قوة الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالسرطان

TT

قوة الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالسرطان

قوة الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالسرطان

تخيل عالماً يمكن للأطباء فيه التنبؤ بتطور السرطان في أجساد المرضى، قبل فترة طويلة من ظهور أي أعراض أو مؤشرات واضحة؛ ما يمكّنهم من المسارعة لاتخاذ إجراءات وعلاجات وقائية.

لم يعد مثل هذا العالم اليوم حلماً بعيد المنال، وإنما نقترب بسرعة من أن نراه واقعاً؛ وذلك بفضل القوة الهائلة للذكاء الاصطناعي بمجال الرعاية الصحية. مع صعود «الذكاء الاصطناعي التوليدي»، نشهد اليوم إعادة صياغة مستقبل الطب، وفتح الباب أمام حلول مبتكرة قادرة على تغيير مسار الحياة. وعليك من اليوم الاستعداد للانبهار باحتمالات لا حصر لها يحملها الذكاء الاصطناعي معه، وذلك مع انغماسنا أكثر في عالم التكنولوجيا المتطورة مع التركيز على التطبيقات القادرة على التنبؤ بالسرطان، واستكشاف التأثيرات الكبرى التي سيتركها هذا الأمر على مجال الطب والمجتمع بوجه عام.

كما ينطوي هذا المقال على تحدٍ ودعوة للعمل موجهة للدول التي تشارك هذه الرؤية، والتي تستثمر في توفير مستوى جودة للحياة أعلى بكثير لمواطنيها.

الذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي مصطلح واسع يشير إلى تطور أنظمة الكمبيوتر القادرة على أداء مهام تتطلب في العادة ذكاءً بشرياً. ويمكن أن تتضمن هذه المهام حل المشكلات، والتعرف على الصوت، والتعلم، والتخطيط والمزيد. ويمثل الذكاء الاصطناعي التوليدي تكنولوجيا ذكاء صناعي متقدمة بمقدورها توليد بيانات أو محتوى جديد، من خلال فهم وتعلم أنماط من البيانات القائمة، والتي كان من المتعذر الوصول إليه سابقاً. وقد أظهر الذكاء الاصطناعي التوليدي قدرات مبهرة في مجالات متنوعة، مثل إبداع فنون وموسيقى ونصوص. ومع ذلك، تبقى إمكاناته داخل مجال الرعاية الصحية الأكبر على الإطلاق.

يملك الذكاء الاصطناعي إمكانية المعاونة في إسراع وتيرة عملية اكتشاف الأدوية، من خلال تحليل قواعد بيانات ضخمة لتحديد العقاقير المحتملة المرشحة، والتنبؤ بفاعليتها، وتحسين تركيبها الكيميائي. ويمكن لهذا الأمر أن يحدّ بدرجة كبيرة من الوقت المطلوب لابتكار أدوية جديدة وتوفيرها للمرضى. ويمكن أن يؤدي هذا التوجه إلى المزيد من العلاجات وتقليص الآثار الجانبية. ويمكن للذكاء الاصطناعي كذلك المعاونة في معالجة كميات ضخمة من البيانات من سجلات صحية إلكترونية، وأجهزة يمكن ارتداؤها، ومصادر أخرى للتنبؤ بتفشي الأمراض، وتحديد المرضى الذين يواجهون مخاطرة مرتفعة، وتعزيز الاستفادة من الموارد المخصصة للمستشفيات.

وبمقدور اللوغاريتمات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي تحليل الصور الطبية (مثل أشعة إكس، والتصوير بالرنين المغناطيسي وأشعة الفحص بالتصوير المقطعي المحوسب)؛ لرصد وتشخيص والوقاية من الأمراض بدقة كبيرة، على نحو يفوق في الغالب الأداء البشري. ويمكن لهذه الأدوات المعاونة في الرصد المبكر لأمراض، مثل السرطان أو ألزهايمر أو أمراض القلب؛ ما يثمر نتائج أفضل مع المرضى. وسيركز هذا المقال على وجه التحديد على استخدام الذكاء الاصطناعي وقواعد البيانات الضخمة لتوقع الإصابة بالسرطان.

التنبؤ بالسرطان

التنبؤ بالسرطان: تحول هائل بعالم الطب. يتحقق تشخيص الإصابة بالسرطان في العادة عندما تظهر على المريض أعراض المرض أو بعد إجراء مسح روتيني يكشف عن وجود خلايا غير طبيعية. للأسف، فإن الكثير من أنماط السرطان لا تظهر لها أعراض خلال المراحل الأولى لها، وربما يستمر بعضها دونما رصد حتى تتحرك نحو مستويات أكثر تقدماً. ومن شأن الرصد المبكر للسرطان التحسين بدرجة كبيرة من نتائج العلاج ومعدلات النجاة؛ ما يجعل منه جانباً محورياً من جهود رعاية مرضى السرطان.

