الحفيد السابع لكبير بنائي قصور الدرعية يشرح سمات مؤسس السعودية

يوسف بن حزيم لـ«الشرق الأوسط»: تحولات سياسية وثقافية استدعت ولادة دولة مركزية في المملكة

أحد القلاع والحصون التي استخدمت لحماية المدن والقرى (الشرق الأوسط)
أحد القلاع والحصون التي استخدمت لحماية المدن والقرى (الشرق الأوسط)
TT

الحفيد السابع لكبير بنائي قصور الدرعية يشرح سمات مؤسس السعودية

أحد القلاع والحصون التي استخدمت لحماية المدن والقرى (الشرق الأوسط)
أحد القلاع والحصون التي استخدمت لحماية المدن والقرى (الشرق الأوسط)

أكد باحث سعودي في التاريخ وتحديداً تاريخ الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى التي انطلقت منها أكبر دولة مركزية في الجزيرة العربية أن أحد عوامل صناعة القادة الأبطال بعد نظرية «السمات الشخصية ونداء الزمان»، هو «ظرف المكان»، وما حدث فيه من تحولات جيوسياسية وأنثروبولوجية تستدعي ولادة دولة مركزية. فقد سئم الناس من غياب سلطة القانون والتناحر المحلي وفقدان الأمن والاقتصاد ناهيك عن التغير السوسيولوجي الكبير تدريجياً حتى قيام دولة.

وأوضح الدكتور يوسف بن عثمان بن حزيم في حوار مع «الشرق الأوسط»، بمناسبة يوم التأسيس، أن عهد الإمام محمد بن سعود لم يكن عهداً سياسياً ودينياً فحسب وإنما هو ميلاد أمة على يد آباء مؤسسين سيدوم عقدهم الاجتماعي ثلاثمائة عام ولا يزال. وهذا ما يسمى بالتحولات الكبرى في التاريخ بعدما أثّر هذا الانقلاب في الاجتماع السياسي على مجمل العالم الإسلامي وبلغ ذروته في دوره الثالث مع الملك عبد العزيز وأبنائه الملوك من بعده سعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله، ثم عهد الملك سلمان بن عبد العزيز وعنوانه الكبير: التجديد وإعادة البناء.

جدير بالذكر أن الباحث الدكتور يوسف بن حزيم هو الحفيد السابع لكبير بنائي قصور الطريف محمد الحزيمي الذي كان أحد وجهاء الدرعية ثم أخرجوا منها إلى منفوحة بعد جسارتهم وبلائهم في الدفاع عنها عام 1234هـ بعد الغزو البربري التركي.

خارطة الطريف وتبدو فيها المعالم الرئيسية للمنطقة (الشرق الأوسط)

ولدى سؤاله عن كيفية تمكن الإمام محمد بن سعود من تأسيس هذا الكيان الكبير الذي أصبح اليوم لاعباً مؤثراً في العالم، قال الدكتور بن حزيم «إن الإمام محمد بن سعود وعشيرة آل سعود هم نتاج روح الجماعة التي سكنت وادي حنيفة منذ عام 850هـ/1446م مع عودة الجد مانع، ومن تلك الروح القيادة والتأثير والجسارة والحكم خلال 600 عام». وأضاف «بل تجد أن فرعاً منهم، آل وطبان، خرجوا منفيين بعد تولي الأمير محمد بن سعود الإمارة عام 1139هـ إلى بلد الزبير بالعراق. ثم نجدهم يحكمون ناهيك عن تمددهم الدائم في جزيرة العرب حتى أصبحوا حجر أساس فيها».

وبحسب جوستاف لوبون فإن الجماعات بالمعنى المتعارف عليه هي لفيف من القوم مطلقاً وإن اختلفوا جنساً وحرفة ذكوراً كانوا أو إناثاً وعلى أي نحو اجتمعوا. أما في علم النفس، فلها معنى آخر، ففي بعض الظروف يتولد في جمع من الناس صفات تخالف كثيراً صفة الأفراد، حيث تختفي الذات الشاعرة وتتوجه مشاعر الأفراد نحو صوب واحد؛ فتتولد من ذلك روح عامة.

