أميركا على مشارف عام من الانقسامات الداخلية والأزمات الدولية

مسؤولون حاليون وسابقون يقيّمون السياسات ويطرحون توصيات

بايدن وترمب في مناظرتهما الأولى عام 2020 (أ.ب)
بايدن وترمب في مناظرتهما الأولى عام 2020 (أ.ب)
TT

أميركا على مشارف عام من الانقسامات الداخلية والأزمات الدولية

بايدن وترمب في مناظرتهما الأولى عام 2020 (أ.ب)
بايدن وترمب في مناظرتهما الأولى عام 2020 (أ.ب)

في 25 أبريل (نيسان) الماضي، ظهر الرئيس الأميركي جو بايدن على شاشات الأميركيين، وحسم شكوك الكثيرين: الرئيس الأكبر سناً في التاريخ الأميركي سيترشح لولاية ثانية. فرغم أرقام استطلاعات الرأي التي تظهر تدهوراً مستمراً في شعبية بايدن، البالغ من العمر 81 عاماً، فإن رهانه، ورهان حزبه يتمحوران حول هدف واحد: هزيمة خصمه المحتمل دونالد ترمب، و«الحفاظ على ديمقراطية أميركا» التي تعيش تقلبات خارجية وانقسامات داخلية يحذر البعض من زعزعتها لنسيج المجتمع وهيكلية النظام في موسم انتخابي حامٍ مشبع بالتجاذبات والتحديات.

ولعلّ التحدي الأبرز والمعضلة الكبرى بالنسبة لكثيرين، يتمثلان في شخص الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي، وعلى عادته، تحدى التوقعات والتكهنات مستمراً في حشد دعم مناصريه وتصدّر استطلاعات الرأي رغم القضايا القانونية التي يواجهها في المحاكم الأميركية، والتي ستلقي بظلالها على أحداث العام المقبل.

فترمب دخل التاريخ من أبوابه العريضة ليكون أول رئيس يتم عزله مرتين في مجلس النواب، وأول رئيس سابق يتم توجيه تهم جنائية بحقه في التاريخ الأميركي.

تحديات داخلية بين محاكمات وهفوات

يستبعد النائب الجمهوري السابق عن مجلس فيرجينيا دايفيد رمضان أن يصبح ترمب رئيساً للولايات المتحدة، رغم تقدمه في استطلاعات الرأي، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «على الأرجح أن يكون هو المرشح الجمهوري، لكن من غير المرجح أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة، مع أن هذا معقول. فولاية جديدة لترمب ستكون خطرة على البلاد في هذه المرحلة، وخطوة غير مسبوقة. فهو بمواجهة 91 تهمة جنائية، ولدى حصول الانتخابات، الأرجح أن تكون قد تمت إدانته».

رسم للرئيس السابق دونالد ترمب خلال محاكمة بالاحتيال ضد منظمة ترمب في المحكمة العليا لولاية نيويورك (رويترز)

ومن هذا المنطلق، يكثف الديمقراطيون حملاتهم الداعمة لبايدن، بمعزل عن الأرقام غير المشجعة له في استطلاعات الرأي، وهفواته العلنية المتكررة. فهم يعدّونه المرشح الوحيد الذي يستطيع هزيمة ترمب في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) من العام المقبل. ويتحدث جايسون ستاينبوم المدير السابق لموظفي لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب عن أسباب دعم الديمقراطيين لبايدن، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «الرئيس بايدن حصد سجل إنجازات كثيرة خلال ولايته، إذ تمكن من إخراج البلاد من زمن وباء كورونا بنجاح وحقق اتفاقات على مشروعات ضخمة للبنى التحتية والرعاية الصحية والطاقة وعنف السلاح في الكونغرس».

لكن التحديات الداخلية، على كثرتها، ليست الوحيدة التي تواجه الرئيس الأميركي، الذي وصل إلى الرئاسة وبجعبته أجندة طموح ترتكز بشكل أساسي على مواجهة الصين، ليصطدم بوابل من الأزمات الدولية بدءاً من أوكرانيا، مروراً بإيران والسودان، ووصولاً إلى غزة.

