سانتياغو بينيا يواجه «صداعين» سياسيين: عقوبات واشنطن... والعلاقات مع تايوان

رغم تعزيز حزبه اليميني قبضته على الباراغواي

الرئيس المنتخب سانتياغو بينيا وسط مناصريه (رويترز)
الرئيس المنتخب سانتياغو بينيا وسط مناصريه (رويترز)
TT

سانتياغو بينيا يواجه «صداعين» سياسيين: عقوبات واشنطن... والعلاقات مع تايوان

الرئيس المنتخب سانتياغو بينيا وسط مناصريه (رويترز)
الرئيس المنتخب سانتياغو بينيا وسط مناصريه (رويترز)

مرة أخرى، وكما جرت العادة منذ 70 سنة بلا انقطاع، فاز الحزب الأحمر - أو الملوّن - (الكولورادو) بالانتخابات الرئاسية والاشتراعية في الباراغواي. الحزب اليميني القوي فاز بعدما حصل على 43 في المائة من الأصوات أمام معارضة منهارة ومبعثرة بين عشرات الأحزاب الصغيرة، خسرت على كل الجبهات بما فيها غالبية مجلس الشيوخ الذي كان لسنوات طويلة معقلها الرئيسي والوحيد في وجه الحزب الحاكم. هذا الفوز هو السابع الذي يحققه الحزب الأحمر من أصل ثماني انتخابات رئاسية خاضها منذ سقوط ديكتاتورية ألفريدو ستروسنر عام 1989، وهذا رقم قياسي لم يصل إليه أي حزب آخر في أميركا اللاتينية، وما يزيده أهمية أنه يأتي اليوم بينما يتسم المشهد السياسي في المنطقة بتراجع شعبية الأحزاب الحاكمة واليمينية وصعود الأنظمة اليسارية أو التقدمية. بهذه النتيجة، بعد أن ضمن الرئيس الجديد سانتياغو بينيا الغالبية في مجلسي الشيوخ والنواب، وحكام 15 مقاطعة من أصل 17، فإنه سيتمكن من حكم هذا البلد الذي يشكّل أقدم معقل يميني في قارة أميركا الجنوبية، من غير معارضة تذكر، بيد أنه سيواجه عدداً من التحديات على الجبهة الخارجية، أبرزها العلاقات مع واشنطن ومسألة المحافظة على الاعتراف بتايوان التي كانت أحد العناوين الرئيسية في الحملة الانتخابية.

كان سانتياغو بينيا في السابعة والثلاثين من عمره عندما انضمّ إلى الحزب الأحمر (الملوّن - الكولورادو) عام 2016 عندما تسلّم حقيبة وزارة المالية في حكومة الرئيس الأسبق أوراسيو كارتيس ليصبح الأصغر سناً في تاريخ الباراغواي بعدما كان قد تخرّج في جامعة هارفارد الأميركية العريقة، وتولّى مهام تخطيطية في صندوق النقد الدولي.

ولكن، لئن كان الرئيس الجديد يدين لـ«عرّابه» كارتيس بهذا الصعود السريع إلى قمة المشهد السياسي، فإن هذه العلاقة ستكون من العقبات الأساسية التي ستعترض ولايته منذ أصدرت الإدارة الأميركية قراراً بملاحقة الرئيس الأسبق بتهمة غسل الأموال والتعاون مع منظمات إجرامية لتهريب المخدرات. وكان بينيا بذل جهداً كبيراً خلال الحملة الانتخابية لفصل صورته وبرنامجه السياسي عن صورة كارتيس الذي ما زال الشخصية الأوسع نفوذاً في الحزب الحاكم. إلا أن بينيا صرّح أخيراً بـ«أن من حق الأشخاص الذين تشملهم هذه العقوبات الأميركية، وأيضاً من واجبهم، أن يدافعوا عن أنفسهم، سيما وأن كارتيس قد أنكر التهم الموجهة إليه».

