الشقير لـ«الشرق الأوسط»: تراث الدولة السعودية الأولى تعرض للطمس والتهميش

شرح كيف جمعت الدرعية الناس من حضرموت إلى الشام كأنهم أبناء رجل واحد

 تجمع في أحد الأسواق ويبدو طراز الملبس والزي (الشرق الأوسط)
تجمع في أحد الأسواق ويبدو طراز الملبس والزي (الشرق الأوسط)
TT

الشقير لـ«الشرق الأوسط»: تراث الدولة السعودية الأولى تعرض للطمس والتهميش

 تجمع في أحد الأسواق ويبدو طراز الملبس والزي (الشرق الأوسط)
تجمع في أحد الأسواق ويبدو طراز الملبس والزي (الشرق الأوسط)

أكد الباحث السعودي المتخصص في علم الاجتماع والإنثروبولوجيا، الدكتور عبد الرحمن الشقير، أن الدولة السعودية الأولى عند قيامها سعت إلى دعم الإبقاء على التجانس الاجتماعي بتعزيز الأمن وفرض العقوبات الصارمة ضد الجريمة والسرقة وتهديد الأمن الاجتماعي، ما كان له أثر كبير في إيجاد بيئة صحية للمجتمع المنجز والحيوي والمتفاعل مع العالم من حوله.

وشدّد الشقير، في حوار مع «الشرق الأوسط»، بمناسبة ذكرى يوم التأسيس على يد الإمام محمد بن سعود، على أن هذا التراث الضخم تعرض للطمس والتهميش، ما جعل كثيراً من المؤرخين يصف المجتمع بالكسل وعدم الإنجاز والفقر، كنوع من «الاستشراق الذاتي» أو «المحلي». ويقصد بذلك تسلط المؤرخين المحليين بالاعتداء على تاريخهم، إذ تأثروا بما تم تأسيسه لهم من تاريخ مضلل لـ3 عقود، وكأن «الميت يقبض على الحي»، وهي قبضة رمزية منغرسة في اللاوعي، تمثلت في متابعة النصوص بلا فحصها، وهيمنة المؤرخ السابق على اللاحق. ولفت الشقير أن التراث المحلي السعودي هو في الحقيقة بوابة عبور للعالمية.

واعتبر الشقير أن البحث في النواحي الاجتماعية وممارسة الحياة اليومية للناس العاديين في زمن الدولة السعودية الأولى يعدّ من أهم دراسات علم الاجتماع المعاصر، لأن ذلك من مقاييس المجتمع المنجز للهوية والثقافة والتراث والقيم.

وكان المجتمع السعودي، قبل ضمّ بلدانه للدولة السعودية وبعدها، يعيش حياته اليومية بقوة العادات والتقاليد والتعاون، ويقوم نشاطه على الزراعة والرعي والتجارة والعلم والمهن والصناعات البسيطة، وكان لذلك دور كبير في تجانس المجتمع وضبط دورة حياته.

الدرعية على الخارطة وامتدادات علاقاتها في المحيط (الشرق الأوسط)

وعندما برزت الدولة السعودية الأولى، سعت إلى دعم الإبقاء على التجانس الاجتماعي بتعزيز الأمن وفرض العقوبات الصارمة ضد الجريمة والسرقة وتهديد الأمن الاجتماعي، ما كان له أثر كبير في إيجاد بيئة صحية للمجتمع المنجز والحيوي والمتفاعل مع العالم من حوله.

وحول ما إذا كان الأمن أحد مكونات هوية المجتمع وعن علاقته بالتراث، رأى الشقير أنها علاقة عضوية. وذكّر بفكرة أن الحضارة نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة في إنتاجه الثقافي، وذلك يبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق، لأنه إذا ما أمن الإنسان من الخوف، تحررت في نفسه عوامل الإبداع والإنتاج. لذا، فإنه بعد تأسيس الدولة السعودية الأولى، واكتمالها، برز الأمن كأحد أهم المعايير التي تمت المحافظة عليها. وكان عهد الإمام عبد العزيز بن محمد مضرب مثل في الأمن، وشهد بذلك خصوم الدولة قبل مؤرخيها، فيذكر المؤرخ أحمد زيني دحلان اعترافاً بالفضل في التجانس الاجتماعي بسبب تأمين حياة الناس، ويذكر المؤرخ عثمان بن سند الفيلكاوي البصري أن الدولة السعودية الأولى أمنت جزيرة العرب، ومنعت قتال القبائل، وأصبح الناس من حضرموت إلى الشام أبناء رجل واحد.

