السوداني والمالكي... حرب باردة وأكثر

«الولاية الثانية» تغير قواعد الاشتباك قبل عام ساخن من الانتخابات العراقية

السوداني والمالكي... حرب باردة وأكثر
TT

السوداني والمالكي... حرب باردة وأكثر

السوداني والمالكي... حرب باردة وأكثر

تدور حرب باردة بين نوري المالكي ومحمد شياع السوداني. يتحرك الاثنان بسرعة نحو حلبة الانتخابات المقبلة. هناك، سيكون الصراع مؤذياً ومفتوحاً، كما يرجح سياسيون في حزب «الدعوة الإسلامية»، و«الإطار التنسيقي». إلا إذا حدثت صفقة بينهما.

من المفترض أن ينتخب العراقيون، العام المقبل، ممثليهم في البرلمان، لكنَّ رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، يدفع لجعلها مبكرة. في الحالتين سيتفاوض اللاعبون على قانون انتخابات جديد ينسجم مع المتغيرات، ومحاولة السوداني مزاحمة الكبار أبرز متغير في اللعبة.

مع أن كثيرين يشككون في إمكانية الاقتراع المبكر، إلا أن التلويح به قد يكون ورقة ضاغطة على السوداني في سياق الحرب الناعمة، فالأهم من موعد الانتخابات هو قانونها الجديد.

المالكي هو أكثر السياسيين الذين يُظهرون شغفاً بصياغة القانون. يقول مقربون منه وأشخاص عملوا لصالحه في كتابة صياغات ومقترحات، إن الرجل يفكر في «نصب الأفخاخ» للسوداني، الذي يطمح لولاية ثانية، أكثر من انشغاله حتى بحظوظه الشخصية في البرلمان المقبل.

المالكي «الأب المؤسس»

ينظرُ المالكي إلى نفسه على أنه صانع لملوكٍ غير متوجين. ملوك يعملون لديه، في خدمة مشروع بدأ عام 2006، يوم توَّجته ظروف وأقدار برئاسة الحكومة. جاء وقتها بديلاً مغموراً لإبراهيم الجعفري الذي نبذته المعادلة الإيرانية - الأميركية في العراق.

أنصار «الإطار التنسيقي» يرفعون صورة المالكي خلال مظاهرة بالقرب من المنطقة الخضراء في بغداد 12 أغسطس الماضي (إ.ب.أ)

«تَعلم المالكي أكثر من غيره فنوناً في السياسة»، يقول أشخاص عملوا معه وخاصموه خلال العقدين الماضيين. المناورة والتنقل السلس بين الأقطاب أبرز ما يجيده، إلى جانب «انحيازه المذهبي، وريبته الشديدة»، اللذين يجذبان إليه كل «الشيعة الطامحين والخائفين».

حتى بعد خروجه من الحكومة، بقي المالكي عرَّاباً للمشروع السياسي الشيعي، تلجأ إليه أحزاب «الطائفة» كلما تعرض النظام لتهديد، حتى لو كان من الشيعة أنفسهم. بهذا المعنى هو «الأب المؤسس، وكل الآخرين أبناء وأحفاد»، على حد تعبير قيادي سابق في «حزب الدعوة».

قدم المالكي نفسه «منقذاً لشيعة العراق المعاصر». آخر مرة كان قد لملم شتاتهم حين حاول زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الانقلاب عليهم، وطردهم من الحكومة بعدما حاول التحالف مع السنة والكرد (2020). يرى كثيرون أن دور المالكي في «الإطار التنسيقي» منذ أن تشكلت حكومة محمد شياع السوداني، عزز صورته راعياً لدولة الشيعة العميقة. وفي عقل المالكي أنه عمقها الوحيد.

يتوقع رئيس الوزراء الأسبق من حلفائه عدم تجاوز مكانته التاريخية وحدود زعامته، لكن ما الذي يمكن أن يحدث حين يتمرد أشخاص صنعهم المالكي وخلق مشروعهم السياسي؟ ماذا لو قرر السوداني الترشح لولاية ثانية؟

«الابن الضال»

كان السوداني مهندساً زراعياً يعمل لصالح الحكومة في محافظة ميسان (جنوب) حين احتلت القوات الأميركية العراق وأسقطت نظام صدام حسين. ولأنه موظف بدرجة رفيعة وابن عائلة شيعية معارضة، عُيّن منسقاً بين إدارة المدينة وسلطة الحاكم الأميركي في بغداد، لتسيير الأعمال.

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (رويترز)

في السنوات اللاحقة، تدرج السوداني في الإدارات العامة. كان من الواضح أن الرجل يجيد الحياة داخل المؤسسات الحكومية، ويمكنه الصمود أمام تقلباتها. إنه «مسلكي» على نحو متمرس، كما يصفه سياسيون موالون له.

يبدو أن المالكي شعر بأن السوداني هو «رجله المناسب». تحول إلى ركن ثابت في الحكومات اللاحقة؛ وزيراً لحقوق الإنسان والتجارة والعمل والصناعة في 3 حكومات. كان الرجل من الصف الثاني أو أقل، لكنه راسخ في الواجهة العامة للمشروع الشيعي على مدار سنوات.

