سانتياغو بينيا يواجه «صداعين» سياسيين: عقوبات واشنطن... والعلاقات مع تايوان

رغم تعزيز حزبه اليميني قبضته على الباراغواي

الرئيس المنتخب سانتياغو بينيا وسط مناصريه (رويترز)
الرئيس المنتخب سانتياغو بينيا وسط مناصريه (رويترز)
TT
20

سانتياغو بينيا يواجه «صداعين» سياسيين: عقوبات واشنطن... والعلاقات مع تايوان

الرئيس المنتخب سانتياغو بينيا وسط مناصريه (رويترز)
الرئيس المنتخب سانتياغو بينيا وسط مناصريه (رويترز)

مرة أخرى، وكما جرت العادة منذ 70 سنة بلا انقطاع، فاز الحزب الأحمر - أو الملوّن - (الكولورادو) بالانتخابات الرئاسية والاشتراعية في الباراغواي. الحزب اليميني القوي فاز بعدما حصل على 43 في المائة من الأصوات أمام معارضة منهارة ومبعثرة بين عشرات الأحزاب الصغيرة، خسرت على كل الجبهات بما فيها غالبية مجلس الشيوخ الذي كان لسنوات طويلة معقلها الرئيسي والوحيد في وجه الحزب الحاكم. هذا الفوز هو السابع الذي يحققه الحزب الأحمر من أصل ثماني انتخابات رئاسية خاضها منذ سقوط ديكتاتورية ألفريدو ستروسنر عام 1989، وهذا رقم قياسي لم يصل إليه أي حزب آخر في أميركا اللاتينية، وما يزيده أهمية أنه يأتي اليوم بينما يتسم المشهد السياسي في المنطقة بتراجع شعبية الأحزاب الحاكمة واليمينية وصعود الأنظمة اليسارية أو التقدمية. بهذه النتيجة، بعد أن ضمن الرئيس الجديد سانتياغو بينيا الغالبية في مجلسي الشيوخ والنواب، وحكام 15 مقاطعة من أصل 17، فإنه سيتمكن من حكم هذا البلد الذي يشكّل أقدم معقل يميني في قارة أميركا الجنوبية، من غير معارضة تذكر، بيد أنه سيواجه عدداً من التحديات على الجبهة الخارجية، أبرزها العلاقات مع واشنطن ومسألة المحافظة على الاعتراف بتايوان التي كانت أحد العناوين الرئيسية في الحملة الانتخابية.

كان سانتياغو بينيا في السابعة والثلاثين من عمره عندما انضمّ إلى الحزب الأحمر (الملوّن - الكولورادو) عام 2016 عندما تسلّم حقيبة وزارة المالية في حكومة الرئيس الأسبق أوراسيو كارتيس ليصبح الأصغر سناً في تاريخ الباراغواي بعدما كان قد تخرّج في جامعة هارفارد الأميركية العريقة، وتولّى مهام تخطيطية في صندوق النقد الدولي.

ولكن، لئن كان الرئيس الجديد يدين لـ«عرّابه» كارتيس بهذا الصعود السريع إلى قمة المشهد السياسي، فإن هذه العلاقة ستكون من العقبات الأساسية التي ستعترض ولايته منذ أصدرت الإدارة الأميركية قراراً بملاحقة الرئيس الأسبق بتهمة غسل الأموال والتعاون مع منظمات إجرامية لتهريب المخدرات. وكان بينيا بذل جهداً كبيراً خلال الحملة الانتخابية لفصل صورته وبرنامجه السياسي عن صورة كارتيس الذي ما زال الشخصية الأوسع نفوذاً في الحزب الحاكم. إلا أن بينيا صرّح أخيراً بـ«أن من حق الأشخاص الذين تشملهم هذه العقوبات الأميركية، وأيضاً من واجبهم، أن يدافعوا عن أنفسهم، سيما وأن كارتيس قد أنكر التهم الموجهة إليه».

