أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية

أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية
TT

أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية

أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية

تشهد تقنيات الـ«بلوك تشين» تغييرات هائلة تلقي بأثر كبير على قطاع الخدمات المالية؛ فالتمويل اللامركزي وعملات البنوك المركزية الرقمية تغيّر سبل إجراء المعاملات المالية وطريقة صياغة الخدمات وتقديمها. فهذه التقنيات لا تُحدث تحولاً جذرياً في قطاع الخدمات المالية التقليدي فحسب، بل تتيح آفاقاً جديدة لابتكارات خلاقة وتمهد الطريق نحو تعزيز الكفاءة وترسيخ الشمول المالي.

نمو التمويل اللامركزي

يمثل التمويل اللامركزي نقلة نوعية في عالم الخدمات المالية، ويقدم مستويات غير مسبوقة من اللامركزية، والكفاءة، وسهولة الوصول. وتقود هذه السمات الثورية التطور والنمو السريع للتمويل اللامركزي، وتغيّر بشكل عميق من سبل تفاعلنا مع خدمات الدعم المالي.

وفي مشروعات التمويل اللامركزي، يتصاعد زخم تجربة خيارات الحوكمة اللامركزية، حيث تمنح مثل هذه الإجراءات المستهلكين مزيداً من التحكم في عمليات تطوير وتوجيه منصات التمويل اللامركزي. وتجسد مثل هذه الخطوات جهوداً حثيثة نحو إضفاء طابع عادل على الخدمات المالية يضمن الإصغاء لآراء المستخدمين ومراعاتها ضمن المنظومة المالية بالكامل.

يزداد الاهتمام المؤسسي بالتمويل اللامركزي والعملات الرقمية بشكل ملحوظ؛ إذ تجذب العملات الرقمية شهية كبار اللاعبين لما تقدمه من عوائد كبيرة وقدرتها على حماية رؤوس الأموال من التضخم. ومن جانب آخر؛ بدأت تتضح الأطر التنظيمية لقطاع التمويل اللامركزي بشكل أكثر دقة، وهو ما يعدّ أمراً أساسياً في ضوء ما يشهده هذا القطاع من توسع مستمر وتوجه متنامٍ نحو تبني خدماته.

ويمثل وصول تقنيات «الويب 3.0» أمراً ملحوظاً في خضم السيناريوهات المتغيرة لقطاع التمويل اللامركزي؛ إذ تعزز هذه التقنيات من سبل تفاعل الناس من خدمات التمويل اللامركزي. لذلك نجد الشركات المتمرسة في هذا المضمار، تعمل على إطلاق إمكانات تقنيات «الويب 3.0» في سياق خدمات التمويل اللامركزي، لتحقيق التكامل بين كثير من المحافظ، لتتيح للمستخدمين الوصول لأصول التمويل اللامركزي، والتطبيقات اللامركزية، وأسواق الرموز غير القابلة للاستبدال، بسرعة وسهولة كبيرتين.

وينطوي مثل هذا المشروع على أهمية كبيرة لجعل التمويل اللامركزي أكثر سهولة في الاستخدام ومتاحاً بيسر كبير. ويعكس هذا المشهد المتغير الذي يضع خدمات التمويل اللامركزي في متناول كل من يحتاجه دون أي عوائق. كما أن محاولاتنا لتأسيس منظومة مزدهرة من الرموز غير القابلة للاستبدال والتشجيع بشكل شامل على استكشاف عالم «الويب 3.0» بشكل قائم على المكافآت، هي خطوات رئيسية نحو وضع خدمات التمويل اللامركزي في متناول الجميع، مع تعزيز قدرتها على تلبية شتى الاحتياجات.

تبني الـ«بلوك تشين» على المستوى المؤسسي

يكتسب استخدام الـ«بلوك تشين» على مستوى المؤسسات زخماً متصاعداً ضمن كثير من القطاعات؛ إذ باتت الشركات تعتمد على هذه التقنيات لتحسين عملياتها، وتعزيز موثوقيتها، وتبسيط إجراءاتها المعقدة. وهنا بعض السمات المهمة لهذا التوجه:

1- تمنح تقنيات الـ«بلوك تشين» الشركات القدرة على تتبع حركة البضائع، وتقديم الخدمات، وتدفق المعلومات، عبر تزويدها بأسلوب لامركزي واضح لتوثيق المعاملات. ويقود ذلك لتعزيز كفاءة وشفافية العمليات، ويحد من معدلات حدوث الخطأ والاحتيال.2- إن الثبات الذي تتمتع به تقنيات الـ«بلوك تشين» هو من مزاياها الرئيسية. فعند إضافة البيانات لشبكة الـ«بلوك تشين»، لا يمكن تغييرها دون الحصول على موافقات الشبكة بالإجماع. ولأنها تكفل نزاهة البيانات المخزنة، تعدّ هذه الميزة أمراً حيوياً للمؤسسات لتعزيز موثوقيتها بين الأطراف المعنية بأعمالها.

