هل فعلاً أصبحت الجامعات في أميركا «هي العدو»؟

عام دراسي انطلق بمنع التظاهر وتدريبات إلزامية حول «معاداة السامية»

شهدت العشرات من الجامعات في الولايات المتحدة مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين ما أدى إلى اشتباكات مع الشرطة (أ.ف.ب)
شهدت العشرات من الجامعات في الولايات المتحدة مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين ما أدى إلى اشتباكات مع الشرطة (أ.ف.ب)
TT

هل فعلاً أصبحت الجامعات في أميركا «هي العدو»؟

شهدت العشرات من الجامعات في الولايات المتحدة مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين ما أدى إلى اشتباكات مع الشرطة (أ.ف.ب)
شهدت العشرات من الجامعات في الولايات المتحدة مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين ما أدى إلى اشتباكات مع الشرطة (أ.ف.ب)

انطلق العام الدراسي الحالي في جامعة نورثويسترن، حيث كنت أدرّس حتى السنة الماضية، بإعلانات من قبل الإدارة عن قوانين وقواعد جامعية جديدة تم وضعها خلال عطلة الصيف، وتهدف إلى منع تكرار الاحتجاجات الطلابية التي حصلت في الربيع الماضي رفضاً للحرب الإسرائيلية على غزة. وجامعة نورثويسترن جامعة خاصة تقع في ولاية إلينوي وهي من الجامعات الأميركية العريقة. وقد افتتح رئيس الجامعة مايكل تشيل العام الدراسي برسالة إلكترونية إلى أعضاء الهيئة التدريسية والطلاب كتب فيها أن حرية التعبير في الجامعات على أهميّتها «لا يمكن استخدامها حجة لتصرّفات تهدّد جوهر مهمة الجامعة وهو التنوير والمعرفة».

وأعلن الرئيس في رسالته عن تدريبات إلزامية لكل الطلاب، وكذلك الأساتذة والإداريين، حول موضوع «معاداة السامية وأشكال أخرى من الكراهية». ثم أرسلت عميدة الجامعة بدورها رسالة تفصّل فيها القواعد الجديدة، ومنها منع المظاهرات في أوقات انعقاد الصفوف والحلقات الدراسية الليلية، ومنع استعمال مكبّرات الصوت قبل الساعة الخامسة مساء، ومنع الخيم وحصر الملصقات بأماكن معيّنة من حرم الجامعة. وتم توسيع القوانين المتعلّقة بالملكية لتشمل أي مس بأملاك الجامعة. كذلك أدخلت الإدارة تعديلات على ما يعدُّ «تخويفاً أو ترهيباً» ليشمل أي تصرّفات «تؤثر بصورة كبيرة على قدرة أشخاص أو مجموعات على التعلّم، والعمل، أو العيش في بيئة الجامعة».

«كيف نحمي الطلاب من التشدّد في القوانين الجديدة التي تبنّتها جامعات أميركية مختلفة» كان موضع نقاش بين الأساتذة خلال المؤتمر السنوي للجمعية الأميركية للعلوم السياسية في سبتمبر (أيلول) الماضي في فيلادلفيا. واقترح زملاء في جامعة بارنارد في نيويورك مقاطعة تصحيح الامتحانات كنوع من المعارضة ضد التضييق على حرية الطلاب في التعبير.

ضباط شرطة نيويورك عند الأسوار خارج جامعة كولومبيا، السبت 27 أبريل 2024، في نيويورك. بينما يستمر الطلاب المحتجون على الحرب بين إسرائيل وحماس في مواصلة مظاهراتهم في حرم الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة ( ا.ب)

استجواب في الكونغرس

رئيس جامعة نورثويسترن هو واحد من ثلاثة رؤساء جامعات مثلوا في جلسة للكونغرس الأميركي دعتهم إليها لجنة التربية والقوى العاملة برئاسة فيرجينيا فوكس من الحزب الجمهوري عن ولاية كارولاينا الشمالية أواخر شهر مايو (أيار) الماضي. وتلك هي الجلسة الثالثة التي تعقدها اللجنة لاستجواب رؤساء جامعات أميركية حول ما عدته ارتفاعاً في موجة معاداة السامية في حرم الجامعات الأميركية وسوء تعامل هؤلاء الرؤساء معها.

