«حماس» تجدد مخاوف لبنان من تحويله «ساحة صراع إقليمي»

نكأت جراح المسيحيين... وتوجّس من تخطّي «إعلان فلسطين 2008»

قصف في المنطقة الحدودية اللبنانية الإسرائيلية (رويترز)
قصف في المنطقة الحدودية اللبنانية الإسرائيلية (رويترز)
TT

«حماس» تجدد مخاوف لبنان من تحويله «ساحة صراع إقليمي»

قصف في المنطقة الحدودية اللبنانية الإسرائيلية (رويترز)
قصف في المنطقة الحدودية اللبنانية الإسرائيلية (رويترز)

جدّد إعلان حركة «حماس» عن تأسيس «طلائع طوفان الأقصى» في لبنان الهواجس اللبنانية من تحويل البلاد ساحة صراع إقليمي مرة أخرى، بعد 33 سنة من انتهاء الحرب اللبنانية. وأيضاً نكأ جراح الذاكرة اللبنانية التي استعادت مرحلة المقاومة الفلسطينية في لبنان بعدما شرعنها «اتفاق القاهرة» عام 1969، وأدّت في نهاية المطاف إلى اشتعال الحرب اللبنانية عام 1975، ولم تنتهِ بالغزو الإسرائيلي للبنان عام 1978 لإبعاد الفلسطينيين من الحدود، ولاحقاً عام 1982 التي أدت إلى ترحيل منظمة التحرير إلى تونس. الإعلان تراجعت عنه «حماس» في بيان توضيحي، بقولها إنه يسعى لربط الشباب الفلسطيني بالقضية والعمل من أجلها والدفاع عنها، وإنه «لا يرتبط بتوجهات استراتيجية لها علاقة بالرجوع إلى الوراء نحو التجربة الفلسطينية السابقة». إلا أنه، مع ذلك، لقي رفضاً لبنانياً واسعاً أدى الى وأده قبل أن يولد، ولم يقتصر الرفض على المسيحيين - وهم الاكثر توجساً من إعلان مشابه - بل طال أيضاً المستوى الرسمي، وذلك بإعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أن «هذا الأمر مرفوض نهائياً ولن نقبل به»، في حين أكدت «حماس»، في المقابل «احترام سيادة لبنان، والالتزام بقوانينه، والحرص على أمنه واستقراره، وعدم التدخل بشؤونه الداخلية».

 

 

أحدث إعلان حركة «حماس» يوم الاثنين الماضي، خضّة في الأوسط السياسية اللبنانية التي تنقسم مخاوفها إلى مستويين:

المستوى الأول إعادة عقارب الساعة إلى «اتفاق القاهرة» في عام 1969 الذي وقعه الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وقائد الجيش اللبناني (يومذاك) العماد إميل البستاني، وضم نقاطاً حول تنظيم العلاقة اللبنانية – الفلسطينية، والسماح للمقاومة الفلسطينية بإنشاء قواعد عسكرية في الجنوب اللبناني، وخصوصاً، في منطقة العرقوب والقطاع الأوسط والشرقي وممارسة العمل السياسي داخل المخيمات. وفي ذلك الوقت، تحول الجنوب إلى منطقة عمليات عسكرية، وتضاعفت على أثره الاعتداءات الإسرائيلية بذرائع متصلة بالرد على الفدائيين، وصولاً إلى اجتياح إسرائيل لجنوب الليطاني في 14 مارس (آذار) عام 1978، بذريعة إبعاد الفلسطينيين من الحدود. واليوم يتوجس المستوى السياسي اللبناني من تكرار تلك المرحلة، ما سينهي الهدوء الذي اختبره جنوب لبنان من عام 2006، ويطيل أمد الحرب حتى بعد انتهاء الحرب في غزة.

أما المستوى الثاني، فيتصل بتشريع التسلّح غير اللبناني في البلاد، في وقت لا يحظى سلاح «حزب الله» بإجماع القوى السياسية اللبنانية كافة، ولو أنه مغطى رسمياً في بيانات وزارية متعاقبة. وراهناً يقول خصوم الحزب، الذي يُتهم بأنه سهل وصول «كتائب القسام» وقوى أخرى إلى المنطقة الحدودية خلال الأسابيع الماضية لإطلاق الصواريخ من الأراضي اللبنانية باتجاه أهداف إسرائيلية، إن تشريع تسليح «حماس» قد يجدد المخاوف من تسليح قوى سياسية أخرى في لبنان. ويكرّر، تالياً، مرحلة الحرب الأهلية، بل ويمكن أن يمثل انقلاباً على «إعلان فلسطين» الصادر في عام 2008، الذي نصّ على:

- «تجاوز الماضي بأخطائه وخطاياه».

