منذر دحلة يشرح «الوثبات المذهلة» في علوم التكنولوجيا

«الشرق الأوسط» تسخّر قدرات «تشات جي بي تي» في حوارها مع العالِم الأميركي العربي

منذر دحلة يشرح «الوثبات المذهلة» في علوم التكنولوجيا
TT

منذر دحلة يشرح «الوثبات المذهلة» في علوم التكنولوجيا

منذر دحلة يشرح «الوثبات المذهلة» في علوم التكنولوجيا

أسدى مدير معهد البيانات والأنظمة والمجتمع لدى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا «أم آي تي»، البروفسور منذر دحلة، بعض النصح حيال كيفية كتابة هذا الحوار معه من خلال الاستعانة عمداً بنظام «تشات جي بي تي» الذي يعكس القدرات المذهلة التي وصل إليها الذكاء الاصطناعي، وآفاق استخداماته المستقبلية. وعلى غرار الصحافي، ساوره الفضول في النتيجة المحتملة. تضمنت نصائح هذا العالم الأميركي الفلسطيني الأصل -ضمن أمور أخرى- ألا أقْدم مثلاً على إعطاء المقابلة كاملة لكي يعيد «تشات جي بي تي» كتابتها. «لو فعلت ذلك، لأعطاك نصاً مختلفاً لا يشبه الحوار»، مضيفاً أن «الأفضل أن تعطيه مقاطع صغيرة لإعادة صوغها». هكذا كان. في أماكن محددة، جاءت نتيجة الذكاء الاصطناعي مثالية. وفي أماكن أخرى، كان يجب الإبقاء على العمل الصحافي الأصلي. لماذا جزئياً؟ لأن قدرات «تشات جي بي تي» والذكاء الاصطناعي لا تزال محدودة. نجح في أماكن وأخفق في أماكن أخرى.

هنا نص الحوار مع البروفسور دحلة، الذي وافق مسبقاً على استخدام «تشات جي بي تي» لإعادة صوغ أسئلة وبعض إجابات دحلة:

منذر دحلة

> حسناً، عاد ابني البالغ من العمر ست سنوات من المدرسة، طالباً مني تخمين ما حصل. دعته المعلمة مع بقية التلامذة لكي يسألوا «تشات جي بي تي» عمّا يشاءون. وكان رائعاً له أن الكومبيوتر أجاب عن كل الأسئلة. ونقل عن معلمته أن في الأمر غشاً، إذ كلّف الكومبيوتر بأداء الفروض المدرسية. السؤال نفسه طرحه باحث في معهد «ماساتشوستس للتكنولوجيا» على «تشات جي بي تي». وأتى الجواب مثالياً. هل يمكنك، أنت الذي يعمل في هذا المجال، أن تقدّم إجابة أفضل من جواب «تشات جي بي تي»؟

- لا أعرف ما إذا كانت إجابتي أفضل. ولكن لديّ إجابة مختلفة. في الماضي، واجهنا تحديات في استخدام الآلات الحاسبة في الصفوف الدراسية، وتساءلنا عن تأثيرها على قدرات الطلاب في الرياضيات ومهارات الحساب. ولكن، تكيّفنا معها ونجحنا في تحسين العملية التعليمية. واليوم، نواجه تحدياً مماثلاً مع «تشات جي بي تي»، الذي يمكنه كتابة مقالات ويتفاعل مع الطلاب بشكل لغوي. ومع ذلك، يجب علينا التكيف مع التغييرات التكنولوجية واستخدامها لصالح التعليم. بدلاً من منع استخدام «تشات جي بي تي»، يمكننا استخدامه كأداة لتحسين مهارات الكتابة والتعبير لدى الطلاب. وبالتالي، يمكن أن تساعد تقنية «تشات جي بي تي» الطلاب على تطوير مهاراتهم اللغوية والكتابية، بما في ذلك قدرتهم على كتابة مقالات جيدة. وعلينا أن نتأكد من أننا نستخدم هذه التقنية بشكل مناسب وفعال، ونعمل على توفير التوجيه والدعم اللازم للطلاب للتعلم من استخدام «تشات جي بي تي» بشكل أفضل.

> أعرف عن «تشات جي بي تي 4»، وأنت ربما تعمل على النموذج الخامس أو السادس. هل تحاول تبسيط الأمر على عامة الناس؟

- «تشات جي بي تي 4» نموذج لغوي متقدم يستخدم تعلّم الآلة لتوليف المفاهيم وتجميع الأفكار والتحدث بطريقة طبيعية مع الناس. والنماذج الحالية من «تشات جي بي تي» (مثل النموذجين الخامس والسادس) تمثل تطويرات على النموذج الرابع. رغم أن «تشات جي بي تي» يتطلب بحثاً متقدماً وتطويراً مستمرَّين، فإن استخدامه لكتابة رسائل التوصية وإصلاح الأخطاء النحوية واللغوية يعد استخداماً فعالاً للتقنية. ويمكن لهذا الاستخدام تبسيط الأمر على عامة الناس، إذ يمكن استخدام «تشات جي بي تي» لإنشاء رسائل أو مقالات بشكل أسرع وأكثر كفاءة. ومن المهم التأكد من استخدام «تشات جي بي تي» بشكل مسؤول وتفادي استخدامه لأغراض خاطئة أو غير أخلاقية، وذلك لتجنب الآثار السلبية المحتملة على المجتمع والأفراد.