عام 2019، احتج مئات الآلاف من الشبان الشيعة على الحكومة. قفز السوداني من سفينة حزب «الدعوة»، وصعد قارباً صغيراً. أسس حزب «تيار الفراتين» وأراد دخول نادي الشيعة الكبار. بعد عامين، وقع عليه الاختيار رئيساً للحكومة بصفقة صعبة.

في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، دخل السوداني منزل هادي العامري وفي يده ورقة دوّن فيها التزامات يطلبها من رعاة الحكومة في «الإطار التنسيقي». كان المالكي وقيس الخزعلي، زعيم حركة «عصائب أهل الحق» قد جهزا في المقابل ورقة التزامات «ينفذها السوداني ما دام في المنصب».

فحوى الورقة التي سُلمت للسوداني كانت تعكس «عقل المالكي»، الذي تسرب لاحقاً إلى خطاب «الإطاريين» بأن «مهندساً زراعياً كُلف مهام رئاسة الوزراء».

السوداني أراد أن يصبح أكثر من هذا، وأكبر. لقد بدأ عمله في الحكومة هادئاً، لأن أيام الولاية الأولى كانت مخصصة لتصفية تراث سلفه مصطفى الكاظمي. على الأقل كانت «التعليمات» القادمة من «الإطار» تشدد على ذلك.

طموحات السوداني

لاحقاً، أظهر السوداني لمحة قوية عن طموحاته. قدم نفسه وعدد من وزرائه على أنه شخص يريد التركيز على الخدمات والتنمية، بعد أن حصل على تأمين الموازنة الثلاثية، بسقف مالي غير مسبوق.

بالنسبة إلى «الإطار التنسيقي»، لا خطر سياسياً من حكومة تقدم الخدمات، بل «لا معنى لهذا في خلق الأوزان السياسية» كما يقول سياسيون شيعة. كانوا يرون ذلك «خدمة عكسية لصالحهم»، مع إبقاء «العين مفتوحة» على طموحات السوداني.

«انفجر السوداني». يقول سياسيون إنه بعد عامين من الحكم بات يسيطر على نحو 50 نائباً انشقوا «عملياً» عن «الإطار التنسيقي»، ويُلوِّح بأن «كل نائب سابق هو شريك محتمل» في كتلة السوداني الجديدة، في البرلمان المقبل.

الضربة الموجعة للإطار والمالكي –هكذا يأمل السوداني أن تكون– هي تحالفه مع المحافظين الثلاثة الأقوياء، أسعد العيداني في البصرة، ومحمد المياحي في الكوت، ونصيف الخطابي في كربلاء. جميعهم متمردون على «الإطار التنسيقي».

تحدثت «الشرق الأوسط» مع قيادات شيعية مشغولة بتقدير أوزان الفاعلين بالأرقام، رجحوا وزن السوداني بنحو 60 نائباً، وهناك من يتفاءل بأكثر من هذا.

«ودائع في حساب» المالكي

المالكي سيقطع طريق السوداني. في مارس (آذار) الماضي، ضرب في نفسه مثالاً ليشرح مصير السوداني. قال في مقابلة تلفزيونية: «فزت بـ103 مقاعد في انتخابات 2014. لم أحصل على رئاسة الحكومة (...) لأن الوفاق السياسي لم يحدث، فما معنى أن يحصل أي أحد الآن على 60 مقعداً؟ لا شيء. فالأرقام وحدها لا تكفي».

بالعودة إلى ذلك التاريخ، كان المالكي فائزاً بالفعل، ولأنه فشل في الحصول على إجماع الشيعة والكرد، اضطر إلى إخراج حيدر العبادي من أدراج «الدعوة»، بديلاً من «الصف الثاني»، بوجه ناعم، تماماً كالسوداني الآن. الفارق أن العبادي، ورغم أنه تحمَّل مشقة الحرب ضد «داعش» وموازنة شبه خاوية، عاد إلى صفوف الإطار ولم يغامر بأكثر من هذا، إلا ما ندر.

لماذا يصر المالكي على تضييق الخناق على رئيس الوزراء الحالي؟ يعتقد زعيم ائتلاف «دولة القانون» أنه «من غير المقبول أن يسحب شخص ينتمي إليك الأموال من حساب شركة تملكها». بهذه البساطة يقدم سياسي مطلع هذه الاستعارة ليشرح كيف يفكر المالكي الآن.

لقطة من فيديو تُظهر غاضبين يُنزلون صورة المالكي عن أحد مقرات «حزب الدعوة» جنوب العراق

يعتقد المالكي أن السوداني «يختلس» من رصيده السياسي، ويستخدم أدوات الدولة العميقة، ويمد يديه إلى جمهوره الشخصي، ويخلق تحالفات جديدة خارج المعادلة، خارج التحالف الأهم في العراق. المالكي حين يراقب هذه المتغيرات يتذكر أنه هو «من صنع السوداني وهو مَن عليه إعادته إلى النظام». في الحقيقة إنه مؤمن بذلك.

