بعد كتابتي أكثر من مقال يومياً على مدار 23 عاماً مضت، جمعتُ نصاً ضخماً بما يكفي لتدريب نموذج ذكاء اصطناعي قادر على الكتابة مثلي شخصياً، بشكل مقنع. ومع تكنولوجيا اليوم، لن يكون من الصعب بناء نظام قادر على توليد آراء تبدو كما لو أنها صادرة عن إنريكي دانس، أي بناء «أستاذ خوارزمي» يستمر في النشر فترة طويلة بعد رحيلي.
التوأم الرقمي
هذه -على ما تبدو- هي آفاق الإنتاجية القادمة: التوأم الرقمي. وتبني شركات ناشئة مثل «فيفن» (Viven)، وأدوات مثل «سينثيسيا» (Synthesia) «نسخاً من الذكاء الاصطناعي» للموظفين والمديرين التنفيذيين، مدرَّبة على أصواتهم وكتاباتهم وقراراتهم وعاداتهم.
إن الفكرة مغرية. تخيَّل نفسك تُوسِّع نطاق قدراتك بواسطة هذا التوأم الرقمي بلا حدود: الرد على رسائل البريد الإلكتروني، وتسجيل مقاطع الفيديو، وكتابة التحديثات، وما إلى ذلك، بينما تقوم أنت بشيء آخر، أو لا تقوم بشيء على الإطلاق.
الإغراء لا يعني بالضرورة العقلانية
إننا ندخل عالماً مليئاً بالأشباح الرقمية. نحن ندخل عصراً لن يقتصر فيه المحترفون على أتمتة المهام؛ بل سيُقلِّدون شخصياتهم؛ إذ قد تُنشئ شركة نسخة رقمية من أفضل مندوبي المبيعات أو موظفي خدمة العملاء لديها. وقد يُدرِّب الرئيس التنفيذي توأماً افتراضياً للرد على الاستفسارات. وقد تُوظِّف جامعة نسخة ذكاء اصطناعي من مُحاضر مشهور لتقديم دورات على نطاق واسع.
نظرياً، يبدو هذا فعالاً. ولكن عملياً، يُثير نوعاً من الارتباك الوجودي: إذا كانت النسخة مُقنعة بما فيه الكفاية، فماذا يحدث للشخص؟ ماذا يعني أن تكون «منتِجاً» عندما تكون نسختك الرقمية هي من تقوم بالعمل؟
إن الانبهار باستنساخ أنفسنا رقمياً يعكس الإغراء نفسه الذي قاد الأتمتة قروناً: الاستعانة بمصادر خارجية ليس فقط للعمالة؛ بل أيضاً للهوية. الفرق هو أن الذكاء الاصطناعي يستطيع الآن محاكاة صوت تلك الهوية، حرفياً ومجازياً.
كيف سأبدو كخوارزمية؟
يمكنني فعل ذلك بسهولة. لو زودتُ نموذجاً لغوياً ضخماً بملايين الكلمات التي كتبتها منذ عام 2003 (كل مقال، وكل منشور، وكل تعليق) لحصلتُ على محاكاة دقيقة جداً لي. من المرجح أن يكون لديه النبرة والمفردات والإيقاع المناسبين. يمكنه كتابة مقالات معقولة، وربما حتى نشرها بالوتيرة نفسها؛ لكنه سيُخطئ الهدف؛ ذلك لأني لا أكتب لملء جدول زمني أو قاعدة بيانات. أنا أكتب للتفكير أو للتدريس. والكتابة -بالنسبة لي- ليست فعل إنتاج؛ بل هي تأمل. لهذا السبب -كما شرحتُ أخيراً في مقال «لماذا أدع الذكاء الاصطناعي يُساعدني على التفكير، ولكن لا يُفكر نيابة عني أبداً»- لم أدَع الذكاء الاصطناعي يكتب مقالاتي نيابة عني، فهذا غير منطقي؛ إذ إن الطلب من نموذج أن يُفكر نيابة عني سيُبطل السبب الحقيقي الذي يدفعني للكتابة كل صباح.
بالطبع، أستخدم الذكاء الاصطناعي باستمرار: ألخص المصادر، وأتحقق من الحقائق، واستكشف الحجج المضادة، وأجد المراجع. ولكنني لا أدعه يُكمل جملتي أبداً. هذا هو الحد الذي يُبقي عملي ملكي.
وهم تطوير الذات
تنبع وعود الاستنساخ الرقمي من المفهوم الخاطئ نفسه: أن تكرار الإنتاج يساوي تكرار القيمة. وتتحدث الشركات الآن عن «تجميع الخبرة»، أو «تطوير رأس المال البشري» كما لو كانت الشخصية خط إنتاج.
لكن استنساخ الإنتاج يختلف عن توسيع نطاق الكفاءة. فالقيمة المهنية للشخص ليست كلماته أو إيماءاته؛ بل أحكامه المتفردة التي تُبنى بمرور الوقت من خلال السياق وحب الاطلاع. قد يُقلِّد نموذج مُدرَّب على قراراتك السابقة أسلوبك، ولكنه لا يستطيع توقع تطورك. إنه أحفورة، وليس مستقبلاً.
قد يُقلِّد استنساخ الذكاء الاصطناعي أسلوب كتابتي من عام 2025. ولكنني إذا سمحتُ له بالنشر، فسيُجمِّدني في ذلك العام إلى الأبد، قطعة متحفية تُحدَّث يومياً.
من الإنتاجية إلى الحضور
على المديرين التنفيذيين ورواد الأعمال والمبدعين توخي الحذر فيما يتمنون. قد يتولى «التوأم الرقمي» إدارة البريد الوارد أو تسجيل مختصرات الفيديو، ولكنه يُضعف أيضاً ما يجعل للقيادة والإبداع معنى الحضور.