«نصيحة للصحافيين»

> حسناً، وأنا أفكر في مقالتي (هذه) وأنا أكتب منذ نحو 30 عاماً في الصحافة، أردت أن أعطيها إلى «جي بي تي» وأن أسأله عما إذا كان ينبغي أن تكون أفضل...

- سأُسدي لك النصح. إذا أعطيت المستند بالكامل لـ«تشات جي بي تي»، سيغيّر المستند بطريقة لا تعكس من أنت. «تشات جي بي تي» سيلغيك. يعيد كتابة النص بشكل لا يشبهك. لا تعطه الوثيقة كاملة. بل أعطه فقرات صغيرة، واطلب منه إصلاحها. هذا أحسن، لأنه يدخل ويصلح الفقرة ويمنحك نسخة أجمل. تبقى أنت وتبقى الفقرات لك والتفكير لك.

> لنقلْ إني فعلت ذلك، ماذا ستكون النتيجة؟

- أنا أتعلم. أتعلم مثلك ومثل الجميع. لا أتوقف عن التعلم قط. لا أزال لا أعرف كيفية الاستفادة القصوى من هذه التكنولوجيا الجديدة. أنا ألعب بها، كما تفعل أنت، وكما يفعل الآخرون. هذه هي تجربتي اليوم. أما غداً فسيكون لديَّ شيء آخر لأني ألعب كل يوم بالتكنولوجيا، لأني أستاذ. أنا أعاني من هذا النقاش الذي يحصل (...) لأني أريد التأكد من أننا لا نفعل شيئاً سيئاً، وأننا نخلق جيلاً فاته القارب (...) أعتقد أن هذه هي معضلة الكتاب الآن، لأنهم يقولون: يا إلهي، «تشات جي بي تي» يأخذ وظيفتي. الحقيقة هي أنه لا يأخذ وظيفتك، لكنه يغيّر وظيفتك. سأكون فضولياً للغاية لمعرفة ما سيحدث. هل ستخبرني؟

استقلالية الآلة

> أسمع أن لديك بعض المخاوف كالتي لديَّ. أنا أعد نفسي ساذجاً للغاية حيال هذه التكنولوجيا، أما أنت ففي غمار عملية صنعها. لذلك أستنتج أن المخاوف حقيقية...

- بالطبع، أعتقد أن الخبراء هم أول من يهتمون. لذلك، هناك توتر. نحن نطوّر التكنولوجيا دائماً ونسعى وراء التكنولوجيا لنفهم ما تفعله. أعمل مع أشخاص على السيارات ذاتية القيادة. القيادة الذاتية تحصل الآن. لم تنجَز بعد، لكنها حاصلة. في يوم ما، ستكون السيارات ذاتية القيادة، وسينتج عنها تغيير اجتماعي بسبب الاستقلالية الذاتية (للآلة). ستضع ابنتك في سيارة كهذه لتأخذها إلى موعد اللعب مع الأطفال. هذا معقد للغاية. كيف تثق بذلك؟ هل تفعل ذلك حقاً؟ وكيف يغيّر ذلك حياتك وأسلوب حياتك؟ وكيف تتكيف مع ذلك؟ نحن دائماً نلتحق بالآثار الاجتماعية...

> والآثار القانونية؟

- وبالطبع الآثار القانونية. لذلك فإن التكنولوجيا تتحرك دائماً بسرعة. ويسألني الناس: هل يمكنك إبطاء التكنولوجيا؟ لا يمكن إبطاء التكنولوجيا.

> هذه مفارقة. هل تريد هنا الرد على إيلون ماسك والمئات من الرؤساء التنفيذيين الذين يدعون إلى تجميد أو وقف تطوير «تشات جي بي تي»؟

- لا أوافق. أنا لا أوافق. رأيي هو أنه لا يمكنك تحديد طريقة معقولة لوقف البحث. ماذا يعني ذلك؟ الأشخاص الذين يفكرون في وقف النموذج التوليدي الكبير الآن لفعل أمر آخر. لا يمكنك التحكم في هذه العملية، ولا ينبغي القيام بذلك.