3- تعدّ العقود الذكية ذاتية التنفيذ؛ لأن محتوى العقود يوضع بشكل مباشر ضمن التعليمات البرمجية. وعند تلبية معيار محدد، تدخل أحكام العقود حيز التنفيذ بشكل تلقائي. وتبسط هذه العملية المؤتمتة من إجراءات الشركات المعقدة، وتحد من الحاجة للوسطاء، وتقلص من تكاليف المعاملات.

4- إن طبيعة شبكات الـ«بلوك تشين» المشفرة تقدم حماية مثلى للبيانات الحساسة، لذلك يشهد استخدامها نمواً متصاعداً لحماية البيانات في قطاعات مثل الرعاية الصحية، حيث تعدّ خصوصية المريض أمراً لا يقبل القسمة على اثنين. ويمكن لهذه الخصائص مساعدة الشركات على الوفاء بالتعهدات التنظيمية عبر تقديم سجلات مدققة تتسم بالشفافية، ومعاملات موثقة بالوقت. لذلك يعدّ هذا الانفتاح أمراً أساسياً لإعداد تقارير التنظيم والامتثال.

عملات البنوك المركزية الرقمية

يعدّ تبني عملات البنوك المركزية الرقمية توجهاً مالياً بارزاً؛ إذ يعكف كثير من الدول على بحث تبني عملاتها الرقمية الخاصة أو تعمل بكفاءة على تطويرها بالفعل. وتعدّ عملات البنوك المركزية الرقمية من أحدث التوجهات الراهنة لرقمنة الاقتصاد؛ إذ يغير هذا التوجه كلياً من سبل إدارة الأموال ويرتقي بالمشهد التجاري حول العالم.

وتعدّ عملات البنوك المركزية الرقمية بمثابة عملات رقمية أو افتراضية تصدرها البنوك المركزية للدول وتخضع لضوابطها ولوائحها التنظيمية. وتمثل نسخاً رقمية من الأموال الفعلية للدول وتحظى بدعم الحكومة بدلاً من العملات الرقمية اللامركزية.

وتعدّ قابلية البرمجة التي تتمتع بها عملات البنوك المركزية الرقمية من أبرز خصائصها وسماتها. فعندما تُستوفى معايير محددة، يمكن تفعيل أتمتة المدفوعات وتنفيذ العقود، بما قد يحول جذرياً من سبل مزاولة مختلف القطاعات أعمالها، على غرار ضمان تحصيل مدفوعات الشؤون الاجتماعية، والضرائب، والتزامات الاتفاقيات المالية.

ويمكن لعملات البنوك المركزية الرقمية تحسين الشمول المالي، وذلك عند غياب الخدمات المصرفية التقليدية بشكل رئيسي؛ لأنه يمكن الوصول إليها عبر الهواتف المتحركة والقنوات الرقمية الأخرى، بما يتيح وضعها في متناول شرائح سكانية أوسع.

وتمنح هذه العملات الرقمية البنوك المركزية أداة جديدة لإدارة السياسات النقدية؛ إذ يمكنها مساعدة هذه البنوك في تعزيز سيطرتها على التدفق المالي ومعدلات الفائدة، في حين تمنحها معلومات مفيدة حول النشاط الاقتصادي.

إن توفير أطر تنظيمية لعملات البنوك المركزية الرقمية، لا سيما للمعاملات بين الدول، هو أمر أساسي. ويشمل ذلك التعامل مع المسائل القانونية والتنظيمية والامتثال للوائح المالية الدولية.

