خط الفقر يلتهم السوريين ولا انفراجات اقتصادية بلا مسار سياسي

حكومة الجلالي أمام استحقاقات حياتية عاجلة

عروض على المواد الغذائية وليس هناك من يشتري (الشرق الأوسط)
عروض على المواد الغذائية وليس هناك من يشتري (الشرق الأوسط)
TT

خط الفقر يلتهم السوريين ولا انفراجات اقتصادية بلا مسار سياسي

عروض على المواد الغذائية وليس هناك من يشتري (الشرق الأوسط)
عروض على المواد الغذائية وليس هناك من يشتري (الشرق الأوسط)

مع تشكيل الحكومة السورية الجديدة برئاسة محمد الجلالي، تصدرت مسألة تحسين الأوضاع المعيشية مطالب المواطنين الذين أنهك الفقر غالبيتهم العظمى. وبينما لم يكسر التطور الحاصل، حالة اليأس من حدوث انفراجة، بسبب معاناة الأسر مع الحكومات السابقة، خصوصاً الأخيرة التي وُصفت بـ«حكومة التجويع»، استبعدت مصادر متابعة أن تستطيع الحكومة الجديدة انتشال البلاد من التدهور الاقتصادي الحاد، لأن الأمر مرهون بحصول تقدم على المسار السياسي المجمد، ولأن رئيس الحكومة وأعضاءها «ليسوا أصحاب قرار»، بل مجرد «موظفين» ينفّذون قرارات السلطات العليا.

مهمة مستحيلة

يأتي تشكيل الحكومة الجديدة في وقت تعاني فيه كل القطاعات في مناطق الحكومة السورية من تدهور ينحدر بشكل يومي إلى قعر جديد، ومن تفاقم الفساد، وتعمق الفقر والجوع وازدياد نسبتهما.

وتقول مهندسة تقطن وسط دمشق: «فقدنا القدرة على التحمل. وأحياناً تفوق وجبة البيض قدراتنا».

وتشهد الأسواق حالة انكماش غير مسبوقة رغم حصول تخفيضات بنسبة 20 إلى 50 في المائة على كثير من المواد الأساسية والغذائية منذ نحو أسبوعين أو أكثر حسبما رصدت «الشرق الأوسط».

لكنَّ صاحب بقالية في منطقة الزاهرة جنوبي دمشق، يؤكد أنه «لا يوجد إقبال على الشراء، لأنه لا توجد سيولة بين الناس التي تسعى لتأمين الخبز».

طفلان يفترشان الشارع في أحد أحياء جنوب دمشق (الشرق الأوسط)

محمد، وهو من سكان حي «دف الشوك» شرقي دمشق، يقول: «لا كهرباء، وتأمين الماء يحتاج إلى مرتب موظفَين اثنين، وأسطوانة الغاز باتت تصل كل 90 يوماً... هذه ليست عيشة. يجب تأمين الحد الأدنى من الخدمات الأساسية».

وما زاد الأوضاع سوءاً، تجدُّد أزمة المواصلات منذ ثلاثة أسابيع، بسبب توقف محطات الوقود عن تزويد حافلات النقل الخاصة بمادة المازوت نتيجة النقص الحاد.

ويؤشر إلى ذلك مشهد تجمع الحشود في مواقف الحافلات، وانتشار أعداد كبيرة في الشوارع الرئيسية عائدين إلى منازلهم سيراً على الأقدام.

«الحكومة مشكورة أوصلتنا إلى هذا الحال»، يقول موظف لـ«الشرق الأوسط» وهو عائد مشياً من مكان عمله في وسط دمشق. ويوضح: «عدا عن الانتظار الطويل، الركوب في حافلة يحتاج إلى خوض معركة بسبب الازدحام». ويلفت إلى انقطاع كثير من زملائه عن العمل بسبب ندرة المواصلات، وبعضهم لعدم توفر أجور النقل لديهم، بينما يؤكد سائق حافلة توقف غالبية أصحاب حافلات النقل عن العمل لعدم توفر المازوت.

أول رئيس حكومة من الجولان

وبعد عشرة أيام من تكليف الجلالي، خلفاً لرئيس الوزراء السابق حسن عرنوس، صدر مرسوم رئاسي بتشكيلة الحكومة الجديدة. ومن أبرز التغييرات تعيين نائب وزير الخارجية والمغتربين بسام الصباغ وزيراً للخارجية، خلفاً للوزير فيصل المقداد الذي أصبح نائباً لرئيس الجمهورية، ومفوضاً بمتابعة تنفيذ السياسة الخارجية والإعلامية في إطار توجيهات رئيس الجمهورية.

