تجميد تمويل «أونروا»... قطع لشريان حياة أم ضغط باتجاه إصلاحات؟

قراءة في تفاصيل القرار الأميركي وانعكاساته

تجميد تمويل «أونروا»... قطع لشريان حياة أم ضغط باتجاه إصلاحات؟
TT

تجميد تمويل «أونروا»... قطع لشريان حياة أم ضغط باتجاه إصلاحات؟

تجميد تمويل «أونروا»... قطع لشريان حياة أم ضغط باتجاه إصلاحات؟

تتخبط وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في دوامة تجاذبات سياسية أميركية أدت إلى حظر تمويلها حتى مارس (آذار) من العام المقبل؛ ما طرح تساؤلات ومخاوف حول إمكانية استمرارها في تقديم المساعدة لأكثر من 5 ملايين لاجئ فلسطيني في غزة والضفة الغربية، والأردن، ولبنان وسوريا. والولايات المتحدة هي أكبر متبرع للوكالة، ومن شأن الحظر الأميركي أن يؤدي إلى نقص في ميزانية الوكالة قد يصل إلى 350 مليون دولار، بحسب مسؤولين أميركيين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، لافتين إلى تداعيات الحظر في غياب بديل للوكالة، ومحذرين من تفاقم المعاناة الإنسانية في غزة في هذه المرحلة الحرجة.

تريليون دولار، هي القيمة الإجمالية لقانون المخصصات الضخم الذي أقرّه الكونغرس بمجلسيه ووقّع عليه الرئيس الأميركي جو بايدن. مبلغ هائل يضمن تمويل المرافق الحكومية الأميركية حتى العام المقبل، لكنه يخفي في طياته حكماً «مؤقتاً» بالإعدام على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). فبعد جهد كبير من المشرعين الأميركيين المعارضين للوكالة تمكن هؤلاء أخيراً من زج بند في مشروع قانون المخصصات يمنع تمويل الولايات المتحدة للوكالة حتى مارس (آذار) 2025 .

خبر وقع كالصاعقة على رؤوس العاملين في الوكالة والداعمين لها على حد سواء. فعلى رغم أن الإدارة الأميركية كانت جمدت منذ يناير (كانون الثاني) تمويل الوكالة، فإن الداعمين لمهمتها كانوا يأملون برفع التجميد بمجرد انتهاء التحقيقات بعلاقة بعض العاملين في الوكالة بحركة «حماس»، وتحديداً هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، بحسب الرواية الإسرائيلية التي لم تقدم أي معلومات إضافية أو أدلة ملموسة.

فلسطينيون يتظاهرون أمام مقر «الأونروا» في بيروت احتجاجاً على قرارات قطع الدعم وإجراءات إدارية تطال موظفين في الوكالة (إ ب أي)

وكانت دول أخرى مثل بريطانيا وكندا والسويد أعربت عن نيتها تجميد تمويل الوكالة قبل أن تعود مطلع الشهر الجاري وتستأنف التمويل فيما لم تنقطع بلدان أخرى عن الدعم والتمويل وبينها السعودية التي ضخت مؤخراً 40 مليون دولار.

وهذا ما تحدث عنه ويليام ديري، مدير الوكالة في العاصمة الأميركية واشنطن، معرباً عن خيبة أمله من إقرار التجميد خاصة بعد مساعٍ حثيثة من «أونروا» «لاستعادة ثقة» المشرّعين الأميركيين من خلال إحاطات مغلقة.

فالسؤال الذي لا يزال مطروحاً هو ما إذا كانت «أونروا» ستتمكن من الاستمرار بمهمتها في وقت حرج تعاني فيه غزة تحديداً مجاعة محدقة.

ويقول ديري لـ«الشرق الأوسط» إن تجميد التمويل حتى مارس المقبل «سوف يترك فراغاً كبيراً في موازنة (أونروا) السنوية للعمليات يجب سده من خلال متبرعين آخرين». فالولايات المتحدة هي أكبر متبرع للوكالة؛ إذ تغطي نسبة تصل إلى 30 في المائة على الأقل من ميزانيتها العامة. وتتراوح هذه التبرعات بين 300 و400 مليون دولار سنوياً، وسيؤدي هذا التجميد إلى نقص قد يصل إلى نحو 350 مليون دولار. وأضاف ديري في حديثه مع «الشرق الأوسط»: «في الوقت الحاضر، لدينا ما يكفي من التمويل حتى شهر مايو (أيار). التاريخ المهم جداً هو شهر يونيو (حزيران)؛ لأننا في حاجة إلى الاستمرار في تعليم أطفالنا حتى نهاية العام الدراسي. فإذا اضطررنا إلى إغلاق المدارس مبكراً، لن يتمكن التلامذة من إنهاء عامهم الدراسي والتخرج».

