قصة الإمام عبد الله بن سعود من حصار الدرعية الأخير حتى مقتله في إسطنبول

لم يحتمل تدمير عاصمته فآثر الاستسلام وإنقاذ ما أمكن

قافلة تسير خارج الدرعية (الشرق الأوسط)
قافلة تسير خارج الدرعية (الشرق الأوسط)
TT

قصة الإمام عبد الله بن سعود من حصار الدرعية الأخير حتى مقتله في إسطنبول

قافلة تسير خارج الدرعية (الشرق الأوسط)
قافلة تسير خارج الدرعية (الشرق الأوسط)

تحدثت الأميرة الدكتورة جواهر بنت عبد المحسن بن جلوي آل سعود، الباحثة المتخصصة في الدراسات الوثائقية المتعلقة بالتاريخ السعودي، عن شجاعة الإمام عبد الله بن سعود أثناء الحصار الأخير للدرعية ومفاوضاته مع العسكر العثماني، ثم استسلامه وأسره ونقله إلى إسطنبول، حيث قتل، فقالت إنه وبعد خمسة أشهر من الحصار، كانت الدرعية لا تزال صامدة تقاوم نقص الغذاء والسلاح والرجال وبقيت تقاوم شراسة هجمات إبراهيم باشا الذي عانى هو أيضاً من صلابة السعوديين وشجاعتهم، رغم الأسلحة الحديثة والمستشارين العسكريين الذين صاحبوا الحملة ومن انضم إليها.

الإطباق على آخر المعاقل

وكان للمعلومات الاستراتيجية التي قدّمها الفارون من الدرعية دور كبير في إطباق إبراهيم باشا على حي الطريف آخر معاقل الدرعية والتضييق عليه من خلال قصف المدافع، ما أدى إلى تهاوي مبانيه. وذكرت الوثائق العثمانية أن الإمام عبد الله بن سعود لم يتحمل هذا المشهد، فبادر بحشد ما تبقى من قواته، ووقعت بينه وبين القوات العثمانية معركة عنيفة وصفتها الوثائق العثمانية بالقتال العظيم.

واستمر الإمام عبد الله في مجالدة قوات إبراهيم باشا، ما يوضح عدم نيته للاستسلام. وذكر إبراهيم باشا في خطابه لوالده أنه «تم الاستيلاء على كل الأماكن في الدرعية، ما عدا القصر الذي تحصن فيه (الإمام) عبد الله»، الذي استمر قصفه ثلاثة أيام متتالية حاول فيها الإمام عبد الله مقاومة ضراوة الحصار بطريقة وصفتها السجلات البريطانية أنها كانت أشد عناداً، ولكنه تلفَّت فلم يجد حوله سوى نفر قليل ممن تبقى على ولائه. فأرسل لإبراهيم باشا يطلب التفاوض، فخرج مبعوث من قبله لإبراهيم باشا في (8 من ذي القعدة 1233هـ/ 9 سبتمبر/أيلول 1818م)، وما إن وصل حتى توقفت مدافع العثمانيين عن القصف. وبعد بضع ساعات قدم الإمام عبد الله بن سعود لمعسكر إبراهيم باشا للتفاوض.

تباين السجلات البريطانية والعثمانية

وأشارت السجلات البريطانية إلى أن سلوك إبراهيم باشا اتسم بالتعالي والتعجرف أثناء استقبال الإمام عبد الله، الذي كان في مرحلة التفاوض للاستسلام، الذي ربطه بأربعة بنود: الحفاظ على حياة المقاتلين الذين لا يزالون على ولائهم له، والإبقاء على أفراد أسرته، وعدم هدم الدرعية، وضمان سلامته. إلا أن الوثائق العثمانية لم تتطرق لأي منها، في حين أن الوثائق البريطانية أكدت موافقة إبراهيم باشا على جميع البنود، بينما أشارت السجلات البريطانية إلى أنه تم التحفظ على شرطين؛ هما سلامة الدرعية والإمام عبد الله، الذي طلب مهلة 24 ساعة لحسم أمره.