مع ذلك، لا يستطيع المالكي خوض معركة مفتوحة مع السوداني الآن. إنه مكبّل بتقاليد تيار اليمين الشيعي في العراق وضرورات نموه وازدهاره، كما أن رئيس الحكومة لم يعد سهلاً، ليس هو نفسه الذي دخل بيت العامري بورقة «حقوق وواجبات». لقد تحول إلى مركز للتوافق الإيراني - الأميركي، وهو أفضل دور يجب أن يلعبه رئيس وزراء في العراق. ألم يكن المالكي كذلك في ولايته الأولى؟

ما يستطيع المالكي فعله الآن للإيقاع برفيقه السابق السوداني، هو -على المدى البعيد- صياغة قانون انتخابات جديد يجرِّد رئيس الحكومة من أي صلاحية ومنفذ وقدرة على استخدام موارد السلطة في الانتخابات. هذا ما يقوله، وما يريده حرمان السوداني من فرصة تَمتعَ بها المالكي عام 2010، على سبيل المثال.

تقول المصادر إن خبراء انتخابات يعملون مع المالكي منذ شهرين على صياغة قانون جديد للانتخابات. لقد وصل الآن إلى مرحلة متقدمة، خصوصاً بعد إشراك لاعبين سنة وكرد في الأجواء.

لكن اللافت أن المالكي مستعد لصياغة قانون لا يوفر له فرص الفوز، بل يكرس خسارة السوداني.

على المدى القريب، يحاول المالكي، أيضاً، اصطياد حلفاء السوداني والإيقاع بهم. يقول صناع قرار في الإطار التنسيقي إن السوداني حين يصل إلى الأمتار الأخيرة من الانتخابات المقبلة سيكون محظوظاً لو احتفظ بواحد من المحافظين الثلاثة الأقوياء. «سيطيح بهم المالكي»، يقول سياسي عراقي.

السوداني ليس سهلاً

يعرف رئيس الحكومة أن الشيعة في الانتخابات المقبلة سيواجهون ديناميكية جديدة، قد تنتهي فيها صيغة «الإطار التنسيقي» بالانشطار أو بالتحول إلى مراكز ثقل جديدة؛ وجزء من خطة السوداني أن يكون على رأس أحدها.

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (أ.ف.ب)

يمكن للسوداني قطع الطريق على قانون الانتخابات الجديد وإحباط جهود حزب «الدعوة». يقول مقربون إن «رئيس الحكومة سيخوض حوارات شاقة مع السنة والكرد. ثمة تسويات عديدة قد تُقنعهم بمغادرة مطبخ المالكي».

ورغم أن الحفاظ على الحلفاء ليس مضموناً في العراق، فإن السوداني سيكافح للحفاظ عليهم، بينما يعمل على كسب مزيد من عتاة المرشحين الشيعة، لا سيما المحافظين والعسكر.

«السوداني يتعلم من المالكي»، وجزء من الاضطراب داخل الإطار التنسيقي هو «غرور الآباء المؤسسين وانزعاجهم من جرأة التلاميذ»، يقول قيادي شيعي، ويعتقد أن السوداني ليس المتمرد الوحيد، فالخزعلي يشق الطريق ذاته في محاولة عبور المالكي.

يقول، وهو مطلع على أجواء الحرب الباردة مع المالكي ويميل إلى كفة السوداني، إن الأخير يقدم نفسه «شريكاً موثوقاً للاعبين أساسيين في المنطقة، بما فيهم إيران»، وإنه «يقف على طريق شراكات واعدة مرتبطة باتفاقات تهدئة، وشكل جديد للشرق الأوسط، أساسه الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار في العراق».

«مشانق» الانتخابات

في السنة الأخيرة من عمر الحكومة، ستنتقل الحرب الناعمة إلى شكل آخر أكثر سخونة. يشكك كثيرون بأن الاضطرابات الأخيرة في العراق على وقع «قضايا الفساد وتورط موظفين حكوميين في ملفات مشبوهة»، مجرد إحماء وتحضير لما سيحدث.

لقد جرب المالكي والسوداني مواجهات محدودة بينهما. السوداني تفوق في جولات محدودة، لكنّ زعيم «دولة القانون» سجل نقاطاً.

يضرب سياسي كردي مثالاً على ذلك: «خلال الأشهر الماضية، حاول السوداني اختراق الحكومتين المحليتين في ديالى وكركوك برعاية تفاهمات مع فائزين في الانتخابات المحلية، لكن المالكي المتمرس حسم منصب المحافظ في الأولى، وكسر توافقات السوداني في الثانية».

«من الآن وصاعداً سيبدأ نصب المشانق الانتخابية» يقول سياسي سُني يشارك في مفاوضات سرِّية حول تعديل قانون الانتخابات، ويتوقع خريطة جديدة للشيعة، ستتأثر بها القوى السنية والكردية.

