السوداني والمالكي... حرب باردة وأكثر

«الولاية الثانية» تغير قواعد الاشتباك قبل عام ساخن من الانتخابات العراقية

السوداني والمالكي... حرب باردة وأكثر
TT

السوداني والمالكي... حرب باردة وأكثر

السوداني والمالكي... حرب باردة وأكثر

تدور حرب باردة بين نوري المالكي ومحمد شياع السوداني. يتحرك الاثنان بسرعة نحو حلبة الانتخابات المقبلة. هناك، سيكون الصراع مؤذياً ومفتوحاً، كما يرجح سياسيون في حزب «الدعوة الإسلامية»، و«الإطار التنسيقي». إلا إذا حدثت صفقة بينهما.

من المفترض أن ينتخب العراقيون، العام المقبل، ممثليهم في البرلمان، لكنَّ رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، يدفع لجعلها مبكرة. في الحالتين سيتفاوض اللاعبون على قانون انتخابات جديد ينسجم مع المتغيرات، ومحاولة السوداني مزاحمة الكبار أبرز متغير في اللعبة.

مع أن كثيرين يشككون في إمكانية الاقتراع المبكر، إلا أن التلويح به قد يكون ورقة ضاغطة على السوداني في سياق الحرب الناعمة، فالأهم من موعد الانتخابات هو قانونها الجديد.

المالكي هو أكثر السياسيين الذين يُظهرون شغفاً بصياغة القانون. يقول مقربون منه وأشخاص عملوا لصالحه في كتابة صياغات ومقترحات، إن الرجل يفكر في «نصب الأفخاخ» للسوداني، الذي يطمح لولاية ثانية، أكثر من انشغاله حتى بحظوظه الشخصية في البرلمان المقبل.

المالكي «الأب المؤسس»

ينظرُ المالكي إلى نفسه على أنه صانع لملوكٍ غير متوجين. ملوك يعملون لديه، في خدمة مشروع بدأ عام 2006، يوم توَّجته ظروف وأقدار برئاسة الحكومة. جاء وقتها بديلاً مغموراً لإبراهيم الجعفري الذي نبذته المعادلة الإيرانية - الأميركية في العراق.

أنصار «الإطار التنسيقي» يرفعون صورة المالكي خلال مظاهرة بالقرب من المنطقة الخضراء في بغداد 12 أغسطس الماضي (إ.ب.أ)

«تَعلم المالكي أكثر من غيره فنوناً في السياسة»، يقول أشخاص عملوا معه وخاصموه خلال العقدين الماضيين. المناورة والتنقل السلس بين الأقطاب أبرز ما يجيده، إلى جانب «انحيازه المذهبي، وريبته الشديدة»، اللذين يجذبان إليه كل «الشيعة الطامحين والخائفين».

حتى بعد خروجه من الحكومة، بقي المالكي عرَّاباً للمشروع السياسي الشيعي، تلجأ إليه أحزاب «الطائفة» كلما تعرض النظام لتهديد، حتى لو كان من الشيعة أنفسهم. بهذا المعنى هو «الأب المؤسس، وكل الآخرين أبناء وأحفاد»، على حد تعبير قيادي سابق في «حزب الدعوة».

قدم المالكي نفسه «منقذاً لشيعة العراق المعاصر». آخر مرة كان قد لملم شتاتهم حين حاول زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الانقلاب عليهم، وطردهم من الحكومة بعدما حاول التحالف مع السنة والكرد (2020). يرى كثيرون أن دور المالكي في «الإطار التنسيقي» منذ أن تشكلت حكومة محمد شياع السوداني، عزز صورته راعياً لدولة الشيعة العميقة. وفي عقل المالكي أنه عمقها الوحيد.

يتوقع رئيس الوزراء الأسبق من حلفائه عدم تجاوز مكانته التاريخية وحدود زعامته، لكن ما الذي يمكن أن يحدث حين يتمرد أشخاص صنعهم المالكي وخلق مشروعهم السياسي؟ ماذا لو قرر السوداني الترشح لولاية ثانية؟

«الابن الضال»

كان السوداني مهندساً زراعياً يعمل لصالح الحكومة في محافظة ميسان (جنوب) حين احتلت القوات الأميركية العراق وأسقطت نظام صدام حسين. ولأنه موظف بدرجة رفيعة وابن عائلة شيعية معارضة، عُيّن منسقاً بين إدارة المدينة وسلطة الحاكم الأميركي في بغداد، لتسيير الأعمال.

