اختراق تقني لتصنيع الروبوتات بطرق مدعمة بالذكاء الاصطناعي

أميركا تتهيأ لتعزيز إنتاجها محلياً لتحدي الصين

اختراق تقني لتصنيع الروبوتات بطرق مدعمة بالذكاء الاصطناعي
TT

اختراق تقني لتصنيع الروبوتات بطرق مدعمة بالذكاء الاصطناعي

اختراق تقني لتصنيع الروبوتات بطرق مدعمة بالذكاء الاصطناعي

قد تُحدث طريقة جديدة لتدريب روبوتات المصانع، ثورة في كيفية تصنيع الجيوش للطائرات من دون طيار وغيرها من الأسلحة، ما يُتيح تصنيعاً بكميات كبيرة بالقرب من خطوط المواجهة.

وبعيداً عن ساحة المعركة، تُوضح هذه الطريقة مساراً مُحتملاً للمضي قدماً في عصر التصنيع المُقبل، وهو موضوع محوري في المنافسة بين الولايات المتحدة والصين الذي تُطلق عليه استراتيجية الدفاع الوطني «تحدي محدودية وتيرة التصنيع».

تصنيع محرَّك بالذكاء الاصطناعي

تُقدم الورقة البحثية، المنشورة في عدد يناير (كانون الثاني) الماضي من «المجلة الدولية للتصنيع المُتطرف»، رؤية تحويلية للتصنيع الإضافي المُحرَّك بالذكاء الاصطناعي (AAM) AI-driven additive manufacturing.

لا تستطيع روبوتات المصانع الحالية سوى القيام بعدد مُحدد من الحركات الثابتة، ويصعب تكيفها مع المهام الجديدة، وتتطلب أماكن مُتخصصة للغاية في طوابق الإنتاج، فهي لا تستطيع مثلاً رؤية متى يتم صفُّها في اصطفاف غير صحيح، أو متى ترتكب هي نفسها الأخطاء.

طريقة مطورة لتدريب الروبوتات

وبالمقابل، تستخدم الطريقة الجديدة (التي طورها فريق دولي من الباحثين من جامعة ولاية كاليفورنيا، نورثريدج؛ والجامعة الوطنية في سنغافورة؛ ومختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا؛ وجامعة ويسكونسن-ماديسون) مهندسين ذوي مهارات عالية لتدريب الروبوتات على نطاق أوسع بكثير للحركات الشبيهة بالحركات البشرية، ما يُمكِّنها من إدراك وفهم ما تفعله (على مستوى أساسي).

وعند دمجها مع تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، يفتح هذا التطوير المجال أمام إمكانية التصنيع الكامل للإلكترونيات من البداية إلى النهاية، مثل الطائرات الصغيرة من دون طيار التي تُعيد تشكيل ساحة المعركة.

الصراع الأميركي الصيني

لكن هذا التطوير يُعالج أيضاً سؤالاً رئيسياً، يكمن في جذور صراع النفوذ الشامل بين الولايات المتحدة والصين: كيفية زيادة القوة التصنيعية للولايات المتحدة.

وقد أطلق «البنتاغون» عدة مبادرات لإعادة إنتاج أشياء مثل الإلكترونيات الدقيقة إلى الداخل الأميركي، عادّاً هيمنة الصين في تلك القطاعات عبئاً استراتيجياً. ويعكس قانون رقائق الكومبيوتر والعلوم لعام 2022 الذي يخصص أكثر من 52 مليار دولار لتصنيع أشباه الموصلات محلياً، اعترافاً مشتركاً بين الحزبين بأن القدرة الصناعية (المحلية) تدعم القوة العسكرية والاقتصادية. فمن دون وصول محلي آمن إلى التقنيات الحيوية، تُخاطر الولايات المتحدة بتأخير العمليات، وأنظمة الأسلحة المُعرَّضة للخطر، وتراجع قدرتها على الردع في النزاعات المستقبلية.