ويعدّ الأمن المادي على الممتلكات أحد أسباب الأمن الروحي والنفسي، وهي الأرضية الصلبة التي تبني فيها الشعوب هويتها الثقافية وحضارتها وتراثها المادي وغير المادي.

تاريخ مضلل غيّب المنجز

وعن الهوية الثقافية، قال الشقير إنه حيثما يوجد مجتمع متفاعل ونشط، توجد الهوية الثقافية، وينشأ بداخله تراث وعادات ومصفوفة قيم تحكم سلوكه. ومرّ تراثنا المحلي بـ3 مراحل أساسية...

أولاً؛ أن أكثر تراثنا المادي وغير المادي قد تأسس في ما يمكن تسميته بـ«مجتمع العصر الوسيط» (بين عامي 600 - 1139هـ) وبدأ قبل قيام الدولة السعودية. وعندما برزت الدولة، عززت ذلك التراث ورسخته.

وثانياً؛ أن هذا التراث الضخم تعرض للطمس والتهميش، ما جعل كثيراً من المؤرخين يصف المجتمع بالكسل وعدم الإنجاز والجهل والفقر، وهذا يشكل «الاستشراق الذاتي» أو «المحلي»، ويقصد به تسلط المؤرخين المحليين بالاعتداء على تاريخهم.

وثالثاً؛ تأثر المؤرخين والباحثين السعوديين على مدى 3 قرون بما تم تأسيسه لهم من تاريخ مضلل، وهذا ما أسميته بحالة «الميت يقبض على الحي»، وهي قبضة رمزية منغرسة في اللاوعي، تمثلت في متابعة النصوص دون فحصها، وهيمنة المؤرخ السابق على اللاحق.

وهذا ما حفز للإسهام البسيط في توثيق مشروع «الذاكرة الشعبية»، من خلال استكشاف الممارسات اليومية للإنسان العادي في المجتمع السعودي، مثل: تحولات قيم الفلاح والراعي والصياد، و«طقوس العبور» وهي العادات الاجتماعية للتعامل مع المراحل الحاسمة للإنسان، كالولادة والزواج والموت، وسياحة الصيف المتمثلة في المقياض، وسياحة الشتاء المتمثلة في المكشات، وسياحة الربيع المتمثلة في المقناص، ما يؤكد على أن المجتمع ديناميكي ومتفاعل مع البيئة وقادر على صناعة بهجته بإمكاناته المحلية.

وهذا يعني أن تاريخ المملكة كان يسير على مسارين تاريخيين مختلفين خلال 3 قرون. هما مسار رؤية المجتمع من منظور ديني، وهي الرؤية المهيمنة سابقاً، ومسار رؤية المجتمع من منظور الحياة اليومية، وهي التي تنتمي إلى روح الدولة السعودية. والدليل على ذلك أن أئمة الدولة أقروا المذاهب الدينية، واستمرت بعض البلدان في الانتماء لمذاهب فقهية غير المذهب الحنبلي، وعينت الدولة قضاة للشيعة في أماكنهم، وأمنت الأهالي لممارسة نشاطهم الاجتماعي والاقتصادي دون تغيير. وذلك التاريخ طال إهماله، على رغم أنه ينتمي لطبيعة الدولة، ويؤكد انفتاحها وسياستها التي أسهمت في بقائها قوية. فإن خسرت معركة أو سقطت عادت قوية بقادتها وسواعد أبنائها.