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (رويترز)

في السنوات اللاحقة، تدرج السوداني في الإدارات العامة. كان من الواضح أن الرجل يجيد الحياة داخل المؤسسات الحكومية، ويمكنه الصمود أمام تقلباتها. إنه «مسلكي» على نحو متمرس، كما يصفه سياسيون موالون له.

يبدو أن المالكي شعر بأن السوداني هو «رجله المناسب». تحول إلى ركن ثابت في الحكومات اللاحقة؛ وزيراً لحقوق الإنسان والتجارة والعمل والصناعة في 3 حكومات. كان الرجل من الصف الثاني أو أقل، لكنه راسخ في الواجهة العامة للمشروع الشيعي على مدار سنوات.

عام 2019، احتج مئات الآلاف من الشبان الشيعة على الحكومة. قفز السوداني من سفينة حزب «الدعوة»، وصعد قارباً صغيراً. أسس حزب «تيار الفراتين» وأراد دخول نادي الشيعة الكبار. بعد عامين، وقع عليه الاختيار رئيساً للحكومة بصفقة صعبة.

في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، دخل السوداني منزل هادي العامري وفي يده ورقة دوّن فيها التزامات يطلبها من رعاة الحكومة في «الإطار التنسيقي». كان المالكي وقيس الخزعلي، زعيم حركة «عصائب أهل الحق» قد جهزا في المقابل ورقة التزامات «ينفذها السوداني ما دام في المنصب».

فحوى الورقة التي سُلمت للسوداني كانت تعكس «عقل المالكي»، الذي تسرب لاحقاً إلى خطاب «الإطاريين» بأن «مهندساً زراعياً كُلف مهام رئاسة الوزراء».

السوداني أراد أن يصبح أكثر من هذا، وأكبر. لقد بدأ عمله في الحكومة هادئاً، لأن أيام الولاية الأولى كانت مخصصة لتصفية تراث سلفه مصطفى الكاظمي. على الأقل كانت «التعليمات» القادمة من «الإطار» تشدد على ذلك.

طموحات السوداني

لاحقاً، أظهر السوداني لمحة قوية عن طموحاته. قدم نفسه وعدد من وزرائه على أنه شخص يريد التركيز على الخدمات والتنمية، بعد أن حصل على تأمين الموازنة الثلاثية، بسقف مالي غير مسبوق.

بالنسبة إلى «الإطار التنسيقي»، لا خطر سياسياً من حكومة تقدم الخدمات، بل «لا معنى لهذا في خلق الأوزان السياسية» كما يقول سياسيون شيعة. كانوا يرون ذلك «خدمة عكسية لصالحهم»، مع إبقاء «العين مفتوحة» على طموحات السوداني.

«انفجر السوداني». يقول سياسيون إنه بعد عامين من الحكم بات يسيطر على نحو 50 نائباً انشقوا «عملياً» عن «الإطار التنسيقي»، ويُلوِّح بأن «كل نائب سابق هو شريك محتمل» في كتلة السوداني الجديدة، في البرلمان المقبل.

الضربة الموجعة للإطار والمالكي –هكذا يأمل السوداني أن تكون– هي تحالفه مع المحافظين الثلاثة الأقوياء، أسعد العيداني في البصرة، ومحمد المياحي في الكوت، ونصيف الخطابي في كربلاء. جميعهم متمردون على «الإطار التنسيقي».

تحدثت «الشرق الأوسط» مع قيادات شيعية مشغولة بتقدير أوزان الفاعلين بالأرقام، رجحوا وزن السوداني بنحو 60 نائباً، وهناك من يتفاءل بأكثر من هذا.

«ودائع في حساب» المالكي

المالكي سيقطع طريق السوداني. في مارس (آذار) الماضي، ضرب في نفسه مثالاً ليشرح مصير السوداني. قال في مقابلة تلفزيونية: «فزت بـ103 مقاعد في انتخابات 2014. لم أحصل على رئاسة الحكومة (...) لأن الوفاق السياسي لم يحدث، فما معنى أن يحصل أي أحد الآن على 60 مقعداً؟ لا شيء. فالأرقام وحدها لا تكفي».