قبل هذا التصريح سعى بينيا منذ إعلان ترشحه لرئاسة الجمهورية، وطوال الحملة الانتخابية إلى إبراز «استقلاليته» ودحض الاعتقاد السائد بأنه سيكون «دُمية» بيد الرئيس الأسبق الذي يملك أكبر ثروة في الباراغواي، والذي خرج أخيراً ظافراً من المعركة التي خاضها ضد الرئيس الحالي ماريو عبده للسيطرة على الحزب اليميني الحاكم. ولكون بينيا تكنوقراطياً لا يملك خبرة سياسية؛ فإنه بنى برنامجه السياسي على تأكيد قدرته على «تجديد الحزب» الذي يتوالى على الحكم في الباراغواي منذ سبعة عقود. غير أن بينيا تولّى إدارة مصرف يملكه كارتيس بعدما كان وزيراً للمالية في حكومته، وقبل أن يعلن ترشحه للرئاسة وينهزم في انتخابات الحزب التمهيدية أمام الرئيس الحالي ماريو عبده. ولاحقاً، في أول تصريح له بعد إعلان النتائج الرسمية للانتخابات قال بينيا إن الحزب الأحمر «صمد كل هذه السنين لأنه كان يعرف دائماً كيف يتماهى مع مختلف المراحل في تاريخ الباراغواي، وإنه اليوم قادر على التكيّف مع التغيرات الجديدة ومقتضيات العصر الحديث».

رئيس الباراغواي الأسبق كارتيس

 

أسباب مساعدة للانتصار

عديدة هي الأسباب التي ساعدت «الكولورادو» على الاستمرار طوال هذه السنوات مسيطراً على المشهد السياسي في الباراغواي، باستثناء الفترة القصيرة التي فاز فيها الأسقف اليساري السابق فرناندو لوغو عام 2008. ولعل أبرز هذه الأسباب، أن الانتخابات الرئاسية تُحسم في جولة واحدة، وهو ما يعني أن مرشحاً يمكن أن يُنتخَب رئيساً للجمهورية حتى لو صوّت ضده 57 في المائة من المواطنين كما حصل الآن مع سانتياغو بينيا، وقبله مع سلفه ماريو عبده والرئيس الأسبق أوراسيو كارتيس.

السبب الثاني هو أن الحزب، الذي يسيطر منذ سبعة عقود على أجهزة الدولة، بنى خلال هذه الفترة الطويلة شبكات واسعة تدعم مصالحه وتؤمّن له الدعم الشعبي مقابل الخدمات التي يقدمها لأنصاره. والسبب الثالث، أن «الكولورادو» قرّر حسم صراعاته الداخلية قبل الانتخابات، فتوافق الطرفان المتنازعان بقيادة الرئيس الأسبق كارتيس والرئيس الحالي ماريو عبده على دعم ترشيح بينيا كمخرج من الأزمة بينهما. ورابعاً وأخيراً، أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على كارتيس ساهمت في «شدّ العصب الحزبي» حوله خلال الأشهر الأخيرة... بعد الحملة التي شنّها أنصاره ضد ما اعتبروه «تدخلاً من واشنطن» في الشؤون الداخلية للباراغواي.

ولكن على الرغم من الفوز الواضح الذي حققه الحزب، ليس من الأكيد أن الرئيس المنتخب بينيا لن يواجه معارضة من التيار التقليدي داخله، وهو تيار كان يعارض ترشحه، خاصة أن الانقسامات الداخلية هي من السمات التي ميّزت هذا الحزب منذ سنوات، وهي تظهر عادة بكل حدتها عند تشكيل الحكومة. ومن هنا سيكون بينيا مضطراً إلى إيجاد «توازن» بين الابتعاد عن كارتيس مسافة كافية كي لا يظهر بأنه على صلة بالمنظمات الإجرامية من جهة، ومن جهة أخرى الحرص على تحييد التيار الموالي للرئيس الأسبق الذي حصد نتائج مهمة في الانتخابات. وتجدر الإشارة إلى أنه لم يسبق لـ«الكولورادو» الحصول على الأكثرية في مجلسي الشيوخ والنواب معاً. وتحقق هذا الأمر الآن قد يفتح شهيّة التيارات الداخلية المتنازعة على المزيد من الصراعات، ويحتّم على الرئيس الجديد ترتيب الأوضاع داخل الحزب قبل أن يتفرّغ لتنفيذ برنامجه الانتخابي، علماً بأن احتمالات الانشقاق تزداد منذ احتدم الصراع بين كارتيس وعبده.

انشقاقات وهواجس

من التداعيات المحتملة للانشقاق الداخلي انضمام بعض الأحزاب التي أيّدت منافس بينيا، المرشح الليبرالي إيفرايين آليغري، الذي لا يختلف برنامجه الانتخابي كثيراً عن برنامج الرئيس المنتخب، لتشكيل جبهة يمينية معتدلة. ولا يستبعد بعض المراقبين أن يكون بينيا ميّالاً إلى هذا الاحتمال، لا بل قد يكون يخطط له؛ إذ يرى فيه مدخلاً إلى تجديد حزبه الذي لمح إليه مراراً في حملته الانتخابية، وربما مخرج من العلاقة المحرجة مع كارتيس بسبب العقوبات الأميركية المفروضة عليه.