وحذّر ديري من انعكاسات تجميد التمويل على الـ30 ألف موظف لدى الوكالة في المنطقة، منهم 13 ألفاً في غزة وحدها، فقال: «عمل (أونروا) لا يقتصر على غزة فحسب، بل هي تعمل أيضاً في الضفة الغربية والأردن وسوريا ولبنان، وتقدم الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية. نتيجة لهذا؛ فإن أي نقص في الميزانية سيجعل من الصعب علينا تطبيق التفويض الذي أعطته لنا الجمعية العامة للأمم المتحدة. النقص في الميزانية سيعيق مساعينا لتخفيف حدة المجاعة في غزة، ولن ينعكس إيجاباً على استقرار المنطقة بشكل عام».

موقف يتفق معه غيث العمري، المستشار السابق لفريق المفاوضات الفلسطيني خلال محادثات الوضع الدائم وكبير الباحثين في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الذي وصف في حديث مع «الشرق الأوسط» تجميد التمويل عن «أونروا» «في هذه المرحلة الحرجة بالخطأ»، وقال العمري إن تأثير تجميد التمويل السلبي لن يقتصر على الوضع الإنساني في غزة فحسب، بل إن «أي إجراءات من شأنها أن تؤدي إلى انهيار (أونروا) ستكون لها تأثيرات مزعزعة للاستقرار السياسي في مناطق عملها الأخرى، خاصة الضفة الغربية ولبنان والأردن».

بصيص في نهاية النفق

على رغم الانعكاسات السلبية الكثيرة لقرار حظر التمويل، فإن البعض ينظر إلى تفاصيله بعين أقل تشاؤماً، وذلك من زاوية وجود سقف زمني محدد في مارس المقبل، وعدم فرض القرار بشكل دائم كما سعى بعض أعضاء الكونغرس الذين دفعوا باتجاه إلغاء التمويل بشكل قاطع.

وتقول مارا رودمان، النائبة السابقة للمبعوث الأميركي للشرق الأوسط، في حديث مع «الشرق الأوسط» إن «تجميد التمويل مؤسف لكن كونه مؤقتاً لمدة عام فقط، فهذا يحدّ من تأثيره لأن الجزء الأكبر من حصة الولايات المتحدة من المال للعام الحالي قد تم إرساله إلى (أونروا) قبل التجميد». وبذلك، تقصد رودمان إرسال الولايات المتحدة مبلغاً يقارب 121 مليون دولار للوكالة، بحسب المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، وبذلك ترى رودمان أن التأثير المباشر لهذا القرار سيبقى «محدوداً».

ويرى العمري أن الجدير ذكره في ظل النقاش الدائر حالياً التذكير بأن الحظر «مؤقت على رغم الموقف المعادي بشدة لـ(أونروا) في الكونغرس»، مشيراً إلى أن هذا من شأنه أن يدفع بـ«أونروا» إلى «أن تكون أكثر يقظة في معالجة بعض نقاط الضعف لديها، خاصة وأن هناك العديد من الأصوات التي تبحث عن أسباب لإغلاق الوكالة التابعة للأمم المتحدة».

نظرة يوافق معها ديري الذي قال، اعتماداً على النظرة القائلة إن نصف الكوب ممتلئ: «من الجيد أن المشروع لا يفرض حظراً دائماً على المساعدات الأمريكية لـ(أونروا)». مؤكداً أن التحدي الأبرز الذي يواجه الوكالة هو «تثقيف المشرعين حول الخطوات التي تتخذها بهدف استعادة ثقتهم».

من هؤلاء المشرعين كبير الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية في الشيوخ جيم ريش الذي يسعى منذ فترة طويلة إلى قطع التمويل عن الوكالة ويتهمها بدعم حركة «حماس». ريش ذكّر بمساعيه وقف تمويل الوكالة «منذ أعوام» ووصف لـ«الشرق الأوسط» قرار التجميد بأنه «القرار الصائب» وأضاف: «يجب ألا يمنح دولار واحد من أموال دافعي الضرائب إلى (أونروا) بعد الاتهامات الخطيرة بمشاركة أعضائها في هجمات السابع من أكتوبر. إذا كانت الولايات المتحدة ستستمر في كونها أكبر متبرع للشعب الفلسطيني، فيجب أن يكون ذلك من خلال منظمات تم التدقيق فيها، وغير مرتبطة بالمنظمات الإرهابية، ولا تروج لمعاداة السامية.»