«حصلتِ على علامة F» (أي راسب)، قالت عضوة الكونغرس الجمهورية إليز ستيفانيك التي تمثل ولاية نيويورك، لرئيس جامعة نورثويسترن وقتها. وسبق لرابطة مكافحة التشهير (Anti-Defamation League)، وهي منظمة غير حكومية، مركزها نيويورك، تعنى بمحاربة المعاداة للسامية وتدعم إسرائيل أن منح علامة الرسوب لجامعة نورثويسترن في أبريل (نيسان) الماضي بسبب الاحتجاجات التي شهدتها الجامعة ضد الحرب على غزة، والتي عدتها المنظمة معادية للسامية لما فيها من شعارات تدعم الانتفاضة وتنتقد الصهيونية، وانتهت باتفاق بين إدارة الجامعة والطلاب، وهو ما عدته الرابطة بمثابة «مكافأة» للمحتجين.

ودعت اللجنة كذلك إلى إزالة الرئيس من منصبه. وقالت فوكس في جلسة الاستماع: «وردتنا تقارير عن أعمال عنف مروعة ومضايقات للطلاب اليهود في حرم جامعتكم». وكانت اللجنة بعثت برسالة إلى رئيس الجامعة ورئيس مجلس أمنائها تفصّل فيها الأحداث التي دفعتها إلى إرسال الدعوة للمثول أمامها، وعلى رأسها قبول إدارة الجامعة بتنازلات لإنهاء الاحتجاج بدلاً من استخدام القوة لنزع الخيم التي نصبها الطّلاب المعارضون. وحسب الاتهامات كان موقع الخيم، المعروف بـ«المنطقة المحرّرة»، مسرحاً لجرائم وأحداث معادية للسامية. وارتكزت الأدلّة في الرسالة على تقارير طلاب يهود أفراد عن مواقف عدوها معادية لهم كيهود. فضمن اللائحة مثلاً أن طالباً يهودياً تعرّض لمضايقات عند وقوفه أمام الخيم شارحاً لعميد الطلاب مخاوفه من الاحتجاج. فوقف طالب كان جالساً إلى جانبه وصار يقول له، حسب الرسالة نفسها: «أنت تقرفني. هل تظن أن انزعاجك الصغير من المظاهرة يهمّني؟ هذا هو هدف الاحتجاج، الهدف هو أن تنزعج قليلاً. ثمة آلاف من الناس يموتون في غزة وكل ما يهمك هو بعض من الأبواق في الصباح؟».

الرئيس السابق دونالد ترمب يتحدث عن احتجاجات الطلاب في الجامعات الأميركية قبيل دخوله إلى قاعة محكمة مانهاتن الاثنين (رويترز)

وتتضمّن لائحة هذه الجرائم التي أوردتها الرسالة الرسمية أن امرأةً ذات شعر أبيض غير تابعة للجامعة حملت يافطة كتب عليها «المقاومة مسموحة حيث يكون احتلال»، مع هاشتاغ «فيضان الأقصى»، وأن أحد المتظاهرين سرق علماً إسرائيلياً وعلماً أميركياً، وأن رئيس الشرطة التابعة للجامعة رفض الدخول إلى الخيم لاستردادهما، إضافة إلى أن تعليمات أرسلت لمهندسي الجامعة بإطفاء نظام الري الآلي للمساحة الخضراء حيث نصبت الخيم، «في ما يبدو أنه حرص على عدم إزعاج المحتجين».