الأبحاث تتواصل

> لماذا؟

- لأن هذه هي الطريقة التي نطوّر فيها التكنولوجيا الجديدة. وهذا هو العقل البشري المبدع. نحن نتكيف. بالطبع، لو كنت تطوِّر سلاح دمار شامل، فسأقول: توقف. ولكن نظراً لأنك تطوِّر تكنولوجيا تعمل على تغيير طريقة استخدامك للمعرفة وما إلى ذلك. فأنا أقول: لا تتوقف ولكن عليك الانتباه للآثار الأخرى. السيارات تقتل الكثير من الناس. تقتل السيارات بطريق الخطأ الكثير من الناس، ولكننا لا نتوقف عن البحث عن السيارات. نحاول أن نجعلها أفضل.

> في حديث لها مع «نيويورك تايمز»، قالت نائبة المدير السابقة لمكتب البيت الأبيض للعلوم والسياسة التكنولوجية ألوندرا نيلسون، إنها تشبّه مفعول «تشات جي بي تي» والذكاء الاصطناعي بالاختراق النووي وبتغير المناخ. هل توافق؟

- لا أعرف ما الادعاء تحديداً.

> الادعاء هو أن ثورة تحصل الآن على مستوى هاتين القضيتين...

- نعم، أوافق. كانت هناك ثورة في الطاقة النووية: مشروع مانهاتن. بعد عام ونصف العام منه، حصلنا على قنبلة. هذا رهان واضح وصحيح. أما المناخ، فإنه يتغير نحو الأسوأ. لم نكتشف الإجابة السحرية عن ذلك. لذلك لا يزال هذا في مجال البحث البدائي، في رأيي، لا نزال ننتج ثاني أكسيد الكربون وننتج غاز الميثان. تأثير تغير المناخ هائل. ولكنّ القنبلة النووية كانت تقدماً تكنولوجياً، كان له أيضاً تأثير ضار. الذكاء الاصطناعي تقدم تكنولوجي لم يكتمل بعد. يصير أكثر فأكثر، ولكننا لم نتجاوز التغير التكنولوجي حتى الآن. يريد كثيرون القول: نعم، نحن نتحدى الذكاء البشري. نحن نتداخل مع الذكاء البشري. نحن لسنا قريبين من هذا حتى الآن. لدينا وثبة قمنا بها في هذه النماذج اللغوية الكبيرة. نحن مندهشون بها، وبما يمكنها أن تفعله. لأننا رأيناها فجأة تفعل أشياء نقوم بها. ما مقدار الإبداع الذي تمتلكه؟ هذا النظام يمكنه أن يكتب رمزاً، رسالة... ونقول إن ذلك يقترب من مستوى ذكائنا. الطريقة التي أنظر بها إلى هذا هو أن الكثير مما نقوم به هو أيضاً روتينيٌّ وليس إبداعياً بشكل دائم. الآن نكتشف أن الكثير من الأمور روتينية: الشِّعر. كنا نفكر في الشِّعر، يا إلهي، إنه لأمر مدهش حقاً. الآن، اطلب من «تشات جي بي تي» أن يولّد شِعراً. تجلس هناك وتقول: كم هذا جميل! كما تعلم، ليس كل الشِّعر جيداً لأنه فقط مقفّى. هناك الكثير من الأمور الروتينية. نحن نوسِّع حدود ما نعتقد أنه روتيني. فوجئت بأن الكثير من الأمور التي نقوم بها روتينية.

الأكثر والأقل ذكاءً

> تمام. ما رأيك في سلبيات التكنولوجيا الجديدة التي تتحدث عنها؟

- هو أننا أصبحنا راضين، معتمدين عليها. أعتقد أنه كان الرئيس التنفيذي لشركة «أبل» الذي ألقى خطاب التخرج في معهد «ماساتشوستس للتكنولوجيا» عام 2017، فقال: «لا أخشى أن يصبح الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاءً، بل أقلق من أن يصير الإنسان أقل ذكاءً». وذلك لأننا أصبحنا راضين عن أنفسنا وتابعين للآلة. > ماذا تسمي بعض الإيجابيات؟ - أعني، أعتقد أننا حصلنا على السرعة والكفاءة. يمكننا تجميع المعلومات بسرعة كبيرة جداً. أنا أستاذ منذ 36 عاماً. أتذكر عندما بدأت أنني كنت أذهب إلى المكتبة للحصول على ورقة، الآن أكتب كلمتين وتأتي الورقة بسرعة. كأداة مساعدة للطبيب، أعتقد أنه سيكون رائعاً، أليس كذلك؟ الذكاء الاصطناعي يدفع الحدود لجلب الكثير من الأشياء المختلفة إليك، ويضعها أمامك.

