الإنسان المعاصر وأوهام الحريةhttps://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7/3751371-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B5%D8%B1-%D9%88%D8%A3%D9%88%D9%87%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%A9
لماذا يشعر الإنسان المعاصر بأن حريته المفترضة أو الافتراضية مجرد وهم؟ (أ.ف.ب)
منذ آلاف السنين يحاول الإنسان أن يعرف مدى حريته ويتساءل حول مصدر هذه الحرية وحول حدودها وحول إمكان رفع هذه الحدود والتمتع بالحرية المطلقة. في هذا المقال المحدود، سوف نحاول الإضاءة على أهم المنعطفات التي خاضها مفهوم الحرية الإنسانية، وصولاً إلى عصرنا الراهن. وبالتالي إلى طرح الإشكالية الآتية: لماذا يشعر الإنسان المعاصر، في ظل تطور الوعي البشري والعلوم والتكنولوجيا وانتشار المناداة بحقوق الإنسان، بأنه محاصَر ومهدَّد بمخاطر جمّة وبأن حريته المفترضة أو الافتراضية هي مجرد وهم؟
في الواقع، إن مسألة الحرية مطروحة عبر تاريخ الفلسفة والفكر بشكل عام منذ بدايات الفلسفة اليونانية مع سقراط الذي تعامل مع الفلسفة على أساس أنها سؤال دائم ورفض الادعاء بالمعرفة المطلقة، فشكّل بذلك منعطفاً أساسياً في تاريخ الفلسفة. أما أفلاطون فقد ميّز بين طبقات المجتمع وعدّ الحرية امتيازاً للنبلاء. وكذلك فقد تناولت المدرسة الرواقية مسألة الحرية، فرأى كريسيبوس أن الحرية تعود إلى نوعين من السببية؛ إذ إن الإنسان يكون حراً في الأمور التي تكون تحت مجال استطاعته فيختار ما يناسبه من القرارات الواجب اتخاذها في ظروف معينة. أما السببية الثانية فهي تعود إلى الظروف الموضوعية التي لا يمكن للفرد التحكم بها. أمّا أبيقوروس فقد ربط موضوع الحرية بالعلم ورأى بأنه بقدر ما يكون الإنسان عالماً بشؤون الطبيعة بقدر ما يكون حراً ومتحرراً من الأساطير والخرافات.
وهناك منعطف أساسي في تاريخ الفكر الحر تمثّل بالكوجيتو الديكارتي «أنا أفكر إذن أنا موجود»، وهذا يعني أن ديكارت أعطى أهمية قصوى للإرادة الحرة المنطلقة من «الأنا أفكر». وهكذا انطلقت مسيرة الفكر الحر مع فلاسفة الثورة الفرنسية، وصولاً إلى عصر التنوير الذي مجّد حرية العقل والفكر. وفي مسار الحرية الإنسانية برزت الفلسفة الوجودية مع كيركيغارد الذي طرح مشكلة القلق الإنساني الفردي أمام الحرية، ومع سارتر الذي اشتهر بنضاله المستمر من أجل حقوق الإنسان والحريات السياسية والاجتماعية وربط بين الحرية والقلق الوجودي والمسؤولية وأطلق عبارته الشهيرة «نحن محكومون بأن نكون أحراراً». أما الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر فقد رأى أن الإنسان مقذوف في هذا العالم، وعليه أن يتدبر أمره. وميّز بين الكينونة والكائن ومنح الإنسان مرتبة «الكائن - هناك» (Dasein) المتميز عن الكائنات الأخرى بالفكر وحمّله مسؤولية وجوده.