- «الالتزام الفلسطيني الكامل بلا تحفظ، بسيادة لبنان واستقلاله، في ظل الشرعية اللبنانية بجميع مكوناتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومن دون أي تدخل في شؤونه الداخلية».

- «رفض جميع أشكال التوطين والتهجير».

- «خضوع السلاح الفلسطيني في لبنان، لسيادة الدولة اللبنانية وقوانينها، وفقا لمقتضيات الأمن الوطني اللبناني الذي تعرفه وترعاه السلطات الشرعية».

وينص أيضا على تمسك الفلسطينيين «بحقوقنا الأساسية، بصفتنا لاجئين مقيمين قسراً ومؤقتاً في لبنان، وبصفتنا جزءا من شعب فلسطيني يكافح من أجل حريته واستقلاله على أرضه... وحقوقنا هذه غير مشروطة بقضية السلاح، ولا نفكّر في أي معالجة بأسلوب المبادلة».

مخاطر سيادية

في الحقيقة، تتجاوز تداعيات إعلان «حماس» المسألة السيادية اللبنانية والضوابط المتعلقة بحصرية سلطة الدولة اللبنانية في ضبط أمن الحدود. ويرى الوزير الأسبق ونقيب المحامين الأسبق رشيد درباس أن إعلان «حماس» هذا «يتضمن طعناً بالشرعية الفلسطينية أيضاً»، شارحاً في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن حدث 7 أكتوبر (تشرين الأول) «دخل على الوجدان العربي العام، وأعاد القضية الفلسطينية إلى عروبتها ورونقها، وهو أمر يسري على اللبنانيين أيضاً»... لكن الشعب اللبناني، وإثر إعلان حماس، بدأ يشعر بأنه مستهدف ومظلوم، بالنظر إلى أن حماس اختارت بلداً لا يتمتع بمقوّمات الصمود لتوسيع نشاطها العسكري فيه.

ويرى درباس في إعلان «حماس» من ناحية ثانية «تبديداً للأرباح بلا سبب... ولذا يُفترَض أن تكون لدينا جرأة وشجاعة لنقول لا حرصاً عليها، ذلك أن عدداً إضافياً من المقاتلين في الجنوب لا يقدّم ولا يؤخر في المعركة». ويضيف أنه «عندما تبدأ بعض التنظيمات بالتأهب للحرب، بما يترتب على الأمر من تسلح وتشكيلات عسكرية، فهذا يعني أن اتفاق الطائف تلاشى... وهذا سيشرّع لكل طائفة التسلح، ومنهم بطبيعة الحال المسيحيون، كما أن كل طائفة ستبحث عن حلف أجنبي ونعيد عقارب الساعة إلى الوراء».

رفض واسع

وفعلاً، لاقت خطوة «حماس» رفضاً سياسياً واسعاً شمل جميع المسيحيين من دون استثناء، وكذلك بعض القوى السياسية من المسلمين، فضلاً عن الموقف الرسمي الرافض. ومما قال رئيس «التيار الوطني الحر» (التيار العوني) النائب جبران باسيل «نرفض في المطلق إعلان حركة حماس في لبنان تأسيس طلائع طوفان الأقصى ودعوتها الشّباب الفلسطيني إلى الالتحاق بها؛ كما نعدّ أي عمل مسلح انطلاقاً من الأراضي اللبنانية اعتداء على السيادة الوطنية». وتابع: «نذكّر بما اتفق عليه اللبنانيون منذ الـ90 في الطائف بوجوب سحب السلاح من الفلسطينيين في المخيمات وخارجها وبما أجمعوا عليه من إلغاء اتفاقية القاهرة التي شرّعت منذ 1969 العمل المسلح للفلسطينيين انطلاقاً من لبنان». إن لبنان صاحب حق يقوى «بمقاومته الوطنية» لإسرائيل دفاعاً عن نفسه، ويضعف بإقامة «حماس لاند» في الجنوب من جديد للهجوم على إسرائيل من أراضيه.