> هل تعمل تقنية الذكاء الاصطناعي من أجل الصالح العام للناس، بما في ذلك على سبيل المثال، إضفاء الطابع الديمقراطي على المعرفة والإنتاج والتعليم في المجتمعات؟

- نعم، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لصالحنا وتحسين تجربة التعلم عبر الإنترنت وحتى الاستفادة من نظم الواقع المعزّز. لكن يجب الاعتراف بأن الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي عالمان مختلفان، ولا يزال هناك الكثير لنفهمه. في معهد «ماساتشوستس للتكنولوجيا» نحن نسعى لتعميم التعليم عبر الإنترنت، ونؤمن بأن هناك فرصاً كبيرة لنظم الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة التعلم الفردية. ولكن يجب أن يتم تصميم هذه الأنظمة بشكل تكيفي مدفوع بالذكاء الاصطناعي لتتناسب مع احتياجات الفرد وتساعده على التعلم بشكل أفضل.

> أنا فضوليّ، كيف ترى أن وظيفتي كصحافي ستتأثر بالتكنولوجيا الجديدة؟

- رغم تأثر الصحافة بالذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي، فإنه يجب علينا الاهتمام بالمسؤولية المدنية للصحافة في تقديم الأحداث بشكل دقيق وعادل. ومع ذلك، تعد الصحافة اليوم مجرد وسيلة لكسب المال، وهذا يشكل خطراً كبيراً على دورها في المجتمع. ومع إضافة نماذج اللغة التي تُنتج نصوصاً غير متحقَّق منها، فإن الصحافيين يواجهون مزيداً من الصعوبات في تقديم الأحداث بشكل دقيق وعادل. يجب أن نتحلى بالحذر في التعامل مع هذه التطورات الجديدة لضمان عدم إضرارها بالمجتمع بأي شكل.


مقالات ذات صلة

يوميات الشرق شعار شركة «أوبن إيه آي»  (رويترز)

العثور على مبلّغ عن مخالفات «أوبن إيه آي» ميتاً في شقته

تم العثور على أحد المبلغين عن مخالفات شركة «أوبن إيه آي» ميتاً في شقته بسان فرانسيسكو.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
تكنولوجيا بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)

الذكاء الاصطناعي يزدهر بمجال التعليم وسط شكوك في منافعه

بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت الذي فرضته جائحة «كوفيد»، يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم، رغم الشكوك في منافعه.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق «صوفيا» آسرةُ القلوب (أ.ب)

«أيقونة» الذكاء الاصطناعي «صوفيا» تأسر القلوب في زيمبابوي

اعتذرت عندما نبَّهها أحدهم إلى أنها تجنَّبت النظر إليه، وبدت «صوفيا» أيضاً صبورةً عندما تجمَّع حولها الكبار والصغار لالتقاط الصور، وأخذوا يمطرونها بالأسئلة.

«الشرق الأوسط» (هراري (زيمبابوي))
الاقتصاد بوتين يزور معرضًا في «رحلة الذكاء الاصطناعي» بسابيربنك في موسكو 11 ديسمبر 2024 (رويترز)

روسيا تعتزم تحسين تصنيفها العالمي في الذكاء الاصطناعي بحلول 2030

قال ألكسندر فيدياخين، نائب الرئيس التنفيذي لأكبر بنك مقرض في روسيا، «سبيربنك»، إن البلاد قادرة على تحسين موقعها في تصنيفات الذكاء الاصطناعي العالمية بحلول 2030.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»

بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
TT

إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»

بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»

بعد أكثر من 420 يوماً على أطول حرب مدمرة عرفها الفلسطينيون، لا يزال الغزيون الذين فقدوا بلدهم وحياتهم وبيوتهم وأحباءهم، لا يفهمون ماذا حدث وماذا أرادت حركة «حماس» حقاً من هجومها المباغت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل، الهجوم الذي غير شكل المنطقة وفتح أبواب الحروب والتغييرات.

الشيء الوحيد الواضح حتى الآن هو أن غزة تحولت إلى منطقة غير قابلة للحياة، ولا شيء يمكن أن يصف ألم الباقين على قيد الحياة الذين فقدوا نحو 50 ألفاً في الحرب المستمرة، وأكثر من 100 ألف جريح.

وإذا كان السكان في قطاع غزة، وآخرون في الضفة الغربية وربما أيضا في لبنان ومناطق أخرى لم يفهموا ماذا أرادت «حماس»، فإنهم على الأقل يأملون في أن تأتي النتائج ولو متأخرة بحجم الخسارة، ولا شيء يمكن أن يعوض ذلك سوى إقامة الدولة. لكن هل أرادت «حماس» إقامة الدولة فعلاً؟

هاجس الأسرى الذي تحول طوفاناً

في الأسباب التي ساقتها، تتحدث حركة «حماس» عن بداية معركة التحرير، لكنها تركز أكثر على «تحريك المياه الراكدة في ملف الأسرى الإسرائيليين الذين كانت تحتجزهم الحركة قبيل الحرب»، و «الاعتداءات المتكررة من قبل المنظومة الأمنية الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين»، إلى جانب تصاعد العدوان باتجاه المسجد الأقصى والقدس وزيادة وتيرة الاستيطان.

