نساء «الخلافة» في «الهول» و«روج»... مصائر مجهولة على مد البصر

43 ألفاً غالبيتهن من العراق وسوريا ينتظرن «السجناء» وجواز السفر

TT

نساء «الخلافة» في «الهول» و«روج»... مصائر مجهولة على مد البصر

طفلة من خلف سياج شائك في مخيم الهول (الشرق الأوسط)
طفلة من خلف سياج شائك في مخيم الهول (الشرق الأوسط)

على مدار سنوات، تحوَّل «مخيم الهول» إلى مدينة خيام حقيقية يعيش فيها ما يقرب من 43 ألف شخص، غالبيتهم نساء وأطفال. ويشكل اللاجئون العراقيون والنازحون السوريون أكثرية السكان، بينما تم تخصيص قسم للعائلات الأجنبية ويتحدر أفرادها من نحو 54 جنسية غربية وعربية.

ويقع «مخيم الهول» على بُعد نحو 45 كيلومتراً شرق محافظة الحسكة، في أقصى الشمال الشرقي لسوريا، وازداد حجم سكانه من بضعة مئات، بداية إنشائه (2016)، إلى أكثر من 70 ألفاً، في سنوات سيطرة «داعش».

على بُعد 136 كيلومتراً من «الهول»، يقع «مخيم روج»، الذي يبدو للوهلة الأولى شبيهاً بسائر مخيمات النازحين واللاجئين، لكن هذه النظرة تختلف بعد الوصول إلى بوابته الرئيسية، حيث الأسوار عالية وكاميرات المراقبة ومئات الخيام المتراصة، التي تضم جهاديات وزوجات مسلحي التنظيم وبعض قادته.

وفي حين تستجدي بعض النساء سبلاً للخروج، لا يزال بعضهن متمسكاً بقناعات دفعتهن للالتحاق بمناطق التنظيم سابقاً حتى تحولت هذه المخيمات إلى محطة انتظار لا يعرف أحد فيها موعداً لرحلته.

«الشرق الأوسط» جالت على مخيمَي «الهول» و«روج»، وعادت بهذه اللقاءات والمشاهدات.

أحد الشوارع الرئيسية في مخيم الهول (الشرق الأوسط)

في السوق التجارية لـ«مخيم الهول»، شرق سوريا، تتبضع نسوة عراقيات وسوريات حاجاتهن اليومية؛ خضراوات وفاكهة ومواد غذائية، كما لا بد من بعض مستحضرات التجميل. ومن تتسنَّى لها الفرصة قد تذهب لصيانة هاتفها الجوال، في حين تتعالى أصوات الباعة من وراء بسطاتهم الشعبية ومحالهم الصغيرة يروِّجون لبضاعتهم.

بعض الباعة يعرضون فساتين بلونٍ أحمر وهدايا عيد الحب وعطوراً، وكل ما كان محرَّماً خلال حكم «داعش».

وبحسب إحصاءات المفوضة السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، يعيش في «مخيم الهول» اليوم 43 ألفاً و477 فرداً. وتقدر مديرة المخيم جيهان حنان «عدد اللاجئين العراقيين بنحو 20 ألفاً، يأتي بعدهم النازحون السوريين، وهم 16 ألفاً، بينما القسم الخاص بالمهاجرات الأجانب يُقدَّر عددهم فيه بنحو 6500 شخصاً»، غالبيتهم نساء وأطفال.

التهديد والقتل متواصلان

تدير المخيم «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)»، وذراعها العسكرية، «وحدات حماية الشعب» الكردية، التي شاركت في المعارك ضد التنظيم والقضاء على سيطرته العسكرية. ورغم الحملات الأمنية لكبح العنف، فإن التهديد والقتل متواصلان، كما شهد المخيم محاولات فرار جماعية أحبطها الأمن.

وكشفت مديرة المخيم تلقيها شكاوى من تهديدات في وضح النهار، وقالت: «رجال ملثمون يحملون الأسلحة يداهمون مراكز المنظمات ويسرقون مقتنياتها ويهددون حراسها».

واستعادت الحكومة العراقية 1400 عائلة من «مخيم الهول»، على 6 دفعات حتى نهاية 2023، لكن المشكلة أن غالبية الدول والحكومات ترفض استعادة رعاياها، رغم وجود حالات إنسانية.

نساء يعبرن الأزقة بين المنازل المسبقة الصنع في مخيم روج (الشرق الأوسط)

نساء يبحثن عن أزواجهن

«مضى على وجودي في المخيم 6 سنوات أو 7 أو حتى 10. حقيقةً لا أذكر... تعبنا من الانتظار»، بهذه الكلمات بدأت نوران حديثها الممزوج بالحسرة على السنوات التي قضتها في سوريا مرغَمة. هذه السيدة السبعينية عراقية تتحدر من بلدة القائم (غرب)، وكحال كثيرات من جيلها لم تعد تذكر تاريخ دخولها المخيم، بينما تعيش أيامها ولياليها دون اكتراث.

ودخلت هذه اللاجئة سوريا منتصف 2016 بعدما أزال التنظيم الحدود بين البلدين، وتعيش اليوم مع ابنتها الأرملة، وحفيدتها، وكان زوج الأخيرة قُتِل في المعارك شرق دير الزور. وعن رغبتها في العودة إلى العراق قالت: «إذا قالوا لي ارجعي، فسأرجع زحفاً، لأنني عشتُ المذلة والعوز».

وقالت رغد رسول، وهي لاجئة عراقية، إنها تعيش في مخيم الهول منذ 6 سنوات، وكانت غادرت مسقط رأسها صيف 2015، وتجهل مصير زوجها و4 من إخوتها المحتجزين لدى «قوات التحالف الدولي» و«قوات سوريا الديمقراطية»، منذ انتهاء معركة الباغوز قبل 5 سنوات. تقول: «زوجي وإخوتي ما أعرف عنهم شيئاً، أكبر أمنياتي أن أراهم وأسمع صوتهم مرة ثانية».

سيدات من أعمار مختلفة في مخيم روج (الشرق الأوسط)

جلست رغد بين حزم البقدونس وباقات البصل والنعناع تبيعها في السوق لإعالة أسرة من 5 أفراد، في حين بدت على وجهها تجاعيد عمرها الـ54. وقالت بلهجة عراقية: «أمان ماكو (لا يوجد أمان)، عيشة صعبة، غذائيات (ماكو)، السجناء ما ندري عنهم شيئاً، لكن أصعب شيء أن أطفالي يظلون دون مستقبل».

وتشكو غالبية اللاجئات العراقيات من عدم معرفة مصير أزواجهن أو أفراد الأسرة من الرجال المحتجَزين لدى قوات التحالف و«قسد». أزهار (32 عاماً) ترتدي السواد الذي لم يُظهر سوى عينين، وتحدثت بصوت منخفض خشية مَن يراقبها: «زوجي مفقود منذ 5 سنوات، لا أعرف إذا كان قد توفي أو لا يزال على قيد الحياة. من حقي معرفة مصيره، وأخاف كثيراً نقله للعراق ومحاكمته بتهمة (الانتماء إلى) التنظيم».