بالعودة إلى ذلك التاريخ، كان المالكي فائزاً بالفعل، ولأنه فشل في الحصول على إجماع الشيعة والكرد، اضطر إلى إخراج حيدر العبادي من أدراج «الدعوة»، بديلاً من «الصف الثاني»، بوجه ناعم، تماماً كالسوداني الآن. الفارق أن العبادي، ورغم أنه تحمَّل مشقة الحرب ضد «داعش» وموازنة شبه خاوية، عاد إلى صفوف الإطار ولم يغامر بأكثر من هذا، إلا ما ندر.

لماذا يصر المالكي على تضييق الخناق على رئيس الوزراء الحالي؟ يعتقد زعيم ائتلاف «دولة القانون» أنه «من غير المقبول أن يسحب شخص ينتمي إليك الأموال من حساب شركة تملكها». بهذه البساطة يقدم سياسي مطلع هذه الاستعارة ليشرح كيف يفكر المالكي الآن.

لقطة من فيديو تُظهر غاضبين يُنزلون صورة المالكي عن أحد مقرات «حزب الدعوة» جنوب العراق

يعتقد المالكي أن السوداني «يختلس» من رصيده السياسي، ويستخدم أدوات الدولة العميقة، ويمد يديه إلى جمهوره الشخصي، ويخلق تحالفات جديدة خارج المعادلة، خارج التحالف الأهم في العراق. المالكي حين يراقب هذه المتغيرات يتذكر أنه هو «من صنع السوداني وهو مَن عليه إعادته إلى النظام». في الحقيقة إنه مؤمن بذلك.

مع ذلك، لا يستطيع المالكي خوض معركة مفتوحة مع السوداني الآن. إنه مكبّل بتقاليد تيار اليمين الشيعي في العراق وضرورات نموه وازدهاره، كما أن رئيس الحكومة لم يعد سهلاً، ليس هو نفسه الذي دخل بيت العامري بورقة «حقوق وواجبات». لقد تحول إلى مركز للتوافق الإيراني - الأميركي، وهو أفضل دور يجب أن يلعبه رئيس وزراء في العراق. ألم يكن المالكي كذلك في ولايته الأولى؟

ما يستطيع المالكي فعله الآن للإيقاع برفيقه السابق السوداني، هو -على المدى البعيد- صياغة قانون انتخابات جديد يجرِّد رئيس الحكومة من أي صلاحية ومنفذ وقدرة على استخدام موارد السلطة في الانتخابات. هذا ما يقوله، وما يريده حرمان السوداني من فرصة تَمتعَ بها المالكي عام 2010، على سبيل المثال.

تقول المصادر إن خبراء انتخابات يعملون مع المالكي منذ شهرين على صياغة قانون جديد للانتخابات. لقد وصل الآن إلى مرحلة متقدمة، خصوصاً بعد إشراك لاعبين سنة وكرد في الأجواء.

لكن اللافت أن المالكي مستعد لصياغة قانون لا يوفر له فرص الفوز، بل يكرس خسارة السوداني.

على المدى القريب، يحاول المالكي، أيضاً، اصطياد حلفاء السوداني والإيقاع بهم. يقول صناع قرار في الإطار التنسيقي إن السوداني حين يصل إلى الأمتار الأخيرة من الانتخابات المقبلة سيكون محظوظاً لو احتفظ بواحد من المحافظين الثلاثة الأقوياء. «سيطيح بهم المالكي»، يقول سياسي عراقي.

السوداني ليس سهلاً

يعرف رئيس الحكومة أن الشيعة في الانتخابات المقبلة سيواجهون ديناميكية جديدة، قد تنتهي فيها صيغة «الإطار التنسيقي» بالانشطار أو بالتحول إلى مراكز ثقل جديدة؛ وجزء من خطة السوداني أن يكون على رأس أحدها.

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (أ.ف.ب)

يمكن للسوداني قطع الطريق على قانون الانتخابات الجديد وإحباط جهود حزب «الدعوة». يقول مقربون إن «رئيس الحكومة سيخوض حوارات شاقة مع السنة والكرد. ثمة تسويات عديدة قد تُقنعهم بمغادرة مطبخ المالكي».

ورغم أن الحفاظ على الحلفاء ليس مضموناً في العراق، فإن السوداني سيكافح للحفاظ عليهم، بينما يعمل على كسب مزيد من عتاة المرشحين الشيعة، لا سيما المحافظين والعسكر.