قبل هذا التصريح سعى بينيا منذ إعلان ترشحه لرئاسة الجمهورية، وطوال الحملة الانتخابية إلى إبراز «استقلاليته» ودحض الاعتقاد السائد بأنه سيكون «دُمية» بيد الرئيس الأسبق الذي يملك أكبر ثروة في الباراغواي، والذي خرج أخيراً ظافراً من المعركة التي خاضها ضد الرئيس الحالي ماريو عبده للسيطرة على الحزب اليميني الحاكم. ولكون بينيا تكنوقراطياً لا يملك خبرة سياسية؛ فإنه بنى برنامجه السياسي على تأكيد قدرته على «تجديد الحزب» الذي يتوالى على الحكم في الباراغواي منذ سبعة عقود. غير أن بينيا تولّى إدارة مصرف يملكه كارتيس بعدما كان وزيراً للمالية في حكومته، وقبل أن يعلن ترشحه للرئاسة وينهزم في انتخابات الحزب التمهيدية أمام الرئيس الحالي ماريو عبده. ولاحقاً، في أول تصريح له بعد إعلان النتائج الرسمية للانتخابات قال بينيا إن الحزب الأحمر «صمد كل هذه السنين لأنه كان يعرف دائماً كيف يتماهى مع مختلف المراحل في تاريخ الباراغواي، وإنه اليوم قادر على التكيّف مع التغيرات الجديدة ومقتضيات العصر الحديث».

رئيس الباراغواي الأسبق كارتيس
رئيس الباراغواي الأسبق كارتيس

 

أسباب مساعدة للانتصار

عديدة هي الأسباب التي ساعدت «الكولورادو» على الاستمرار طوال هذه السنوات مسيطراً على المشهد السياسي في الباراغواي، باستثناء الفترة القصيرة التي فاز فيها الأسقف اليساري السابق فرناندو لوغو عام 2008. ولعل أبرز هذه الأسباب، أن الانتخابات الرئاسية تُحسم في جولة واحدة، وهو ما يعني أن مرشحاً يمكن أن يُنتخَب رئيساً للجمهورية حتى لو صوّت ضده 57 في المائة من المواطنين كما حصل الآن مع سانتياغو بينيا، وقبله مع سلفه ماريو عبده والرئيس الأسبق أوراسيو كارتيس.

السبب الثاني هو أن الحزب، الذي يسيطر منذ سبعة عقود على أجهزة الدولة، بنى خلال هذه الفترة الطويلة شبكات واسعة تدعم مصالحه وتؤمّن له الدعم الشعبي مقابل الخدمات التي يقدمها لأنصاره. والسبب الثالث، أن «الكولورادو» قرّر حسم صراعاته الداخلية قبل الانتخابات، فتوافق الطرفان المتنازعان بقيادة الرئيس الأسبق كارتيس والرئيس الحالي ماريو عبده على دعم ترشيح بينيا كمخرج من الأزمة بينهما. ورابعاً وأخيراً، أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على كارتيس ساهمت في «شدّ العصب الحزبي» حوله خلال الأشهر الأخيرة... بعد الحملة التي شنّها أنصاره ضد ما اعتبروه «تدخلاً من واشنطن» في الشؤون الداخلية للباراغواي.

ولكن على الرغم من الفوز الواضح الذي حققه الحزب، ليس من الأكيد أن الرئيس المنتخب بينيا لن يواجه معارضة من التيار التقليدي داخله، وهو تيار كان يعارض ترشحه، خاصة أن الانقسامات الداخلية هي من السمات التي ميّزت هذا الحزب منذ سنوات، وهي تظهر عادة بكل حدتها عند تشكيل الحكومة. ومن هنا سيكون بينيا مضطراً إلى إيجاد «توازن» بين الابتعاد عن كارتيس مسافة كافية كي لا يظهر بأنه على صلة بالمنظمات الإجرامية من جهة، ومن جهة أخرى الحرص على تحييد التيار الموالي للرئيس الأسبق الذي حصد نتائج مهمة في الانتخابات. وتجدر الإشارة إلى أنه لم يسبق لـ«الكولورادو» الحصول على الأكثرية في مجلسي الشيوخ والنواب معاً. وتحقق هذا الأمر الآن قد يفتح شهيّة التيارات الداخلية المتنازعة على المزيد من الصراعات، ويحتّم على الرئيس الجديد ترتيب الأوضاع داخل الحزب قبل أن يتفرّغ لتنفيذ برنامجه الانتخابي، علماً بأن احتمالات الانشقاق تزداد منذ احتدم الصراع بين كارتيس وعبده.