خيمة رمزية... ومساءلة للاستثمارات

وفي 19 أبريل (نيسان)، وبعد 5 أيام من الاحتجاج، أُبرم اتفاق بين الطلاب والإدارة في نورثويسترن ينص على أن الجامعة ستسمح بالاحتجاجات السلمية شرط أن تبقى خيمة واحدة لا غير. وينص الاتفاق أيضاً على إعادة تشكيل اللجنة الاستشارية حول المسؤولية في الاستثمارات لتجيب عن أسئلة حول استثماراتها الحالية، وعلى استضافة أستاذين فلسطينيين لمدّة سنتين من خلال برنامج استضافة أكاديميين من بلدان النزاع استضاف أساتذة من أوكرانيا في السنتين الماضيتين. وأخيراً ينص الاتفاق على تأسيس بيت للطلاب المسلمين والشرق أوسطيين على غرار البيوت المخصصة لليهود والكاثوليك وغيرهم من الطلاب يستخدمونها في الصلاة ولمناسبات ثقافية واجتماعية.

نشطاء وطلاب يحتجون بالقرب من معسكر في ساحة الجامعة بجامعة جورج واشنطن، حيث انضم الناشطون الطلابيون إلى الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة التي بدأت معسكرات لدعوة جامعاتهم إلى سحب العلاقات المالية من إسرائيل( رويترز)

واتّهم الجمهوريون من أعضاء لجنة الكونغرس، رئيس جامعة نورثويسترن، بأنه استسلم للمتظاهرين وكافأهم بدعوته أساتذة فلسطينيين، وسألته ستيفانيك: «ماذا عن الأساتذة الإسرائيليين، هل ستدعوهم أيضاً؟». ووصفت رئيسة اللجنة فيرجينيا فوكس الاتفاق بـ«الجبان» لأنه رضخ لمطالب المحتجين، وطلبت من رئيس الجامعة التعهد بألا تقاطع الجامعة، إسرائيل، ولا تسحب استثماراتها منها، لأن هذا يعدُّ تسييساً لمسائل ماليّة وتقويضاً لسلطة إدارة الجامعة.

الأساتذة «الليبراليون» متهمون من الطرفين!

من جهة أخرى، رفض عدد من الطلّاب المتظاهرين بدورهم الاتفاق معتبرين أن الإدارة لم تتنازل قط فيما يخص الأمور الأساسية، أي المقاطعة وسحب الاستثمارات. فهي قبلت فقط أن تنشر معلومات حول استثماراتها، وبأن تكون أكثر شفافيةً ولكنها لم تتعهد بسحب أي استثمارات محددة. ورأوا في تأسيس بيت للمسلمين جائزة ترضية لا تستجيب للمطالب السياسية للاحتجاجات. ووصفت إحدى طالباتي، وهي من الهند، وكانت تقود الاحتجاجات، الانقسام بين طلاب حول هذه المسائل، وشرحت أن من صوّتوا لقبول الاتفاق، اعتبروا أنه يجنبهم تدخل قوى الأمن والملاحقة القانونية، كما حصل في جامعات أخرى، ومن رفضوه لم يكونوا من الطلاب الفلسطينيين أو العرب بل من الطلاب الأميركيين.

علم فلسطيني معلق على خيمة في مخيم الاحتجاج في جامعة تافتس بميدفورد بولاية ماساتشوستس... وتعد المظاهرات هي الأكثر شمولاً والأطول أمداً التي تهز حرم الجامعات الأميركية منذ احتجاجات حرب فيتنام في الستينات من القرن الماضي (أ.ف.ب)

ووصف هؤلاء الطلاب الأساتذة المكلّفين التواصل بينهم وبين الإدارة بـ«الليبراليين»، وهي كلمة أصبحت ذات دلالة سلبية لدى «الجيل z»، وعدّوهم «عملاء لإدارة الجامعة». وللعلم، فقد أمضى هؤلاء الأساتذة المدافعون عن حق الطلاب في التظاهر، ليلة طويلة في 19 أبريل الماضي محاولين إقناع طلابهم بقبول الاتفاق تجنباً لاستخدام القوة والعنف ضدهم ولإزالة الخيم في اليوم التالي، كما هددت إدارة الجامعة. وتقول أستاذة زميلة: «اعتبرنا الاتفاق أرضية للانطلاق منها وليس سقفاً نهائياً لعملنا».