وتروي أزهار اللاجئة العراقية أنها تنقلت بين مدن سورية عدة؛ فكلما كان يُطرَد «داعش» من منطقة يقصدون أخرى، حتى انتهى بهم المطاف إلى الباغوز.

وبعد استسلام الرجال نُقِلت النساء والأطفال إلى «مخيم الهول». وقالت أزهار: «كل أهلي هنا، بينهم أبي وأمي و30 فرداً من الأسرة مع أولادي، أكبرهم عمره 18 سنة والثاني 10 سنوات».

سوريات يواجهنَ مشقة الحياة

بالإمكان مشاهدة كثير من جرحى الحرب في «الهول»، بينهم أطفال بُترت أطرافهم، ونساء على كراسيّ متحركة يدفعها أطفال، ورجال يمشون على عكازات. ورغم هذه الحالات الإنسانية القاسية، فإن هؤلاء يُصنفون بأنهم ناجون من «داعش»، ويعيشون اليوم في بيئة غير آمنة وسط الصحراء.

سيدة تبيع الحلويات لإعالة أسرتها في مخيم الهول (الشرق الأوسط)

نحو 16 ألف نازح سوري في خيام وقطاعات مشتركة مع اللاجئين العراقيين يفصلهم سياج مسوّر وكاميرات مراقبة، يتحدر قسم قليل منهم من مناطق «الإدارة الذاتية لإقليم شمال شرقي سوريا»، وآخرون جاءوا من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، إضافة إلى قسم يتحدر من مناطق العمليات التركية شمال وشمال غربي البلاد.

وتروي فاطمة (35 عاماً)، وهي متشحة بالسواد، أنها تتحدر من منطقة القرية التابعة لبلدة الميادين بريف دير الزور الخاضعة لسيطرة قوات النظام، وتفضِّل البقاء في المخيم على العودة بسبب غياب مصادر الدخل والوظائف واستمرار الحرب في مسقط رأسها.

تنقلت هذه السيدة وعائلتها بين مناطق عدة على مدار 10 أعوام، وتقول: «زوجي مصاب بالسرطان وفاقد الوعي، وأنا أعيل 5 أطفال. بعد الحرب بين النظام و(داعش) نزحنا إلى إدلب ثم إلى (مخيم المبروكة) برأس العين، وفي 2018 قصدنا (مخيم الهول)»، ولم تُخفِ خوفها من جرائم تنفذها خلايا موالية للتنظيم. وأكدت أنها تستدين أدوية زوجها من الصيدلية، وتبيع قسماً من سلَّتها الغذائية لسد الديون المتراكمة.

النازحة الأربعينية أماني تحدثت عما شاهدته من صور مرعبة حُفِرت في ذاكرتها؛ جثث معلقة دون رؤوس في ساحات عامة، وإعدامات ميدانية وغير ذلك، وهي اليوم تواجه عقبات كبيرة وتحديات يومية لا تنتهي. وتقول: «نعيش الخوف والقلق من المستقبل المجهول، بقاؤنا هنا ليس حلاً، كما أن عودتنا لمناطقنا تحدٍّ أكبر، تحيَّرت بنا هذه الدنيا».

بحسب القائمين على المخيم يوجد قسم كبير من النازحين لا يمتلكون وثائق وبطاقات شخصية، وهذه عقبة أخرى تقف عائقاً أمام عودتهم، فيما ذكرت مديرة المخيم، جيهان حنان، أن عودة السوريين إلى مناطقهم مرهونة بحل سياسي شامل وقرار أممي دولي، لافتة إلى أن معظم القاطنين بـ«الهول» يرفضون العودة: «لغياب حماية دولية تحفظ أمنهم وسلامتهم بعد العودة؛ فالإدارة الذاتية مع حق العودة الطوعية لأي نازح سوري كان أو لاجئ عراقي، لكن لن نضغط على أحد لإجباره على العودة».

150 جريمة قتل... وناجيات يتحدثن

في قسم منعزل بـ«مخيم الهول»، تقف مجموعة حراس من الأمن الداخلي «الأسايش» مدججين بالرشاشات والهراوات، يمنعون الدخول والخروج إلا بإذن خطي وموافقة من الإدارة قبل التجوُّل والتعرف على القاطنين. يُطلَق على هذا القسم «المنطقة الآمنة»، وتسكنه 25 عائلة سورية وعراقية من الناجين من انتقام خلايا «داعش».

لينا (23 سنة) نازحة سورية متحدرة من بلدة السفيرة جنوب شرقي حلب، تروي فصول مأساتها وتتحير؛ مِن أين تبدأ؟! مِن وضعها اليوم أم من زواجها القسري من مقاتل تونسي يكبرها بـ33 عاماً. تقول: «كان عمري 12 سنة فقط وعمر زوجي 45 سنة. والدتي توفيت وهي تضعني، وزوجة والدي ضغطت لتزوجني سريعاً».

تنقلت لينا مع عائلتها بين مناطق التنظيم حتى استقرت في الباغوز، حيث قُتِل زوجها، وقد أنجبت منه ابناً وابنة. وتقول: «مات طفلاي هنا بعد تدهور حالتهما الصحية. أعيش اليوم وحيدة في هذا المخيم، وأكبر أمنياتي ترحيلي لمكان آمن».

وخلال سنوات مكوثها بـ«مخيم الهول»، تعرضت لينا لتهديدات من قبل خلايا موالية لتنظيم «داعش»، بعد رفضها العمل معهم، وقالت: «هددوني 3 مرات، وفي الرابعة دخلوا خيمتي لقتلي، لكني استطعت الهرب وقصدت نقطة أمنية نقلتني إلى هذا المكان».

على مدار 4 سنوات شهد «مخيم الهول» أكثر من 150 جريمة قتل، وخلال عام 2023 وحده سُجِّلت 36 جريمة قتل. إحدى الناجيات ديما (28 سنة) المتحدرة من بلدة منبج شرق مدينة حلب عبَّرت كيف يتملكها الخوف عندما يحل المساء. وقالت: «حتى المنطقة الآمنة مكشوفة لكل المخيم، عندما يهبط الضباب أقول لنفسي: (وصلوا إليَّ وسيقتلونني)».

وديما متزوجة من ابن مدينتها الذي كان يعمل ممرضاً إدارياً في «داعش»، وبقي معهم حتى استسلم في معركة الباغوز، وهو في السجن منذ 6 سنوات، وقالت إن التنظيم طلب منها تنفيذ عمليات داخل المخيم لكنها رفضت، فتعرضت لمحاولة اغتيال دفعت إدارة المخيم لنقلها إلى المنطقة الآمنة.

حوالات مالية بحسب حجم الأسرة

في سوق «مخيم روج» قرب منطقة الحسكة السورية، انشغلت نساء بالتبضع وشراء الحاجيات وتسلُّم حوالات مالية مُرسَلة من الأهل. من بينهن فرنسية ترتدي نقاباً بلون أخضر وعباءة طويلة بنية، صرخت بنا بأعلى صوتها: «غير مسموح، غير مسموح تصويري، عليك إغلاق الكاميرا».

في هذه السوق الشعبية، اختلط ضجيج الأطفال بأصوات النساء اللواتي يتحدثنّ بجميع لغات العالم. أما اللغة المشتركة بين البائعة وزبائنها، فتكون العربية الفصحى بمفردات ركيكة.