«السوداني يتعلم من المالكي»، وجزء من الاضطراب داخل الإطار التنسيقي هو «غرور الآباء المؤسسين وانزعاجهم من جرأة التلاميذ»، يقول قيادي شيعي، ويعتقد أن السوداني ليس المتمرد الوحيد، فالخزعلي يشق الطريق ذاته في محاولة عبور المالكي.

يقول، وهو مطلع على أجواء الحرب الباردة مع المالكي ويميل إلى كفة السوداني، إن الأخير يقدم نفسه «شريكاً موثوقاً للاعبين أساسيين في المنطقة، بما فيهم إيران»، وإنه «يقف على طريق شراكات واعدة مرتبطة باتفاقات تهدئة، وشكل جديد للشرق الأوسط، أساسه الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار في العراق».

«مشانق» الانتخابات

في السنة الأخيرة من عمر الحكومة، ستنتقل الحرب الناعمة إلى شكل آخر أكثر سخونة. يشكك كثيرون بأن الاضطرابات الأخيرة في العراق على وقع «قضايا الفساد وتورط موظفين حكوميين في ملفات مشبوهة»، مجرد إحماء وتحضير لما سيحدث.

لقد جرب المالكي والسوداني مواجهات محدودة بينهما. السوداني تفوق في جولات محدودة، لكنّ زعيم «دولة القانون» سجل نقاطاً.

يضرب سياسي كردي مثالاً على ذلك: «خلال الأشهر الماضية، حاول السوداني اختراق الحكومتين المحليتين في ديالى وكركوك برعاية تفاهمات مع فائزين في الانتخابات المحلية، لكن المالكي المتمرس حسم منصب المحافظ في الأولى، وكسر توافقات السوداني في الثانية».

«من الآن وصاعداً سيبدأ نصب المشانق الانتخابية» يقول سياسي سُني يشارك في مفاوضات سرِّية حول تعديل قانون الانتخابات، ويتوقع خريطة جديدة للشيعة، ستتأثر بها القوى السنية والكردية.

مع ذلك، فإن ما يسربه السياسيون الشيعة بشأن الحرب الناعمة بين السوداني والمالكي، وما توشك أن تتحول إليه محاولات «كسر عظام»، يكشفان عن قلق تيار اليمين الشيعي على مستقبله بعد عامين من الزهو والنفوذ.

لا يمانع المالكي كتلة صغيرة يقودها السوداني في البرلمان المقبل. «لا بأس بنموذج عمار الحكيم وهادي العامري وآخرين، يدورون في فلك عشرة مقاعد»، يقول القيادي في الإطار، لأن المعركة الآن تتعلق بـ«لعبة الأرقام»، كل شيء يستعر حول تحديدها وتحجيمها لمنع خريطة «مفاجآت».

«سلطة الأرقام تتفوق»، لأن الاعتقاد الشيعي السائد يفيد بأن عوامل التأثير الكلاسيكية بدأت تضمحل في المشهد الانتخابي، مثل المرجعية الدينية والأميركان، «أما إيران فتفضل التدخل، في اللحظة الأخيرة بعد صبر ومراقبة شديدة».

لكن كيف يتصور القادة الشيعة نهاية هذه الحرب الباردة؟ يتحدث كثيرون عن ثلاثة خيارات؛ أن يصمد السوداني، أو يعقد صفقة مع المالكي برعاية طرف ثالث، أو يخرج أحدهما بإصابات سياسية بليغة.


مقالات ذات صلة

إدارة ترمب تلغي وحدة مكافحة التدخل الأجنبي في الانتخابات

الولايات المتحدة​ وزيرة العدل الأميركية بام بوندي (أ.ف.ب)

إدارة ترمب تلغي وحدة مكافحة التدخل الأجنبي في الانتخابات

في أول يوم لها في منصبها، حلّت وزيرة العدل الأميركية وحدة تابعة لمكتب التحقيقات الفدرالي مخصصة لمكافحة التدخل الأجنبي في الانتخابات الأميركية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا إيلون ماسك خلال ظهوره عبر دائرة الفيديو أمام تجمع انتخابي لحزب «البديل من أجل ألمانيا» قبل أيام (د.ب.أ)

قلق في ألمانيا مع تزايد حظوظ «البديل» قبل أقل من شهر على الانتخابات

وصف المستشار الألماني أولاف شولتس دعم مالك منصة «إكس» إيلون ماسك لحزب «البديل لألمانيا» بأنه «مقرف»، في وقت تتزايد حظوظ الحزب مع اقتراب الانتخابات العامة.

