ذكاء اصطناعي صيني يحدد الموقع الجغرافي لأي صورة

نموذج سريع وصغير يطابق اللقطات على مستوى الشارع مع الصور الجوية

ذكاء اصطناعي صيني يحدد الموقع الجغرافي لأي صورة
TT

ذكاء اصطناعي صيني يحدد الموقع الجغرافي لأي صورة

ذكاء اصطناعي صيني يحدد الموقع الجغرافي لأي صورة

تخيل أنك تلعب نسخة جديدة ومعدلة قليلاً من لعبة «چيوغيسر» GeoGuessr لتحديد المواقع، إذ إنك تقف أمام صورة لمنزل أميركي عادي، ربما من طابقين مع حديقة أمامية في شارع مسدود، ولكن لا يوجد شيء مميز بصفة خاصة في هذا المنزل، ولا شيء يخبرك عن الولاية التي يقع فيها، أو من أين يأتي أصحابه.

أدوات رصد صينية

لديك أداتان تحت تصرفك: عقلك، و44416 صورة منخفضة الدقة ملتقطة من أعلى لأماكن عشوائية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وبيانات المواقع المرتبطة بها. هل يمكنك مطابقة المنزل مع صورة جوية، وتحديد موقعه بشكل صحيح؟

من الصعوبة على فرد عمل ذلك، ولكن نموذجاً جديداً للتعلم الآلي يمكنه ذلك على الأرجح. يبحث البرنامج، الذي أنشأه باحثون في جامعة الصين للبترول (شرق الصين)، في قاعدة بيانات لصور الاستشعار عن بُعد مع معلومات الموقع المرتبطة بها لمطابقة صورة الشارع -لمنزل أو مبنى تجاري أو أي شيء آخر يمكن تصويره من الطريق- مع صورة جوية في قاعدة البيانات. وبينما يمكن للأنظمة الأخرى القيام بنفس الشيء، فإن هذا النظام صغير الحجم مقارنة بالأنظمة الأخرى، ودقيق للغاية.

في أفضل حالاته (مثل: عندما يواجه صورة ذات مجال رؤية 180 درجة)، ينجح النظام بنسبة تصل إلى 97 في المائة في المرحلة الأولى من تضييق نطاق الموقع. وهذا أفضل من جميع النماذج الأخرى المتاحة للمقارنة، أو يقترب منها بنسبة نقطتين مئويتين. وحتى في ظل ظروف أقل من المثالية، فإنه يعمل بشكل أفضل من العديد من البرامج المنافسة. وعند تحديد الموقع الدقيق، يكون صحيحاً بنسبة 82 في المائة من الحالات، وهو ما يقع بفارق ثلاث نقاط فقط من النماذج الأخرى.

لكن هذا النموذج جديد من حيث السرعة، وتوفير الذاكرة. فهو أسرع بمرتين على الأقل من النماذج المماثلة، ويستخدم أقل من ثلث الذاكرة التي تتطلبها، وفقاً للباحثين. وهذا المزيج يجعله ذا قيمة للتطبيقات في أنظمة الملاحة، وصناعة الدفاع.

تجزئة معمقة للصور

يشرح بينغ رين، الذي يعمل على تطوير خوارزميات التعلم الآلي، ومعالجة الإشارات في جامعة الصين للبترول (شرق الصين): «نقوم بتدريب الذكاء الاصطناعي على تجاهل الاختلافات السطحية في المنظور، والتركيز على استخراج نفس (المعالم الرئيسة) من كلا المنظورين، وتحويلها إلى لغة بسيطة، ومشتركة».

يعتمد هذا البرنامج على طريقة تسمى التجزئة العميقة عبر العرض المتقاطع (أو) التجزئة المتقاطعة العميقة للمنظور «Deep cross - view hashing». فبدلاً من محاولة مقارنة كل بيكسل في صورة مأخوذة من مستوى الشارع بكل صورة على حدة في قاعدة البيانات الضخمة للصور الجوية (من منظور عين الطائر)، تعتمد هذه الطريقة على التجزئة «hashing»، والتي تعني تحويل مجموعة من البيانات -وفي هذه الحالة تحويل صور مستوى الشارع والصور الجوية- إلى سلسلة من الأرقام الفريدة لتلك البيانات.

ولمباشرة ذلك، تستخدم مجموعة البحث بجامعة الصين للبترول نوعاً من نماذج التعلم العميق يسمى محول الرؤية، والذي يُقسّم الصور إلى وحدات صغيرة، ويبحث عن الأنماط بين القطع. قد يجد النموذج في الصورة ما تم تدريبه على التعرف عليه، مثل مبنى مرتفع، أو نافورة دائرية، أو دوار، ثم يقوم بترميز نتائجه إلى سلاسل أرقام. ويعتمد «تشات جي بي تي» على بنية مماثلة، ولكنه يكتشف الأنماط في النص بدلاً من الصور.