تحديات خارجية: حرب أوكرانيا وغياب الاستراتيجية

هيمنت حرب أوكرانيا على معظم فترة ولاية بايدن، فقد بدأت هذه الحرب بعد عام تقريباً من وصوله إلى كرسي الرئاسة في البيت الأبيض، ليقضي معظم ولايته الأولى وهو يتعامل مع تداعياتها خارجياً عبر مساعي حشد دعم الحلفاء لتمويل الحرب، وداخلياً من خلال التصدي لمعارضة مزدادة في الكونغرس لإقرار التمويل. وتقول آنا بوريشسيفسكايا كبيرة الباحثين في معهد الشرق الأدنى، إنه رغم أن بايدن «يستحق الثناء لأنه وحّد موقف الغرب حول هذه القضية، فإنه لم يضع استراتيجية واضحة. فإدارة بايدن تفاعلت مع الملف عبر توفير المساعدات وفرض عقوبات على روسيا، لكن هذه ليست استراتيجية، بل خطوات تكتيكية».

رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون إثر انتخابه بعد أسابيع من الفراغ التشريعي (رويترز)

وذكرت بوريشسيفسكايا في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، أن المعارضة الداخلية لتمويل الحرب سوف تزداد في الموسم الانتخابي، مشيرة إلى أن «الكرملين يراقب الانتخابات الأميركية عن كثب، وأن استراتيجية بوتين هي الانتظار كي يتخلى الغرب عن أوكرانيا وكي يصل ترمب إلى الرئاسة، لأنه في حال حصول ذلك سيتحقق السيناريو الذي يراهن عليه الرئيس الروسي»، في إشارة إلى تصريحات ترمب العلنية والرافضة لدعم كييف. وختمت بوريشسيفسكايا بلهجة يشوبها الاستياء: «بايدن حرص على عدم خسارة أوكرانيا. لكن هذا لا يعني أنه حرص على فوزها».

حرب غزة و«شيك على بياض» لإسرائيل

وكأن هذه التجاذبات السياسية حول أوكرانيا لم تكن كافية لزعزعة توازن بايدن، لتباغته أزمة أخرى من منطقة اتهمه كثيرون بتجاهلها طوال فترة رئاسته: الشرق الأوسط. فاندلاع حرب غزة وصور الدمار والضحايا المدنيين سلّطا الأضواء على دعم الإدارة الأميركية غير المشروط لإسرائيل، وزاد من حدة الجدل الداخلي حول سياسة «الشيك على بياض» تجاه تل أبيب. ما أدى إلى تعالي أصوات الناخبين الشباب والعرب والمسلمين ضد الرئيس الأميركي، مذكرين بأن أصواتهم هي التي أسهمت في فوزه بولايته الأولى، ومحذرين من سحب الدعم له في ولاية ثانية إن لم يغيّر من مواقفه.

في هذا السياق، تحدث وائل الزيات، المستشار السابق للمندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة والمدير التنفيذي لمنظمة «ايمغايج» المعنية بتنسيق جهود الناخبين المسلمين، فقال لـ«الشرق الأوسط»: «إذا نظرتم إلى الناخبين الشباب عموماً، فإن أغلبيتهم يدعمون وقف إطلاق النار ولا يوافقون على السياسة الداعمة لإسرائيل، كذلك الأمر بالنسبة للناخبين العرب والمسلمين. هناك 200 ألف ناخب مسجل منهم في ميشيغان و200 ألفاً في بنسلفانيا. إن لم يصوتوا أو صوتوا لصالح حزب ثالث، فهذا سيؤثر حتماً على نتيجة الانتخابات. هذا ما نقوله للبيت الأبيض: دعمكم لإسرائيل قد يسلم البلاد لجمهوريي ماغا (الداعمين لترمب)».