وبحسب بن حزيم، فإن حركاتنا المقصودة لنا أو الشعورية هي مجموع أسباب لا شعورية متولدة على الأخص من تأثير الوراثة فينا، وهذا المجموع يشتمل على بقايا الآباء والأجداد التي لا يحصيها العد، ومنها تتألف روح الشعب أو الأمة التي نحن منها.

القائد يصنع ظرفه

وحول ما إذا كان الزمان والجغرافيا هما ما يستدعيان القائد، أم أن ثمة عوامل محددة صنعت البطل الإمام المؤسس محمد بن سعود قال بن حزيم «في دراسات علم الإدارة والقيادة يُطرح سؤال حول المتسبب في ظهور البطل القائد. هل هي سماته الشخصية؟ أم غير ذلك؟ لو أن الأمر كذلك، لما حُرمت شخصيات قيادية مرت علينا من تسلم القيادة والمناصب والتأثير. إنما لم تكن ساعتهم أو قل، زمنهم».

وبحسب بن حزيم يذهب آخرون إلى القول بأن القائد يصنع ظرفه بغضِّ النظر عن زمنه أو أن ظرف الزمان تأثيره محدود، وما نحن بصدده في هذا البحث: هل ظهور وبروز الإمام محمد بن سعود كان سببه سماته الشخصية أم زمنه الذي استدعاه.

صورة لأحد الأسواق القديمة (الشرق الأوسط)

يقول المفكر السعودي تركي الحمد «مفكرون مثل توماس كارليل - ولعل عباس محمود العقاد من أبرز أتباع مدرسته في عالمنا العربي - يرون أن التاريخ لا يمكن أن يكون ما كان لولا العظماء من الأفراد. فالبطل، أو الفرد الفذ، عند كارليل، هو المسيّر الأوصى للتاريخ وما كان للإنسان أن ينجز ما أنجزه في التاريخ لولا هؤلاء الأفذاذ الأبطال».

ثم يقول «عند مفكرين آخرين، مثل كارل ماركس - ولعل حسين مروة والطيب تيزيني من أبرز ممثلي تياره في عالمنا العربي - نجد توجهاً مختلفاً تماماً، فالفرد هنا لا قيمة له في التاريخ. فالقوى التي تُسيّر التاريخ ليست الفرد والأبطال، بقدر ما هي قوانين وآليات تاريخية موضوعية وإن كانت مادية الجوهر تسيّر الأفراد والمجتمعات ولا تتأثر في النهاية بحياة الأفراد أو بوجود هذا البطل من عدمه».

ويرى بن حزيم أنه بين هذين التيارين المبجل للفرد من ناحية والمُهمّش له من ناحية أخرى نجد تياراً يمكن القول إنه يمثّل الوسط والوسطية في هذا المجال كمثل جورج فيلهلم هيفل - ولعل الدكتور إمام عبد الفتاح إمام من أبرز ممثلي فلسفته في العالم العربي - . فالفرد هنا فاعل في التاريخ وغير فاعل في الوقت ذاته ولا تناقض بين القولين والظروف هي التي تصنع البطل ولكنه أيضاً يصنع الظروف.

ظرف المكان وصناعة القائد

العامل الثالث من عوامل صناعة القادة الأبطال بعد نظرية السمات الشخصية ونداء الزمان، بحسب بن حزيم، هو ظرف المكان وما حدث فيه من تحولات جيوسياسية وأنثروبولوجية ثقافية تستدعي ولادة دولة مركزية بعدما سئم الناس من غياب سلطة القانون والتناحر المحلي وضياع وفقدان الأمن والاقتصاد ناهيك عن التغير السوسيولوجي والتحول الكبير نحو قيام الدولة.