يقول هونغدونغ لي، الذي يدرس الرؤية الحاسوبية في الجامعة الوطنية الأسترالية، في حديث نقلته مجلة «سبيكتروم» لجمعية المهندسين الكهربائيين الأميركية، إن الرقم الذي يمثل كل صورة يشبه بصمة الإصبع. إذ يلتقط الرمز الرقمي السمات الفريدة من كل صورة، ما يسمح لعملية تحديد الموقع الجغرافي بتضييق نطاق التطابقات المحتملة بسرعة.

في النظام الجديد، يُقارن الرمز المرتبط بصورة معينة على مستوى الأرض بجميع الصور الجوية الموجودة في قاعدة البيانات، ما ينتج عنه أقرب 5 مرشحين للمطابقات الجوية. ولأغراض الاختبار الأخير، استخدم الفريق صوراً ملتقطة بالأقمار الاصطناعية للولايات المتحدة وأستراليا. ويُحسب متوسط البيانات التي تمثل الجغرافيا لأقرب المطابقات باستخدام تقنية تمنح وزناً أكبر للمواقع الأقرب إلى بعضها البعض بهدف تقليل تأثير القيم المتطرفة (الشاذة)، ومن ثم يظهر الموقع المُقدّر لصورة شارع.

نظام سريع وفعال

يقول لي: «رغم أن النموذج ليس جديداً تماماً، فإن هذه الورقة البحثية تمثل تقدماً واضحاً في هذا المجال». وهو يرى أن هذا النهج مبتكر في استخدامه لـ(التجزئة) لجعل مطابقة الصور أسرع وأكثر كفاءة في استهلاك الذاكرة من التقنيات التقليدية. فهي تستخدم 35 ميغابايت فقط، بينما يتطلب النموذج التالي الأصغر 104 ميغابايت، أي ثلاثة أضعاف السعة.

ويزعم الباحثون أن هذه الطريقة أسرع بأكثر من مرتين من الطريقة الأسرع التالية. عند مطابقة صور على مستوى الشارع مع مجموعة بيانات من التصوير الجوي للولايات المتحدة، كان الوقت الذي استغرقه النموذج المنافس للمطابقة نحو 0.005 ثانية، بينما استطاع فريق «بتروليوم» العثور على الموقع في نحو 0.0013 ثانية، أي أسرع بأربع مرات تقريباً.

ويقول رين: «نتيجة لذلك، فإن طريقتنا أكثر كفاءة من تقنيات تحديد الموقع الجغرافي للصور التقليدية». ورغم أن هذه المزايا تبدو واعدة، فإنه لا تزال هناك حاجة إلى المزيد من العمل لضمان عمل هذه الطريقة على نطاق واسع، كما يقول لي.

ويقول الخبراء الأميركيون، مثل ناثان جاكوبس الباحث في جامعة واشنطن في سانت لويس، إن هناك بعض الاستخدامات البسيطة لتحديد الموقع الجغرافي للصور بكفاءة، مثل وضع علامات جغرافية تلقائياً للصور العائلية القديمة. ولكن على الجانب الأكثر جدية، يمكن لأنظمة الملاحة أيضاً استغلال طريقة تحديد الموقع الجغرافي هذه. يقول جاكوبس إنه إذا تعطل نظام تحديد المواقع العالمي «GPS» في سيارة ذاتية القيادة، فإن وجود طريقة أخرى للعثور على الموقع بسرعة ودقة يمكن أن يكون مفيداً.

ويشير لي إلى أن هذه التقنية يمكن أن تلعب دوراً في الاستجابة للطوارئ في غضون السنوات الخمس المقبلة.


مقالات ذات صلة

إطلاق مبادرة «تقنيات التحوّل الاستثنائي» لتطوير الصناعة في السعودية

الاقتصاد أحد المصانع في السعودية (واس)

إطلاق مبادرة «تقنيات التحوّل الاستثنائي» لتطوير الصناعة في السعودية

أعلنت وزارة الصناعة والثروة المعدنية إطلاق مبادرة «تقنيات التحوّل الاستثنائي»، بالتعاون مع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية «كاوست».

«الشرق الأوسط» (الرياض )
تكنولوجيا شاشة مبهرة وأداء متقدم وبطارية طويلة العمر

أخف كمبيوتر محمول في العالم يواكب ثورة الذكاء الاصطناعي المحلي

إن كنت ممن يتنقلون كثيراً للعمل أو الدراسة، فسيعجبك كمبيوتر «تكنو ميغابوك إس 14» Tecno Megabook S14 الذي يتميز بأنه أخف كمبيوتر محمول بقطر 14 بوصة وزناً.