ولكن التحالف المحتمل مع آليغري والقوى الليبرالية والديمقراطية المسيحية التي دعمته، طريق محفوفة بالمحاذير والمخاطر. إذ إن معظم الأحزاب التي دعمته في الانتخابات الرئاسية لم تفعل ذلك اقتناعاً منها ببرنامجه، بل سعياً إلى تشكيل أوسع جبهة ممكنة لإسقاط مرشح الحزب الأحمر وإنهاء هيمنته المزمنة على مقدرات البلاد. وما يستحق الإشارة في هذا السياق، أن آليغري كان قد فشل مرتين في السابق للوصول إلى الرئاسة، الأولى عام 2013 ضد كارتيس والأخرى ضد ماريو عبده عام 2018. يضاف إلى ذلك أن معظم الأحزاب التي أيّدته في الانتخابات الأخيرة كانت قد اشترطت أن يكون العنوان الرئيس لحملته «محاربة المنظمات الإجرامية» التي تمارس نفوذاً واسعاً على الحياة الاقتصادية والسياسية في بلد يحتل المرتبة الثانية في أميركا اللاتينية على قائمة الفساد، التي تتصدرها فنزويلا. وبالفعل، كان آليغري قد صرّح في ختام حملته الانتخابية بأن هذه الانتخابات ليست ضد «الكولورادو»، بل ضد المال الذي تشتري به المنظمات الإجرامية ضمائر السياسيين وتفرض عليهم شروطها عندما يصلون إلى السلطة.

في القريب المنظور تبقى العلاقة مع الولايات المتحدة هي الهاجس الأكبر لدى سانتياغو بينيا، خاصة إذا قررت واشنطن طلب استرداد الرئيس الأسبق كارتيس الذي صدرت بحقه عقوبات، ومذكرة بملاحقته قضائياً بتهمة التعاون مع منظمات إجرامية وتبييض الأموال. وهنا سيجد الرئيس الجديد المنتخب نفسه أمام معضلة كبيرة وهامش ضيّق للمناورة يكاد يقتصر على ورقة العلاقات مع تايوان، التي كانت تحظى دائماً بترحيب الإدارات الأميركية، والتي كانت أحد العناوين الرئيسية التي دارت حولها الحملة الانتخابية الأخيرة بعدما دعا مرشح المعارضة إلى إعادة النظر فيها والاتجاه صوب الصين التي تتسع دائرة نفوذها الاقتصادي في الباراغواي كما في بقية بلدان أميركا اللاتينية.

تشيانغ كاي شيك

في الواقع، الباراغواي هي الدولة الوحيدة في أميركا الجنوبية التي لا تزال تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع تايوان. ولقد قال الرئيس المنتخب إنه «لا بد من المحافظة عليها طالما أن البنى الاقتصادية في البلاد ما زالت غير جاهزة لتعميق العلاقات التجارية مع الصين»؛ وذلك رغم الضغوط القوية التي يمارسها قطاع الصناعات الغذائية - الذي يشكّل العماد الأساسي لاقتصاد البلاد - للانفتاح على السوق الصينية الضخمة.

بل ربما كانت الباراغواي الدولة الوحيدة التي يقع المتجول في شوارع عاصمتها على نُصب وتمثال ضخم للزعيم الصيني تشيانغ كاي شيك.

وتشيانغ هو الزعيم اليميني وقف في الصين بوجه الثورة الشيوعية التي قادها ماو تسي تونغ، قبل أن ينتقل إلى جزيرة فورموزا، حيث أسس الدولة التي تعرف اليوم باسم تايوان، والتي تعدّها بكين جزءاً لا يتجزأ من الوطن الصيني. إذ يرتفع تمثال تشيانغ كاي شيك باللباس العسكري في الجادة الطويلة والفسيحة التي تحمل اسمه في أرقى أحياء العاصمة أسونسيون. ثم إن هناك مدرسة كبيرة تحمل اسم مؤسس جمهورية تايوان وجامعة خاصة باسم «تايوان - باراغواي»، وحديقة نباتية فريدة من نوعها في المنطقة، فضلاً عن الاستثمارات المقدّرة بمئات الملايين من الدولارات، ومساعدات مالية يسيل لها لعاب زعماء «الكولورادو»، وفي طليعتهم الرئيس الأسبق كارتيس، بجانب مشاريع ضخمة لترميم وسط العاصمة التاريخي، من بينها مبنى البرلمان ومقرّ وزارة الخارجية.