ولم تمر تلك الليلة على إبراهيم باشا كغيرها، فقد جافاه النوم بعد أن انتابه القلق لإدراكه أن إسقاط الدرعية لا يتوِّجه سوى القبض على الإمام عبد الله أو استسلامه، خصوصاً بعد أن قدّم هو ووالده محمد علي باشا وعوداً بذلك للسلطان العثماني. فمرت ساعات المهلة طويلة وثقيلة عليه خوفاً من أن تراود الإمام عبد الله فكرة الفرار، أو أن يقتل نفسه قبل أن يحزم أمره على الذهاب إلى القاهرة، لهذا أصدر أوامره إلى جميع قادة الفرسان بتشديد الحراسة في المواقع كافة.

وأخطأ إبراهيم باشا في تقدير الإمام عبد الله الذي كانت فرصة الهروب متاحة أمامه قبل الإطباق على قصره. ولو أن الإمام عبد الله نجح في الخروج من الدرعية وتفرق أفراد أسرته، لتوجب على العثمانيين أن يبقوا في الجزيرة العربية، وينتشروا على شكل فرق صغيرة لاقتفاء آثارهم في صحاري الجزيرة كما فعلت المسوّدة مع بني أمية، ولكان من الممكن أن ينجو البعض منهم بعد أن يستنزف العثمانيون.

وثيقة بريطانية لرسالة من الإمام عبد الله بن سعود يحتج فيها على تقديم بريطانيا الحماية لرعايا الحكومة التركية (الشرق الأوسط)

الفرار... فكرة مستحيلة

والسؤال الذي يتبادر للذهن: هل كانت فكرة فرار الإمام عبد الله تحت جنح الظلام قبل مرور المهلة ممكنة؟ فتركي بن عبد الله وأخوه زيد استطاعا الخروج من الدرعية أثناء المفاوضات، ولكن الإمام عبد الله قرر تحمل مسؤوليته بوصفه إماماً للسعوديين، ولم يكن ممكناً أن يُعرِّض شعبه وأفراد أسرته أو مَن تبقى منهم للخطر الأكيد بينما أصبحت فكرة فراره مستحيلة بعدما شدد عليه إبراهيم باشا الحراسة. فلن يغفر إبراهيم باشا ووالده حرب سنوات طويلة قد تُعرِّض مكانتهما لدى السلطان محمود الثاني للخطر، للحد الذي يفقد به محمد علي ولايته ونفوذه ومخططاته التوسعية. في حين أن السلطان محمود الثاني لن يكون أكثر رأفة به منهما، ولن يغفر له ما حققه أسلافه من سلب الدولة العثمانية نفوذها الديني والسياسي، بعد فشلها لأعوام عديدة في مجابهة النشاط السعودي الذي كاد يؤدي إلى إلغاء لقب «الخلافة» من سلطنة آل عثمان.

وهنا يتضح أن شجاعة الإمام عبد الله لم تقتصر على مواجهته حملات طوسون باشا ووالده محمد علي باشا ثم إبراهيم باشا منذ وطئت أقدامهم الجزيرة العربية عام 1226هـ / 1811م حتى حصار الدرعية عام 1233هـ / 1818م، بل إنه قرر تحمل مسؤوليته والذهاب إلى الأستانة وهو يدرك المصير المظلم والأكيد الذي ينتظره.

والمطلع على الوثائق العثمانية يجد أن مصطلح القبض على الإمام عبد الله قد تكرر في الوثائق العثمانية في العديد من مراسلات إبراهيم باشا. وهذا ينافي الوقائع التاريخية، لأنه في حالة القبض عليه فلن يكون هناك تفاوض أو شروط، وبذلك تستبعد هذه الفكرة.