لكن الولايات المتحدة تعاني نقصاً حاداً في العمالة الماهرة اللازمة لتحقيق هذه الأهداف. وتتوقع معاهد مثل المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا، بالإضافة إلى رؤساء الصناعة، أنه حتى مع الاستثمار الحكومي، سيستغرق بناء تلك القوى العاملة 7 سنوات على الأقل.

الروبوتات والأتمتة

وقد صرح وزير التجارة هوارد لوتنيك، هذا الشهر، بأن الروبوتات والأتمتة يمكن أن تلعب دوراً رئيسياً في نهضة صناعية تقودها الولايات المتحدة. وتدفع كثيراً من شركات الروبوتات الأميركية نحو استراتيجية وطنية لتعزيز أتمتة التصنيع.

ومع ذلك، فإن الوضع الحالي لروبوتات المصانع لا يرقى إلى مستوى الآمال في انتقال سريع إلى أتمتة المصانع. ويشير تقرير صادر عن مجموعة بوسطن الاستشارية عام 2019 إلى أمر بَدَهِيٍّ: تفتقر روبوتات التصنيع إلى قدرة العمال البشريين على التكيف والبراعة، كما تفتقر الروبوتات إلى قدرات حل المشكلات التي لا تزال أساسية لإنتاج الأشياء فعلياً.

ولهذا السبب تُعدُّ هذه الورقة البحثية الجديدة بالغة الأهمية. قال المؤلف المشارك بينجبينج لي من جامعة ولاية كاليفورنيا، نورثريدج، إن أساليب التصنيع التقليدية، وحتى الروبوتات: «تحتاج إلى كثير من المهندسين المدربين تدريباً جيداً». وحتى أكثر الطابعات ثلاثية الأبعاد تقدماً غالباً ما تتطلب خطوات يدوية لإدخال التصميم، واختيار العملية، أو المعالجة اللاحقة.

مشروع جديد

تتضمن رؤية مشروع «AAM» في الورقة البحثية استقلالية شاملة: بدءاً من إعداد نماذج التصميم بمساعدة الحاسوب ودمجها، وصولاً إلى الجدولة، وتحسين العمليات، وآلات ما بعد الطباعة، وكلها تُدار بواسطة أسطول من الروبوتات أو الطائرات من دون طيار المتعاونة.

سيكون هذا التكامل بالغ الأهمية للتصنيع في الفضاء الخارجي، ومن هنا جاء اهتمام ودعم وكالة «ناسا». وقال لي إنه كان على اتصال أيضاً بمتعاقدين عسكريين ومكتب الاختبار والتقييم التشغيلي التابع لوزارة الدفاع الأميركية، لمشروع دفاعي قد يبدأ في مايو (أيار)، في حال الحصول على الموافقات النهائية.

يعتمد مشروع «AAM» بشكل كبير على ما يُطلق عليه المؤلفون التصميم المتكامل مع المستشعرات: استخدام كثير من مستشعرات الضوء المرئي والحرارة وظواهر أخرى لخلق نوع من الإدراك في «دماغ» برمجي.

دماغ روبوتات المصانع

سيتكون هذا الدماغ الذي يُميز روبوتات المصانع المستقبلية عن روبوتات اليوم، من 4 طبقات: «طبقة المعرفة» في قاعدة النموذج، تجمع البيانات من المستشعرات، وعمليات المحاكاة والعمليات السابقة. تستخدم «طبقة الحلول التوليدية» أدوات الذكاء الاصطناعي، مثل نماذج اللغة الكبيرة والرسوم البيانية المعرفية، لنمذجة عملية صنع القرار. وتُنفِّذ «الطبقة التشغيلية» القرارات على الأجهزة والبرمجيات وأنظمة الروبوتات؛ بينما تُمكِّن «الطبقة المعرفية» الآلات من اتخاذ القرارات، مما يسمح لها بالتفكير والتصرف، وحتى التأمل.