رئيس الوزراء السوري الجديد محمد غازي الجلالي (الإخبارية السورية)

والجلالي، وفق معلومات «الشرق الأوسط»، يتحدر من قرية «راوية» إحدى قرى هضبة الجولان السورية المحتل، وتنتمي عائلته إلى عشيرة «الهوادجة» العربية، وهو أول شخصية تنحدر من الجولان يتم تكليفها بتشكيل الحكومة في عهدَي الأسد الأب والأسد الابن.

وبعد نكسة يونيو (حزيران) عام 1967، نزحت عائلة الجلالي إلى دمشق، واستقرت في القسم الشرقي من حي التضامن جنوب دمشق، حيث ترعرع في الحي ودرس في مدارسه، وتمكن والده غازي الجلالي بحكم عمله أمين فرقة في «حزب البعث» من الحصول على إيفاد خارجي لابنه الوحيد على نفقة الحزب لمتابعة تحصيله العلمي العالي في جامعة مصرية، وذلك بعد حصوله على إجازة في الهندسة المدنية من جامعة دمشق عام 1992.

وإثر اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، نزحت عائلة الجلالي أواخر العام نفسه من حي التضامن، وسكنت في «مدينة البعث» بمدينة القنيطرة، في حين بقي الجلالي يقيم في دمشق.

والجلالي من ضمن 45 اسماً اختارهم الرئيس بشار الأسد ليكونوا أعضاء في اللجنة المركزية لـ«حزب البعث» خلال انتخابات الحزب الأخيرة في مايو (أيار) الماضي، بعدما أفرزت نتائج الانتخابات 80 عضواً.

وفي يوم تكليفه، أعاد الجلالي نشر مقولة كان قد نشرها العام الماضي على صفحته الشخصية في موقع «فيسبوك» لفردريك باستيا، المنظِّر الليبرالي الكلاسيكي والاقتصادي السياسي الفرنسي، الذي يعد من أنصار المذهب الحر في الاقتصاد، وعاش في القرن التاسع عشر، وقال فيها: «ليس هناك إلا فارق واحد بين الاقتصادي الجيد والاقتصادي السيِّئ، وهو أنَّ الاقتصادي السيِّئ يقصر نفسه على التأثير المرئي. أما الاقتصادي الجيد فيأخذ في حسبانه معاً التأثير الذي يُمكن أن يُرى وتلك التأثيرات التي يجب التنبؤ بها».

محل ألبسة رجالية وسط دمشق (الشرق الأوسط)

تباين في الآراء والأرقام

وعلى أن الشارع متفق اليوم على ضرورة إحراز تقدم ولو بسيطاً على مستوى الخدمات الأساسية إلا أن التعيين الجديد أُحيط بآراء متباينة كثيرة. فقد نشرت صحيفة «صاحبة الجلالة» الإلكترونية المحلية أبرز آراء ومقترحات الجلالي قبل الإعلان عن تكليفه. ومن ذلك على سبيل المثال أن «تدني القدرة الشرائية للمواطن يجعل السكن في المرتبة الثانية ضمن أولوياته، رغم أنه حاجة ماسة. إلا أن حاجة الطعام والشراب اليومية تحتل المرتبة الأولى ضمن تلك الاحتياجات»، و«على الحكومة أن تعزز بداية المناخ الاستثماري من خلال توفير بنية تحتية آمنة للاستثمار».

في المقابل، جاءت تعليقات على منشور «صاحبة الجلالة» تقول: «لن نحكم حتى نرى نتيجة أفعاله لا أقواله. الناس جاعت»، و«نفس أقوال عرنوس، ومن قبله (عماد) خميس ومن قبله (وائل) الحلقي، ونفس أقوال الذي سيأتي بعد الجلالي، وهكذا دواليك، والحال من سيئ لأسوء».

وبقي في الحكومة الجديدة التي تضم 27 وزيراً، 11 وزيراً من الحكومة السابقة منهم وزراء الدفاع والداخلية والأوقاف، في حين دخل 14 وزيراً جديداً بينهم الإعلامي والخبير الاقتصادي زياد غصن، الذي آلت إليه حقيبة وزارة الإعلام، بينما بدل اثنان حقيبتيهما.

موظفون لا أصحاب قرار

مصدر مقرب من دوائر صنع القرار في دمشق، استبعد أن تتمكن الحكومة الجديدة من إيجاد حلول للأزمات الغارقة فيها البلاد. وقال المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه لـ«الشرق الأوسط»: «الأمر لا يتعلق بالأشخاص، القضية هي أن رئيس الوزراء في سوريا والوزراء ليسوا أصحاب قرار. هو أكبر موظف في الحكومة، والوزراء موظفون أيضاً. هم ينفِّذون قرارات تصدر من فوق».