نساء ينتظرن دورهن أمام أحد المراكز في مخيم روج (الشرق الأوسط)

تروي آسيا ربيع، وهي مغربية (25 عاماً) تتحدر من مدينة القنيطرة المطلة على الساحل الأطلسي، كيف دخلت سوريا عام 2015، وكان عمرها 18 عاماً فقط. أخبرتنا أنها تزوجت وهي قاصر ثم انفصلت عن زوجها الأول ولديها طفل منه بقي مع والده في مسقط رأسها، ثم سافر والدها إلى تركيا بذريعة العمل، فقررت الالتحاق به، لكنها، على زعمها، لم تدرك دخولها إلى سوريا، إلا عندما سمعت هدير الطائرات الحربية تحوم في سماء المنطقة، ورأت حراساً مسلحين يلبسون الزي التقليدي لعناصر تنظيم «داعش» وراياتهم العسكرية.

وقالت آسيا: «ادَّعى أبي أنه يعمل بمنطقة حدودية. وبعد وصولي دخلنا مباشرة للأراضي السورية وقصدنا مدينة الرقة دون معرفتي، بعد فترة زوَّجني من مغربي وأنجبت منه طفلين. أما والدي فقُتِل بالعام نفسه».

وآسيا من بين 580 مهاجرة مغربية التحقت بصفوف التنظيم في سوريا، ولديهنّ أكثر من 500 طفل يعيشون معهن.

طفلة عائدة من حصة دراسية في مخيم روج (الشرق الأوسط)

ويقع «مخيم روج» بريف بلدة المالكية أو ديريك بحسب تسميتها الكردية، تتبع محافظة الحسكة أقصى شمال شرقي سوريا، تقطنه نحو 828 امرأة من جنسيات عدة، ويضم نحو 2640 فرداً جلّهم من الأطفال، وهم عائلات مقاتلين كانوا في صفوف «داعش» يتحدرون من جنسيات غربية وعربية، بحسب مدير المخيم رشيد عمر.

وقال عمر لـ«الشرق الأوسط» إن المخيم «عبارة عن 4 قطاعات؛ قطاع قديم والقطاعان الأول والثاني وقطاع حديث خاص باللاجئين العراقيين»، وكشف هذا الإداري أن القوى الأمنية وخلال القصف التركي على المنطقة مطلع العام الحالي «أحبطت تحركات خلايا موالية لـ(داعش) شكلت 6 مجموعات، بينها مجموعتان من الأطفال أعمارهم 16 و17 عاماً، ومجموعات نسائية متطرفة». ويضيف: «وصلت إلينا تقارير أمنية عن حالات عصيان وشغب ومحاولات هروب، أُحبطت جميعها».

ومنعت إدارة المخيم النساء من ارتداء النقاب، ليظهرن دون نقاب؛ يرتدين غطاء رأس وملابس زاهية، وعن أسباب المنع يعزو الإداري الكردي القرار إلى أنه «بعدما خلعت بعض النسوة النقاب عمدت أخريات متشددات إلى الاعتداء عليهن، وحرقن خيامهن، وبعد مراجعة الكاميرات تبين أنهن منتقبات لا يظهر من وجوههن شيء، ولم نتمكن من التعرف على هوياتهن».

«نعيش في معسكر احتجاز»

طفلة من خلف سياج شائك في مخيم الهول (الشرق الأوسط)

على مد البصر، مئات الخيام المغطاة بعازل أزرق لحمياتها من الأمطار، وخزانات ضخمة حمراء اللون يتزود منها قاطنو المخيم بالمياه وُضِعت فوق دورات الحمامات، وكان بالإمكان مشاهدة أطفال كثر وهم يلعبون في كل مكان، وأطباق (الستلايت) وحاويات بسعة 20 لتراً، وصحون بلاستيك لغسل الملابس قرب كل خيمة، كما نُشِر على حبال الغسل مزيج من الألوان الزاهية.

وقفت الإندونيسية شريفة فرح أديبة أمام خيمتها الملاصقة للأسلاك الشائكة، وهي عبارة عن خيمة صغيرة مقسمة لمكان خاص بالنوم وآخر للطعام والجلوس، ولديها 3 أطفال، أكبرهم فتاة عمرها 8 سنوات، والثاني بعمر 7، والثالث 6 سنوات.

تتحدر هذه السيدة من مدينة مكسَر عاصمة مقاطعة سولاوسي الجنوبية الإندونيسية، وهي إحدى كبرى مدن الجزيرة البحرية، وانتهى بها المطاف للمكوث في «مخيم روج»، تحت رحمة خيمة لا تقيها الحر أو البرد.

وعن قصتها تقول: «جئتُ إلى سوريا مع زوجي التونسي، بعدما قرر الالتحاق بصفوف (داعش). تنقلنا بين كثير من المدن، وكنا ننسحب مع التنظيم حتى ريف دير الزور»، وأكدت أن زوجها قُتِل في معركة الباغوز ونُقِلت هي وأطفالها «إلى (مخيم الهول) بداية، وبقينا هناك 4 سنوات، ثم نُقِلنا لـ(مخيم روج)، قبل عام ونصف العام».

وشبهت قاطنات المخيم هذا المكان بإناء كبير يفيض بالغضب والأسئلة عن مصير الأزواج والأبناء الذين رحلوا إلى السجون. تقول إحداهنّ، وهي إيرانية تُدعى هايدي علي، وعمرها 30 عاماً، قضت منها نحو 7 سنوات في بلد مزقته نيران الحروب: «أريد معرفة مصير زوجي المسجون منذ 5 سنوات، حتى اليوم لا أعرف عنه شيئاً؛ ما إذا كان على قيد الحياة أو مات، أو نُقِل لبلد ثانٍ».

ولم يُكتَب لهايدي من اسمها نصيب، وهو يعني «الأميرة الصغيرة»، كانت تلبس نقاباً حين وصفت المخيم بـ«معسكر للاحتجاز»، وقالت بنبرة غاضبة: «هذه عقوبة كافية لا نستحقها. أخاف أن تمرض ابنتي الوحيدة وتموت»، ونقلت أن ابنتها تبلغ 5 أعوام وُلِدت بسوريا ولا توجد أوراق تثبت جنسيتها.

وتابعت كلامها وهي تنظر مِن حولها لتشير إلى حيث انتهى بها المطاف: «كل أهلي في إيران، وعندما يرسلون لي حوالات مالية أتصل بهم، يقولون لي إنهم طالبوا السفارة السورية في طهران بإعادتنا، لكن يتعذرون لوجودنا في منطقة خارج سيطرة القوات النظامية».

ومثل غالبية زوجاتِ مقاتلي «داعش» في «مخيم روج»، تتقاسم هايدي مشاعرَ القلق والندم والخيبة بعد الانضمام إلى التنظيم، فرغم المناشدات المتكررة لحكوماتهنّ إرجاعِهن إلى بلدانهن الأصلية، يتملكهن الخوف من نسيان أمرهن وقضاء بقية حياتهنّ في هذا المكان المغلق.