انشقاقات وهواجس

من التداعيات المحتملة للانشقاق الداخلي انضمام بعض الأحزاب التي أيّدت منافس بينيا، المرشح الليبرالي إيفرايين آليغري، الذي لا يختلف برنامجه الانتخابي كثيراً عن برنامج الرئيس المنتخب، لتشكيل جبهة يمينية معتدلة. ولا يستبعد بعض المراقبين أن يكون بينيا ميّالاً إلى هذا الاحتمال، لا بل قد يكون يخطط له؛ إذ يرى فيه مدخلاً إلى تجديد حزبه الذي لمح إليه مراراً في حملته الانتخابية، وربما مخرج من العلاقة المحرجة مع كارتيس بسبب العقوبات الأميركية المفروضة عليه.

ولكن التحالف المحتمل مع آليغري والقوى الليبرالية والديمقراطية المسيحية التي دعمته، طريق محفوفة بالمحاذير والمخاطر. إذ إن معظم الأحزاب التي دعمته في الانتخابات الرئاسية لم تفعل ذلك اقتناعاً منها ببرنامجه، بل سعياً إلى تشكيل أوسع جبهة ممكنة لإسقاط مرشح الحزب الأحمر وإنهاء هيمنته المزمنة على مقدرات البلاد. وما يستحق الإشارة في هذا السياق، أن آليغري كان قد فشل مرتين في السابق للوصول إلى الرئاسة، الأولى عام 2013 ضد كارتيس والأخرى ضد ماريو عبده عام 2018. يضاف إلى ذلك أن معظم الأحزاب التي أيّدته في الانتخابات الأخيرة كانت قد اشترطت أن يكون العنوان الرئيس لحملته «محاربة المنظمات الإجرامية» التي تمارس نفوذاً واسعاً على الحياة الاقتصادية والسياسية في بلد يحتل المرتبة الثانية في أميركا اللاتينية على قائمة الفساد، التي تتصدرها فنزويلا. وبالفعل، كان آليغري قد صرّح في ختام حملته الانتخابية بأن هذه الانتخابات ليست ضد «الكولورادو»، بل ضد المال الذي تشتري به المنظمات الإجرامية ضمائر السياسيين وتفرض عليهم شروطها عندما يصلون إلى السلطة.

في القريب المنظور تبقى العلاقة مع الولايات المتحدة هي الهاجس الأكبر لدى سانتياغو بينيا، خاصة إذا قررت واشنطن طلب استرداد الرئيس الأسبق كارتيس الذي صدرت بحقه عقوبات، ومذكرة بملاحقته قضائياً بتهمة التعاون مع منظمات إجرامية وتبييض الأموال. وهنا سيجد الرئيس الجديد المنتخب نفسه أمام معضلة كبيرة وهامش ضيّق للمناورة يكاد يقتصر على ورقة العلاقات مع تايوان، التي كانت تحظى دائماً بترحيب الإدارات الأميركية، والتي كانت أحد العناوين الرئيسية التي دارت حولها الحملة الانتخابية الأخيرة بعدما دعا مرشح المعارضة إلى إعادة النظر فيها والاتجاه صوب الصين التي تتسع دائرة نفوذها الاقتصادي في الباراغواي كما في بقية بلدان أميركا اللاتينية.

تشيانغ كاي شيك

في الواقع، الباراغواي هي الدولة الوحيدة في أميركا الجنوبية التي لا تزال تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع تايوان. ولقد قال الرئيس المنتخب إنه «لا بد من المحافظة عليها طالما أن البنى الاقتصادية في البلاد ما زالت غير جاهزة لتعميق العلاقات التجارية مع الصين»؛ وذلك رغم الضغوط القوية التي يمارسها قطاع الصناعات الغذائية - الذي يشكّل العماد الأساسي لاقتصاد البلاد - للانفتاح على السوق الصينية الضخمة.

بل ربما كانت الباراغواي الدولة الوحيدة التي يقع المتجول في شوارع عاصمتها على نُصب وتمثال ضخم للزعيم الصيني تشيانغ كاي شيك.

