جينات الأم والأب... كيف يغيِّر مصدرها مسار صحتك للأفضل أو للأسوأ؟

قد تحميك من مرض خطير وقد تزيد خطره... حسب مجيئها من الوالد أو من الوالدة

جينات الأم والأب... كيف يغيِّر مصدرها مسار صحتك للأفضل أو للأسوأ؟
TT

جينات الأم والأب... كيف يغيِّر مصدرها مسار صحتك للأفضل أو للأسوأ؟

جينات الأم والأب... كيف يغيِّر مصدرها مسار صحتك للأفضل أو للأسوأ؟

لم تعد الوراثة كما كنا نتصورها مجرَّد حروف من الحمض النووي (دي إن إيه) DNA تنتقل عشوائياً من جيل إلى آخر؛ بل اتضح أن جهة المصدر -أي هل الجين من الأم أم من الأب- قد تقلب المعادلة رأساً على عقب.

اكتشاف علمي حديث

في أحدث اكتشاف علمي، كشف باحثون أن بعض الجينات قد تحميك من مرض خطير إذا ورثتها من أحد والديك؛ لكنها قد تزيد الخطر نفسه إذا جاءت من الآخر، في ظاهرة قد تعيد رسم مستقبل الطب الشخصي.

واستخدم الفريق نموذجاً إحصائياً مبتكراً أتاح له تحديد ما لا يقل عن 30 تأثيراً مرتبطاً بمصدر الجين في 14 جيناً وذلك دون الحاجة إلى جمع عينات من الحمض النووي للأبوين. واللافت أن 19 من هذه التأثيرات كانت «ثنائية القطب»؛ أي أن الجين نفسه قد يسبب نتائج صحية مختلفة، أو حتى معاكسة؛ حسب مصدره.

وعلى سبيل المثال، وجد الباحثون أن أحد المتغيرات الجينية يزيد خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني بنسبة 14 في المائة إذا جاء من الأب؛ لكنه يقلل الخطر بنسبة 9 في المائة إذا جاء من الأم.

الوراثة ليست مجرد نسخ متطابقة

عادة ما يفترض العلماء أن تأثير أي جين يعتمد على عدد نسخه لدى الشخص، بغض النظر عن مصدره. ولكن الحقيقة أكثر تعقيداً؛ إذ إن بعض الجينات تتصرف بشكل مختلف إذا جاءت من الأم أو من الأب. وهذه الظاهرة تُعرف علمياً باسم تأثيرات أصل الوالد Parent-of-Origin Effects (POEs).

وفي بعض الحالات يرجع ذلك لما تُسمى «الطباعة الجينية» (Genomic Imprinting)، وهي عملية يتم فيها إيقاف عمل نسخة الجين القادمة من أحد الوالدين، بينما تبقى النسخة الأخرى فعَّالة. ويُعتقد أن هذه الظاهرة قد تكون جزءاً من «صراع تطوري» بين الجينات الأمومية والأبوية، حول كمية الموارد التي يحصل عليها الجنين، ما ينعكس لاحقاً على صحته ونموه.

تجاوز عقبة نقص بيانات الأبوين

إحدى أكبر العقبات أمام دراسة هذه الظاهرة كانت غياب بيانات الحمض النووي من الأبوين في معظم قواعد البيانات الجينية، ما جعل البحث على نطاق واسع أمراً صعباً.

لكن الفريق البحثي بقيادة روبن هوفمايستر من جامعة لوزان في سويسرا، بالتعاون مع باحثين آخرين، ابتكر طريقة ذكية لتجاوز هذه العقبة في الدراسة التي نُشرت في مجلة «Nature» في 6 أغسطس (آب) 2025، باستخدام بيانات «البنك الحيوي البريطاني» الذي يضم سجلات وراثية وصحية لمئات الآلاف من الأشخاص، تمكنوا من تحديد مصدر الجين (أم أو أب) بدقة تصل إلى 98 في المائة، عبر تحليل أنماط الوراثة بين الإخوة، وفحص الحمض النووي الميتوكوندري (الموروث من الأم فقط) ومعلومات الكروموسوم إكس (X).

وبهذه الطريقة، حدد العلماء أصل الوالدين للبيانات الجينية لما يقرب من 287 ألف شخص، وركزوا دراستهم المتعمقة على أكثر من 109 آلاف مشارك بريطاني من أصول أوروبية.