أحد القلاع والحصون التي استخدمت لحماية المدن والقرى (الشرق الأوسط)

ويقول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز: «بعد ظهور الدولة الأموية وانتقال العاصمة من المدينة إلى دمشق ثم بغداد في عهد الدولة العباسية، دخلت الجزيرة العربية عصراً مختلفاً عن عصرها الزاهي الأول؛ حيث انتشرت فيها الفوضى، وغابت الدولة، وظهرت إمارات متعددة اشتغلت بقتال بعضها بعضاً، وأصبح الحاج لا يأمن على نفسه في طريقه لأداء ركن مهم من أركان الإسلام. وعاشت الجزيرة العربية قروناً من قرون الظلام أصبحت بعيدة عن الأحداث التاريخية في عصرها الحديث، ولم تعد مركزاً للاهتمام والعناية، سوى القدوم إليها للحج أو زيارة الأماكن المقدسة مع المخاطر الشديدة. وأصبح قلب الجزيرة العربية منعزلاً عن العالم من حوله، منقسماً إلى إمارات متناحرة يعيش في غالبه حياةً ملأى بالخرافة وانعدام الوحدة التي عاشتها الجزيرة العربية في أيام الدولة الإسلامية الأولى، وأصبحت كل بلدة يحكمها فرد ينازعه آخر، وأصبحت القبيلة في حروب ضد الأخرى، وغابت الولاية وانعدم الأمن، لقد أصبح في كل إقليم دولة، وفي كل قبيلة دولة، وداخل كل دولة من هذه دول متنافرة ومتناحرة، بسبب غياب الدولة المركزية القائمة على راية الدين كما حدث في العهد النبوي وعهد الخلفاء الراشدين».

التحولات الكبرى... القوة النافذة

وبالسؤال عن القوة النافذة التي تخلق التحولات كما فعل الإمام محمد بن سعود وأبناؤه وأحفاده والمؤسسون والملوك خلال مراحل الدولة الثلاث يقول بن حزيم: يمكن التأكيد على أن عهد الإمام محمد بن سعود لم يكن عهداً سياسياً ودينياً فحسب بل هو ميلاد أمة على يد آباء مؤسسين سيدوم عقدهم الاجتماعي بعدها ثلاثمائة عام ولا يزال. وهذا ما يسمى بالتحولات الكبرى في التاريخ بعدما أثّر هذا الانقلاب في الاجتماع السياسي على مجمل العالم الإسلامي وبلغ ذروته في دوره الثالث مع الملك عبد العزيز وأبنائه الملوك من بعده سعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله، ثم عهد الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله-، الذي عنوانه الكبير: التجديد وإعادة البناء.

وبحسب بن حزيم، فإن القوة النافذة هي التي تنبثق من فكرة فلسفية عقلانية دافعها مقتضى الحاجة أو الألم أو الأمل، فكيف إذا ترافقت بصبغة دينية لتشكل أيديولوجيا يعرّف فيها الإنسان والمجتمع والسلطة نفسه والآخر، ثم يضع رؤاه للمستقبل لتكوين مشروع استقرار وتنمية وازدهار.

وقال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز: «ما قامت به الدولة السعودية أشار إليه المؤرخ الاجتماعي عبد الرحمن بن خلدون في رؤيته التاريخية العامة حين قال إن العرب لا يحصل لهم ملك إلا بصبغة من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم على الجملة، وهذا هو الذي تحقق حيث قامت الدولة السعودية على أساس هذه الصبغة وكان لها الأثر الكبير من حيث الأمن والاستقرار والازدهار».


مقالات ذات صلة

«راعي الأجرب»... دراما ملحمية تستعرض قصة مؤسس الدولة السعودية الثانية

يوميات الشرق «راعي الأجرب» فيلم قصير عن إمام سطّر قصة النور في الليالي المظلمة بشجاعة (وزارة الإعلام)

«راعي الأجرب»... دراما ملحمية تستعرض قصة مؤسس الدولة السعودية الثانية

«وأنا والله تركي... ردّاد أرضي»... يستعرض الفيلم التاريخي القصير «راعي الأجرب»، قصة الإمام تركي بن عبد الله مؤسس الدولة السعودية الثانية قبل أكثر من 200 عام.

جبير الأنصاري (الرياض)
رياضة سعودية صورة معبرة بثها نادي الهلال من أرضية ملعب المملكة أرينا (نادي الهلال)

«الرياضة السعودية» تحكي للعالم قصة 3 قرون من التاريخ المجيد

ارتدت الأندية والملاعب السعودية، أمس، حلة الفرح والاحتفال بذكرى تأسيس المملكة، لتكمل مظاهر البهجة والافتخار بهذا اليوم التاريخي، الذي يوافق الـ22 من فبراير.