مع ذلك، فإن ما يسربه السياسيون الشيعة بشأن الحرب الناعمة بين السوداني والمالكي، وما توشك أن تتحول إليه محاولات «كسر عظام»، يكشفان عن قلق تيار اليمين الشيعي على مستقبله بعد عامين من الزهو والنفوذ.

لا يمانع المالكي كتلة صغيرة يقودها السوداني في البرلمان المقبل. «لا بأس بنموذج عمار الحكيم وهادي العامري وآخرين، يدورون في فلك عشرة مقاعد»، يقول القيادي في الإطار، لأن المعركة الآن تتعلق بـ«لعبة الأرقام»، كل شيء يستعر حول تحديدها وتحجيمها لمنع خريطة «مفاجآت».

«سلطة الأرقام تتفوق»، لأن الاعتقاد الشيعي السائد يفيد بأن عوامل التأثير الكلاسيكية بدأت تضمحل في المشهد الانتخابي، مثل المرجعية الدينية والأميركان، «أما إيران فتفضل التدخل، في اللحظة الأخيرة بعد صبر ومراقبة شديدة».

لكن كيف يتصور القادة الشيعة نهاية هذه الحرب الباردة؟ يتحدث كثيرون عن ثلاثة خيارات؛ أن يصمد السوداني، أو يعقد صفقة مع المالكي برعاية طرف ثالث، أو يخرج أحدهما بإصابات سياسية بليغة.


مقالات ذات صلة

انطلاق عمليات الاقتراع للانتخابات الرئاسية الجزائرية للجالية بالرياض

الخليج السفير الجزائري شريف وليد يدشن عملية اقتراع الانتخابات الرئاسية في السفارة بالرياض (الشرق الأوسط)

انطلاق عمليات الاقتراع للانتخابات الرئاسية الجزائرية للجالية بالرياض

انطلقت الاثنين عمليات الاقتراع للانتخابات الرئاسية الجزائرية لرعايا البلاد المسجلين على القوائم الانتخابية للدائرة الانتخابية بالرياض.

فتح الرحمن يوسف (الرياض)
شمال افريقيا صورة واحدة للمرشحين الثلاثة للانتخابات الجزائرية (الشرق الأوسط)

الجزائر تقر تدابير خاصة لتأمين الانتخابات الرئاسية

غلق كل الأسواق الأسبوعية بكل أنواعها، بالإضافة إلى منع سير مركبات نقل مواد البناء، وصهاريج الوقود، وتأجيل كل التظاهرات الرياضية والثقافية.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا رجل الأعمال التونسي والنائب السابق المرشح للانتخابات الرئاسية العياشي زمال (لقطة من فيديو)

توقيف مرشح للرئاسة التونسية بشبهة تزوير التزكيات

تتهم المعارضة هيئة الانتخابات، بقطع الطريق أمام شخصيات معارضة من خلال وضع شروط مشددة للترشح للرئاسة

«الشرق الأوسط» (تونس)
أوروبا المستشار الألماني أولاف شولتس (د.ب.أ)

شولتس يدعو إلى استثناء اليمين المتطرف من التحالفات بعد الانتخابات في ألمانيا

حضّ المستشار الألماني، أولاف شولتس، الأحزاب الرئيسية، اليوم (الاثنين)، على الوقوف في وجه «حزب البديل من أجل ألمانيا» المتطرّف، بعدما حقق الحزب مكاسب تاريخية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
شمال افريقيا رجل الأعمال التونسي والنائب السابق المرشح للانتخابات الرئاسية العياشي زمال (لقطة من فيديو)

توقيف المرشح الرئاسي التونسي العياشي زمال

قال عضو في حملة المرشح الرئاسي التونسي العياشي زمال، لوكالة «رويترز» للأنباء، إن الشرطة ألقت القبض عليه.

«الشرق الأوسط» (تونس)

«سودان بديل» في مصر يمنح أبناءه ملاذاً آمناً... ويثير حساسيات

TT

«سودان بديل» في مصر يمنح أبناءه ملاذاً آمناً... ويثير حساسيات

حضور سوداني لافت في الشوارع والميادين (الشرق الأوسط)
حضور سوداني لافت في الشوارع والميادين (الشرق الأوسط)

حين كانت الشمس تهبط في الأفق لتأذن لليل بالقدوم، بعد نهار صيفي ملتهب أشار الشاب السوداني مصعب حمدان (33 عاماً) بيده إلى «ميكروباص» متوجه نحو نهاية شارع السودان النابض بالحياة والصخب بالجيزة، ليكتشف عقب صعوده أن السائق والركاب جميعهم من بني وطنه.

لم يُبد مصعب (عامل النظافة بإحدى الشركات الخاصة) بحي المهندسين، أي إيحاء بالتعجب جراء هذا الانتشار اللافت لـ«الجلباب والتوب» بالأحياء المصرية، التي تكرست ملاذاً لآلاف النازحين الفارين من الحرب.