الخيام حيث تبات النساء وأطفالهن في مخيم روج (الشرق الأوسط)

ويخشى القائمون على المخيمات من نشأة جيل جديد من المتطرفين المسلحين، لأن معظم الأطفال لا يعرفون من الطفولة والحياة سوى الحروب والقتل والمعسكرات المغلقة، ووُلِد بعضهم بسوريا، واليوم عمره 10 سنوات أو أكثر، وشدَّد مدير «روج» رشيد عمر على أن المخيم يضم مساحة لتعليم الأطفال، غير أنهم يتلقون دروسهم من قبل أمهاتهم أيضاً.

وتخلَّت كثير من النساء اللواتي التحقن بالتنظيم عن بطاقاتهن الشخصية وجوزات السفر، فيما ترفض معظم الدول النظر في أمرهن، نظراً لولادة أطفال على أراضٍ خارج حدودها، ووجود أطفال من جنسيات متعددة، وليس لديها شهادات ميلاد معترَف بها من حكومة رسمية، مما يحول دون إثبات جنسياتهم والحصول على وثائق شخصية.


مقالات ذات صلة

الشرع يستقبل نائباً أميركياً جمهورياً

المشرق العربي لقاء الرئيس أحمد الشرع ووزير الخارجية مع عضو الكونغرس كوري لي ميلز (سانا)

الشرع يستقبل نائباً أميركياً جمهورياً

استقبل الرئيس السوري، أحمد الشرع، النائب الجمهوري في الكونغرس الأميركي كوري ميلز، في القصر الجمهوري، يوم الجمعة.

سعاد جروس (دمشق)
المشرق العربي مصافحة بين الرئيسين الشرع وعباس في قصر الشعب بدمشق الجمعة (إ.ب.أ)

وصول وفد من الكونغرس الأميركي لرؤية «سوريا الجديدة»

استقبل الرئيس السوري، أحمد الشرع، اليوم (الجمعة)، الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في زيارته الأولى لدمشق منذ 16 عاماً.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي النائب جو ويلسون متحدثاً إلى مجموعة من الأيتام خلال زيارته أحد مستشفيات مدينة أعزاز اليوم (أ.ف.ب)

إدارة ترمب تواجه ضغوطاً لتخفيف العقوبات على سوريا

جدّد مشرعون أميركيون ضغوطهم على وزير الخارجية ماركو روبيو، ووزير الخزانة سكوت بيسينت، لتقديم إجابات حول خططهما لتخفيف العقوبات الاقتصادية الخانقة على سوريا.

علي بردى (واشنطن)
أفريقيا امرأة تنعى أحد أفراد أسرتها بعد هجوم شنّه مسلحون على مجتمع زيكي الزراعي شمال وسط نيجيريا الثلاثاء 15 أبريل 2025 (أ.ب)

نيجيريا: 7 قتلى في هجمات إرهابية نفّذتها «بوكو حرام»

أكّدت السلطات المحلية في شمال شرقي نيجيريا، الأربعاء، مقتل 7 أشخاص في سلسلة هجمات إرهابية نفّذتها جماعة «بوكو حرام».

الشيخ محمد (نواكشوط )
أوروبا قاضي المحكمة العليا الروسية أوليغ نيفيودوف يُصدر حكماً برفع الحظر عن حركة «طالبان» الأفغانية التي صُنفت جماعة إرهابية منذ أكثر من عقدين (أ.ب)

المحكمة العليا الروسية ترفع حركة «طالبان» الأفغانية من قائمة الجماعات الإرهابية

رفعت المحكمة العليا في روسيا، اليوم (الخميس)، الحظر المفروض على حركة «طالبان» الأفغانية، التي كانت موسكو قد صنفتها «جماعة إرهابية» قبل أكثر من عقدين.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

«الحرب نائمة فلا توقظوها»... نصفُ قرنٍ على «نيسان» لبنان

TT

«الحرب نائمة فلا توقظوها»... نصفُ قرنٍ على «نيسان» لبنان

«بوسطة عين الرمّانة» التي كانت بمثابة الشرارة الأولى لاندلاع الحرب اللبنانية (أ.ف.ب)
«بوسطة عين الرمّانة» التي كانت بمثابة الشرارة الأولى لاندلاع الحرب اللبنانية (أ.ف.ب)

انقضى نصف قرنٍ على ما قيل إنها الشرارة الأولى للحرب الأهلية في لبنان، حادثة «بوسطة عين الرمّانة». يحلو للبعض الظن أن القلوب ما عادت ملآنة، فيما يخشى البعض الآخر من أن تكون «الحرب نائمة تحت الوسائد». لكن المؤكّد أن البوسطة التي أُطلق عليها الرصاص في 13 أبريل (نيسان) 1975 استحالت صدأً.

«بوسطة عين الرمّانة» التي كانت بمثابة الشرارة الأولى لاندلاع الحرب اللبنانية (أ.ف.ب)

ظهيرة ذلك الأحد المشمس، تعرّضت حافلة تقلّ مجموعة من منظّمة التحرير الفلسطينية لإطلاق نار من عناصر حزب الكتائب في منطقة عين الرمّانة ذات الغالبية المسيحية. سقط 27 شخصاً من أصل 30 كانوا يستقلّون الحافلة. وكان قد سبق ذلك وفي اليوم والمكان نفسَيهما، إطلاق نار استهدف مرافقي مؤسس حزب الكتائب بيار الجميّل، مما أدّى إلى مقتل عددٍ منهم. وحُكي أنّ الهدف الأساسيّ كان اغتيال الجميّل نفسه.

حتى اليوم، ما زالت الآراء والمعلومات متضاربة بين الطرفين بشأن خلفيات الحادثة ونتائجها. غير أنّ التاريخ الحديث يعتبرها النقطة المفصليّة التي أطلقت صفّارة الحرب في لبنان، وكل ما تلاها من دويّ وحطام ودماء.

في الذكرى الخمسين لـ«13 نيسان»، تعود «الشرق الأوسط» إلى ذلك اليوم الدامي، فتستضيف مجموعةً ممّن شهدوا عليه. بعضهم وقف على جبهة القتال، ومنهم من حاول إخماد النار، ومنهم مَن وثَّق بعينَيه وذاكرته وندوبِه.

أين كنت في ذلك اليوم، وما كان تمَوضعك السياسيّ؟ وهل تعلَّم اللبنانيون درس الحرب الأهلية؟ سؤالان طرحناهما على ضيوفنا الشهود والآتين من عوالم السياسة، والثقافة، والتعليم، والحقوق، والإعلام.

ياسمين (نانو) جمهوري – مقاتلة سابقة ومسؤولة حالية في حزب الكتائب

تتذكّر ياسمين جمهوري ذلك اليوم بوضوح. «كنّا متّجهين إلى المطار لإيصال والدي الذي كان مسافراً، وفي الطريق لاحظنا انتشاراً عسكرياً فلسطينياً». كانت رئيسة قسم بعبدا الكتائبيّ، والمعروفة بـ«نانو»، في الـ13 آنذاك. رغم سنّها الصغير، كانت قد انتسبت للحزب المسيحيّ، «بما أنّ الانتماء الكتائبي في بيتنا يسري في العروق أباً عن جدّ، وأماً عن جدّة».