تمثال تشيانغ كاي شيك في أسونسيون

غير أن وجود سفارة للباراغواي في تايوان، التي لا يزيد عدد يكانها على 24 مليوناً، يعني أن لا وجود لسفارة لها في الصين التي تجاوز تعداد سكانها 1400 مليون نسمة. وعدم وجود علاقات دبلوماسية مباشرة بين البلدين يعني انعدام أي علاقات تجارية مباشرة بينهما؛ ما يجعل الباراغواي مضطرة إلى اللجوء لوسطاء مثل تشيلي والأرجنتين والبرازيل لاستيراد البضائع والمنتجات الصينية، كما أن صادرات الباراغواي الرئيسية من الصويا واللحوم لا يمكن أن تصل إلى السوق الصينية من دون أن تمرّ عبر بلدان ثالثة.

حسابات الاقتصاد

خلال ولاية الرئيس الحالي ماريو عبده أصبحت تايوان المستورد الثاني للحوم من الباراغواي بعد تشيلي. والباراغواي هي الآن في عداد الدول العشر الأولى المصدِّرة للحوم في العالم، والرابعة المصدّرة للصويا، وهي تملك أيضاً طاقات هائلة لمضاعفة إنتاجها وزيادة صادراتها إلى الأسواق الدولية. والمفارقة اليوم هي أن الباراغواي لا تصدّر سوى كمية ضئيلة من الصويا إلى الصين، عن طريق الأرجنتين بقيمة لا تزيد على 30 مليون دولار سنوياً، بينما معـظم وارداتها تأتي من السوق الصينية بقيمة تجاوز 4 مليارات دولار. ويقول رجل الأعمال الصيني تشارلز تانغ، الذي يرأس غرفة التجارة التي تضمّ أكثر من مائة شركة في الباراغواي تصدّر المنتوجات الزراعية، إن بكين لن تسمح أبداً بفتح مكتب تجاري للباراغواي في الصين قبل إقامة علاقات دبلوماسية بين الطرفين، وبالتالي قطع العلاقات مع تايوان.

إلى جانب ذلك، تعتبر تايوان أن لعلاقاتها الدبلوماسية مع الباراغواي أهمية رمزية كبيرة، خاصة في سياق التوتر المتزايد بين واشنطن وبكين والأزمة الناشئة عن الحرب الدائرة في أوكرانيا، فضلاً عن أن الباراغواي هي حليفها الوحيد في أميركا الجنوبية، وواحد من حلفائها الثلاثة عشر في العالم. وعليه، فإن خسارتها سيكون لها إثر معنوي كبير، خاصة بعدما قررت هوندوراس قبل فترة قصيرة قطع علاقاتها معها وإقامة علاقات مع بكين. ويطرح تانغ، في معرض النقاش الدائر حول التخلي عن تايوان وإقامة علاقات مع بكين العرض التالي: شبكة للقطارات الكهربائية تغطّي جميع أنحاء الباراغواي، وتجهيز 30 مستشفى، وبناء 30 ألف وحدة سكنية جديدة، وبجانب إنشاء قطار سريع يربط العاصمة بمدينة الشرق في أقل من ساعة، ومطار جديد، ومترو أنفاق في العاصمة واستثمارات بقيمة 4 مليارات دولار في العام الأول من العلاقات بين البلدين.

حقائق

الباراغواي... «دولة بوليسية» حقيقية في عهد ستروسنر

يعود تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الباراغواي وتايوان إلى العام 1957، أي بعد ثلاث سنوات على بداية حكم أطول نظام ديكتاتوري في أميركا اللاتينية قاده ألفريدو ستروسنر، مؤسس «الكولورادو» (الحزب الأحمر أو الملّون)، الذي تبنّى كلياً عقيدة واشنطن المناهضة للأنظمة الشيوعية إبّان الحرب الباردة، على غرار ما فعلت بلدان عدة في أميركا اللاتينية. إلا أنه مع بداية الصعود الاقتصادي لجمهورية الصين الشعبية راحت هذه البلدان اللاتينية تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان وتقيمها مع بكين. ووصلت العدوى إلى الولايات المتحدة نفسها التي أسست علاقاتها الدبلوماسية الرسمية مع الصين في العام 1979، في حين أصرّ نظام ستروسنر على إبقاء علاقاته مع تايوان، لا بل سعى إلى تطويرها وترسيخها على شتى الصعد.