ومع ازدياد أعداد الناخبين الرافضين للتصويت لبايدن بسبب موقفه الداعم لإسرائيل، يحذر الزيات من أن «رئاسة ترمب كانت لتكون أسوأ بـ100 مرة من رئاسة بايدن خلال النزاع»، وفسّر موقفه قائلاً: «ترمب هو من قطع تمويل الأونروا، وترمب هو الذي نقل السفارة إلى القدس، وترمب هو الذي اعترف بضم هضبة الجولان... ترمب كان واضحاً بأنه لن يضع أي قيود على ما تقوم به إسرائيل وأنه سيمنع اللاجئين الفلسطينيين من الدخول إلى أميركا».

إيران و«السياسة الفاشلة»

انعكاسات حرب غزة ولّدت تحديات من نوع آخر لإدارة بايدن، تمثلت بهجمات من وكلاء إيران على القوات الأميركية في المنطقة، ما دفع بالمعارضين لسياسته مع طهران إلى التذكير بمساعيه للعودة إلى الاتفاق النووي معها، والتوصل إلى اتفاق لتبادل السجناء نجم عنه الإفراج عن 6 مليارات دولار من الأصول الإيرانية، ما أثار حفيظة المنتقدين، وعلى رأسهم كبير الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ السيناتور جيم ريش الذي وجّه انتقادات لاذعة للسياسة الأميركية تجاه إيران، فقال لـ«الشرق الأوسط»: «يمكن اختصار سياسة بايدن مع إيران بكلمة واحدة: فاشلة. فالإدارة شاركت في مفاوضات نووية غير مثمرة ورفعت تجميد الأصول وتجنبت فرض العقوبات المرتبطة بالنفط، وفشلت في الترويج للردع الإقليمي، ما قوّى وكلاء إيران الإرهابيين». وعدّ السيناتور البارز أنه «حان الوقت كي تغيّر الولايات المتحدة جذرياً سياستها حيال طهران».

وقدّم ريش الذي يترأس الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية المعنية بالإشراف على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، مجموعة من التوصيات لإدارة بايدن في تعاطيها المستقبلي مع طهران، فقال: «يجب أن نعود إلى سياسة العزل الاقتصادي، وأن نحرم النظام من الموارد التي يوظفها لدعم الإرهاب الإقليمي».

ويفسر ريش: «هذا يتضمن الحرص على فرض العقوبات الموجود على إيران وتجميد الأصول الإيرانية بشكل دائم حول العالم. يجب أيضاً أن نعمل على استرداد الردع. فالهجمات من المجموعات المدعومة من إيران على القوات الأميركية تخطت 190 اعتداء منذ عام 2021. لا يمكننا تحمل تكلفة الاستمرار بإرسال رسائل متناقضة». وختم السيناتور بتهديد مبطن: «أتطلع قدماً للعمل مع شركاء وحلفاء يشاركونني هذه الآراء لعزل النظام الإيراني في الأشهر المقبلة».

السودان و«سياسة من دون هدف»

يسعى النظام الإيراني جاهداً لبسط نفوذه وتأثيره في مواجهة النفوذ الأميركي، فعمد في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى الدفع لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع بلد يشغل بال الإدارة ويتحدى نفوذها: السودان.

ففي 15 أبريل 2023، وبعد عامين تقريباً من الإطاحة برئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، اندلعت مواجهات بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، ما أدى إلى ازدياد المخاوف من أي احتمال لعودة السودان إلى مسار الحكم المدني، الذي أسهمت الولايات المتحدة بشكل أساسي في تعزيزه بعد رفع البلاد عن لائحة الإرهاب وإعطائه الحصانة السيادية، بالتزامن مع مساعي الرئيس الأميركي حينها دونالد ترمب توسيع جهود التطبيع مع إسرائيل. في تصوّر تجاهلته إدارة بايدن كلياً بعد وصوله إلى الرئاسة، بحسب توصيف الجمهوريين.

جو بايدن ونجله المدان بالفساد هانتر يصلان إلى نيويورك في 4 فبراير 2023 (أ.ف.ب)

وسعت الإدارة جاهدة إلى احتواء الأزمة وسط تخوف من انعكاساتها المدمرة على السودان ومحيطه، فعمدت إلى التعاون مع السعودية لعقد محادثات جدة في مايو (أيار) من العام نفسه، من دون انفراجات تذكر، ما أدى إلى فرض سلسلة من العقوبات الأميركية على «أفراد ومؤسسات أسهموا في زعزعة الاستقرار».