أيضاً، رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع أن «هذا البيان غير مقبول لا شكلاً ولا مضموناً، وهو يمسّ بالسيادة اللبنانيّة، كما يحاول من جديد الإساءة إلى العلاقة بين اللبنانيين والفلسطينيين». وأردف «من الثابت أنّ حماس وسواها من المنظمات تخضع في لبنان لإمرة (حزب الله) وقراره. ومن سابع المستحيلات أن تقوم بأي تحرّكاتٍ عسكريّة من دون علم الحزب وموافقته، لا بل إن الحزب هو مَن يطلب منها إطلاق الصواريخ لاعتباراته العسكريّة، ناهيك من أنه لا إمكانية أن تصدر حماس بياناً في هذا الاتجاه، لولا التوقيع الفعلي لـ(حزب الله) عليه».

واقع الأمر، أن الرفض اللبناني الواسع ساهم بتراجع حركة «حماس» عن خطوتها، وهنا يقول النائب اللبناني السابق والخبير العسكري الجنرال المتقاعد وهبة قاطيشا إن «شبه الإجماع اللبناني الرافض لهذه الخطوة، دفع الحركة للتراجع»، في إشارة إلى معظم القوى السياسية والأحزاب اللبنانية باستثناء «حزب الله» الذي لم يصدر أي بيان حول الخطوة. ويتابع قاطيشا لـ«الشرق الأوسط» إن «(حزب الله) هو من يتحكم بالساحة الجنوبية، وبإمكانه وحده تكبيرها أو تصغيرها، رغم أنه من الناحية الشعبية، يحاول الإيحاء بأنه ليس حارساً للحدود ولا علاقة له بالساحة»، ويضيف «لكن التهيّب اللبناني من خطوة حماس، والإجماع اللبناني على رفضها، أجهضاها قبل أن تولد».

ومن جهة ثانية، يرى قاطيشا أن هدف «حزب الله» يتمثل في «الحفاظ على سلاحه... وهو ما دفعه لإطلاق معركة مع إسرائيل، وتغطية معركة الفلسطينيين من الداخل اللبناني باتجاه إسرائيل... إنه - تحقيقاً لهدفه - لا يستطيع إلا أن يشارك في المعركة».

الوزير السابق رشيد درباس (الشرق الأوسط)

بين «اتفاق الهدنة» و«اتفاق القاهرة»

ويعود قاطيشا إلى التاريخ، فيذكّر بأن الجيش اللبناني في عام 1948، خاض معارك مع الإسرائيليين ودفع ضريبة الدم في معركة المالكية التي قتل فيها الملازم محمد زغيب وعناصر آخرون، لكن منذ تثبيت اتفاق الهدنة في عام 1949 (الذي اعتمد حدود فلسطين المرسّمة، هي الحدود الدولية)، وحتى «اتفاق القاهرة» في عام 1969، «شهدت المنطقة الحدودية خروقاً ولم تشهد معارك كبيرة؛ حيث لم تترتب على المناوشات عمليات خطيرة، وكانت الأمم المتحدة تتسلم مخترقي الحدود على ضفتي الحدود»، لكنه يضيف أنه «بعدما وصل الفلسطينيون إلى الجنوب وسيطروا على منطقة العرقوب (1969) وبدأوا بالتمدد جنوباً، تضاعفت الاعتداءات مع تراجع دور الدولة اللبنانية». وهنا يرى قاطيشا أن أهل الجنوب الذين تعاونوا مع الفلسطينيين على حساب الجيش اللبناني «أسقطوا الدولة في الجنوب... وانسحب الجيش لاحقاً (بدءاً من عام 1976 مع ظهور (جيش لبنان العربي)، وصارت البلاد فالتة ولم تعد خاضعة للدولة، وهكذا استباح الإسرائيلي المنطقة... وعندما باتت الأرض بلا دولة، تحوّل الجنوب إلى ساحة للفلسطيني والإسرائيلي».

لحظة سياسية دقيقة

في أي حال، جاء إعلان «حماس» في لحظة سياسية دقيقة في لبنان، الذي يعاني من شغور رئاسي منذ أكثر من 13 شهراً، ويتمدد الشغور إلى 50 في المائة من المؤسسات حيث يصعب ملؤها في ظل وجود حكومة تصريف أعمال. وتتباين القوى السياسية حالياً حول آلية تجنب الشغور في موقع قيادة الجيش قبل إحالة قائده العماد جوزيف عون إلى التقاعد في يناير (كانون الثاني) المقبل.

في هذا الجو، لا يحصر درباس الانتقادات بـ«حماس» فحسب، إذ يؤكد أنه قبل إعلان «حزب الله» عن انخراطه في معركة الجنوب: «كان عليه أن ينتخب رئيساً ويجابه بالدولة» القادرة على مخاطبة المجتمع الدولي وتأمين المساعدات وغيرها، «أما أن يذهب الحزب إلى الحرب في ظل شغور رئاسي وحكومة تصريف أعمال ومجتمع مصاب بالوهن، فإن ذلك لا ينفع، رغم أن كل القلوب مع حماس، والناس معجبة بما فعلته لجهة استعادة القضية لرونقها، وهدم المنظومة الإسرائيلية».