هل من بدائل؟

في فترة سابقة من مطلع العام، ومع تصاعد الكلام عن احتمالات قطع التمويل الأميركي كلياً أو جزئياً قبل صدور القرار الأخير، طرحت بدائل لـ«أونروا»، منها منظمات محلية أو دولية وأخرى أممية كبرنامج الغذاء العالمي و«يونيسيف». لكنه تم التصدي سريعاً لهذه الاقتراحات، وأول من وقف ضدها بشكل واضح كان الأمين العام للأمم المتّحدة ​أنطونيو غوتيريش​، عادّاً أنّه «لا يمكن استبدال عمل وكالة غوث وتشغيل اللّاجئين الفلسطينيّين (​أونروا​) في ​غزة​».

وكان أعلن في مؤتمر صحافي في شهر فبراير (شباط) الماضي، رفضه القاطع لهذه الفكرة، موضحاً أنّ «العمود الفقري لتوزيع المساعدات الإنسانيّة الأمميّة في غزة، يتكوّن من موظّفي (أونروا) المكرّسين للاستجابات الطّارئة». وركّز على أنّه «ليست هناك أيّ منظّمة أخرى موجودة في غزة قادرة على تلبية هذه الاحتياجات».

والواقع أن مقاربة البحث عن بدائل لـ«أونروا» لها معارضة كبيرة أيضاً داخل أميركا نفسها. وفي هذا السياق، يقول السفير الأميركي السابق إلى العراق وتركيا جيمس جيفريز لـ«الشرق الأوسط»: «في الوقت الحالي، لا يوجد بديل لـ(أونروا) لإيصال الإمدادات التي يحتاج إليها بشدة سكان غزة المحرومين. لذلك؛ أعتقد أن قرار تجميد التمويل كان خاطئاً».

وتوافق رودمان مع هذا التقييم فتذكر بقدرة «أونروا» «الفريدة على توزيع المساعدات داخل غزة» محذرة: «إذا قطع الآخرون أيضاً الدعم المالي دون وجود بديل، سيؤدي ذلك إلى معاناة أكبر للعديد من الفلسطينيين غير المرتبطين بـ(حماس) في غزة». أما العمري، فيؤكد بشكل قاطع غياب بديل لـ«أونروا» قائلاً: «فيما يتعلق بتقديم الخدمات في غزة، لا توجد بدائل عملية لـ(أونروا). الوكالات الأخرى التابعة للأمم المتحدة لا تملك القدرة على القيام بهذا العمل، فتوفير بديل يستغرق وقتاً طويلاً وموارد كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، لا تعدّ (أونروا) وكالة تزود الخدمات فحسب، بل إنها اكتسبت أهمية رمزية في الخطاب السياسي الفلسطيني والعربي. وبناءً عليه؛ قد يؤدي إلغاؤها إلى اضطرابات سياسية أيضاً».

وفي هذا السياق، أعرب عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين عن استيائهم الشديد من إقرار قانون الحظر، فرأى السيناتور الديمقراطي كريس فان هولان أنه «من غير المنطقي إطلاقاً قطع التمويل عن الآلية الرئيسية لتوصيل الغذاء والمعونة الضرورية بشكل عاجل إلى الجياع واليائسين في غزة» ووجّه فان هولان انتقادات لاذعة للجمهوريين بسبب «إقحامهم» لبند قطع التمويل في مشروع المخصصات المالية الضروري لاستمرار عمل المرافق الحكومية. وقال: «استعداد الجمهوريين لإغلاق الحكومة بسبب هذا البند أمر مشين للغاية، وعلى الرغم من غضبي، فإنني أدرك أن وقف تمويل الحكومة الأميركية لن يساعد في تمويل (أونروا)، و إغلاق الحكومة الأميركية لن يساعد في إطعام الأشخاص الجوعى في غزة».