وكتب مؤلفو الدراسة: «ضمن هذه الطبقة (المعرفية)، يعمل وكلاء الذكاء الاصطناعي كوحدات تحكم عالية المستوى؛ حيث تُقيِّم مجموعة المهارات في الطبقة التشغيلية لاختيار المهارات المناسبة لتنفيذ المهام بناءً على الوضع الراهن». وأضافوا: «يتولى هؤلاء الوكلاء مسؤولية تخطيط وتنفيذ الإجراءات المثلى، والانخراط في عملية تعلم مدى الحياة تُعزز خبراتها من خلال التأمل والتعلم المستمرين».

تشبه عملية التعلم هذه طريقة تفاعل البشر مع نماذج اللغة الكبيرة. في البداية، تكون النتائج عامة وعرضة للخطأ، ولكن مع مرور الوقت، تُنتج العلاقة بين المدرب والآلة نوعاً من الذكاء البشري يُمكن تكراره عبر روبوتات متعددة. وقال لي: «نأمل في تقليل التدخل البشري إلى الصفر تقريباً؛ لأننا نريد أتمتة العملية كلها».

تكيُّف روبوتي وإشراف بشري

ستعتمد درجة إمكانية أتمتة بعض عمليات التصنيع بشكل كبير على تعقيد المُنتَج، ومدى سرعة أنظمة الذكاء الاصطناعي في تعلم التكيف مع الأحداث الجديدة غير المتوقعة. وأضاف لي أن الخبراء البشريين سيظلون يلعبون دوراً حاسماً في هذه العملية، ولكنهم أقرب إلى دور المشرفين منهم إلى دور المشغلين. فبدلاً من القيام بالمهام اليدوية التي تتجاوز قدرة الروبوت، سيساعد الإنسان الروبوتات على تطوير وتحسين طرق التعامل مع الأحداث غير المتوقعة والتحقق منها.

في الوضع المثالي، سيصبح الذكاء الاصطناعي ذكياً بما يكفي للتفكير في كيفية تحسين التصاميم البشرية، من خلال ما يُطلق عليه المؤلفون «أدوات التصميم التوليدية».

وكتب المؤلفون: «تمهد هذه التطورات الطريق لإنشاء محتوى ثلاثي الأبعاد، مما قد يقربنا من تحقيق مبدأ (ما تفكر فيه هو ما تحصل عليه)». وأضافوا: «من خلال استكشاف مساحات تصميمية شاسعة، تُنتج هذه الأدوات حلولاً مبتكرة قد تغفلها الطرق التقليدية».

تطبيقات في الساحات العسكرية

في السياق العسكري، يعني هذا أن بإمكان الجندي في الميدان مسح (تصوير) قطعة معطلة، ويمكن لنظام مُحسَّن بالذكاء الاصطناعي إعادة تصميم وطباعة بديل لها بأقل قدر من الإشراف، وهي قدرة قد تُقلل بشكل كبير من احتياجات التوظيف والخدمات اللوجستية في الجبهة.

وأكدت وزارة الدفاع، بما في ذلك وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدمة (DARPA)، بشكل متزايد على التصنيع الآمن والقابل للتطوير، والقابل للتوصيل عند الطلب للبيئات اللوجستية المتنازع عليها.

وتُقدم طريقة التصنيع بالحلقة المغلقة (AAM) التي تستخدم أجهزة استشعار متعددة، وتُغذي ذكاءً متعدد الطبقات، خريطة طريق، لا لإنتاج أكثر ذكاءً؛ بل لقدرات تصنيع مرنة وقابلة للتكيف يُمكن أن تُعيد تعريف الخطوط الأمامية الصناعية.

تحديات صينية

لكن هذا التقدم يُسلط الضوء أيضاً على تحديات خطيرة أخرى تعيق مستقبلاً أكثر أتمتة للتصنيع، ألا وهي أن الصين تتصدر حصة السوق في المكونات الرئيسية التي تحتاج إليها الروبوتات، مثل أجهزة الاستشعار والمشغلات. بالإضافة إلى ذلك، تتمتع الصين بإمكانية وصول أكبر بكثير إلى المواد اللازمة لطباعة وتصنيع المنتجات -بما في ذلك الأسلحة- في المصانع التي تديرها الروبوتات. ومع أن الروبوتات ستُمكِّن الولايات المتحدة من بناء مزيد من الأشياء، فإنها لن تُصنِّع نفسها بنفسها.