نتائج مثيرة وغير متوقعة

عند فحص 59 سمة صحية معقدة، مثل مستويات الكوليسترول والطول وخطر الإصابة بالسكري، إضافة إلى أكثر من 14 ألف بروتين في الدم، اكتشف الباحثون 34 تأثيراً واضحاً لأصل الوالدين.

وكان هناك 19 تأثيراً ثنائي القطب من بين هذه التأثيرات؛ حيث يختلف تأثير المتغير الجيني نفسه بشكل معاكس تبعاً لمصدره.

وعلى سبيل المثال، وُجد أن متغيراً معيناً بالقرب من الجينين KLF14 وMEST يخفض مستويات الدهون الثلاثية إذا جاء من الأم؛ لكنه يرفعها إذا جاء من الأب.

وفي مثال آخر متغير في جين TERC الذي يساعد في الحفاظ على أطراف الكروموسومات (التيلوميرات) يؤدي إلى تقصير التيلوميرات أكثر إذا جاء من الأب مقارنة بالأم. وتقصر التيلوميرات عادة مع التقدم في العمر، وقد يرتبط ذلك بأمراض مزمنة وأمراض الشيخوخة.

كما وجد الباحثون متغيرات مرتبطة بزيادة أو تقليل خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، مثل منطقة الجين H19/IGF2؛ حيث يزيد المتغير الموروث من الأب خطر الإصابة بنسبة 25 في المائة، بينما يُظهر المتغير نفسه من الأم تأثيراً وقائياً.

من الطفولة إلى البلوغ

المثير أن بعض هذه التأثيرات تبدأ منذ مرحلة الطفولة وتستمر حتى البلوغ. فمثلاً هناك متغيرات تؤثر على طول الشخص منذ سنوات النمو الأولى، وأخرى تؤثر على مؤشر كتلة الجسم بشكل متعاكس؛ إذ يزداد المؤشر في الطفولة إذا جاء المتغير من الأم؛ لكنه ينخفض في البلوغ.

كما رُصدت تأثيرات على بروتينات في الدم، بعضها كان معروفاً من قبل، مثل: DLK1 وCPA4، وبعضها الآخر يُكتشف لأول مرة مثل: PER3 وADAM23، وهو ما قد يكشف آليات بيولوجية جديدة لم تكن معروفة.

تأكيد النتائج خارج بريطانيا

لتأكيد دقة النتائج، طبَّق الباحثون الأسلوب نفسه على بيانات «البنك الحيوي الإستوني» الذي يضم أكثر من 85 ألف شخص، ونجحوا في تكرار 87 في المائة من النتائج، ما يثبت أن الظاهرة لا ترتبط بمجتمع معين؛ بل هي جزء من علم الوراثة البشري عموماً.

أهمية هذا الاكتشاف

تُعد هذه الدراسة -حتى الآن- أكبر خريطة علمية لتأثيرات الجينات الأمومية والأبوية على صحتنا، وتؤكد أن هذه الظواهر ليست نادرة؛ بل شائعة.

والأمر لا يقتصر على المعرفة الأكاديمية؛ بل قد يكون له أثر مباشر في تطوير الطب الشخصي (Personalized Medicine)؛ حيث يمكن أن يساعد معرفة مصدر الجين في تحسين التنبؤ بالمخاطر الصحية ووضع استراتيجيات علاجية أدق.

ورغم أن هذه الطريقة لا تستطيع دائماً التمييز بين تأثير الطباعة الجينية والعوامل البيئية المرتبطة بالوالد، فإن دقتها العالية تفتح الباب أمام بحوث أوسع عالمياً.

ويختتم مؤلفو الدراسة قولهم بأن تأثيرات أصل الوالدين تمثل بُعداً مهماً لم يكن يُقدَّر حق قدره في علم الوراثة. ومع هذه التقنيات أصبح بإمكاننا أن نقترب أكثر من فهم كيف تشكِّلنا جيناتنا؛ ليس من أي والد أتت فقط؛ بل كيف تتفاعل طوال حياتنا.