وصول مساعدات غذائية إلى غزة من «الأونروا» (رويترز)

ويشير فان هولان إلى نقطة مهمة في مشروع المخصصات تزيد من تمويل الولايات المتحدة لمنظمات دولية أخرى «الأمر الذي سيتيح لدول أخرى تغطية تمويل (أونروا) حتى تتمكن من الاستمرار في عملياتها الحيوية في غزة وتقديم خدمات هامة في الضفة الغربية وفي جميع أنحاء المنطقة» مضيفاً: «المهمة تقع الآن على كاهل إدارة بايدن للعمل مع دول أخرى لتحقيق ذلك».

وأشار ديري في هذا الإطار إلى جهود وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن التي شجع من خلالها دول الاتحاد الأوروبي في زيادة دعمها للوكالة، إلا أنه أكد في الوقت نفسه «صعوبة توقع سير الأمور في الوقت الحالي»، وفسر قائلاً: «جميعنا نعرف التحديات التي تواجهنا. لكن ما لا نعرفه هو كيف ستتفاعل بقية الدول الأعضاء مع ما جرى».

توصيات وإصلاحات مطلوبة

على رغم مساعي أعضاء الكونغرس فرض إصلاحات على «أونروا» حتى قبل الادعاءات الإسرائيلية بشأن تورط 12 موظفاً في هجوم السابع من أكتوبر، وهي ادعاءات أدت إلى صرف 10 منهم بعد إعلان «أونروا» عن مقتل الاثنين الآخرين، فإن هذه الادعاءات دفعت إلى فتح تحقيقات يجريها مكتب خدمات الرقابة الداخلية في الأمم المتحدة بالإضافة إلى لجنة المراجعة المستقلة. وتنتظر الوكالة صدور توصيات معينة بعد التحقيقات المذكورة، ويؤكد ديري أن «أونروا» «تتعاون بشكل تام مع تحقيق مكتب خدمات الرقابة الداخلية في الامم المتحدة، والتحقيق الخارجي المستقل»، مشيراً إلى أن «(أونروا) اتخذت مبادرات لتحسين عملياتها الموجودة، كما أنها سوف تطبق فوراً أي توصيات ناجمة عن التحقيقات والمراجعة الخارجية».

من ناحيته، يؤكد السفير السابق جيمس جيفريز لـ«الشرق الاوسط» أنه يترتب «على (أونروا) والأمم المتحدة والمجتمع الدولي فهم الدوافع وراء قرار الكونغرس بشكل أفضل»، ويفسّر ذلك قائلاً: «هناك أدلة قوية على مر العقود تشير إلى أن (أونروا) ومنظمات الإغاثة الأخرى كانت منحازة ضد إسرائيل بسبب تأثير موظفيها الفلسطينيين المحليين عليها ومواقفها الدولية بشكل عام». ويرى جيفريز أن «أي حل دائم لأزمة غزة بشكل خاص والمشكلة الفلسطينية بشكل عام يجب أن يبدأ بقبول الارتباط الضروري ما بين تقديم المساعدة الإنسانية وإعادة الإعمار من جهة والالتزام بالاتفاقيات الدولية والالتزام بالحلول السلمية من جهة أخرى».

وإلى ذلك، يدعو السفير السابق إلى ضرورة «بذل المزيد من الجهد لضمان عدم تحويل المساعدات إلى (حماس) والجماعات الراديكالية الأخرى، وعدم استغلال المنشآت التابعة للمنظمات الدولية من قبلها».

تاريخ تمويل متقلب

تاريخ تمويل «أونروا» متقلب مع تقلب المزاج السياسي للبلدان المتبرعة. فنحو 90 في المائة من تمويل الوكالة مصدره «تبرعات طوعية» من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. وفي عام 2022 قالت الوكالة إنها حصلت على أكثر من مليار دولار من التبرعات، قدمت الولايات المتحدة 344 مليون دولار منها. أما في عام 2023، فقد وصلت المساهمات الأميركية إلى 422 مليون دولار.