فهد العيسى (الرياض)
الخليج خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (واس)

الملك سلمان: «يوم التأسيس» احتفاء بمسيرة الاستقرار والتلاحم

قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، الخميس، إن بلاده تحتفي في «يوم التأسيس» بمسيرة استقرار الدولة، وتلاحم القيادة مع الشعب.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد ميناء العقير التاريخي في الأحساء (شرق السعودية) الذي شهد انطلاقة تأسيس الحركة التجارية في البلاد (واس)

شرق السعودية... بداية تأسيس حركة التجارة مع العالم

انطلقت التجارة السعودية منذ بداية تأسيس الدولة عام 1727م، من شرق البلاد، وتحديداً مركز التجارة في الهفوف.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
رياضة سعودية الكرواتي بيليتيتش في لقطة مع جمل من قلب ملعب الفتح (نادي الفتح)

الرياضة السعودية تواكب احتفالات «التأسيس» بالعرضة والأزياء التراثية

احتفت الأندية السعودية، أمس الأربعاء، بذكرى يوم التأسيس للدولة السعودية، وأقامت احتفالات متنوعة بهذه المناسبة التي تصادف الـ22 من فبراير (شباط) كل عام.

فهد العيسى (الرياض) علي القطان (الدمام) علي العمري (جدة)

«المدرسة العالمية للاجئين»: بصيص أمل وسط الحروب والنزوح

TT

«المدرسة العالمية للاجئين»: بصيص أمل وسط الحروب والنزوح

تلامذة سوريون يلعبون خلال الاستراحة في باحة مدرستهم في مخيم للاجئين في أعزاز قرب الحدود التركية (غيتي)
تلامذة سوريون يلعبون خلال الاستراحة في باحة مدرستهم في مخيم للاجئين في أعزاز قرب الحدود التركية (غيتي)

وسط الكوارث الإنسانية الناجمة عن الحروب والنزاعات، لا يزال هناك أمل تعيده مبادرات إنسانية لمن فقدوه. من بين هذه المبادرات تبرز «المدرسة العالمية للاجئين» (World Refugees School)، التي أطلقها الأردني وليد تحبسم عام 2016، لتصبح نموذجاً ناجحاً في مجال تعليم اللاجئين؛ فهي لا تقتصر على محو الأمية، بل تسعى لتقديم تعليم شامل يتيح للاجئين استكمال مراحلهم التعليمية بشهادات معتمدة دولياً؛ ما يعيد الأمل لملايين الطلاب المحرومين من التعليم.

بداية الفكرة لقاء غير متوقع

كانت البداية مع لقاء جمع وليد تحبسم، وهو أحد رواد قطاع تقنية المعلومات في الأردن، مع متبرع أميركي في كاليفورنيا، أراد أن يساهم في تعليم اللاجئين السوريين بعد اندلاع الاحتجاجات في سوريا عام 2011. أراد المتبرع تمويل تعليم 25 طالباً فقط، لكن تحبسم رأى فرصة أكبر. فبدلاً من تعليم مجموعة صغيرة من الطلاب، طرح فكرة يمكن أن تشمل ملايين اللاجئين حول العالم.

يقول تحبسم: «كانت فكرة تقديم تعليم شامل وليست مجرد دورة تدريبية أو محو أمية. التعليم الرسمي هو السبيل لتغيير حياة اللاجئين وتحقيق أحلامهم في مستقبل أفضل».

وبحسب الدراسات التي أجرتها المجموعة، يصل متوسط فترة لجوء الفرد إلى 17 عاماً، بينما يحتاج اللاجئ إلى نحو 7 سنوات ليشعر بالاستقرار المؤقت. في هذه المدة، غالباً ما يخرِج الأطفال والشباب من النظام التعليمي الرسمي؛ ما يترك فجوة تعليمية تهدد مستقبلهم. هنا برزت الحاجة إلى نظام تعليمي يواكب طبيعة حياة اللاجئين المتنقلة ويوفر لهم فرصاً تعليمية مستدامة.