خلدون غسان سعيد (جدة)
تكنولوجيا ميزات التصوير بتطبيق كاميرا "ابل"

دليلك للتحكم في كاميرا هاتفك الذكي الجديدة

حقق التصوير الفوتوغرافي عبر الهواتف الذكية قفزات كبرى، منذ إطلاق أول كاميرا لهاتف «آيفون» بدقة 2 ميغابكسل، عام 2007. واليوم، أصبحت الهواتف

جي دي بيرسدورفر (نيويورك)
علوم الانسان ضائع في عصر الذكاء الاصطناعي وهلوساته

نظرة إلى الذكاء الاصطناعي... وصحة الدماغ في 2025

إليكم ما يقوله أربعة من الاختصاصيين في حول الجوانب العلمية التي أثارت اهتمامهم في عام 2025. الذكاء الاصطناعي: محتوى منمق وغير منطقي نحن نغرق في بحر من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
تكنولوجيا القفل الذكي «نوكي«

أفضل الأقفال الذكية

• القفل الذكي «نوكي» Nuki. يتميز القفل الذكي «نوكي» بمكونات عالية الجودة، وقدرات تكامل سلسة، وتصميم أنيق، كما تصفه الشركة. يعتبر هذا القفل المبتكر جديداً على ال

غريغ إيلمان (واشنطن)

جدال علمي حول مشروعات حجب الشمس

مشروعات هندسية لحجب الشمس... احتمالات غير آمنة
مشروعات هندسية لحجب الشمس... احتمالات غير آمنة
TT

جدال علمي حول مشروعات حجب الشمس

مشروعات هندسية لحجب الشمس... احتمالات غير آمنة
مشروعات هندسية لحجب الشمس... احتمالات غير آمنة

على مدار عقود، ظلت هندسة المناخ - ويقصد بها التلاعب التكنولوجي المتعمد بمناخ الأرض لمواجهة الاحتباس الحراري - مفتقرة إلى مشاعر الاحترام والتقدير داخل المجتمع العلمي. وقد تعامل معها معظم الخبراء بشك عميق، الأمر الذي يرجع إلى حد كبير إلى عدم التيقن من فعاليتها، واحتمالية إطلاقها العنان لعواقب وخيمة غير مقصودة.

ومع أن مجموعة صغيرة من الباحثين طالبت بدراسة هندسة المناخ على الأقل، جاءت ردود الأفعال العامة في الجزء الأكبر منها، انتقادية.

تحذيرات ومجادلات علمية

وأخيراً، وتحديداً في سبتمبر (أيلول) الماضي، تعزز هذا الموقف لدى نشر أكثر من 40 مختصاً في علوم المناخ والأنظمة القطبية وعمليات المحيطات، ورقة بحثية رئيسة في دورية Frontiers in Science.

* مخاطر هندسة المناخ الشمسية. وكانت النتيجة التي خلص إليها العلماء واضحة دون مواربة: ثمة احتمال ضئيل للغاية أن تعمل هندسة المناخ الشمسية بأمان. وحذر القائمون على الدراسة من أن رش الهباء الجوي العاكس، في طبقة الستراتوسفير، قد يغير الدورة الجوية، مما قد يؤدي بدوره إلى ارتفاع درجة حرارة فصول الشتاء في شمال أوراسيا (أوروبا-آسيا)، علاوة على اضطرابات مناخية إضافية.

الحقيقة أنه لطالما جرى تجسيد هذه المخاوف في الأفلام، مثل «مثقب الثلج» (Snowpiercer) الذي دار حول قصة حدوث انخفاض كارثي في درجة الحرارة، بعد تجربة هندسة مناخية فاشلة. كما يتخيل كيم ستانلي روبنسون في روايته «وزارة المستقبل» (The Ministry for the Future) حكوماتٍ تلجأ إلى هندسة المناخ، مدفوعة بشعورها باليأس، بعد وقوع وفيات جماعية ناجمة عن التغيرات المناخية.

واللافت أن رواية روبنسون لا تصور هندسة المناخ باعتبارها كارثية بطبيعتها، وإنما تحذر من أن استخدام تكنولوجيا غير مفهومة جيداً على نطاق واسع، قد يسفر عن نتائج كارثية يتعذر التنبؤ بطبيعتها.

* ضرورة أبحاث التدخل المناخي.ومع ذلك، فقد تدهورت توقعات المناخ على أرض الواقع بدرجة هائلة، لدرجة أن الكثير من العلماء، اليوم، بات لديهم اعتقاد بأن أبحاث هندسة المناخ أمر لا مفر منه. ورداً على الورقة البحثية المنشورة المذكورة آنفاً، أصدر أكثر من 120 عالماً بياناً مضاداً أكدوا خلاله أن البحث في مجال التدخل المناخي، أصبح «ضرورياً للغاية».