ويقول كاميرون هادسون كبير الموظفين السابق في مكتب المبعوث الأميركي الخاص للسودان، إن «السياسة الأميركية حيال السودان كانت بشكل عام من دون هدف، وينقصها أي نوع من التركيز الاستراتيجي». وتابع هادسون في حديث مع «الشرق الأوسط»: «منذ لحظة اندلاع الصراع الذي فاجأ الولايات المتحدة، وهي تسعى للحاق بمجريات الأحداث، لكنها لم تجارِها بعد». والمبادرات الدبلوماسية كمحادثات جدة أو توظيف العقوبات لم يتم دعمها من خلال أي انخراط رفيع المستوى، ما أدى إلى تجاهل دور واشنطن بشكل كبير».

وعن احتمال انخراط الولايات المتحدة في جهود فعالة لإنهاء الأزمة في عام 2024، يستبعد هادسون كلياً أن تركز أميركا على النزاع بالشكل اللازم، مشيراً إلى وجود نزاعات في غزة وأوكرانيا ينخرط فيها مسؤولون أميركيون بشكل مستمر، «ويترك نزاعات كالسودان بيد دبلوماسيين ذات مستوى متواضع ليست لديهم السلطة ولا الرؤية لتحريك النفوذ الأميركي الذي يرسم نهاية للصراع وينفذ الأرواح». وختم هادسون بلهجة تشاؤمية: «أتوقع الأمر نفسه من واشنطن في عام 2024: الاستمرار في استنكار الجرائم المرتكبة وفعل القليل لوقفها».

الصين و«منطاد الأزمات»

ومع تشعب الصراعات وتوسعها، سعى الرئيس الأميركي جاهداً إلى إعادة التركيز على المنافسة الأبرز التي تواجهها بلاده: الصين، فمن الصعب عليه أن يتغافل عن الملف في عام حلّق فيه «المنطاد» الشهير فوق رؤوس الأميركيين لأيام عديدة، قبل إسقاطه من قبل الولايات المتحدة في 4 فبراير (شباط) 2023، ما أشعل أزمة دبلوماسية جديدة بين البلدين، تمكنا من تخطيها جزئياً في لقاء تاريخي جمع بين رئيسيهما لأول مرة على أرض أميركية في 15 نوفمبر، حين التقيا على هامش قمة «أبيك» في ولاية كاليفورنيا.

الرئيسان الأميركي جو بايدن والصيني شي جينبينغ مع كبار مساعديهما في سان فرانسيسكو في 15 نوفمبر الحالي (د.ب.أ)

ووصف سوراب غوبتا كبير الباحثين في معهد الدراسات الصينية - الأميركية الاجتماع بالناجح، مذكراً بأبرز ما تم التوافق عليه كاستئناف قنوات التواصل العسكري التي قطعتها الصين بعد زيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إلى تايوان، والتعاون لمكافحة أزمة مخدر الفنتانيل. ويقول غوبتا لـ«الشرق الأوسط»: «تعزيز العلاقات هذا من شأنه أن يكون مفيداً في عام 2024، لصد أي توتر سوف ينجم عن عام انتخابي حامٍ». ويعدّ غوبتا أن «بايدن هو المرشح الأفضل لتوازن العلاقات الأميركية - الصينية، فالحزب الجمهوري هو حزب لديه نظرة متشددة أكثر حيال بكين، والآن مع انهيار منظومة التعاون الدولي وتراجع الأصوات الداعمة للتبادل التجاري داخل الحزب سيكون هناك قليل من الأسس المشتركة للتعاون مع الجمهوريين».

ومع تراكم الأزمات وتشعبها، يحبس العالم أنفاسه بانتظار نوفمبر 2024 موعد الانتخابات الرئاسية التي سترسم مستقبل الولايات المتحدة وتحدد معالم الصراعات المزدادة في عالم متعدد الأقطاب.