تحسين تعليم الـ«بلوك تشين»

ألقى الطلب المتنامي على الأشخاص المتمرسين في أعمال الـ«بلوك تشين» الضوء على ضرورة تحسين تعليم الـ«بلوك تشين»، فهذا التوجه التعليمي الواسع يعدّ أمراً أساسياً لإعداد الكوادر البشرية القادرة على المساهمة في ذلك وتعزيز زخم الابتكارات التعليمية لمواكبة التغير المتسارع في هذا القطاع. وهنا بعض الملاحظات من هذا التوجه:

1- تعمل المؤسسات التعليمية حول العالم على تطوير دورات تعليمية وبرامج أكاديمية تركز على الـ«بلوك تشين». وتغطي الصفوف الدراسية في هذا المجال كثيراً من الموضوعات؛ بدءاً بأسس الـ«بلوك تشين»، إلى الأفكار الأكثر تقدماً، مثل العقود الذكية، والتطبيقات اللامركزية، وأمان الـ«بلوك تشين».

2- تلعب منصات التعليم الإلكترونية دوراً أساسياً في توفير وصول عادل وشامل لتعليم الـ«بلوك تشين»؛ إذ تقدم مجموعة من الدورات التعليمية لجميع الأشخاص على اختلاف مستوياتهم، من المبتدئين إلى الخبراء المتمرسين. وتتيح هذه المنصات المرنة للطلاب الدراسة وفق وقتهم الخاص وراحتهم.

3- تكتسب أيضاً ورشات العمل المكثفة والمخيمات التعليمية زخماً متصاعداً، حيث تقدم المعرفة والمهارات العملية حول سبل تطوير الـ«بلوك تشين» وتطبيقاته. وتوجه هذه البرامج قصيرة المدّة تركيزها نحو صقل مهارات الملتحقين بها بسرعة وتأهيلهم للمسارات المهنية في مجالات الـ«بلوك تشين».

وبينما يشهد تعليم الـ«بلوك تشين» اهتماماً متزايداً، فإن الصعوبات، مثل نقص المناهج المحددة والتطور التكنولوجي المتسارع، لا تزال بحاجة لإيجاد حلول لها. وتمنح هذه التحديات على أي حال فرص التعلم المستمر وتفتح آفاقاً واسعة لمواصلة تطوير تقنيات التدريس المبتكرة.

الـ«بلوك تشين» المدعوم بالذكاء الاصطناعي

يشهد إدخال الذكاء الاصطناعي على تقنيات الـ«بلوك تشين» تطوراً مستمراً ليرسم ملامح جديدة كلياً لمستويات الكفاءة والمرونة في شبكات الـ«بلوك تشين». ويقدم هذا التقارب بين الذكاء الاصطناعي والـ«بلوك تشين» كثيراً من المزايا والابتكارات، مثل:

خوارزميات الـ«بلوك تشين» التي يمكن استخدامها لتعزيز أمان شبكات الـ«بلوك تشين»؛ إذ يمكنها المساعدة في اكتشاف مشكلات الأمان المحتملة بشكل أكثر كفاءة من المنهجيات التقليدية، على غرار معاملات الاحتيال أو خروقات الشبكات، عبر دراسة الأنماط والتعرف على المشكلات.

وعلاوة على ذلك، يمكنها تحسين معالجة المعاملات عبر شبكات الـ«بلوك تشين» عبر توقع أوقات الذروة وتنظيم حمولات المعاملات. ويقود ذلك لتقليص زمن معالجة المعاملات ويقلل من الضغط على شبكات الإنترنت. وفي مجال إدارة سلسلة الإمداد، يمكن للذكاء الاصطناعي تقييم البيانات عبر شبكة الـ«بلوك تشين» لتحسين العمليات اللوجستية ونشاطات إدارة المخزون.

يقدم إدخال الذكاء الاصطناعي في مجال «البلوك» إمكانات هائلة لفحص الكميات الهائلة من البيانات المحفوظة على شبكات الـ«بلوك تشين». وبناءً على تحليلات مباشرة للبيانات؛ يقود ذلك نحو الخروج برؤى مهمة للأعمال بما يحسن من دقة اتخاذ القرارات. فالذكاء الاصطناعي قادر على مساعدة شبكات الـ«بلوك تشين» في تحقيق التوسع المطلوب عبر تطوير موارد الأنظمة وزيادة الإنتاجية دون المساس بمستويات الأمان أو اللامركزية المنشودة.