وفي مقابل المدرسة الوجودية التي أعطت دوراً مهماً للذات الفردية والوعي الفردي، برزت التيارات البنيوية التي تعطي الأهمية القصوى في تفسير حركة المجتمع والتاريخ إلى الأنساق والبنى والظروف الموضوعية التي تتحكم في مسارات وخيارات الأفراد. ومن أهم أعلام هذه المدرسة، نذكر الفيلسوف والمؤرخ الفرنسي ميشال فوكو الذي شكّل ظاهرة بارزة في تاريخ الفكر الفرنسي المعاصر حيث ركّز في إنتاجه الفكري على مفهوم النسق (السيستام) الذي يتحكم بالعلاقات القائمة بين عناصره بحيث إن الفرد أو العنصر داخل النسق يأخذ معناه انطلاقاً من العلاقة التي تحكمه مع العناصر الأخرى داخل النسق نفسه. كما رأى فوكو أن النزعة الإنسانية، التي أعطت الدور الأساسي للإنسان الفرد في صناعة التاريخ، سوف تنطفئ مع تغيير الظروف التي وُلدت من رحمها، وعلى ذلك فإن فوكو تنبّأ في كتابه الشهير «الكلمات والأشياء» بموت الإنسان، معتبراً أن النزعة الإنسانية حديثة العهد لا يتجاوز عمرها مئتي عام وسوف تنطفئ مع ولادة ظروف جديدة وأنظمة معرفية جديدة (أبيستيمي).
وفي هذا السياق لا بد من ذكر عالم الأنتربولوجيا كلود ليفي شتراوس الذي بشّرنا بقرب مراحل غروب البشرية وبأن العقل البشري ثابت ولا يتقدم مع الزمن وذلك بسبب الظروف القاهرة التي تتحكم بالإنسان. في كتابه تحت عنوان «الأنتروبولوجيا البنيوية» أراد ليفي شتراوس إعادة إدماج الثقافة مع جذورها الكامنة في الطبيعة.
وفي هذا السياق أيضاً لا بد من الإشارة إلى الدور الذي لعبه صاحب مدرسة التحليل النفسي سيغموند فرويد في تاريخ الفكر البشري وفي موضوع الحرية بالذات. من المعروف أن فرويد اكتشف أن الكائن النفسي الإنساني مكون من ثلاث طبقات: الأنا الأعلى، والأنا الواعي، والأنا الغرائزي. بالنسبة إلى فرويد، الأنا الواعي يتعرض لضغوطات من الأنا الأعلى المتمثل بالمجتمع والأخلاق العامة، ومن الأنا الغرائزي المتمثل بالشهوات الحيوانية. لذلك فإن فرويد اعتمد مفهوم اللاوعي أو بنية اللاوعي الذي يتحكم بسلوك البشر الذين يرون أنفسهم أحراراً.
وفي ظل هذا التباين سالف الذكر بين التيارات الفكرية المختلفة برز عصر التقنية الحديثة بالتزامن مع تطور العلوم المختلفة. لا شك في أن التقنية الحديثة لاقت الترحيب والانبهار من الإنسان المعاصر لأنها غيّرت حياته بطريقة سريعة ولكنها في المقابل فرضت عليه شروطاً إضافية للتكيف مع الأوضاع الجديدة والتخلي عن التقاليد التي اعتاد عليها. وفي هذا المجال برز النقد الحاد الذي مارسته «مدرسة فرانكفورت» تجاه سيطرة العقلانية التكنولوجية واتهامها بالعمل على تنميط الإنسان وإخضاعه للآلة، وهذا ما برز في كتاب هربرت مركيوز «الإنسان ذو البعد الواحد». ولا بد في هذا المجال من ذكر النقد الذي وجهه هايدغر لماهية التقنية عندما رأى أنها تأتي من مصير الكينونة الذي يحرض الإنسان باستمرار على تلبية ندائها المتدفق دوماً. كما تنبأ هايدغر بأن التقنية لن تقف عند حدود معينة لأن ماهيتها ليست تقنية بل هي تكمن في نداء الكينونة المحرّض باستمرار انسجاماً مع تدفق هذه الكينونة المتطلبة لتغيير ثوبها باستمرار. على ذلك فإن الثورة التقنية أخذت منعطفاً جديداً من خلال تكنولوجيا النانو والثورة الرقمية بحيث تحول العالم إلى قرية كونية وضاعت حدود الدول الوطنية ودخلنا في مرحلة العالم الافتراضي الذي يمنحنا امتيازات رهيبة في سرعة التواصل وتحصيل المعلومات واجتياز المسافات العابرة للقارات ولكنه من جهة ثانية يجعلنا معرّضين للانكشاف الكلي من خلال أجهزة التواصل التي نتمتع بامتلاكها ولا نعرف من يتحكم بها عن بعد. ولا بد من التذكير بأن هذه الثورة التكنولوجية بدأت تهدد معنى الإنسان الذي نعرفه كقيمة أساسية تعطي معنى للكون وللحياة. وبالفعل فقد برزت تيارات فكرية وعلمية تنادي بإمكانية ما يسمى تحويل النزعة الإنسانية من خلال العمل على إطالة عمر الإنسان إلى مئات السنين. كما برز تيار «ما بعد الإنسانية» في ظل انتشار ما يسمى الذكاء الصناعي وعالم الروبوتات.
بعد هذا العرض السريع نجد أنفسنا، نحن الذين نرى أننا نعيش كأحرار في عالم حر، محكومين بعوامل قهر للحرية من أهمها: أولاً، قوانين الطبيعة وتحديداتها بحيث لا يمكننا إهمال كوننا كائنات طبيعية تخضع لقوانين الطبيعة العضوية. ثانياً، هناك قوانين وتحديدات المجتمع الذي ننتمي إليه بحيث إننا نخضع شئنا أم أبينا للنظام الاجتماعي المسيطر في بيئتنا. وثالثاً، هناك تحديدات العامل الاقتصادي إذ إن المستوى الاقتصادي يحدد مسار كل فرد وانتماءه في المجتمع.