وعن مصادر الهوية المحلية، يشرح الشقير أن جوهر الهوية والثقافة والفنون والتراث المادي وغير المادي الذي ينظم سلوك إنسان اليوم يكمن في مجتمع العصر الوسيط؛ وذلك لوقوع العصر الوسيط بين عصرين كبيرين، بينهما تمايزات معرفية وواضحة مع الحقب التاريخية التي بعدهما وما قبلهما، وهما الحقبة الزمنية الطويلة التي تفصل بين العصر الإسلامي، وعصر الدولة السعودية الأولى. فبقي العصر الوسيط بينهما مجهولاً ومهملاً، ولكنه واضح الملامح والسمات لمن يمتلك أدوات منهجية جديدة.

أولاد يلهون قرب سور من أسوار الأحساء يظهر جانباً من الحياة اليومية (الشرق الأوسط)

وبالتالي عند الحديث عن بعض أوجه الحياة الشعبية المعاصرة، مثل: عادات الزواج، والعرضة أو رقصة الحرب وبعض الفنون والألعاب والأمثال الشعبية، والتراث غير المادي عامة، فإننا نتحدث عن منجزات المجتمع في العصر الوسيط؛ لأنها لا تنتمي للعصر الإسلامي الذي سبقها، ولا للتراث السلفي. فقامت الدولة السعودية على تراث موجود، واحتوته بدعم ثقافتها الرئيسة، والثقافات الفرعية التي تنتمي لمختلف المناطق والقبائل.

منجز حضاري للدولة الأولى

ولا شك أن مصادر الهوية الثقافية متعددة وتنبع من الذاكرة الجمعية المتراكمة على مدى أجيال، التي أطلق عليها الفيلسوف الفرنسي بيير بورديو «الهابيتوس». وبدأت معالمها بوضوح مع العصر الثمودي قبل 3 آلاف عام تقريباً، بممارسات الإنسان العادي وتفضيلاته للإبل والنخل والصيد مثلاً، وقد صدر مؤخراً كتاب «حضارة منقوشة على حجر... الشعب الثمودي» للتأكيد على الانتماء المكاني والثقافي.

كما سنّت القبائل العربية في الجاهلية بعض العادات والقيم، وجاء الإسلام وأضفى الروح الدينية ونبذ بعض قيم الجاهلية وعزّز بعضها الآخر، وكل عصر تاريخي يضفي شيئاً من التراث غير المادي.

كما أن منجزات الإنسان في الدولة السعودية الأولى تبرز بوضوح المعاني الاجتماعية والنفسية المثقلة بالبيئة الحية كالإنسان والحيوان والنبات، والبيئة غير الحية، كالجبال والأودية والرمال والنجوم والماء والمناخ، حيث انعكس تعامل الإنسان معها بوصفها كائنات حية، وخطّط بلدانه ونظم أشعاره وتصوراته عن العالم في محيطها.

«نجد... القصة الكاملة»

في دراسة العصر الوسيط نصل إلى قناعة كبيرة بأن المستقبل لا يمكن أن يفهم إلا بفهم التاريخ وتشخيص الواقع، بحسب الشقير. وذلك وفق مناهج بحثية متقدمة وقادرة على تجاوز ركام التضليل. ولإيمان الشقير بهذه الفلسفة، فقد انشغل 8 سنوات بدراسة المجتمع النجدي على مدى مئات السنوات، وأسماه مبدئياً «نجد... القصة الكاملة». ويقول: «حاولت الإمساك بالسلك الناظم للمجتمع عبر خط الزمن الطويل باستخدام مناهج وأساليب بحث جديدة، ووجدت نظريات جديدة على مستوى العالم العربي وليس المحلي فقط».

من أبرز الخلاصات أن المجتمع هو الأصل، وأن الدولة تكتسب رسوخها برعايتها للمجتمع وتعزيز قيمه وثقافاته الفرعية، وهذا ما حققته الدولة السعودية، ولم يحققه من كان قبلها.

كما أن سقوط الدولة العباسية في منتصف القرن السابع الهجري كان إيذاناً بنهوض حضارة نجدية غير مسبوقة. وهي أنه عندما ضعفت الدولة العباسية الثانية، منذ القرن الثالث الهجري وما بعده، تسبب هذا الوضع الجديد في إهمال منطقة نجد وكثير من مناطق جزيرة العرب، وبعد انهيار الحضارة الإسلامية في القرن السابع الهجري، كانت منطقة نجد تعيش عزلتها. لذلك لم تستفد من النهضة ولم تتأثر من السقوط، وكان تهميشها إيذاناً لها باستقبال زيادة كثيفة من السكان الذين يبحثون عن الأمان البعيد عن مناطق الصراع، والبدء ببناء نهضتها الخاصة بها بعدما أصبح العالم الإسلامي مشتتاً.