والسؤال الأكثر تردداً خلال جلسة الاستماع في الكونغرس هو لماذا لم تطرد الجامعات الثلاث طلاباً أكثر وأساتذة أكثر. وكان هو السؤال الذي افتتحت به فوكس الجلسة. وأكّد الرؤساء أنّ عدداً من الطلّاب هم قيد التحقيق، وأنّ أشكال العقاب متنوّعة.

ووصف نائب جمهوري، أحد الأساتذة المدافعين عن المنطقة المحررة في جامعة نورثويسترن، دالاً عليه في صورة للمشهد عرضت خلال الجلسة، بأنّه «بلطجي». والأستاذ، هو ستيفن ثراشر، أستاذ الإعلام، ولم يعد إلى التعليم هذا الفصل، لأن الجامعة علّقت عمله إلى أن ينتهي التحقيق معه. وفي مقابلة له الشهر الماضي مع برنامج «Demcoracy Now» اليساري، قال ثراشر إنّ مبادئ العدالة الاجتماعية نفسها التي كان يطبّقها في ما يتعلّق بقضايا كالعنصرية والكوفيد والمثليين والإيدز، وكانت مصدر إشادة له، ممنوع عليه تطبيقها في ما يتعلّق بفلسطين.

وكذلك افتتحت جامعة كورنيل في نيويورك العام الدراسي بتعليق طالب دكتوراه من بريطانيا، وهو مسلم وأصله من غامبيا. أما جامعة موهلنبرغ في بنسلفانيا فأقالت أستاذة أنثروبولوجيا في شهر مايو (أيار) في أول إقالة لأستاذ من ملاك التعليم الجامعي بسبب دعم فلسطين.

مقاربة مارتن لوثر

في وقت اختتمت فوكس جلسة الكونغرس قائلة لرؤساء الجامعات إنها «متفاجئة بدرجة الازدراء التي عبّرتم عنها حيال اللجنة والطلاب اليهود»، ذكّر النائب الديمقراطي عن ولاية فرجينيا بوبي سكوت بمقاربة مارتن لوثر كينغ للنشاط السياسي، وهي مقاربة استوحاها كينغ من المهاتما غاندي وتقوم على ارتكاب مخالفات للقانون، ومن ثمّ القبول بعواقب ذلك، وهي بذلك تعدُّ مقاربة سلميّة. وأوضح سكوت أنها المقاربة نفسها التي تبنّاها الطلّاب في الجامعات. وقد وصفت طالبتي كيف أن المحتجين في نورثويسترن وزّعوا أنفسهم طوعاً إلى مجموعات مستعدة للتعرض للاعتقال ومجموعات أخرى من طلاب لا يسعون للمواجهة، واتفقوا على لون يرمز لكل مجموعة، وعلى لقب لكم منهم. وكانوا قد استوحوا هذا النوع من التنظيم من الطلاب في جامعة كولومبيا الذين شاركوا زملاءهم في كافة الجامعات الأميركية ملفات تفسّر طرق العمل التنظيمي.

جانب من الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأميركية (أ.ب)

وكان ترمب وصف حملة شرطة نيويورك على طلاب جامعة كولومبيا بأنّها «مشهد جميل»، وتعهّد بترحيل الطلاب الأجانب عند انتخابه. أمّا جيه دي فانس، الذي اختاره ترمب نائباً له في حملة ترشيحه للرئاسة، فكان قال خلال خطابه أمام مؤتمر الجمهوريين في يوليو (تمّوز) الماضي، «أنّ الأساتذة هم العدو»، وذلك نقلاً عن الرئيس الجمهوري الأسبق ريشارد نيكسون.