ياسمين «نانو» جمهوري بالزيّ العسكري في مطلع الثمانينيات (أرشيف جمهوري)

عادت العائلة من المطار إلى البيت حيث سمعت خبر استهداف «البوسطة» عبر الراديو. تروي جمهوري: «لم أتفاجأ كثيراً لأننا كنا نلاحظ تحركات مريبة في المنطقة. لكن لم أفهم شيئاً كفتاة في الـ13 من عمري». كل ما تعرفه أنها وخلال أيام، حملت البندقية هي وفتيات أخريات ووقفن لحراسة مراكز الحزب، «فيما الشباب يقاتلون على الجبهات».

خضعت «نانو» لتدريبات عسكرية وشاركت في معركة كفرشيما، ثم تمركزت على المدفعيّة في الـ19 من عمرها خلال معركة زحلة. حدث ذلك بالتزامن مع تخصصها في إدارة الأعمال المعلوماتيّة في الجامعة اليسوعية. «كنّا الجبهة المساندة للشباب في منطقة عيون السيمان، نحضّر ملابسهم وطعامهم ونقوم بالحراسة ليلاً». وتضيف جمهوري: «كل ما قمت به كان انطلاقاً من إيماني بلبنان وتجذّري بأرضه. لم أندم يوماً، وإذا اقتضى الأمر فسأحمل السلاح من جديد». لكنها في المقابل تؤكّد أنها من الجيل الذي تعلّم دروس الحرب، «أما بعض القادة السياسيين فلم يفعل».

«ما زلت أبكي كلما ذكرت اسم رفيقي منير الذي استُشهد عندما كنا في الـ14 من العمر» - ياسمين جمهوري

أسعد الشفتري - مسؤول أمني سابق في حزبَي الكتائب والقوات ونائب رئيس جمعية «محاربون من أجل السلام»

في 13 أبريل 1975، كان أسعد الشفتري طالب هندسة في الـ20 من عمره يجلس إلى مائدة الغداء مع أهله في بيتهم في بيروت. «رنّ جرس الهاتف وجاء صوت الرفيق في حزب الكتائب سليم صادر لينبئني بما حصل». توجّه الشفتري فوراً إلى مركز الحزب، وبدأت رحلة تجهيز شبكة التواصل والتنصّت الخاصة بالحزب. يروي مستذكراً: «بعد الحادثة، انطلقت إلى منطقة فرن الشباك المحاذية لعين الرمانة، حيث ركّبت أول جهاز لا سلكي على سطح أحد المباني.»

أسعد الشفتري بالزيّ الحربي وفي لقطة مع الرئيس اللبناني الراحل بشير الجميّل (أرشيف الشفتري)

كانت تلك من بين أولى المهمات، التي تلاها ما هو أصعب وأكثر تعقيداً، إذ أصبح الشفتري أحد الرؤوس الأمنية في حزب الكتائب، ولاحقاً في القوات اللبنانية. أسأله عن أفظع ما رأى خلال تلك المرحلة فيجيب: «كانت مجموعة من مقاتلي حزب الكتائب متّجهة إلى إحدى مناطق التماس في بيروت. جهّزتهم بالأدوات اللاسلكية للتواصل معنا، ثم لمحت الموت في عيون اثنين منهم. هذان الشابان لم يعودا أبداً من المهمة. شعرت بذنبٍ ما زال يرافقني حتى اللحظة».

يحاول الشفتري محو هذا الذنب «بتأسيس حياة أفضل للأجيال اللاحقة كي لا يخوضوا هذه الحروب»، وفق تعبيره. يبوح بأنه «نادم على ارتكابات كثيرة»، لكنه راضٍ عن واقعه الجديد: «أنا الآن متسامح، ولديّ قناعة بأنّ العنف لا يؤدّي إلى حلول». برأيه، فإنّ «اللبنانيين لم يتعلموا الدرس لأن السلطة لم تؤسس لعدالة انتقالية تأخذنا من الحرب إلى السلام».

يكرّس أسعد الشفتري وقته منذ ربع قرن لإعادة بناء السلام من خلال ورش تدريبية ومحاضرات

زياد صعب - مقاتل سابق في الحزب الشيوعي ورئيس جمعية «محاربون من أجل السلام»

لم يُسمع أزيز رصاص عين الرمانة في منطقة برج حمّود، حيث كان يمضي زياد صعب ظهيرة الأحد على سطح منزله. كان على العنصر الشاب في الحزب الشيوعي أن ينتظر زيارة رفيقٍ له حتى يخبره بما حدث. يروي لـ«الشرق الأوسط»: «كنت في الـ16 ومتعطشاً للقتال. وفور سماعي الخبر سألت متى ننطلق». يتابع صعب: «جمعت الشباب وذهبنا إلى أحد المنازل القريبة، وجهّزنا السلاح المخبأً هناك».

كانت لديه ثقة قائد ميدانيّ، بينما مَن في سنّه جالسون إلى مقاعد الدراسة. «لم تكن هناك مدرسة ثانوية في منطقتنا. ظننّا أن العلم ممنوع علينا، ولم نجد سوى العنف بديلاً عن العلم كوسيلة للتغيير. وعندما فُتحت لنا مدرسة وصرت مسؤولاً عن شؤون الطلاب، كانت الحرب قد اندلعت فانتقل التلاميذ من الصفوف إلى الجبهات».

زياد صعب على الجبهة في منطقة الرميلة (أرشيفه الخاص)

ما زال مشهد «الجثة الأولى» عالقاً في ذاكرته: «حدث ذلك في يونيو (حزيران) 1975. كان صديقاً من عمري... اختفى قبل أيام، وذهبت للبحث عنه في منطقة سن الفيل فوجدته جثة ملقاة أرضاً، بعد أن تعرّضت للتعذيب والتشويه».

يندم على 15 سنة أمضاها محارباً، ويتأسف على لبنانيين تعلموا الدرس لكنهم لا يقومون بأي فعلٍ من أجل التغيير. أما هو فيحاول التعويض من خلال جمعية «محاربون من أجل السلام». أسسها إلى جانب محاربين قدامى من الأحزاب التي كانت متناحرة خلال الحرب. جمع زياد صعب أعداء الجبهات فباتوا رفاق السِلم.

أسس زياد صعب مع عدد من المحاربين القدامى جمعية «محاربون من أجل السلام»

فؤاد السنيورة - الرئيس السابق للحكومة اللبنانية

في 13 أبريل 1975 كان فؤاد السنيورة في بيته في صيدا، ولم يعلم بالحادثة التي وقعت ظهراً سوى في المساء. «كان حدثاً جللاً خصوصاً أنه كان قتلاً متعمداً»، يقول الرئيس السابق للحكومة اللبنانية لـ«الشرق الأوسط»: «لكننا لم نتصور أن تنجرف الأمور بعده إلى ما هو أدهى بكثير».

لطالما كان هوى السنيورة عروبياً، لكنه في تلك الآونة لم يكن منضوياً تحت لواء أي حزب: «كنت قد انسحبت من حركة القوميين العرب في منتصف الستينيات». تفرّغ للأنشطة الثقافية والتدريس. وفي أحد أيام خريف 1975، وفيما كان يقود سيارته برفقة زميله الأستاذ الجامعيّ د. حسن صعب من شارع بلِس إلى منطقة القنطاري، حصل ما لن ينساه مدى العمر.