التشغيل البيني لشبكات الـ«بلوك تشين»

يعدّ التشغيل البيني لشبكات الـ«بلوك تشين» تطوراً كبيراً تتصاعد أهميته بشكل مطرد في ضوء التطور التكنولوجي المتواصل. ويتجلى هذا المفهوم في القدرة على تأمين التواصل ومشاركة المعلومات بين شبكات الـ«بلوك تشين» المختلفة، التي تتيح إجراء المعاملات بشكل أكثر سهولة ضمن عدد من المنصات.

ويمنح التشغيل البيني القدرة على التواصل بين عدد من شبكات الـ«بلوك تشين»، بما يعزز التعاون بين مختلف الجهات. ويعدّ هذا الأمر مفيداً على وجه الخصوص عندما تستخدم الأطراف المعنية منصات أخرى لـ«البلوك تشين»، في حالات مثل إدارة سلسلة الإمداد.

ويمكن للمطورين استخدام التشغيل البيني لتصميم تطبيقات معقدة تستفيد من مزايا كثير من شبكات الـ«بلوك تشين». وقد يقود ذلك إلى تأسيس تطبيقات لامركزية أكثر كفاءة ومرونة وقدرة على تلبية الاحتياجات.

إن التشغيل البيني يتيح إجراء المعاملات عبر الشبكات، حيث يمكن تحويل الأصول أو البيانات بكل أمان من شبكة «بلوك تشين» لأخرى. فهذه الخاصية عنصر حيوي لتعزيز انتشار وقبول تقنيات الـ«بلوك تشين» على نطاق واسع، مع زيادة فائدتها.

وفي الخلاصة، ومع الخوض في هذه التوجهات الثورية، يبدو واضحاً أن أهمية تقنيات الـ«بلوك تشين» تتخطى مجرد أنها أداة مالية؛ إذ تمثل أساساً متيناً للابتكار ضمن مختلف القطاعات. وفي هذا الإطار، تأتي ضرورة الالتزام بريادة هذه التطورات المهمة، والمساهمة في المستقبل المنشود، حيث ستطلق تقنيات الـ«بلوك تشين» كامل طاقاتها ليكون العالم أكثر تواصلاً وكفاءة وشفافية. فهذه الرحلة الطموح مليئة بالتحديات على قدر غناها بالفرص، ونحن متحمسون للغاية للمضي قدماً فيها وصولاً للمستقبل المنشود.


مقالات ذات صلة

نقلة نوعية للاقتصاد الرقمي السعودي في 2024

خاص السعودية تعزز ريادة الأعمال والاقتصاد الرقمي في قطاع الاتصالات والمعلومات (الشرق الأوسط)

نقلة نوعية للاقتصاد الرقمي السعودي في 2024

ما لا شك فيه أن الفرص السانحة في المملكة العربية السعودية لا تعد ولا تحصى، إلا أن التوجهات التي سترسم ملامح عام 2024، وما بعده ستتخطى التقنيات والحلول الجديدة.

إياد مرعي
خاص ثورة المدفوعات الرقمية  في السعودية تعزز فرص التجارة الإلكترونية

خاص ثورة المدفوعات الرقمية في السعودية تعزز فرص التجارة الإلكترونية

يشكّل التحول نحو وسائل الدفع الرقمية محفزاً لتحول أوسع في قطاعات التجارة الإلكترونية والخدمات اللوجيستية في المملكة العربية السعودية.

إيمان الغامدي
خاص الاتصالات المعزَّزة تعد بنقلة في قطاع السيارات

خاص الاتصالات المعزَّزة تعد بنقلة في قطاع السيارات

تواجه مسألة التحضُّر المدني والنمو الاقتصادي السريع في العصر الحالي عدّة تحدّيات رئيسية، من أبرزها الازدحام المروري الخانق الذي تتسبّب به الزيادة السكانية.

لويس دي لا كروز
خاص بزوغ عصر اقتصاد التجربة مدعوماً بالذكاء الاصطناعي

خاص بزوغ عصر اقتصاد التجربة مدعوماً بالذكاء الاصطناعي

في حين يقف العالم على أبواب مرحلة اقتصادية جديدة حافلة بالفرص والتحديات على كل المستويات، بدأت ملامح «اقتصاد التجربة Experience Economy» في الاكتمال في عدد من…

نضال أبو لطيف
خاص رئيس الاحتياطي الفدراسي في مؤتمر صحافي 13 ديسمبر (أ.ف.ب)

خاص 2024... سنة معقّدة ومحورية للاقتصاد العالمي

الانخفاضات المتوقعة في معدلات الفائدة من قبل المصارف المركزية الرئيسية في يونيو (حزيران) 2024 تأتي مصحوبة بجوانب من عدم اليقين.