وتشيانغ هو الزعيم اليميني وقف في الصين بوجه الثورة الشيوعية التي قادها ماو تسي تونغ، قبل أن ينتقل إلى جزيرة فورموزا، حيث أسس الدولة التي تعرف اليوم باسم تايوان، والتي تعدّها بكين جزءاً لا يتجزأ من الوطن الصيني. إذ يرتفع تمثال تشيانغ كاي شيك باللباس العسكري في الجادة الطويلة والفسيحة التي تحمل اسمه في أرقى أحياء العاصمة أسونسيون. ثم إن هناك مدرسة كبيرة تحمل اسم مؤسس جمهورية تايوان وجامعة خاصة باسم «تايوان - باراغواي»، وحديقة نباتية فريدة من نوعها في المنطقة، فضلاً عن الاستثمارات المقدّرة بمئات الملايين من الدولارات، ومساعدات مالية يسيل لها لعاب زعماء «الكولورادو»، وفي طليعتهم الرئيس الأسبق كارتيس، بجانب مشاريع ضخمة لترميم وسط العاصمة التاريخي، من بينها مبنى البرلمان ومقرّ وزارة الخارجية.

تمثال تشيانغ كاي شيك في أسونسيون
تمثال تشيانغ كاي شيك في أسونسيون

غير أن وجود سفارة للباراغواي في تايوان، التي لا يزيد عدد يكانها على 24 مليوناً، يعني أن لا وجود لسفارة لها في الصين التي تجاوز تعداد سكانها 1400 مليون نسمة. وعدم وجود علاقات دبلوماسية مباشرة بين البلدين يعني انعدام أي علاقات تجارية مباشرة بينهما؛ ما يجعل الباراغواي مضطرة إلى اللجوء لوسطاء مثل تشيلي والأرجنتين والبرازيل لاستيراد البضائع والمنتجات الصينية، كما أن صادرات الباراغواي الرئيسية من الصويا واللحوم لا يمكن أن تصل إلى السوق الصينية من دون أن تمرّ عبر بلدان ثالثة.

حسابات الاقتصاد

خلال ولاية الرئيس الحالي ماريو عبده أصبحت تايوان المستورد الثاني للحوم من الباراغواي بعد تشيلي. والباراغواي هي الآن في عداد الدول العشر الأولى المصدِّرة للحوم في العالم، والرابعة المصدّرة للصويا، وهي تملك أيضاً طاقات هائلة لمضاعفة إنتاجها وزيادة صادراتها إلى الأسواق الدولية. والمفارقة اليوم هي أن الباراغواي لا تصدّر سوى كمية ضئيلة من الصويا إلى الصين، عن طريق الأرجنتين بقيمة لا تزيد على 30 مليون دولار سنوياً، بينما معـظم وارداتها تأتي من السوق الصينية بقيمة تجاوز 4 مليارات دولار. ويقول رجل الأعمال الصيني تشارلز تانغ، الذي يرأس غرفة التجارة التي تضمّ أكثر من مائة شركة في الباراغواي تصدّر المنتوجات الزراعية، إن بكين لن تسمح أبداً بفتح مكتب تجاري للباراغواي في الصين قبل إقامة علاقات دبلوماسية بين الطرفين، وبالتالي قطع العلاقات مع تايوان.

إلى جانب ذلك، تعتبر تايوان أن لعلاقاتها الدبلوماسية مع الباراغواي أهمية رمزية كبيرة، خاصة في سياق التوتر المتزايد بين واشنطن وبكين والأزمة الناشئة عن الحرب الدائرة في أوكرانيا، فضلاً عن أن الباراغواي هي حليفها الوحيد في أميركا الجنوبية، وواحد من حلفائها الثلاثة عشر في العالم. وعليه، فإن خسارتها سيكون لها إثر معنوي كبير، خاصة بعدما قررت هوندوراس قبل فترة قصيرة قطع علاقاتها معها وإقامة علاقات مع بكين. ويطرح تانغ، في معرض النقاش الدائر حول التخلي عن تايوان وإقامة علاقات مع بكين العرض التالي: شبكة للقطارات الكهربائية تغطّي جميع أنحاء الباراغواي، وتجهيز 30 مستشفى، وبناء 30 ألف وحدة سكنية جديدة، وبجانب إنشاء قطار سريع يربط العاصمة بمدينة الشرق في أقل من ساعة، ومطار جديد، ومترو أنفاق في العاصمة واستثمارات بقيمة 4 مليارات دولار في العام الأول من العلاقات بين البلدين.

