منذر دحلة يشرح «الوثبات المذهلة» في علوم التكنولوجيا

«الشرق الأوسط» تسخّر قدرات «تشات جي بي تي» في حوارها مع العالِم الأميركي العربي

منذر دحلة يشرح «الوثبات المذهلة» في علوم التكنولوجيا
TT

منذر دحلة يشرح «الوثبات المذهلة» في علوم التكنولوجيا

منذر دحلة يشرح «الوثبات المذهلة» في علوم التكنولوجيا

أسدى مدير معهد البيانات والأنظمة والمجتمع لدى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا «أم آي تي»، البروفسور منذر دحلة، بعض النصح حيال كيفية كتابة هذا الحوار معه من خلال الاستعانة عمداً بنظام «تشات جي بي تي» الذي يعكس القدرات المذهلة التي وصل إليها الذكاء الاصطناعي، وآفاق استخداماته المستقبلية. وعلى غرار الصحافي، ساوره الفضول في النتيجة المحتملة. تضمنت نصائح هذا العالم الأميركي الفلسطيني الأصل -ضمن أمور أخرى- ألا أقْدم مثلاً على إعطاء المقابلة كاملة لكي يعيد «تشات جي بي تي» كتابتها. «لو فعلت ذلك، لأعطاك نصاً مختلفاً لا يشبه الحوار»، مضيفاً أن «الأفضل أن تعطيه مقاطع صغيرة لإعادة صوغها». هكذا كان. في أماكن محددة، جاءت نتيجة الذكاء الاصطناعي مثالية. وفي أماكن أخرى، كان يجب الإبقاء على العمل الصحافي الأصلي. لماذا جزئياً؟ لأن قدرات «تشات جي بي تي» والذكاء الاصطناعي لا تزال محدودة. نجح في أماكن وأخفق في أماكن أخرى.

هنا نص الحوار مع البروفسور دحلة، الذي وافق مسبقاً على استخدام «تشات جي بي تي» لإعادة صوغ أسئلة وبعض إجابات دحلة:

منذر دحلة

> حسناً، عاد ابني البالغ من العمر ست سنوات من المدرسة، طالباً مني تخمين ما حصل. دعته المعلمة مع بقية التلامذة لكي يسألوا «تشات جي بي تي» عمّا يشاءون. وكان رائعاً له أن الكومبيوتر أجاب عن كل الأسئلة. ونقل عن معلمته أن في الأمر غشاً، إذ كلّف الكومبيوتر بأداء الفروض المدرسية. السؤال نفسه طرحه باحث في معهد «ماساتشوستس للتكنولوجيا» على «تشات جي بي تي». وأتى الجواب مثالياً. هل يمكنك، أنت الذي يعمل في هذا المجال، أن تقدّم إجابة أفضل من جواب «تشات جي بي تي»؟

- لا أعرف ما إذا كانت إجابتي أفضل. ولكن لديّ إجابة مختلفة. في الماضي، واجهنا تحديات في استخدام الآلات الحاسبة في الصفوف الدراسية، وتساءلنا عن تأثيرها على قدرات الطلاب في الرياضيات ومهارات الحساب. ولكن، تكيّفنا معها ونجحنا في تحسين العملية التعليمية. واليوم، نواجه تحدياً مماثلاً مع «تشات جي بي تي»، الذي يمكنه كتابة مقالات ويتفاعل مع الطلاب بشكل لغوي. ومع ذلك، يجب علينا التكيف مع التغييرات التكنولوجية واستخدامها لصالح التعليم. بدلاً من منع استخدام «تشات جي بي تي»، يمكننا استخدامه كأداة لتحسين مهارات الكتابة والتعبير لدى الطلاب. وبالتالي، يمكن أن تساعد تقنية «تشات جي بي تي» الطلاب على تطوير مهاراتهم اللغوية والكتابية، بما في ذلك قدرتهم على كتابة مقالات جيدة. وعلينا أن نتأكد من أننا نستخدم هذه التقنية بشكل مناسب وفعال، ونعمل على توفير التوجيه والدعم اللازم للطلاب للتعلم من استخدام «تشات جي بي تي» بشكل أفضل.