الرئيس فؤاد السنيورة يتلو الفاتحة على ضريح الرئيس رفيق الحريري (موقعه الرسمي)

يروي السنيورة: «كانت نافذة السيارة مفتوحة فسمعت صوتاً ينادي: وقّف... وقّف. تبيّن أن هناك حاجزاً لمسلّحين من حزب الكتائب. خرج من خلف «الدشمة» شخص ملثّم ومسلّح وقال: «يا دكتور حسن كنت رح قوّسكن لو ما عرفتك... أنت استاذي بالجامعة. الله معكن». تركت تلك الحادثة أثراً كبيراً في نفسه، خصوصاً أنها «كانت مؤشّراً إلى انضمام جيل كامل من الشباب للحرب الأهلية».

اليوم، وبعد 50 عاماً على تلك اللحظة، يرى السنيورة أن «ثمة لبنانيين استخلصوا العِبَر من الحرب ومنهم مَن لم يفعل». لكن المؤكّد في نظره، هو أنّ «المجتمع اللبناني ما عاد راغباً في خوض حروبٍ أهلية بعد الآن، والدليل احتضانه بعضاً لبعض خلال العدوان الإسرائيلي الأخير».

السنيورة في مظاهرة 14 مارس 2005 (موقعه الرسمي)

أكرم شهيّب - قياديّ في الحزب التقدّمي الاشتراكي، نائب حالي ووزير سابق

لم يكن أكرم شهيّب قد انتسب بعد إلى الحزب التقدّمي الاشتراكي، يوم وردَ إلى دارة أهله في عاليه نبأ بوسطة عين الرمانة. كان الشاب منخرطاً في مجال التعليم بعد أن استكمل دراسته في جامعة القاهرة، غير أنّ الهوى السياسيّ في البيت كان اشتراكياً، و«كمال جنبلاط القامة الوطنية والمرجع».

يخبر شهيّب أن الخبر لم يفاجئه كثيراً حينها، «لأنّي كنتُ في جوّ الاستنفار النفسي الحاصل في معظم المناطق اللبنانية». يتابع: «صحيح أن بوسطة عين الرمانة كانت الشرارة الأولى، لكن لو لم تندلع في عين الرمانة لاندلعت في مكان آخر. الأوضاع الإقليمية والمحلية كانت ستفرض الحرب عاجلاً أم آجلاً».

النائب والوزير السابق أكرم شهيّب (أرشيفه الخاص)

من السنوات الدامية تلك، أكثر ما يؤلم أكرم شهيّب «رفاقٌ أصيبوا في الحرب وما زالوا على الكرسي المتحرك حتى اليوم. الظلم الذي تعرضوا له يحزّ في نفسي. هذا مشهد من الحاضر يذكّرنا يومياً بمأساة الماضي».

لا يندم الرجل، الذي خاض الحرب والسِلم إلى جانب الحزب التقدمي الاشتراكي ورئيسه وليد جنبلاط، على شيء قام به. «كنت أسعى في مراحل للدفاع عن النفس، هذا كان دوري وكنت مثل الجميع أعتبر أنني كنت على حق والآخر على خطأ».

يعتبر شهيّب أنّ «مصالحة الجبل» عام 2000، والتي بادر إليها وليد جنبلاط والبطريرك صفير «وضعت اللبنة الأساسية لتضميد الجراح». يبدو مطمئناً إلى أن اللبنانيين تعلّموا الدرس، لكنّ «غليان المنطقة» يقلقه لأنه «ينذر بما هو أصعب».

شهيّب برفقة وليد جنبلاط في مطلع الثمانينيات (أرشيفه الخاص)

إلياس عطا الله - قيادي سابق في الحزب الشيوعي، أمين سر حركة اليسار الديمقراطي ونائب سابق

عقب حادثة بوسطة عين الرمانة، لم يكن الياس عطا الله يتوقّع أنّ «تتدهور الأمور إلى هذا الحدّ وأن تكون تلك مقدّمة لحرب أهلية». يخبر «الشرق الأوسط» أنه كان حينها في الـ28 من عمره ورئيس فرع كلية التربية في الجامعة اللبنانية في اتحاد الشباب الديمقراطي.

«في أحد الأيام، وفيما كنت متّجهاً سيراً على الأقدام إلى الجامعة سمعت قصفاً للطيران، وكنت في نقطة قريبة من المدينة الرياضية. بالنسبة لي، كان هذا المشهد بداية الحرب في لبنان»، يروي إلياس عطا الله.

إلياس عطا الله متوسطاً إحدى المظاهرات في بيروت في السبعينيات (أرشيفه الخاص)

أمّا الصورة التي لا تُمحى من مخيّلته فسُجّلت في نهاية 1975: «كنت في مهمة حزبية في منطقة حيّ السلّم عندما رأيت كتبَ مكتبة جامعتي مرميّةً في الوحل أرضاً... سُرقت من الجامعة ورُميت مع كراسٍ وصحون محطّمة». يتابع عطا الله: «لا شيء آلمَني بقدر ما فعل هذا المشهد، خصوصاً أنني شاركت في تجهيز جزء من تلك المكتبة».

مع أنه لم يحارب ولم يطلق النار وفق ما يؤكّد، بل كان منسّق عمليات جبهة المقاومة الوطنية، غير أنّ إلياس عطا الله «نادم على التكيّف مع الحرب، وعلى مساري فيها». يضيف متأسفاً: «ذاك لم يكن أنا، بل شخص آخر». وبعد، هو يستبعد أن تكون الحرب قد انتهت في أذهان اللبنانيين، «لا سيّما أن الوعي الجماعي معتاد على الفساد والكسل».

إلياس عطا الله والكاتب إلياس خوري يوم اغتيال الصحافي سمير قصير (أ.ف.ب)

رشيد درباس - وزير سابق ونقيب المحامين في طرابلس سابقاً

في الحقبة التي شهدت اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، كان ابنُ طرابلس الوزير السابق رشيد درباس يجاهر بهواه الفلسطيني وبانتمائه للحركة الوطنية اللبنانية.

كان في بغداد يوم 13 أبريل 1975 مشاركاً في مؤتمر اتحاد المحامين العرب. ولدى عودته بعد أيام سالكاً الطريق البحري بالتاكسي من مرفأ بيروت إلى عاصمة الشمال، لم يلحظ ما يقلقه أو ينبئه بتدهور الأوضاع.

تولّى رشيد درباس وزارة الشؤون الاجتماعية ما بين 2014 و2016 (موقع رئاسة الحكومة اللبنانية)

لكن ما لم يكن في الحسبان حصل، وامتدّ النزيف إلى طرابلس حيث اختبر درباس الحرب على طريقته. هو الفلسطينيّ العروبيّ الهوى سرعان ما أصابه الخذلان. يبوح لـ«الشرق الأوسط»: «أندم لأنني انغمست إلى أذنيّ، ليس قتالاً، إنما التصاقاً بالحركة الوطنية والقيادات الفلسطينية. أصابتني اليقظة يوم حوصر مرفأ طرابلس من الزوارق السورية، فتبيّن لي أن المقاومة الوطنية ليست خطاً واحداً كما كنت أظنّ، وأنّ الجيش السوري بات رديفاً للقوى اليمينية التي كنا نحارب»، يتابع: «لديّ الشجاعة اليوم لأقول إنني لم أكن متبصّراً».