ويتحدث ديري عن هذه المعادلة ويشرحها قائلاً: «تموّل (أونروا) من خلال التبرعات الطوعية، بمعنى آخر، يجب على الدول الأعضاء أن تساهم في (أونروا) بما يتجاوز اشتراكاتها العادية في الأمم المتحدة. لدينا اتفاقات مع بعض المانحين لسنوات عدة؛ ما يساعدنا كثيراً في التخطيط المالي. لكن الوكالة لا تشعر أبداً بأن دعمها واجب، وبينما نقوم بتقديم إحاطات منتظمة لأعضاء الكونغرس حول عملياتنا، إلا أن الوكالات التابعة للأمم المتحدة لا تحاول أبداً التدخل في المشاورات الداخلية لأي دولة عضو». إشارة واضحة إلى التجاذبات الداخلية التي تطغى على ملف دعم «أونروا» في الولايات المتحدة، بدليل قرار ادارة الرئيس السابق دونالد ترمب تجميد تمويل «أونروا» بشكل جزئي في عام 2018 بسبب اعتراضات حزبه عليها والدعوات لفرض إصلاحات عليها، واستمرت الوكالة بالعمل رغم هذا التجميد لتأتي ادارة بايدن وتعيد تمويل «أونروا». لكن هذا لم يخفف من المعارضة الجمهورية الشرسة لهذه الخطوة؛ ما أدى إلى اتخاذ البعض منهم كالسيناتور جيم ريش تدابير تشريعية عرقلت بعض الجزيئات المرتبطة بالتمويل.

ويرى هؤلاء أن ثمة حاجة إلى فرض اصلاحات كثيرة على الوكالة التي أسستها الأمم المتحدة في عام 1949 لتأمين المساعدة المباشرة لـ700 ألف نازح فلسطيني بعد حرب 1948. وجددت الأمم المتحدة تفويض «أونروا» على مدى الأعوام السبعين الماضية ووجهتها لتقديم الرعاية الصحة والسكن والمساعدة المالية للاجئين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والأردن وسوريا ولبنان، وعددهم بحسب الوكالة أكثر من 5.9 مليون شخص مسجلين.

ويقول المنتقدون من الجانب الأميركي إن من الإصلاحات التي يجب فرضها، تعريف الوكالة لمصطلح «لاجئ»؛ إذ تعرف الوكالة اللاجئ منذ عام 1952 على أنه «أي شخص كان مكان إقامته الطبيعي فلسطين خلال الفترة من 1 يونيو 1946 إلى 15 مايو 1948 وفقد منزله وسبل معيشته نتيجة لنزاع عام 1948».

وفي عام 1965 غيرت «أونروا» من تعريف المصطلح ليشمل الجيل الثالت للاجئين، ثم وسّعته ليشمل كل سلالة اللاجئين الفلسطينيين الذكور بمن فيهم أطفالهم بالتبني. وقد طرح الكونغرس مشروع قانون لمحاولة تعديل هذا التعريف وحصره «بزوجة أو زوج اللاجئ وأولاده القاصرين» .

وفي ظل هذه التجاذبات تقول «أونروا» إن أكثر من مليوني شخص في غزة يعتمدون على المساعدات التي تقدمها، وتقدر عدد الاشخاص الذي يحتمون في منشآتها او بالقرب منها بنحو 1.7 مليون شخص، وهو عدد هائل من الناس الذين ستبقى احتياجاتهم الملحة رهن القرار الأميركي.


مقالات ذات صلة

تركيا: استهداف إسرائيل لـ«حماس» و«حزب الله» غايته إجبار الفلسطينيين على الهجرة

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

تركيا: استهداف إسرائيل لـ«حماس» و«حزب الله» غايته إجبار الفلسطينيين على الهجرة

أكدت تركيا أن هدف إسرائيل الرئيسي من ضرب حركة «حماس» في غزة و«حزب الله» في لبنان هو جعل الفلسطينيين غير قادرين على العيش في أرضهم وإجبارهم على الهجرة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي جندي من قوات «اليونيفيل» في برج مراقبة قرب قرية مارون الراس اللبنانية (إ.ب.أ)

إصابة 4 من جنود «اليونيفيل» الإيطاليين في لبنان وروما تُحمّل «حزب الله» المسؤولية

أصيب 4 جنود إيطاليين في هجوم على مقر قوة الأمم المتحدة المؤقتة بلبنان «اليونيفيل» ببلدة شمع جنوب لبنان، وفق ما أعلن مصدران حكوميان، الجمعة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الولايات المتحدة​ مسعفون من جمعية «الهلال الأحمر الفلسطيني» ومتطوعون في الفريق الوطني للاستجابة للكوارث (أ.ب)

الأمم المتحدة: عمال الإغاثة الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر

أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن عدد عمال الإغاثة والرعاية الصحية الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر، بحسب «أسوشييتد برس».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
المشرق العربي الدخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت حياً في الضاحية الجنوبية لبيروت - 22 نوفمبر 2024 وسط الحرب المستمرة بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

الاتحاد الأوروبي يجدد الدعوة لوقف إطلاق نار فوري في لبنان والالتزام بالقرار «1701»