ولا تغفل الحركة عن أنها أرادت توجيه ضربة استباقية تهدف لحرمان تل أبيب من مباغتة غزة، وإعادة القضية إلى الواجهة.

وقالت مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الأسباب كانت صحيحة وكافية بالنسبة للحركة لاتخاذ قرار شن الهجوم، لكن خرج المخطط عن السيطرة».

لافتات في القدس تنادي بعقد صفقة لإطلاق الأسرى الإسرائيليين في غزة بجانب صورة لزعيم «حماس» يحيى السنوار وأخرى لزعيم «حزب الله» حسن نصر الله اللذين قتلتهما إسرائيل في سبتمبر وأكتوبر الماضيين (أ.ف.ب)

وأضاف: «الهدف الرئيسي كان أسر جنود إسرائيليين وعقد صفقة تاريخية. ثم تأتي الأسباب الأخرى. لكن لم يتوقع أحد حتى المخططون الرئيسيون، أن تنهار قوات الاحتلال الإسرائيلي بهذه الطريقة، ما سمح بالدفع بمزيد من المقاومين للدخول لمناطق أخرى في وقت وجيز، قبل أن يتسع نطاق الهجوم بهذا الشكل».

ويعد تحرير الأسرى الفلسطينيين بالقوة، هاجس «حماس» منذ نشأت نهاية الثمانينات.

ونجحت الحركة بداية التسعينات أي بعد تأسيسها فوراً باختطاف جنود في الضفة وغزة والقدس وقتلتهم دون تفاوض. وفي عام 1994 خطف عناصر «حماس» جندياً وأخذوه إلى قرية في رام الله وبَثُّوا صوراً له ورسائل، وطلبوا إجراء صفقة تبادل، قبل أن يداهم الجنود المكان ويقتلوا كل من فيه.

وخلال العقود القليلة الماضية، لم تكل «حماس» أو تمل حتى نجحت عام 2006 في أسر الجندي جلعاد شاليط على حدود قطاع غزة، محتفظة به حتى عام 2011 عندما عقدت صفقة كبيرة مع إسرائيل تم بموجبها تحرير شاليط مقابل ألف أسير فلسطيني، بينهم يحيى السنوار الذي فجر فيما بعد معركة السابع من أكتوبر من أجل الإفراج عمن تبقى من رفاقه في السجن.

وتعد الحركة، الوحيدة التي نجحت في خطف إسرائيليين داخل الأراضي الفلسطينية، فيما نجح الآخرون قبل ذلك خارج فلسطين.

وقال مصدر في «حماس»: «قيادة الحركة وخاصةً رئيس مكتبها السياسي يحيى السنوار، كانت تولي اهتماماً كبيراً بملف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وظلت تبحث عن كل فرصة لإخراج أكبر عدد ممكن منهم».

وأضاف: «السنوار وعد رفاقه عندما خرج في صفقة شاليط بالإفراج عنهم».

انفجار ضخم بعد قصف إسرائيلي لمخيم البريج جنوب غزة (إ.ب.أ)

وفعلاً حاول السنوار التوصل إلى صفقة من خلال مفاوضات على 4 أسرى لدى الحركة، وهم الجنود: هدار غولدن، وآرون شاؤول، اللذان تم أسرهما عام 2014، وأفراهام منغستو بعدما دخل الحدود بين عسقلان وغزة في العام نفسه، وهشام السيد بعد تسلله هو الآخر من الحدود.

تكتيكات «حماس» قبل وبعد

منذ 2014 حتى 2023 جربت «حماس» كل الطرق. عرضت صفقة شاملة وصفقة إنسانية، وضغطت على إسرائيل عبر نشر فيديوهات، آخرها فيديو قبل الحرب لمنغتسو، قال فيه: «أنا أفيرا منغيستو الأسير. إلى متى سأبقى في الأسر مع أصدقائي»، متسائلاً: «أين دولة إسرائيل وشعبها من مصيرهم».

ونشْر الفيديوهات من قبل «حماس» ميَّز سياسة اتبعتها منذ نشأتها من أجل الضغط على إسرائيل لعقد صفقات تبادل أسرى، وهو نهج تعزز كثيراً مع الحرب الحالية.

وخلال أكثر من عام نشرت «حماس» مقاطع فيديو لأسرى إسرائيليين بهدف الضغط على الحكومة الاسرائيلية، وعوائل أولئك الأسرى من جانب آخر، وكان آخر هذه المقاطع لأسير أميركي - إسرائيلي مزدوج الجنسية يدعى إيدان ألكسندر.