تحرّكات إسرائيل

في المقابل، أنتج انخراط «حزب الله» في المعركة، وإعلان «حماس» في وقت لاحقاً، تحديات كبيرة بالنسبة لإسرائيل في المنطقة الحدودية تتمثل في إخلاء 120 ألف إسرائيلي لمناطق سكنهم في منطقة الجليل، وحسب قاطيشا «هؤلاء لن يعودوا إلا بحلّ مسألة الحدود... لن يكون الحل سوى حل عسكري حاسم عبر تطوير العمليات وتمدّد الحرب، أو اتفاقية ملزمة، لا نعرف ما إذا كان تطبيقها سيحصل على البارد أو تحت النار». ويرى قاطيشا أن «الحزب يفضل ألا تقع معركة عسكرية، لكن رغم ذلك، ليس واضحاً ما إذا كان سيقبل بفرض الشروط عليه والتقيد بالـ1701، هنا تبدو الحلول غامضة، لكن الجانب الإسرائيلي يصرّ على حل المشكلة... وهناك سيناريوهات واحتمالات، بينها فرض منطقة عازلة في جنوب الليطاني تطبق بعملية عسكرية، أو اتفاق جديد لا نعرف كيف سيصار إلى تنفيذه».

تجنب المخاطر

أخيراً، تترتب على إعلان «حماس» مخاطر كثيرة، حسبما يرى اللبنانيون. وإذ يُعرب درباس عن مخاوفه من «تطيير اتفاق الطائف والدولة والوحدة الوطنية» جراء إعلان كهذا، فإنه يؤكد أن الحل هو «بصدور موقف رسمي رافض لهذا الاتجاه، وموقف ديني من جميع رجال الدين على مختلف أسمائهم لإعلان رفضهم لهذا الإعلان، كما أن الأولى بحزب الله أن يصدر موقفاً بأن الإعلان غير مقبول». ويشير إلى «أننا دولة لم يبقَ لها صاحب، ويدفعون الناس للاعتياد على الفراغ».

ويتابع الوزير السابق بالقول إن أولى إشارات الحل، أن نستبشر بإجراء حوار «حماس» حواراً جدياً مع منظمة التحرير لتوحيد القضية، فيتوقف الجميع عن الكلام عن قطاع غزة والضفة الغربية بشكل منفصل، لافتاً إلى أن «اللعاب السائل على الضفة يقضي على كل الإنجازات». ويختتم: «حماس كيان لا يمكن القضاء عليه، لكونه دخل إلى الوجدان العام، لكن خروجه من الوجدان العام تترتب عليه مخاطر كبيرة، وتسهل القضاء عليه... وأشدد على أنه إذا كانت حماس جزءاً من المعادلة، فهذا سيكون أفضل من أن تكون أشلاء، وهذا كلام جريء علينا أن نقوله».

 

 

تتجاوز تداعيات إعلان «حماس» المسألة السيادية اللبنانية والضوابط المتعلقة بحصرية سلطة الدولة اللبنانية في ضبط أمن الحدود

النائب السابق وهبه قاطيشا (الشرق الأوسط)