إلى جانب ذلك، أخذت الباراغواي تتحوّل على عهد ستروسنر «دولة بوليسية» لجأ إليها مئات المسؤولين العسكريين والمدنيين الفارين من وجه العدالة في عدد من البلدان الأميركية اللاتينية بسبب ارتكابهم فظائع ضد مواطنيهم. وهو ما أدى لاحقاً إلى إنشاء «أرشيف الإرهاب» في العاصمة الباراغوية أسونسيون، الذي يحوي مجموعة من الوثائق والمستندات والمعلومات حول القمع الذي كانت تمارسه الديكتاتوريات العسكرية في أميركا اللاتينية ابّان سبعينيات القرن الفائت. وتضمّ هذه الوثائق كل المراسلات الخطية التي كانت تتبادلها السلطات الأمنية والعسكرية والاستخباراتية المدنية في الباراغواي على عهد ستروسنر حول ملاحقة المعارضين، من شيوعيين وليبراليين وفنانين ونقابيين، وتعذيبهم أو إعدامهم.

كذلك يضم الأرشيف العديد من المراسلات والوثائق العائدة للبرازيل وتشيلي والأرجنتين والأوروغواي إبان عهد الديكتاتوريات العسكرية التي حكمت تلك البلدان في سبعينات وثمانينات القرن الماضي. وأيضاً تضمّ هذه المستندات معلومات مفصّلة عن التعاون الذي كان قائماً بين تلك الأنظمة بإشراف وتوجيه الولايات المتحدة وأجهزتها الاستخباراتية التي كانت تمدّ الأجهزة الأمنية والعسكرية في أميركا الجنوبية بالمساعدات والموارد التقنية والمالية لقمع المعارضين السياسيين.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
TT

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في أزمة سياسية بعد الانهيار المفاجئ للحكومة الائتلافية التي يرأسها المستشار أولاف شولتس. وبهذا التطوّر بات شولتس أحد أقصر المستشارين حكماً في ألمانيا؛ إذ إنه قبل إكماله 3 سنوات على رأس الحكومة الائتلافية التي تمثل 3 أحزاب (اشتراكي وليبرالي وبيئي «أخضر») صار المستشار رئيساً لحكومة أقلية مؤلفة من حزبين بانتظار الانتخابات المبكرة التي حُدّد موعدها يوم 23 فبراير (شباط) المقبل.

الحكومة الألمانية ترنّحت إثر انسحاب «ضلعها» الليبرالي، الحزب الديمقراطي الحر، منها. ورغم انسحاب الحزب، أراد رئيسها المستشار أولاف شولتس الاستمرار على رأس «حكومة أقلية» حتى نهاية مارس (آذار)، وهو التاريخ الذي حدّده في البداية لإجراء الانتخابات المبكرة عوضاً عن نهاية سبتمبر (أيلول).

لكن أمام ضغوط المعارضة وافق المستشار وزعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) على تقريب الموعد شهراً آخر. وحتى بعد إجراء الانتخابات، فإن فترة الشكوك قد تستمر لأسابيع أو أشهر إضافية. وللعلم، في ألمانيا، لم يسبق أن فاز أي حزب بغالبية مطلقة تسمح له بتشكيل حكومة منفرداً. وبالنتيجة، حكمت ألمانيا (الغربية أساساً) منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حكومات ائتلافية قادها إما محافظو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (يمين الوسط) أو اشتراكيو الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار الوسط).

فريدريش ميرتز (آجنزيا نوفا)

اليمين عائد... لكن!

هذه المرة يبدو أن الديمقراطيين المسيحيين (الحزب الذي قادته لفترة أنجيلا ميركل) يتجهون لاستعادة السلطة. فحزبهم تصدر استطلاعات الرأي بفارق كبير بنسبة تصل إلى 33 في المائة، وهي أعلى من النسبة التي تتمتع بها الأحزاب الثلاثة التي شكَّلت حكومة شولتس مجتمعة، قبل انهيارها. غير أن اختيار الحزب الشريك - أو الأحزاب الشريكة – في ائتلاف الديمقراطيين المرتقب، قد يكون أمراً معقّداً ويستغرق وقتاً طويلاً.