* مجلة «ديفينس وان»، خدمات «تريبيون ميديا».


مقالات ذات صلة

دراسة: نصف الموظفين في السعودية تلقّوا تدريباً سيبرانياً

تكنولوجيا نصف الموظفين في السعودية فقط تلقّوا تدريباً سيبرانياً ما يخلق فجوة خطرة في الوعي الأمني داخل المؤسسات (غيتي)

دراسة: نصف الموظفين في السعودية تلقّوا تدريباً سيبرانياً

ذكرت دراسة «كاسبرسكي» أن نصف موظفي السعودية تلقوا تدريباً سيبرانياً ما يجعل الأخطاء البشرية مدخلاً رئيسياً للهجمات الرقمية.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي» (أ.ب)

تقرير: مؤسس «أوبن إيه آي» يتطلع إلى تأسيس شركة صواريخ لمنافسة ماسك في الفضاء

كشف تقرير جديدة عن أن سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، يتطلع إلى بناء أو تمويل أو شراء شركة صواريخ لمنافسة الملياردير إيلون ماسك في سباق الفضاء.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد شعار شركة «إس كيه هاينكس» ولوحة أم للكمبيوتر تظهر في هذا الرسم التوضيحي (رويترز)

رئيس «إس كيه» الكورية: صناعة الذكاء الاصطناعي ليست في فقاعة

قال رئيس مجموعة «إس كيه» الكورية الجنوبية، المالكة لشركة «إس كيه هاينكس» الرائدة في تصنيع رقائق الذاكرة، إن أسهم الذكاء الاصطناعي قد تتعرض لضغوط.

«الشرق الأوسط» (سيول)
تكنولوجيا شكل تسارع التحول الرقمي واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي ملامح المشهد العربي في عام 2025 (شاترستوك)

بين «غوغل» و«يوتيوب»... كيف بدا المشهد الرقمي العربي في 2025؟

شهد عام 2025 تحوّلًا رقميًا واسعًا في العالم العربي، مع هيمنة الذكاء الاصطناعي على بحث غوغل وصعود صنّاع المحتوى على يوتيوب، وتقدّم السعودية في الخدمات الرقمية.

نسيم رمضان (لندن)
الاقتصاد هاتف ذكي وشاشة كمبيوتر يعرضان شعارَي «واتساب» والشركة الأم «ميتا» في غرب فرنسا (أ.ف.ب)

تحقيق أوروبي في قيود «ميتا» على منافسي الذكاء الاصطناعي عبر «واتساب»

خضعَت شركة «ميتا بلاتفورمز» لتحقيق جديد من جانب الاتحاد الأوروبي لمكافحة الاحتكار، على خلفية خطتها لإطلاق ميزات ذكاء اصطناعي داخل تطبيق «واتساب».

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟
TT

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

في سباق محتدم لنشر نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسواق العالمية، تفترض العديد من الشركات أن «النموذج الإنجليزي ← المترجم» كافٍ لذلك.

اللغة- ثقافة وأعراف

ولكن إذا كنتَ مسؤولاً تنفيذياً أميركياً تستعد للتوسع في آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد يكون هذا الافتراض أكبر نقطة ضعف لديك. ففي تلك المناطق، ليست اللغة مجرد تفصيل في التغليف: إنها الثقافة والأعراف والقيم ومنطق العمل، كلها مُدمجة في شيء واحد.

وإذا لم يُبدّل نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك تسلسل رموزه الكمبيوترية فلن يكون أداؤه ضعيفاً فحسب؛ بل قد يُسيء التفسير أو يُسيء المواءمة مع الوضع الجديد أو يُسيء خدمة سوقك الجديدة.