التلميذة السورية فاطمة الاحمد فقدت رجلها في قصف على إدلب وتقطع يومياً مسافة 3 كلم للوصول إلى التعليم (غيتي)

دعم سعودي ودولي

كان للدعم السعودي دور كبير في نجاح المبادرة، حيث ساهمت المملكة بمبادرات تعليمية أخرى، مثل نظام «نور» الذي يدير المنظومة التعليمية لخدمة أكثر من 6.5 مليون طالب في السعودية.

«الدعم السعودي لم يكن مادياً فقط، بل كان رؤية استراتيجية تركز على أهمية التعليم كونه أولوية إنسانية»، يقول تحبسم.

ويعيد تحبسم الفضل في ذلك إلى لقاء جمعه بالأمير فيصل بن عبد الله، قائلاً «كان الأثر الأكبر في التفكير كيف يمكن البناء على ما تم إنجازه في قطاع التعليم من خلال الشراكة الحقيقية ما بين القطاعين العام والخاص، حيث كانت قضية دعم اللاجئين حول العالم من أهم مخرجات هذا الاجتماع».

الأمير فيصل بن عبد الله

في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» قال الأمير فيصل بن عبد الله، إنه «في ظل الظروف الصعبة التي يعاني منها أشقاؤنا اللاجئون في فلسطين وغيرها من الدول المنكوبة، لمواجهة الأزمات الإنسانية التي تتفاقم يوماً بعد يوم، نجد أنه من المهم جداً دعم حق كل طفل في الحصول على تعليم آمن وجيد؛ كونه حجر الأساس لبناء مستقبل أفضل».

وأضاف الأمير أن مدرسة اللاجئين العالمية تمثل نموذجاً مُلهماً للدور الذي يمكن أن يلعبه التعليم في تخفيف معاناة الأطفال والشباب اللاجئين، وتجديد الأمل في نفوسهم.

وقال: «إن دعمنا هذه المدرسة ومبادراتها التعليمية هو واجب أخلاقي وإنساني نلتزم به لتعزيز فرص التعلم وتقديم يد العون لكل طفل يتطلع إلى مستقبل أفضل رغم التحديات».

وأضاف الأمير: «نؤمن بأن الاستثمار في التعليم ليس مجرد استجابة عاجلة للأزمات، بل هو استثمار طويل الأمد في تحقيق السلام والعدالة والتنمية المستدامة». ومن هذا المنطلق، دعا الأمير المجتمع الدولي والمؤسسات الإنسانية إلى الوقوف صفاً واحداً لدعم هذه الجهود وضمان حصول كل طفل لاجئ على حقه في التعليم.

وقال: «ستبقى الرسالة واضحة في عدم ادخار أي جهد في سبيل دعم اللاجئين أينما كانوا، خصوصاً في هذه الظروف العصيبة التي تتطلب من الجميع الوقوف بمسؤولية إنسانية تجاههم».

أطفال فلسطينيون يحضرون صفاً أقامته معلمة سابقة وأم من رفح لتعليم الأولاد في مركز نزوحهم بإحدى مدارس خان يونس (أ.ف.ب)

التعليم لمكافحة التطرف

يشدّد تحبسم على أهمية التعليم في الحد من الأفكار السلبية التي قد تنشأ في بيئات اللجوء، ويقول: «التعليم ليس رفاهية، بل ضرورة لضمان عدم تحول الأطفال والشباب ضحايا للأفكار المتطرفة التي قد تملأ الفراغ في حياتهم».

وفي خضم الصراعات السياسية، غالباً ما يصبح اللاجئون ضحايا المصالح المتشابكة، لكن تحبسم يصرّ على أن التعليم يجب أن يظل بعيداً من التجاذبات السياسية، قائلاً: «هدفنا إنساني بحت، التعليم للجميع بغض النظر عن الخلفيات السياسية أو العرقية».

وتسعى «المدرسة العالمية للاجئين» إلى توسيع خدماتها لتشمل دولاً جديدة، في الشرق الأوسط وأفريقيا، كما تهدف إلى دعم الأنظمة التعليمية الرسمية في المناطق التي تعمل فيها، لتوفير تعليم مستدام للجميع.