قاطيشا يتذكر زيارة عرفات لمركز الجيش اللبناني في مارون الراس

> ينطلق الجنرال المتقاعد من الجيش اللبناني وهبة قاطيشا من إصابته في مواجهة مع الجيش الإسرائيلي، في 25 مايو (أيار) 1970، عندما كان ملازماً يخدم في بلدة ماروس الراس الحدودية، للتذكير بزيارة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات إلى نقطته العسكرية في ذلك الوقت. ويقول: «كنت ضابطاً برتبة ملازم، وأخبرني قائد القطاع أن ضيوفاً من قبله سيصلون إلى مركزنا، وعليّ استقبالهم، من غير الكشف عن هويتهم. وصلت سيارة مرسيدس 190 رصاصية اللون إلى المركز، وعلى متنها أربعة أشخاص. لم تكن السيارة تثير الشبهات؛ لأن نصف سيارات لبنان تقريباً كانت من ذلك الطراز. وخرج منها أربعة شبان، وكانوا فلسطينيين». استقبل قاطيشا ضيوفه لأقل من نصف ساعة، كان بينهم شاب لا يتكلم ولا يسأل ولا يشارك بالحديث، لكنْ بدا له أن وجهه مألوف، من دون أن يتيقن من هويته. وبينما كان الثلاثة الآخرون يسألون عن طبيعة الأرض، في المقابل، من المراكز العسكرية الإسرائيلية في أفيفيم وغيرها، إلى المدن والمستوطنات المقابلة، «كان الرجل الرابع يستمع ويتفرّج، وينظر إلى المناطق الحدودية على الضفة الأخرى من طاقة المراقبة العائدة للجيش اللبناني، ويتغزل بالأرض قبالته». ويضيف قاطيشا: «بعد أقل من نصف ساعة، لاحظتُ أنه غمز الشبان الثلاثة معه، فهَمّ الشبان بالمغادرة، وقدّموا شكرهم لي على استقبالهم، وجولة الأفق التي أجريناها». في تلك اللحظة «عرفتُ أن الرجل الرابع هو قائد المجموعة، وتأكدتُ من أنه ياسر عرفات، مع أنهم غادروا من دون الكشف عن هويتهم». بعد ثلاثة أيام على الحادثة، حصل اشتباك مع القوات الإسرائيلية يوم 25 مايو، وهو اشتباك سبقه آخر بعشرة أيام وقع في بلدة مروَحين (القطاع الغربي)، وقُتل على أثره ضابط بالجيش، بالرصاص الإسرائيلي، تلاه قصف إسرائيلي لأهداف في بلدة بليدا (قريبة من مدينة بنت جبيل)، يوم 10 يونيو (حزيران) 1970، وأسفر عن مقتل ضابط لبناني آخر. ويتابع قاطيشا (انتخب نائباً في البرلمان عام 2018 عن كتلة «القوات اللبنانية») أنه «في 25 مايو 1970، دخلت قوات إسرائيلية الجنوب من جهة يارون وبنت جبيل، وحاولت تطويقي في مركزي بقرية مارون الراس، وكانت القوات الإسرائيلية على بُعد 500 متر عنا في الداخل اللبناني، حين بدأ تبادل القصف بيننا، ما أدى إلى إصابتي وإصابة عناصر آخرين في المركز، واستشهاد ضابط آخر في مارون الراس».


مقالات ذات صلة

استنفار إسرائيلي واسع عشية ذكرى «طوفان الأقصى»

المشرق العربي إسرائيليون يزورون الأحد موقعاً لهجوم «طوفان الأقصى» الذي شنته «حماس» قبل عام (رويترز)

استنفار إسرائيلي واسع عشية ذكرى «طوفان الأقصى»

أعلنت إسرائيل حالة تأهب قياسية، الأحد، بالمواكبة مع الذكرى الأولى لأحداث «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

كفاح زبون (رام الله)
خاص سيدة فلسطينية تبحث عن ابنها المفقود عبر صورته في هاتفها بمخيم جباليا (رويترز) play-circle 08:00

خاص الغزّيون ملّوا الحروب ويحلمون بحياة تشبه الحياة

الغزيون مرهقون بأسئلة صعبة. من يعيد الأحبة والبلاد؟ من يبني البيوت؟ وأين يجدون جثامين أحبائهم لدفنهم؟ غالبيتهم يبحثون عن الهجرة ولا يفكرون بمن يحكم القطاع غدا.

«الشرق الأوسط» (غزة)
تحليل إخباري فلسطينية تبكي على مقتل أقربائها في غارة إسرائيلية بالفلوجة شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري عام على «حرب غزة»... «مسار مُعقد» لجهود الوسطاء يترقب انفراجة

عقبات عديدة على مدار عام حاصرت جهود الوسطاء خلال مساعيهم لوقف إطلاق النار في غزة، وإنهاء أطول حرب بين إسرائيل و«حماس» التي بدأت 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
خاص تصاعد الدخان عقب الضربات الإسرائيلية في مدينة غزة، 11 أكتوبر 2023 (رويترز) play-circle 05:35

خاص حرب الجبهتين تضع الاقتصاد الإسرائيلي في مرمى النيران بعد عام من النزاع

لم يعد الاقتصاد الإسرائيلي بعد عام من الحرب كما كان، بل دخل مرحلة جديدة مليئة بالتحديات الاقتصادية المعقدة.