رشيد درباس مصافحاً وليد جنبلاط (أرشيفه الخاص)

اختبر درباس محاولات القتل والخطف، مما اضطرّه إلى السفر إلى قبرص عام 1977 والابتعاد عن عائلته؛ «لم أشارك في جنازة أبي الذي توفّي في غيابي وما زال هذا الجرح في قلبي. طعنتني كذلك خسارة عدد كبير من الأصدقاء شهداءَ في تلك الحرب».

وفق درباس، فإنّ «اللبنانيين تعلموا الدرس لكن القوى السياسية لم تتخلص من ارتباطاتها الخارجية».

مي كحّالة - صحافية وأول مستشارة إعلامية لرئاسة الجمهورية اللبنانية

كانت مي كحّالة تمضي ذاك الأحد المشمس مع عائلتها في بيتهم الجبليّ. «سمعنا بأنّ أمراً ما حدث في عين الرمانة، فعدنا أدراجنا إلى منزلنا في سن الفيل شرقي بيروت. شاهدنا على طريق العودة وعلى مقربة من المنزل حواجز فلسطينية. لكن ليس سوى مساءً حتى عرفنا التفاصيل عبر إذاعة مونتي كارلو، ولم ننم في تلك الليلة من أزيز الرصاص».

تخبر الإعلامية والمستشارة الإعلامية السابقة لرئاسة الجمهورية: «ربيت في بيت لا انتماء سياسياً لديه، لذا لم أستوعب ما يجري، إلى أن بدأت القوى الفلسطينية المحيطة بالبيت تتحرّك. أقفلت طرقات كثيرة وصار التنقّل صعباً. عشت قلقاً كبيراً لكني كنت أعتقد دائماً أنها مرحلة وستمرّ».

مي كحالة أول مستشارة إعلامية لرئاسة الجمهورية برفقة الرئيس الراحل إلياس الهراوي (أرشيفها الخاص)

من البيت المسالم مباشرةً إلى الميدان، انتقلت كحّالة مراسلةً حربيّة لصحيفة «النهار»؛ «كان الاتّكال على الصحافيات الإناث أكثر في تلك المهمات حينذاك، بما أنّ الذكور كانوا عرضةً للخطف والقتل على الهوية. خاطرتُ كثيراً، وأكبر مخاطرة كانت محاولة العبور إلى الجنوب لتغطية الاجتياح الإسرائيلي. هناك، علقنا بين نار القنص الإسرائيلي والجهات التي كانت تردّ عليه».

أما أفظع مشهد فهكذا سجّلته ذاكرتها: «كنت أعبر من منطقة المتحف باتجاه المحكمة العسكرية حيث تنتظرني سيارة من الجريدة. رأيتُ جندياً مختبئاً خلف دبّابته ويومئ لي من البعيد بأن أركض. ركضت فوجدت جثة أرضاً وتجمّدت بدل أن أهرب من القنص. ما زلت أذكر وجه الرجل المقتول حتى الآن...».

تأسف كحّالة لأن اللبنانيين لم يتعلموا الدرس، «فهم ما زالوا يتقاتلون ثم يعودون للعيش معاً».

«لم يتعلّم اللبنانيون درس الحرب لأنهم ما زالوا يتقاتلون ثم يعودون للعيش معاً» - مي كحّالة

عبد الحليم كركلّا - المؤسّس والمدير الفني لمسرح كركلّا

تركت «الشرارة الأولى» للحرب الأهلية ندوباً عميقة في جسد فرقة «كركلّا» للرقص. يروي مؤسّس المسرح العريق، عبد الحليم كركلّا، لـ«الشرق الأوسط» كيف انهمر الرصاص على سيارات الراقصين أثناء عودتهم من افتتاح مسرحية «غرائب العجائب وعجائب الغرائب» في 13 أبريل 1975.

«13 نيسان» 1975 افتتاح مسرحية «غرائب العجائب وعجائب الغرائب» في قصر الأونيسكو في بيروت (أرشيف مسرح كركلّا)

بغصّةٍ ما زالت ترافقه حتى اليوم، يقول كركلّا: «طال الرصاص عدداً من الراقصين مما أدّى إلى إصابة نجمة الفرقة أميرة ماجد بالشلل، كما اخترقت رصاصة جسد ملكة جمال لبنان مارسيل حرّو التي كانت معنا».

لكن التحدّي الأكبر بالنسبة إلى كركلّا كان «الحفاظ على تركيبة الفرقة كي لا تتفرّق كما تفرّق لبنان، خصوصاً أنّها تعكس صورة الوطن المتنوّع». يتابع: «صرنا نهرب من الأماكن الخطرة إلى الأماكن الآمنة. من بيروت إلى جونية». لم يتوقف المسرح خلال الحرب اللبنانية لا في الداخل ولا في الخارج. «وعندما بدأت القذائف تطال مركزنا في جونية، انتقلنا إلى طرابلس. ومن طرابلس إلى بعلبك حيث تابعت الفرقة تدريباتها. ثم من بعلبك إلى الشوف بدعوة من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط».

عبد الحليم كركلّا ووليد جنبلاط في قصر المختارة (أرشيف مسرح كركلّا)

أما أفظع مشهد عالق في ذاكرة كركلّا، فهو انهمار القنابل والقذائف حول سيارات الفرقة، خلال انتقالها «من المكان الذي كنا نظنه آمناً إلى مكان أكثر أماناً»، وفق تعبيره. هو الذي استطاع الحفاظ على الفرقة وعروضها حتى في أعتى أيام الحرب، يرجو أن «يكون اللبنانيون قد تعلموا الدرس لأنهم يحبون الازدهار والثقافة والحرية».

«أفظع مشاهد الحرب كان انهمار القنابل والقذائف حول الفرقة خلال تنقّلاتها» عبد الحليم كركلّا

عصام خليفة - مؤرّخ وباحث أكاديمي وأستاذ جامعي وناشط نقابي

«بوسطة» من نوعٍ آخر استقلّها عصام خليفة في 13 أبريل 1975، فأستاذ التاريخ في ثانوية البترون كان يرافق طلّابه في رحلة إلى البقاع والليطاني. «في طريق العودة، عبرنا صيدا وبيروت من دون أن ندري بما حدث. وصلنا مساءً لنجد الأهالي متجمهرين ينتظرون أولادهم بقلق، وهناك اكتشفنا ما حدث. كان الجو محتقناً فلم أتفاجأ كثيراً بالخبر».

كان خليفة قد أسس «حركة الوعي» التي نشأت من قلب الجامعة اللبنانية. يشرح: «كنا مع عدالة القضية الفلسطينية لكن رفضنا التدخل الفلسطيني بالشأن اللبناني، خصوصاً التمدد العسكري على حساب السيادة. كنا متمايزين عن اليسار واليمين اللبنانيَين».

أفظع ما شاهد وما زال محفوراً في ذاكرته حصل فيما كان يدرّس في بيروت: «كنت عائداً إلى شقّتي بعد الدوام، حاولت فتح الباب فلم أفلح. فتحت الباب امرأة تحمل بندقية وسألتني: (من أنت). أنا الذي لم أحمل السلاح يوماً، أجبتها بأني صاحب الشقة فقالت: (إذا عدت إلى هنا ستموت)».

