علماء يعثرون على مصدر آخر للذهب في الكون

النجوم المغناطيسية قد تكون سبباً في 10 % من العناصر الأثقل من الحديد بمجرتنا

وجد الباحثون أدلة تُشير إلى أن النجم المغناطيسي يُطلق عناصر ثقيلة خلال التوهجات العملاقة (ناسا)
وجد الباحثون أدلة تُشير إلى أن النجم المغناطيسي يُطلق عناصر ثقيلة خلال التوهجات العملاقة (ناسا)
TT

علماء يعثرون على مصدر آخر للذهب في الكون

وجد الباحثون أدلة تُشير إلى أن النجم المغناطيسي يُطلق عناصر ثقيلة خلال التوهجات العملاقة (ناسا)
وجد الباحثون أدلة تُشير إلى أن النجم المغناطيسي يُطلق عناصر ثقيلة خلال التوهجات العملاقة (ناسا)

يحاول علماء الفلك تحديد الأصول الكونية لأثقل العناصر، مثل الذهب، منذ عقود. والآن، يشير بحث جديد يستند إلى ملاحظات من بيانات أرشيفية لبعثات فضائية، إلى دليل محتمل: النجوم المغناطيسية أو (النجوم النيوترونية شديدة المغناطيسية)، وفق ما ذكرته شبكة «سي إن إن» الأميركية.

ويعتقد العلماء أن عناصر أخف وزناً مثل الهيدروجين والهيليوم، وحتى كمية صغيرة من الليثيوم، ربما وُجدت في وقت مبكر بعد الانفجار العظيم الذي كوّن الكون قبل 13.8 مليار سنة. ثم أطلقت النجوم المتفجرة عناصر أثقل مثل الحديد، التي اندمجت في النجوم والكواكب حديثة الولادة. لكن توزيع الذهب، وهو أثقل من الحديد، في جميع أنحاء الكون شكّل لغزاً لعلماء الفيزياء الفلكية.

ويقول أنيرود باتيل، طالب الدكتوراه في الفيزياء بجامعة كولومبيا في نيويورك والمؤلف الرئيسي للدراسة التي نُشرت، الثلاثاء، في دورية «مجلة الفيزياء الفلكية»، في بيان: «إنه (أصل الذهب) سؤال جوهري للغاية. إنه لغزٌ مُثير للاهتمام لم يُحل بعدُ».

توهجات النجوم المغناطيسية

وفي السابق، كان يُربط إنتاج الذهب الكوني بتصادمات النجوم النيوترونية فقط. ورصد علماء الفلك تصادماً بين نجمين نيوترونيين عام 2017. وأطلق هذا الاصطدام تموجات في الزمكان، تُعرف باسم موجات الجاذبية، بالإضافة إلى ضوء من انفجار أشعة غاما. كما نتج عن هذا الاصطدام، المعروف باسم «كيلونوفا»، عناصر ثقيلة مثل الذهب والبلاتين والرصاص. وقد شُبّه «كيلونوفا» بأنه «مصنع» ذهب في الفضاء. ويُعتقد أن معظم اندماجات النجوم النيوترونية حدثت خلال مليارات السنين الماضية، وفقاً لإريك بيرنز، الباحث المشارك في الدراسة والأستاذ المساعد وعالم الفيزياء الفلكية في جامعة ولاية لويزيانا.

لكن بياناتٍ قديمة، عمرها 20 عاماً، مأخوذة من تلسكوبات وكالة «ناسا» ووكالة الفضاء الأوروبية، التي لم تكن قابلةً للفهم سابقاً، تُشير إلى أن التوهجات الصادرة عن النجوم المغناطيسية التي تشكلت قبل ذلك بكثير، خلال نشأة الكون، ربما وفرت طريقةً أخرى لتكوين الذهب، كما قال بيرنز.

والنجوم النيوترونية هي بقايا أنوية النجوم المنفجرة، وهي كثيفة لدرجة أن ملعقة صغيرة من مادة النجم تزن مليار طن على الأرض. والنجوم المغناطيسية نوع شديد السطوع من النجوم النيوترونية، يتميز بمجال مغناطيسي قوي للغاية.

ولا يزال علماء الفلك يحاولون تحديد كيفية تشكل النجوم المغناطيسية بدقة، لكنهم يفترضون أن النجوم المغناطيسية الأولى ظهرت على الأرجح بعد النجوم الأولى مباشرةً خلال نحو 200 مليون سنة من بداية الكون، أو منذ نحو 13.6 مليار سنة، وفقاً لبيرنز.