دعت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى لبنان، اليوم (الجمعة)، مجدداً إلى التوصل لوقف فوري لإطلاق النار والالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن «1701» بشكل كامل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي هاربون من الحرب بلبنان يعبرون منطقة المصنع التي استهدفتها إسرائيل (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: الغارات على تدمر هي «على الأرجح» الأسوأ في سوريا

قالت نجاة رشدي، نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، أمام مجلس الأمن: «ازدادت الغارات الإسرائيلية في سوريا بشكل كبير، سواء من حيث الوتيرة أو النطاق».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

السلطة الفلسطينية... تكون أو لا تكون

حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
TT

السلطة الفلسطينية... تكون أو لا تكون

حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)

حين أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه سيتوّجه إلى غزة في خضّم الحرب المسعورة التي تشنها إسرائيل، كان يعرف أكثر من غيره أنها خطوة شبه مستحيلة، لكنه أراد إطلاق رسائله الخاصة، وأهمها على الإطلاق أن السلطة الفلسطينية «موجودة»، وهي «صاحبة الولاية» على الأراضي الفلسطينية،

سواء في غزة التي تئن تحت وطأة حرب مدمّرة، وتضع لها إسرائيل خططاً شتى لما تسميه «اليوم التالي»، من غير أن تأخذ السلطة بالحسبان، أو الضفة الغربية التي ترزح تحت وطأة حرب أخرى، تستهدف من بين ما تستهدف تفكيك السلطة.

وبعد عام على الحرب الأكثر مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية، تخوض السلطة أصعب معركة عرفتها يوماً، وهي معركة «البقاء».

ولم تقتصر رسائل عباس على إسرائيل وحدها، بل شملت أولاً الولايات المتحدة التي انخرطت في نقاشات واسعة مع إسرائيل حول احتمالات انهيار السلطة، وراحت تتحدث عن سلطة متجددة، وثانياً، دولاً إقليمية وعربية تناقش مستقبل السلطة وشكل الهيئة التي يفترض أن تحكم قطاع غزة بعد الحرب، وأخيراً الفصائل الفلسطينية التي تهاجم و«تزايد» على السلطة، وترى أنها غير جديرة بحكم غزة، وتدفع باتجاه حلها.

الأيام الأصعب منذ 30 عاماً

تعيش السلطة الفلسطينية، اليوم، واحدة من أسوأ مراحلها على الإطلاق منذ تأسست قبل 30 عاماً.

فبعدما تقلصت المساحات التي تسيطر عليها في الأراضي الفلسطينية، وفيما هي تكابد بلا انتخابات رئاسية، وبلا مجلس تشريعي، أو أفق سياسي واقتصادي، وبالتزامن مع أزمة مالية خانقة، وأخرى أمنية، ومشاكل داخلية لا تحصى، وجدت هذه السلطة نفسها في مواجهة «طوفان» جديد؛ طوفان تغذيه أكثر حكومة يمينية تشن هجوماً منظماً وممنهجاً ضدها، وضد شعبها، وفيه كثير من المس بهيبتها وبرنامجها السياسي ووظيفتها، إلى الحد الذي يرتفع فيه السؤال حول إمكانية نجاتها أصلاً في الضفة، قبل أن تعود لتحكم غزة ثانية.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال كلمته في الأمم المتحدة بنيويورك (إ.ب.أ)

وبين الفينة والأخرى يتردد سؤال معقد بعض الشيء، ويبدو منطقياً أحياناً، وغير بريء أحياناً أخرى، وهو: لماذا لا تحل السلطة نفسها؟

هذا سؤال يبرز اليوم مجدداً، مع توسيع إسرائيل حربها ضد الفلسطينيين في الضفة وغزة، وإن كان في صيغة مختلفة كالقول: لماذا لا تسلم السلطة المفاتيح لإسرائيل، وتزيد عليها الضغوط؟

الأكيد أن السلطة لا تُخطط لحل نفسها، وهذا ينطلق من «قناعة وطنية» بأنها وجدت لنقل الفلسطينيين من المرحلة الانتقالية إلى إقامة الدولة، وأنها لا تعمل وكيلاً لدى لاحتلال.

ويعرف المسؤولون الفلسطينيون أنه لطالما أرادت إسرائيل أن تجعل السلطة وكيلاً أمنياً لها، لكنهم يقولون في العلن والسر، إنهم ليسوا قوات «لحد» اللبنانية، وإنما هم في مواجهة مفتوحة لإنهاء الاحتلال، وهذا سبب الحرب التي تشنّها تل أبيب على السلطة سياسياً وأمنياً ومالياً.