وأضاف المصدر: «قرار استبعاد أكثر من 600 ألف عائلة من الدعم الحكومي الذي جاء ضمن خطط إلغاء الدعم، لم يُصدره عرنوس، وكذلك قرارات رفع الأسعار».

عجوز تجمع النفايات والبلاستيك وسط دمشق (الشرق الأوسط)

ورأى المصدر أن «الانفراج الاقتصادي مرهون بحصول تقدم على المسار السياسي المجمد منذ فترة طويلة»، وقال: «الغرب يطالب بتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254، والدول العربية تطالب بتنفيذ المبادرة العربية للحل في سوريا والمعروفة بـ(خطوة مقابل خطوة)».

ولا شك أن الأمر أكثر تعقيداً من وصول حكومة ذات كفاءة أو لا. فتطبيق القرار الدولي الذي صدر في 2015 يقضي بإجراء انتخابات حرة ونزيهة وانتقال سلمي للسلطة، مرهون أيضاً بالعقوبات الاقتصادية وأولها قانون قيصر الأميركي الذي فُرض في 2020 وكان بداية الانهيار الاقتصادي السريع في البلاد.

وحسب المصدر، حتى بعض الانفراجات القليلة التي لاحت، سواء مع بعض العواصم العربية أو مع أنقرة وكان من شأنها ان تنفِّس الاحتقان المعيشي والاقتصادي داخلياً لم تُترجَم استثمارات فعلية على الأرض.

وعلَّق المصدر على مسألة تزامن تشكيل الحكومة الجديدة مع إشارات من دمشق منذ بداية العام الجاري إلى أنها بدأت عملية إصلاح إداري، شملت الأجهزة الأمنية وتشكيلات عسكرية و«حزب البعث»، بالقول: «(تغييرات) شكلية. هل تم استئصال مافيات الفساد المتحكمة في البلاد؟ وهل تراجعت جرائم القتل والسرقة والخطف؟ الوقائع على الأرض تقول: لا».

وسبق أن كشف وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك السابق عمرو سالم الذي جرت إقالته من حكومة عرنوس في مارس (آذار) 2023، في منشوراته، عن أن الدولة «تخسر مبلغ 38 ألف مليار ليرة كل عام بسبب سرقة الدقيق والقمح والخبز».

تنفيس مدروس

وبعدما تحولت الحكومة السابقة إلى تسيير أعمال، عقب انتخابات مجلس الشعب في منتصف يونيو (حزيران) الماضي، كان لافتاً تصاعُد حدة الانتقادات الموجهة إليها.

وتعليقاً على قرارها أن يحصل المواطن العائد إلى البلاد عبر مطار دمشق الدولي على «شيك» ورقي بقيمة 100 دولار ملزَم بتصريفها قبل دخوله البلاد، على أن يتسلم قيمته لاحقاً من المصارف التجارية بدلاً من الأجهزة الموجودة في المطار، كتبت «صاحبة الجلالة» في منشور: «فيما يخص قرار الشيك للمائة دولار. لماذا نتحدث عنه بصيغة المجهول؟ مَن اقترح هذا القرار؟ ولماذا؟ ومَن وافق عليه؟ حددوا لنا مَن اقترح ومَن وافق؟ ليس كل قرار غبيّ يسجَّل ضد مجهول».

الخبير الاقتصادي عامر شهدا، كتب على صفحته الشخصية على «فيسبوك»: «ما أمنياتكم للحكومة في رحيلها بعد ساعات؟ بالنسبة لي أدعوهم للبكاء على الأطلال التي خلَّفوها».

وأوضحت مصادر متابعة في دمشق، في تفسيرها لأسباب الحملة ضد الحكومة، لـ«الشرق الأوسط»: «أغلبية ما يُنشَر في مواقع أو صفحات موالية خصوصاً ما يتعلق بالحكومة، يأتي بتوجيه من السلطة من أجل التنفيس عن المواطنين».

في 8 مايو (أيار) الماضي، وبعد تقديم عرنوس عرضاً أمام مجلس الشعب حول ما نفَّذته حكومته، نشر شهدا منشوراً مطولاً ناقض فيه ما تضمنه العرض.

سوق باب سريجة وسط دمشق المختص ببيع المواد الغذائية واللحوم والخضار وتبدو فيه حركة المارة ضعيفة جداً (الشرق الأوسط)

وقال: «تمنينا أن نسمع من معاليكم وضعاً مقارناً لنسب الهدر والفساد من عام 2020 لغاية 2024، وأن نسمع وضعاً مقارناً عن انتشار الجريمة والسرقات في المجتمع وانخفاض أعمار الداخلين لسوق الدعارة».