وكان فيليب دافي، كبير المستشارين العلميين السابق في إدارة بايدن، قد أوجز هذا التحول على النحو الآتي: مع تسارع وتيرة التغييرات المناخية، فإنه حتى التخفيف الصارم للانبعاثات المسببة لها، لا يمكنه الحيلولة دون الارتفاع الشديد في درجات الحرارة. وعلى نحو متزايد يتضح أمامنا أن بعض التدخلات المناخية قد تكون ضرورية باعتبارها تدابير تكميلية، وليست مجرد تكهنات نظرية.

وقد عززت سياسات المناخ العالمية هذه الحاجة الملحة. وفي الوقت الذي يُكافح العالم لإجراء تحولات منهجية سريعة في قطاعي الطاقة والزراعة، يواجه الباحثون وصانعو السياسات تساؤلاً ملحاً: إذا لم يكن في الإمكان تقليص الانبعاثات الكربونية بالسرعة الكافية لتجنب نقاط التحول الكارثية، فما البدائل المتبقية؟

التصاميم التدخلية لحماية الأرض من تغيرات المناخ... قد تصبح ضرورية

تصاميم تدخلية

* مقترحات متعددة. من جهتها، تشمل هندسة المناخ طيفاً واسعاً من التدخلات المُحتملة. وتدور بعض المقترحات حول تعزيز سطوع السحب فوق المحيطات، أو زيادة انعكاسية المناطق القطبية. كما حظيت تكنولوجيا إزالة الكربون، التي تُدرج أحياناً تحت مظلة هندسة المناخ، بقبول واسع باعتبارها عناصر ضرورية في استراتيجيات التخفيف من آثار التغييرات المناخية. ومع ذلك، تبقى الفئة الأكثر إثارة للجدل إدارة الإشعاع الشمسي - حقن جزيئات الهباء الجوي العاكسة في طبقة الستراتوسفير لحجب أشعة الشمس الواردة.

اللافت أن هذه الأفكار، التي لطالما كانت هامشية من قبل، تحظى اليوم بدعم مؤسسي وتجاري وخيري. وقد أبدى مليارديرات مثل بيتر ثيل وإيلون ماسك اهتمامهم بها. كما أطلقت شركات ناشئة، مثل «ميك صن سيتس»، تجارب صغيرة وغير مُصرح بها.

كما يعتقد بعض النشطاء الذين لطالما شككوا في هندسة المناخ، الآن أن التدخل المناخي وسيلة لمعالجة التفاوتات العالمية، الناجمة عن استخدام الوقود الأحفوري. وتعكف مختبرات وطنية أميركية على إجراء أبحاث حول آثار إطلاق ثاني أكسيد الكبريت في القطب الشمالي. وجمعت شركة «ستارداست سولوشنز»، وهو مشروع خاص يسعى إلى تسويق تعديل المناخ باستخدام الهباء الجوي، 60 مليون دولار حديثاً، بينما تؤكد قياداتها أن الحكومات بحاجة إلى بيانات دقيقة لاتخاذ قرارات مدروسة.

وفي وقت قريب، أشار بيل غيتس، الذي لطالما موّل مبادرات التكيف مع المناخ، إلى أن هندسة المناخ قد تكون أداةً قيّمةً في مستقبلٍ سيكون حتماً أشد حرارة.

* وقف انبعاثات الكربون. ومع ذلك، نجد انه حتى هذا الموقف الحذر والمركّز على البحث، يصطدم ببيئة سياسية أميركية مستقطبة. في هذا الصدد، أشار كريغ سيغال، خبير السياسات والمحامي السابق لدى «مجلس شؤون موارد الهواء، في كاليفورنيا، إلى أن ردود الفعل السياسية متباينة بشدة».

في داخل صفوف النقاد أصحاب الفكر التقدمي، تقوم المعارضة على اعتقاد مفاده أن المجتمع يجب أن يركز حصراً على وقف الانبعاثات الكربونية وتقليل استهلاك الطاقة، رافضاً الحلول التكنولوجية باعتبارها مجرد مُشتتات للانتباه.

أما على اليمين السياسي، فقد تحول الرفض إلى عداء مدفوع بنظريات المؤامرة. وجرى ربط هندسة المناخ بنظرية مؤامرة «الخطوط الكيميائية»، التي تزعم - دون دليل - أن الخطوط التي تخلفها الطائرات تحتوي على مواد كيميائية تطلقها حكومات للتحكم في العقول. والمثير أن هذه الادعاءات، التي لطالما رُفضت باعتبارها محض خرافات منشورة على الإنترنت، تتردد اليوم على ألسنة شخصيات بارزة.