هدى علاء الدين (بيروت)
خاص جنازة جماعية في 7 مارس 2024 لـ47 فلسطينياً قتلتهم إسرائيل في رفح (أ.ف.ب) play-circle 06:44

خاص فلسطينيون ظلوا بلا عائلة... وعائلات كاملة شُطبت من السجل المدني

قام جيش الاحتلال بإبادة 902 عائلة فلسطينية ومسحها من السجل المدني بقتل كامل أفرادها خلال سنة من الإبادة الجماعية في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)

انتخابات تونس: ماراثون سياسي... وتصعيد بين السلطات ومعارضيها

زهير المغزاوي (مواقع التواصل الاجتماعي)
زهير المغزاوي (مواقع التواصل الاجتماعي)
TT

انتخابات تونس: ماراثون سياسي... وتصعيد بين السلطات ومعارضيها

زهير المغزاوي (مواقع التواصل الاجتماعي)
زهير المغزاوي (مواقع التواصل الاجتماعي)

خلافاً للانتخابات الرئاسية التونسية السابقة، التي تنافس في دورتها الأولى قبل خمس سنوات 26 شخصية وأسفرت في دورتها الثانية عن فوز قيس سعيّد، لا تتضمن قائمة المرشحين الرسميين هذه المرة إلا ثلاثة أسماء، هم: الرئيس الحالي سعيّد والبرلمانيان السابقان زهير المغزاوي (الأمين العام لحزب الشعب) «العروبي الناصري» (59 سنة) ورجل الأعمال المهندس الليبرالي العياشي زمال (47 سنة). وعلى غرار ما سجل في انتخابات 2019، التي شارك رجل الأعمال نبيل القروي في دورها الأول وهو في السجن، يستمر إيقاف العياشي زمال المرشح «المعتمد رسمياً» الذي أصدرت محاكم عديدة ضده أحكاماً بالسجن بتهمة «تزييف تزكيات الناخبين».

في هذه الأثناء، أكّد القاضي فاروق بوعسكر، رئيس «الهيئة العليا للانتخابات» ومحمد التليلي المنصري الناطق الرسمي باسمها، أن اسم زمال سيظل مُدرجاً في قوائم المرشحين وسيعرض على الـ9 ملايين و700 ألف ناخب المرسّمين في القوائم الرسمية. وما يجدر ذكره هنا أن «الهيئة» كانت قد أسقطت رسمياً 3 مرشحين بارزين أعادتهم «الجلسة العامة للمحكمة الإدارية» للسباق، هم على التوالي: المنذر الزنادي، وزير التجارة والسياحة والنقل والصحة في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وعبد اللطيف المكي، وزير الصحة لفترتين في العشرية الماضية، وعماد الدايمي، الوزير والبرلماني السابق ما بين 2011 و2019.

معارك قانونية وسياسية

بعد اختلاط الأمور و«الأجندات»، تباينت التقييمات داخل النخب والأوساط الدبلوماسية والسياسية في تونس للعملية الانتخابية الحالية، التي أعلن رسمياً أنها انطلقت يوم 14 يوليو (تموز) الماضي.

فقد انتقد قياديون في «الاتحاد العام التونسي للشغل» بينهم أمينه العام نور الدين الطبوبي، وفي «منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان» بينهم رئيسها المحامي سامي الطريفي، «المناخ السياسي والإعلامي والحقوقي في البلاد»، واعتبروا أنه «غير ملائم لتنظيم انتخابات تعدّدية نزيهة وفق المقاييس الدولية»، خلافاً لمناخ انتخابات 2014 و2019. ولفت سامي الطاهري، الناطق الرسمي باسم «الاتحاد العام التونسي للشغل» - الذي يعدّ أكبر قوة نقابية وسياسية في تونس - خصوصاً إلى «الأجواء التي تجري فيها العملية الانتخابية»، وذلك إثر استبعاد عشرات من زعماء المعارضة والنشطاء المستقلين بسبب إيقافهم وفتح قضايا أمنية عدلية ضدهم بتهم خطيرة، بينها «التآمر على أمن الدولة» و«الفساد».

كذلك، لوّحت بلاغات رسمية باسم اتحاد النقابات بـ«سيناريو» تنظيم إضراب عام في البلاد للضغط على السلطات.

قضايا التآمر على أمن الدولة

في سياق متصل، كشف المحامي والأكاديمي اليساري والوزير السابق عبد الوهاب معطر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، عن أن نحو 15 قضية «تآمر على أمن الدولة» فُتحت ضد شخصيات سياسية محسوبة على المعارضة، بعضها كان معنياً بالترشح للانتخابات.