ولم يكن الإمام عبد الله وأسرته يدركون مدى الرغبة الملحة للسلطان محمود الثاني ورجال دولته في استعجال مغادرتهم من الدرعية لحسم انتصارهم وعدم إعطاء فرصة لأي حراك عسكري. وغادر الإمام عبد الله الدرعية مكبلاً بالأغلال وسط حراسة مشددة، ترافقه كتيبة تتكون من 300 فارس و400 مقاتل من القوات العثمانية، وقد شُدد عليهم بضرورة منعه من الفرار إن حاول ذلك، ما يعكس مخاوف إبراهيم باشا حتى بعد إبرام الاتفاق مع الإمام عبد الله ومغادرته الدرعية مخترقاً هضاب نجد وسهولها أسيراً بعدما كان صاحبها وسيدها. فالفرصة التي أتيحت لأخيه مشاري بن سعود، الذي نجح في التسلل من قافلة الأسرى، لم تكن متاحة أمامه بأي شكل من الأشكال.


مقالات ذات صلة

«راعي الأجرب»... دراما ملحمية تستعرض قصة مؤسس الدولة السعودية الثانية

يوميات الشرق «راعي الأجرب» فيلم قصير عن إمام سطّر قصة النور في الليالي المظلمة بشجاعة (وزارة الإعلام)

«راعي الأجرب»... دراما ملحمية تستعرض قصة مؤسس الدولة السعودية الثانية

«وأنا والله تركي... ردّاد أرضي»... يستعرض الفيلم التاريخي القصير «راعي الأجرب»، قصة الإمام تركي بن عبد الله مؤسس الدولة السعودية الثانية قبل أكثر من 200 عام.

جبير الأنصاري (الرياض)
رياضة سعودية صورة معبرة بثها نادي الهلال من أرضية ملعب المملكة أرينا (نادي الهلال)

«الرياضة السعودية» تحكي للعالم قصة 3 قرون من التاريخ المجيد

ارتدت الأندية والملاعب السعودية، أمس، حلة الفرح والاحتفال بذكرى تأسيس المملكة، لتكمل مظاهر البهجة والافتخار بهذا اليوم التاريخي، الذي يوافق الـ22 من فبراير.

فهد العيسى (الرياض)
الخليج خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (واس)

الملك سلمان: «يوم التأسيس» احتفاء بمسيرة الاستقرار والتلاحم

قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، الخميس، إن بلاده تحتفي في «يوم التأسيس» بمسيرة استقرار الدولة، وتلاحم القيادة مع الشعب.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد ميناء العقير التاريخي في الأحساء (شرق السعودية) الذي شهد انطلاقة تأسيس الحركة التجارية في البلاد (واس)

شرق السعودية... بداية تأسيس حركة التجارة مع العالم

انطلقت التجارة السعودية منذ بداية تأسيس الدولة عام 1727م، من شرق البلاد، وتحديداً مركز التجارة في الهفوف.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
رياضة سعودية الكرواتي بيليتيتش في لقطة مع جمل من قلب ملعب الفتح (نادي الفتح)

الرياضة السعودية تواكب احتفالات «التأسيس» بالعرضة والأزياء التراثية

احتفت الأندية السعودية، أمس الأربعاء، بذكرى يوم التأسيس للدولة السعودية، وأقامت احتفالات متنوعة بهذه المناسبة التي تصادف الـ22 من فبراير (شباط) كل عام.

فهد العيسى (الرياض) علي القطان (الدمام) علي العمري (جدة)

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
TT

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)

عندما بدأت عملية «طوفان الأقصى» ونشوب الحرب في غزة، كانت إيران تواجه تداعيات الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة إثر وفاة الشابة مهسا أميني، التي جعلت خريف 2022 الأكثر دموية في الداخل الإيراني.

اندلعت الحرب في قطاع غزة، في لحظة محورية بالنسبة لمؤسسة المرشد الإيراني؛ حيث زادت الضغوط الدولية عليه بسبب قمع الاحتجاجات الداخلية، وإرسال الطائرات المسيّرة إلى روسيا، مع وصول المفاوضات النووية إلى طريق مسدود.

ومنذ الموقف الرسمي الأول، رأت طهران أن هجوم حركة «حماس» هو «رد فعل طبيعي وحركة عفوية على السياسات الحربية والاستفزازية والإشعال المتعمّد للصراعات من قبل رئيس الوزراء المتطرف والمغامر لإسرائيل».

