نقلة نوعية في تقنيات الإنذار المبكر ضد الحرائق

علماء يبتكرون نظاماً يعتمد على الذكاء الاصطناعي

الحرائق تتسبب سنوياً في آلاف الوفيات وخسائر بمليارات الدولارات (جامعة نيويورك)
الحرائق تتسبب سنوياً في آلاف الوفيات وخسائر بمليارات الدولارات (جامعة نيويورك)
TT

نقلة نوعية في تقنيات الإنذار المبكر ضد الحرائق

الحرائق تتسبب سنوياً في آلاف الوفيات وخسائر بمليارات الدولارات (جامعة نيويورك)
الحرائق تتسبب سنوياً في آلاف الوفيات وخسائر بمليارات الدولارات (جامعة نيويورك)

تُعد الحرائق من أخطر الكوارث التي تهدد الأرواح والممتلكات حول العالم، إذ تتسبب سنوياً في آلاف الوفيات وخسائر بمليارات الدولارات. ورغم انتشار أجهزة إنذار الدخان، فإن مستشعراتها تفشل غالباً في التنبيه المبكر بسبب الأعطال أو حاجتها إلى تراكم كميات كبيرة من الدخان.

نظام استشعار مبتكر

في السياق، طوّر باحثون من «كلية تاندون للهندسة» بجامعة نيويورك الأميركية نظاماً مبتكراً يعتمد على الذكاء الاصطناعي، قادر على رصد الحرائق خلال 0.016 ثانية باستخدام كاميرات المراقبة العادية، ما يفتح الباب أمام نقلة نوعية في تقنيات الإنذار المبكر.

ويتميز النظام بسرعة فائقة تمنح شاغلي المباني دقائق إضافية للإخلاء وتُمكّن فرق الطوارئ من التدخل المبكر. وعلى عكس أجهزة الإنذار التقليدية، يكتشف الحريق منذ لحظاته الأولى عبر الفيديو فقط، وفق ما نُشر بعدد 15 سبتمبر (أيلول) 2025 من دورية «IEEE Internet of Things Journal».

ولتقليل الإنذارات الكاذبة، دمج الفريق عدة خوارزميات ذكاء اصطناعي مع قاعدة بيانات واسعة لأنواع مختلفة من الحرائق، مثل حرائق المواد القابلة للاحتراق، والحرائق الكهربائية، والحرائق الناتجة عن الطهي، وحقق دقة بلغت 80.6 في المائة ارتفعت إلى 92.6 في المائة بعد إضافة التحليل الزمني لتغير ألسنة اللهب.

ويعمل النظام عبر الحوسبة السحابية وإنترنت الأشياء دون الحاجة إلى معدات جديدة، إذ يمكن تشغيله على أنظمة المراقبة القائمة.

يقول الدكتور برابود بانيندري، الأستاذ المشارك في كلية تاندون للهندسة بجامعة نيويورك، إن أجهزة إنذار الدخان التقليدية تحتاج إلى صيانة دورية ولا تعمل إلا عند وصول تركيز معين من الدخان، ما قد يؤدي إلى فشلها في كشف الحرائق البعيدة أو بطيئة الانتشار.

ويوضح لـ«الشرق الأوسط» أن أنظمة الذكاء الاصطناعي ترصد العلامات البصرية المبكرة مثل اللهب أو أعمدة الدخان الأولى خلال ثوانٍ، وهو وقت حاسم يمنح فرصة أكبر للإخلاء والتدخل السريع. وتغطي الكاميرا الواحدة مساحة أوسع من جهاز إنذار دخان واحد، ما يقلل النقاط العمياء ويساعد على تحديد موقع الحريق بدقة، الأمر الذي يسهّل عمل فرق الإطفاء ويقلل المخاطر على الأرواح والممتلكات.

وأشار إلى أن الكشف المبكر يتيح إرسال إنذارات تلقائية للسكان وخدمات الطوارئ، وإيقاف المرافق الخطرة كالغاز والكهرباء بسرعة، مما يقلل احتمالية الإصابات أو انهيار المباني.

