هل بات لاجئو سوريا ونازحوها ممرّاً للرئاسة اللبنانية؟

وسط المطالبات والتجاذبات السياسية

لاجئون سوريون في لبنان (أ.ب)
لاجئون سوريون في لبنان (أ.ب)
TT

هل بات لاجئو سوريا ونازحوها ممرّاً للرئاسة اللبنانية؟

لاجئون سوريون في لبنان (أ.ب)
لاجئون سوريون في لبنان (أ.ب)

ينفي رسميون لبنانيون أن قراراً جديداً «غير معلن» بالتحرك للضغط باتجاه إعادة اللاجئين والنازحين السوريين إلى بلادهم، والتضييق عليهم لتفضيل العودة على البقاء، كان السبب الرئيس وراء استنفار الأجهزة الأمنية والبلديات لملاحقة المخالفين الذين لا يحملون أوراقاً رسمية تخوّلهم البقاء في لبنان.

في الواقع، الحملة الأمنية الكبيرة التي استهدفت المخالفين ترافقت مع حملة أكبر على وسائل التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام تدفع باتجاه إعادتهم «بأي طريقة». الأمر الذي أدى إلى تلقف الحكومة الكرة لتنظيم الوضع وتصويبه.

وهكذا كان، إذ كلف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي كلاً من المدير العام للأمن العام بالإنابة العميد إلياس البيسري ووزيري العمل والشؤون الاجتماعية متابعة موضوع إعادة النازحين السوريين، والتأكيد على التدابير والإجراءات المتخذة من قبل الجيش والأجهزة الأمنية كافة بحق المخالفين، خاصةً لجهة الداخلين بصورة غير شرعية وغير الحائزين على الوثائق الرسمية والقانونية. وأيضاً الطلب من المفوضية العليا لشؤون النازحين تزويد وزارة الداخلية والبلديات بالمعطيات (البيانات) الخاصة بالنازحين السوريين على أنواعها، على أن تسقط صفة النازح عن كل شخص يغادر الأراضي اللبنانية.

مراقبة العمالة

من الإجراءات الحكومية اللبنانية الجديدة، الطلب من وزارة العمل التشدد في مراقبة العمالة ضمن القطاعات المسموح بها، والطلب من وزير العدل البحث في إمكانية تسليم الموقوفين والمحكومين للدولة السورية بشكل فوري مع مراعاة القوانين والاتفاقيات ذات الصلة.

ولقد ألقت الحكومة ووزارة الداخلية بالحمل الأكبر في موضوع التشدد في التعامل مع النازحين السوريين المخالفين على عاتق البلديات - التي تئن أصلاً من تراجع إيراداتها وعجزها عن دفع رواتب موظفيها - كي يقوموا بالمهام المطلوبة منهم لجهة إحصاء النازحين والتأكد من حيازتهم الأوراق الرسمية التي تتيح لهم البقاء في لبنان والعمل في بعض القطاعات. وهذا ما دفع عدداً كبيراً من رؤساء البلديات لرفع الصوت، ما يهدد بسقوط الإجراءات الحكومية عند مفترق التطبيق والخطوات العملية.

خلفيات «رئاسية»

سياسياً، لطالما كان التيار الوطني الحر (التيار العوني) «رأس حربة» في المطالبة بإعادة النازحين. ونتيجة خطابه المتشدد في هذا المجال طوال السنوات الماضية وُجهت إليه اتهامات حادة بـ«العنصرية». ولكن كان لافتاً كيف لاقى «التيار» في الأيام الماضية بحذر الحملة الأخيرة ضد النزوح السوري. وهو ما عبّر عنه رئيسه النائب جبران باسيل الذي تحدث عن «خشية من التحريض المذهبي والعنصري والفئوي الحاصل والمبرمج حالياً بلبنان ضد النازحين». وحثّ على «الاستفادة من الحوار والتفاهم السوري – السعودي - الإيراني، لتأمين عودة لائقة آمنة وكريمة للنازح السوري من خلال إعادة إعمار سوريا ولبنان؛ وليس من خلال خلق فتنة جديدة بين اللبنانيين والسوريين، نتيجتها خدمة المشروع التقسيمي».