وبدأت منطقة نجد تعيش في مطلع القرن السابع الهجري طفرة سكانية واجتماعية واقتصادية وعمرانية غير مسبوقة، وتحولت إلى معمل ضخم لإنشاءات البلدان والقرى الزراعية وترميم شبكة الطرق وشقّ طرق جديدة. وربما كانت تلك أكبر عملية إنشاء حواضر في المنطقة العربية، وبالتالي فإن سقوط الدولة العباسية شكّل مرحلة مخاض عربية وإسلامية كبيرة، تركت فراغاً حاول المماليك ملأه، ثم العثمانيون. ولكن الدولة السعودية كانت الأوفر حظاً لتقبلها من العالم الإسلامي، لقوة العروبة والقرب المكاني من الحرمين الشريفين والوعي السياسي السعودي بهذا الفراغ.

وهذه الرؤية الجديدة من الأفكار الأساسية، على اعتبار أنها تنقض وجهات النظر السائدة حول التاريخ النجدي، بتحويل مؤشر النهضة النازل إلى مؤشر صاعد بمقاييس التحضر الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والديني، وتقدم نقداً لكثير من الآراء السائدة والمتداولة، وهنا جوهر الفرق بين النتائج المستندة إلى نقل النصوص المتداولة، والنتائج المستندة إلى دلائل وتحليل ومناهج بحث مبتكرة وموثوقة.

وعلى المستوى المصغر، فقد درس الشقير بعض المحاور وكتب عن؛ إسكان الغريب وتاريخ الفنادق في نجد، وتواريخ الغرفة، والباب، والإضاءة، والقيمة المضافة وأجرة العامل والضريبة، وتحليل المجتمع من الفتاوى والشعر الشعبي والأساطير الشعبية، واستنطاق المعاني والرموز الاجتماعية المرفقة بها.

الدرعية تجمع هوية المجتمع السعودي

يحمل الاهتمام بقضايا الهوية والتراث قيمة مضافة ومستدامة تصبّ في مشروع متكامل. فالشعوب التي تمتلك المخزون التاريخي والحضاري الحي، يمكنها الصمود أمام الأزمات فتستمد قوتها المعنوية من تاريخها.

ولدى مناطق المملكة مخزون حضاري وتراث كبير شامل لكافة عصورها التاريخية وجميع مناطقها؛ فهي تمتلك منتجاً لغوياً وتراثاً أدبياً كبيراً في الجاهلية، ومساهمة في الفتوحات الإسلامية في صدر الإسلام، وهذه لا تزال محفوظة على رغم أنها تتعرض للاستلاب التاريخي والفني والإعلامي، كما حققت حضارة عمرانية ومنظومة قيمية في العصر الوسيط، وهذه ما زالت مجهولة.

ولهذه التداعيات التاريخية والسياسية، يرى الشقير أن الدرعية ما زالت تمتلك روحاً مشعة تجمع هوية المجتمع السعودي، كما كانت عليه في زمن الدولة السعودية الأولى، ولا يستبعد أن تعود عاصمة للدولة كما كانت، ويعاد دمجها وفق مخطط تاريخي ثقافي أوسع لعواصم الدولة التاريخية، وأن تشكل توأمة مع يوم التأسيس الذي انطلق عام 1139هـ - 1727م ليحكي قصة تاريخ متصل منذ 6 قرون.