مقالات ذات صلة

غانا على مفترق طرق اقتصادي... انتخابات حاسمة تحدد مصير الديون والنمو

الاقتصاد المرشح الرئاسي عن الحزب الوطني الجديد الحاكم محامودو باوميا يلقي كلمة خلال حفل إطلاق حملته في أكرا (رويترز)

غانا على مفترق طرق اقتصادي... انتخابات حاسمة تحدد مصير الديون والنمو

سيذهب الغانيون إلى صناديق الاقتراع في السابع من ديسمبر لاختيار رئيس جديد وبرلمان، في انتخابات تراقبها الأوساط الاستثمارية من كثب.

«الشرق الأوسط» (نيروبي)
أفريقيا الرئيس المؤقت نانجولو مبومبا يدلي بصوته (رويترز)

بعد وفاة حاكمها منذ الاستقلال... ناميبيا تصوّت لاختيار رئيس جديد

يتوجه قرابة مليون ونصف المليون ناخب في دولة ناميبيا إلى صناديق الاقتراع للتصويت على رئيس جديد للبلد الواقع في أقصى جنوب القارة الأفريقية.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أوروبا أولاف شولتس يتحدث بعد اختياره مرشحاً للانتخابات المبكرة في برلين الاثنين (رويترز)

شولتس مرشح حزبه للانتخابات المبكرة في ألمانيا

قرر الاشتراكيون الديمقراطيون دعم أولاف شولتس رغم عدم تحسن حظوظ الحزب، الذي تظهر استطلاعات الرأي حصوله على نحو 15 في المائة فقط من نوايا التصويت.

«الشرق الأوسط» (برلين)
المشرق العربي الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

مع بدء الدورة العشرين لمجلس النواب الأردني، الذي انتخب في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأ الشحن الداخلي في معادلة الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

محمد خير الرواشدة (عمّان)
شمال افريقيا ممثلو دول أوروبية داخل مركز العدّ والإحصاء التابع لمفوضية الانتخابات الليبية (المفوضية)

ليبيا: إجراء الانتخابات المحلية ينعش الآمال بعقد «الرئاسية» المؤجلة

قال محمد المنفي رئيس «المجلس الرئاسي» إن إجراء الانتخابات المحلية «مؤشر على قدرة الشعب على الوصول لدولة مستقرة عبر الاستفتاءات والانتخابات العامة».

جمال جوهر (القاهرة)

واشنطن واستراتيجية الـ«لا استراتيجية» في الشرق الأوسط

بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
TT

واشنطن واستراتيجية الـ«لا استراتيجية» في الشرق الأوسط

بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)

بعد عام على هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول)، تتخبط منطقة الشرق الأوسط في موجة تصعيد مستمر، من دون أي بوادر حلحلة في الأفق. فمن الواضح أن إسرائيل مصرة على الخيارات العسكرية التصعيدية، ضاربة بعرض الحائط كل المبادرات الدولية للتهدئة، ومن الواضح أيضاً أن الولايات المتحدة وإدارة الرئيس جو بايدن، إما عاجزتان عن التأثير على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وإما غير مستعدتين لممارسة ضغوطات كافية عليه للتجاوب مع دعواتها لوقف التصعيد. هذا في وقت تعيش فيه الولايات المتحدة موسماً انتخاباً ساخناً تتمحور فيه القرارات حول كيفية تأثيرها على السباق الرئاسي.

السؤال الأبرز المطروح حالياً هو عما إذا كان هناك استراتيجية أميركية ما حيال ملف الشرق الأوسط، انطلاقاً من الحرب الدائرة منذ عام. فقد واجهت الإدارة الحالية انتقادات حادة بسبب غياب منطقة الشرق الأوسط عن لائحة أولوياتها منذ تسلم بايدن السلطة. ولكن الأمور منذ 7 أكتوبر 2023 تغيرت جذرياً.