وبالمثل، نجد أنه بعد أن أودت فيضانات شديدة بحياة أكثر من 130 شخصاً في تكساس، سألت قناة «فوكس نيوز» ممثلي شركةً لتلقيح السحب حول ما إذا كانت جهودها في تعديل الطقس قد تسببت في الكارثة - ادعاء قابله العلماء بالرفض على نطاق واسع.

واليوم، تتحوّل المقاومة اليمينية إلى سياسة رسمية، مع تقديم أكثر من عشرين ولاية أميركية مشروعات قوانين - أغلبها من جمهوريين - تهدف إلى حظر أبحاث هندسة المناخ أو نشرها. وبالفعل، أقرت ولايتا تينيسي وفلوريدا بالفعل تشريعات من هذا القبيل. وقد يعيق هذا التزايد في الحظر في ولايات دون أخرى، إجراء أبحاث مناخ منسقة على المستوى «الفيدرالي».

إدارة الإشعاع الشمسي في الدول النامية

* إدارة الإشعاع الشمسي. في المقابل، نجد أن البيئة السياسية، عالمياً، تبدي انفتاحاً أكبر؛ فالدول النامية، المعرضة بشكل أكبر بكثير عن غيرها للتضرر من التأثيرات المناخية، تبدي استعداداً متزايداً لاستكشاف خيارات هندسة المناخ. مثلاً، في منتدى باريس للسلام، سلَّط وزير خارجية غانا الضوء على أبحاث إدارة الإشعاع الشمسي الجارية في ماليزيا والمكسيك وجنوب أفريقيا وغانا، واصفاً إياها بأنها ضرورية لضمان قدرة هذه البلاد على إدارة مستقبلها المناخي.

في الصين، لا تزال الأبحاث في مراحلها الأولى، لكن الخبراء يشيرون إلى أنه إذا أعطت بكين الأولوية للهندسة المناخية، فإنها تمتلك القدرة على متابعتها بسرعة وعلى نطاق واسع. وتعكس هذه الديناميكيات تصورات مستقبلية افتراضية، تُعيد في إطارها التدخلات الوطنية أحادية الجانب تشكيل أنماط المناخ العالمية.

وغالباً ما يجادل العلماء الرافضين للهندسة المناخية بأنها تُعطي «أملاً زائفاً»، وقد تُضعف الإرادة السياسية لخفض الغازات المسببة للاحتباس الحراري.

* السلامة والفاعلية. وهم مُحقون في القول بأنه لم تثبت أية تكنولوجيا من تكنولوجيات هندسة المناخ سلامتها أو فعاليتها على نطاق واسع، وأن المخاطر - بما في ذلك الاضطرابات الجوية، والصراعات الجيوسياسية، والتأثيرات الإقليمية غير المتكافئة - ضخمة.

وتظل المعضلة الجوهرية قائمة: فالبشرية ينفد وقتها، ومع ذلك تفتقر إلى المعرفة الكافية لتحديد ما إذا كانت هندسة المناخ جزءاً من استراتيجية مناخية مسؤولة. والمؤكد أن حظر الأبحاث يهدر الخيارات، بينما المضي قدماً دون تفكير يعرضنا لكارثة.

في هذا السياق، نرى أن السبيل العقلاني الوحيد السماح بإجراء تحقيق منهجي وشفاف في متطلبات جدوى هندسة المناخ وسلامتها وحوكمتها. من دون هذه الأبحاث، قد يقف العالم في مواجهة أزمات مناخية، مسلحاً بأدوات أقل وفهم أقل - بالضبط السيناريو الذي يأمل العلماء في تجنبه.

* «أتلانتك أونلاين»، خدمات «تريبيون ميديا».


بحوث التوحُّد تؤكِّد الجذور الجينية القوية وتنفي أي علاقة باللقاحات

بحوث التوحُّد تؤكِّد الجذور الجينية القوية وتنفي أي علاقة باللقاحات
TT

بحوث التوحُّد تؤكِّد الجذور الجينية القوية وتنفي أي علاقة باللقاحات

بحوث التوحُّد تؤكِّد الجذور الجينية القوية وتنفي أي علاقة باللقاحات

يُعدُّ اضطراب طيف التوحُّد من الاضطرابات النمائية العصبية التي تؤثر في التواصل والسلوك والتفاعل الاجتماعي.

الوراثة عامل الخطر الأهم

ومع ازدياد معدلات تشخيص التوحُّد حول العالم، تصاعد الجدل العام حول احتمال وجود صلة بين لقاحات الطفولة والإصابة بهذا الاضطراب. غير أنَّ عقوداً من البحوث العلمية الصارمة قدَّمت إجابة واضحة وحاسمة، هي أن اللقاحات لا تسبب التوحُّد. وتشير الأدلة إلى أنَّ التوحُّد يعود أساساً إلى عوامل وراثية تتفاعل مع مؤثرات نمائية مبكرة قبل الولادة.