راغدة بهنام (برلين)
المشرق العربي جانب من أحد اجتماعات تحالف «الإطار التنسيقي» في بغداد (إكس)

​تحضيرات مبكرة للانتخابات التشريعية في العراق

في وقت صوّت البرلمان العراقي على التمديد لمفوضية الانتخابات فإن القوى السياسية العراقية بدأت تعيد حساباتها استعداداً للاستحقاق الانتخابي لعام 2025.

حمزة مصطفى (بغداد)
الولايات المتحدة​ رئيس اللجنة الوطنية الديمقراطية الحالي جايمي هاريسون في 2 نوفمبر 2024 في شارلوت بولاية كارولاينا الشمالية الأميركية (أ.ب)

الحزب الديمقراطي الأميركي الذي يمر بأزمة ينتخب رئيسه الجديد السبت

ستنتخب اللجنة الوطنية الديمقراطية رئيساً جديداً، السبت، بينما يسعى الحزب إلى قيادة جديدة لتوجيه الديمقراطيين خلال رئاسة دونالد ترمب الثانية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو يدلي بصوته في الانتخابات الرئاسية - مينسك 26 يناير 2025 (د.ب.أ)

لوكاشينكو يحقق فوزاً ساحقاً بانتخابات الرئاسة في بيلاروسيا

أظهرت نتائج أولية أن رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو مدَّدَ حكمه المستمر منذ 31 عاماً بتحقيق فوز ساحق في انتخابات رئاسية وصفها الغرب بأنها «غير نزيهة».

«الشرق الأوسط» (مينسك)

«المدرسة العالمية للاجئين»: بصيص أمل وسط الحروب والنزوح

TT

«المدرسة العالمية للاجئين»: بصيص أمل وسط الحروب والنزوح

تلامذة سوريون يلعبون خلال الاستراحة في باحة مدرستهم في مخيم للاجئين في أعزاز قرب الحدود التركية (غيتي)
تلامذة سوريون يلعبون خلال الاستراحة في باحة مدرستهم في مخيم للاجئين في أعزاز قرب الحدود التركية (غيتي)

وسط الكوارث الإنسانية الناجمة عن الحروب والنزاعات، لا يزال هناك أمل تعيده مبادرات إنسانية لمن فقدوه. من بين هذه المبادرات تبرز «المدرسة العالمية للاجئين» (World Refugees School)، التي أطلقها الأردني وليد تحبسم عام 2016، لتصبح نموذجاً ناجحاً في مجال تعليم اللاجئين؛ فهي لا تقتصر على محو الأمية، بل تسعى لتقديم تعليم شامل يتيح للاجئين استكمال مراحلهم التعليمية بشهادات معتمدة دولياً؛ ما يعيد الأمل لملايين الطلاب المحرومين من التعليم.

بداية الفكرة لقاء غير متوقع

كانت البداية مع لقاء جمع وليد تحبسم، وهو أحد رواد قطاع تقنية المعلومات في الأردن، مع متبرع أميركي في كاليفورنيا، أراد أن يساهم في تعليم اللاجئين السوريين بعد اندلاع الاحتجاجات في سوريا عام 2011. أراد المتبرع تمويل تعليم 25 طالباً فقط، لكن تحبسم رأى فرصة أكبر. فبدلاً من تعليم مجموعة صغيرة من الطلاب، طرح فكرة يمكن أن تشمل ملايين اللاجئين حول العالم.

يقول تحبسم: «كانت فكرة تقديم تعليم شامل وليست مجرد دورة تدريبية أو محو أمية. التعليم الرسمي هو السبيل لتغيير حياة اللاجئين وتحقيق أحلامهم في مستقبل أفضل».

وبحسب الدراسات التي أجرتها المجموعة، يصل متوسط فترة لجوء الفرد إلى 17 عاماً، بينما يحتاج اللاجئ إلى نحو 7 سنوات ليشعر بالاستقرار المؤقت. في هذه المدة، غالباً ما يخرِج الأطفال والشباب من النظام التعليمي الرسمي؛ ما يترك فجوة تعليمية تهدد مستقبلهم. هنا برزت الحاجة إلى نظام تعليمي يواكب طبيعة حياة اللاجئين المتنقلة ويوفر لهم فرصاً تعليمية مستدامة.