وعرض شهدا ما سمّاها «أرقام الشعب السوري»، منذ تشكيل عرنوس الحكومة عام 2020، وقال: «بفضل شماعة العقوبات وارتفاع الأسعار العالمية وتحويل الاقتصاد إلى اقتصاد نقدي ريعي، موازنة 2020 بلغت (2.9) مليار دولار، بينما في 2024 أصبحت (2.6) مليار دولار. وسعر الصرف الرسمي في 2020 كان 434 ليرة مقابل 800 في السوق السوداء، بينما في 2024 وصل سعر الصرف الرسمي إلى 13 ألف و500 ليرة».

وحسب الأرقام، ارتفعت تكاليف المعيشة بين 2022 و2023 بحدود 97.9 في المائة، فيما بقي الحد الأدنى للأجور عند راتب يناهز 93 ألف ليرة أي نحو 7 دولارات. وبلغ عدد السكان الذي يحتاجون إلى المساعدة نحو 15 مليون نسمة، 90 في المائة منهم تحت خط الفقر.


مقالات ذات صلة

أهالي غزة بين ثالوث الجوع والفقر والمرض... والعالم يحصي «العقود الضائعة»

خاص طفل يجمع الخردة من مكبّ جنوب غزة (أ.ف.ب)

أهالي غزة بين ثالوث الجوع والفقر والمرض... والعالم يحصي «العقود الضائعة»

«الشرق الأوسط» ترصد واقع الأهالي بقطاع غزة المنكوب، وتتحدث مع النازحين والمسؤولين الأمميين والمتطوعين، وتحصي الخسائر الاقتصادية والبشرية بعد 14 شهراً من الحرب.

لمياء نبيل (القاهرة)
خاص الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي) play-circle 01:54

خاص الدردري لـ«الشرق الأوسط»: الاقتصاد السوري خسر 24 عاماً من التنمية البشرية إلى اليوم

قال الدردري في حديث إلى «الشرق الأوسط» إنه وجّه مكتب البرنامج في دمشق اعتباراً من (الخميس) للتواصل مع الجهات الحكومية وبدء عملية التقييم التي تحتاج إليها البلاد

هلا صغبيني (الرياض)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال فعالية شخصية العام لمجلة تايم في بورصة نيويورك، 12 ديسمبر 2024 (أ.ب)

ترمب رداً على سؤال عن احتمالات الحرب مع إيران: «أي شيء يمكن أن يحدث»

قال الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب ردا على سؤال في مقابلة مع مجلة «تايم» حول احتمالات الحرب مع إيران، إن «أي شيء يمكن أن يحدث».rnrn

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا أظهرت الأقمار الاصطناعية أضراراً بمطار عسكري روسي في شبه جزيرة القرم جراء استهداف أوكراني يوم 16 مايو 2024 (أرشيفية - رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

اتهمت روسيا أوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع لقصف مطار عسكري، اليوم (الأربعاء)، متوعدة كييف بأنها ستردّ على ذلك عبر «إجراءات مناسبة».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الاقتصاد سبائك ذهبية في غرفة صناديق الودائع ببيت الذهب «برو أوره» بميونيخ (رويترز)

الذهب قُرب أعلى مستوى في أسبوعين وسط تركيز على بيانات التضخم الأميركي

ظلت أسعار الذهب قُرب ذروة أسبوعين، بدعم من تصاعد التوترات الجيوسياسية، وتوقعات إقدام مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» على خفض آخر لأسعار الفائدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
TT

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».

كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.

صبغة شامية

خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».

طوابير أمام أحد المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».

بين «العشق» و«القلق»

رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.

حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.

ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.

مجلس النواب المصري وافق على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين (الشرق الأوسط)

تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.

جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».

ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.

لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.

دعوات مقاطعة

تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».

حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.

وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.

وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».

في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».

الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».

زحام لافت على مطعم سوري بشارع فيصل بالجيزة (الشرق الأوسط)

ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».

كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».

ترحيب مشروط

كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».

ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.

مصريون طالبوا بمقاطعة المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».

وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.

على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».

استثمارات متنوعة

يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».

ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».

ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.

وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».

وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.

و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».

«حملات موجهة»

انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».

رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».

وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».

السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية في مصر (الشرق الأوسط)

وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».

ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».

لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».

«استثمارات متنامية»

ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».

وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.

ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.

لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».

مطعم سوري في وسط البلد (الشرق الأوسط)

حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».

فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».

بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».

وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.