حقائق

الباراغواي... «دولة بوليسية» حقيقية في عهد ستروسنر

يعود تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الباراغواي وتايوان إلى العام 1957، أي بعد ثلاث سنوات على بداية حكم أطول نظام ديكتاتوري في أميركا اللاتينية قاده ألفريدو ستروسنر، مؤسس «الكولورادو» (الحزب الأحمر أو الملّون)، الذي تبنّى كلياً عقيدة واشنطن المناهضة للأنظمة الشيوعية إبّان الحرب الباردة، على غرار ما فعلت بلدان عدة في أميركا اللاتينية. إلا أنه مع بداية الصعود الاقتصادي لجمهورية الصين الشعبية راحت هذه البلدان اللاتينية تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان وتقيمها مع بكين. ووصلت العدوى إلى الولايات المتحدة نفسها التي أسست علاقاتها الدبلوماسية الرسمية مع الصين في العام 1979، في حين أصرّ نظام ستروسنر على إبقاء علاقاته مع تايوان، لا بل سعى إلى تطويرها وترسيخها على شتى الصعد.

إلى جانب ذلك، أخذت الباراغواي تتحوّل على عهد ستروسنر «دولة بوليسية» لجأ إليها مئات المسؤولين العسكريين والمدنيين الفارين من وجه العدالة في عدد من البلدان الأميركية اللاتينية بسبب ارتكابهم فظائع ضد مواطنيهم. وهو ما أدى لاحقاً إلى إنشاء «أرشيف الإرهاب» في العاصمة الباراغوية أسونسيون، الذي يحوي مجموعة من الوثائق والمستندات والمعلومات حول القمع الذي كانت تمارسه الديكتاتوريات العسكرية في أميركا اللاتينية ابّان سبعينيات القرن الفائت. وتضمّ هذه الوثائق كل المراسلات الخطية التي كانت تتبادلها السلطات الأمنية والعسكرية والاستخباراتية المدنية في الباراغواي على عهد ستروسنر حول ملاحقة المعارضين، من شيوعيين وليبراليين وفنانين ونقابيين، وتعذيبهم أو إعدامهم.

كذلك يضم الأرشيف العديد من المراسلات والوثائق العائدة للبرازيل وتشيلي والأرجنتين والأوروغواي إبان عهد الديكتاتوريات العسكرية التي حكمت تلك البلدان في سبعينات وثمانينات القرن الماضي. وأيضاً تضمّ هذه المستندات معلومات مفصّلة عن التعاون الذي كان قائماً بين تلك الأنظمة بإشراف وتوجيه الولايات المتحدة وأجهزتها الاستخباراتية التي كانت تمدّ الأجهزة الأمنية والعسكرية في أميركا الجنوبية بالمساعدات والموارد التقنية والمالية لقمع المعارضين السياسيين.


مقالات ذات صلة

سياسات مصر السكانية تحقّق اختراقاً نادراً

حصاد الأسبوع مصريون في أحد الأسواق بالقاهرة (الشرق الأوسط)

سياسات مصر السكانية تحقّق اختراقاً نادراً

بعد نحو ستة عقود من الجهود والمساعي الحثيثة لمواجهة الأزمة السكانية، يبدو أن سياسات مصر في هذا الصدد بدأت تؤتي ثمارها، محققة اختراقاً نادراً يتمثل بتراجع معدل

فتحية الدخاخني (القاهرة)
حصاد الأسبوع مارك كارني

مارك كارني... زعيم كندا الجديد أمام تحديَي الانتخابات العامة والتعايش مع دونالد ترمب

سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترمب، منذ بدأ فترة ولايته الثانية في 20 يناير (كانون الثاني) الماضي، وضعت كندا في «عين العاصفة». ذلك أن ترمب لم يتردد في اعتبار

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع بولييف

كندا أمام امتحان انتخابي مهم وسط متغيّرات خطرة

> يتولى مارك كارني قيادة الدفة في كندا على أبواب تحديين صعبين، الأول داخلي ويتمثل بالانتخابات الاتحادية العامة المقبلة المقرّرة يوم بعد غد 28 أبريل (نيسان)

حصاد الأسبوع 
نوبوا يؤدي القسم الرئاسي إثر فوزه الكبير والمفاجئ في الإكوادور (أ.ف.ب)

فوز نوبوا يدعم سياسات ترمب في أميركا الجنوبية

بعد حملة انتخابية محمومة وسط اضطرابات أمنية غير مسبوقة، استدعت تكليف الجيش التصدي لعصابات الاتجار بالمخدرات والمنظمات الإجرامية المسلحة، حقق الرئيس الإكوادوري