النظام الجديد يكتشف الحريق منذ لحظاته الأولى عبر لقطات الفيديو فقط (جامعة نيويورك)

تقنيات متنوعة

مع تصاعد مخاطر الحرائق حول العالم، برزت مجموعة من التقنيات الحديثة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي لتسريع الكشف والاستجابة، من بينها نظام «Forest Protector» الذي طوره باحثون في جامعة «كوين ماري» بلندن، ويجمع بين أجهزة استشعار موزعة وتقنيات الرؤية الحاسوبية، حيث يوجّه الكاميرات بذكاء لرصد الدخان والحرارة، ما يتيح مراقبة مستمرة بتكلفة منخفضة ويقلل من الإنذارات الكاذبة.

كما قدمت شركة ألمانية طائرة مسيّرة باسم «Silvaguard» تعمل مع شبكة مستشعرات تُعرف بـ«Silvanet»، لكشف إشارات الحرائق مبكراً وإرسال صور حرارية دقيقة حتى في الظروف الصعبة، ما يدعم سرعة اتخاذ القرار. وفي الولايات المتحدة، طورت شركة ناشئة تُدعى «داتا بلانكيت» برمجيات خاصة للطائرات المسيرة تحدد محيط الحرائق وتوفر معلومات لحظية لفرق الإطفاء، مما يقلل المخاطر على الأفراد.

إلى جانب ذلك، يقود «المعهد الوطني الأميركي للمعايير والتكنولوجيا» (NIST) مشروعاً طموحاً لتطوير أنظمة ذكية توفر معلومات آنية لفرق الإطفاء تركز على السلامة وتحسين القرارات الميدانية. أما شركة «أورورا تيك» الألمانية فذهبت إلى الفضاء، إذ تعتمد على أقمار اصطناعية صغيرة (CubeSats) مزودة بكاميرات حرارية تعالج البيانات مباشرة على القمر، ما يتيح إرسال التنبيهات بسرعة أكبر وتغطية مساحات شاسعة.

ويرى الدكتور سونيال كومار، الأستاذ في كلية «تاندون للهندسة» بجامعة نيويورك، أن دمج أنظمة الذكاء الاصطناعي في مكافحة الحرائق يسهم في إنقاذ الأرواح وتقليل الخسائر بفضل الاكتشاف المبكر والدقيق، ما يسرّع وصول فرق الإطفاء. وتمثل هذه الحلول خياراً اقتصادياً قابلاً للتطبيق، إذ يمكن تشغيلها عبر كاميرات المراقبة العادية لتطوير المباني القديمة والمجتمعات محدودة الموارد دون الحاجة إلى بنية تحتية مكلفة.

ويضيف لـ«الشرق الأوسط» أن دمج التقنية مع الطائرات المسيّرة يتيح رصد الحرائق في مساحات واسعة، فيما توفر الأنظمة المدمجة في سيارات الإطفاء وخوذ رجال الإطفاء والروبوتات صورة أوضح عن موقع النيران واتجاه انتشارها. كما تساعد البيانات المجمعة في تحسين الوقاية والتخطيط عبر رصد بؤر الخطر وتقليل المساحات المحترقة والانبعاثات.

لكنه شدد على ضرورة الاستخدام المسؤول لهذه التقنيات من خلال دمجها مع أنظمة تحقق معتمدة، مع بقاء العنصر البشري للمراجعة، مؤكداً أن الجمع بين الذكاء الاصطناعي والوسائل التقليدية مثل أجهزة الإنذار والرشاشات وخطط الإخلاء يوفر أفضل حماية حالياً.


مقالات ذات صلة

تكنولوجيا نُشرت البرمجية عبر ملفات صور «DNG» خبيثة ويُرجّح أنها اعتمدت أسلوب الهجمات «دون نقرة» (شاترستوك)

برمجية تجسس جديدة تستهدف أجهزة «سامسونغ» عبر ثغرة «يوم صفر»

كشف باحثون عن برمجية تجسس جديدة تستهدف سامسونغ عبر ثغرة «يوم صفر»، انتشرت منذ 2024 بقدرات مراقبة واسعة وهجمات بلا نقرة، قبل إغلاقها بتحديثات 2025.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا دليلك لرصد الفيديوهات المزيفة بالذكاء الاصطناعي