سمير عساف

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
TT

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)

عندما بدأت عملية «طوفان الأقصى» ونشوب الحرب في غزة، كانت إيران تواجه تداعيات الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة إثر وفاة الشابة مهسا أميني، التي جعلت خريف 2022 الأكثر دموية في الداخل الإيراني.

اندلعت الحرب في قطاع غزة، في لحظة محورية بالنسبة لمؤسسة المرشد الإيراني؛ حيث زادت الضغوط الدولية عليه بسبب قمع الاحتجاجات الداخلية، وإرسال الطائرات المسيّرة إلى روسيا، مع وصول المفاوضات النووية إلى طريق مسدود.

ومنذ الموقف الرسمي الأول، رأت طهران أن هجوم حركة «حماس» هو «رد فعل طبيعي وحركة عفوية على السياسات الحربية والاستفزازية والإشعال المتعمّد للصراعات من قبل رئيس الوزراء المتطرف والمغامر لإسرائيل».

دأب المسؤولون الإيرانيون على نفي أي دور في اتخاذ قرار عملية «طوفان الأقصى»، لكن الحراك الدبلوماسي والسياسي أوحى بأن أركان الدولة، بما في ذلك الجهاز الدبلوماسي، كان على أهبة الاستعداد للتطور الكبير الذي يهز المنطقة.

بعد أقل من أسبوع على هجوم «طوفان الأقصى» بدأ وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان، أول جولاته الخمس على دول المنطقة قبل وفاته في 19 مايو (أيار)؛ بهدف عقد مشاورات مع مسؤولي دول الجوار ولقاءات تنسيقية قادة جماعات «محور المقاومة» وتوجيه رسائل إقليمية، وتوجه إلى العراق وواصل زيارته إلى دمشق، ومنها إلى بيروت، وانتهى المطاف في الدوحة.

وحينها وجهت إيران رسالة لإسرائيل، بأنها قد تواجه عدة جبهات إذا لم تتوقف عملياتها العسكرية في غزة.

ودفعت طهران باتجاه تعزيز صورة الجماعات المسلحة في المنطقة، والعمل على إضفاء الشرعية على دورها في دعم تلك الجماعات، مستغلة الأوضاع السياسية والاضطرابات الإقليمية.

اجتماع ثلاثي بين عبداللهيان وزياد النخالة أمين عام «الجهاد الإسلامي» وصالح العاروري رئيس مكتب حركة «حماس» في بيروت مطلع سبتمبر 2023 (الخارجية الإيرانية)

وشكل هذا الموقف المحطة الأولى لإيران. وترى طهران أنها نقلت جماعات «محور المقاومة» من نطاق محصور إلى نطاق «عالمي»، أو ما يسميه الدبلوماسيون الإيرانيون من «عالم المقاومة» إلى «المقاومة العالمية».

بذلك، انتقلت إيران، التي حاولت الحفاظ على مرحلة التهدئة مع جيرانها الإقليميين، إلى وضع هجومي فيما يتعلق بالجماعات المرتبطة بها، وهو ما يراه البعض انعكاساً لاستراتيجيتها على توسيع نفوذها ودورها في المنطقة.

على المستوى الرسمي، بعثت إيران برسالة للأوساط الدولية بأن تلك الجماعات مستقلة، وتملك قرارها بنفسها، وتصنع أسلحتها، لكن عدة مسؤولين وقادة عسكريين إيرانيين أشاروا في تصريحاتهم إلى دور الجنرال قاسم سليماني وقوات الوحدة الخارجية في «الحرس الثوري» بتسليح تلك الجماعات وتزويدها بتقنيات صناعة الأسلحة.

أما ثاني محطة لإيران بعد «طوفان الأقصى»، فقد بدأت بعد شهر من اندلاع الحرب في غزة؛ حيث دعا المرشد الإيراني علي خامنئي إلى ما وصفه بـ«قطع الشرايين الاقتصادية» لإسرائيل، خصوصاً ممرات النفط والطاقة. ومنها دخلت الجماعات المرتبطة بطهران، وجماعة «الحوثي» تحديداً على خط الأزمة، وشنّت هجمات على سفن تجارية على مدى أشهر، أثرت على حركة الملاحة في البحر الأحمر.