مقهى شعبي بالجيزة يضم تجمعاً سودانياً (الشرق الأوسط)

بعدما أسدل الليل ستاره؛ وصل مصعب إلى شارع «الملكة» المكتظ بالوجوه السمراء، ليجد لافتات المتاجر المضيئة وقد أضيأت بعبارات مثل «سنتر أم درمان لأجود اللحوم السودانية»، ومقهى «ملتقى أحباب السودان»، ومخبز «باب جنقرين للخبز البلدي السوداني»، و«مطعم القراصة» و«سلطان الكيف» التي تقع جميعها في نطاق جغرافي ضيق.

«نحن نعيش في مجتمع سوداني متكامل بمصر، لا ينقصنا أي شيء سوى المساحات الفسيحة وظلال الأشجار الوارفة»، وفق ما يقول مصعب لـ«الشرق الأوسط».

متجر لبيع الملابس السودانية (الشرق الأوسط)

الحضور السوداني الكثيف في أحياء مصرية، عكسته أرقام رسمية أشارت إلى وصول أكثر من نصف مليون نازح سوداني إلى الأراضي المصرية منذ اندلاع الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع» العام الماضي، بينما أكد سوادنيون تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أن «الأعداد الحقيقية تفوق هذا الرقم بكثير، لا سيما بعد عبور أعداد كبيرة منهم بشكل غير نظامي عبر الصحراء على مدار الأشهر الماضية».

وتشكل الجالية السودانية في مصر من المقيمين والنازحين الجدد أكثر من نصف عدد المهاجرين بها، والذين يصفهم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بأنهم «ضيوف مصر»، وتقدر حكومته عددهم بنحو 9 ملايين شخص بينهم أكثر من 5 ملايين سوداني.

انتشار لافت للمحال السودانية بمحافظة الجيزة المصرية (الشرق الأوسط)

وتسبب التدفق الكبير في عدد السودانيين منذ اندلاع الحرب الأخيرة في بلادهم، في الضغط على مكاتب المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين، في القاهرة والإسكندرية، حيث يتم استقبال نحو 3 آلاف طلب لجوء يومي، مما رفع عدد السودانيين المسجلين لدى المفوضية 5 أضعاف عمّا كان عليه سابقاً، ليبلغ اليوم 300 ألف. ويمثل هذا الرقم 52 في المائة من مجمل عدد اللاجئين المسجلين في مصر لدى المفوضية في أبريل (نيسان) الماضي.

تجمُّع سوداني على أحد المقاهي (الشرق الأوسط)

ولهذا السبب فإن المفوضية تتوقع «ازدياد الطلب على التسجيل بشكل مستمر في الأشهر المقبلة بسبب الوضع المضطرب في السودان، مع عدم وجود آفاق فورية لسلام مستدام في الأفق»، مقدرةً عدد السودانيين الذي ينتظرون التسجيل بنحو ربع مليون شخص.

تكتلات

شوارع العاصمة المصرية التي يبدو عليها الهدوء نهاراً، بفعل الحر القائظ، يملأها الصخب كلما اقترب قرص الشمس الذهبي من المغيب، حيث يجري تلطيفها بالمياه قبل أن تتمدد إليها كراسي المقاهي، التي يفضلها سودانيون للقاء بعضهم في ملاذهم الجديد المكتظ بأحياء مثل: «الملك فيصل»، وأرض اللواء، وإمبابة بالجيزة، وحدائق المعادي بالقاهرة، والعاشر من رمضان بالشرقية، وبعض مناطق الإسكندرية، وأسوان، حيث فرضت المتاجر والمطاعم والمخابز وصالونات الحلاقة ومحال بيع الملابس والعطارة واللحوم السودانية نفسها بشكل متزايد، وهو ما وُصف في وسائل الإعلام المصرية بـ«التكتلات السودانية».

لا تخطئ العين الوجود السوداني اللافت في الشوارع (الشرق الأوسط)

لا تخطئ العين الملامح السودانية والثوب التقليدي في الشوارع الرئيسية والفرعية بالقاهرة والجيزة، حيث يوجد الباعة السودانيون ومواطنوهم ممن اقتحموا مجالات عمل كانت مقتصرة على مصريين لعقود، من بينها قيادة سيارات الأجرة والميكروباص داخل الأحياء الشعبية؛ وهو ما عدّه مصعب «أمراً معبِّراً عن سرعة اندماج الوافدين الجدد في تفاصيل الحياة في مصر».

ومن فرط حضور «الزول»، (كلمة معناها الرجل في اللهجة السودانية)، أصبح معتاداً استخدام المفردات السودانية في المتاجر والشوارع والحارات ووسائل المواصلات، لكنَّ محمد عبد المجيد سائق إحدى سيارات الأجرة، التي تعمل في شارع السودان بالجيزة يتقن اللهجة العامية المصرية، ولذلك يجد بعض المصريين صعوبة في معرفة كونه سودانياً.