> أعرف عن «تشات جي بي تي 4»، وأنت ربما تعمل على النموذج الخامس أو السادس. هل تحاول تبسيط الأمر على عامة الناس؟

- «تشات جي بي تي 4» نموذج لغوي متقدم يستخدم تعلّم الآلة لتوليف المفاهيم وتجميع الأفكار والتحدث بطريقة طبيعية مع الناس. والنماذج الحالية من «تشات جي بي تي» (مثل النموذجين الخامس والسادس) تمثل تطويرات على النموذج الرابع. رغم أن «تشات جي بي تي» يتطلب بحثاً متقدماً وتطويراً مستمرَّين، فإن استخدامه لكتابة رسائل التوصية وإصلاح الأخطاء النحوية واللغوية يعد استخداماً فعالاً للتقنية. ويمكن لهذا الاستخدام تبسيط الأمر على عامة الناس، إذ يمكن استخدام «تشات جي بي تي» لإنشاء رسائل أو مقالات بشكل أسرع وأكثر كفاءة. ومن المهم التأكد من استخدام «تشات جي بي تي» بشكل مسؤول وتفادي استخدامه لأغراض خاطئة أو غير أخلاقية، وذلك لتجنب الآثار السلبية المحتملة على المجتمع والأفراد.

«نصيحة للصحافيين»

> حسناً، وأنا أفكر في مقالتي (هذه) وأنا أكتب منذ نحو 30 عاماً في الصحافة، أردت أن أعطيها إلى «جي بي تي» وأن أسأله عما إذا كان ينبغي أن تكون أفضل...

- سأُسدي لك النصح. إذا أعطيت المستند بالكامل لـ«تشات جي بي تي»، سيغيّر المستند بطريقة لا تعكس من أنت. «تشات جي بي تي» سيلغيك. يعيد كتابة النص بشكل لا يشبهك. لا تعطه الوثيقة كاملة. بل أعطه فقرات صغيرة، واطلب منه إصلاحها. هذا أحسن، لأنه يدخل ويصلح الفقرة ويمنحك نسخة أجمل. تبقى أنت وتبقى الفقرات لك والتفكير لك.

> لنقلْ إني فعلت ذلك، ماذا ستكون النتيجة؟

- أنا أتعلم. أتعلم مثلك ومثل الجميع. لا أتوقف عن التعلم قط. لا أزال لا أعرف كيفية الاستفادة القصوى من هذه التكنولوجيا الجديدة. أنا ألعب بها، كما تفعل أنت، وكما يفعل الآخرون. هذه هي تجربتي اليوم. أما غداً فسيكون لديَّ شيء آخر لأني ألعب كل يوم بالتكنولوجيا، لأني أستاذ. أنا أعاني من هذا النقاش الذي يحصل (...) لأني أريد التأكد من أننا لا نفعل شيئاً سيئاً، وأننا نخلق جيلاً فاته القارب (...) أعتقد أن هذه هي معضلة الكتاب الآن، لأنهم يقولون: يا إلهي، «تشات جي بي تي» يأخذ وظيفتي. الحقيقة هي أنه لا يأخذ وظيفتك، لكنه يغيّر وظيفتك. سأكون فضولياً للغاية لمعرفة ما سيحدث. هل ستخبرني؟

استقلالية الآلة

> أسمع أن لديك بعض المخاوف كالتي لديَّ. أنا أعد نفسي ساذجاً للغاية حيال هذه التكنولوجيا، أما أنت ففي غمار عملية صنعها. لذلك أستنتج أن المخاوف حقيقية...

- بالطبع، أعتقد أن الخبراء هم أول من يهتمون. لذلك، هناك توتر. نحن نطوّر التكنولوجيا دائماً ونسعى وراء التكنولوجيا لنفهم ما تفعله. أعمل مع أشخاص على السيارات ذاتية القيادة. القيادة الذاتية تحصل الآن. لم تنجَز بعد، لكنها حاصلة. في يوم ما، ستكون السيارات ذاتية القيادة، وسينتج عنها تغيير اجتماعي بسبب الاستقلالية الذاتية (للآلة). ستضع ابنتك في سيارة كهذه لتأخذها إلى موعد اللعب مع الأطفال. هذا معقد للغاية. كيف تثق بذلك؟ هل تفعل ذلك حقاً؟ وكيف يغيّر ذلك حياتك وأسلوب حياتك؟ وكيف تتكيف مع ذلك؟ نحن دائماً نلتحق بالآثار الاجتماعية...

> والآثار القانونية؟

- وبالطبع الآثار القانونية. لذلك فإن التكنولوجيا تتحرك دائماً بسرعة. ويسألني الناس: هل يمكنك إبطاء التكنولوجيا؟ لا يمكن إبطاء التكنولوجيا.

> هذه مفارقة. هل تريد هنا الرد على إيلون ماسك والمئات من الرؤساء التنفيذيين الذين يدعون إلى تجميد أو وقف تطوير «تشات جي بي تي»؟

- لا أوافق. أنا لا أوافق. رأيي هو أنه لا يمكنك تحديد طريقة معقولة لوقف البحث. ماذا يعني ذلك؟ الأشخاص الذين يفكرون في وقف النموذج التوليدي الكبير الآن لفعل أمر آخر. لا يمكنك التحكم في هذه العملية، ولا ينبغي القيام بذلك.