ويمتلك الشقير منتجاً معرفياً قيماً وعشرات من الدراسات والأبحاث التي تجمع بين الاجتماع والتاريخ والإنثروبولوجيا، فجمع تلك الخبرات ووظفها في دراسة المجتمع السعودي. وعن ذلك، يقول: «في الواقع بدأت مسيرتي الفكرية واهتمامي بالتطور التاريخي للمجتمع منذ نشأتي. وكنت كثير الترحال بين مناطق المملكة ومجالسة الرواة والأعيان في كل بلد أزوره، وقراءة تاريخها وتراثها وأدبها، وقد كتبت كثيراً عن المجتمع، ولكن لفت انتباهي في السنوات الأخيرة ظهور أجيال من القراء المنصهرين في التراث الأدبي العالمي، يتابعون بشغف الروايات والقصص الأميركية والأوروبية والروسية وما فاز منها بجائزة نوبل للأدب وغيرها. وراهنت على أن تراثنا المحلي وأدبنا الشعبي هو بوابة العبور للعالمية. وسبق لكثير من الباحثين أن أكدوا على أن العالمية تبدأ من المحلية، وبدأت في الكتابة عن العادات والظواهر المنغرسة في المجتمع، وكل ما يبدو أنه لا يستحق التحليل، وحققت قبولاً بين أجيال الشباب السعودي، وأخبرني بعضهم أنه عاد لقراءة الروايات السعودية، وبعضهم عاد لقراءة الأساطير الشعبية والأدب الشعبي، وهم مندهشون لما في مجتمعهم مما يوازي الأدب العالمي من الإبداع».


مقالات ذات صلة

«راعي الأجرب»... دراما ملحمية تستعرض قصة مؤسس الدولة السعودية الثانية

يوميات الشرق «راعي الأجرب» فيلم قصير عن إمام سطّر قصة النور في الليالي المظلمة بشجاعة (وزارة الإعلام)

«راعي الأجرب»... دراما ملحمية تستعرض قصة مؤسس الدولة السعودية الثانية

«وأنا والله تركي... ردّاد أرضي»... يستعرض الفيلم التاريخي القصير «راعي الأجرب»، قصة الإمام تركي بن عبد الله مؤسس الدولة السعودية الثانية قبل أكثر من 200 عام.

جبير الأنصاري (الرياض)
رياضة سعودية صورة معبرة بثها نادي الهلال من أرضية ملعب المملكة أرينا (نادي الهلال)

«الرياضة السعودية» تحكي للعالم قصة 3 قرون من التاريخ المجيد

ارتدت الأندية والملاعب السعودية، أمس، حلة الفرح والاحتفال بذكرى تأسيس المملكة، لتكمل مظاهر البهجة والافتخار بهذا اليوم التاريخي، الذي يوافق الـ22 من فبراير.

فهد العيسى (الرياض)
الخليج خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (واس)

الملك سلمان: «يوم التأسيس» احتفاء بمسيرة الاستقرار والتلاحم

قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، الخميس، إن بلاده تحتفي في «يوم التأسيس» بمسيرة استقرار الدولة، وتلاحم القيادة مع الشعب.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد ميناء العقير التاريخي في الأحساء (شرق السعودية) الذي شهد انطلاقة تأسيس الحركة التجارية في البلاد (واس)

شرق السعودية... بداية تأسيس حركة التجارة مع العالم

انطلقت التجارة السعودية منذ بداية تأسيس الدولة عام 1727م، من شرق البلاد، وتحديداً مركز التجارة في الهفوف.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
رياضة سعودية الكرواتي بيليتيتش في لقطة مع جمل من قلب ملعب الفتح (نادي الفتح)

الرياضة السعودية تواكب احتفالات «التأسيس» بالعرضة والأزياء التراثية

احتفت الأندية السعودية، أمس الأربعاء، بذكرى يوم التأسيس للدولة السعودية، وأقامت احتفالات متنوعة بهذه المناسبة التي تصادف الـ22 من فبراير (شباط) كل عام.

فهد العيسى (الرياض) علي القطان (الدمام) علي العمري (جدة)

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
TT

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)

عندما بدأت عملية «طوفان الأقصى» ونشوب الحرب في غزة، كانت إيران تواجه تداعيات الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة إثر وفاة الشابة مهسا أميني، التي جعلت خريف 2022 الأكثر دموية في الداخل الإيراني.

اندلعت الحرب في قطاع غزة، في لحظة محورية بالنسبة لمؤسسة المرشد الإيراني؛ حيث زادت الضغوط الدولية عليه بسبب قمع الاحتجاجات الداخلية، وإرسال الطائرات المسيّرة إلى روسيا، مع وصول المفاوضات النووية إلى طريق مسدود.