التلميذة السورية فاطمة الاحمد فقدت رجلها في قصف على إدلب وتقطع يومياً مسافة 3 كلم للوصول إلى التعليم (غيتي)

دعم سعودي ودولي

كان للدعم السعودي دور كبير في نجاح المبادرة، حيث ساهمت المملكة بمبادرات تعليمية أخرى، مثل نظام «نور» الذي يدير المنظومة التعليمية لخدمة أكثر من 6.5 مليون طالب في السعودية.

«الدعم السعودي لم يكن مادياً فقط، بل كان رؤية استراتيجية تركز على أهمية التعليم كونه أولوية إنسانية»، يقول تحبسم.

ويعيد تحبسم الفضل في ذلك إلى لقاء جمعه بالأمير فيصل بن عبد الله، قائلاً «كان الأثر الأكبر في التفكير كيف يمكن البناء على ما تم إنجازه في قطاع التعليم من خلال الشراكة الحقيقية ما بين القطاعين العام والخاص، حيث كانت قضية دعم اللاجئين حول العالم من أهم مخرجات هذا الاجتماع».

الأمير فيصل بن عبد الله

في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» قال الأمير فيصل بن عبد الله، إنه «في ظل الظروف الصعبة التي يعاني منها أشقاؤنا اللاجئون في فلسطين وغيرها من الدول المنكوبة، لمواجهة الأزمات الإنسانية التي تتفاقم يوماً بعد يوم، نجد أنه من المهم جداً دعم حق كل طفل في الحصول على تعليم آمن وجيد؛ كونه حجر الأساس لبناء مستقبل أفضل».

وأضاف الأمير أن مدرسة اللاجئين العالمية تمثل نموذجاً مُلهماً للدور الذي يمكن أن يلعبه التعليم في تخفيف معاناة الأطفال والشباب اللاجئين، وتجديد الأمل في نفوسهم.

وقال: «إن دعمنا هذه المدرسة ومبادراتها التعليمية هو واجب أخلاقي وإنساني نلتزم به لتعزيز فرص التعلم وتقديم يد العون لكل طفل يتطلع إلى مستقبل أفضل رغم التحديات».

وأضاف الأمير: «نؤمن بأن الاستثمار في التعليم ليس مجرد استجابة عاجلة للأزمات، بل هو استثمار طويل الأمد في تحقيق السلام والعدالة والتنمية المستدامة». ومن هذا المنطلق، دعا الأمير المجتمع الدولي والمؤسسات الإنسانية إلى الوقوف صفاً واحداً لدعم هذه الجهود وضمان حصول كل طفل لاجئ على حقه في التعليم.

وقال: «ستبقى الرسالة واضحة في عدم ادخار أي جهد في سبيل دعم اللاجئين أينما كانوا، خصوصاً في هذه الظروف العصيبة التي تتطلب من الجميع الوقوف بمسؤولية إنسانية تجاههم».

أطفال فلسطينيون يحضرون صفاً أقامته معلمة سابقة وأم من رفح لتعليم الأولاد في مركز نزوحهم بإحدى مدارس خان يونس (أ.ف.ب)

التعليم لمكافحة التطرف

يشدّد تحبسم على أهمية التعليم في الحد من الأفكار السلبية التي قد تنشأ في بيئات اللجوء، ويقول: «التعليم ليس رفاهية، بل ضرورة لضمان عدم تحول الأطفال والشباب ضحايا للأفكار المتطرفة التي قد تملأ الفراغ في حياتهم».

وفي خضم الصراعات السياسية، غالباً ما يصبح اللاجئون ضحايا المصالح المتشابكة، لكن تحبسم يصرّ على أن التعليم يجب أن يظل بعيداً من التجاذبات السياسية، قائلاً: «هدفنا إنساني بحت، التعليم للجميع بغض النظر عن الخلفيات السياسية أو العرقية».

وتسعى «المدرسة العالمية للاجئين» إلى توسيع خدماتها لتشمل دولاً جديدة، في الشرق الأوسط وأفريقيا، كما تهدف إلى دعم الأنظمة التعليمية الرسمية في المناطق التي تعمل فيها، لتوفير تعليم مستدام للجميع.