في الوقت نفسه، قال المحامي عبد الرؤوف العيادي، زعيم حزب «وفاء»، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن الإيقافات والتحقيقات شملت خلال الأشهر الماضية عشرات من أبرز السياسيين وحرمتهم من فرصة الترشح، وعدّد بين هؤلاء: القيادي في «جبهة الخلاص» المعارضة جوهر بن مبارك، والأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي الوزير غازي الشواشي، والمدير التنفيذي لحزب «أمل» ومدير مكتب رئاسة الجمهورية سابقاً الوزير رضا بالحاج، إلى جانب عدد من القياديين في أحزاب «حركة النهضة» (إسلامي محافظ) و«قلب تونس» (ليبرالي) وائتلاف «الكرامة» (محافظ) وحزب «حراك تونس – الإرادة» (الذي يتزعمه الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي) وحزب المؤتمر (الذي يتزعمه المحامي والوزير السابق سمير بن عمر).

أيضاً، انتقد حسام الحامي منسّق «ائتلاف صمود»، وهو تكتل للمعارضين اليساريين، رفض ترشّحات 14 شخصية سياسية وأكاديمية ممّن قدّموا رسمياً ملفاتهم للهيئة العليا للانتخابات، وجرى استبعادهم لأسباب «إجرائية» عدة، بينها عدم تقديم نسخة من بطاقة السوابق العدلية أو وثائق تثبت أنه وقع تزكيتهم من قبل 10 آلاف ناخب أو من قِبل 10 أعضاء في البرلمان.

وفي سياق متصل، كان بين المستبعدين لهذه الأسباب رئيس جمعية القضاة الشبان مراد المسعودي، والإعلامي والسياسي المخضرم الصافي سعيد والوزير السابق للتعليم المثير للجدل والناشط اليساري ناجي جلول.

أما المحامية عبير موسي، زعيمة الحزب الدستوري الحرّ، فقد استُبعدت بسبب تعرضها للإيقاف منذ سنة، إثر تحركات شاركت فيها رفقة عشرات من كوادر حزبها، واتهمت السلطات منظميها بـ«تهديد الأمن العام».

هذا، ولم تسفر المظاهرات التي نظمها أخيراً آلاف من أنصار هذا الحزب ومن ممثلي «الشبكة التونسية للحقوق والحرّيات» - التي تضم عشرات المنظمات والشخصية المستقلة والحزبية - عن الإفراج عن غالبية الموقوفين في قضايا ذات صبغة سياسية.

كذلك فشلت ضغوط المعارضة في تغيير شروط الترشح للانتخابات، بل العكس هو الذي حصل، على حد تعبير المحامية والناشطة السياسية اليسارية دلية مصدق بن مبارك والحقوقي شاكر الحوكي والأكاديمية والناشطة النسوية اليسارية سناء بن عاشور.

معارك قضائية وسياسية

من جهة ثانية، في سياق التسارع الكبير للأحداث، فجّر السباق نحو قصر الرئاسة هذا العام سلسلة معقّدة من المعارك القانونية والقضائية والسياسية داخل البلاد، وفي أوساط الجالية التونسية في الخارج، التي تقدر بنحو مليونين، أي خُمس المواطنين.

ومن أبرز أسباب هذه المعارك، أستاذ القانون العام والعلوم السياسية شاكر الحوكي، رفض «الهيئة العليا للانتخابات» تنفيذ قرار «نهائي وغير قابل للطعن» أصدرته الجلسة العامة للمحكمة الإدارية التي تضم 27 قاضياً من «أعلى رتبة» بينهم الرئيس الأول للمحكمة. ولقد نصّ هذا القرار على «قانونية ترشح الوزراء الثلاثة السابقين منذر الزنايدي وعبد اللطيف المكي وعماد الدايمي بعد قبول طعنهم في قرار إقصائهم» من قِبل ممثلي السلطة الانتخابية برئاسة القاضي فاروق بوعسكر.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الانخراط في هذه المعركة عبر الانحياز لموقف المحكمة الإدارية و«علوية قراراتها» شمل عشرات من أساتذة القانون والعلوم السياسية وعمداء الكليات وقادة «الاتحاد العام التونسي للشغل» وهيئات نقابات المحامين والقضاة والصحافيين ومنظمات حقوقية عديدة.

وفي الإطار عينه، رفع عدد من الحقوقيين بينهم القاضي السابق والمحامي أحمد صواب والإعلامي والناشط السياسي زياد الهاني قضايا عدلية أمام محكمة تونسية ضد «الهيئة العليا للانتخابات»، وشكّك صواب والهاني في استقلالية رئاسة «الهيئة» وحياديتها، طالباً من القضاء استصدار قرار ينص على «إلزامية تنفيذ قرار الجلسة العامة للمحكمة الإدارية وقضاتها الـ27» حيال الزنايدي والدايمي والمكي.