من جهة ثانية، شنّ العونيون أخيراً حملة مكثفة للتذكير بأنهم كانوا «أول وأبرز من طالب بإعادة النازحين»، واتهموا القوى التي تدفع اليوم بهذا الاتجاه «بتنفيذ أجندات داخلية وخارجية معينة». وعدّ ناشطون في «التيار» أن «حزب الله» وحلفاءه حرّكوا هذا الملف بهدف تعزيز حظوظ رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية الرئاسية، وبخاصة أنه فرنجية كان قد قال في غير إطلالة إنه «قادر على أن يحقق إنجازات في هذا الملف أكثر من أي رئيس آخر لعلاقته الوطيدة بالرئيس السوري بشار الأسد». وذهب بعضهم باتجاه إقحام قائد الجيش العماد جوزيف عون بالملف، معتبرين أن من مصلحته تحريكه أمنياً للقول إنه إذا انتُخب رئيساً سيكون قادراً على ضبط الوضع وإعادة النازحين إلى بلادهم.

تسجيل نقاط... واستهلاك سياسي

في هذا السياق، قال الدكتور سامي نادر، مدير معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية في بيروت، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، معلّقاً: «مما لا شك فيه أن توقيت فتح ملف العودة اليوم مرتبط بالسباق الرئاسي اللبناني... وهو يشكل مادة لتسجيل النقاط وللاستهلاك السياسي. هذا ما يحصل، ليس في لبنان فقط، بل في تركيا وأوروبا وأميركا أيضاً، حيث الكل يلعب ورقة المهاجرين عشية الاستحقاقات الرئاسية أو النيابية».

العميد المتقاعد خليل الحلو، وافق نادر رأيه، ويؤكد أن «جماعة الممانعة هي التي حركت ملف العودة في الفترة الخيرة لاعتبارات مرتبطة بالملف الرئاسي، خاصةً مع خروج سليمان فرنجية ليعدنا بحلول سحرية لحل أزمة النزوح». وبالفعل، كان لافتاً خروج الحزب السوري القومي الاجتماعي للدفع باتجاه العودة لأول مرة منذ 12 سنة، وهو ما وضعه كثيرون في خانة دعم حظوظ فرنجية الرئاسية. إذ ذكر الحزب في بيان: «بعد أكثر من 6 سنوات على وقف إطلاق النار في المدن والبلدات السورية، بات من الضروري عودة كل النازحين في لبنان إلى مدنهم وبلداتهم، انطلاقاً من حاجة تلك المناطق إلى أبنائها اجتماعياً وتنموياً، وكي يرفعوا عن بلادهم عبء استخدام ملف النزوح كورقة سياسية للضغط على الحكومتين في دمشق وبيروت، ولا سيّما أنهم يُستخدمون كورقة ضغط محلياً ودولياً».

أما «حزب الله» فواكب هذه الحملة وأبلغ مسؤول ملف النازحين في الحزب النائب السابق نوار الساحلي، المدير العام للأمن العام بالإنابة العميد إلياس البيسري «استعداد (حزب الله) دائماً لإبداء أي مساعدة في تسريع هذا الملف»، واضعاً «إمكانية الحزب الكاملة في سبيل تحقيق الأهداف التي تساهم في تحسين الأوضاع في لبنان».

«التقدمي الاشتراكي» يتمايز

وفي حين تجاوزت كل القوى السياسية خلافاتها وصراعاتها لتتكاتف في هذا الملف لاعتبارها أنه بات «يهدد وجودياً لبنان واللبنانيين»، تمايز الحزب التقدمي الاشتراكي في موقفه، ولم يبدُ رئيسه أو مسؤولوه متحمسين لإعادة النازحين. وقالت مصادر الحزب إنه «لا أحد يريد إبقاء النازحين السوريين في لبنان إلى الأبد، إنما المطلوب البحث في الآليات المثلى التي تضمن سلامتهم. وهي لا تبدو متوافرة عند النظام السوري، الذي راوغ في هذه المسألة منذ سنوات وأعاد كل الوفود اللبنانية الرسمية وغير الرسمية التي زارت دمشق خالية الوفاض».