عقبة البيروقراطية

من ناحية ثانية، رغم محاولات الديمقراطيين المسيحيين تقريب موعد الانتخابات أكثر، مستفيدين من تقدم حزبهم في استطلاعات الرأي، ودعوات جمعيات الأعمال لتقليص فترة الشك والغموض في بلد لم يشهد نمواً اقتصادياً منذ 5 سنوات، فإن البيروقراطية الألمانية شكّلت عائقاً أساسياً أمام ذلك.

وحقاً، لا يقع اللوم في تأخير الانتخابات لنهاية فبراير (شباط) فقط على تشبّث شولتس بإطالة عمر حكومته العاجزة عن العمل. ذلك أنه فور انهيار الحكومة، وبدء الكلام عن انتخابات جديدة، دقّت «هيئة الانتخابات» جرس الإنذار محذّرة من أن التسرّع في إجرائها قد يؤدي إلى أخطاء تسببت بإعادتها. ورأت «الهيئة» ضرورة إفساح الوقت الكافي لتحضير اللوائح، وطبع الأوراق، وتحديات العثور على ورق كافٍ ومطابع جاهزة للعمل في خلال مدة زمنية قصيرة.

نقاط خلافية جدّية

ورغم سخافة هذا المشهد، فهو يعكس واقعاً في ألمانيا المقيدة بالبيروقراطية التي تعيق الكثير من تقدّمها، وكان واحداً من أسباب انهيار الحكومة في النهاية. فقد فشلت حكومة شولتس بإدخال أي إصلاحات لتخفيف البيروقراطية رغم التوصيات المتكرّرة من اختصاصيين. ولقد صدرت آخر هذه التوصيات الأسبوع الماضي من «مجلس الخبراء الاقتصادي»، وهو «مجلس حكماء» مدعوم من الحكومة، دعا إلى تقليص البيروقراطية وتسريع «المكننة» كواحدة من الخطوات الرئيسة لتحقيق النمو الاقتصادي.

وللعلم، كانت تلك واحدة من الخلافات الأبرز بين أحزاب الائتلاف الحكومي الثلاثة. فليبراليو الحزب الديمقراطي الحر (وسط) - الذي يعتبر مؤيداً لمجتمع الأعمال والشركات الكبرى - دفعوا منذ تشكيل الحكومة إلى «تقليص البيروقراطية»، خصوصاً على الشركات، إضافة إلى تخفيض الضرائب عنها، لكن أولويات الاشتراكيين وحزب «الخضر» البيئي تمثّلت بزيادة المعونات الاجتماعية والاستدانة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي فرضتها تبعات حرب أوكرانيا وجائحة «كوفيد - 19».

قضية الإنفاق العام

شكّل الإنفاق العام نقطة خلافية أخرى مع الليبراليين الذين رفضوا التخلي عن بند كبح الديون الذي يوصي به الدستور الألماني إلا في الحالات القصوى. وجرى التخلي عن هذا البند بعد جائحة «كوفيد - 19» عندما اضطرت الحكومة إلى الاستدانة والإنفاق لمساعدة الاقتصاد على النهوض. وفي المقابل، أراد الاشتراكيون و«الخضر» مواصلة العمل بتعليق بند كبح الديون ضمن خطط إنعاش الاقتصاد وتمويل الحرب الأوكرانية، لكن ليندنر رفض رغم أن «مجلس الخبراء» أوصى ببحث هذا البند وتخفيف التقيد به.

هكذا أدى الخلاف على إجراءات إنعاش الاقتصاد وميزانية عام 2025 إلى انفراط التحالف مع الليبراليين، ودفع بشولتس إلى طرد زعيمهم ووزير المالية كريستيان ليندنر، الذي قدم مقترحاً لتقليص البيروقراطية وخفض الضرائب مقابل خفض الإعانات الاجتماعية لتمويل الحرب في أوكرانيا من دون زيادة الدين العام.

الاشتراكيون بقيادة شولتس وحزب «الخضر» رفضوا مقترح ليندنر من دون القدرة على التوصل إلى «حل وسط»، مع أن المستشار اعتاد المساومة والحلول الوسطى منذ تشكيل حكومته التي غالباً ما شابتها الخلافات الداخلية.