في العادة، يحدث تشخيص السرطان عندما تظهر على مريض ما أعراض السرطان أو بعد رصد فحص روتيني خلايا غير طبيعية أو شاذة. وللأسف، فإن الكثير من أنماط السرطان لا أعراض لها خلال المراحل الأولى منها، وقد يستمر بعضها دونما رصد حتى تصل لمستويات أكثر تقدماً. ومن شأن الرصد المبكر للسرطان تحقيق تحسن كبير في نتائج العلاج ومعدلات النجاة؛ ما يجعل منه جانباً محورياً من رعاية مرضى السرطان.

هنا تحديداً، يمكن للذكاء الاصطناعي التدخل وتحويل بؤرة الاهتمام من التشخيص إلى التنبؤ. تخيل عالماً يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي به التنبؤ باحتمالات تقدم السرطان قبل ظهور أي أعراض؛ ما يتيح التدخل المبكر، وقد ينقذ أعداداً لا تحصى من الأرواح. اليوم، لم يعد هذا حلماً بعيد المنال، وإنما بدأ في التحول إلى واقع.

لننظر، على سبيل المثال، في دراسة حديثة من معمل علوم الكومبيوتر والذكاء الاصطناعي التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والتي استخدمت الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بتطور سرطان الثدي لفترة وصلت إلى خمس سنوات قبل تشخيص المرض. نشرت الدراسة عام 2019 في دورية «راديولوجي»، حيث استخدم الباحثون التعلم العميق في تدريب نموذجهم المرتبط بالذكاء الاصطناعي على صور التصوير الشعاعي للثدي وبيانات المريضة، مثل العمر وتاريخ الأسرة والعوامل الهرمونية، للتنبؤ باحتمالية الإصابة بسرطان الثدي. وجاءت نتائج النموذج مبهرة من حيث تحقيقه تحسناً كبيراً في التنبؤ بسرطان الثدي، لدى مقارنته بنماذج تقدير المخاطر القائمة حالياً.

وربما يكون ذلك مجرد قمة جبل الجليد، خاصة أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يحمل إمكانات التنبؤ بأنماط متنوعة من السرطان من خلال تحليل مجموعة واسعة من البيانات، منها صور أشعة كبيرة، وسجلات صحية إلكترونية، والمعلومات الجينية، بل وحتى العوامل المرتبطة بأسلوب الحياة. ومن شأن امتلاك القدرة على التنبؤ بالسرطان في وقت مبكر، إحداث ثورة في أسلوب تعاملنا مع رعاية مرضى السرطان، والانتقال من استراتيجيات الوقائية إلى وضع خطط علاج ذات طابع شخصي؛ الأمر الذي يمكن أن ينقذ عدداً لا يحصى من الأرواح، وتحسين مجمل النتائج في صفوف المرضى.

وحول التأثير الاجتماعي للتنبؤ بالإصابة بالسرطان باستخدام الذكاء الاصطناعي، فإن دلالات التنبؤ بالسرطان بمعاونة الذكاء الاصطناعي تمتد لما وراء مجال الطب بكثير. والواضح أن هذا من شأن ترك تداعيات كبرى على المجتمع ككل، في وقت يعيد الذكاء الاصطناعي صياغة مجتمعنا بوجه عام.

من شأن اكتساب القدرة على التنبؤ بالسرطان وأمراض أخرى قبل ظهور الأعراض، تحقيق تدخلات وعلاجات مستهدفة في الوقت المناسب؛ الأمر الذي يؤدي بدوره إلى نتائج أفضل في صفوف المرضى، وتحسن عام في مستوى جودة الحياة على مستوى أعداد لا حصر لها من الأفراد. أيضاً، يمكن لاستراتيجيات الرصد المبكر والوقاية تقليص تكاليف الرعاية الصحية بدرجة بالغة، من خلال التقليل الحاجة إلى علاجات مكلفة على صلة بالمراحل المتقدمة من الأمراض. ومن شأن هذا بدوره المعاونة في تخفيف الأعباء المالية على كهل كل من المرضى ومنظومات الرعاية الصحية.

بجانب كذلك، ربما تظهر فئة جديدة من العلاجات بهدف إطالة أمد حياة المرضى.

اعتبارات أخلاقية

ومع ذلك، فإن تحقيق كامل إمكانية هذه الحالة اليوتوبية، ثمة اعتبارات عملية وأخلاقية ينبغي وضعها في الاعتبار.