وكانت مجموعات طلّابيّة ومتموّلون ومراكز دراسات ومثقفون محافظون بدأوا بالتحرك رداً على تناقص قوّتهم بعد الحركات الاحتجاجية اليسارية المدافعة عن حقوق السود أواخر الستّينات. وتعاظم شأن هذا التيار مع وصول ترمب للسلطة رداً أيضاً على حركة «حياة السود مهمة» التي بدأت سنة 2020. وهذه المجموعات تتهم الجامعات، هي أيضاً، بـ«الليبرالية» وتعدُّ أنها تفتقر إلى تمثيل كافٍ من الأساتذة اليمينيين وأصحاب الأفكار المحافظة. وبدأت بالفعل بتمويل كليات مهنية كالطب والحقوق وإدارة الأعمال وأصبحت ترسخ نفوذها في الجامعات.

استثمارات الجامعات تصب في الأسلحة

أما استثمارات الجامعات فهي تصب، كاستثمارات منظمات عديدة أخرى في الولايات المتحدة، في شركات كـ«بوينغ» و«بلاكستون» و«جينيرال ديناميكس»، وهي شركات تمد إسرائيل بالأسلحة وبأشكال أخرى من الدعم. وتدار هذه الاستثمارات من خلال مكتب مخصص لها ومن خلال مجلس الأمناء ومجلس الأمناء هو الذي يعيّن رئيس الجامعة. فيصير رئيس الجامعة بذلك محكوماً باعتبارات مالية فيما هو أيضاً يدير الأهداف التعليمية للجامعة.

وقالت النائبة الديمقراطية عن ولاية ميشيغان، هايلي ستيفنز، خلال مداخلتها في جلسة الكونغرس: «إننا نعرف تكلفة الدخول إلى جامعاتكم، هي تكلفة لا تصدق. هذا ما علينا التركيز عليه، وليس هذا الجدل المصطنع عن العدالة بينما أنتم فعلياً تدّعونها فقط»، مشيرةً إلى موقف الجمهوريين في لجنة التربية العام الماضي حيال الموارد المخصصة لقضايا الصحة النفسية، وكيف صّوتوا جميعهم على حرمان الطلاب المثليين منها.

وفيما تستفيد الجامعات الحكومية في الولايات المتحدة من التمويل من الحكومة الفيدرالية، ومن الولاية نفسها، تستفيد الجامعات الخاصة كنورثويسترن، مثلها مثل الجامعات الحكومية، من تمويل تحت برنامج «Title VI»، وهو برنامج نشأ كجزء من قانون الحقوق المدنية سنة 1964، ويمنع التمييز في التعليم ويمنح دعماً لبرامج دراسة اللغات ولأقسام في علوم الإنسانيات تعنى بدراسة المناطق والثقافات حول العالم. وهذا البرنامج هو ما ذكره أعضاء الكونغرس كأساس لمحاسبتهم رؤساء الجامعات حول استخدامهم الأموال المحصلة من الضرائب التي يدفعها المواطنون الأميركيون وحول امتثالهم لقوانين منع التمييز على أساس الديانة.

الأساتذة يرفضون قمع الحريات

وجه فرع نورثويسترن للجمعية الأميركية للأساتذة الجامعيين رسالة للإدارة رفضاً للتغيير الذي أدخله رئيسها على قواعد سلوك الطلاب عقب بدء الحركة الاحتجاجية، عاداً في ذلك «تصعيداً دراماتيكياً في قمع حرية التعبير والبيئة الأكاديمية»، فيما دافع رئيس الجامعة تشيل عن سياسته ووصفها بـ«الحيادية». وحسب الأساتذة الموقعين على الرسالة لم يستشر الرئيس ممثلي الأساتذة واللجنة الاستشارية حول حرية التعبير والخطاب المؤسسي، والذي كان الرئيس نفسه شكّلها في شهر فبراير (شباط). وأتى تشكيل هذه اللجنة على أثر بدء تحقيق لجنة الكونغرس الأميركي في أحداث معاداة السامية. واعترض حوالي مائتي أستاذ على تركيزه على معاداة السامية دون ذكر ما يتعرض له الطلاب المسلمون والفلسطينيون والعرب من تنكيل أو ذكر العنف التي ترتكبه إسرائيل في غزة، وكانوا قد وجهوا رسالة إليه بهذا الصدد في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي.