ومنذ الموقف الرسمي الأول، رأت طهران أن هجوم حركة «حماس» هو «رد فعل طبيعي وحركة عفوية على السياسات الحربية والاستفزازية والإشعال المتعمّد للصراعات من قبل رئيس الوزراء المتطرف والمغامر لإسرائيل».

دأب المسؤولون الإيرانيون على نفي أي دور في اتخاذ قرار عملية «طوفان الأقصى»، لكن الحراك الدبلوماسي والسياسي أوحى بأن أركان الدولة، بما في ذلك الجهاز الدبلوماسي، كان على أهبة الاستعداد للتطور الكبير الذي يهز المنطقة.

بعد أقل من أسبوع على هجوم «طوفان الأقصى» بدأ وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان، أول جولاته الخمس على دول المنطقة قبل وفاته في 19 مايو (أيار)؛ بهدف عقد مشاورات مع مسؤولي دول الجوار ولقاءات تنسيقية قادة جماعات «محور المقاومة» وتوجيه رسائل إقليمية، وتوجه إلى العراق وواصل زيارته إلى دمشق، ومنها إلى بيروت، وانتهى المطاف في الدوحة.

وحينها وجهت إيران رسالة لإسرائيل، بأنها قد تواجه عدة جبهات إذا لم تتوقف عملياتها العسكرية في غزة.

ودفعت طهران باتجاه تعزيز صورة الجماعات المسلحة في المنطقة، والعمل على إضفاء الشرعية على دورها في دعم تلك الجماعات، مستغلة الأوضاع السياسية والاضطرابات الإقليمية.

اجتماع ثلاثي بين عبداللهيان وزياد النخالة أمين عام «الجهاد الإسلامي» وصالح العاروري رئيس مكتب حركة «حماس» في بيروت مطلع سبتمبر 2023 (الخارجية الإيرانية)

وشكل هذا الموقف المحطة الأولى لإيران. وترى طهران أنها نقلت جماعات «محور المقاومة» من نطاق محصور إلى نطاق «عالمي»، أو ما يسميه الدبلوماسيون الإيرانيون من «عالم المقاومة» إلى «المقاومة العالمية».

بذلك، انتقلت إيران، التي حاولت الحفاظ على مرحلة التهدئة مع جيرانها الإقليميين، إلى وضع هجومي فيما يتعلق بالجماعات المرتبطة بها، وهو ما يراه البعض انعكاساً لاستراتيجيتها على توسيع نفوذها ودورها في المنطقة.

على المستوى الرسمي، بعثت إيران برسالة للأوساط الدولية بأن تلك الجماعات مستقلة، وتملك قرارها بنفسها، وتصنع أسلحتها، لكن عدة مسؤولين وقادة عسكريين إيرانيين أشاروا في تصريحاتهم إلى دور الجنرال قاسم سليماني وقوات الوحدة الخارجية في «الحرس الثوري» بتسليح تلك الجماعات وتزويدها بتقنيات صناعة الأسلحة.

أما ثاني محطة لإيران بعد «طوفان الأقصى»، فقد بدأت بعد شهر من اندلاع الحرب في غزة؛ حيث دعا المرشد الإيراني علي خامنئي إلى ما وصفه بـ«قطع الشرايين الاقتصادية» لإسرائيل، خصوصاً ممرات النفط والطاقة. ومنها دخلت الجماعات المرتبطة بطهران، وجماعة «الحوثي» تحديداً على خط الأزمة، وشنّت هجمات على سفن تجارية على مدى أشهر، أثرت على حركة الملاحة في البحر الأحمر.

كما باشرت الميليشيات والفصائل العراقية الموالية لإيران، هجمات بالطائرات المسيّرة على إسرائيل والقواعد الأميركية على حد سواء.

وبدأ الجيش الأميركي رده بعدما تعرضت له قاعدة في الحدود السورية بالرد على هجمات طالت قواته، مستهدفاً مواقع للفصائل المسلحة.