من الممكن أن تسفر توقعات الذكاء الاصطناعي بعض الأحيان عن نتائج زائفة، خاصة في الأيام الأولى؛ ما يسفر عن علاجات لا داعي لها أو كرب نفسي للمرضى الذي ربما لم يصابوا أساساً السرطان.

علاوة على ذلك، فإن تطبيق الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية غالباً ما يستلزم جمع كميات هائلة من بيانات المرضى الحساسة وتحليلها؛ الأمر الذي يثير مخاوف بشأن خصوصية البيانات والأمان وإساءة الاستخدام المحتملة لمعلومات المريض. وأحد المخاوف المحتملة، أن التنبؤ بالسرطان قد لا يكون متاحاً بشكل متساوٍ للجميع؛ ما يؤدي إلى تفاقم التفاوتات الصحية القائمة بالفعل. وقد لا يتمكن السكان المحرومون من الوصول إلى هذه الأدوات التنبؤية أو قد يكون تمثيلهم ناقصاً في البيانات المستخدمة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي؛ ما يؤدي إلى تنبؤات متحيزة أو أقل دقة. وأخيراً، فإن التنبؤ بالسرطان يثير تساؤلات أخلاقية، مثل إمكانية التمييز على أساس الاستعداد الجيني، والأثر النفسي على الأفراد المعرضين لمخاطر مرتفعة.

دعوة للعمل

إذن، إلى أين نتجه من هذه النقطة؟ من أجل أن يكتسب النظام الصحي القدرة على التحول وجعل التنبؤ بالسرطان حقيقة واقعة، يجب بناء نظام بيئي من الأنشطة المترابطة. وتعتمد هذه الأنشطة على بعضها بعضاً، ويجب أن تكون مترابطة عمداً، في إطار رحلة الابتكار الرائد للتنبؤ بالسرطان.

في هذا الصدد، يعدّ تثقيف صانعي السياسات حول الفوائد المحتملة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالسرطان والوقاية منه، أمراً بالغ الأهمية بما في ذلك عرض كيف يمكن أن يؤدي إلى تقليل العبء الاقتصادي على نظام الرعاية الصحية. والمؤكد أن هذا سيساعد في تحديد مصادر التمويل وتأمينها. وربما يشمل ذلك التمويل الحكومي والاستثمارات الخاصة والشراكات مع شركات التكنولوجيا أو المؤسسات البحثية.

تكمن إحدى أهم الخطوات في التعاون مع أصحاب المصلحة الرئيسيين، بما في ذلك الوكالات الحكومية ومقدمو الرعاية الصحية والمؤسسات البحثية وشركاء الصناعة لتشكيل تحالف من المؤيدين الذين يمكنهم الدعوة للتبني. من المهم كذلك المشاركة في التعاون الدولي مع البلدان الأخرى والمنظمات الدولية لتبادل المعرفة والموارد وأفضل الممارسات. وأخيراً، فإن إطلاق حملة كبرى لتثقيف وتدريب القوى العاملة بشكل أفضل لتزويد المتخصصين في الرعاية الصحية والباحثين والتقنيين بالمهارات اللازمة للعمل مع الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالسرطان وعلاجه.

الذكاء الاصطناعي كقوة خير

الحقيقة التي لا مفر منها، أنه سيجري استغلال الذكاء الاصطناعي لأغراض مشينة أو لإحداث ضرر عن غير قصد، حتى عندما يجري تطويره بنيّة حسنة. من بين هذه الأمور إنشاء ملفات التزييف العميق للتلاعب بالإدراك العام ونشر المعلومات المضللة، أو وجود تحيزات متأصلة في بيانات التدريب والتي يمكن أن تؤدي إلى خوارزميات الذكاء الاصطناعي التمييزية؛ ما يطيل أمد التفاوتات الاجتماعية والظلم. وسيتعين على مطوري الذكاء الاصطناعي وواضعي السياسات العمل جنباً إلى جنب لمعالجة هذه العواقب السلبية، ووضع وتنفيذ إرشادات أخلاقية قوية، وإعطاء الأولوية للشفافية والمساءلة المرتبطة بأنظمة الذكاء الاصطناعي.

من جانبي، اخترت أن أنظر إلى الذكاء الاصطناعي كقوة تحقق الخير، وتقدم العون في مواجهة التحديات العالمية الملحة، وتعزز رفاهية الإنسان والصالح الاجتماعي العام، من خلال إضفاء الطابع الديمقراطي على الوصول إلى الموارد، وتحسين استهلاك الطاقة، وإحداث ثورة على صعيد القدرة على تشخيص في المجالات الطبية، من بين مجالات أخرى.