وإثر دعوة رابطة مكافحة التشهير إلى إزاحة رئيس الجامعة من منصبه، وقّع الأساتذة في أوّل شهر مايو (أيار) رسالة أخرى رفعوها إلى أمناء الجامعة يعبرون فيها عن رفضهم تعيين رئيس جديد قد يتعامل مع الطلاب بعنف أكبر. وعدّت الجمعية الأميركية للأساتذة الجامعيين أنه يجب عدم إقالة أي رئيس جامعة من دون تصويت ممثلي الأساتذة.

وأصدر رئيس الجمعية بياناً في شهر أغسطس (آب) أدان فيه مشروع ترمب وفانس الذي يقضي بالتضييق على حرية التعبير في الجامعات وتقويض استقلاليتها، عاداً أنّ اللحظة الحالية حاسمة في ما يتعلّق بمستقبل التعليم العالي الذي يشكل أساس الديمقراطية الأميركية. الجامعات ليست العدو، العدو هم الفاشيون، يقول البيان ويضيف، حان وقت النضال.


مقالات ذات صلة

المشرق العربي جريح فلسطيني يتلقى العلاج بمستشفى «كمال عدوان» في شمال قطاع غزة (رويترز)

مستشفى «كمال عدوان» بغزة: الأمر الإسرائيلي بالإخلاء «شبه مستحيل»

أمرت إسرائيل، اليوم (الأحد)، بإغلاق وإخلاء أحد آخر المستشفيات التي لا تزال تعمل جزئياً في منطقة محاصرة في شمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية فلسطينيون يحاولون إسعاف مواطن أصيب بغارة إسرائيلية على مخيم البريج وسط قطاع غزة الأحد (أ.ف.ب) play-circle 00:37

28 قتيلاً فلسطينياً في غزة... وجباليا مدينة أشباح

قُتل 28 فلسطينياً على الأقل، بينهم أطفال ونساء، في غارات عدة شنّها الطيران الحربي الإسرائيلي ليل السبت - الأحد في قطاع غزة، استهدفت إحداها منزل عائلة واحدة،…

نظير مجلي (تل أبيب)
العالم بلغت نسبة الضحايا المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة 70 % من مجموع القتلى المسجلين لدى وكالات الأمم المتحدة (رويترز)

الأمم المتحدة: 40 % من ضحايا الحروب نساء... و30 % أطفال

يرسم تقرير أممي صورة قاتمة جداً لما عانته النساء في الأزمات المسلحة خلال عام 2023، فقد شكّلن 40 % من مجموع القتلى المدنيين؛ أي ضعف النسبة في 2022.

شوقي الريّس (بروكسل)
المشرق العربي فلسطينيون يؤدون صلاة الجنازة على مواطنين لهم قضوا بغارة إسرائيلية في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح (رويترز)

«هدنة غزة»: حديث عن أيام حاسمة لـ«صفقة جزئية»

مساعٍ تتواصل للوسطاء لسد «فجوات» مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط حديث إسرائيلي عن «أيام حاسمة» لعقد صفقة جزئية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
TT

طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري

يشكّل قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الركيزة الأساسية لأي حلّ دبلوماسي للحرب الإسرائيلية على لبنان، رغم التصدعات التي أصابته جراء الخروق المتكررة لمضامينه منذ إقراره في شهر أغسطس (آب) 2006. وعلى رغم أن الأحداث المتسارعة تجاوزته وسياسة التدمير التي تنفذها إسرائيل على كامل الأراضي اللبنانية جعلت من الصعب البناء عليه، فإن وزير الخارجية الأسبق طارق متري، تحدث عن «استحالة الاتفاق على قرار بديل عنه بفعل الانقسام الحاد داخل مجلس الأمن الدولي وامتلاك الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حق النقض (الفيتو) لتعطيل أي قرار بديل». وشدد متري على أنه «لا بديل لهذا القرار وإن كان يحتاج إلى مقدمة جديدة وإعادة صياغة».