* دراسات عائلية وجينية: توفر الدراسات العائلية والجينية بعضاً من أقوى الأدلة على أسباب التوحُّد. فقد أظهرت دراسة واسعة نُشرت في الأول من أغسطس (آب) عام 2024 في مجلة «Pediatrics» بقيادة سالي أوزونوف من قسم الطب النفسي والعلوم السلوكية في جامعة كاليفورنيا، أنَّ نسبة انتشار التوحُّد تبلغ نحو 2.8 في المائة بين الأطفال في عموم الولايات المتحدة، إلا أنَّ هذه النسبة ترتفع إلى أكثر من 20 في المائة لدى الأطفال الذين لديهم شقيق مصاب بالتوحُّد.

* انتشار عائلي: وتتوافق هذه النتائج مع دراسات سابقة أكدت أنَّ التوحُّد ينتشر داخل العائلات، فإخوة الطفل المصاب بالتوحُّد أكثر عرضة للتشخيص بنحو 15 ضعفاً مقارنة بغيرهم، في حين يزداد خطر الإصابة لدى أبناء الإخوة والأخوات بنحو 3 أضعاف. كما أظهرت دراسات التوائم أنَّ التوائم المتطابقة تسجِّل معدلات توافق أعلى بكثير من التوائم غير المتطابقة، ما يعزِّز الدور المحوري للعوامل الوراثية.

* متغير جيني: ويقدِّر العلماء أنَّ 15 إلى 20 في المائة من حالات التوحُّد يمكن تفسيرها بمتغيِّر جيني واحد واضح، في حين تنتج غالبية الحالات عن تفاعل معقَّد بين عدد كبير من الجينات، يؤثر كثير منها في كيفية نمو خلايا الدماغ وتواصلها وتشكيل الشبكات العصبية.

العوامل البيئية وتأثيرها قبل الولادة

ورغم الدور الأساسي للجينات، تشير البحوث إلى أنَّ بعض العوامل البيئية قد تؤثر في خطر الإصابة بالتوحُّد، ولا سيما خلال فترة الحمل والمراحل المبكرة من نمو الدماغ. ويؤكد الباحثون أنَّ هذه العوامل لا تعمل بمعزل عن الوراثة؛ بل غالباً ما تتفاعل معها.

وتشمل العوامل المرتبطة بزيادة الخطر: الولادة المبكرة، وانخفاض الوزن الشديد للمولود عند الولادة، ونقص الأكسجين في أثناء الولادة. كما تبيَّن أنّ التقدُّم في سن الوالدين عند الإنجاب يرتبط بزيادة احتمال التشخيص. وتؤدي بعض الحالات الصحية لدى الأم -مثل سكري الحمل- دوراً إضافياً في هذا السياق.

كما ارتبط التعرُّض لبعض أدوية الصرع ومستويات مرتفعة من تلوث الهواء في أثناء الحمل بزيادة خطر الإصابة بالتوحُّد لدى الأطفال. ومن المهم الإشارة إلى أنَّ كثيراً من الأمراض المعدية خلال الحمل، مثل الحصبة الألمانية، والإنفلونزا، و«كوفيد-19»، والسعال الديكيـ يمكن الوقاية منها بالتطعيم، ما يبرز الدور الوقائي للقاحات بدلاً من كونها عامل خطر.

اللقاحات والتوحُّد: حسم علمي قاطع

رغم استمرار المخاوف لدى بعض فئات المجتمع، فإن الأدلة العلمية تُجمع على عدم وجود أي علاقة بين اللقاحات والتوحُّد. ففي 12 ديسمبر (كانون الأول) عام 2025 نشرت منظمة الصحة العالمية (WHO) مراجعة منهجية شاملة، حلَّلت أكثر من 30 دراسة واسعة النطاق، شملت تجارب سريرية ودراسات سكانية ومقارنات بين أطفال ملقَّحين وغير ملقَّحين.

وكان الاستنتاج واضحاً: لا توجد علاقة سببية بين لقاحات الطفولة والتوحُّد.

كما درست البحوث مادة «الثيميروسال» (thimerosal) وهي مادة حافظة تحتوي على الزئبق كانت تُستخدم سابقاً في بعض اللقاحات. وأظهرت النتائج عدم وجود أي ارتباط بينها وبين التوحُّد. والأهم أنَّ معدلات التوحُّد واصلت الارتفاع حتى بعد تقليل استخدام هذه المادة أو إيقافها، ما يدحض هذه الفرضية تماماً.

وأكَّدت الدراسات كذلك أنَّ التطعيم في أثناء الحمل لا يزيد من خطر إصابة الطفل بالتوحُّد؛ بل إن العدوى الطبيعية في أثناء الحمل تمثِّل تهديداً أكبر لنمو الجنين من اللقاحات.