وطبعاً، دفع طرد ليندنر الوزراء الليبراليين للتضامن مع زعيمهم والاستقالة... ما فرط عقد الحكومة. وبعد أيام من الجدل حول موعد الانتخابات المقبلة، اتفقت الأحزاب على طرح الثقة بالحكومة يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) - ويتوقع أن تخسرها بعد خسارتها الغالبية البرلمانية - ما سيؤدي إلى انتخابات عامة حدد موعدها في 23 فبراير.

كريستيان ليندنر (رويترز)

الاقتصاد أساس الأزمة

نقطة إنعاش الاقتصاد تظهر الآن نقطةً خلافية أساسية، بينما يراوح الاقتصاد الألماني مكانه عاجزاً عن تحقيق أي نمو يذكر. ثم أن مئات الشركات الصغيرة والوسطى أقفلت خلال العامين الماضيين، وبدأت حتى كبرى شركات السيارات تعاني خسائر دفعت بشركة «فولكسفاغن» العملاقة إلى إقفال 3 من مصانعها العشرة في ألمانيا.

مع هذا، لا يمكن لوم سياسات الحكومة والخلافات الداخلية حول التعامل مع الاقتصاد وحدها، لتبرير تدهور الاقتصاد الألماني خلال السنوات الثلاث الماضية. إذ بدأت حكومة شولتس عملها في خضم جائحة «كوفيد - 19» التي تسببت بأزمات اقتصادية عالمية، وتلت الجائحة الحرب الأوكرانية وتبعاتها المباشرة على ألمانيا، التي كانت تستورد معظم حاجاتها من الغاز من روسيا. وقد تعاملت حكومة شولتس مع انقطاع الغاز الروسي السريع عن ألمانيا بحكمة، ونجحت في تعويضه بسرعة من دون التسبب بأزمة نقص للغاز في البلاد. وأيضاً اتخذت تدابير لحماية المستهلكين من الارتفاع الكبير في الأسعار، مع أنها ما كانت قادرة على تفادي التداعيات بشكل كامل.

من ثم، تحوّلت الحكومة إلى ما يشبه حكومة إدارة الأزمات والسياسات السيئة الموروثة عن الحكومات السابقة. لكن حتى هنا، يمكن تحميل الاشتراكيين بعض مسؤولية السياسات الاقتصادية السيئة، ومنها اعتماد ألمانيا بشكل متزايد طوال حكومات أنجيلا ميركل الأربع على الغاز الروسي، والسبب أن الاشتراكيين شاركوا في ثلاث من هذه الحكومات، وشولتس نفسه كان وزيراً للمالية ثم نائب المستشارة.

علاقة الاشتراكيين بروسيا

من جانب آخر، لم يساعد القرب التاريخي للاشتراكيين من روسيا حكومة شولتس بإبعاد نفسها عن موسكو؛ إذ بقي المستشار متردداً لفترة طويلة في قطع العلاقات مع روسيا ودعم أوكرانيا. ومع أن ألمانيا تحوّلت الآن إلى ثاني أكبر داعم عسكري لكييف بعد واشنطن، فإن تردد شولتس شخصياً في كل قرار يتعلق بتسليح أوكرانيا، غالباً ما وضعه في مواجهة مع حليفيه في الحكومة وكذلك مع المعارضة. وللعلم، يعتمد شولتس سياسة حذرة في دعم أوكرانيا ولا يؤيد ضمها لـ«ناتو» (حلف شمال الأطلسي)؛ تخوفاً من استفزاز روسيا أكثر وخشيته من دفعها لتوسيع الصراع.

في أي حال، كرّر شولتس القول في كل مناسبة بضرورة استمرار دعم أوكرانيا، وكان هذا واحداً من أسباب الخلافات حول الميزانية التي أدت إلى انهيار الحكومة، فوزير المالية أراد اقتطاع مخصّصات اجتماعية لتمويل الحرب في حين شولتس أراد الاستدانة لذلك رافضاً المس بالإعانات.

وحيال أوكرانيا، مع أن مقاربة تمويل الحرب في أوكرانيا تختلف بين الأحزاب الألمانية، لا خلاف على دعم كييف لا خلاف عليه. بل يتشدّد الديمقراطيون المسيحيون المتوقع فوزهم بالانتخابات وقيادتهم الحكومة المقبلة أكثر في دعمهم. ويؤيد زعيم حزبهم، فريدريش ميرتز، الذي قد يصبح المستشار القادم، أوكرانيا ضم أوكرانيا «فوراً» إلى «ناتو» بخلاف شولتس، كما يؤيد إرسال صواريخ «توروس» البعيدة المدى والألمانية الصنع إليها، بينما يعارض شولتس ذلك.