وظهر ألكسندر قبل أسبوع وهو يتحدث بالإنجليزية متوجهاً إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وبالعبرية متوجهاً إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مطالباً إياهم بالعمل على الإفراج عنه وعن الأسرى ضمن صفقة تبادل، مؤكداً أن حراسه من عناصر «حماس» أخبروه بأنهم تلقوا تعليمات جديدة إذا وصل الجيش الإسرائيلي إليهم، في إشارة لإمكانية قتله، داعياً الإسرائيليين للخروج والتظاهر يومياً للضغط على الحكومة للقبول بصفقة تبادل ووقف إطلاق النار في غزة. مضيفاً: «حان الوقت لوضع حد لهذا الكابوس».

وكثيراً ما استخدمت «حماس» هذا التكتيك، لتظهر أنها ما زالت تحافظ على حياة العديد منهم وأنهم في خطر حقيقي، وللتأكيد على موقفها المتصلب بأنه لا صفقة دون وقف إطلاق نار.

وفي الأيام القليلة الماضية، نشرت «حماس» فيديو جديداً عبر منصاتها أكدت فيه أن 33 أسيراً قتلوا وفقدت آثار بعضهم بسبب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وجيشه، وأنه باستمرار الحرب قد تفقد إسرائيل أسراها إلى الأبد.

إذن من أجل كل هذا وبعدما فشلت «حماس» في الوصول إلى صفقة، هاجمت في السابع من أكتوبر.

وقال مصدر مطلع: «لم تجد قيادة (حماس) أمامها سوى الخيار العسكري لتحريك هذا الملف، بعدما أهملت إسرائيل الملف ومطالبات الحركة بإتمام صفقة».

لكن النتائج جاءت عكس ما اشتهت السفن.

وأغلب الظن أن حركة «حماس» كانت تخطط لأسر عدد محدود من الإسرائيليين، تدخل بعدها في معركة قصيرة مع إسرائيل تجبر فيها الأخيرة على الإذعان لصفقة تبادل، على غرار ما جرى بعد اختطاف شاليط.

فالطوفان الذي خططت له «حماس»، جلب طوفانات على الفلسطينيين، وتحديداً في غزة التي تدمرت ودفعت ثمناً لا يتناسب مطلقاً مع الهدف المنوي جبايته.

خارج التوقعات

بدأت أصوات الغزيين ترتفع ويجاهر كثيرون بأن إطلاق سراح الأسرى لا يستحق كل هذا الدمار، ويقولون إن عدد الضحايا أصبح أضعاف أضعاف أعداد الأسرى، الذين بلغ عددهم قبل الحرب نحو 6 الآف.

وقال فريد أبو حبل وهو فلسطيني من سكان جباليا نازح إلى خان يونس جنوب القطاع: «كل ما نريده أن تتوقف هذه الحرب، لا شيء يمكن أن يكفر عن الثمن الباهظ جداً الذي دفعناه ولا حتى تبييض السجون بأكملها يمكن أن يعيد لنا جزءاً من كرامتنا المهدورة ونحن في الخيام ولا نجد ما نسد به رمق أطفالنا».

وتساءل أبو حبل: «من المسؤول عما وصلنا إليه؟! لو سئل الأسرى أنفسهم عن هذه التضحيات لربما كانوا تخلوا عن حريتهم مقابل أن يتوقف هدر الدماء بهذا الشكل».

لكن منال ياسين، ترى أن من يتحمل مسؤولية استمرار هذه الحرب هو الاحتلال الإسرائيلي وخاصةً نتنياهو الذي يرفض كل الحلول، معربةً عن اعتقادها أن «حماس» قدمت ما عليها، وحاولت تقديم كثير من المرونة، لكن من ترفض الحلول هي إسرائيل.

وتؤكد ياسين أن جميع سكان غزة يريدون وقف هذه الحرب.

ولا يقتصر هذا الجدل على آراء الناس في الشارع، بل امتد لشبكات التواصل الاجتماعي. وكتب الكاتب محمود جودة على صفحته على «فيسبوك»: «الموضوع صار خارج منطق أي شيء، مطر وجوع وقتل وخوف، أهل غزة الآن بيتعذبوا بشكل حقير وسادي، مقابل اللاشيء حرفياً. الجرحى بينزفوا دم، والمطر مغرقهم، والخيام طارت، والطين دفن وجوه الناس، ليش كل هذا بيصير فينا، ليش وعشان شو بيتم استنزافنا هيك بشكل مهين».

وقال الطبيب فضل عاشور، إن «كل محاولات حماس للحفاظ على البقاء محكومة بالفشل، والعناد اليائس ثمنه دمنا ولحم أطفالنا». فيما كتب الناشط الشبابي أيمن بكر: «ما هذا الخرب يا حماس؟ هل كل هذا يستاهل ما نحن فيه؟ نحن نموت جوعاً وقتلاً».

جوع وأزمة غذاء وتدافع على حصص المساعدات الغذائية في خان يونس (رويترز)

جدل عام وتهم جاهزة

هذا الجدل سرعان ما انتقل إلى السياسيين ورجال الدين.