لكن، على رغم الإنجازات الكبيرة، لا تزال المدرسة تواجه تحديات تمويلية كبيرة. ويقول تحبسم: «في ظل تركيز المنظمات الدولية على تقديم الطعام والمأوى، يبقى التعليم في مرتبة متأخرة. لكننا نؤمن بأنه الحل الجذري لبناء مستقبل أفضل».

وبالنسبة لوليد تحبسم وفريقه، فإن هذه المبادرة هي بمثابة الضوء في آخر النفق لملايين اللاجئين الذين ينتظرون فرصة لبناء حياة جديدة.

الطريق إلى الاعتراف الدولي

لم يكن الحصول على اعتماد دولي لشهادات «المدرسة العالمية للاجئين» أمراً سهلاً. استغرقت المبادرة ثلاث سنوات من البحث والتفاوض مع مؤسسات تعليمية مرموقة في بريطانيا. في النهاية، نجحت المدرسة في الحصول على الاعتمادية التي تمكّن طلابها من إكمال تعليمهم الجامعي في أي مكان في العالم.

«لم يكن الأمر سهلاً»، يقول تحبسم: «كنا في حاجة إلى إقناع الشركاء الدوليين بجدوى التعليم المدمج الذي يجمع بين التعليم الإلكتروني والحضوري. لكننا أثبتنا أن اللاجئين يستحقون فرصاً متساوية في التعليم».

طفل سوري متوجهاً إلى مدرسته في مخيم للاجئين في منطقة أعزاز قرب الحدود التركية (غيتي)

حلول مبتكرة لمناطق النزاع

قدمت «المدرسة العالمية للاجئين» حلاً عملياً يتمثل في وحدات تعليمية متنقلة (كرفانات) مزودة بالطاقة الشمسية، الإنترنت، ومرافق تعليمية كاملة. تم تصميم هذه الوحدات لتلبية احتياجات اللاجئين في المناطق النائية ومخيمات النزوح، مع ضمان تقديم تجربة تعليمية شبيهة بالتعليم النظامي.

«كان هدفنا توفير بيئة تعليمية مرنة تتكيف مع ظروف اللاجئين»، يقول تحبسم: «الوحدات المتنقلة ليست فقط مدارس، بل هي مراكز تعليمية تُعيد بناء الأمل في المجتمعات التي نخدمها».

الأرقام تتحدث

حتى اليوم، استفاد أكثر من 38 ألف طالب بشكل مباشر من خدمات المدرسة، وتخرج فيها 1800 طالب بشهادات معتمدة، بينما استفاد أكثر من 4.5 مليون شخص بشكل غير مباشر.

في محافظة إدلب السورية، نجحت المدرسة في تقديم التعليم لأكثر من 38 ألف طالب في ظروف غاية في الخطورة، حيث تم تخريج دفعات من الطلاب الذين حصلوا على شهادات معترف بها دولياً، وتم اعتماد البرنامج وشهاداته من قبل منظمة City & Guilds البريطانية.

و«المدرسة العالمية للاجئين» (World Refugees School) مدرسة عالمية تعنى بالتعليم الرسمي (Formal) المبني على مناهج دراسية عالمية ووطنية لجميع الفئات الطلابية المستهدفة، باستخدام التقنيات الرقمية في تعويض نقص الموارد التعليمية المتوفرة للطلبة اللاجئين والمهجرين، آخذين بعين الاهتمام الاختلاف في الموارد البشرية والمادية المتاحة لكل مجموعة منهم، وحقيقة تعرُّضهم للانتقال من دولة إلى أخرى، وبالتالي من نظام دراسي إلى آخر بشكل مستمر، إضافة إلى التعاون مع بعض أعرق المنظمات الدولية في اعتماد البرامج الدراسية، وتوفير اعتماد دولي لبرامجهم الدراسية وشهاداتهم.

ويتطلع القائمون على المبادرة إلى توظيف خبرات وتجارب «المدرسة العالمية للاجئين» (WRS) لتوصيل رسالة للأطفال الذين حرمتهم ويلات الحرب والدمار من نعمة التعليم والتعلم بإنشاء مبادرة خاصة لنشر رسالة «اقرأ» حول العالم انطلاقاً من غزة وانتهاءً بتأسيس وقف خيري يهدف إلى تعليم مليون طفل وطفلة محرومين من أبسط حقوقهم الإنسانية.