دليلك لرصد الفيديوهات المزيفة بالذكاء الاصطناعي

عليك توخي الحذر تجاه أي فيديو ينتشر عبر منصات التواصل الاجتماعي هذه الأيام. وفيما يلي بعض النصائح لرصد الفيديوهات الزائفة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا  مصباح "ويز ليد" الذكي

أفضل المصابيح الذكية

لا يوجد جهاز ذكي في بساطة المصباح الذكي؛ خاصة أن باستطاعة مصباح «ليد» هذا وأشرطة الإضاءة بمصابيحه أن تدوم لسنوات،

«الشرق الأوسط» ( واشنطن)
تكنولوجيا تطبيق احترافي يجمع تصميم الفيكتور وتحرير الصور ونشر الصفحات في منصة واحدة متوفّر الآن لنظامي «ويندوز» و«macOS » (أفينيتي)

«أفينيتي» يتحدى «أدوبي» ويكسر قيود الاشتراكات

التطبيق يجمع تحت مظلته أدوات تصميم الإفيكتور وتحرير الصور والنشر المكتبي في منصة واحدة متكاملة

عبد العزيز الرشيد (الرياض)

افتتاح «الملتقى العالمي الثاني للذكاء الاصطناعي في طب الأسنان» بجامعة هارفارد

افتتاح «الملتقى العالمي الثاني للذكاء الاصطناعي في طب الأسنان» بجامعة هارفارد
TT

افتتاح «الملتقى العالمي الثاني للذكاء الاصطناعي في طب الأسنان» بجامعة هارفارد

افتتاح «الملتقى العالمي الثاني للذكاء الاصطناعي في طب الأسنان» بجامعة هارفارد

فتحت جامعة هارفارد أبوابها أمس الجمعة على حدث يليق بتاريخها الممتدّ لأكثر من ثلاثة قرون، لانعقاد «الملتقى العالمي الثاني للذكاء الاصطناعي في طب الأسنان». وتستمر أعمال هذا التجمع العالمي لمدة يومين بمشاركة 500 مشارك من 46 دولة.

الخوارزميات... شريك الطبيب الجديد

وجاء هذا الملتقى ليؤكّد أن التحوّلات الكبرى في الطب لم تعد تصدر فقط من غرف العمليات، بل من مختبرات البيانات، ومن العقول التي ترى في الخوارزميات شريكاً جديداً للطبيب... لا منافساً له.

منذ اللحظة الأولى، عكس الحضور الدولي حجم الاهتمام المتزايد بما يمكن أن تصنعه تقنيات الذكاء الاصطناعي في الفم، والوجه، والفكين.

التوأمة الرقمية والروبوتات السريرية ونظم الذكاء العاطفي

وحضر الملتقى خبراء من الولايات المتحدة، وكندا، وأوروبا، واليابان، والشرق الأوسط، ليقدّموا خلاصة ما وصلت إليه علوم التوأمة الرقمية، والروبوتات السريرية، والذكاء العاطفي الذي يقرأ الحالة النفسية للمريض، والتشخيص التنبّئي قبل ظهور الألم.

وقد مثّل وجود «الشرق الأوسط» في الملتقى مشاركة عربية بارزة في هذا الحدث، تعكس موقع المنطقة المتقدّم في تبنّي التقنيات الطبية الحديثة، خصوصاً في السعودية، والإمارات، وقطر.

هارفارد... تاريخ يُستأنف لا يُروى

افتتح الملتقى بكلمة قصيرة لمسؤولي كلية طب الأسنان، استعرضوا فيها رحلة الجامعة منذ تأسيسها عام 1636 وحتى دورها اليوم في تدريب الجيل الجديد من الأطباء، والباحثين. لكن اللافت كان تأكيد المتحدّثين أن هارفارد لا تحتفي بماضيها، بل تستثمره لتقود المستقبل. فالجامعة التي خرّجت روّاد الطب الحديث ترى أن الجيل القادم من الأطباء سيحتاج إلى أدوات جديدة: أدوات تتعلّم، وتتذكّر، وتتنبّأ... وتعمل إلى جانب الطبيب خطوة بخطوة.

مفهوم «الذكاء المُبادِر»

تضمّن اليوم الأول سلسلة محاضرات علمية رسمت الخطوط العريضة للتحوّل المقبل.