مقالات ذات صلة

العلماء يكتشفون فوضى الحمض النووي المخفية... داخل أجسامنا

علوم العلماء يكتشفون فوضى الحمض النووي المخفية... داخل أجسامنا

العلماء يكتشفون فوضى الحمض النووي المخفية... داخل أجسامنا

كل منا يحمل فسيفساء معقدة من الاختلافات الجينية... ولا توجد خليتان متطابقتان تماماً

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
علوم شكل تصويري بالكمبيوتر لتدهور الخلايا العصبية المسبب للأمراض العصبية الحركية

اكتشاف روابط جينية مشتركة بين أمراض الخلايا العصبية الحركية

دراسة الاضطرابات المتعددة والمترابطة معاً يمكن أن تكشف عن مسارات بيولوجية متماثلة 

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
علوم تصوير مقطعي محوسب لكلية مصابة بالتكيسات والحصى

تقنية تعديل الجينات تمنح أمل علاج مرض كلوي وراثي شائع

أكياس تتسبب في ارتفاع ضغط الدم، والالتهابات، والآلام الشديدة، وتتطلب الغسيل، أو الزراعة

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
علوم مشاكل السمع لدى الأطفال تتراوح بين ضعفه وفقدانه بسبب عوامل وراثية

توحيد الجهود العالمية لتطوير علاج جيني آمن وفعّال لفقدان السمع الوراثي

إرسال نسخة سليمة من «الجين المحول للصوت إلى إشارات عصبية» للأذن الداخلية

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
علوم الجينات والالتهابات وراء تراجع أسرع في الذاكرة لدى النساء

الجينات والالتهابات وراء تراجع أسرع في الذاكرة لدى النساء

الأدوية الحالية لا تضع في الحسبان الفروق بين الجنسين والعوامل الخاصة بالنساء

د. وفا جاسم الرجب (لندن)

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟
TT

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

في سباق محتدم لنشر نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسواق العالمية، تفترض العديد من الشركات أن «النموذج الإنجليزي ← المترجم» كافٍ لذلك.

اللغة- ثقافة وأعراف

ولكن إذا كنتَ مسؤولاً تنفيذياً أميركياً تستعد للتوسع في آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد يكون هذا الافتراض أكبر نقطة ضعف لديك. ففي تلك المناطق، ليست اللغة مجرد تفصيل في التغليف: إنها الثقافة والأعراف والقيم ومنطق العمل، كلها مُدمجة في شيء واحد.

وإذا لم يُبدّل نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك تسلسل رموزه الكمبيوترية فلن يكون أداؤه ضعيفاً فحسب؛ بل قد يُسيء التفسير أو يُسيء المواءمة مع الوضع الجديد أو يُسيء خدمة سوقك الجديدة.

الفجوة بين التعدد اللغوي والثقافي في برامج الدردشة الذكية

لا تزال معظم النماذج الرئيسية مُدربة بشكل أساسي على مجموعات النصوص باللغة الإنجليزية، وهذا يُسبب عيباً مزدوجاً عند نشرها بلغات أخرى. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن اللغات غير الإنجليزية والمعقدة لغويا غالباً ما تتطلب رموزاً أكثر (وبالتالي تكلفةً وحساباً) لكل وحدة نصية بمقدار 3-5 أضعاف مقارنةً باللغة الإنجليزية.

ووجدت ورقة بحثية أخرى أن نحو 1.5 مليار شخص يتحدثون لغات منخفضة الموارد يواجهون تكلفة أعلى وأداءً أسوأ عند استخدام نماذج اللغة الإنجليزية السائدة.

والنتيجة: قد يتعثر نموذج يعمل جيداً للمستخدمين الأميركيين، عند عمله في الهند أو الخليج العربي أو جنوب شرق آسيا، ليس لأن مشكلة العمل أصعب، ولكن لأن النظام يفتقر إلى البنية التحتية الثقافية واللغوية اللازمة للتعامل معها.

«ميسترال سابا» نظام الذكاء الاصطناعي الفرنسي مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا

مثال «ميسترال سابا» الإقليمي جدير بالذكر

لنأخذ نموذج «ميسترال سابا» (Mistral Saba)، الذي أطلقته شركة ميسترال للذكاء الاصطناعي الفرنسية كنموذج مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا (التاميلية والمالايالامية... إلخ). تشيد «ميسترال» بأن «(سابا) يوفر استجابات أكثر دقة وملاءمة من النماذج التي يبلغ حجمها 5 أضعاف» عند استخدامه في تلك المناطق. لكن أداءه أيضاً أقل من المتوقع في معايير اللغة الإنجليزية.

وهذه هي النقطة المهمة: السياق أهم من الحجم. قد يكون النموذج أصغر حجماً ولكنه أذكى بكثير بالنسبة لمكانه.

بالنسبة لشركة أميركية تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو سوق جنوب آسيا، هذا يعني أن استراتيجيتك «العالمية» للذكاء الاصطناعي ليست عالمية ما لم تحترم اللغات والمصطلحات واللوائح والسياق المحلي.