وهذا الأخير هو تخصص أعتقد أنه يعود لأكثر عن 20 عاماً من الخبرة التي أمتلكها في مجال التكنولوجيا الحيوية وصناعة الأدوية لاكتشاف العلاجات المنقذة للحياة وتطويرها وتقديمها للمرضى. ويسعدني التشارك مع قراء «الشرق الأوسط»، من خلال هذا المقال بخصوص هذا المستقبل المثير الذي يعد به الذكاء الاصطناعي فيما يتعلق بالتنبؤ بالسرطان.

لا أعرف متى ستصبح التنبؤات بالسرطان جزءاً من الطب والمجتمع. سيعتمد كل هذا على من سيكون جريئاً بما يكفي لإتباع هذه الرؤية، ومدى السرعة التي يمكنه بها الاستثمار في هذا المجال على المدى الطويل.

 

 


مقالات ذات صلة

بسبب الاحتيال... إيطاليا تغرّم «تشات جي بي تي» 15 مليون يورو

تكنولوجيا لوغو تطبيق «شات جي بي تي» (رويترز)

بسبب الاحتيال... إيطاليا تغرّم «تشات جي بي تي» 15 مليون يورو

أعلنت هيئة حماية البيانات الإيطالية أنها فرضت غرامة قدرها 15 مليون يورو على شركة «أوبن إيه آي» الأميركية بسبب الاحتيال.

«الشرق الأوسط» (روما)
خاص تتضمن الاتجاهات الرئيسة لعام 2025 الاستعداد الكمومي وممارسات الأمن السيبراني الخضراء والامتثال (شاترستوك)

خاص كيف يعيد الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية تشكيل الأمن السيبراني في 2025؟

«بالو ألتو نتوركس» تشرح لـ«الشرق الأوسط» تأثير المنصات الموحدة والذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية على مستقبل الأمن السيبراني.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا كيف أصبح «كلود» روبوت الدردشة المفضل لدى خبراء التكنولوجيا؟

كيف أصبح «كلود» روبوت الدردشة المفضل لدى خبراء التكنولوجيا؟

يقدم الاستجابات مثل إنسان ذكي ومنتبه

كيفن رُوز (سان فرانسيسكو)
علوم نهاية الإنترنت... كما نعرفها

نهاية الإنترنت... كما نعرفها

يبدو أن الإنترنت ينهار... ولكن ليس حرفياً، أي من الناحية البنيوية؛ لأنها لا تزال شبكة سليمة؛ إذ إن هناك الكثير من كابلات الألياف الضوئية التي تبطن قاع المحيط،…

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»

بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
TT

إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»

بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»

بعد أكثر من 420 يوماً على أطول حرب مدمرة عرفها الفلسطينيون، لا يزال الغزيون الذين فقدوا بلدهم وحياتهم وبيوتهم وأحباءهم، لا يفهمون ماذا حدث وماذا أرادت حركة «حماس» حقاً من هجومها المباغت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل، الهجوم الذي غير شكل المنطقة وفتح أبواب الحروب والتغييرات.

الشيء الوحيد الواضح حتى الآن هو أن غزة تحولت إلى منطقة غير قابلة للحياة، ولا شيء يمكن أن يصف ألم الباقين على قيد الحياة الذين فقدوا نحو 50 ألفاً في الحرب المستمرة، وأكثر من 100 ألف جريح.

وإذا كان السكان في قطاع غزة، وآخرون في الضفة الغربية وربما أيضا في لبنان ومناطق أخرى لم يفهموا ماذا أرادت «حماس»، فإنهم على الأقل يأملون في أن تأتي النتائج ولو متأخرة بحجم الخسارة، ولا شيء يمكن أن يعوض ذلك سوى إقامة الدولة. لكن هل أرادت «حماس» إقامة الدولة فعلاً؟

هاجس الأسرى الذي تحول طوفاناً

في الأسباب التي ساقتها، تتحدث حركة «حماس» عن بداية معركة التحرير، لكنها تركز أكثر على «تحريك المياه الراكدة في ملف الأسرى الإسرائيليين الذين كانت تحتجزهم الحركة قبيل الحرب»، و «الاعتداءات المتكررة من قبل المنظومة الأمنية الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين»، إلى جانب تصاعد العدوان باتجاه المسجد الأقصى والقدس وزيادة وتيرة الاستيطان.

ولا تغفل الحركة عن أنها أرادت توجيه ضربة استباقية تهدف لحرمان تل أبيب من مباغتة غزة، وإعادة القضية إلى الواجهة.

وقالت مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الأسباب كانت صحيحة وكافية بالنسبة للحركة لاتخاذ قرار شن الهجوم، لكن خرج المخطط عن السيطرة».