جانب من إقبال سودانيين على مفوضية اللاجئين بالقاهرة (مفوضية اللاجئين)

لقد تكيف عبد المجيد صاحب الوجه الدائري الباسم مع تفاصيل القيادة في الشوارع القاهرية، فبات يحفظ أسماء ومواقع المحطات عن ظهر قلب، مؤكداً أنه في أوقات متكررة تكون معظم حمولة سيارته من الركاب السودانيين الذين يندمج معهم بتشغيل أغانيهم الفلكلورية: «تشعر كأنك في فرح وليس في مواصلات عامة».

عبد المجيد ليس السائق السوداني الوحيد على خط «شارع السودان» بالجيزة، لكنه واحد من بين 30 سائقاً يحترفون السير في الزحام ويهربون منه إلى شوارع ضيقة بديلة.

السائق السوداني محمد عبد المجيد (الشرق الأوسط)

في أحد أروقة حي فيصل الشهير بالجيزة، كان صاحب متجر العطارة السوداني الستيني عادل محمد، الذي عكست عيناه طمأنينة ترسخت على مدى السنوات الخمس التي قضاها في مصر، ينتظر زبائنه المعتادين في المساء.

محل جزارة «أم درمان» لبيع اللحوم (الشرق الأوسط)

«رغم أن معظم زبائني من السودانيين المقيمين هنا فإن جيراني من المصريين يشترون منّي بهارات الطعام والزيت والسمن والسكر»، وفق قوله لـ«الشرق الأوسط». موضحاً أن «سبب اكتظاظ المنطقة بالسودانيين يعود إلى تفضيل كثير منهم الإقامة بجوار أقاربهم وعائلاتهم لتقليل الشعور بالغربة، وهو ما خلق مجتمعاً سودانياً متكاملاً هنا». مؤكداً أن «السودانيين يتمركزون في الجيزة، بدايةً من أول محيط شارع فيصل الشهير حتى نهايته لمسافة تقترب من 10 كيلومترات».

ملاذ بديل

لم تكن مواقع «التواصل الاجتماعي» بعيدة عن رصد هذا الوجود السوداني الكثيف في مصر، حيث كرست بعض مقاطع الفيديو فكرة وجود «سودان بديل في البلاد، ومن بينها تعليق مؤثّر سوداني تندَّر على الوجود المكثف لأبناء وطنه بحي فيصل بالجيزة قائلاً: «إذا كنت سودانياً تعيش في الخارج وترغب في رؤية أهلك وبلدك ما عليك سوى الذهاب إلى الجيزة المصرية».

وهو ما يؤكده مصعب، معتبراً أن «مراكز التعليم والمتاجر والمطاعم والمقاهي السودانية على اختلاف أشكالها وأنوعها؛ قد فرضت وجودها على الشارع المصري، حتى بات الخبز السوداني الأبيض ملمحاً مهماً في متاجر مصرية عديدة».

مَخبز سوداني (الشرق الأوسط)

وتشعر زينب مصطفى، وهي سيدة خمسينية قَدِمت إلى مصر من الولاية الشمالية بالسودان، بـ«الأمان» وهي تجلس داخل شقة فسيحة بمنطقة «اللبيني» بحي الهرم (غرب القاهرة) رفقة أبنائها وأختها وبناتها.

مكثت زينب فترة طويلة في مصر من دون زوجها الستيني الذي «لحق بها أخيراً بعد تمكنه من دخول مصر بشكل غير نظامي عبر الصحراء، وهو يبحث راهناً توفيق أوضاعه ليتمكن من العمل في أي وظيفة».

ويعد عشرات آلاف السودانيين الفارين من نار الحرب في السودان، مصر «الملاذ الأفضل» راهناً، لامتلاكها مقومات الحياة والبنية التحتية، ومن بينهم فاطمة حسن التي تمكنت من دخول مصر عبر مسارات التهريب الوعرة أخيراً.

سودانيات في محطة مترو «السودان» بالقاهرة (الشرق الأوسط)

خشيت فاطمة على بناتها من «الاغتصاب على يد الميليشيات المسلحة بالسودان»، وقررت دخول مصر بشكل غير نظامي، وفق ما قالته لـ«الشرق الأوسط».

الحر الشديد والعطش أنهكا فاطمة وبناتها الثلاث على مدار ساعات طويلة لم يذقن فيها طعم الراحة أو النوم، قبل أن تنجح في الوصول إلى الجيزة لتنضم إلى شقيقتها التي سبقتها إلى هناك منذ عدة أشهر، حسب قولها.

ورغم الإعلان عن توقيف حافلات لنازحين سودانيين دخلوا البلاد بطريقة غير نظامية في شهر يونيو (حزيران) الماضي، فإن عبد الله قوني المقيم في حي المعادي بالقاهرة منذ 15 عاماً ويقصده الكثير من النازحين السودانيين الجدد للمساعدة في توفير مسكن أو فرصة عمل، يؤكد «وصول نحو 11 حافلة من أسوان تقل سودانيين يومياً كلهم من المهاجرين غير النظاميين الذين يدفع الواحد منهم نحو 500 دولار أميركي للمهربين نظير نقله إلى مصر»، وهو ما تؤكده فاطمة كذلك.