وهنا نشير إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي كان طوال السنوات الماضية، منذ تفجّر الحرب الأوكرانية، شديد الانتقاد لتردّد المستشار الاشتراكي في قرارات تسليح كييف وقطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا، رغم أنه كان المسؤول عن وصول العلاقات الاقتصادية إلى مرحلة الاعتماد الألماني على الطاقة الروسية... كما كان حاصلاً قبل الحرب.

على الحكومة الجديدة التعامل مع ترمب

في ملف العلاقات الاقتصادية

أولاف شولتس (رويترز)

تبعات عودة ترمب

في اتجاه موازٍ، مقاربة الحرب الأوكرانية ستضع أي حكومة ألمانية جديدة في مواجهة محتملة مع إدارة دونالد ترمب القادمة في واشنطن. إذ ستضيع ألمانيا شهوراً ثمينة في تحديد سياستها مع العد العكسي للانتخابات المبكرة وتفاوض الأحزاب خلالها على تشكيل حكومة ائتلافية.

ولن يكون أمام الحكومة الجديدة فقط تحدي التعامل مع إدارة ترمب في ملف أوكرانيا، بل أيضاً في ملف التجارة والعلاقات الاقتصادية. ذلك أن ترمب في عهده الأول دأب على انتقاد ألمانيا بسبب ضخامة صادراتها إلى الولايات المتحدة، وبخاصة السيارات، التي تفوق بأضعاف الصادرات الأميركية إليها. وبالفعل، هدَّد آنذاك برسوم على السيارات الألمانية في حال لم تزد برلين وارداتها من الولايات المتحدة خاصة الغاز الأميركي الذي كان ترمب يضغط على ميركل لاستيراده عوضاً عن الغاز الروسي. بالتالي، مع عودة ترمب، ستعود المخاوف من حرب اقتصادية مع واشنطن قد تكون إذا وقعت مدمّرة لقطاع السيارات الألمانية. وحقاً، خفّضت كل الشركات الألمانية الكبرى سقف توقّعاتها للأرباح في الأشهر المقبلة، بعد تراجع مبيعاتها في الأسواق الخارجية وتحديداً الصين، بشكل كبير. وقد يشكّل تقلّص سوقها في الولايات المتحدة ضربة جديدة لها يحذّر الخبراء الاقتصاديون من أن تبعاتها ستكون مؤلمة للاقتصاد الألماني.

حسابات الانتخابات المقبلة

عودة إلى حسابات الداخل، لم يطرح الزعيم الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتز، في الواقع، فكرة إعادة وزير المالية المعزول كريستيان ليندنر إلى حكومته المحتملة. لكن سيتوجّب أولاً على حزب ليندنر، أي الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) أن يكسب أصواتاً كافية لتمثيله في البرلمان. وحتى مع تحقيق هذا قد لا يكون التحالف بين الحزبين كافياً لضمان الغالبية، إلا إذا حصلت مفاجأة وحقق أحد الحزبين نتائج أعلى من المتوقع في الاستطلاعات، كما فعل الاشتراكيون في الانتخابات الماضية عندما نالوا قرابة 26 في المائة متقدمين على الديمقراطيين المسيحيين الذين نالوا 24 في المائة من الأصوات. ويومذاك كانت استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات تشير إلى شبه تعادل بين الحزبين.

من ثم، في حال بقاء ليبراليي الحزب الديمقراطي الحر خارج الحكومة، قد تعيد ألمانيا إنتاج حكومة يشارك فيها الحزبان الرئيسان المتناقضان في سياساتهما الاجتماعية والاقتصادية، أي الاتحاد الديمقراطي المسيحي اليميني والحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي). وقد يُجبَر الحزبان على ضم شريك ثالث يرجح أن يكون حزب «الخضر» في حال غياب الليبراليين عن المشهد. وقد تعيد هكذا حكومة ثلاثية فترة الخلافات والاضطراب التي شهدتها ألمانيا في ظل الحكومة الثلاثية الحالية التي رغم انجازاتها، لا يذكر كثيرون إلا الخلافات التي شابتها.وحتى ذلك الحين، فإن التحديات التي ستواجهها أي حكومة ألمانية قادمة، تجعل من فترة انتظار الانتخابات وتشكيل الحكومة، فترة صعبة ستزيد من عمق الأزمة الاقتصادية وتشرذم الموقف الألماني والأوروبي أمام الإدارة الأميركية.