يتابع خليفة: «في تلك الآونة، حاولنا من خلال مجموعات وحركات ثقافية تغييرية أن نجمع الناس من كل الأطراف لتتحاور ضد الحرب والعنف. نظمنا تظاهرات نقابية وثقافية وحاولنا إزالة السواتر الفاصلة بين «شرقية» و«غربية». ناضلت من أجل السلام لذلك لا أندم على شيء. لكن لو تعلّم اللبنانيون الدرس من الحرب لما راهنوا على الخارج حتى الآن».

المؤرّخ والباحث الأكاديمي د. عصام خليفة (إكس)

علويّة صبح - كاتبة وصحافية لبنانية

تخبر الروائية والصحافية اللبنانية علويّة صبح أنها في 13 أبريل 1975، كانت في منزل ذويها في منطقة السبتيّة شرقي بيروت. كانت حينها طالبةً جامعيّة يساريّة الهوى، تتخصص في الأدبَين العربي والإنجليزي. «كنت أؤمن بالعلمنة وبنظام مدني، وافترضت أن الحزب الشيوعي والحركة الوطنية هدفهما ذلك. لكن لاحقاً تملّكتني خيبة وانزويت وابتعدت».

لم تكن تعرف حينها أنّ خيبات الحرب ليست عقائديّة فحسب، بل قد تتحوّل في أي لحظة إلى صدماتٍ ترافق المرء مدى العمر. تقول إنها لا تزال تكتب عن الحرب كي تمحوها من ذاكرتها الشخصية.

بطاقة الانتساب إلى الجامعة اللبنانية الخاصة بعلويّة صبح (أرشيفها الخاص)

ما لم تستطع محوه حتى اللحظة هو هذا المشهد: «سمعتُ نداءاتٍ في منطقة برج حمّود، حيث كنّا قد انتقلنا، تطلب المساعدة في نقل جثث ضحايا مدنيّين إلى المسجد». تبرّعت علويّة صبح لأداء المهمة، فملأت المقاعد الخلفيّة وسطح سيارتها بالجثث ونقلتهم. «كانت المرة الأولى التي أشاهد فيها جثة. توهّمت الشجاعة وعندما وصلت إلى البيت أخبرت الحكاية لأهلي بفخر وكأنني بطلة، لكن الكوابيس التي أصابتني تلك الليلة دفعتني إلى الصراخ وأنا نائمة. وما زال هذا المشهد القاسي يلازمني منذ ذلك الحين».

أما أكثر ما يؤلمها اليوم فهو أن أبناء بلدها لم يتعلّموا الدرس، بل احترفوا صناعة الطائفية. تتساءل: كيف يُشفى المجتمع من ندوبه إن لم يقُم أي زعيم بنقدٍ ذاتيّ وظلّ متمسكاً بأنه على صواب وسواه على خطأ؟

«نقلت جثث مدنيين في سيارتي وما زال المشهد يرافقني إلى اليوم» - علويّة صبح

ندى عبد الصمد - إعلامية لبنانية

يوم تعرّضت «البوسطة» لإطلاق الرصاص، كانت ندى عبد الصمد في الـ10 من العمر. تروي لـ«الشرق الأوسط»: «شعرت بأن أمراً كبيراً حدث لأنّ معارف أهلي بدأوا بالتوافد إلى منزلنا في بيروت. كان والدي منتسباً إلى الحزب الشيوعي، أما والدتي فمنخرطة في لجنة حقوق المرأة في الحزب».

يكرّ شريط الذكريات في رأس الإعلامية اللبنانية: «طريق الذهاب والعودة من وإلى المدرسة تحت القصف. نشوء التنظيمات المسلحة الصغيرة بعد حرب الفنادق، وتَمركُز بعضها تحت بيتنا. أذكر كيف كانوا يشتبكون... مثل «الصاعقة»، و«أبو كوسا» وغيرهما ممّن كان تمويلهم فلسطينياً».

أما أبشع المشاهد فسُجّل يوم السبت الأسود في 6 ديسمبر (كانون الأول) 1975: «رافقت والدي إلى مركز عمله في شركة الكهرباء. وفي الطريق إلى هناك من جهة المرفأ رأينا جثتين، بالتزامن مع بداية المجازر على الهوية...».

الإعلامية اللبنانية ندى عبد الصمد

في اعتقاد ندى عبد الصمد، مهّدت حرب الـ75 الدرب لفرزٍ مذهبيّ، «فاتخذت الأحزاب طابعاً طائفياً بعد أن كانت مختلطة ومتنوعة». انطلاقاً من ذلك، فهي ليست مطمئنّة إلى أنّ اللبنانيين تعلّموا درس الحرب، بل تذهب إلى حدّ القول: «أعتقد أنهم قد يكررونها لكن بأشكال ثانية، لا سيّما أنّ لبنان بتركيبته الطائفية يؤسس لحروب مذهبية بسبب المحاصصة القائمة». وتتابع ندى عبد الصمد: «المشكلة هي في أننا ما زلنا ننتج الأشخاص أنفسهم والأنظمة ذاتها».

باترك باز - مصوّر صحفي

«كنت في الـ11 من عمري. أذكر أننا في الأيام التالية للحادثة، وأنا عائد إلى البيت في باص المدرسة، رأيت انتشاراً مسلّحاً في منطقة فرن الشباك المحاذية لعين الرمانة. ما زلت أرى أمام عينيّ أقنعة المسلّحين وهي تغطّي وجوههم». هكذا يتذكّر باتريك باز الأيام التي تلت حادثة عين الرمّانة.

مع الوقت، أراد أن يصبح مثل هؤلاء المسلّحين. يوضح: «كانوا المرجع القوي الوحيد، وكأطفال رغبنا في تقليدهم». لاحقاً، عندما اتّسع وجود مسلّحي الكتائب وصار تحت بيت باز في منطقة التباريس، بات المقاتلون يلعبون كرة القدم مع أطفال الحيّ. «مشهد لا أنساه من تلك الفترة ولعلّه أفظع ما شهدت: أحد هؤلاء الشبان شاركَنا اللعب ثم اتجه صوب الجبهة ليعود من جديد، إنما محمّلاً على كتفَي رفيقه».

المصوّر باتريك باز في سن الـ18 (أرشيفه الخاص)

من طفلٍ يلاعب الكرة إلى فتىً يحمل السلاح، تحوّل باتريك باز في غضون أشهر. «حملت السلاح لأول مرة في الـ14 من عمري وكنت أذهب إلى المدرسة والمسدّس على خاصرتي تحت القميص. ومع الشبان المقاتلين كنا نتدرب عليه بإطلاق النار على أهداف وهمية».

«سرت الحرب في دمي فقررت أن أعيشها من دون إطلاق النار على أحد» - باتريك باز

إلّا أنّ الوعي الذي اكتسبه بعد خروجه من لبنان لسنتَين خلال الحرب، ساهم في تغيير سلوكه. «من جبهة القتال انتقلت إلى جبهة التصوير واستبدلت بالرشّاش الكاميرا في سن الـ18. عبر العدسة أردت أن أعيش الحرب من دون أن أطلق النار على أحد»، يقول باز.