الزلازل النجمية

وفي بعض الأحيان، تُطلق النجوم المغناطيسية كميات هائلة من الإشعاع بسبب «الهزات النجمية». وعلى الأرض، تحدث الزلازل لأن نواة الأرض المنصهرة تُسبب حركة في قشرة الكوكب، وعندما يتراكم الضغط الكافي، ينتج عنه حركة متقلبة، أو اهتزاز الأرض تحت قدميك. والزلازل النجمية مُشابهة، كما قال بيرنز.

وأضاف بيرنز: «للنجوم النيوترونية قشرة ونواة فائقة السيولة». وأضاف: «الحركة تحت السطح تُسبب ضغطاً عليه، مما قد يُسبب في النهاية زلزالاً نجمياً. وتُنتج هذه الزلازل في النجوم المغناطيسية دفعات قصيرة جداً من الأشعة السينية. وهناك فترات يكون فيها النجم نشطاً بشكل خاص، مُنتجاً مئات أو آلاف التوهجات في غضون أسابيع قليلة».

ووجد الباحثون أدلة تُشير إلى أن النجم المغناطيسي يُطلق مواداً خلال التوهجات العملاقة. ومن المُرجح أن التوهجات تُسخن وتقذف مادة القشرة بسرعات عالية، وفقاً لبحث حديث أجراه العديد من المشاركين في الدراسة. وقال باتيل: «لقد افترضوا أن الظروف الفيزيائية لهذا القذف الكتلي المتفجر كانت واعدة لإنتاج العناصر الثقيلة (مثل الذهب)».

ويعتقد الباحثون أن التوهجات المغناطيسية العملاقة قد تكون مسؤولة عما يصل إلى 10 في المائة من العناصر الأثقل من الحديد في مجرة ​​درب التبانة.


مقالات ذات صلة

تحديد أفضل بقعة في المريخ لنزول البشر عليها

يوميات الشرق حلمُ إرسال بعثات بشرية مأهولة إلى المريخ يراود العلماء والمستكشفين (ناسا)

تحديد أفضل بقعة في المريخ لنزول البشر عليها

توصل فريق بحثي بقيادة جامعة ميسيسيبي الأميركية إلى تحديد موقع واعد قد يكون الأنسب لاستقبال أولى البعثات البشرية على سطح المريخ.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق كويكب يهدّد القمر (وكالة الفضاء الأوروبية)

كويكب يقترب من القمر: انفجار نووي مُحتمل عام 2032؟

احتمال اصطدام الكويكب «2024 YR4» بالقمر ارتفع إلى 4.3 في المائة، وفق بيانات جمعها التلسكوب «جيمس ويب» الفضائي في مايو.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم توقيع اتفاقية شراكة بين وكالة الفضاء الأفريقية ونظيرتها الأوروبية (وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المصرية)

وكالة الفضاء الأفريقية... طموح قاري يصطدم بنقص الموارد وتباين الأولويات

تمثل وكالة الفضاء الأفريقية التي افتُتح مقرها في القاهرة خلال أبريل الماضي أول كيان قاري موحّد لتطوير برامج الفضاء في القارة السمراء بدعم من الاتحاد الأفريقي

محمد السيد علي (القاهرة)
يوميات الشرق محكومون بالهشاشة أمام الفوضى الكوكبية المحتملة (ناسا)

الأرض مُهدَّدة بالطرد من النظام الشمسي

من المرجَّح أن تبتلع الشمس الأرض خلال مليارات السنوات المقبلة. لكن، هل يمكن أن يكون هناك نجم مارّ في مسار تصادمي مع نظامنا الشمسي، وربما مع الأرض في النهاية؟

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق تصور فني للكوكب المكتشف يدور حول قزم أحمر (جامعة وارويك)

كوكب عملاق يدور حول نجم صغير

اكتشف فريق دولي من علماء الفلك كوكباً عملاقاً يدور حول أصغر نجم معروف حتى الآن.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

مليارديرات التكنولوجيا يخوضون رهاناً محفوفاً بالمخاطر بشأن مستقبل البشرية

مليارديرات التكنولوجيا يخوضون رهاناً محفوفاً بالمخاطر بشأن مستقبل البشرية
TT

مليارديرات التكنولوجيا يخوضون رهاناً محفوفاً بالمخاطر بشأن مستقبل البشرية

مليارديرات التكنولوجيا يخوضون رهاناً محفوفاً بالمخاطر بشأن مستقبل البشرية

لطالما أسَرَتْ الرؤى المستقبلية العظيمة عبر التاريخ خيالَ البشرية. لكن قلة من العصور شهدت محاولات حثيثة لتحقيق تلك الرؤى، كما هي الحال الآن... في عصر الهيمنة التكنولوجية لـ«وادي السيليكون».