الأبحاث تتواصل

> لماذا؟

- لأن هذه هي الطريقة التي نطوّر فيها التكنولوجيا الجديدة. وهذا هو العقل البشري المبدع. نحن نتكيف. بالطبع، لو كنت تطوِّر سلاح دمار شامل، فسأقول: توقف. ولكن نظراً لأنك تطوِّر تكنولوجيا تعمل على تغيير طريقة استخدامك للمعرفة وما إلى ذلك. فأنا أقول: لا تتوقف ولكن عليك الانتباه للآثار الأخرى. السيارات تقتل الكثير من الناس. تقتل السيارات بطريق الخطأ الكثير من الناس، ولكننا لا نتوقف عن البحث عن السيارات. نحاول أن نجعلها أفضل.

> في حديث لها مع «نيويورك تايمز»، قالت نائبة المدير السابقة لمكتب البيت الأبيض للعلوم والسياسة التكنولوجية ألوندرا نيلسون، إنها تشبّه مفعول «تشات جي بي تي» والذكاء الاصطناعي بالاختراق النووي وبتغير المناخ. هل توافق؟

- لا أعرف ما الادعاء تحديداً.

> الادعاء هو أن ثورة تحصل الآن على مستوى هاتين القضيتين...

- نعم، أوافق. كانت هناك ثورة في الطاقة النووية: مشروع مانهاتن. بعد عام ونصف العام منه، حصلنا على قنبلة. هذا رهان واضح وصحيح. أما المناخ، فإنه يتغير نحو الأسوأ. لم نكتشف الإجابة السحرية عن ذلك. لذلك لا يزال هذا في مجال البحث البدائي، في رأيي، لا نزال ننتج ثاني أكسيد الكربون وننتج غاز الميثان. تأثير تغير المناخ هائل. ولكنّ القنبلة النووية كانت تقدماً تكنولوجياً، كان له أيضاً تأثير ضار. الذكاء الاصطناعي تقدم تكنولوجي لم يكتمل بعد. يصير أكثر فأكثر، ولكننا لم نتجاوز التغير التكنولوجي حتى الآن. يريد كثيرون القول: نعم، نحن نتحدى الذكاء البشري. نحن نتداخل مع الذكاء البشري. نحن لسنا قريبين من هذا حتى الآن. لدينا وثبة قمنا بها في هذه النماذج اللغوية الكبيرة. نحن مندهشون بها، وبما يمكنها أن تفعله. لأننا رأيناها فجأة تفعل أشياء نقوم بها. ما مقدار الإبداع الذي تمتلكه؟ هذا النظام يمكنه أن يكتب رمزاً، رسالة... ونقول إن ذلك يقترب من مستوى ذكائنا. الطريقة التي أنظر بها إلى هذا هو أن الكثير مما نقوم به هو أيضاً روتينيٌّ وليس إبداعياً بشكل دائم. الآن نكتشف أن الكثير من الأمور روتينية: الشِّعر. كنا نفكر في الشِّعر، يا إلهي، إنه لأمر مدهش حقاً. الآن، اطلب من «تشات جي بي تي» أن يولّد شِعراً. تجلس هناك وتقول: كم هذا جميل! كما تعلم، ليس كل الشِّعر جيداً لأنه فقط مقفّى. هناك الكثير من الأمور الروتينية. نحن نوسِّع حدود ما نعتقد أنه روتيني. فوجئت بأن الكثير من الأمور التي نقوم بها روتينية.

الأكثر والأقل ذكاءً

> تمام. ما رأيك في سلبيات التكنولوجيا الجديدة التي تتحدث عنها؟

- هو أننا أصبحنا راضين، معتمدين عليها. أعتقد أنه كان الرئيس التنفيذي لشركة «أبل» الذي ألقى خطاب التخرج في معهد «ماساتشوستس للتكنولوجيا» عام 2017، فقال: «لا أخشى أن يصبح الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاءً، بل أقلق من أن يصير الإنسان أقل ذكاءً». وذلك لأننا أصبحنا راضين عن أنفسنا وتابعين للآلة. > ماذا تسمي بعض الإيجابيات؟ - أعني، أعتقد أننا حصلنا على السرعة والكفاءة. يمكننا تجميع المعلومات بسرعة كبيرة جداً. أنا أستاذ منذ 36 عاماً. أتذكر عندما بدأت أنني كنت أذهب إلى المكتبة للحصول على ورقة، الآن أكتب كلمتين وتأتي الورقة بسرعة. كأداة مساعدة للطبيب، أعتقد أنه سيكون رائعاً، أليس كذلك؟ الذكاء الاصطناعي يدفع الحدود لجلب الكثير من الأشياء المختلفة إليك، ويضعها أمامك.