الفجوة بين التعدد اللغوي والثقافي في برامج الدردشة الذكية

لا تزال معظم النماذج الرئيسية مُدربة بشكل أساسي على مجموعات النصوص باللغة الإنجليزية، وهذا يُسبب عيباً مزدوجاً عند نشرها بلغات أخرى. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن اللغات غير الإنجليزية والمعقدة لغويا غالباً ما تتطلب رموزاً أكثر (وبالتالي تكلفةً وحساباً) لكل وحدة نصية بمقدار 3-5 أضعاف مقارنةً باللغة الإنجليزية.

ووجدت ورقة بحثية أخرى أن نحو 1.5 مليار شخص يتحدثون لغات منخفضة الموارد يواجهون تكلفة أعلى وأداءً أسوأ عند استخدام نماذج اللغة الإنجليزية السائدة.

والنتيجة: قد يتعثر نموذج يعمل جيداً للمستخدمين الأميركيين، عند عمله في الهند أو الخليج العربي أو جنوب شرق آسيا، ليس لأن مشكلة العمل أصعب، ولكن لأن النظام يفتقر إلى البنية التحتية الثقافية واللغوية اللازمة للتعامل معها.

«ميسترال سابا» نظام الذكاء الاصطناعي الفرنسي مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا

مثال «ميسترال سابا» الإقليمي جدير بالذكر

لنأخذ نموذج «ميسترال سابا» (Mistral Saba)، الذي أطلقته شركة ميسترال للذكاء الاصطناعي الفرنسية كنموذج مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا (التاميلية والمالايالامية... إلخ). تشيد «ميسترال» بأن «(سابا) يوفر استجابات أكثر دقة وملاءمة من النماذج التي يبلغ حجمها 5 أضعاف» عند استخدامه في تلك المناطق. لكن أداءه أيضاً أقل من المتوقع في معايير اللغة الإنجليزية.

وهذه هي النقطة المهمة: السياق أهم من الحجم. قد يكون النموذج أصغر حجماً ولكنه أذكى بكثير بالنسبة لمكانه.

بالنسبة لشركة أميركية تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو سوق جنوب آسيا، هذا يعني أن استراتيجيتك «العالمية» للذكاء الاصطناعي ليست عالمية ما لم تحترم اللغات والمصطلحات واللوائح والسياق المحلي.

تكاليف الرموز والتحيز اللغوي

من منظور الأعمال، تُعدّ التفاصيل التقنية للترميز أمراً بالغ الأهمية. تشير مقالة حديثة إلى أن تكاليف الاستدلال في اللغة الصينية قد تكون ضعف تكلفة اللغة الإنجليزية، بينما بالنسبة للغات مثل الشان أو البورمية، يمكن أن يصل تضخم عدد الرموز إلى 15 ضعفاً.

هذا يعني أنه إذا استخدم نموذجك ترميزاً قائماً على اللغة الإنجليزية ونشرتَه في أسواق غير إنجليزية، فإن تكلفة الاستخدام سترتفع بشكل كبير، أو تنخفض الجودة بسبب تقليل الرموز. ولأن مجموعة التدريب الخاصة بك كانت تركز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية، فقد يفتقر «نموذجك الأساسي» إلى العمق الدلالي في لغات أخرى.

أضف إلى هذا المزيج اختلافات الثقافة والمعايير: النبرة، والمراجع، وممارسات العمل، والافتراضات الثقافية، وما إلى ذلك، وستصل إلى مجموعة تنافسية مختلفة تماماً: ليس «هل كنا دقيقين» بل «هل كنا ملائمين».

التوسع في الخارج

لماذا يهم هذا الأمر المديرين التنفيذيين الذين يتوسعون في الخارج؟

إذا كنت تقود شركة أميركية أو توسّع نطاق شركة ناشئة في الأسواق الدولية، فإليك ثلاثة آثار:

-اختيار النموذج ليس حلاً واحداً يناسب الجميع: قد تحتاج إلى نموذج إقليمي أو طبقة ضبط دقيقة متخصصة، وليس فقط أكبر نموذج إنجليزي يمكنك ترخيصه.