على المستوى السياسي، أصرت طهران على وضع شروط الجماعات الحليفة معها أولاً لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومنها أبدت معارضتها لأي تسويات دولية، خصوصاً إحياء مقترح «حل الدولتين». وفي ديسمبر (كانون الأول)، قال وزير الخارجية الإيراني إن رفض «حل الدولتين» نقطة مشتركة بين إيران وإسرائيل.

المحطة الثالثة: بموازاتها باشرت إسرائيل بشن هجمات هادفة ضد القوات الإيرانية في سوريا، واستهدفت رضي موسوي مسؤول إمدادات «الحرس الثوري» في سوريا في ديسمبر، وبعد شهر، أعلن «الحرس الثوري» مقتل مسؤول استخباراته هناك، حجت الله أميدوار، لكن أقوى الضربات جاءت في مطلع أبريل (نيسان) عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية اجتماعاً لقادة «الحرس» في مقر القنصلية الإيرانية، وقتلت أرفع مسؤول عسكري إيراني في سوريا ولبنان، الجنرال محمد رضا زاهدي.

المرشد الإيراني علي خامنئي يؤم صلاة الجنازة على جثامين زاهدي وجنوده في حسينية مكتبه 4 أبريل 2024 (أ.ف.ب - موقع المرشد)

أما المحطة الإيرانية الرابعة، فقد وصلت إيران فيها إلى حافة الحرب مع إسرائيل، عندما ردت على قصف قنصليتها، بشن أول هجوم مباشر من أراضيها على الأراضي الإسرائيلية بمئات الصواريخ والمسيّرات.

ورغم تأكيد الجانب الإسرائيلي على صد الهجوم الإيراني، فقد وجهت ضربة محدودة لإيران باستهداف منظومة رادار مطار عسكري في مدينة أصفهان، قرب منشأة نووية حساسة.

وزادت المواجهة من احتمال تغيير مسار البرنامج النووي الإيراني، مع تكاثر الحديث في طهران عن ضرورة التوصل لأسلحة رادعة، وأيضاً التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.

امرأة غير محجبة تمر أمام لافتة دعائية للصواريخ الإيرانية في ساحة «ولي عصر» وسط طهران 15 أبريل الماضي (رويترز)

المحطة الإيرانية الخامسة، جاءت بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في حادث تحطم مروحية قرب الحدود الأذربيجانية. وسارعت السلطات الإيرانية لنفي نظرية المؤامرة، مستبعدة بذلك أي احتمالات لتعرض أرفع مسؤول تنفيذي في البلاد لضربة إسرائيلية. وأصدرت هيئة الأركان بعد نحو 3 أشهر على مقتل رئيسي، تأكيداً بأن مروحيته سقطت نتيجة ظروف مناخية، رغم أنها لم تُجِب عن كل الأسئلة.

عبداللهيان خلال اللقاء الذي جمعه بنصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية فبراير الماضي (إعلام «حزب الله»)

وفي هذه المرحلة، توسعت الحملة الإيرانية، مع دخول الموقف السياسي الإيراني مرحلة السبات فيما يخص تطورات الحرب في غزة، نظراً لانشغال السلطات بالانتخابات الرئاسية، والسعي لتشكيل حكومة جديدة.

وخلال حملة الانتخابات الرئاسية، تجنب المرشحون للانتخابات إثارة القضايا المتعلقة بحرب غزة والدعم الإيراني. على الرغم من الانتقادات الداخلية لتأجيل القضايا الإيرانية الملحة مثل رفع العقوبات وتعطل المسار الدبلوماسي لإحياء الاتفاق النووي.

وكان لافتاً أن تصريحات المرشحين بمختلف توجهاتهم لم تذهب أبعد من الإشادة بالبرنامج الصاروخي، وتوجيه الضربة لإسرائيل، والتعهد بتعزيز معادلات الردع.

المحطة السادسة: بمراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في 30 يوليو (تموز)؛ إذ شهدت طهران أكبر تحول في حرب غزة، ألا وهو اغتيال رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنية، في مقر تابع لـ«فيلق القدس» في شمال طهران.