وفي حديث مع «الشرق الأوسط»، قال توفيق الطيراوي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومسؤول جهاز المخابرات السابق: «إن السلطة لا تنهار لأنها نتاج طبيعي لنضال طويل للثورة الفلسطينية، وستبقى حتى إقامة الدولة».

هل هو قرار فلسطيني وحسب؟

ربما يرتبط ذلك أكثر بما ستؤول إليه الحرب الحالية الآخذة في الاتساع، وهي حرب يتضح أنها غيّرت في عقلية الإسرائيليين قبل الفلسطينيين، وفي نهج وسلوك وتطلعات الطرفين، وماضية نحو تغيير وجه الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يمتنع حتى الآن عن وضع خطة واضحة لما بعد الحرب، لا في الضفة ولا في غزة، يجاهر أركان حكومته وحلفاؤه بما سيأتي، وهي خطة على الأقل واضحة جداً في الضفة الغربية، وتقوم على تغيير الواقع والتخلُّص من السلطة وإجهاض فكرة إقامة الدولة.

وقد بدأ الانقلاب على السلطة بوضوح بعد شهرين فقط من بدء الحرب على القطاع، نهاية العام الماضي، عندما خرج نتنياهو ليقول إن جيشه يستعد لقتال محتمل مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهي تصريحات فهمتها الرئاسة الفلسطينية فوراً، قائلة إنها تعبر عن نياته المبيتة لاستكمال الحرب على الفلسطينيين من خلال السلطة بعد «حماس»، وفي الضفة بعد غزة.

تصريحات نتنياهو التي جاءت في جلسة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، أعقبها توضيح بالغ الأهمية من نتنياهو ومفاده أن «الفارق بين السلطة و(حماس) هو أن الأخيرة تريد إبادتنا حالاً، أما السلطة فتخطط لتنفيذ ذلك على مراحل».

فلسطينيون في وقفة احتجاجية في مدينة رام الله بالضفة الغربية الثلاثاء طالبوا بالإفراج عن جثامين أسراهم في سجون إسرائيل (أ.ف.ب)

ويفسر هذا الفهم لماذا عَدّ نتنياهو أن اتفاق «أوسلو» كان خطأ إسرائيل الكبير، موضحاً أن «السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية و(حماس) في غزة يريدان تدمير إسرائيل... طرف يقول ذلك صراحة، والآخر يفعل ذلك من خلال التعليم والمحكمة الجنائية الدولية».

وهجوم نتنياهو على السلطة ليس جديداً، لكنه الأوضح الذي يكشف جزءاً من خطته القائمة على تقويض السلطة. ومنذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تتعامل إسرائيل مع السلطة كأنها غير موجودة.

الضفة مثل غزة ولبنان

وصعّدت إسرائيل في الضفة الغربية منذ بدء الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، وقتلت أكثر من 720 فلسطينياً، في هجمات متفرقة، تميّزت بإعادة استخدام الطائرات في عمليات اغتيال، وتنفيذ عمليات واسعة.

وكان لافتاً أن التصعيد في الضفة كان مبادرة إسرائيلية، إذ هاجم الجيش مدناً ومخيمات وبلدات، وراح يقتل الفلسطينيين قصفاً بالطائرات ويعتقلهم، كما يدمر البنى التحتية، مستثيراً الجبهة الضفَّاوية، بحجة ردع جبهة ثالثة محتملة.

اليوم لا تكتفي إسرائيل بالمبادرة، بل تريد أن تجعل الضفة أحد أهداف الحرب، مثل غزة ولبنان. ولم يتردد وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، بالقول إن الحرب التي تخوضها إسرائيل «ليست فقط ضد غزة وضد (حزب الله) اللبناني، بل هي أيضاً في الضفة»، مؤكداً أنه طلب من رئيس الوزراء أن يدرج ضمن أهداف الحرب تحقيق النصر في الضفة أيضاً.

لكن لماذا تخشى إسرائيل الضفة إلى هذه الدرجة؟ يقول مسؤول فلسطيني -فضّل عدم الكشف عن اسمه- لـ«الشرق الأوسط»: «إنهم يستهدفون الضفة لضرب المشروع الوطني الفلسطيني، ويسعون إلى تقويض السلطة».