فقد أثار الشيخ سليمان الداية عميد كلية الشريعة في الجامعة الإسلامية التابعة لـ«حماس»، وأبرز الشخصيات المعروفة مجتمعياً ومن القيادات المؤثرة دينياً داخل الحركة، وجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، جدلاً عبر شبكات التواصل الاجتماعي بعد نشره حلقات متتالية حول ما آلت إليه الحرب من نتائج صعبة على واقع الغزيين سياسياً واقتصادياً ودينياً واجتماعياً.

وكان الداية بالأساس يرد على تساؤلات دفعته لنشر هذه الحلقات، حول تصريحات للقيادي في «حماس» أسامة حمدان، حين قال إن ما يعيشه سكان غزة واقع عاشه كثيرون في العالم على مر التاريخ، مدافعاً عن هجوم 7 أكتوبر، ومبرراً حاجة حركته للتمسك بمواقفها رغم العدد الكبير من الضحايا والدمار الذي لحق بغزة.

ودفع كلام الداية، الكثيرين من المؤيدين لفكرة إنهاء الحرب أو رفضها من الأساس، بينما هاجمه كثيرون من عناصر «حماس» ووصفوه بأنه أحد «المتخاذلين أو المستسلمين».

وكتب الأسير المحرر والمختص بالشؤون الإسرائيلية عصمت منصور على صفحته في «فيسبوك» معلقاً على هذا الجدل: «لا تتهموا كل من يختلف أو يجتهد أو يحاول إثارة نقاش بجمل مسبقة وجاهزة ووضعه في خانة معادية للمقاومة وتحويل المقاومة إلى سيف مسلط على ألسن الناس».

ويرى المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن هذا الخلاف، طبيعي في ظل الظروف التي تحكم الفلسطينيين، لكنه يعتقد أنه كان من الصواب لو اعترفت «حماس» بأنها ربما قد تكون أخطأت التقدير في ظروف ردة الفعل الإسرائيلية على مثل الهجوم الذي شنته، وكان من الممكن أن يكون بشكل مغاير يخفف من مثل ما يجري على الأرض من مجازر ترتكب يومياً.

وأضاف: «الفلسطينيون بحاجة لنقاش جدي حول كثير من القضايا خاصةً فيما يتعلق بما وصلت إليه القضية الفلسطينية على جميع المستويات».

وتجمع غالبية من الفلسطينيين على أن حركة «حماس» كانت قادرة على أن يكون الهجوم الذي نفذته في السابع من أكتوبر 2023، أكثر حكمةً وأقل ضرراً بالنسبة للغزيين في ردة فعلهم.

أطفال فلسطينيون يحضرون صفاً أقامته معلمة سابقة وأم من رفح لتعليم الأولاد في مركز نزوحهم بإحدى مدارس خان يونس (أ.ف.ب)

ويستدل الفلسطينيون خاصةً في غزة، على العديد من الهجمات التي كانت تنفذها «حماس» لمحاولة خطف إسرائيليين، بشكل يظهر حكمتها، كما جرى في عملية أسر جلعاد شاليط عام 2006.

وتقول مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»، إن ما جرى كان خارج التوقعات، ولم يشمل المخطط الحقيقي للعملية، على الأقل أسر هذا العدد الكبير من الإسرائيليين.

وتعتقد مصادر أخرى أن القائمين على مخطط الهجوم، لو كانوا يدركون أنه سيسير بهذا الشكل، وتحديداً فيما يتعلق بردة الفعل الإسرائيلية، لصرفوا النظر أو أوقفوا الهجوم أو غيروا من تكتيكاته.

وإذا كان ثمة نقاش حول الثمن المدفوع الذي أرادت «حماس» أن تجبيه فإنها حتى الآن لم تُجبِه.

ويبدو أن التوصل لصفقة بين «حماس» وإسرائيل، أعقد مما تخيلت الحركة، في ظل رفض الأخيرة لكثير من الشروط التي وضعتها الأولى، خاصةً فيما يتعلق بالانسحاب من قطاع غزة بشكل كامل، وعودة النازحين من جنوب القطاع إلى شماله، والأزمة المتعلقة بشكل أساسي باليوم التالي للحرب.

وينوي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حتى الآن، المضي في حربه، من أجل مصالح سياسية وشخصية بشكل أساسي، وهو الأمر الذي تؤكده عوائل الأسرى الإسرائيليين وغيرهم وحتى جهات من المؤسسة الأمنية في تل أبيب، التي تشير إلى أن نتنياهو هو من يعرقل أي اتفاق مع «حماس».