في تغطية فعاليات ملتقى «أكسيوس» لنسخ الرؤساء التنفيذيين، اعترف كثير من المديرين التنفيذيين بأنهم يُحبون نسخهم من الذكاء الاصطناعي؛ لكنهم لا يثقون بها تماماً. تستطيع النسخة التعامل مع التفاعلات المتكررة، ولكنها لا تستطيع التعامل مع التعاطف، أو التوقيت، أو الفروق الدقيقة، وهي الصفات التي تُحدد المصداقية. ويُشبه تفويض هذه الأمور إلى خوارزمية إرسال دمية إلى اجتماع: حاضرة تقنياً، وخالية عاطفياً.
خلود الشركات وأخلاقيات الإرث
هناك أيضاً سؤالٌ حول ما سيحدث عندما يعمِّر توأمك الرقمي أكثر منك. بعض الشركات تُعامل بيانات موظفيها كأصول، فلماذا لا تُعامل نسخها الرقمية بالطريقة نفسها؟
تخيل شركة تُواصل نشر «نسخة الذكاء الاصطناعي» من قائدٍ أو مُعلّمٍ عزيزٍ بعد رحيله. قد يبدو الأمر تكريماً، ولكنه في الحقيقة شكلٌ من أشكال السحر الأسود: استخدام البقايا الفكرية لشخصٍ ما لتخليد علامة تجارية.
ليس من الصعب تخيُّل جامعاتٍ تبيع «أساتذة افتراضيين» أو شركاتٍ تُعيد استخدام رؤسائها التنفيذيين السابقين كصورٍ رمزية دائمة. في ورقة أكاديمية حديثة حول التوائم الرقمية، حذَّر باحثون من أن الحدود بين «التمثيل» و«الامتلاك» أصبحت ضبابية. مَن يملك النسخة المُستنسخة؟ ومَن يستفيد منها؟
عندما نُحاكي الأشخاص ككائنات بيانات، نُخاطر بتحويل الهوية إلى بنية تحتية، إلى شيءٍ يُمكن ترخيصه، أو استثماره، أو إعادة تسميته حسب الرغبة.
الطريقة الصحيحة لاستخدام الذكاء الاصطناعي شخصياً
ومع ذلك، هناك طريقة عقلانية لاستخدام الذكاء الاصطناعي لتوسيع نطاق العمل، كإضافة، لا كتقليد.
إني أستخدم الذكاء الاصطناعي يومياً كشريك تفكير. يقرأ المسودات، ويقترح المصادر، وينتقد منطقي. يشبه الأمر وجود مساعد بحث لا يكَل، لا يغضب أبداً عندما أتجاهل نصائحه. ولكن عملية التفكير، وقرار ما أقوله، وكيف أقوله، تبقى مسؤوليتي.
هذا هو الفرق الجوهري بين استخدام الذكاء الاصطناعي وبين أن نصبح كذلك. عندما نستعين بمصادر خارجية للتفكير، نفقد حلقة التغذية الراجعة التي تجعلنا بشراً: عملية التأمل والمراجعة والنمو المستمرة.
المهنيون الذين يتبنون الذكاء الاصطناعي بمسؤولية سيوسعون نطاق عملهم دون أن يُضعفوا جوهره. أما أولئك الذين لا يفعلون ذلك، فسيجدون في النهاية أن أصواتهم لا يمكن تمييزها عن أصوات آلاتهم.
ما ينبغي للشركات تعلمه من هذا
للشركات التي تُغازل نسخاً من موظفيها أو شخصياتها المُجسَّدة بالذكاء الاصطناعي، إليكم قائمة مرجعية جديرة بالتذكر:
- تحديد الهدف لا التقليد: لا تنشئوا توائم ذكاء اصطناعي لمحاكاة البشر؛ بل لتنشئوا أنظمة تُتيح لهم القيام بأعمال ذات قيمة أعلى.
- الحفاظ على العنصر البشري في دائرة التأليف: يُمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في الصياغة والترميز والتلخيص، ولكن يجب أن يبقى الحكم النهائي بشرياً.
- التعامل مع البيانات كإرث لا كملكية: احترموا استقلالية الموظف والمُبدع. لا ينبغي لأحد أن يُصبح أصلاً رقمياً دائماً دون موافقته.
- التركيز على التوسيع لا الأتمتة: استخدموا الذكاء الاصطناعي لتعزيز الذكاء الجماعي، لا لإلغاء الحاجة إليه.
إن الذكاء الاصطناعي ليس هنا ليحل محل الخبرة البشرية؛ بل لتحدي كيفية تطبيقها.
مفارقة التكرار الذاتي
قريباً، سيتمكن أي شخص لديه بيانات كافية من بناء نسخة رقمية من نفسه. سيعتبرها البعض خلوداً؛ بينما يراها آخرون تكراراً. أراه مرآة، اختباراً لماً هو مهمٌ حقاً في العمل البشري.
عندما يكتب توأمي الرقمي مقالاً جيداً عن الذكاء الاصطناعي، لن أُعجب به. المسألة ليست في قدرته على الكتابة؛ بل في اهتمامه، وفي خدمتي للهدف الذي أسعى لتحقيقه.
وإلى أن تُصبح الخوارزميات قادرة على الاهتمام بالحقيقة، والفروق الدقيقة، وحب الاطلاع والفضول، أو الغاية، سأستمر في فعل ما فعلته على مدار الثلاثة والعشرين عاماً الماضية: الجلوس، والتفكير، والكتابة؛ ليس لأنني مُضطرٌ لذلك؛ بل لأنني ما زلتُ قادراً على ذلك.
* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


