توصل فريق من علماء الجيولوجيا في الولايات المتحدة إلى أن الصدوع الزلزالية العميقة في باطن الأرض يمكن أن تلتئم في غضون ساعات بعد حدوث الهزات الأرضية القوية.
واستخلص الباحثون من جامعة كاليفورنيا ديفيز الأميركية هذه النظرية من خلال تجربة محاكاة على حبيبات وأجزاء مفتتة من أحجار الكوارتز، وهي تكوينات صخرية تتكون من ثاني أكسيد السليكون، وتعتبر من أكثر الصخور انتشاراً على وجه الأرض، حيث وجدوا أن تلك الأجزاء المفتتة يمكن أن تلتئم خلال التجارب بوتيرة أسرع مما كان يعتقد من قبل في حالة تعريضها لظروف ضغط وحرارة مرتفعة.
ويؤكد الباحثون، بحسب الدراسة التي نشرتها الدورية العلمية «ساينس أدفانسس» Science Advances، أن الصدوع التي تقع على أعماق سحيقة في باطن الأرض يمكن أن تلتحم من جديد بعد انكسارها نتيجة الهزات الأرضية، وهو ما يضيف عاملاً جديداً إلى النظريات التي يستند إليها العلماء في تفسير سلوكيات الصدوع الأرضية التي يمكن أن تفضي في نهاية المطاف إلى حدوث زلازل قوية، وفق ما نقلته «وكالة الأنباء الألمانية».
وتقول الباحثة أماندا توماس أستاذة علوم الأرض والجيولوجيا في جامعة كاليفورنيا ديفيز وأحد المشاركين في الدراسة، في تصريحات للموقع الإلكتروني «ساتيك ديلي» المتخصص في الأبحاث العلمية: «اكتشفنا أن الصدوع العميقة تداوي نفسها بنفسها خلال ساعات، وهو ما دفعنا إلى إجراء مراجعة لسلوكيات الصدوع بشكل عام، والتحقق بشأن ما إذا كنا نهمل مسألة في غاية الأهمية».

وعادة ما تحدث الزلازل التقليدية عندما تبدأ الضغوط التي تتكون على مدار مئات أو آلاف السنين بفعل احتكاكات الصفائح التكتونية، وهي ألواح صخرية صلبة في باطن الأرض، في التفريغ، مما يؤدي إلى حدوث اهتزازات قوية تستمر عدة ثوانٍ.
وفي إطار الدراسة، فحصت توماس وزميلها البروفسور جيمس واتكنز ظاهرة تعرف باسم الانزلاقات البطيئة، ويقصد بها تحركات زلزالية تدريجية تحدث في باطن الأرض بوتيرة أبطأ من الزلازل التقليدية. وتوضح توماس أنه في عام 2002، توصل العلماء إلى وجود نوع آخر من الأنشطة الزلزالية، فعندما تحدث الانزلاقات البطيئة، يتم تفريغ الضغوط على مدار شهور أو سنوات في صورة تحركات طفيفة في الصفائح الأرضية لمسافة عدة سنتيمترات.
وتشير توماس إلى أن قوى الجاذبية من الشمس والقمر على الأرض تؤثر على القشرة السطحية بنفس طريقة تأثيرها على أمواج المد والجزر في البحار والمحيطات، كما أن تأثير وزن مياه البحار يفرض ضغوطاً على طبقات الصخور في الأعماق.
ويتخصص الباحث جيمس واتكنز في مجال الكيمياء الجيولوجية التي تدرس تأثير الحرارة والضغط على المعادن، وهو يعمل في مختبر تم تجهيزه بحيث يمكنه محاكاة ظروف الضغوط التي تتعرض لها الصخور في باطن الأرض أو في حالة حدوث البراكين.
وفي إطار الدراسة الجديدة، قام الباحثان توماس وواتكنز بوضع مسحوق من صخور الكوارتز داخل أسطوانة مصنوعة من الفضة ثم تم تعريض المسحوق لضغط بقوة واحد غيغاباسكال، وهو ما يوازي 10 آلاف مرة حجم الضغط الجوي وتحت درجة حرارة تبلغ 500 درجة مئوية لمدة 24 ساعة. وفي بداية التجربة، كانت قطع وحبيبات الكوارتز المفتتة تتسم بزوايا حادة وتركيب صدفي الشكل، ولكن بعد ست ساعات بدأت تأخذ أشكالاً دائرية غير حادة وتتماسك، كما تكوّنت حبيبات صغيرة لم تكن موجودة في بداية التجربة. وفي بعض الحالات ظهرت تكوّنات سائلة بين أجزاء الصخور، في مؤشر على حدوث شكل من أشكال الترسّبات. ومع استمرار التجربة على مدار 24 ساعة، أصبحت الترسّبات الصخرية أكثر وضوحاً، وتكونت واجهات مكتملة للقطع الصخرية والتحمت كثير من العينات الصخرية مقارنة بوضعها في بداية التجربة.
ويشرح واتكنز هذه التجربة قائلاً: «قمنا بمحاكاة ما يحدث في حالة الانزلاقات البطيئة، حيث قمنا بطهو الصخور ثم استعرضنا النتيجة».

وعمد الباحثون إلى قياس مدى سرعة انتقال الموجات الصوتية داخل العينة بعد تعريضها «للطهي»، ثم أخرجوا المسحوق من الأسطوانة ووضعوه تحت المجهر الإلكتروني للتعرف على التغيرات التي طرأت على تركيبه. ووجدوا أن حبيبات الكوارتز التحمت مجدداً بعد تعريضها للضغط والحرارة.
وتقول توماس إن المسألة تبدو كما لو كان الصدع قد التأم بواسطة الصمغ، وأضافت: «حدث هذا الالتئام بشكل سريع، واستعادت الصخور صلابتها بشكل ملموس».
ويرى الباحثون أن هذا التماسك، ويقصد به قدرة الصدوع على التداوي من تلقاء نفسها، قد ينطوي على أهمية بالغة في حالات أخرى، مثل الصدوع التي تقع على مسافة قريبة من سطح الأرض وتتسبب في حدوث زلازل قوية.
وترى توماس أن «التماسك الصخري هو أحد العوامل التي يتم تجاهلها في معظم الفرضيات العلمية» علماً بأنه في ظروف معينة، قد يكون هذا التماسك أكثر أهمية مما كنا نعتقد في وقت سابق.
ويقول واتكنز إن تجربة المحاكاة هذه «تربط بين ما يحدث على مستوى قطع الصخور تحت المجهر وبين الزلازل القوية التي تحدث على امتداد مئات الكيلومترات».