وفي الجلسة الافتتاحية، قدّم باحثو هارفارد عرضاً عن مفهوم «الذكاء المُبادِر»، وهو نظام لا ينتظر أوامر الطبيب، بل يراقب البيانات، ويقترح الخطوات العلاجية بشكل استباقي.

«التوأم الرقمي الفموي»

تلتها جلسة عن «التوأم الرقمي الفموي»، حيث ناقش الباحثون كيف يمكن لنسخة رقمية من فم المريض أن تتوقّع نتائج أي إجراء قبل القيام به.

كما برزت جلسات متخصصة حول أجهزة الاستشعار الدقيقة التي تتحوّل فيها الأسنان إلى «محطات مراقبة حيوية»، قادرة على قياس الالتهاب، والسكر، والبكتيريا بشكل لحظي.

الحضور العربي... صوت يتجاوز التمثيل البروتوكولي

شهد الملتقى اهتماماً واضحاً بالدول العربية، خصوصاً مع تسارع مشاريع الصحة الرقمية في السعودية، ودول الخليج. وقد حظيت «الشرق الأوسط» بعدة لقاءات جانبية مع مسؤولي البرامج البحثية، ركّزت على بناء جسور تعاون بين مراكز البحث في هارفارد، والمؤسسات الصحية في المنطقة، بما في ذلك مشاريع التوأمة الرقمية، وأنظمة التشخيص الفوري في طب الأسنان.

لحظة افتتاح... وبداية مرحلة جديدة

لم يكن اليوم الأول مجرد افتتاح رسمي، بل كان إعلاناً صريحاً بأن طب الأسنان يقف على عتبة ثورة حقيقية... ثورة لا تستبدل الطبيب، بل تُعيد إليه مكانته، وتمنحه أدوات أقوى، وتفرّغ وقته ليعود للإنسان قبل التقنية.

ومع ختام اليوم الأول، بات واضحاً أن هذا الملتقى لن يكون تكراراً لنسخة سابقة، بل محطة تُمهّد لتقارير أعمق، وتغطية أوسع.


العواصف الشمسية خطر متزايد يهدد الأقمار الاصطناعية

العواصف الشمسية خطر متزايد يهدد الأقمار الاصطناعية
TT

العواصف الشمسية خطر متزايد يهدد الأقمار الاصطناعية

العواصف الشمسية خطر متزايد يهدد الأقمار الاصطناعية

يزداد عدد الأقمار الاصطناعية في المدار بمعدل هائل، لكننا لا نملك حتى الآن فهماً جيداً لمدى تأثرها بالعواصف الشمسية -وسوف تتفاقم هذه المشكلة مع الزمن.

شبكة أقمار اصطناعية عملاقة

تنتشر الأقمار الاصطناعية في شبكة عملاقة حول الكوكب، تغطي الكرة الأرضية بأكملها تقريباً، وقد أطلقت شركة «سبيس إكس» وحدها أكثر من 10 آلاف قمر اصطناعي إلى كوكبة ««ستارلينك»» الضخمة للإنترنت الفضائي منذ مايو (أيار) 2019، وقد عاد نحو 1000 منها إلى الغلاف الجوي للأرض بمعدل واحد أو اثنين يومياً.

ويرجح وجود هذا العدد الكبير أن تؤثر على بعض منها العاصفة الشمسية -والعاصفة الجيومغناطيسية المصاحبة لها التي تحدث على الأرض عندما يتقلب المجال المغناطيسي لكوكبنا استجابةً للجسيمات المشحونة والمجالات المغناطيسية من الشمس.

• دراسة آثار العواصف الشمسية: لدراسة آثار مثل هذه العواصف على شبكة «ستارلينك»، قامت إيونجو كانغ، من جامعة كاليفورنيا في إيرفين، وزملاؤها، بدراسة بيانات تتبع الأقمار الاصطناعية العامة المأخوذة خلال عاصفة شمسية في مايو 2024، ووجدوا أنه في ذروة العاصفة، سجلت أقمار «ستارلينك» الاصطناعية التي كانت على جانب الأرض المواجه للشمس، انخفاضاً في الارتفاع يصل إلى نصف كيلومتر -وهو انخفاض طفيف في مداراتها التي تمتد لـ550 كيلومتراً، ولكنه لا يزال كبيراً، نتيجة تأثر الغلاف الجوي بالإشعاع الشمسي الوارد، مما تسبب في إحداث مقاومة لعمل الأقمار الاصطناعية.