وعدّ مصدر «تقدمي اشتراكي» في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «ما لم تتوافر ضمانات معينة تتيح عودة آمنة ولائقة وكريمة لهم، سنبقى على تحفظنا، فلبنان لا يستطيع أن يتنكّر لدوره التاريخي في أن يكون ملجأ للمضطهدين. كما أن التعويم السياسي الذي يعيشه في هذه الحقبة النظام السوري يضاعف من مخاوف دفع النازحين إلى قدَر مجهول ما لم تترافق خطوات (التطبيع) السياسي مع خطوات ملموسة ومواقف حاسمة تحمي النازحين».

ورأى المصدر أن «توقيت فتح هذا الملف مشبوه، والمقاربات العنصرية التي نسمعها من هنا وهناك من شأنها أن تؤجج التوتر، وتدفع الأمور إلى ما لا يحمد عقباه في مختلف المناطق التي تشهد اختلاطاً ملحوظاً». وشدد على أن «المطلوب اليوم تهدئة النفوس مجدداً واعتماد العقلانية سبيلاً وحيداً للتعامل مع هذا الملف الحساس، بعيداً عن الشعبوية أو العنصرية المقيتة». وأضاف: «أما إذا كانت الجهات الرسمية اللبنانية قادرة على دفع دمشق في اتجاه إعادة النازحين وحمايتهم والحفاظ على سلامتهم، وهو أمر مستبعد جداً، فعندئذ لكل حادث حديث. المطلوب اليوم الإقلاع عن التوتير السياسي والإعلامي والميداني وعدم تحميل النازحين السوريين كل مصائب لبنان ومفاسده».

صراع «التيار» ـ «القوات»

من جهة ثانية، شهد ملف «النزوح» كثيراً من الأخذ والرد بين «العونيين» و«القواتيين» (حزب «القوات اللبنانية»)، خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي، مع اتهام مناصري «التيار» مناصري «القوات» بـ«الدخول متأخرين على الخط وتنفيذ أجندات إقليمية أثبتت فشلها».

وردّ رئيس جهاز الإعلام والتواصل في «القوات اللبنانية» شارل جبور على كل هذه الاتهامات محملاً مسؤولية «الدخول العشوائي للنازحين إلى لبنان لحكومة (8 آذار) التي كانت قائمة مع انطلاق حملات النزوح، التي كان لباسيل حصة الأسد فيها، المتمثلة بـ11 وزيراً». ولفت جبور في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «في المرحلة الأولى كنا أمام مسألة من طبيعة إنسانية، لكن عندما توقفت الحرب قبل نحو 5 سنوات اعتبرنا أنه حان الوقت لعودة النازحين. لذلك رفعنا الصوت وقمنا بخطوات عملية في هذا السياق بخلاف الأداء الشعبوي لقوى أخرى، فتقدمنا بمشروع لنقل النازحين إلى الحدود من الجانب السوري، لكننا لم نجد تجاوباً في الداخل، ولا في الخارج، وكان الموضوع يستخدم في الداخل لتسجيل النقاط السياسية». واعتبر جبور أن «مَن يمنع إعادة النازحين اليوم هم حلفاء باسيل، أي (حزب الله) والأسد، لاعتبارات ديموغرافية معروفة».

وغير بعيد عن هذا الشأن، برز تصعيد رئيس الجمهورية السابق ميشال عون في موضوع النزوح، وقوله إن «أغلب الدول الأوروبية لا تريد النازحين، وتريد أن تفرضهم علينا وأن يبقوا عندنا». وعدّ عون أن «النازح السوري أتى إلى لبنان وارتاح هنا، وهو نازح أمني، لا سياسي. لكن الدول تفرض علينا أن نفكر بأن النازح السياسي هو مثل النازح الأمني، وهذه كذبة فيها وقاحة». وأردف: «نحن نعلم من سبّب دخول النازحين السوريين إلى لبنان، وكانت هناك دول خلف ذلك الأمر، وضغطت علينا للإتيان بهم». ثم تابع أنه «نبّه الحكومات المتتالية إلى خطورة نتائج النزوح، لكنها لم تكن على قدر كافٍ من الوعي، لاتخاذ الإجراءات أو المواقف السياسية أو الإنسانية اللازمة».

العودة صعبة المنال!