دأب المسؤولون الإيرانيون على نفي أي دور في اتخاذ قرار عملية «طوفان الأقصى»، لكن الحراك الدبلوماسي والسياسي أوحى بأن أركان الدولة، بما في ذلك الجهاز الدبلوماسي، كان على أهبة الاستعداد للتطور الكبير الذي يهز المنطقة.

بعد أقل من أسبوع على هجوم «طوفان الأقصى» بدأ وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان، أول جولاته الخمس على دول المنطقة قبل وفاته في 19 مايو (أيار)؛ بهدف عقد مشاورات مع مسؤولي دول الجوار ولقاءات تنسيقية قادة جماعات «محور المقاومة» وتوجيه رسائل إقليمية، وتوجه إلى العراق وواصل زيارته إلى دمشق، ومنها إلى بيروت، وانتهى المطاف في الدوحة.

وحينها وجهت إيران رسالة لإسرائيل، بأنها قد تواجه عدة جبهات إذا لم تتوقف عملياتها العسكرية في غزة.

ودفعت طهران باتجاه تعزيز صورة الجماعات المسلحة في المنطقة، والعمل على إضفاء الشرعية على دورها في دعم تلك الجماعات، مستغلة الأوضاع السياسية والاضطرابات الإقليمية.

اجتماع ثلاثي بين عبداللهيان وزياد النخالة أمين عام «الجهاد الإسلامي» وصالح العاروري رئيس مكتب حركة «حماس» في بيروت مطلع سبتمبر 2023 (الخارجية الإيرانية)

وشكل هذا الموقف المحطة الأولى لإيران. وترى طهران أنها نقلت جماعات «محور المقاومة» من نطاق محصور إلى نطاق «عالمي»، أو ما يسميه الدبلوماسيون الإيرانيون من «عالم المقاومة» إلى «المقاومة العالمية».

بذلك، انتقلت إيران، التي حاولت الحفاظ على مرحلة التهدئة مع جيرانها الإقليميين، إلى وضع هجومي فيما يتعلق بالجماعات المرتبطة بها، وهو ما يراه البعض انعكاساً لاستراتيجيتها على توسيع نفوذها ودورها في المنطقة.

على المستوى الرسمي، بعثت إيران برسالة للأوساط الدولية بأن تلك الجماعات مستقلة، وتملك قرارها بنفسها، وتصنع أسلحتها، لكن عدة مسؤولين وقادة عسكريين إيرانيين أشاروا في تصريحاتهم إلى دور الجنرال قاسم سليماني وقوات الوحدة الخارجية في «الحرس الثوري» بتسليح تلك الجماعات وتزويدها بتقنيات صناعة الأسلحة.

أما ثاني محطة لإيران بعد «طوفان الأقصى»، فقد بدأت بعد شهر من اندلاع الحرب في غزة؛ حيث دعا المرشد الإيراني علي خامنئي إلى ما وصفه بـ«قطع الشرايين الاقتصادية» لإسرائيل، خصوصاً ممرات النفط والطاقة. ومنها دخلت الجماعات المرتبطة بطهران، وجماعة «الحوثي» تحديداً على خط الأزمة، وشنّت هجمات على سفن تجارية على مدى أشهر، أثرت على حركة الملاحة في البحر الأحمر.

كما باشرت الميليشيات والفصائل العراقية الموالية لإيران، هجمات بالطائرات المسيّرة على إسرائيل والقواعد الأميركية على حد سواء.

وبدأ الجيش الأميركي رده بعدما تعرضت له قاعدة في الحدود السورية بالرد على هجمات طالت قواته، مستهدفاً مواقع للفصائل المسلحة.

على المستوى السياسي، أصرت طهران على وضع شروط الجماعات الحليفة معها أولاً لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومنها أبدت معارضتها لأي تسويات دولية، خصوصاً إحياء مقترح «حل الدولتين». وفي ديسمبر (كانون الأول)، قال وزير الخارجية الإيراني إن رفض «حل الدولتين» نقطة مشتركة بين إيران وإسرائيل.