أخيراً وأمام كل ما أتينا على ذكره، ألا يحق لنا التساؤل حول حرية الإنسان المعاصر؟
في نهاية هذا المقال السريع ومن باب الطرفة أود التذكير بمراحل الإحساس بفقدان الحرية: في مرحلة الطفولة نخضع لعوامل الطبيعة العضوية، وفي مرحلة الشباب نشعر بضغط المجتمع والأخلاق العامة، وفي مرحلة النضج نعيش تحت ضغوط المجتمع والأسرة.
أخيراً نعود إلى عبارة سارتر الشهيرة: «نحن محكومون بأن نكون أحراراً». في هذه المفارقة يظهر أن سارتر «فيلسوف الحرية» يعود إلى الإلزام من أجل الحرية. ألا يعني ذلك أن الإنسان حر في خلق أوهام الحرية؟
* باحث وأستاذ جامعي لبناني
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».
كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.
صبغة شامية
خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».
محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».
بين «العشق» و«القلق»
رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.
حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.
ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.
تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.
جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».
ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.
لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.
دعوات مقاطعة
تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».
حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.
وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.
وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».
في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».
عزيزي المواطن المصري الطيب الساذج البرئ .. تذكر دائماً ان كل مطعم سوري تتعامل معه وتدفع له فلوسك كان في يوم ما مطعم مصري .. السوريين ماجابوش المطاعم بتاعتهم معاهم من سوريا .. هذه المطاعم كان أصحابها مصريين وكان العاملين بها مصريين .. مئات الآلاف من العائلات المصرية كانت تعتمد...
الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».
ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».
كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».
ترحيب مشروط
كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».
ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.
أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».
وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.
على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».
استثمارات متنوعة
يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».
ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».
ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.
وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».
وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.
و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».
«حملات موجهة»
انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».
رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».
وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».
وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».
ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».
لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».
«استثمارات متنامية»
ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».
وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.
ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.
لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».
حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».
فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».
بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».
وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.