تعليم

ومن بين أهم ملامح «السودان البديل» رؤية التلاميذ من أصحاب البشرة السمراء وهم في طريقهم من وإلى المدارس السودانية التي زاد عددها بشكل مطّرد خلال الأشهر الأخيرة، مما دعا السلطات المصرية إلى إغلاق بعضها من أجل «تقنين الأوضاع».

ويقدِّر سامي الباقر، المتحدث باسم نقابة المعلمين السودانية، عدد المدارس السودانية في مصر بنحو 300 مدرسة للتعليم الأساسي والمتوسط.

متجر في منطقة فيصل التي تشهد تكتلاً كبيراً للجالية السودانية (الشرق الأوسط)

ووجهت السفارة السودانية في القاهرة التي نقلت مقرها قبل سنوات من جاردن سيتي إلى حي الدقي، الشكر إلى الحكومة المصرية على تعاونها في إنجاح امتحانات الشهادة الابتدائية السودانية في شهر يونيو (حزيران) الماضي، عبر 6 مراكز تعليمية تابعة للسفارة، مشيرةً في بيان لها إلى «مشاركة 7 آلاف طالب إلى جانب أكثر من 400 مراقب من المعلمين».

وجامعياً قدّر أيمن عاشور، وزير التعليم العالي المصري، عدد الطلاب السودانيين الذين التحقوا العام الماضي بالجامعات المصرية بأكثر من 10 آلاف طالب.

وكان من بين النازحين السودانيين عدد كبير من الفنانين الذين استقروا في القاهرة على غرار الممثلة إيمان يوسف، والمخرج أمجد أبو العلا والمخرج محمد الطريفي والممثل نزار جمعة، الذين يرتحلون إلى الخارج لحضور فعاليات فنية ثم يعودون من جديد إلى مصر.

وبينما يلجأ السودانيون الذين دخلوا البلاد بشكل نظامي إلى توثيق عقود إيجار شققهم السكنية بمكاتب الشهر العقاري إلى جانب تسجيل أبنائهم في المدارس للحصول على إقامات قانونية في مصر، فإنه لا يوجد أمام النازحين غير النظاميين سوى «التصالح مع وزارة الداخلية المصرية» عبر إنجاز استمارة «تقنين وضع» ودفع رسوم تبلغ ألف دولار، أو التقدم إلى مفوضية اللاجئين والحصول على بطاقة «طالب لجوء».

حساسيات مصرية

مع هيمنة «الجلباب» و«التوب» السودانيين على شوارع وحارات مصرية، وتداول مقاطع لتجمعات سودانية كبيرة في القاهرة عبر «السوشيال ميديا»، والقلق من أخبار طرد مستأجرين مصريين لتسكين سودانيين بدلاً منهم؛ ظهرت بوادر «الحساسية» من «التكتلات السودانية» في مصر.

كما أثارت خرائط رفعها سودانيون لبلادهم تضم مثلث «حلايب وشلاتين»، (أقصى جنوب مصر مع الحدود السودانية)، جدلاً واسعاً، مما دفع السلطات المصرية أخيراً إلى اتخاذ إجراءات ضد هؤلاء النازحين وصلت إلى ترحيل بعضهم إلى بلادهم، وفق مصادر مصرية.

وزاد من وتيرة التحفظات، الإبلاغ عن إجراء أسر سودانية عمليات ختان لبناتهم في مصر، وهو ما واجهه مسؤولون مصريون بالتشديد على ضرورة تفعيل القانون المصري الذي يُجرِّم ختان الإناث.

ودخل إعلاميون مصريون على خط انتقادات «التكتلات السودانية»؛ وكان أبرزهم قصواء الخلالي، التي أعربت عن «قلقها» إزاء وجود تكتلات للاجئين في مناطق شعبية، معتبرةً هذا الأمر «خطيراً للغاية». فيما حذرت الإعلامية عزة مصطفى من «سيطرة بعض اللاجئين على مناطق كاملة من القاهرة، بعد مغادرة مصريين لها عقب رفع إيجارات الشقق». مشيرةً إلى «تداعيات تحمل مصر فاتورة ضخمة جراء استضافة اللاجئين على أراضيها».

وكغيره من عشرات المصريين الذين يعدّون أنفسهم «متضررين من الوجود السوداني المكثف»، لم يُخفِ السباك الستيني عيد محمود، صاحب الجسد النحيل تذمره من «هيمنة النازحين على المربع السكني الذي كان يقيم فيه بالقرب من جامعة القاهرة».

يقول عيد بنبرة يملأها الاستياء: «أجبرتني مالكة الشقة على إخلائها لتسكين أسرة سودانية بدلاً مني».