لكن، على رغم الإنجازات الكبيرة، لا تزال المدرسة تواجه تحديات تمويلية كبيرة. ويقول تحبسم: «في ظل تركيز المنظمات الدولية على تقديم الطعام والمأوى، يبقى التعليم في مرتبة متأخرة. لكننا نؤمن بأنه الحل الجذري لبناء مستقبل أفضل».

وبالنسبة لوليد تحبسم وفريقه، فإن هذه المبادرة هي بمثابة الضوء في آخر النفق لملايين اللاجئين الذين ينتظرون فرصة لبناء حياة جديدة.

الطريق إلى الاعتراف الدولي

لم يكن الحصول على اعتماد دولي لشهادات «المدرسة العالمية للاجئين» أمراً سهلاً. استغرقت المبادرة ثلاث سنوات من البحث والتفاوض مع مؤسسات تعليمية مرموقة في بريطانيا. في النهاية، نجحت المدرسة في الحصول على الاعتمادية التي تمكّن طلابها من إكمال تعليمهم الجامعي في أي مكان في العالم.

«لم يكن الأمر سهلاً»، يقول تحبسم: «كنا في حاجة إلى إقناع الشركاء الدوليين بجدوى التعليم المدمج الذي يجمع بين التعليم الإلكتروني والحضوري. لكننا أثبتنا أن اللاجئين يستحقون فرصاً متساوية في التعليم».

طفل سوري متوجهاً إلى مدرسته في مخيم للاجئين في منطقة أعزاز قرب الحدود التركية (غيتي)

حلول مبتكرة لمناطق النزاع

قدمت «المدرسة العالمية للاجئين» حلاً عملياً يتمثل في وحدات تعليمية متنقلة (كرفانات) مزودة بالطاقة الشمسية، الإنترنت، ومرافق تعليمية كاملة. تم تصميم هذه الوحدات لتلبية احتياجات اللاجئين في المناطق النائية ومخيمات النزوح، مع ضمان تقديم تجربة تعليمية شبيهة بالتعليم النظامي.

«كان هدفنا توفير بيئة تعليمية مرنة تتكيف مع ظروف اللاجئين»، يقول تحبسم: «الوحدات المتنقلة ليست فقط مدارس، بل هي مراكز تعليمية تُعيد بناء الأمل في المجتمعات التي نخدمها».

الأرقام تتحدث

حتى اليوم، استفاد أكثر من 38 ألف طالب بشكل مباشر من خدمات المدرسة، وتخرج فيها 1800 طالب بشهادات معتمدة، بينما استفاد أكثر من 4.5 مليون شخص بشكل غير مباشر.

في محافظة إدلب السورية، نجحت المدرسة في تقديم التعليم لأكثر من 38 ألف طالب في ظروف غاية في الخطورة، حيث تم تخريج دفعات من الطلاب الذين حصلوا على شهادات معترف بها دولياً، وتم اعتماد البرنامج وشهاداته من قبل منظمة City & Guilds البريطانية.

و«المدرسة العالمية للاجئين» (World Refugees School) مدرسة عالمية تعنى بالتعليم الرسمي (Formal) المبني على مناهج دراسية عالمية ووطنية لجميع الفئات الطلابية المستهدفة، باستخدام التقنيات الرقمية في تعويض نقص الموارد التعليمية المتوفرة للطلبة اللاجئين والمهجرين، آخذين بعين الاهتمام الاختلاف في الموارد البشرية والمادية المتاحة لكل مجموعة منهم، وحقيقة تعرُّضهم للانتقال من دولة إلى أخرى، وبالتالي من نظام دراسي إلى آخر بشكل مستمر، إضافة إلى التعاون مع بعض أعرق المنظمات الدولية في اعتماد البرامج الدراسية، وتوفير اعتماد دولي لبرامجهم الدراسية وشهاداتهم.

ويتطلع القائمون على المبادرة إلى توظيف خبرات وتجارب «المدرسة العالمية للاجئين» (WRS) لتوصيل رسالة للأطفال الذين حرمتهم ويلات الحرب والدمار من نعمة التعليم والتعلم بإنشاء مبادرة خاصة لنشر رسالة «اقرأ» حول العالم انطلاقاً من غزة وانتهاءً بتأسيس وقف خيري يهدف إلى تعليم مليون طفل وطفلة محرومين من أبسط حقوقهم الإنسانية.