لافتات في القدس تنادي بعقد صفقة لإطلاق الأسرى الإسرائيليين في غزة بجانب صورة لزعيم «حماس» يحيى السنوار وأخرى لزعيم «حزب الله» حسن نصر الله اللذين قتلتهما إسرائيل في سبتمبر وأكتوبر الماضيين (أ.ف.ب)

وأضاف: «الهدف الرئيسي كان أسر جنود إسرائيليين وعقد صفقة تاريخية. ثم تأتي الأسباب الأخرى. لكن لم يتوقع أحد حتى المخططون الرئيسيون، أن تنهار قوات الاحتلال الإسرائيلي بهذه الطريقة، ما سمح بالدفع بمزيد من المقاومين للدخول لمناطق أخرى في وقت وجيز، قبل أن يتسع نطاق الهجوم بهذا الشكل».

ويعد تحرير الأسرى الفلسطينيين بالقوة، هاجس «حماس» منذ نشأت نهاية الثمانينات.

ونجحت الحركة بداية التسعينات أي بعد تأسيسها فوراً باختطاف جنود في الضفة وغزة والقدس وقتلتهم دون تفاوض. وفي عام 1994 خطف عناصر «حماس» جندياً وأخذوه إلى قرية في رام الله وبَثُّوا صوراً له ورسائل، وطلبوا إجراء صفقة تبادل، قبل أن يداهم الجنود المكان ويقتلوا كل من فيه.

وخلال العقود القليلة الماضية، لم تكل «حماس» أو تمل حتى نجحت عام 2006 في أسر الجندي جلعاد شاليط على حدود قطاع غزة، محتفظة به حتى عام 2011 عندما عقدت صفقة كبيرة مع إسرائيل تم بموجبها تحرير شاليط مقابل ألف أسير فلسطيني، بينهم يحيى السنوار الذي فجر فيما بعد معركة السابع من أكتوبر من أجل الإفراج عمن تبقى من رفاقه في السجن.

وتعد الحركة، الوحيدة التي نجحت في خطف إسرائيليين داخل الأراضي الفلسطينية، فيما نجح الآخرون قبل ذلك خارج فلسطين.

وقال مصدر في «حماس»: «قيادة الحركة وخاصةً رئيس مكتبها السياسي يحيى السنوار، كانت تولي اهتماماً كبيراً بملف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وظلت تبحث عن كل فرصة لإخراج أكبر عدد ممكن منهم».

وأضاف: «السنوار وعد رفاقه عندما خرج في صفقة شاليط بالإفراج عنهم».

انفجار ضخم بعد قصف إسرائيلي لمخيم البريج جنوب غزة (إ.ب.أ)

وفعلاً حاول السنوار التوصل إلى صفقة من خلال مفاوضات على 4 أسرى لدى الحركة، وهم الجنود: هدار غولدن، وآرون شاؤول، اللذان تم أسرهما عام 2014، وأفراهام منغستو بعدما دخل الحدود بين عسقلان وغزة في العام نفسه، وهشام السيد بعد تسلله هو الآخر من الحدود.

تكتيكات «حماس» قبل وبعد

منذ 2014 حتى 2023 جربت «حماس» كل الطرق. عرضت صفقة شاملة وصفقة إنسانية، وضغطت على إسرائيل عبر نشر فيديوهات، آخرها فيديو قبل الحرب لمنغتسو، قال فيه: «أنا أفيرا منغيستو الأسير. إلى متى سأبقى في الأسر مع أصدقائي»، متسائلاً: «أين دولة إسرائيل وشعبها من مصيرهم».

ونشْر الفيديوهات من قبل «حماس» ميَّز سياسة اتبعتها منذ نشأتها من أجل الضغط على إسرائيل لعقد صفقات تبادل أسرى، وهو نهج تعزز كثيراً مع الحرب الحالية.

وخلال أكثر من عام نشرت «حماس» مقاطع فيديو لأسرى إسرائيليين بهدف الضغط على الحكومة الاسرائيلية، وعوائل أولئك الأسرى من جانب آخر، وكان آخر هذه المقاطع لأسير أميركي - إسرائيلي مزدوج الجنسية يدعى إيدان ألكسندر.

وظهر ألكسندر قبل أسبوع وهو يتحدث بالإنجليزية متوجهاً إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وبالعبرية متوجهاً إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مطالباً إياهم بالعمل على الإفراج عنه وعن الأسرى ضمن صفقة تبادل، مؤكداً أن حراسه من عناصر «حماس» أخبروه بأنهم تلقوا تعليمات جديدة إذا وصل الجيش الإسرائيلي إليهم، في إشارة لإمكانية قتله، داعياً الإسرائيليين للخروج والتظاهر يومياً للضغط على الحكومة للقبول بصفقة تبادل ووقف إطلاق النار في غزة. مضيفاً: «حان الوقت لوضع حد لهذا الكابوس».