تكاليف الرموز والتحيز اللغوي

من منظور الأعمال، تُعدّ التفاصيل التقنية للترميز أمراً بالغ الأهمية. تشير مقالة حديثة إلى أن تكاليف الاستدلال في اللغة الصينية قد تكون ضعف تكلفة اللغة الإنجليزية، بينما بالنسبة للغات مثل الشان أو البورمية، يمكن أن يصل تضخم عدد الرموز إلى 15 ضعفاً.

هذا يعني أنه إذا استخدم نموذجك ترميزاً قائماً على اللغة الإنجليزية ونشرتَه في أسواق غير إنجليزية، فإن تكلفة الاستخدام سترتفع بشكل كبير، أو تنخفض الجودة بسبب تقليل الرموز. ولأن مجموعة التدريب الخاصة بك كانت تركز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية، فقد يفتقر «نموذجك الأساسي» إلى العمق الدلالي في لغات أخرى.

أضف إلى هذا المزيج اختلافات الثقافة والمعايير: النبرة، والمراجع، وممارسات العمل، والافتراضات الثقافية، وما إلى ذلك، وستصل إلى مجموعة تنافسية مختلفة تماماً: ليس «هل كنا دقيقين» بل «هل كنا ملائمين».

التوسع في الخارج

لماذا يهم هذا الأمر المديرين التنفيذيين الذين يتوسعون في الخارج؟

إذا كنت تقود شركة أميركية أو توسّع نطاق شركة ناشئة في الأسواق الدولية، فإليك ثلاثة آثار:

-اختيار النموذج ليس حلاً واحداً يناسب الجميع: قد تحتاج إلى نموذج إقليمي أو طبقة ضبط دقيقة متخصصة، وليس فقط أكبر نموذج إنجليزي يمكنك ترخيصه.

-يختلف هيكل التكلفة باختلاف اللغة والمنطقة: فتضخم الرموز وعدم كفاءة الترميز يعنيان أن تكلفة الوحدة في الأسواق غير الإنجليزية ستكون أعلى على الأرجح، ما لم تخطط لذلك.

-مخاطر العلامة التجارية وتجربة المستخدم ثقافية: فبرنامج الدردشة الآلي الذي يسيء فهم السياق المحلي الأساسي (مثل التقويم الديني، والمصطلحات المحلية، والمعايير التنظيمية) سيُضعف الثقة بشكل أسرع من الاستجابة البطيئة.

بناء استراتيجية ذكاء اصطناعي متعددة اللغات واعية ثقافياً

للمديرين التنفيذيين الجاهزين للبيع والخدمة والعمل في الأسواق العالمية، إليكم خطوات عملية:

• حدّد اللغات والأسواق كميزات من الدرجة الأولى. قبل اختيار نموذجك الأكبر، اذكر أسواقك ولغاتك ومعاييرك المحلية وأولويات عملك. إذا كانت اللغات العربية أو الهندية أو الملايوية أو التايلاندية مهمة، فلا تتعامل معها كـ«ترجمات» بل كحالات استخدام من الدرجة الأولى.

• فكّر في النماذج الإقليمية أو النشر المشترك. قد يتعامل نموذج مثل «Mistral Saba» مع المحتوى العربي بتكلفة أقل ودقة أكبر وبأسلوب أصلي أكثر من نموذج إنجليزي عام مُعدّل بدقة.

• خطط لتضخم تكلفة الرموز. استخدم أدوات مقارنة الأسعار. قد تبلغ تكلفة النموذج في الولايات المتحدة «س» دولاراً أميركياً لكل مليون رمز، ولكن إذا كان النشر تركياً أو تايلاندياً، فقد تكون التكلفة الفعلية ضعف ذلك أو أكثر.

• لا تحسّن اللغة فقط، بل الثقافة ومنطق العمل أيضاً. لا ينبغي أن تقتصر مجموعات البيانات المحلية على اللغة فحسب، بل ينبغي أن تشمل السياق الإقليمي: اللوائح، وعادات الأعمال، والمصطلحات الاصطلاحية، وأطر المخاطر.

صمم بهدف التبديل والتقييم النشطين. لا تفترض أن نموذجك العالمي سيعمل محلياً. انشر اختبارات تجريبية، وقيّم النموذج بناءً على معايير محلية، واختبر قبول المستخدمين، وأدرج الحوكمة المحلية في عملية الطرح.