تحدثت «الشرق الأوسط» إلى غيث العمري، المستشار السابق لفريق المفاوضات الفلسطيني خلال محادثات الوضع الدائم وكبير الباحثين في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الذي رأى أن الإدارة الأميركية سعت فعلياً إلى عدم إعطاء الأولوية لمنطقة الشرق الأوسط، وحوّلت تركيزها ومواردها إلى أولويات أخرى. ويقول العمري: «جاءت هجمات 7 أكتوبر لتفاجئ الولايات المتحدة التي لم تكن مستعدة لها، والتي افتقرت لما يلزم لمواجهة أزمة بهذا الحجم». ويرى العمري أن الولايات المتحدة اعتمدت منذ السابع من أكتوبر وحتى تاريخنا هذا على سياسة «مجزأة مبنية على رد الفعل»، مضيفاً: «إنها لم تتمكن من رسم المشهد الاستراتيجي أو ممارسة النفوذ على حلفائها الإقليميين».

امرأة تعرض صورة لجنود إسرائيليين بعد استعادتهم لموقع كفرعزّة إثر هجمات 7 أكتوبر 2023 (د.ب.أ)

تحدثت «الشرق الأوسط» أيضاً إلى جون الترمان، المسؤول السابق في وزارة الخارجية ومدير برنامج الشرق الأوسط في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية، فقال: «فشلت إدارة بايدن بالتأكيد في تحقيق العديد من أهدافها في العام الماضي، ولكن في الوقت نفسه لم تندلع حرب إقليمية كبيرة بعد». ويعرب الترمان عن «دهشته» من أنه ورغم «الإخفاقات»، فإن الولايات المتحدة «لا تزال هي النقطة المحورية للدبلوماسية الإقليمية».

وفيما تدافع إدارة بايدن عن أدائها بالقول إنها أظهرت الردع من خلال إرسال تعزيزات أميركية إلى المنطقة، إلا أن العمري يختلف مع هذه المقاربة، لافتاً إلى أن نشر هذه الأصول العسكرية ربما ساهم في المراحل المبكرة من الحرب «في ردع إيران و(حزب الله) من الانخراط في تصعيد كبير، إلا أنه فشل في ردعهما إلى جانب وكلائهما كالحوثيين من الانخراط في أنشطة خبيثة على مستوى منخفض». وأضاف: «لقد تسبب ذلك في زيادة الضغط، وأدى في النهاية إلى انتقال الحرب إلى لبنان وربما مناطق أخرى».

الدبلوماسية «هي الحل»

في خضم التصعيد، تبقى إدارة بايدن مصرة على تكرار التصريحات نفسها من أن الحل الدبلوماسي هو الحل الوحيد، محذرة من توسع رقعة الصراع في المنطقة. وعن ذلك يقول الترمان إن بايدن يريد حلولاً دبلوماسية؛ «لأن الحلول العسكرية تتطلب هزيمة شاملة لأحد الأطراف. ونظراً للرّهانات العالية لكلا الجانبين، فإن الحل العسكري بعيد المنال، وسينجم عنه المزيد من الموت والدمار أكثر بكثير مما شهدناه حتى الآن».

أما العمري فيرى أن التركيز على الدبلوماسية هو أمر مناسب؛ لأنه «في نهاية المطاف، تنتهي الحروب وستكون هناك حاجة إلى حل دبلوماسي»، مضيفاً: «عندما يأتي (اليوم التالي)، يجب أن تكون الأسس لترتيبات دبلوماسية جاهزة».

إلا أن العمري يحذر في الوقت نفسه من أن الدبلوماسية وحدها غير كافية إذا لم تكن مدعومة بقوة واضحة، بما في ذلك القوة العسكرية، ويفسر ذلك قائلاً: «إذا لم تتمكن الولايات المتحدة من إقناع خصومها بأنها مستعدة لاستخدام قوتها لإيذائهم، وحلفائها بأنها مستعدة لفعل ما يلزم لمساعدتهم، فإن نفوذها تجاه الطرفين سيكون محدوداً».