المحطة الثالثة: بموازاتها باشرت إسرائيل بشن هجمات هادفة ضد القوات الإيرانية في سوريا، واستهدفت رضي موسوي مسؤول إمدادات «الحرس الثوري» في سوريا في ديسمبر، وبعد شهر، أعلن «الحرس الثوري» مقتل مسؤول استخباراته هناك، حجت الله أميدوار، لكن أقوى الضربات جاءت في مطلع أبريل (نيسان) عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية اجتماعاً لقادة «الحرس» في مقر القنصلية الإيرانية، وقتلت أرفع مسؤول عسكري إيراني في سوريا ولبنان، الجنرال محمد رضا زاهدي.

المرشد الإيراني علي خامنئي يؤم صلاة الجنازة على جثامين زاهدي وجنوده في حسينية مكتبه 4 أبريل 2024 (أ.ف.ب - موقع المرشد)

أما المحطة الإيرانية الرابعة، فقد وصلت إيران فيها إلى حافة الحرب مع إسرائيل، عندما ردت على قصف قنصليتها، بشن أول هجوم مباشر من أراضيها على الأراضي الإسرائيلية بمئات الصواريخ والمسيّرات.

ورغم تأكيد الجانب الإسرائيلي على صد الهجوم الإيراني، فقد وجهت ضربة محدودة لإيران باستهداف منظومة رادار مطار عسكري في مدينة أصفهان، قرب منشأة نووية حساسة.

وزادت المواجهة من احتمال تغيير مسار البرنامج النووي الإيراني، مع تكاثر الحديث في طهران عن ضرورة التوصل لأسلحة رادعة، وأيضاً التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.

امرأة غير محجبة تمر أمام لافتة دعائية للصواريخ الإيرانية في ساحة «ولي عصر» وسط طهران 15 أبريل الماضي (رويترز)

المحطة الإيرانية الخامسة، جاءت بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في حادث تحطم مروحية قرب الحدود الأذربيجانية. وسارعت السلطات الإيرانية لنفي نظرية المؤامرة، مستبعدة بذلك أي احتمالات لتعرض أرفع مسؤول تنفيذي في البلاد لضربة إسرائيلية. وأصدرت هيئة الأركان بعد نحو 3 أشهر على مقتل رئيسي، تأكيداً بأن مروحيته سقطت نتيجة ظروف مناخية، رغم أنها لم تُجِب عن كل الأسئلة.

عبداللهيان خلال اللقاء الذي جمعه بنصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية فبراير الماضي (إعلام «حزب الله»)

وفي هذه المرحلة، توسعت الحملة الإيرانية، مع دخول الموقف السياسي الإيراني مرحلة السبات فيما يخص تطورات الحرب في غزة، نظراً لانشغال السلطات بالانتخابات الرئاسية، والسعي لتشكيل حكومة جديدة.

وخلال حملة الانتخابات الرئاسية، تجنب المرشحون للانتخابات إثارة القضايا المتعلقة بحرب غزة والدعم الإيراني. على الرغم من الانتقادات الداخلية لتأجيل القضايا الإيرانية الملحة مثل رفع العقوبات وتعطل المسار الدبلوماسي لإحياء الاتفاق النووي.

وكان لافتاً أن تصريحات المرشحين بمختلف توجهاتهم لم تذهب أبعد من الإشادة بالبرنامج الصاروخي، وتوجيه الضربة لإسرائيل، والتعهد بتعزيز معادلات الردع.

المحطة السادسة: بمراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في 30 يوليو (تموز)؛ إذ شهدت طهران أكبر تحول في حرب غزة، ألا وهو اغتيال رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنية، في مقر تابع لـ«فيلق القدس» في شمال طهران.