كما باشرت الميليشيات والفصائل العراقية الموالية لإيران، هجمات بالطائرات المسيّرة على إسرائيل والقواعد الأميركية على حد سواء.

وبدأ الجيش الأميركي رده بعدما تعرضت له قاعدة في الحدود السورية بالرد على هجمات طالت قواته، مستهدفاً مواقع للفصائل المسلحة.

على المستوى السياسي، أصرت طهران على وضع شروط الجماعات الحليفة معها أولاً لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومنها أبدت معارضتها لأي تسويات دولية، خصوصاً إحياء مقترح «حل الدولتين». وفي ديسمبر (كانون الأول)، قال وزير الخارجية الإيراني إن رفض «حل الدولتين» نقطة مشتركة بين إيران وإسرائيل.

المحطة الثالثة: بموازاتها باشرت إسرائيل بشن هجمات هادفة ضد القوات الإيرانية في سوريا، واستهدفت رضي موسوي مسؤول إمدادات «الحرس الثوري» في سوريا في ديسمبر، وبعد شهر، أعلن «الحرس الثوري» مقتل مسؤول استخباراته هناك، حجت الله أميدوار، لكن أقوى الضربات جاءت في مطلع أبريل (نيسان) عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية اجتماعاً لقادة «الحرس» في مقر القنصلية الإيرانية، وقتلت أرفع مسؤول عسكري إيراني في سوريا ولبنان، الجنرال محمد رضا زاهدي.

المرشد الإيراني علي خامنئي يؤم صلاة الجنازة على جثامين زاهدي وجنوده في حسينية مكتبه 4 أبريل 2024 (أ.ف.ب - موقع المرشد)

أما المحطة الإيرانية الرابعة، فقد وصلت إيران فيها إلى حافة الحرب مع إسرائيل، عندما ردت على قصف قنصليتها، بشن أول هجوم مباشر من أراضيها على الأراضي الإسرائيلية بمئات الصواريخ والمسيّرات.

ورغم تأكيد الجانب الإسرائيلي على صد الهجوم الإيراني، فقد وجهت ضربة محدودة لإيران باستهداف منظومة رادار مطار عسكري في مدينة أصفهان، قرب منشأة نووية حساسة.

وزادت المواجهة من احتمال تغيير مسار البرنامج النووي الإيراني، مع تكاثر الحديث في طهران عن ضرورة التوصل لأسلحة رادعة، وأيضاً التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.

امرأة غير محجبة تمر أمام لافتة دعائية للصواريخ الإيرانية في ساحة «ولي عصر» وسط طهران 15 أبريل الماضي (رويترز)

المحطة الإيرانية الخامسة، جاءت بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في حادث تحطم مروحية قرب الحدود الأذربيجانية. وسارعت السلطات الإيرانية لنفي نظرية المؤامرة، مستبعدة بذلك أي احتمالات لتعرض أرفع مسؤول تنفيذي في البلاد لضربة إسرائيلية. وأصدرت هيئة الأركان بعد نحو 3 أشهر على مقتل رئيسي، تأكيداً بأن مروحيته سقطت نتيجة ظروف مناخية، رغم أنها لم تُجِب عن كل الأسئلة.

عبداللهيان خلال اللقاء الذي جمعه بنصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية فبراير الماضي (إعلام «حزب الله»)

وفي هذه المرحلة، توسعت الحملة الإيرانية، مع دخول الموقف السياسي الإيراني مرحلة السبات فيما يخص تطورات الحرب في غزة، نظراً لانشغال السلطات بالانتخابات الرئاسية، والسعي لتشكيل حكومة جديدة.

وخلال حملة الانتخابات الرئاسية، تجنب المرشحون للانتخابات إثارة القضايا المتعلقة بحرب غزة والدعم الإيراني. على الرغم من الانتقادات الداخلية لتأجيل القضايا الإيرانية الملحة مثل رفع العقوبات وتعطل المسار الدبلوماسي لإحياء الاتفاق النووي.

وكان لافتاً أن تصريحات المرشحين بمختلف توجهاتهم لم تذهب أبعد من الإشادة بالبرنامج الصاروخي، وتوجيه الضربة لإسرائيل، والتعهد بتعزيز معادلات الردع.

المحطة السادسة: بمراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في 30 يوليو (تموز)؛ إذ شهدت طهران أكبر تحول في حرب غزة، ألا وهو اغتيال رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنية، في مقر تابع لـ«فيلق القدس» في شمال طهران.