-يختلف هيكل التكلفة باختلاف اللغة والمنطقة: فتضخم الرموز وعدم كفاءة الترميز يعنيان أن تكلفة الوحدة في الأسواق غير الإنجليزية ستكون أعلى على الأرجح، ما لم تخطط لذلك.

-مخاطر العلامة التجارية وتجربة المستخدم ثقافية: فبرنامج الدردشة الآلي الذي يسيء فهم السياق المحلي الأساسي (مثل التقويم الديني، والمصطلحات المحلية، والمعايير التنظيمية) سيُضعف الثقة بشكل أسرع من الاستجابة البطيئة.

بناء استراتيجية ذكاء اصطناعي متعددة اللغات واعية ثقافياً

للمديرين التنفيذيين الجاهزين للبيع والخدمة والعمل في الأسواق العالمية، إليكم خطوات عملية:

• حدّد اللغات والأسواق كميزات من الدرجة الأولى. قبل اختيار نموذجك الأكبر، اذكر أسواقك ولغاتك ومعاييرك المحلية وأولويات عملك. إذا كانت اللغات العربية أو الهندية أو الملايوية أو التايلاندية مهمة، فلا تتعامل معها كـ«ترجمات» بل كحالات استخدام من الدرجة الأولى.

• فكّر في النماذج الإقليمية أو النشر المشترك. قد يتعامل نموذج مثل «Mistral Saba» مع المحتوى العربي بتكلفة أقل ودقة أكبر وبأسلوب أصلي أكثر من نموذج إنجليزي عام مُعدّل بدقة.

• خطط لتضخم تكلفة الرموز. استخدم أدوات مقارنة الأسعار. قد تبلغ تكلفة النموذج في الولايات المتحدة «س» دولاراً أميركياً لكل مليون رمز، ولكن إذا كان النشر تركياً أو تايلاندياً، فقد تكون التكلفة الفعلية ضعف ذلك أو أكثر.

• لا تحسّن اللغة فقط، بل الثقافة ومنطق العمل أيضاً. لا ينبغي أن تقتصر مجموعات البيانات المحلية على اللغة فحسب، بل ينبغي أن تشمل السياق الإقليمي: اللوائح، وعادات الأعمال، والمصطلحات الاصطلاحية، وأطر المخاطر.

صمم بهدف التبديل والتقييم النشطين. لا تفترض أن نموذجك العالمي سيعمل محلياً. انشر اختبارات تجريبية، وقيّم النموذج بناءً على معايير محلية، واختبر قبول المستخدمين، وأدرج الحوكمة المحلية في عملية الطرح.

المنظور الأخلاقي والاستراتيجية الأوسع

عندما تُفضّل نماذج الذكاء الاصطناعي المعايير الإنجليزية والناطقة بالإنجليزية، فإننا نُخاطر بتعزيز الهيمنة الثقافية.

كمسؤولين تنفيذيين، من المغري التفكير «سنترجم لاحقاً». لكن الترجمة وحدها لا تُعالج تضخم القيمة الرمزية، وعدم التوافق الدلالي، وعدم الأهمية الثقافية. يكمن التحدي الحقيقي في جعل الذكاء الاصطناعي مُتجذراً محلياً وقابلاً للتوسع عالمياً.

إذا كنت تُراهن على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم توسعك في أسواق جديدة، فلا تُعامل اللغة كحاشية هامشية. فاللغة بنية تحتية، والطلاقة الثقافية ميزة تنافسية. أما التكاليف الرمزية وتفاوتات الأداء فليست تقنية فحسب، بل إنها استراتيجية.

في عالم الذكاء الاصطناعي، كانت اللغة الإنجليزية هي الطريق الأقل مقاومة. ولكن ما هي حدود نموك التالية؟ قد يتطلب الأمر لغةً وثقافةً وهياكل تكلفة تُمثل عوامل تمييز أكثر منها عقبات.