شوقي الريّس (مدريد)
حصاد الأسبوع 
الرئيس الأميركي دونالد ترمب جعل حربه الاقتصادية ضد الصين استراتيجية لواشنطن (رويترز)

حرب أميركا ـــ الصين التجارية... بين «واقعية» بكين و«طموح» ترمب

في إطار الحرب التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، يمكن ملاحظة وجود تصعيد تدريجي ومتبادل في الرسوم الجمركية بين البلدين. هذا التصعيد يعكس اتجاهات السياسة الاقتصادية التي تعتمدها الدولتان، حيث تتمثل الولايات المتحدة في دور المبادر في فرض الرسوم الجمركية، بينما تتبع الصين استراتيجية الردّ المتدرج. في البداية، بدأت الولايات المتحدة بزيادة الرسوم الجمركية بشكل حاد وسريع من 10% في فبراير (شباط) الماضي إلى 145% في 10 أبريل (نيسان) الجاري، وهو ما يعكس رغبة الإدارة الأميركية الحالية في ممارسة ضغط اقتصادي كبير على الصين. في المقابل، قامت الصين، في البداية، بالرد بنسب أقل (10% و15% جزئياً) غير أنها رفعت النسبة بشكل تدريجي حتى وصلت إلى 125% بحلول 11 أبريل، ما يبرز توجهاً أكثر حذراً من جانبها في التعامل مع التصعيد.

وارف قميحة (بيروت)

مارك كارني... زعيم كندا الجديد أمام تحديَي الانتخابات العامة والتعايش مع دونالد ترمب

مارك كارني
مارك كارني
TT
20

مارك كارني... زعيم كندا الجديد أمام تحديَي الانتخابات العامة والتعايش مع دونالد ترمب

مارك كارني
مارك كارني

سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترمب، منذ بدأ فترة ولايته الثانية في 20 يناير (كانون الثاني) الماضي، وضعت كندا في «عين العاصفة». ذلك أن ترمب لم يتردد في اعتبار «الجارة الشمالية» لبلاده «ولاية أميركية»، وطالب السلطات الكندية بالتجاوب مع رغبته. والحال أن ترمب «لم يضع عينيه» على كندا وحدها، بل طالب أيضاً الدنمارك بالتخلّي له عن جزيرة غرينلاند، كبرى جزر شمال المحيط الأطلسي، وأعلن عزمه على استعادة السيطرة على منطقة قناة بنما، وهي القناة الاستراتيجية الواصلة بين المحيطين الأطلسي والهادئ التي كانت بلاده قد لعبت دوراً أساسياً في شقّها مطلع القرن العشرين

مطالبة دونالد ترمب بجعل كندا «الولاية الأميركية الـ51» بدأت عندما كان جاستن ترودو يتولّى منصب رئاسة الحكومة الكندية. وعلى الرغم من تصدّي ترودو للرئيس ترمب ورفضه البحث في الأمر، واصل «سيد» البيت الأبيض ضغوطه بعد انتقال المنصب في أوتاوا يوم 14 مارس (آذار) الفائت إلى مارك كارني، رئيس وزراء كندا الجديد. وهكذا بدأ الزعيم الجديد عهده في رئاسة الحكومة بتجربة قلّما عرفتها الديمقراطيات الغربية من حليفتها وشريكتها الكبرى.

النشأة والبداية

وُلد مارك جوزيف كارني يوم 16 مارس 1965 في أقصى جنوب مقاطعة الأقاليم الشمالية الغربية (بشمال كندا)، على الحدود مع ولاية ألبرتا لعائلة من أصول آيرلندية كاثوليكية. وكان أبوه روبرت كارني مدير مدرسة ثانوية، وأمه فيرلي مارغريت كيمبر كانت ربة منزل.

ومع بلوغ مارك السادسة من عمره انتقلت العائلة إلى مدينة إدمونتون، عاصمة ألبرتا، حيث نشأ وانخرط في الدراسة، وفي حين جرّب أبوه حظه في المعترك السياسي في ألبرتا ضمن صفوف حزب الأحرار (الليبرالي) الوسطي، استأنفت أمه تعليمها الجامعي وعملت في القطاع التربوي بجانب الاهتمام بمارك وأشقائه الثلاثة (ولدين وبنت).