كما تأثرت الأقمار الاصطناعية في مناطق أخرى بشكل كبير أيضاً، مثل تلك القريبة من قطبي الأرض، حيث يقوم المجال المغناطيسي لكوكبنا بتوجيه مزيد من الجسيمات المشحونة من الشمس، وتلك الموجودة فوق منطقة في أميركا الجنوبية تسمى شذوذ جنوب الأطلسي حيث يكون المجال المغناطيسي للكوكب أضعف لأسباب غير معروفة، وبالتالي يكون الغلاف الجوي أكثر عرضة للنشاط الشمسي.

• انزياح قمر اصطناعي يؤثر على كل الشبكة: ووفقاً للبيانات التي حصل عليها الفريق، فقد أدى ذلك إلى خلق تأثير غير عادي في الكوكبة، كما تقول كانغ: «إذا فقد أحد الأقمار الاصطناعية ارتفاعه، فسيتعين على القمر الاصطناعي المجاور تعويض ذلك أيضاً»، مستخدماً دافعاته الأيونية لمطابقة القمر الاصطناعي المتأثر تلقائياً، لأن الأقمار الاصطناعية يتواصل بعضها مع بعض عبر «ليزرات متابعة» للحفاظ على الشبكة، مما يُحدث تأثيراً متموجاً تتبعه الأقمار الاصطناعية الأخرى في السلسلة.

«حركة موجية» لأقمار الشبكة

وعلقت سانجيثا عبده جيوثي، عضوة فريق البحث، من جامعة كاليفورنيا في إيرفين: «إنه فعل يشبه الأمواج». وقد يُسبب ذلك مشكلات للأقمار الاصطناعية الأخرى التي تحاول التنقل حول كوكبة «ستارلينك» لتجنب الاصطدام. وتضيف سانجيثا عبده جيوثي: «عندما تكون قدرتنا على التنبؤ بالمسارات أقل، فقد يزيد ذلك من خطر الاصطدام».

كما تُلقي بيانات عامة أخرى الضوء على تأثير العواصف الشمسية، إذ يستخدم بعض عملاء «ستارلينك» خدمة عبر الإنترنت تُسمى «RIPE Atlas» لتشارك المعلومات حول حالات اتصالاتهم. وباستخدام هذه البيانات وجد الفريق أنه تم الإبلاغ عن انقطاعات في الشبكة خلال العاصفة الشمسية في مايو 2024، نتيجة تعطل الأقمار الاصطناعية. وتقول كانغ: «حدث ارتفاع مفاجئ في فقدان حزم البيانات»، حيث لا تصل البيانات إلى وجهتها المقصودة. ومع عاصفة شمسية ضخمة، سيكون الوضع أسوأ بكثير. لكننا لا نعرف إلى أي مدى سيزداد سوءاً.

• احتراق واصطدام الأقمار الاصطناعية: يسلط البحث الضوء على المشكلات التي ستواجهها مجموعات أقمار مثل «ستارلينك» -بالإضافة إلى مجموعات قيد التطوير مثل مشروع كويبر التابع لشركة «أمازون» وعديد من الجهود المبذولة في الصين- بسبب النشاط الشمسي، لا من حيث الاتصالات، فحسب، بل أيضاً في تجنب التغييرات الكبيرة في الموقع التي قد تسبب اصطداماً بأقمار اصطناعية أخرى.

في فبراير (شباط) 2022، أسقطت عاصفة شمسية قوية نحو 40 قمراً اصطناعياً من «ستارلينك» أُطلقت حديثاً إلى الغلاف الجوي، حيث احترقت. وفي وقت سابق من هذا العام، أظهرت أبحاث أخرى أن زيادة النشاط الشمسي تُسرّع من زوال بعض أقمار «ستارلينك».

• توقعات مستقبلية: كانت العاصفة الشمسية في مايو 2024 أضعف بثلاث مرات تقريباً من أكبر عاصفة شمسية مُسجَّلة، وهي عاصفة كارينغتون عام 1859. ومن المُرجَّح أن تضرب عاصفة قوية بذلك الحجم القياسي الأرض مرة أخرى في وقت ما، مُسبِّبةً مشكلات كبيرة مُحتملة لمُشغِّلي الأبراج الضخمة.