وكثيراً ما استخدمت «حماس» هذا التكتيك، لتظهر أنها ما زالت تحافظ على حياة العديد منهم وأنهم في خطر حقيقي، وللتأكيد على موقفها المتصلب بأنه لا صفقة دون وقف إطلاق نار.

وفي الأيام القليلة الماضية، نشرت «حماس» فيديو جديداً عبر منصاتها أكدت فيه أن 33 أسيراً قتلوا وفقدت آثار بعضهم بسبب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وجيشه، وأنه باستمرار الحرب قد تفقد إسرائيل أسراها إلى الأبد.

إذن من أجل كل هذا وبعدما فشلت «حماس» في الوصول إلى صفقة، هاجمت في السابع من أكتوبر.

وقال مصدر مطلع: «لم تجد قيادة (حماس) أمامها سوى الخيار العسكري لتحريك هذا الملف، بعدما أهملت إسرائيل الملف ومطالبات الحركة بإتمام صفقة».

لكن النتائج جاءت عكس ما اشتهت السفن.

وأغلب الظن أن حركة «حماس» كانت تخطط لأسر عدد محدود من الإسرائيليين، تدخل بعدها في معركة قصيرة مع إسرائيل تجبر فيها الأخيرة على الإذعان لصفقة تبادل، على غرار ما جرى بعد اختطاف شاليط.

فالطوفان الذي خططت له «حماس»، جلب طوفانات على الفلسطينيين، وتحديداً في غزة التي تدمرت ودفعت ثمناً لا يتناسب مطلقاً مع الهدف المنوي جبايته.

خارج التوقعات

بدأت أصوات الغزيين ترتفع ويجاهر كثيرون بأن إطلاق سراح الأسرى لا يستحق كل هذا الدمار، ويقولون إن عدد الضحايا أصبح أضعاف أضعاف أعداد الأسرى، الذين بلغ عددهم قبل الحرب نحو 6 الآف.

وقال فريد أبو حبل وهو فلسطيني من سكان جباليا نازح إلى خان يونس جنوب القطاع: «كل ما نريده أن تتوقف هذه الحرب، لا شيء يمكن أن يكفر عن الثمن الباهظ جداً الذي دفعناه ولا حتى تبييض السجون بأكملها يمكن أن يعيد لنا جزءاً من كرامتنا المهدورة ونحن في الخيام ولا نجد ما نسد به رمق أطفالنا».

وتساءل أبو حبل: «من المسؤول عما وصلنا إليه؟! لو سئل الأسرى أنفسهم عن هذه التضحيات لربما كانوا تخلوا عن حريتهم مقابل أن يتوقف هدر الدماء بهذا الشكل».

لكن منال ياسين، ترى أن من يتحمل مسؤولية استمرار هذه الحرب هو الاحتلال الإسرائيلي وخاصةً نتنياهو الذي يرفض كل الحلول، معربةً عن اعتقادها أن «حماس» قدمت ما عليها، وحاولت تقديم كثير من المرونة، لكن من ترفض الحلول هي إسرائيل.

وتؤكد ياسين أن جميع سكان غزة يريدون وقف هذه الحرب.

ولا يقتصر هذا الجدل على آراء الناس في الشارع، بل امتد لشبكات التواصل الاجتماعي. وكتب الكاتب محمود جودة على صفحته على «فيسبوك»: «الموضوع صار خارج منطق أي شيء، مطر وجوع وقتل وخوف، أهل غزة الآن بيتعذبوا بشكل حقير وسادي، مقابل اللاشيء حرفياً. الجرحى بينزفوا دم، والمطر مغرقهم، والخيام طارت، والطين دفن وجوه الناس، ليش كل هذا بيصير فينا، ليش وعشان شو بيتم استنزافنا هيك بشكل مهين».

وقال الطبيب فضل عاشور، إن «كل محاولات حماس للحفاظ على البقاء محكومة بالفشل، والعناد اليائس ثمنه دمنا ولحم أطفالنا». فيما كتب الناشط الشبابي أيمن بكر: «ما هذا الخرب يا حماس؟ هل كل هذا يستاهل ما نحن فيه؟ نحن نموت جوعاً وقتلاً».

جوع وأزمة غذاء وتدافع على حصص المساعدات الغذائية في خان يونس (رويترز)

جدل عام وتهم جاهزة

هذا الجدل سرعان ما انتقل إلى السياسيين ورجال الدين.

فقد أثار الشيخ سليمان الداية عميد كلية الشريعة في الجامعة الإسلامية التابعة لـ«حماس»، وأبرز الشخصيات المعروفة مجتمعياً ومن القيادات المؤثرة دينياً داخل الحركة، وجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، جدلاً عبر شبكات التواصل الاجتماعي بعد نشره حلقات متتالية حول ما آلت إليه الحرب من نتائج صعبة على واقع الغزيين سياسياً واقتصادياً ودينياً واجتماعياً.