أنهى مارك كارني دراسته الثانوية في مدرسة سانت فرنسيس كزافيير الكاثوليكية، وبفضل تفوقه تأهل لدخول جامعة هارفارد الأميركية العريقة مستفيداً من منح وإعانات مالية. وبعد تخرّجه في «هارفارد» بتفوّق متخصّصاً في الاقتصاد، انتقل إلى بريطانيا، حيث تابع، ومن ثم أكمل، دراسته العليا في جامعة أوكسفورد العريقة. ومنها حصل على ماجستير الفلسفة من كلية سانت بيترز عام 1993، ثم الدكتوراه من كلية نفيلد عام 1995.

المسيرة المصرفية بعد «هارفارد» و«أوكسفورد»

مسيرة كارني المهنية في عالم المال والمصارف انطلقت من انضمامه إلى مجموعة «غولدمان ساكس» المالية والمصرفية الشهيرة، حيث تقلّب في عدد من المواقع الوظيفية المهمة على امتداد 13 سنة، عمل فيها في مقرات المجموعة في كل من مدن بوسطن ولندن ونيويورك وطوكيو وتورونتو.

بعدها انتقل كارني عام 2003 إلى بنك كندا (البنك المركزي الكندي) ليشغل منصب نائب الحاكم. وفي العام التالي، 2004، عُيّن نائب وزير مشارك في وزارة المالية. ثم في عام 2007 عُيّن حاكماً لبنك كندا، وهكذا قُيّضت له قيادة البنك في عز الأزمة المالية العالمية التي تفجّرت عام 2008، وكان في حينه الحاكم الأصغر سناً بين حكام البنوك المركزية لدول «مجموعة الثماني» و«مجموعة العشرين». وحقاً، تجلّت قدرات كارني وحنكته الإدارية في نجاحه في تجنيب كندا معظم الآثار السيئة للأزمة العالمية يومذاك، واستمر في قيادة بنك كندا حتى عام 2013.

في وقت لاحق من ذلك العام عُيّن كارني حاكماً لبنك إنجلترا (المركزي)، وفي لندن أيضاً نجح وتأكدت كفاءاته الإدارية وتمكّن باقتدار من قيادة أحد أكبر البنوك المركزية العالمية، بين عامي 2013 و2020، عبر تداعيات خروج بريطانيا من أسرة «الاتحاد الأوروبي»، (بريكست)، وفيما بعد المرحلة الأولى من جائحة «كوفيد-19» العالمية.

بدايات دخول معترك السياسة

من ناحية ثانية، ما كانت علاقات مارك كارني بعالم السياسة مفاجئة حقاً لعارفيه ومتابعي اهتماماته، وبالأخص، لدى النظر إلى اهتمامات أبيه السياسية.

والواقع أنه -كما يقول- أتيحت له الفرصة لدخول الحكومة عام 2012، عندما عرض عليه ستيفن هاربر، رئيس الوزراء الكندي المحافظ (يومذاك)، تولّي منصب وزير المال في حكومته، غير أنه اعتذر عن قبول المنصب. وفيما بعد، أوضح خلال مقابلة أُجريت معه في فبراير (شباط) الفائت على شاشة التلفزيون الكندي أنه رأى أنه من «غير اللائق» التجاوب مع عرض هاربر؛ لاقتناعه بأن الانتقال مباشرةً من «حاكمية البنك المركزي إلى معترك السياسة الانتخابية» لا يجوز. وفي العام التالي، 2013، تكرّر «السيناريو» نفسه تقريباً عندما طلب منه حزب «الأحرار» -الذي كان ينتمي إليه أبوه- خوض انتخابات زعامة الحزب... ومجدّداً اعتذر.

ولكن، يمكن القول إنه عندما أنهى كارني مسيرته في عالم المصارف، ودخل مجال الاستشارات والإدارة المالية كان اتجاهه إلى العمل السياسي مسألة وقت. وبالفعل، في أعقاب توليه قيادة إحدى كبريات شركات إدارة الاستثمارات ورئاسة مجلس إدارة شركة «بلومبرغ» العملاقة الشهيرة، وبينما كان يتأهَّب لمغادرة منصبه على رأس بنك إنجلترا، عُيّن في مارس 2020 مبعوثاً خاصاً للأمم المتحدة للتعامل مع شؤون المناخ والتمويل.