وتقول سانجيثا عبده جيوثي: «مع عاصفة كبيرة جداً، سيكون الوضع أسوأ بكثير. لكننا لا نعرف إلى أي مدى سيزداد سوءاً». في الوقت الحالي، نأمل أن يكون لدينا بعض الوقت للاستعداد.

ضربت عاصفة مايو 2024 خلال ذروة نشاط الشمس، الذي يعمل وفق دورة مدتها 22 عاماً. ومن الناحية النظرية، يُمكن أن تضرب عاصفة قوية في أي لحظة، ولكن قد يزداد احتمال حدوثها في أربعينات القرن الحادي والعشرين، عندما يبلغ نشاط النجم ذروته مرة أخرى.

بحلول ذلك الوقت، من المُرجَّح أن تكون هناك عشرات الآلاف، إن لم تكن مئات الآلاف، من الأقمار الاصطناعية في المدار، مُقارنةً بنحو 13000 قمر اصطناعي في المدار حالياً.

يقول سكوت شامبو، مؤسس شركة «ليونيد سبيس» الأميركية التي تتتبع تأثير الطقس الفضائي على الأقمار الاصطناعية: «تزداد المشكلة تعقيداً كلما زاد عدد الأقمار الاصطناعية». ويضيف: «عندما تضرب عاصفة شمسية، لا نملك حتى الآن نماذج تنبؤية دقيقة لكيفية تأثيرها على المدى القصير. هذا يعني أنه خلال الساعات أو الأيام القادمة -بعد العاصفة- لن تكون أقمارك الاصطناعية في مكانها المعهود».

* مجلة «نيوساينتست»، خدمات «تريبيون ميديا».

حقائق

13000

قمر اصطناعي في المدار حالياً


سفينة شحن فرنسية لعبور المحيطات تعمل بطاقة الرياح

سفينة شحن فرنسية لعبور المحيطات تعمل بطاقة الرياح
TT

سفينة شحن فرنسية لعبور المحيطات تعمل بطاقة الرياح

سفينة شحن فرنسية لعبور المحيطات تعمل بطاقة الرياح

كشفت شركة «فيلا (Vela)» الفرنسية الناشئة عن سفينة شحن تعمل بطاقة الرياح بنسبة 100 في المائة، يمكن أن تعيد تعريف مفهوم النقل البحري المستدام.

يخت سباق بيئي

صُممت السفينة على طراز يخوت السباق، وتمزج بين السرعة والكفاءة والأداء البيئي؛ إذ يمكنها خفض الانبعاثات بنسبة 90 في المائة، مقارنة بسفن الشحن التقليدية، وبنسبة 99 في المائة مقارنة بالنقل الجوي. لكن الابتكار الحقيقي لا يكمن فقط في نظام الدفع، بل أيضاً في معالجة الاختناقات التي تحدث عادة في الموانئ، والتي تؤخر حركة الشحن العالمية.

أنظمة ملاحة متطورة ترصد أفضل اتجاهات الرياح

تتميز سفينة «فيلا» بهيكل «ثلاثي البدن (Trimaran)» يمنحها ثباتاً عالياً وسرعة كبيرة، مع سارية مصنوعة من ألياف الكربون، وأشرعة من أقمشة عالية الأداء، مستوحاة من تكنولوجيا سباقات اليخوت. وتستخدم السفينة أنظمة ملاحة متطورة لتحديد المسارات التي تستفيد من أفضل اتجاهات الرياح خلال عبور المحيط الأطلسي.

ويقول مايكل فرنانديز فيري، المؤسس المشارك للشركة: «الأمر لا يتعلق بالمظاهر، بل بالسرعة في العمليات؛ لأن السرعة عامل بالغ الأهمية». وبهذه الطريقة تجمع «فيلا» بين الاستدامة والموثوقية، وهما سمتان نادراً ما تجتمعان في النقل البحري.

تنقل السلع الفاخرة «الحساسة» بدلاً من الطائرات

تستهدف السفينة فئة محددة من سلاسل التوريد: السلع الفاخرة والحساسة للوقت، مثل المستحضرات الصيدلانية ومستحضرات التجميل الفاخرة. فبالنسبة إلى الشركات المنتجة هذه السلع، يمثل الشحن الجوي أحد أكبر مصادر الانبعاثات الكربونية، بينما يُعد النقل البحري خياراً أنظف، إلا إنه يعاني من ازدحام وتأخير في الموانئ.