وكان الداية بالأساس يرد على تساؤلات دفعته لنشر هذه الحلقات، حول تصريحات للقيادي في «حماس» أسامة حمدان، حين قال إن ما يعيشه سكان غزة واقع عاشه كثيرون في العالم على مر التاريخ، مدافعاً عن هجوم 7 أكتوبر، ومبرراً حاجة حركته للتمسك بمواقفها رغم العدد الكبير من الضحايا والدمار الذي لحق بغزة.

ودفع كلام الداية، الكثيرين من المؤيدين لفكرة إنهاء الحرب أو رفضها من الأساس، بينما هاجمه كثيرون من عناصر «حماس» ووصفوه بأنه أحد «المتخاذلين أو المستسلمين».

وكتب الأسير المحرر والمختص بالشؤون الإسرائيلية عصمت منصور على صفحته في «فيسبوك» معلقاً على هذا الجدل: «لا تتهموا كل من يختلف أو يجتهد أو يحاول إثارة نقاش بجمل مسبقة وجاهزة ووضعه في خانة معادية للمقاومة وتحويل المقاومة إلى سيف مسلط على ألسن الناس».

ويرى المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن هذا الخلاف، طبيعي في ظل الظروف التي تحكم الفلسطينيين، لكنه يعتقد أنه كان من الصواب لو اعترفت «حماس» بأنها ربما قد تكون أخطأت التقدير في ظروف ردة الفعل الإسرائيلية على مثل الهجوم الذي شنته، وكان من الممكن أن يكون بشكل مغاير يخفف من مثل ما يجري على الأرض من مجازر ترتكب يومياً.

وأضاف: «الفلسطينيون بحاجة لنقاش جدي حول كثير من القضايا خاصةً فيما يتعلق بما وصلت إليه القضية الفلسطينية على جميع المستويات».

وتجمع غالبية من الفلسطينيين على أن حركة «حماس» كانت قادرة على أن يكون الهجوم الذي نفذته في السابع من أكتوبر 2023، أكثر حكمةً وأقل ضرراً بالنسبة للغزيين في ردة فعلهم.

أطفال فلسطينيون يحضرون صفاً أقامته معلمة سابقة وأم من رفح لتعليم الأولاد في مركز نزوحهم بإحدى مدارس خان يونس (أ.ف.ب)

ويستدل الفلسطينيون خاصةً في غزة، على العديد من الهجمات التي كانت تنفذها «حماس» لمحاولة خطف إسرائيليين، بشكل يظهر حكمتها، كما جرى في عملية أسر جلعاد شاليط عام 2006.

وتقول مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»، إن ما جرى كان خارج التوقعات، ولم يشمل المخطط الحقيقي للعملية، على الأقل أسر هذا العدد الكبير من الإسرائيليين.

وتعتقد مصادر أخرى أن القائمين على مخطط الهجوم، لو كانوا يدركون أنه سيسير بهذا الشكل، وتحديداً فيما يتعلق بردة الفعل الإسرائيلية، لصرفوا النظر أو أوقفوا الهجوم أو غيروا من تكتيكاته.

وإذا كان ثمة نقاش حول الثمن المدفوع الذي أرادت «حماس» أن تجبيه فإنها حتى الآن لم تُجبِه.

ويبدو أن التوصل لصفقة بين «حماس» وإسرائيل، أعقد مما تخيلت الحركة، في ظل رفض الأخيرة لكثير من الشروط التي وضعتها الأولى، خاصةً فيما يتعلق بالانسحاب من قطاع غزة بشكل كامل، وعودة النازحين من جنوب القطاع إلى شماله، والأزمة المتعلقة بشكل أساسي باليوم التالي للحرب.

وينوي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حتى الآن، المضي في حربه، من أجل مصالح سياسية وشخصية بشكل أساسي، وهو الأمر الذي تؤكده عوائل الأسرى الإسرائيليين وغيرهم وحتى جهات من المؤسسة الأمنية في تل أبيب، التي تشير إلى أن نتنياهو هو من يعرقل أي اتفاق مع «حماس».

وأكد المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن «نتنياهو يفضل استمرار الحرب في غزة من أجل كسب الوقت للحفاظ على حكمه سياسياً ومنع تفكك ائتلافه الحكومي من جهة، ومنع مقاضاته من جهة أخرى، ولذلك طلب مؤخراً عدة مرات تأجيل شهادته في قضايا الفساد المتهم بها، كما أنه يسعى لسن قوانين تسمح له بعدم الوجود في أماكن معينة لوقت طويل خشيةً من استهدافه بالطائرات المسيّرة، بهدف المماطلة في جلسات المحاكمة».