لماذا ترتفع معدلات التشخيص؟

أسهم ارتفاع معدلات تشخيص التوحُّد في تعزيز التصورات الخاطئة حول أسبابه؛ غير أنَّ الخبراء يقدِّمون تفسيرات علمية واضحة. فقد جرى توسيع معايير التشخيص عام 2013 لتشمل طيفاً أوسع من الأعراض ومستويات الأداء. كما تحسَّنت أدوات الفحص المبكر، وازداد الوعي المجتمعي، وتوسَّعت فرص الوصول إلى خدمات التشخيص والدعم.

إضافة إلى ذلك، أدَّت الزيادة في أعمار الوالدين، وتحسُّن معدلات بقاء الأطفال الخدَّج على قيد الحياة، إلى ارتفاع عدد الحالات المشخَّصة مع العلم بأنَّ معدلات التوحُّد الشديد ظلت مستقرة نسبياً.

العلم بدل الشائعات

يُعدُّ فهم الأسباب الحقيقية للتوحُّد خطوة أساسية لتطوير التدخل المبكر، وتحسين جودة حياة المصابين وأسرهم. وتؤكد الأدلة العلمية أنَّ التوحُّد ناتج عن تفاعل معقَّد بين الوراثة والعوامل النمائية المبكرة، وليس بسبب اللقاحات.

ويحذِّر خبراء الصحة العامة من أنَّ المعلومات المضلِّلة حول التطعيم قد تؤدي إلى عودة أمراض خطيرة يمكن الوقاية منها.

ويظل الإجماع العلمي واضحاً، وهو أن تطعيم الأطفال يحمي صحتهم ولا يسبب التوحُّد.

حقائق

2.8 %

نسبة الأطفال الأميركيين المصابين بالتوحُّد

حقائق

20 %

وأكثر، هي نسبة احتمالية إصابة أطفال بالتوحد من الذين لديهم شقيق مصاب به.


تساؤلات حول دور الذكاء الاصطناعي في الإصابة بحالات الذهان

مريضٌ أمام معالجٍ رقمي
مريضٌ أمام معالجٍ رقمي
TT

تساؤلات حول دور الذكاء الاصطناعي في الإصابة بحالات الذهان

مريضٌ أمام معالجٍ رقمي
مريضٌ أمام معالجٍ رقمي

نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» في 28 ديسمبر (كانون الأول) 2025، تقريراً حذّرت فيه من ارتباطٍ محتمل بين الاستخدام المطوّل لروبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وظهور حالات ذهانية لدى بعض المستخدمين.

«الذهان» والذكاء الاصطناعي

* تعريف الذهان. في التعريف الطبي، اضطراب نفسي يفقد فيه الإنسان جزئياً صلته بالواقع، فتختلط لديه الأفكار بالهلاوس أو المعتقدات الوهمية.

وقد أعاد التقرير، الذي استند إلى شهادات أطباء نفسيين في الولايات المتحدة، طرح سؤالٍ حساس: هل يمكن للخوارزميات أن تُنتج المرض النفسي، أم أنها تُضخّم هشاشة كانت موجودة أصلاً؟

* ماذا رصد الأطباء سريرياً؟ حسب التقرير، لاحظ أطباء نفسيون خلال الأشهر التسعة الماضية عشرات الحالات لمرضى طوّروا أعراض ذهان بعد محادثات طويلة مع روبوتات دردشة اتسمت بمحتوى وهمي متصاعد ومتراكم.

وأشار الطبيب النفسي كيث ساكاتا من جامعة كاليفورنيا – سان فرانسيسكو، إلى معالجته اثني عشر مريضاً أُدخلوا المستشفى بسبب نوبات من الذهان ارتبطت مباشرة بالاستخدام المكثّف للذكاء الاصطناعي، إضافة إلى حالات أُديرت في العيادات الخارجية. وقد اتخذت الأوهام في معظمها، طابعاً تعاظمياً واضحاً: ادّعاء اكتشافات علمية كبرى، الإحساس بالتواصل مع «آلة واعية»، أو شعور طاغٍ بالاختيار الإلهي والرسالة الخاصة.

حين يواجه العقل انعكاسه

العلم يدعو للتريث

* أين يقف العلم من هذه الملاحظات؟ يدعو العلم عند هذه النقطة إلى قدرٍ عالٍ من التريّث والحذر. فحتى اليوم، لا يوجد تشخيص طبي رسمي معتمد لما يُسمّى «ذهان الذكاء الاصطناعي»، ولا دراسة سريرية محكّمة تُثبت علاقة سببية مباشرة بين استخدام روبوتات الدردشة وظهور الذهان لدى أشخاص يتمتعون بصحة نفسية مستقرة.