«رؤى» مليارديرات التكنولوجيا

ويتصدر طليعة هذا الحراك عمالقة التكنولوجيا، أمثال سام ألتمان وجيف بيزوس وإيلون ماسك، الذين تتجاوز طموحاتهم مجرد جمع الثروات... إذ يسعون لإعادة رسم مسار الإنسانية، واعدين بالخلاص عبر جهود الابتكار والتكنولوجيا، ومقدمين أنفسهم على أنهم «مهندسو مستقبل أنصع إشراقاً وأعلى سمواً».

وتدور الخطط الطموحة لهؤلاء الأشخاص حول مواءمة الذكاء الاصطناعي مع مصالح البشرية، وابتكار أنظمة فائقة الذكاء قادرة على حل أعقد المشكلات، بل ودمج وعي الإنسان مع الذكاء الاصطناعي، في مسعى نحو تحقيق حلم الخلود، وفقاً للكاتب بريان ستوفر في مجلة «تكنولوجي ريفيو».

أما خارج كوكب الأرض، فإنهم يحلمون بإنشاء مستعمرة ذاتية الاكتفاء على كوكب آخر، ونشر البشر في مختلف أرجاء الكون. ولا تُطرح هذه الأهداف بوصفها محطات تكنولوجية فقط، بل أيضاً بوصفها خطوات ضرورية لضمان بقاء الإنسانية وازدهارها.

مرتكزات فلسفية

وأصبح القول الشهير للمفكر ألان كاي إن «أفضل طريقة للتنبؤ بالمستقبل ابتكاره»، مبدأً توجيهياً لهؤلاء الرواد، يدفع بهم لاستخدام التكنولوجيا أداة لإعادة تشكيل الواقع.

وقد طرح آدم بيكر، أحد العلماء والكتّاب المختصين بمجال الفيزياء الفلكية، دراسة نقدية بعنوان: «مزيد من كل شيء إلى الأبد: أسياد الذكاء الاصطناعي... إمبراطوريات الفضاء... وحملة (وادي السيليكون) للسيطرة على مصير البشرية». وفي إطار الدراسة، أوضح أن هذه الحركة ترتكز إلى 3 معتقدات أساسية: الإيمان بأن التكنولوجيا قادرة على حل جميع المشكلات، والالتزام الراسخ بفكرة النمو المتواصل، والسعي الحثيث لتجاوز حدود الطبيعة البشرية.

* الإيمان المطلق بالتكنولوجيا: يأتي في قلب هذه الآيديولوجيا اعتقاد راسخ بقدرة التكنولوجيا على إحداث تحولات. ومن وجهة نظر ألتمان وبيزوس وماسك ومعاصريهم، فإن التكنولوجيا ليست مجرد وسيلة، بل هي دواء شامل يعالج حتى أعقد وأخطر التحديات التي تواجه البشرية.

من ناحيته، يرى بيكر أن هذا الإيمان يؤدي في كثير من الأحيان إلى تبسيط مفرط للمشكلات العالمية، وتحويلها إلى ألغاز تكنولوجية، بدلاً من النظر إليها بوصفها مشكلات متعددة الأبعاد تتطلب حلولاً متنوعة.

* الهوس بالنمو: تتمثل ركيزة أخرى لهذه الفلسفة في الالتزام بالنمو الدائم. وتتوافق هذه الفكرة على نحو وثيق مع مبادئ الرأسمالية، حيث يجري النظر إلى التوسع والتراكم بوصفهما ضرورة أخلاقية. وفي إطار «وادي السيليكون»، يجري تصوير النمو بوصفه مهمة أخلاقية تُبرر التوسع المستمر وزيادة النفوذ. إلا إن هذه النظرة، وفق التحليل، قد تقود إلى تدمير البيئة، والتهرب من اللوائح التنفيذية، وإهمال القضايا المعاصرة الملحّة.

* التجاوز والهروب (Transcendence and Escape): ربما يكون الجانب الأكبر إثارة في هذه الآيديولوجيا هو هوسها بالتجاوز، أي الرغبة في التحرر من قيود الجسد، والمكان، وحتى الموت. يتخيل هؤلاء الأثرياء، المعنيون بمجال التكنولوجيا، مستقبلاً لا تخضع فيه البشرية للحدود المادية، حيث يُعد الاندماج مع الذكاء الاصطناعي أو استعمار كواكب أخرى هروباً نهائياً من هشاشة الأرض. ويقارن بيكر هذا الجانب من فلسفتهم بالعقائد الدينية المرتبطة بيوم القيامة، حيث يُوعَد بالخلاص من يتبع المسار المرسوم.