ثغرات تسهل الخرق

ثمة بنود ملتبسة في هذا القرار الدولي، تسببت بخرقه مراراً من إسرائيل و«حزب الله» على السواء؛ لكون كلّ منهما يفسّر هذه البنود بحسب رؤيته ومصلحته. ومتري هو أحد مهندسي الـ1701 عندما مثَّل لبنان وزيراً للخارجية بالوكالة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وأشار إلى أن «كل قرارات مجلس الأمن يشوبها بعض الغموض، ومن يقرأ 1701 بتأنٍ يتبيّن أنه ينطوي على لهجة قوية، لكن منطوقه يحمل بعض التأويل». وقال متري في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «مشكلة القرار 1701 الأساسية والتي كانت سبباً وراء تفسيره من نواحٍٍ مختلفة، أنه يدعو إلى وقف الأعمال العدائية وليس وقف إطلاق النار، وكذلك شابه الغموض أو عدم الوضوح، خصوصاً في الفقرة (8) التي تتحدث عن ترتيبات أمنية في المنطقة الفاصلة ما بين مجرى نهر الليطاني والخطّ الأزرق وجعلها خالية من المسلحين»، مشيراً إلى أن «هذا القرار صدر تحت الفصل السادس، لكن الالتباس الأكبر الذي شابه عندما تطرق إلى مهمة القوات الدولية (يونيفيل)؛ إذ أطلق يدها باتخاذ الإجراءات الضرورية كافة لمنع أي تواجد عسكري أو ظهور مسلّح غير شرعي كما لو أنه جاء تحت الفصل السابع». ويتابع متري قوله: «لكن للأسف هذه القوات لم تقم بدورها، وبدلاً عن أن تكون قوّة مراقبة وتدخل، باتت هي نفسها تحت المراقبة» (في إشارة إلى تعقبها من قِبل مناصري «حزب الله» واعتراضها).

ظروف صدور القرار

فرضت تطورات حرب يوليو (تموز) 2006 إصدار هذا القرار تحت النار والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل، ولم يخفِ الوزير متري أن «القرار 1701 لم يشبع درساً، وكان همّ كلّ الأطراف الاتفاق على ما يوقف الأعمال العدائية ولو كان ملتبساً». ويقول متري إن القرار «لم يكن ليصدر لو لم تتخذ حكومة لبنان برئاسة فؤاد السنيورة قراراً بإرسال 15 ألف جندي إلى الجنوب. لكن لأسباب متعددة لم يستطع لبنان أن يفي بوعده بإرسال هذا العدد من الجنود، أولاً لعدم توفر الإمكانات وانشغال الجيش بكثير من المهمات بينها حفظ الأمن الداخلي».

صحيح أن القرار الدولي كان عرضة للخرق الدائم وهذا كان موضع تقييم دائم من مجلس الأمن الدولي الذي لطالما حذّر من تجاوزه، لكنه بقي إطاراً ضابطاً للوضع الأمني على طول الخطّ الأزرق الفاصل ما بين لبنان وفلسطين المحتلّة.