وبعدما كان عيد الذي يعول 3 فتيات يدفع 1600 جنيه مصري (الدولار الأميركي يساوي نحو 48 جنيهاً) بدل إيجار شهري خلال السنوات الماضية فإن مالكة العقار تحصل راهناً على 6 آلاف جنيه من المستأجرين السودانيين الجدد. وهو ما دفع مصريين إلى «دعوة الحكومة إلى التدخل حفاظاً على السِّلْم المجتمعي».

واضطر عيد إلى البحث عن شقة أخرى في منطقة توصف بأنها «متواضعة»، بـ3 آلاف جنيه.

وتفاعل برلمانيون مصريون مع دعوات تقنين أوضاع اللاجئين، من بينهم سهام مصطفى عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، التي شددت في تصريحات تلفزيونية على أن «كل دول العالم ترفض دخول أي لاجئ أو مهاجر دون أوراق إثبات إقامته بهدف حصر أعداد الأجانب حفاظاً على الأمن القومي».

جانب من إقبال سودانيين على مفوضية اللاجئين بالقاهرة (مفوضية اللاجئين)

مضيفةً: «إن مصر تستضيف ملايين الأجانب وتوفر لهم الخدمات بنفس الأسعار المقدمة للمواطنين دون زيادة، رغم الأزمة الاقتصادية الحالية».

وأغلقت السلطات المصرية أخيراً عدداً من المدارس السودانية بداعي عدم استيفاء الشروط. وطالبت سفارة السودان بالقاهرة، أصحاب المدارس، بـ«التزام ثمانية شروط، وضعتها مصر لتقنين أوضاع المدارس المغلقة»، وقالت إنها «تُجري اتصالات مستمرة لحل الأزمة».

ويرى عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير صلاح حليمة، أن «الإجراءات المصرية الأخيرة التي هدفت إلى تقنين أوضاع السودانيين في البلاد «طبيعية جداً في ظل ازدياد أعدادهم بالبلاد»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «تنظيم اللجوء والإقامة مع طلب زيادة المساعدات من المنظمات الدولية والإقليمية يعدان الخيار الأفضل راهناً للقاهرة».

فيما يؤكد محمد جبارة، أمين «العلاقات الخارجية» بجمعية الصداقة السودانية - المصرية، والمستشار الإعلامي السابق بسفارة الخرطوم في القاهرة، أن «التجمعات السودانية الكبيرة في الشوارع والميادين تثير حساسيات مجتمعية وأمنية بمصر». متهماً بعض أصحاب المدارس السودانية بالتسبب في إغلاقها، لا سيما بعد منح السلطات المصرية أكثر من مهلة لمطابقة المواصفات المحلية وتقنين الأوضاع.

إقبال لافت على مكتب مفوضية اللاجئين بالقاهرة (مفوضية اللاجئين)

وكشف عن «نية سفارة بلاده تنظيم مهرجان كبير بعنوان (شكراً مصر) كنوع من (رد الجميل) لاستضافتها جالية كبيرة من أبناء الوطن».

تخفيف الأعباء

بسبب الأزمة الاقتصادية، طالبت مصر المجتمع الدولي بدعمها في «تحمل أعباء اللاجئين». ورأى وزير الخارجية المصري السابق سامح شكري، عقب لقائه مدير عام المنظمة الدولية للهجرة إيمي بوب، أن الدعم الذي تتلقاه مصر من المجتمع الدولي «لا يتناسب مع ما تتحمله من أعباء، في ظل ما يعانيه الاقتصاد المصري من تبعات الأزمات العالمية.

وأطلقت الحكومة المصرية أخيراً عملية لحصر أعداد اللاجئين المقيمين على أراضيها، بهدف احتساب تكلفة استضافتهم، والوقوف على الأعباء المالية، في ظل أزمة اقتصادية تعانيها البلاد.

وطالبت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمصر، في بيان في شهر أبريل الماضي، بالحصول على 175.1 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحاً للاجئين السودانيين الذين فروا إلى مصر منذ منتصف أبريل 2023.

سودانيون بالقرب من شارع السودان الشهير بالجيزة (الشرق الأوسط)

وبينما يؤكد الخبير الاقتصادي المصري الدكتور مدحت نافع، تكبد مصر أعباء اقتصادية جراء استضافة هذا العدد الكبير، فإنه في الوقت نفسه يرى أنه «يمكن الاستفادة منهم، إذا قُننت أوضاعهم المادية وطرق عملهم واستثمار بعضهم في مصر».

ويقترح نافع في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» تحصيل أي رسوم تخص الوافدين بمصر بالدولار، ويرى أنه يوجد من بين المقيمين في مصر مستثمرون يقدمون فرصة لتعزيز وجود رؤوس الأموال وحركة الاقتصاد.

ويراهن مصعب في النهاية على تفهم كثير من المصريين للأوضاع الخطرة في السودان، وعلى الروابط المشتركة بين الشعبين، لاستيعاب «الضيوف الجدد»، مؤكداً أن الحساسيات التي تنشأ بين «أبناء وادي النيل» ليست سوى «سحابة صيف عابرة» ستزول بمجرد انتهاء الحرب وتحسن الأوضاع في بلاده.