتطلع القائمون على المبادرة إلى توظيف خبرات وتجارب «المدرسة العالمية للاجئين» (WRS) لتوصيل رسالة للأطفال الذين حرمتهم ويلات الحرب والدمار من نعمة التعليم والتعلم بإنشاء مبادرة خاصة لنشر رسالة «اقرأ» حول العالم انطلاقاً من غزة وانتهاءً بتأسيس وقف خيري يهدف إلى تعليم مليون طفل وطفلة محرومين من أبسط حقوقهم الإنسانية.