وأضاف: «يصعّدون هنا حتى يثبتوا للفلسطينيين أن السلطة ضعيفة وواهنة ولا تحميهم، ويجب أن ترحل، لأنها غير جديرة بهم».

قوات إسرائيلية خلال عملية اقتحام لمخيم فلسطيني قرب رام الله بالضفة مارس الماضي (أ.ف.ب)

وخلال الأسابيع القليلة الماضية فقط، حذّرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من أن الوضع الأمني في الضفة قد يتطور إلى انتفاضة؛ ولذلك دفع الجيش بـ3 كتائب احتياط إلى الضفة، لأهداف «تشغيلية ودفاعية» على ما قال، وللقيام بمهام «عملياتية».

وجاء القرار الذي تحدّث عن تعزيز الدفاع، وسط تصاعد الصراع في المنطقة وقبيل ذكرى السابع من أكتوبر، لكن إذا كانت هذه خطة الحكومة الإسرائيلية، فيبقى من السابق لأوانه معرفة إن كانت نجحت في مهمتها أم لا.

يكفي لجولة صغيرة على مواقع التواصل الاجتماعي أن تشير إلى أن السلطة في وضع لا تحسد عليه. فهي عاجزة عن خلق أفق سياسي وأفق اقتصادي وتوفير الأمن، وأساسيات أخرى من بينها رواتب الموظفين للعام الثاني على التوالي.

واليوم، الجميع على المحك في مواجهة حرب ممنهجة، تسعى إلى تغيير الواقع مرة وإلى الأبد.

خطة قديمة جديدة

كان الوزير الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموترتيش، واضحاً عندما قال إنه لا يفعل شيئاً سرياً، وهو يعمل ضد السلطة في الضفة، ويسعى لمنع إقامة دولة.

وتعهد سموتريتش نهاية الشهر الماضي، بأن تكون «مهمة حياته» إحباط قيام دولة فلسطينية، وكتب في منشور على منصة «إكس»: «أخذت على عاتقي، إضافة إلى منصب وزير المالية، مسؤولية القضايا المدنية في يهودا والسامرة (الضفة)».

وأضاف: «سأواصل العمل بكل قوتي حتى يتمتع نصف مليون مستوطن موجودين في الضفة بحقوق كل مواطن في إسرائيل وإثبات الحقائق على الأرض، التي تمنع قيام دولة إرهابية فلسطينية يمكن أن تكون قاعدة إيرانية أمامية للمجزرة المقبلة».

فلسطينيون يحتفلون فوق صاروخ إيراني صقط في رام الله (أ.ف.ب)

وكان تسجيل مسرب لسموتريتش قبل شهرين فضح خطة حكومية رسمية لفرض السيطرة الإسرائيلية المدنية على الضفة الغربية، قال خلاله الوزير المسؤول عن الإدارة المدنية الإسرائيلية، إن الحكومة منخرطة في جهود سرية لتغيير الطريقة التي تحكم فيها إسرائيل الضفة الغربية.

وخطة سموترتيش الماضية، ستعني حتماً تفكيك السلطة، لكن المحلل السياسي محمد هواش يرى أن العالم لن يسمح بذلك.

وقال هواش لـ«الشرق الأوسط»: «إن السلطة مرتبطة بالمشروع القائم على إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية، وهذا جزء من تسوية دولية. مشروع دولي بالأساس، وهناك حتى الآن رعاية دولية له، ومن الصعب التراجع عنه».

وأضاف هواش: «التراجع يعني إعادة الاحتلال، وهذا غير مقبول فلسطينياً ودولياً، وإسرائيل لن تقبل، لأنها ستذهب إلى دولة واحدة ونظام (أبرتهايد)».

وتابع هواش: «لا توجد مصلحة لإسرائيل بإنهاء السلطة بالكامل، بل في إضعافها حتى تتوقف مطالبها بإنهاء الاحتلال، وتغير العلاقة مع إسرائيل». وحذر من أن «إسرائيل ستتحمل العبء الأكبر من غياب عنوان سياسي للشعب الفلسطيني».

الثابت الوحيد اليوم أنه لا أحد يملك وصفة سحرية، سواء أذهبت السلطة أم بقيت، قويت «حماس» أم ضعفت، امتدت الحرب أم انتهت، تطرفت إسرائيل أكثر أم تعقّلت، سيظل يوم السابع من أكتوبر شاهداً على أن الطريق الأقصر للأمن والاستقرار هو بصنع السلام، وليس بطائرات حربية ومدافع ورشاشات.