ومع ازدياد حجم سفن الشحن الحديثة، لم يعد بإمكانها سوى الرسو في عدد محدود من الموانئ الكبرى؛ مما أدى إلى اختناقات مزمنة. أما سفينة «فيلا» فهي أصغر حجماً؛ بطول 220 قدماً فقط، وسعتها 600 منصة، أو رف شحن؛ مما يمكّنها من الوصول إلى موانئ أقل ازدحاماً، ومن تقليل وقت التحميل والتفريغ الذي قد يصل إلى أسبوع للسفن العملاقة الناقلة للحاويات.

سرعة مماثلة لمحركات الديزل

ورغم اعتمادها الكامل على الرياح، فإن سرعتها في عبور المحيط تقترب جداً من سرعة السفن العاملة بالديزل؛ إذ، وفقاً لأنماط الرياح الموسمية، سيمكنها قطع الرحلة من أوروبا إلى الولايات المتحدة فيما بين 10 أيام و13 يوماً، وهي مدة قريبة من الـ9 أو الـ10 أيام التي تستغرقها السفن التقليدية. ومع وفورات الوقت في الموانئ، تصبح مدة التسليم الإجمالية أقصر وأعلى انتظاماً. أما الرحلات من الولايات المتحدة إلى فرنسا، فيمكن إتمامها في 12 يوماً فقط بدلاً من شهرين عبر المسارات التقليدية. كما أن تكلفتها أقل من الشحن الجوي.

طاقة شمسية لتوليد الكهرباء

وتتجاوز التزامات «فيلا» البيئية مسألة طاقة الرياح؛ إذ تغطي سطح السفينة ألواح شمسية بمساحة تزيد على 2500 قدم مربعة لتوليد الكهرباء وتخزينها في بطاريات، إضافة إلى مولدات مائية تنتج الطاقة خلال الحركة. وتغذي هذه الأنظمة التبريد اللازم للبضائع الحساسة وأنظمة السفينة الأخرى؛ مما يجعل التشغيل شبه خالٍ من الانبعاثات، باستثناء المناورة داخل الموانئ. كما أن هيكل السفينة المصنوع من الألمنيوم يجعلها أخف وزناً وأعلى كفاءة وأسهل في إعادة التدوير عند نهاية عمرها التشغيلي.

وتتميز السفينة أيضاً بانخفاض الضوضاء البحرية؛ مما يقلل إزعاج الحيتان والكائنات المائية، كما أنها لا تفرغ مياه التوازن أو الوقود في البحر؛ مما يحمي النظم البيئية... كل ذلك يجعلها سفينة تجمع بين الأداء العالي والوعي البيئي.

رحلات أسبوعية عبر «الأطلسي»

ويجري حالياً بناء أول سفينة «فيلا» في الفلبين بحوض لبناء السفن مختص في الهياكل الثلاثية المصنوعة من الألمنيوم. ومن المقرر أن تبحر إلى فرنسا في الربيع المقبل، لتبدأ الخدمة التجارية بعد عام لشركات مثل «تاكيدا» للأدوية، و«إيكوسنس»، و«غرين تك». وتخطط الشركة لبناء أسطول مكون من 5 سفن لتسيير رحلات أسبوعية عبر «الأطلسي». وعلى المدى البعيد، تعتزم ترخيص تقنيتها لشركاء دوليين لتوسيع خطوط الملاحة في مناطق أخرى من العالم.

ويرى فرنانديز فيري مستقبلاً «شبكياً» يعتمد على لاعبين محليين يستخدمون تقنيات «فيلا» لتطوير النقل الشراعي إلى أقصى إمكاناته. وإذا نجحت الشركة، فقد تمثل هذه الخطوة تحولاً جذرياً في عالم الشحن التجاري، حيث تلتقي التكنولوجيا المتقدمة بالطاقة النظيفة لجعل النقل البحري سريعاً وخالياً من الانبعاثات.

* باختصار من مجلة «فاست كومباني»

خدمات «تريبيون ميديا»