جسر دمَّرته حرب 2006 شمال بيروت (غيتي)

وذكّر متري بأن «الفترة التي فصلت إقرار القانون ووقف الأعمال العدائية في عام 2006، وبين 7 أكتوبر (2023) لم يبادر (حزب الله) إلى الاصطدام بأحد، ولم يكن سلاحه ظاهراً كما غابت نشاطاته العسكرية، واعتبر نفسه مطبّقاً للقرار 1701 على النحو المطلوب، في حين أن إسرائيل خرقت السيادة اللبنانية جوّاً آلاف المرات، حتى أنها امتنعت عن إعطاء لبنان خرائط الألغام؛ وهو ما تسبب بسقوط عشرات الضحايا من المدنيين اللبنانيين». كذلك أشار متري إلى أن «دبلوماسيين غربيين تحدثوا عما يشبه الاتفاق الضمني بأن كلّ ما هو غير ظاهر من السلاح جنوبي الليطاني ينسجم القرار مع 1701، وأن (حزب الله) لم يقم بعمليات تخرق الخطّ الأزرق، بل كانت هناك عمليات في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا».

هل ما زال القرار قابلاً للحياة؟

يتردد طارق متري في الإجابة عن مستقبل هذا القرار؛ لأن «النوايا الفعلية لحكومة بنيامين نتنياهو غير واضحة». وسرعان ما يلفت إلى وجود تناقضات كبيرة في السياسة الدولية اليوم، ويقول: «الأميركيون يحذّرون نتنياهو من الغزو البرّي، لكنّ الأخير يزعم أنه يريد القيام بعمليات محدودة لضرب أهداف لـ(حزب الله)، وهذا غير مضمون»، مذكراً بأن «جناح اليمين المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية يدعو لاحتلال جزء من جنوب لبنان، لكنّ هؤلاء قلّة غير مؤثرة؛ لأن القرار في جنوب لبنان ونوعيّة الغزو البرّي تتخذه المؤسسة العسكرية»، متحدثاً عن «وجود إشارات متضاربة، إذ أنه عندما قدّم الأميركيون والفرنسيون ورقتهم لوقف النار، جاء التصعيد الإسرائيلي سريعاً في لبنان». وأضاف: «قبل الانتخابات الرئاسية يفضل الأميركيون ألا تندلع الحرب، وفي الوقت نفسه يغضون النظر عمّا تلحقه إسرائيل من أذى بحق المدنيين اللبنانيين».

سيناريو 2006

وتنطلق مخاوف وزير الخارجية السابق التجارب الإسرائيلية السابقة، قائلاً: «في عام 2006 زعمت إسرائيل أن الغاية من عملياتها في لبنان ضرب (حزب الله)، لكنها دمرت لبنان، واليوم تطبّق السيناريو نفسه، إن كانت لا تزال تحيّد مطار بيروت الدولي عن الاستهداف وتتجنّب تدمير الجسور، والفرنسيون متفهمون لذلك».

آثار القصف الإسرائيلي على بيروت خلال الحرب مع «حزب الله» عام 2006 (رويترز)

وشدد في الوقت نفسه على «مسؤولية لبنان بفتح نافذة دبلوماسية؛ إذ ليس لديه خيار سوى تطبيق القرار 1701 والاستعداد لإرسال الجيش إلى الجنوب». وتابع: «إسرائيل تعرف أن الحكومة اللبنانية ضعيفة وإذا حصلت على التزام لبناني بتطبيق القرار ستطالب بالأكثر».

وفي حين يسود اعتقاد بأن القرار 1701 لم يعد الوثيقة الدولية الصالحة لإنهاء الحرب القائمة على لبنان اليوم، استبعد طارق متري إصدار مجلس الأمن الدولي قراراً بديلاً عنه. ورأى أنه «يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يجدد المطالبة بتنفيذه مع إعادة صياغته ووضع مقدّمة جديدة له». وتحدث عن «استحالة صدور قرار جديد لأن مجلس الأمن الدولي مشلول ولا يمكن إصدار الاتفاق على بديل، لأن الفيتو الأميركي والروسي موجودون ولا إمكانية لقرار آخر». وأكد أن «التقدم الإسرائيلي ميدانياً سيقفل الباب أمام الحلّ الدبلوماسي، أما إذا تمكن (حزب الله) من الصمود أمام التدخل الإسرائيلي فهذا قد يفتح باباً أمام الحلول السياسية».