وأكد المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن «نتنياهو يفضل استمرار الحرب في غزة من أجل كسب الوقت للحفاظ على حكمه سياسياً ومنع تفكك ائتلافه الحكومي من جهة، ومنع مقاضاته من جهة أخرى، ولذلك طلب مؤخراً عدة مرات تأجيل شهادته في قضايا الفساد المتهم بها، كما أنه يسعى لسن قوانين تسمح له بعدم الوجود في أماكن معينة لوقت طويل خشيةً من استهدافه بالطائرات المسيّرة، بهدف المماطلة في جلسات المحاكمة».

ويعتقد إبراهيم أنه كان من الممكن سابقاً التوصل لاتفاق جزئي يضمن في نهايته انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، إلا أن المشهد المعقد أيضاً في عملية اتخاذ القرار الفلسطيني داخل حركة «حماس» بشكل خاص، كان له أثر سلبي على ذلك، ما أضاع العديد من الفرص للتوصل لصفقة.

ويتفق إبراهيم مع الآراء التي تؤكد أن التوصل لصفقة يصبح أكثر تعقيداً وصعوبةً مع مرور الوقت.

وبانتظار أن ترى صفقة «حماس» النور أو لا... لم تكن «حماس» مخترعة العجلة في هذا الأمر.

صفقات تبادل سابقة

ونجح الفلسطينيون عبر تاريخ طويل في عقد عدة صفقات تبادل أسرى.

وكانت صفقة الجندي جلعاد شاليط هي الأولى بالنسبة لحركة «حماس»، وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، كانت الصفقة الثانية بالنسبة لـ«حماس» خلال الحرب الحالية، بإطلاق سراح نحو 50 إسرائيلياً مقابل 150 فلسطينياً.

ويعود التاريخ الفلسطيني في صفقات التبادل، إلى يوليو (تموز) 1968، وهي الصفقة الأولى بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، حين نجح عناصر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إحدى فصائل المنظمة، باختطاف طائرة إسرائيلية تابعة لشركة العال، التي كانت متجهة من روما إلى تل أبيب وأجبرت على التوجه إلى الجزائر وبداخلها أكثر من مائة راكب، وتم إبرام الصفقة من خلال «الصليب الأحمر الدولي» وأفرج عن الركاب مقابل 37 أسيراً فلسطينياً من ذوي الأحكام العالية من ضمنهم أسرى فلسطينيون كانوا قد أسروا قبل عام 1967.

وفي يناير (كانون الثاني) 1971، جرت عملية تبادل أسير مقابل أسير ما بين حكومة إسرائيل وحركة «فتح»، وأطلق بموجبها سراح الأسير محمود بكر حجازي، مقابل إطلاق سراح جندي إسرائيلي اختطف في أواخر عام 1969.

وفي مارس (آذار) 1979، جرت عملية تبادل أخرى بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، حيث أطلقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، سراح جندي إسرائيلي كانت قد أسرته بتاريخ 5 أبريل (نيسان) 1978، في كمين قرب صور، وقتلت حينها 4 جنود آخرين، وأفرجت إسرائيل مقابل الجندي عن 76 معتقلاً فلسطينياً من بينهم 12 سيدة.

وفي منتصف فبراير (شباط) 1980 أطلقت حكومة إسرائيل سراح الأسير مهدي بسيسو، مقابل إطلاق سراح مواطنة عملت جاسوسة لصالح إسرائيل كانت محتجزة لدى حركة «فتح»، وتمت عملية التبادل في قبرص وبإشراف اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر».

وفي 23 نوفمبر 1983، جرت عملية تبادل جديدة ما بين الحكومة الإسرائيلية، وحركة «فتح»، أفرج بموجبها عن جميع أسرى معتقل أنصار في الجنوب اللبناني وعددهم (4700) أسير فلسطيني ولبناني، و (65) أسيراً من السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح ستة جنود إسرائيليين أسروا في منطقة بحمدون في لبنان، فيما أسرت الجبهة الشعبية – القيادة العامة، جنديين آخرين.

وفي 20 مايو (أيار) 1985، أجرت إسرائيل عملية تبادل مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، أطلق بموجبها سراح 1155 أسيراً كانوا محتجزين في سجونها المختلفة، مقابل ثلاثة جنود أسروا في عمليتين منفصلتين.

لكن ليس كل الصفقات تمت بمبادلة.

ولعل أبرز صفقة حصلت عليها «حماس» لم تشارك فيها بشكل مباشر، وكانت عام 1997، حين جرت اتفاقية تبادل ما بين الحكومة الإسرائيلية والحكومة الأردنية وأطلقت بموجبها الحكومة الأخيرة سراح عملاء الموساد الإسرائيلي الذين حاولوا اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» حينها خالد مشعل، فيما أطلقت حكومة إسرائيل سراح الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة، الذي كان معتقلاً في سجونها منذ عام 1989 وكان يقضي حكماً بالسجن مدى الحياة، وكان لهذا الإفراج دور مهم في ارتفاع شعبية الحركة على مدار سنوات تلت ذلك، وخاصة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.