في أي حال، يُجمع الخبراء على أن تحقيق عودة النازحين لن تكون بالسهولة التي يعتقدها البعض، وأن المسار سيكون طويلاً ومعقداً. وهذا ما يقوله الدكتور نادر (مدير معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية) عندما يوضح أن «موضوع النزوح السوري يشكل مشكلة أكبر من الأزمة المالية - الاقتصادية التي نرزح تحتها لأننا هنا نتحدث عن احتمال تغيير ديموغرافي، يعني تهديداً وجودياً، فالخوف ليس حصراً من عدد النازحين الحالي، إنما من عدد الولادات التي تخطت نسبة الولادات اللبنانية».

وتابع نادر لـ«الشرق الأوسط» شارحاً أن «ملف العودة كان يحشر في السابق أخصام الأسد الذين كانوا يرفضون التكلم معه لإعادتهم. أما اليوم فهو يحشر حلفاءه، ولا سيما المرشحين للرئاسة، باعتبار أنه هو وسياسته أديا إلى النزوح، وهو نفسه اليوم لا يسهل العودة». ويعدّ نادر أن «تحقيق العودة صعب جداً، لأن الأسد الذي أخرجهم لن يعيدهم. وطالما هذا النظام موجود لن تكون هناك العودة المنشودة... وإن كنا سنشهد عودة قسم منهم إلى المناطق المحرّرة وإلى شمال سوريا والجنوب السوري بإطار سياسة هادفة فاعلة».

ويحمّل الحلو في لقائه مع «الشرق الأوسط» كلاً من «نظام الأسد و(حزب الله) والميليشيات المتعاونة مع إيران والقصف الجوي الروسي للمنشآت الحيوية في المدن والقرى مسؤولية تهجير السوريين»، معتبراً أن «وجودهم العشوائي في لبنان يتحمل مسؤوليته من جهة (السياديون) الذين رفضوا وضع النازحين في مخيمات تضامناً معهم... ومن جهة أخرى (حزب الله) وحلفاؤه الذين كان يخشى تسليحهم واستخدامهم ضده».

وإذ يدعو الحلو إلى «مقاربة عقلانية - قانونية للملف، بعيداً عن الغوغائية»، يشدد على وجوب الابتعاد قدر الإمكان عن أي مقاربة عنصرية للملف.

ولا تبدو قراءة رياض قهوجي، رئيس مركز «الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري - أنيغما»، بعيدة عن قراءتي نادر والحلو للمعطيات الراهنة. إذ يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا الملف مرتبط بأمور كثيرة داخلية وخارجية»، مشيراً إلى وجود «أطراف مستفيدة من وضع النازحين عبر جمعيات توفر مدخولاً مالياً لها من جهات دولية. كما أن النظام السوري يستخدم النازحين كأداة ابتزاز ضد لبنان والمجتمع الدولي، والقوى الغربية بقيادة أميركا لا تدعم العودة قبل حل سياسي للأزمة السورية وتطبيق إصلاحات حسب قرار مجلس الأمن... لأن هذه العودة تتطلب دعماً مالياً لإعادة الإعمار، وهو ما لا تريد أن تُقدم عليه بوجود نظام الأسد بشكله الحالي».

ولا يستبعد قهوجي أن يكون للانتخابات الرئاسية «دور في إثارة هذا الموضوع لإظهار ضخامة المشكلة ومحاولة بعض الجهات عرض نفسها كمدخل للحل في حال تسلمت السلطة»، قبل أن يختتم بالقول: «لا أعتقد أن هذا الملف قابل للحل دون دعم أميركي - غربي».

الوجود السوري في لبنان... بالأرقام

- يُقدر العدد الإجمالي للاجئين والنازحين السوريين الموجودين بلبنان بحوالي مليوني سوري، بحسب الأمن العام اللبناني، أي ما نسبته تقريباً 35 في المائة من سكان لبنان. ومن بين هؤلاء 804326 مسجلاً لدى مفوضية اللاجئين.

- بحسب المفوضية، تستضيف منطقة جبل لبنان أكبر عدد من النازحين (385033 نازحاً)، يليها سهل البقاع (352110 نازحاً) ثمّ الشمال (200762 نازحاً).

- يتوزع النازحون على 1000 بلدة من البلدات اللبنانية الـ1050، بحسب وزارة الشؤون الاجتماعية.

- هناك نحو 200 ألف طفل سوري ولدوا في لبنان منذ بداية الأزمة، أي بمعدل 20 ألفاً سنوياً، وقد ارتفعت هذه الأرقام وفق آخر إحصاء لتصل إلى 50 ألف ولادة سنوياً مقابل 70 ألف ولادة لبنانية.