المنظور الأخلاقي والاستراتيجية الأوسع

عندما تُفضّل نماذج الذكاء الاصطناعي المعايير الإنجليزية والناطقة بالإنجليزية، فإننا نُخاطر بتعزيز الهيمنة الثقافية.

كمسؤولين تنفيذيين، من المغري التفكير «سنترجم لاحقاً». لكن الترجمة وحدها لا تُعالج تضخم القيمة الرمزية، وعدم التوافق الدلالي، وعدم الأهمية الثقافية. يكمن التحدي الحقيقي في جعل الذكاء الاصطناعي مُتجذراً محلياً وقابلاً للتوسع عالمياً.

إذا كنت تُراهن على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم توسعك في أسواق جديدة، فلا تُعامل اللغة كحاشية هامشية. فاللغة بنية تحتية، والطلاقة الثقافية ميزة تنافسية. أما التكاليف الرمزية وتفاوتات الأداء فليست تقنية فحسب، بل إنها استراتيجية.

في عالم الذكاء الاصطناعي، كانت اللغة الإنجليزية هي الطريق الأقل مقاومة. ولكن ما هي حدود نموك التالية؟ قد يتطلب الأمر لغةً وثقافةً وهياكل تكلفة تُمثل عوامل تمييز أكثر منها عقبات.

اختر نموذجك ولغاتك واستراتيجية طرحك، لا بناءً على عدد المعاملات، بل على مدى فهمه لسوقك. إن لم تفعل، فلن تتخلف في الأداء فحسب، بل ستتخلف أيضاً في المصداقية والأهمية.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
TT

الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

في مدينةٍ لا تهدأ، وتحديداً في مركز «جاڤِتس» على ضفاف نهر هدسون، اختتمت أمس أعمال اجتماعات نيويورك السنوية لطبّ الأسنان، التي استمرت 5 أيام، أحد أكبر التجمعات العالمية للمهنة، بمشاركة نحو 50 ألف طبيب وخبير من أكثر من 150 دولة.

لم يكن الحدث مجرد مؤتمر، بل منصّة حيّة لمستقبل طبّ الأسنان؛ فبين أروقته تتقدّم التكنولوجيا بخطى ثابتة: من الروبوتات الجراحية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأشعة في ثوانٍ، وصولاً إلى تجارب التجديد الحيوي التي قد تغيّر شكل العلاج خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي نجم المؤتمر بلا منافس

كان الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لهذا العام، إذ جاء المؤتمر في لحظةٍ تتسارع فيها التحوّلات العلمية بسرعة تفوق قدرة المناهج التقليدية على مواكبتها. وقد برزت تقنيات محورية: أنظمة تحليل الأشعة الفورية، والمساعد السريري الذكي، والتخطيط الرقمي للابتسامة. وعلى امتداد القاعات، كان واضحاً أن هذه التقنيات لم تعد تجارب مختبرية، بل هي حلول جاهزة تغيّر طريقة ممارسة المهنة أمام أعيننا.

الروبوتات تدخل غرفة العمليات

شكّلت الجراحة الروبوتية محوراً لافتاً هذا العام، بعد أن عرضت شركات متخصصة أنظمة دقيقة تعتمد على بيانات الأشعة ثلاثية الأبعاد وتتكيف لحظياً مع حاجة الإجراء. وقد أظهرت العروض قدرة هذه الروبوتات على تنفيذ خطوات معقدة بثباتٍ يفوق اليد البشرية، مع تقليل هامش الخطأ ورفع مستوى الأمان الجراحي.

التجديد الحيوي... من الخيال إلى التجربة

عرضت جامعات نيويورك وكورنيل أبحاثاً حول بروتينات مثل «BMP-2»، وهو بروتين ينشّط نمو العظم، و«FGF-2» عامل يساعد الخلايا على الانقسام والتئام الأنسجة خصوصاً الألياف، إلى جانب تقنيات الخلايا الجذعية لإحياء الهياكل الدقيقة للسن.

في حديث مباشر مع «الشرق الأوسط»

وأثناء جولة «الشرق الأوسط» في معرض اجتماع نيويورك لطبّ الأسنان، التقت الدكتورة لورنا فلامر–كالديرا، الرئيس المنتخب لاجتماع نيويورك الكبرى لطب الأسنان، التي أكدت أنّ طبّ الأسنان يشهد «أكبر تحوّل منذ ثلاثة عقود»، مشيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت جزءاً فاعلاً في هذا التحوّل العالمي.