واعتبر صواب في تصريح لـ«لشرق الأوسط» أن «المحكمة الإدارية» أعلى سلطة في النزاعات الانتخابية في ظل غياب «المحكمة الدستورية»، وهي المكلفة البت في الخلافات بين المرشحين للانتخابات وسلطات الإشراف وبينها «الهيئة العليا للانتخابات». أما الهاني، فقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الرئيس الأول للمحكمة الإدارية عبد السلام قريصيعة وأعضاء المحكمة الـ27 مطالبون قانوناً بضمان توسيع قائمة المرشحين، وإن لزم الأمر عبر مراجعة روزنامة الانتخابات، أي تأجيل موعد الاقتراع العام».

ناخبة تونسية داخل مركز اقتراع (آ ف ب)

اتهامات... ومحاكمات

في هذه الأثناء، شنّ برلمانيون مقرّبون من السلطات ومن فريق الحملة الانتخابية للرئيس قيس سعيّد حملة إعلامية ضد المعارضين الذين تحرّكوا في الكواليس ونظموا مظاهرات في الشوارع للمطالبة بتوسيع قائمة المرشحين في الانتخابات لتشمل «وزراء وشخصيات من المتهمين بالتآمر على أمن الدولة».

واتّهم هؤلاء، وبينهم البرلمانية سيرين مرابط والناشط السياسي اليساري السابق رياض جراد، بعض معارضي الرئيس سعيّد بالخيانة الوطنية و«محاولة توظيف أجواء العملية الانتخابية الحالية لتمرير مخطّطات وصاية أجنبية على البلاد، بالتعاون مع عدد من نشطاء الجمعيات والأحزاب التي تحصل على تمويلات أجنبية قدّرت قيمتها بمئات مليارات من المليمات».

كذلك، قدّم 34 نائباً من أعضاء مجلس النواب مشروع تعديل «استعجالي» للقانون الانتخابي الصادر عام 2014؛ بهدف إحالة مهمة البت في «النزاعات الانتخابية» إلى المحاكم العدلية العادية لا المحكمة الإدارية، التي لا تخضع إدارياً إلى سلطة وزارة العدل ورئاسة النيابة العمومية وتتمتع باستقلالية نسبية.

من جانبه، نشر الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية تصريحات عديدة للرئيس سعيّد شكّك فيها في «وطنية» عدد من المعارضين، واتهمهم «بالحصول على تمويلات أجنبية ضخمة وبالانخراط ضمن» مؤامرة «تستهدف أمن البلاد واستقرارها».

وشكك البلاغ الانتخابي لسعيّد في صدقية منظمي التحركات الاحتجاجية على المسار الانتخابي والسياسي الحالي في الشارع وفي وسائل الإعلام المحلية والأجنبية. واتهم البلاغ هؤلاء المعارضين وبعض المرشحين «الافتراضيين» للرئاسة بـ«التبعية للخارج» وأنصارهم بكونهم «تحالف الأضداد». وأورد سعيّد على هامش اجتماعات عقدها مع وزيري الداخلية خالد النوري والعدل ليلى جفّال أن السلطات سمحت للمعارضين بتنظيم مسيرات رفعوا خلالها شعاراتهم بكل حرية «حمتها قوات الأمن»، على الرغم من كونها جمعت «خصوم الأمس» و«الأفرقاء».

فوز متوقع في انتخابات الغد للرئيس قيس سعيّد (أ ف ب/غيتي)

بدء العد التنازلي؟

وإذ ترجّح موازين القوى السياسية الحالية في تونس فوز الرئيس سعيّد بعهدة ثانية تمتد إلى 2029، تشهد كواليس السياسيين صراعاً بين تيارين كبيرين:

الأول يدعو إلى المقاطعة، وهو يضم القيادي المعارض أحمد نجيب الشابي وساسة بارزين حثّوا على مقاطعة الانتخابات، والتأهب لمعارك سياسية وإعلامية جديدة توقعوا أن تكون لصالح المعارضين، وتبدأ بعد «محطة» 6 أكتوبر التي يتوقعون أن تكون نسبة المشاركة فيها ضعيفة جداً على غرار انتخابات العامين الماضيين.

أما الآخر فيدعو إلى المشاركة بكثافة، وبين شخصياته ساسة وحقوقيون قريبون من جبهة الخلاص المعارضة، كالمحامية اليسارية دليلة مصدق بن مبارك، والحقوقية شيماء عيسى والزعيم اليساري السابق الوزير محمد عبو.