وما هو متوافر حالياً يقتصر على ملاحظات سريرية وتقارير حالات فردية، وهي أدوات إنذار مبكر ذات قيمة، لكنها لا ترقى بعد إلى مستوى الدليل العلمي القاطع.

* الذكاء الاصطناعي... عامل مُسبِّب أم مُضاعِف؟ تشير المراجعات العلمية الحديثة إلى أن هذه الحالات تُفَسَّر، في الغالب، ضمن مفهوم «تعزيز الأوهام» لدى أشخاص يملكون استعداداً نفسياً مسبقاً، وهي ظاهرة معروفة في الطب النفسي منذ عقود، سبق رصدها مع وسائط مختلفة مثل العزلة، أو التديّن المتطرّف، أو رؤية بعض المواد الرقمية. والجديد هنا ليس المرض بحدّ ذاته، بل الأداة القادرة على تغذية الوهم بلا حدود زمنية أو تصحيح بشري مباشر.

مرآة لغوية وليس عقلاً واعياً

* «التملق الخوارزمي». الذكاء الاصطناعي لا يعمل كفاعلٍ واعٍ أو كذاتٍ مفكِّرة، بل كنظام لغوي إحصائي يعكس أنماط اللغة والمعاني التي يُغذّى بها. وهو ما يُعرف علمياً بظاهرة «التملّق الخوارزمي»، حيث تميل النماذج اللغوية إلى مجاراة المستخدم وتأكيد مسارات حديثه بدل مناقضتها أو كبحها نقدياً. في هذا السياق، لا «يخلق» روبوت الدردشة الوهم من العدم، لكنه قد يضخّمه ويمنحه تماسكاً لغوياً يوهم بالمعنى والشرعية، خصوصاً إذا تُرك التفاعل طويلاً بلا ضوابط أخلاقية، أو إشراف طبي، أو آليات تصحيح تعيد ربط الحوار بمرجعية الواقع.

* الوجه الآخر للصورة: ماذا تقول الأبحاث؟ في المقابل، تُظهر الأبحاث العلمية الحديثة أن روبوتات الدردشة حين تُصمَّم ضمن أطر أخلاقية واضحة وتُستخدم تحت إشراف مهني، قد تؤدي دوراً داعماً للصحة النفسية. فقد بيّنت دراسة سريرية نُشرت عام 2024 في مجلة «الصحة النفسية – نيتشر» (Nature Mental Health) أن استخدام نماذج محادثة نفسية مُنضبطة أسهم في تقليل أعراض القلق والاكتئاب الخفيف، وتخفيف الشعور بالوحدة لدى بالغين في بيئات محدودة الوصول إلى الخدمات المتخصصة. وتخلص الدراسة إلى أن الذكاء الاصطناعي يكون نافعاً حين يُستخدم أداةَ دعم مكمّلة، وليس بديلاً عن التقييم والعلاج النفسي؛ ما يؤكد أن الإشكالية لا تكمن في التقنية ذاتها، بل في طريقة تصميمها وحدود استخدامها.

تحديات حقيقية

* الخطر الحقيقي: الاستخدام بلا بوصلة. يتّضح أن الخطر لا يكمن في الخوارزمية ذاتها، بل في غياب الإطار الأخلاقي والطبي المنظِّم لاستخدامها. فالذكاء الاصطناعي، مهما بلغت قدرته الحسابية، لا ينبغي أن يُقدَّم بوصفه بديلاً عن الطبيب أو المعالج النفسي، بل أداةً مساندة تُستخدم بحكمة، وتحت إشراف مهني واضح، وضمن حدود تضمن سلامة المستخدم وتحفظ جوهر العلاقة العلاجية الإنسانية.

ما يحدث اليوم ليس صراعاً بين الإنسان والآلة، بل اختبار لقدرتنا على استخدام أدوات قوية بعقلٍ أكثر قوة.

* حين تصبح الخوارزمية مرآة صامتة. قال ابن رشد إن العقل لا يُضلّ صاحبه، بل يضلّ حين يُترك بلا ميزان. وفي زمن الذكاء الاصطناعي، تتخذ هذه الحكمة بُعداً جديداً؛ فالخوارزمية لا تُنتج الذهان من تلقاء ذاتها، لكنها قد تُحسن الإصغاء إليه، وتمنحه لغةً متماسكة، إذا تُركت بلا توجيه أو ضوابط.

وبين تحذير الصحافة وطمأنينة العلم، تتكشف حقيقة أكثر اتزاناً: الذكاء الاصطناعي ليس خصم العقل ولا وريثه، بل مرآته الصامتة. وما ينعكس فيها، في النهاية، هو الإنسان ذاته - بهشاشته، ووعيه، ومسؤوليته عن ألا يترك التقنية تقوده حين يفترض أن يقودها.