وأضافت الدكتورة لورنا، خلال حديثها مع الصحيفة في أروقة المؤتمر، أنّ اجتماع نيويورك «يتطلّع إلى بناء شراكات متقدمة مع جهات في السعودية، أسوة بالتعاون القائم مع الإمارات ومؤسسة (إندكس) وجهات دولية أخرى»، موضحة أنّ هناك «فرصاً واسعة للتعاون البحثي والتعليمي في مجالات الزراعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلاجات المتقدمة»، وأن هذا التوجّه ينسجم بطبيعة الحال مع طموحات «رؤية السعودية 2030».

العرب في قلب الحدث

شارك وفود من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والعراق في جلسات متقدمة حول الذكاء الاصطناعي والزراعة الرقمية، وكان حضور الوفود لافتاً في النقاشات العلمية، ما عكس الدور المتنامي للمنطقة في تشكيل مستقبل طبّ الأسنان عالمياً.

نيويورك... حيث يبدأ الغد

منذ بدايات اجتماع نيويورك قبل أكثر من قرن، بقيت المدينة مرآةً لتحوّلات المهنة ومختبراً مفتوحاً للمستقبل. وعلى امتداد 5 أيام من الجلسات والمحاضرات والورش العلمية، رسّخ اجتماع نيويورك السنوي مكانته كأكبر تجمع عالمي لطبّ الأسنان، وكمنصّة تُختبر فيها التقنيات التي ستعيد رسم ملامح المهنة في السنوات المقبلة. كما يقول ويليام جيمس، مؤسس الفلسفة البراغماتية الأميركية، إنّ أميركا ليست مكاناً، بل تجربة في صناعة المستقبل... وفي نيويورك تحديداً، يبدو مستقبل طبّ الأسنان قد بدأ بالفعل.


دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

أدت الزيادة الكبيرة في أعداد الأقمار الاصطناعية المتمركزة في مدار منخفض حول الأرض إلى تطورات في مجال الاتصالات، منها توفير خدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والنائية في أنحاء العالم.

لكنها تسببت أيضا في زيادة حادة في التلوث الضوئي في الفضاء، ما يشكل تهديدا لعمل المراصد الفلكية المدارية. وتشير دراسة جديدة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتركز على أربعة تلسكوبات فضائية، منها تلسكوبان يعملان حاليا وآخران يجري العمل عليهما، إلى أن نسبة كبيرة من الصور التي سيجري التقاطها بواسطة هذه المراصد على مدى العقد المقبل قد تتأثر بالضوء المنبعث أو المنعكس من الأقمار الاصطناعية التي تشترك معها في المدار المنخفض.

وخلص الباحثون إلى أن نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية. وقال الباحثون إن «هابل» سيكون أقل تأثرا بسبب مجال رؤيته الضيق.

والتلسكوبات المدارية عنصر أساسي في استكشاف الفضاء، نظرا لما تمتلكه من قدرة على رصد نطاق أوسع من الطيف الكهرومغناطيسي مقارنة بالتلسكوبات الأرضية، كما أن غياب التداخل مع العوامل الجوية يمكنها من التقاط صور أكثر وضوحا للكون، مما يتيح التصوير المباشر للمجرات البعيدة أو الكواكب خارج نظامنا الشمسي.

وقال أليخاندرو بورلاف، وهو عالم فلك من مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا وقائد الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر «في حين أن معظم تلوث الضوء حتى الآن صادر من المدن والمركبات، فإن زيادة مجموعات الأقمار الاصطناعية للاتصالات بدأ يؤثر بوتيرة أسرع على المراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف «في الوقت الذي ترصد فيه التلسكوبات الكون في مسعى لاستكشاف المجرات والكواكب والكويكبات البعيدة، تعترض الأقمار الاصطناعية في كثير من الأحيان مجال الرؤية أمام عدساتها، تاركة آثارا ضوئية ساطعة تمحو الإشارة الخافتة التي نستقبلها من الكون. كانت هذه مشكلة شائعة في التلسكوبات الأرضية. ولكن، كان يعتقد، قبل الآن، أن التلسكوبات الفضائية، الأكثر كلفة والمتمركزة في مواقع مراقبة مميزة في الفضاء، خالية تقريبا من التلوث الضوئي الناتج عن أنشطة الإنسان».

وفي 2019، كان هناك نحو ألفي قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. ويبلغ العدد الآن نحو 15 ألف قمر. وقال بورلاف إن المقترحات المقدمة من قطاع الفضاء تتوقع تمركز نحو 650 ألف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض خلال العقد المقبل.