كان بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني (في حينه)، قد أسند إليه خلال يناير (كانون الثاني) من العام نفسه منصب المستشار المالي للرئاسة البريطانية لقمة «كوب 26» للمناخ المنعقدة في مدينة غلاسغو الاسكوتلندية، والمبرمجة أساساً في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020. غير أنها أُجِّلت سنةً واحدة فعُقدت في نوفمبر 2021.

مع حزب «الأحرار»

في عام 2021 أيضاً وقف مارك كارني خطيباً على منبر مؤتمر السياسة الحزبية الذي نظمه حزب «الأحرار» الكندي، وأعلن تأييده للحزب، إلا أنه أحجم عن الالتزام بالترشح تحت رايته. وبسبب الانشغال بقمة «كوب 26» للمناخ (المؤجلة) أعلن صرفه النظر عن خوض الانتخابات العامة الاتحادية الكندية التي جرى التداول بأمرها. أما على الصعيد البريطاني، فقد أيَّد كارني عام 2023 تولي راتشيل ريفز، عضو «حكومة الظل» العمالية، منصب وزير المالية. وبعد انتصار العمال في الانتخابات العامة البريطانية عام 2024 التحق بـ«فريق المهمات» الذي أسهم في إنشاء «الصندوق البريطاني للثروة الوطنية».

مسيرة الصعود نحو الزعامة

يوم 9 سبتمبر (أيلول) 2024 أسند رئيس الوزراء الكندي ترودو -وزعيم حزب «الأحرار»- إلى كارني رئاسة «فريق المهمات» الحزبي لشؤون النمو الاقتصادي، ولفترة قصيرة تداول البعض اسمه وزير مالية محتملاً بعد استقالة الوزيرة كريستيا فريلاند، التي هي اليوم وزيرة النقل والتجارة الداخلية في حكومته.

ومما يجدر التطرق إليه، أنه كانت هناك علاقة تعاون خجولة البدايات بين الرجلين، أو بالأصح بين الزعيمين السابق والحالي، فقد عمل كارني بصورة غير رسمية لترودو عندما كان الأخير يتولى منصب رئاسة الحكومة إبّان جائحة «كوفيد-19».

ومن ثم، في يناير (كانون الثاني) الماضي، في أعقاب تقديم ترودو استقالته من رئاسة الحكومة، أعلن كارني نيته الترشّح للمنصب. وبالفعل، حقق انتصاراً كاسحاً في الانتخابات الحزبية لحزب الأحرار الحاكم، ولم يلبث بعدها أن تولى زعامة الحزب، وبالتالي رئاسة الحكومة. وقد أدّى قسم اليمين رسمياً يوم 14 مارس الماضي، بعد بضعة أيام من فوزه بزعامة الحزب. وعلى الأثر، طلب من الحاكم العام لكندا حل البرلمان من أجل التحضير لانتخابات عامة طارئة جديدة.

بطاقة هوية

> مارك كارني متزوج منذ 1994 من ديانا فوكس، وهي اقتصادية بريطانية وناشطة في مجالي حماية البيئة والعدالة الاجتماعية.

> التقى الزوجان وارتبطا في جامعة أوكسفورد، ورُزقا بأربعة أولاد.

> إلى جانب شهادة الدكتوراه التي حازها، مُنح كارني 4 شهادات فخرية من جامعات: مانيتوبا وألبرتا وتورونتو في كندا، ومعهد لندن لإدارة الأعمال في بريطانيا.

> يحمل كارني ثلاث جنسيات هي: الكندية والبريطانية الآيرلندية.

> لدى رئيس الوزراء الجديد أخ يعيش في إقليم آيرلندا الشمالية، وعدة أقارب يعيشون في مدينة ليفربول.

> العائلة تحب الرياضة وبالذات كرة القدم. وفي بريطانيا يشجع كارني نادي إيفرتون، بينما تشجع زوجته نادي آرسنال. وفي كندا يناصر نادي إدمونتون أويلرز (هوكي الجليد) وإدمونتون إيلكس (الكرة الكندية). وبالمناسبة، بلغ تعلق رئيس الوزراء بالرياضة حد مشاركته في «ماراثون أوتاوا» عام 2011 و«ماراثون لندن» عام 2015، وإكماله السباقين.