اختر نموذجك ولغاتك واستراتيجية طرحك، لا بناءً على عدد المعاملات، بل على مدى فهمه لسوقك. إن لم تفعل، فلن تتخلف في الأداء فحسب، بل ستتخلف أيضاً في المصداقية والأهمية.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
TT

الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

في مدينةٍ لا تهدأ، وتحديداً في مركز «جاڤِتس» على ضفاف نهر هدسون، اختتمت أمس أعمال اجتماعات نيويورك السنوية لطبّ الأسنان، التي استمرت 5 أيام، أحد أكبر التجمعات العالمية للمهنة، بمشاركة نحو 50 ألف طبيب وخبير من أكثر من 150 دولة.

لم يكن الحدث مجرد مؤتمر، بل منصّة حيّة لمستقبل طبّ الأسنان؛ فبين أروقته تتقدّم التكنولوجيا بخطى ثابتة: من الروبوتات الجراحية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأشعة في ثوانٍ، وصولاً إلى تجارب التجديد الحيوي التي قد تغيّر شكل العلاج خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي نجم المؤتمر بلا منافس

كان الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لهذا العام، إذ جاء المؤتمر في لحظةٍ تتسارع فيها التحوّلات العلمية بسرعة تفوق قدرة المناهج التقليدية على مواكبتها. وقد برزت تقنيات محورية: أنظمة تحليل الأشعة الفورية، والمساعد السريري الذكي، والتخطيط الرقمي للابتسامة. وعلى امتداد القاعات، كان واضحاً أن هذه التقنيات لم تعد تجارب مختبرية، بل هي حلول جاهزة تغيّر طريقة ممارسة المهنة أمام أعيننا.

الروبوتات تدخل غرفة العمليات

شكّلت الجراحة الروبوتية محوراً لافتاً هذا العام، بعد أن عرضت شركات متخصصة أنظمة دقيقة تعتمد على بيانات الأشعة ثلاثية الأبعاد وتتكيف لحظياً مع حاجة الإجراء. وقد أظهرت العروض قدرة هذه الروبوتات على تنفيذ خطوات معقدة بثباتٍ يفوق اليد البشرية، مع تقليل هامش الخطأ ورفع مستوى الأمان الجراحي.

التجديد الحيوي... من الخيال إلى التجربة

عرضت جامعات نيويورك وكورنيل أبحاثاً حول بروتينات مثل «BMP-2»، وهو بروتين ينشّط نمو العظم، و«FGF-2» عامل يساعد الخلايا على الانقسام والتئام الأنسجة خصوصاً الألياف، إلى جانب تقنيات الخلايا الجذعية لإحياء الهياكل الدقيقة للسن.

في حديث مباشر مع «الشرق الأوسط»

وأثناء جولة «الشرق الأوسط» في معرض اجتماع نيويورك لطبّ الأسنان، التقت الدكتورة لورنا فلامر–كالديرا، الرئيس المنتخب لاجتماع نيويورك الكبرى لطب الأسنان، التي أكدت أنّ طبّ الأسنان يشهد «أكبر تحوّل منذ ثلاثة عقود»، مشيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت جزءاً فاعلاً في هذا التحوّل العالمي.

وأضافت الدكتورة لورنا، خلال حديثها مع الصحيفة في أروقة المؤتمر، أنّ اجتماع نيويورك «يتطلّع إلى بناء شراكات متقدمة مع جهات في السعودية، أسوة بالتعاون القائم مع الإمارات ومؤسسة (إندكس) وجهات دولية أخرى»، موضحة أنّ هناك «فرصاً واسعة للتعاون البحثي والتعليمي في مجالات الزراعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلاجات المتقدمة»، وأن هذا التوجّه ينسجم بطبيعة الحال مع طموحات «رؤية السعودية 2030».