تجميد الأسلحة لإسرائيل

سقوط أعداد هائلة من المدنيين في حربي غزة ولبنان منذ بدء العمليات الإسرائيلية للرد على هجمات 7 أكتوبر 2023، دفع الكثيرين إلى دعوة بايدن لوضع قيود على الأسلحة الأميركية لإسرائيل، بهدف ممارسة نوع من الضغوط على نتنياهو لوقف التصعيد، لكن الترمان يرفض النظرة القائلة بأن تجميد الأسلحة سيمهد للحل، ويفسر قائلاً: «إذا اعتمدت إدارة بايدن هذه المقاربة، أتوقع أن يعترض الكونغرس بشدة، وقد تكون النتيجة عرضاً للضعف والهشاشة في سياسة البيت الأبيض، بدلاً من صورة تقديم حلول». ويحذّر الترمان من أن خطوة من هذا النوع من شأنها كذلك أن تدفع إسرائيل إلى «الشعور بمزيد من العزلة التي قد تولّد بالتالي شعوراً أكبر بعدم الالتزام بأي قيود».

الرئيس الأميركي جو بايدن خارجاً من البيت الأبيض ليستقل الطائرة إلى نيويورك (أ.ب)

ويوافق العمري مع هذه المقاربة، مشيراً إلى أنه «من غير الواضح أن أي وسيلة ضغط ستنجح»، فيقول: «إسرائيل تشعر بأنها مهددة وجودياً، مما يجعلها أقل استعداداً لتقبل أي تأثير خارجي». ويوفر العمري نظرة شاملة عن مقاربة الإدارة الأميركية في غزة ولبنان التي تحد من الضغوط التي ترغب في ممارستها على إسرائيل، فيفسر قائلاً: «رغم أن الولايات المتحدة غير راضية عن بعض جوانب سير الحرب، خصوصاً فيما يتعلق بالخسائر البشرية بين المدنيين، فإنها تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بعد السابع من أكتوبر». لهذا السبب يشير العمري إلى أن الولايات المتحدة تحتاج إلى تحقيق توازن في الضغط بطرق يمكن أن تغير سلوك إسرائيل «دون تقييد قدرتها على تحقيق الهدف المشروع المتمثل في هزيمة (حماس)»، مضيفاً: «هذا التوازن ليس سهلاً».

بالإضافة إلى ذلك، يذكّر العمري بطبيعة العلاقة التاريخية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي «تتجاوز القضية الإسرائيلية - الفلسطينية»، فيقول: «الولايات المتحدة تستفيد استراتيجياً من هذه العلاقة، بما في ذلك الفوائد المتعلقة بالتهديدات الإقليمية الأخرى مثل الأنشطة الإيرانية. وبذلك، فإن الولايات المتحدة لديها مصالحها الاستراتيجية الخاصة التي يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار».

أي حل في نهاية النفق

رغم التصعيد المستمر، تعمل الولايات المتحدة على بناء استراتيجية تضمن عدم خروج الأمور عن السيطرة، ودخول إيران على خط المواجهة، ويشدد العمري على أن «الأولوية الآن هي ضمان بقاء إيران خارج هذه الحرب»، مشيراً إلى أن هذا الأمر ضروري للحد من انتشار الصراع، و«لإضعاف مصداقية إيران الإقليمية ونفوذها مع وكلائها»، لكنه يرى في الوقت نفسه أنه «لا يمكن تحقيق مثل هذه النتيجة إلا إذا كانت إيران مقتنعة بأن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام العمل العسكري».

عنصران من الدفاع المدني الفلسطيني في دير البلح في غزة (أ.ف.ب)

أما الترمان الذي يؤكد ضرورة استمرار الولايات المتحدة «في تقديم مسار للمضي قدماً لجميع الأطراف»، فيحذّر من أن هذا لا يعني أنها يجب أن «تحمي الأطراف من العواقب الناجمة عن أفعالهم»، ويختم قائلاً: «هناك مفهوم يسمى (الخطر الأخلاقي)، يعني أن الناس يميلون إلى اتخاذ سلوكيات أكثر خطورة إذا اعتقدوا أن الآخرين سيحمونهم من الخسارة».