ويعتقد إبراهيم أنه كان من الممكن سابقاً التوصل لاتفاق جزئي يضمن في نهايته انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، إلا أن المشهد المعقد أيضاً في عملية اتخاذ القرار الفلسطيني داخل حركة «حماس» بشكل خاص، كان له أثر سلبي على ذلك، ما أضاع العديد من الفرص للتوصل لصفقة.

ويتفق إبراهيم مع الآراء التي تؤكد أن التوصل لصفقة يصبح أكثر تعقيداً وصعوبةً مع مرور الوقت.

وبانتظار أن ترى صفقة «حماس» النور أو لا... لم تكن «حماس» مخترعة العجلة في هذا الأمر.

صفقات تبادل سابقة

ونجح الفلسطينيون عبر تاريخ طويل في عقد عدة صفقات تبادل أسرى.

وكانت صفقة الجندي جلعاد شاليط هي الأولى بالنسبة لحركة «حماس»، وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، كانت الصفقة الثانية بالنسبة لـ«حماس» خلال الحرب الحالية، بإطلاق سراح نحو 50 إسرائيلياً مقابل 150 فلسطينياً.

ويعود التاريخ الفلسطيني في صفقات التبادل، إلى يوليو (تموز) 1968، وهي الصفقة الأولى بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، حين نجح عناصر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إحدى فصائل المنظمة، باختطاف طائرة إسرائيلية تابعة لشركة العال، التي كانت متجهة من روما إلى تل أبيب وأجبرت على التوجه إلى الجزائر وبداخلها أكثر من مائة راكب، وتم إبرام الصفقة من خلال «الصليب الأحمر الدولي» وأفرج عن الركاب مقابل 37 أسيراً فلسطينياً من ذوي الأحكام العالية من ضمنهم أسرى فلسطينيون كانوا قد أسروا قبل عام 1967.

وفي يناير (كانون الثاني) 1971، جرت عملية تبادل أسير مقابل أسير ما بين حكومة إسرائيل وحركة «فتح»، وأطلق بموجبها سراح الأسير محمود بكر حجازي، مقابل إطلاق سراح جندي إسرائيلي اختطف في أواخر عام 1969.

وفي مارس (آذار) 1979، جرت عملية تبادل أخرى بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، حيث أطلقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، سراح جندي إسرائيلي كانت قد أسرته بتاريخ 5 أبريل (نيسان) 1978، في كمين قرب صور، وقتلت حينها 4 جنود آخرين، وأفرجت إسرائيل مقابل الجندي عن 76 معتقلاً فلسطينياً من بينهم 12 سيدة.

وفي منتصف فبراير (شباط) 1980 أطلقت حكومة إسرائيل سراح الأسير مهدي بسيسو، مقابل إطلاق سراح مواطنة عملت جاسوسة لصالح إسرائيل كانت محتجزة لدى حركة «فتح»، وتمت عملية التبادل في قبرص وبإشراف اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر».

وفي 23 نوفمبر 1983، جرت عملية تبادل جديدة ما بين الحكومة الإسرائيلية، وحركة «فتح»، أفرج بموجبها عن جميع أسرى معتقل أنصار في الجنوب اللبناني وعددهم (4700) أسير فلسطيني ولبناني، و (65) أسيراً من السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح ستة جنود إسرائيليين أسروا في منطقة بحمدون في لبنان، فيما أسرت الجبهة الشعبية – القيادة العامة، جنديين آخرين.

وفي 20 مايو (أيار) 1985، أجرت إسرائيل عملية تبادل مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، أطلق بموجبها سراح 1155 أسيراً كانوا محتجزين في سجونها المختلفة، مقابل ثلاثة جنود أسروا في عمليتين منفصلتين.

لكن ليس كل الصفقات تمت بمبادلة.

ولعل أبرز صفقة حصلت عليها «حماس» لم تشارك فيها بشكل مباشر، وكانت عام 1997، حين جرت اتفاقية تبادل ما بين الحكومة الإسرائيلية والحكومة الأردنية وأطلقت بموجبها الحكومة الأخيرة سراح عملاء الموساد الإسرائيلي الذين حاولوا اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» حينها خالد مشعل، فيما أطلقت حكومة إسرائيل سراح الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة، الذي كان معتقلاً في سجونها منذ عام 1989 وكان يقضي حكماً بالسجن مدى الحياة، وكان لهذا الإفراج دور مهم في ارتفاع شعبية الحركة على مدار سنوات تلت ذلك، وخاصة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.