هنية ونائب الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني ورئيس حركة «الجهاد الإسلامي» والمتحدث باسم الحوثيين في مراسم القسم الدستوري للرئيس الإيراني بطهران 30 يوليو الماضي (رويترز)

وتعهد المرشد الإيراني علي خامنئي حينها بالرد على «انتهاك السيادة الإيرانية» واغتيال «ضيف إيران»، وتنوعت نبرة ومفردات التهديد بين مسؤولين سياسيين وقادة عسكريين. وشدد المسؤولون الإيرانيون على حتمية الرد مع تقدم الوقت وتراكم الشكوك بشأن رد إيران.

وأثار اغتيال هنية في طهران الكثير من التساؤلات حول طبيعة العملية، خصوصاً مع وجود الاختراقات.

موكب تشييع إسماعيل هنية في طهران يوم 1 أغسطس الماضي (أ.ب)

المحطة السابعة: كان عنوانها تفجيرات أجهزة «البيجر»، بالتزامن مع رسالة تهدئة من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خصوصاً مع الولايات المتحدة، وشملت إسرائيل.

وقبل أن يتوجه إلى نيويورك، قال بزشكيان في مؤتمر صحافي إن بلاده لا تريد أن تكون عاملاً لزعزعة الاستقرار في المنطقة، ولا تريد تصدير الثورة، مبدياً استعداده للانفتاح على واشنطن، إذا أثبتت أنها ليست معادية لطهران، وذهب أبعد من ذلك عندما استخدم وصف «الأخوة الأميركية».

واصل بزشكيان هذه النبرة في لقاءات على هامش حضوره أعمال الجمعية العامة في نيويورك، وقال: «إيران مستعدّة لوضع أسلحتها جانباً إذا وضعت إسرائيل أسلحتها جانباً»، حسب تسجيل صوتي انتشر من اللقاء نفسه. وقال إن تأخير الرد الإيراني على اغتيال هنية هو تلقي بلاده رسائل بأن اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» سيُبرم خلال أسبوع، مبدياً انزعاجه من عدم التوصل للاتفاق واستمرار الهجمات الإسرائيلية.

خامنئي يلقي خطاباً أمام مجموعة من أنصاره وفي الخلفية صورة نصر الله (موقع المرشد)

وقلل بزشكيان من قدرة «حزب الله» على مواجهة إسرائيل وحده، وهو ما مزق الصورة التي رسمها مسؤولون مقربون من المرشد علي خامنئي.

وزاد موقف بزشكيان وكذلك الفرضيات بوجود اختراق في هجمات «البيجر»، واستهداف قادة «حزب الله»؛ من الشكوك في طهران بوجود اختراقات للجبهة الإيرانية، وعززت أيضاً مخاوف داخلية من وجود اختراقات.

المحطة الثامنة والخطيرة، بدأت باغتيال الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، ثاني أهم لاعب للاستراتيجية الإقليمية الإيرانية، بعد الجنرال قاسم سليماني، خلال 35 سنة من حكم المرشد علي خامنئي. كما أدت الغارة الجوية الإسرائيلية على مقر نصر الله، إلى تسجيل ثاني خسائر «الحرس الثوري» الكبيرة منذ «طوفان الأقصى»، وهو نائب قائد غرفة العمليات، الجنرال عباس نيلفروشان.

ويحظى نصر الله بأهمية كبيرة لدى حكام إيران وخصوصاً الأوساط المحافظة، لدرجة تداول اسمه في بعض الفترات لتولي منصب المرشد الإيراني بعد خامنئي بوصفه «ولي الفقيه»، ولو أن الترشيح بدا مثالياً لأنه ليس مسؤولاً إيرانياً، فسيكون مرفوضاً من غالبية الأطراف السياسية.

نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض الصواريخ الآتية من إيران (رويترز)

ورداً على اغتيال هنية في عمق الأراضي الإيرانية، ونصر الله، ونيلفروشان، وجهت إيران هجومها الصاروخي الثاني المباشر على إسرائيل، في خطوة هدّدت إسرائيل بالرد عليها مع التلويح ببنك أهداف غير محدودة تشمل مصافي النفط ومحطات الوقود وأيضاً المنشآت النووية والعسكرية، ما يجعل الأزمة بين إسرائيل وإيران مفتوحة على كل الاحتمالات.