مخاطر كامنة

* عواقب الخلاص التكنولوجي: رغم أن هذه الرؤى قد تبدو مُلهمة، فإن بيكر يحذر من المخاطر الكامنة في فكرة الخلاص عبر التكنولوجيا. ويرى أن هذه الآيديولوجيا تُستخدم لتبرير ممارسات كان من الممكن أن تُقابَل بانتقادات شديدة، مثل الإضرار بالبيئة، والتحايل على القوانين، وازدياد تركّز الثروة والنفوذ. ومن خلال التركيز على مستقبَلات متخيلة، يتمكن رواد التكنولوجيا من صرف الأنظار عن الأزمات الآنية، وصياغة سردية تُصوّر مساعيهم على أنها نبيلة وضرورية.

* تبسيط حلول القضايا المعقدة: من أبرز الانتقادات الموجهة لهذه الآيديولوجية ميلها إلى التبسيط المفرط. وغالباً ما يختزل أصحاب هذه الرؤى مشكلات كبرى، مثل «التغييرات» المناخية، والفجوة الطبقية، واضطراب الأوضاع السياسية، في إطار مسائل الابتكار التكنولوجي، متجاهلين الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لهذه الأزمات... الأمر الذي قد يؤدي إلى حلول مبهرة من الناحية التكنولوجية، لكنها غير ناجعة في معالجة الجذور الحقيقية للمشكلات.

ثمن بيئي باهظ وتمركز للسلطة

* الأثر البيئي: إن الإيمان بالنمو المستمر والسعي إلى تجاوز الطبيعة لا يأتيان من دون ثمن بيئي باهظ؛ سواء من خلال استخراج الموارد الطبيعية لتطوير التكنولوجيا، وتجاهل العواقب البيئية، وطموحات «وادي السيليكون» غالباً ما تتعارض مع متطلبات الاستدامة. ويحذر بيكر بأن هذه الممارسات قد تزيد من تفاقم الأزمات البيئية التي يدّعي هؤلاء أنهم يعملون على حلها.

* تمركز السلطة: تكمن مسألة أخرى مثيرة للقلق في ازدياد تركّز السلطة في أيدي قلة من أثرياء التكنولوجيا، إذ إن تقديم أنفسهم على أنهم منقذون للبشرية يمنحهم نفوذاً على صعيد السياسات العامة والاقتصاد، وحتى السرديات الثقافية. ويرى بيكر أن هذا التمركز يمكن أن يؤدي إلى مزيد من غياب المساواة وانعدام المساءلة، في عالم تُحدّد فيه قلة قليلة مصير الأغلبية.

التحرر من الوهم

رغم أن أحلام «وادي السيليكون» قد تأسر الخيال، فإن بيكر يدعو إلى نظرة أكبر واقعية، ويحث البشرية على إدراك أن هذه الرؤى ما هي في حقيقتها إلا ذريعة مناسبة لإعطاء الأولوية لأحلام المستقبل على الحقائق الحاضرة. ومن خلال تفكيك سردية الخلاص التكنولوجي، يمكن للمجتمع التركيز على مواجهة التحديات المباشرة وتعزيز مسار أفضل إنصافاً واستدامة.

* إعادة ترتيب الأولويات: للخروج من وهم الخلاص المستقبلي، يؤكد بيكر على ضرورة إعادة ترتيب الأولويات، فبدلاً من السعي وراء فردوس بعيد، ينبغي على البشرية أن تواجه الأزمات الحالية، مثل التدهور البيئي، وعدم العدالة الاجتماعية، والاضطراب السياسي. ويتطلب ذلك التزاماً بنهج شامل في حل المشكلات، واستعداداً لمساءلة الوضع القائم.

* مزيد من المساءلة: كما يدعو بيكر إلى تعزيز مساءلة أصحاب القرار في عالم التكنولوجيا. ورغم أن الابتكار له قيمته، فإنه ينبغي ألا يكون على حساب الأخلاقيات، والشفافية، والشمول. ومن خلال محاسبة هؤلاء على أفعالهم وتأثيراتهم، يمكن ضمان أن يكون التقدم في خدمة الجميع؛ لا نخبة محدودة.

* الابتكار في إطار أخلاقي: تشكل آيديولوجيا الخلاص التكنولوجي، كما تجسدها أسماء مثل ألتمان وبيزوس وماسك، وعوداً مثيرة، لكنها تنطوي كذلك على مخاطر كبيرة. وفي الوقت الذي تلهم فيه أحلامُهم بشأن الذكاء الاصطناعي والخلود والاستيطان الكوني البعضَ، فإنها تثير تساؤلات عميقة عن السلطة والمساءلة وأولوية المستقبل على حساب الحاضر.

ويقدّم تحليل بيكر تذكيراً بأن علينا أن نُقبل على الابتكار بحذر، من دون أن نغفل المبادئ الأخلاقية وقيم الاستدامة.