هنية ونائب الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني ورئيس حركة «الجهاد الإسلامي» والمتحدث باسم الحوثيين في مراسم القسم الدستوري للرئيس الإيراني بطهران 30 يوليو الماضي (رويترز)

وتعهد المرشد الإيراني علي خامنئي حينها بالرد على «انتهاك السيادة الإيرانية» واغتيال «ضيف إيران»، وتنوعت نبرة ومفردات التهديد بين مسؤولين سياسيين وقادة عسكريين. وشدد المسؤولون الإيرانيون على حتمية الرد مع تقدم الوقت وتراكم الشكوك بشأن رد إيران.

وأثار اغتيال هنية في طهران الكثير من التساؤلات حول طبيعة العملية، خصوصاً مع وجود الاختراقات.

موكب تشييع إسماعيل هنية في طهران يوم 1 أغسطس الماضي (أ.ب)

المحطة السابعة: كان عنوانها تفجيرات أجهزة «البيجر»، بالتزامن مع رسالة تهدئة من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خصوصاً مع الولايات المتحدة، وشملت إسرائيل.

وقبل أن يتوجه إلى نيويورك، قال بزشكيان في مؤتمر صحافي إن بلاده لا تريد أن تكون عاملاً لزعزعة الاستقرار في المنطقة، ولا تريد تصدير الثورة، مبدياً استعداده للانفتاح على واشنطن، إذا أثبتت أنها ليست معادية لطهران، وذهب أبعد من ذلك عندما استخدم وصف «الأخوة الأميركية».

واصل بزشكيان هذه النبرة في لقاءات على هامش حضوره أعمال الجمعية العامة في نيويورك، وقال: «إيران مستعدّة لوضع أسلحتها جانباً إذا وضعت إسرائيل أسلحتها جانباً»، حسب تسجيل صوتي انتشر من اللقاء نفسه. وقال إن تأخير الرد الإيراني على اغتيال هنية هو تلقي بلاده رسائل بأن اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» سيُبرم خلال أسبوع، مبدياً انزعاجه من عدم التوصل للاتفاق واستمرار الهجمات الإسرائيلية.

خامنئي يلقي خطاباً أمام مجموعة من أنصاره وفي الخلفية صورة نصر الله (موقع المرشد)

وقلل بزشكيان من قدرة «حزب الله» على مواجهة إسرائيل وحده، وهو ما مزق الصورة التي رسمها مسؤولون مقربون من المرشد علي خامنئي.

وزاد موقف بزشكيان وكذلك الفرضيات بوجود اختراق في هجمات «البيجر»، واستهداف قادة «حزب الله»؛ من الشكوك في طهران بوجود اختراقات للجبهة الإيرانية، وعززت أيضاً مخاوف داخلية من وجود اختراقات.

المحطة الثامنة والخطيرة، بدأت باغتيال الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، ثاني أهم لاعب للاستراتيجية الإقليمية الإيرانية، بعد الجنرال قاسم سليماني، خلال 35 سنة من حكم المرشد علي خامنئي. كما أدت الغارة الجوية الإسرائيلية على مقر نصر الله، إلى تسجيل ثاني خسائر «الحرس الثوري» الكبيرة منذ «طوفان الأقصى»، وهو نائب قائد غرفة العمليات، الجنرال عباس نيلفروشان.

ويحظى نصر الله بأهمية كبيرة لدى حكام إيران وخصوصاً الأوساط المحافظة، لدرجة تداول اسمه في بعض الفترات لتولي منصب المرشد الإيراني بعد خامنئي بوصفه «ولي الفقيه»، ولو أن الترشيح بدا مثالياً لأنه ليس مسؤولاً إيرانياً، فسيكون مرفوضاً من غالبية الأطراف السياسية.

نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض الصواريخ الآتية من إيران (رويترز)

ورداً على اغتيال هنية في عمق الأراضي الإيرانية، ونصر الله، ونيلفروشان، وجهت إيران هجومها الصاروخي الثاني المباشر على إسرائيل، في خطوة هدّدت إسرائيل بالرد عليها مع التلويح ببنك أهداف غير محدودة تشمل مصافي النفط ومحطات الوقود وأيضاً المنشآت النووية والعسكرية، ما يجعل الأزمة بين إسرائيل وإيران مفتوحة على كل الاحتمالات.