> هل تعمل تقنية الذكاء الاصطناعي من أجل الصالح العام للناس، بما في ذلك على سبيل المثال، إضفاء الطابع الديمقراطي على المعرفة والإنتاج والتعليم في المجتمعات؟

- نعم، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لصالحنا وتحسين تجربة التعلم عبر الإنترنت وحتى الاستفادة من نظم الواقع المعزّز. لكن يجب الاعتراف بأن الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي عالمان مختلفان، ولا يزال هناك الكثير لنفهمه. في معهد «ماساتشوستس للتكنولوجيا» نحن نسعى لتعميم التعليم عبر الإنترنت، ونؤمن بأن هناك فرصاً كبيرة لنظم الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة التعلم الفردية. ولكن يجب أن يتم تصميم هذه الأنظمة بشكل تكيفي مدفوع بالذكاء الاصطناعي لتتناسب مع احتياجات الفرد وتساعده على التعلم بشكل أفضل.

> أنا فضوليّ، كيف ترى أن وظيفتي كصحافي ستتأثر بالتكنولوجيا الجديدة؟

- رغم تأثر الصحافة بالذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي، فإنه يجب علينا الاهتمام بالمسؤولية المدنية للصحافة في تقديم الأحداث بشكل دقيق وعادل. ومع ذلك، تعد الصحافة اليوم مجرد وسيلة لكسب المال، وهذا يشكل خطراً كبيراً على دورها في المجتمع. ومع إضافة نماذج اللغة التي تُنتج نصوصاً غير متحقَّق منها، فإن الصحافيين يواجهون مزيداً من الصعوبات في تقديم الأحداث بشكل دقيق وعادل. يجب أن نتحلى بالحذر في التعامل مع هذه التطورات الجديدة لضمان عدم إضرارها بالمجتمع بأي شكل.


مقالات ذات صلة

يوميات الشرق شعار شركة «أوبن إيه آي»  (رويترز)

العثور على مبلّغ عن مخالفات «أوبن إيه آي» ميتاً في شقته

تم العثور على أحد المبلغين عن مخالفات شركة «أوبن إيه آي» ميتاً في شقته بسان فرانسيسكو.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
تكنولوجيا بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)

الذكاء الاصطناعي يزدهر بمجال التعليم وسط شكوك في منافعه

بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت الذي فرضته جائحة «كوفيد»، يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم، رغم الشكوك في منافعه.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق «صوفيا» آسرةُ القلوب (أ.ب)

«أيقونة» الذكاء الاصطناعي «صوفيا» تأسر القلوب في زيمبابوي

اعتذرت عندما نبَّهها أحدهم إلى أنها تجنَّبت النظر إليه، وبدت «صوفيا» أيضاً صبورةً عندما تجمَّع حولها الكبار والصغار لالتقاط الصور، وأخذوا يمطرونها بالأسئلة.

«الشرق الأوسط» (هراري (زيمبابوي))
الاقتصاد بوتين يزور معرضًا في «رحلة الذكاء الاصطناعي» بسابيربنك في موسكو 11 ديسمبر 2024 (رويترز)

روسيا تعتزم تحسين تصنيفها العالمي في الذكاء الاصطناعي بحلول 2030

قال ألكسندر فيدياخين، نائب الرئيس التنفيذي لأكبر بنك مقرض في روسيا، «سبيربنك»، إن البلاد قادرة على تحسين موقعها في تصنيفات الذكاء الاصطناعي العالمية بحلول 2030.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
TT

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».

كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.

صبغة شامية

خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».

طوابير أمام أحد المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».

بين «العشق» و«القلق»

رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.

حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.

ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.

مجلس النواب المصري وافق على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين (الشرق الأوسط)

تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.

جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».

ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.

لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.

دعوات مقاطعة

تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».

حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.

وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.

وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».

في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».

الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».

زحام لافت على مطعم سوري بشارع فيصل بالجيزة (الشرق الأوسط)

ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».

كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».

ترحيب مشروط

كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».

ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.

مصريون طالبوا بمقاطعة المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».

وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.

على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».

استثمارات متنوعة

يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».

ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».

ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.

وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».

وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.

و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».

«حملات موجهة»

انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».

رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».

وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».

السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية في مصر (الشرق الأوسط)

وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».

ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».

لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».

«استثمارات متنامية»

ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».

وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.

ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.

لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».

مطعم سوري في وسط البلد (الشرق الأوسط)

حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».

فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».

بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».

وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.