- أعيد 540 ألف سوري تم إعادتهم إلى سوريا ضمن إطار العودة الطوعية، وفق الأمن العام اللبناني.

- عام 2022 نُقل ما يقارب 8300 نازح من لبنان إلى بلد ثالث، وهذه زيادة بنسبة 24 في المائة مقارنة بعام 2021.

- تلقى لبنان ما يقارب 9.3 مليار دولار أميركي منذ عام 2015 لدعم اللاجئين السوريين واللبنانيين واللاجئين الفلسطينيين والمؤسسات العامة في إطار خطة لبنان للاستجابة للأزمة.

- بحسب المفوضية، 90 في المائة من النازحين السوريين في لبنان يعيشون في فقر مدقع، وأقل من 1 في المائة منهم يتمتعون بالأمن الغذائي.

- بحسب تصريحات للواء عباس إبراهيم، مدير عام الأمن العام اللبناني سابقاً، عام 2022، فإن 42 في المائة من مجموع السجناء في لبنان من الجنسية السورية. لكن هذه النسبة تدنت وهي تبلغ حالياً 29.8 في المائة.

- تكلفة النزوح السوري على لبنان تجاوزت 40 مليار دولار، وفق الرئيس السابق ميشال عون.

- أبرز الأسباب التي يقول اللاجئون والنازحون إنها تحول دون عودتهم، هي عدم توفر السلامة، انعدام الأمن، الافتقار إلى المسكن، نقص الخدمات الأساسية وسُبل العيش. ويضاف إلى ما سبق الخوف من الاعتقال والاحتجاز وفرض الالتحاق بالخدمة العسكرية.


مقالات ذات صلة

مقتل 5 في إطلاق نار بشمال فرنسا... والمشتبه به يسلم نفسه للشرطة

أوروبا عنصر من الشرطة الفرنسية في ستراسبورغ (أ.ف.ب)

مقتل 5 في إطلاق نار بشمال فرنسا... والمشتبه به يسلم نفسه للشرطة

نقلت وسائل إعلام فرنسية عن مصادر أمنية، السبت، أن اثنين من رجال الأمن ومهاجرَين قُتلوا بإطلاق نار في لون بلاج بالقرب من مدينة دونكيرك الشمالية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا منظمة «أطباء بلا حدود» تنقذ مئات المهاجرين على متن قارب في البحر الأبيض المتوسط (أ.ب)

بسبب القوانين... «أطباء بلا حدود» تُوقف إنقاذ المهاجرين في البحر المتوسط

أعلنت منظمة «أطباء بلا حدود»، الجمعة، وقف عملياتها لإنقاذ المهاجرين في وسط البحر الأبيض المتوسط بسبب «القوانين والسياسات الإيطالية».

«الشرق الأوسط» (روما)
المشرق العربي مهاجرون جرى إنقاذهم ينزلون من سفينة لخفر السواحل اليوناني بميناء ميتيليني (رويترز)

اليونان تعلّق دراسة طلبات اللجوء للسوريين

أعلنت اليونان التي تُعدّ منفذاً أساسياً لكثير من اللاجئين إلى الاتحاد الأوروبي، أنها علّقت بشكل مؤقت دراسة طلبات اللجوء المقدَّمة من سوريين

«الشرق الأوسط» (أثينا)
العالم العربي دول أوروبية تعلق البت في طلبات اللجوء المقدمة من سوريين (أ.ف.ب)

دول أوروبية تعلق طلبات اللجوء المقدمة من سوريين بعد الإطاحة بالأسد

علقت دول أوروبية كثيرة التعامل مع طلبات اللجوء المقدمة من سوريين بعد استيلاء المعارضة على دمشق وهروب الرئيس بشار الأسد إلى روسيا بعد 13 عاماً من الحرب الأهلية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)

جزر الباهاماس ترفض اقتراح ترمب باستقبال المهاجرين المرحّلين

قالت صحيفة «الغارديان» البريطانية إن جزر الباهاماس رفضت اقتراحاً من إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب المقبلة، باستقبال المهاجرين المرحَّلين.

«الشرق الأوسط» (لندن)

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.