هنية ونائب الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني ورئيس حركة «الجهاد الإسلامي» والمتحدث باسم الحوثيين في مراسم القسم الدستوري للرئيس الإيراني بطهران 30 يوليو الماضي (رويترز)

وتعهد المرشد الإيراني علي خامنئي حينها بالرد على «انتهاك السيادة الإيرانية» واغتيال «ضيف إيران»، وتنوعت نبرة ومفردات التهديد بين مسؤولين سياسيين وقادة عسكريين. وشدد المسؤولون الإيرانيون على حتمية الرد مع تقدم الوقت وتراكم الشكوك بشأن رد إيران.

وأثار اغتيال هنية في طهران الكثير من التساؤلات حول طبيعة العملية، خصوصاً مع وجود الاختراقات.

موكب تشييع إسماعيل هنية في طهران يوم 1 أغسطس الماضي (أ.ب)

المحطة السابعة: كان عنوانها تفجيرات أجهزة «البيجر»، بالتزامن مع رسالة تهدئة من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خصوصاً مع الولايات المتحدة، وشملت إسرائيل.

وقبل أن يتوجه إلى نيويورك، قال بزشكيان في مؤتمر صحافي إن بلاده لا تريد أن تكون عاملاً لزعزعة الاستقرار في المنطقة، ولا تريد تصدير الثورة، مبدياً استعداده للانفتاح على واشنطن، إذا أثبتت أنها ليست معادية لطهران، وذهب أبعد من ذلك عندما استخدم وصف «الأخوة الأميركية».

واصل بزشكيان هذه النبرة في لقاءات على هامش حضوره أعمال الجمعية العامة في نيويورك، وقال: «إيران مستعدّة لوضع أسلحتها جانباً إذا وضعت إسرائيل أسلحتها جانباً»، حسب تسجيل صوتي انتشر من اللقاء نفسه. وقال إن تأخير الرد الإيراني على اغتيال هنية هو تلقي بلاده رسائل بأن اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» سيُبرم خلال أسبوع، مبدياً انزعاجه من عدم التوصل للاتفاق واستمرار الهجمات الإسرائيلية.

خامنئي يلقي خطاباً أمام مجموعة من أنصاره وفي الخلفية صورة نصر الله (موقع المرشد)

وقلل بزشكيان من قدرة «حزب الله» على مواجهة إسرائيل وحده، وهو ما مزق الصورة التي رسمها مسؤولون مقربون من المرشد علي خامنئي.

وزاد موقف بزشكيان وكذلك الفرضيات بوجود اختراق في هجمات «البيجر»، واستهداف قادة «حزب الله»؛ من الشكوك في طهران بوجود اختراقات للجبهة الإيرانية، وعززت أيضاً مخاوف داخلية من وجود اختراقات.

المحطة الثامنة والخطيرة، بدأت باغتيال الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، ثاني أهم لاعب للاستراتيجية الإقليمية الإيرانية، بعد الجنرال قاسم سليماني، خلال 35 سنة من حكم المرشد علي خامنئي. كما أدت الغارة الجوية الإسرائيلية على مقر نصر الله، إلى تسجيل ثاني خسائر «الحرس الثوري» الكبيرة منذ «طوفان الأقصى»، وهو نائب قائد غرفة العمليات، الجنرال عباس نيلفروشان.

ويحظى نصر الله بأهمية كبيرة لدى حكام إيران وخصوصاً الأوساط المحافظة، لدرجة تداول اسمه في بعض الفترات لتولي منصب المرشد الإيراني بعد خامنئي بوصفه «ولي الفقيه»، ولو أن الترشيح بدا مثالياً لأنه ليس مسؤولاً إيرانياً، فسيكون مرفوضاً من غالبية الأطراف السياسية.

نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض الصواريخ الآتية من إيران (رويترز)

ورداً على اغتيال هنية في عمق الأراضي الإيرانية، ونصر الله، ونيلفروشان، وجهت إيران هجومها الصاروخي الثاني المباشر على إسرائيل، في خطوة هدّدت إسرائيل بالرد عليها مع التلويح ببنك أهداف غير محدودة تشمل مصافي النفط ومحطات الوقود وأيضاً المنشآت النووية والعسكرية، ما يجعل الأزمة بين إسرائيل وإيران مفتوحة على كل الاحتمالات.