العرب في قلب الحدث

شارك وفود من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والعراق في جلسات متقدمة حول الذكاء الاصطناعي والزراعة الرقمية، وكان حضور الوفود لافتاً في النقاشات العلمية، ما عكس الدور المتنامي للمنطقة في تشكيل مستقبل طبّ الأسنان عالمياً.

نيويورك... حيث يبدأ الغد

منذ بدايات اجتماع نيويورك قبل أكثر من قرن، بقيت المدينة مرآةً لتحوّلات المهنة ومختبراً مفتوحاً للمستقبل. وعلى امتداد 5 أيام من الجلسات والمحاضرات والورش العلمية، رسّخ اجتماع نيويورك السنوي مكانته كأكبر تجمع عالمي لطبّ الأسنان، وكمنصّة تُختبر فيها التقنيات التي ستعيد رسم ملامح المهنة في السنوات المقبلة. كما يقول ويليام جيمس، مؤسس الفلسفة البراغماتية الأميركية، إنّ أميركا ليست مكاناً، بل تجربة في صناعة المستقبل... وفي نيويورك تحديداً، يبدو مستقبل طبّ الأسنان قد بدأ بالفعل.


دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

أدت الزيادة الكبيرة في أعداد الأقمار الاصطناعية المتمركزة في مدار منخفض حول الأرض إلى تطورات في مجال الاتصالات، منها توفير خدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والنائية في أنحاء العالم.

لكنها تسببت أيضا في زيادة حادة في التلوث الضوئي في الفضاء، ما يشكل تهديدا لعمل المراصد الفلكية المدارية. وتشير دراسة جديدة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتركز على أربعة تلسكوبات فضائية، منها تلسكوبان يعملان حاليا وآخران يجري العمل عليهما، إلى أن نسبة كبيرة من الصور التي سيجري التقاطها بواسطة هذه المراصد على مدى العقد المقبل قد تتأثر بالضوء المنبعث أو المنعكس من الأقمار الاصطناعية التي تشترك معها في المدار المنخفض.

وخلص الباحثون إلى أن نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية. وقال الباحثون إن «هابل» سيكون أقل تأثرا بسبب مجال رؤيته الضيق.

والتلسكوبات المدارية عنصر أساسي في استكشاف الفضاء، نظرا لما تمتلكه من قدرة على رصد نطاق أوسع من الطيف الكهرومغناطيسي مقارنة بالتلسكوبات الأرضية، كما أن غياب التداخل مع العوامل الجوية يمكنها من التقاط صور أكثر وضوحا للكون، مما يتيح التصوير المباشر للمجرات البعيدة أو الكواكب خارج نظامنا الشمسي.

وقال أليخاندرو بورلاف، وهو عالم فلك من مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا وقائد الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر «في حين أن معظم تلوث الضوء حتى الآن صادر من المدن والمركبات، فإن زيادة مجموعات الأقمار الاصطناعية للاتصالات بدأ يؤثر بوتيرة أسرع على المراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف «في الوقت الذي ترصد فيه التلسكوبات الكون في مسعى لاستكشاف المجرات والكواكب والكويكبات البعيدة، تعترض الأقمار الاصطناعية في كثير من الأحيان مجال الرؤية أمام عدساتها، تاركة آثارا ضوئية ساطعة تمحو الإشارة الخافتة التي نستقبلها من الكون. كانت هذه مشكلة شائعة في التلسكوبات الأرضية. ولكن، كان يعتقد، قبل الآن، أن التلسكوبات الفضائية، الأكثر كلفة والمتمركزة في مواقع مراقبة مميزة في الفضاء، خالية تقريبا من التلوث الضوئي الناتج عن أنشطة الإنسان».

وفي 2019، كان هناك نحو ألفي قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. ويبلغ العدد الآن نحو 15 ألف قمر. وقال بورلاف إن المقترحات المقدمة من قطاع الفضاء تتوقع تمركز نحو 650 ألف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض خلال العقد المقبل.