العلاجات غير الجراحية ليست فعَّالة جداً لآلام أسفل الظهر

دراسة مراجعة لم تجد أدلة قوية على فائدتها

العلاجات غير الجراحية ليست فعَّالة جداً لآلام أسفل الظهر
TT
20

العلاجات غير الجراحية ليست فعَّالة جداً لآلام أسفل الظهر

العلاجات غير الجراحية ليست فعَّالة جداً لآلام أسفل الظهر

حبوب أسيتامينوفين، الوخز بالإبر، التدليك، مرخّيات العضلات (Muscle relaxants)، الكانابينويدات (Cannabinoids)، الأفيونيات (Opioids)، هذه قائمة العلاجات المتاحة لآلام أسفل الظهر الطويلة جداً. ولكن لا توجد أدلة قوية على أن هذه العلاجات تُخفف الألم بالفعل، وفقاً لدراسة جديدة لخَّصت نتائج مئات التجارب العشوائية، كما كتبت نينا أغراوال(*).

ألم أسفل الظهر

يُصيب ألم أسفل الظهر ما يُقدر بواحد من كل أربعة بالغين أميركيين، وهو السبب الرئيسي للإعاقة عالمياً. وفي معظم الحالات المُشخّصة، يُعدُّ الألم «غير محدد» (nonspecific)، أي لا يوجد له سبب واضح، وهذا أيضاً ما يُسهم جزئياً في صعوبة علاجه.

مقارنة العلاجات غير الجراحية

في الدراسة التي نُشرت هذا الشهر في مجلة «BMJ Evidence-Based Medicine»، راجع الباحثون 301 تجربة عشوائية قارنت 56 علاجاً غير جراحي لآلام أسفل الظهر، مثل الأدوية والتمارين الرياضية، مع أدوية وهمية. واستخدم الباحثون منهجية إحصائية لدمج نتائج تلك الدراسات واستخلاص النتائج، وهي عملية تُعرف باسم التحليل التلوي (meta-analysis).

فاعلية الإيبوبروفين والأسبرين

وجد الباحثون أن علاجاً واحداً فقط، وهو استخدام مضادات الالتهاب غير الستيرويدية، مثل الإيبوبروفين والأسبرين، كان فعالاً في تخفيف آلام أسفل الظهر قصيرة المدى أو الحادة.

علاجات جيدة بفوائد ضئيلة

بينما أظهرت 5 علاجات أخرى أدلة كافية لكونها جيدة في تخفيف آلام أسفل الظهر المزمنة، وهذه العلاجات هي: التمارين الرياضية؛ وعلاج العمود الفقري، كما قد يتلقاه المريض من اختصاصي تقويم العمود الفقري؛ ولصقات أسفل الظهر؛ ومضادات الاكتئاب؛ ووضع كريم يُعطي إحساساً بالدفء، ومع ذلك، كانت الفائدة ضئيلة.

وقال ستيف ديفيدسون، المدير المساعد لمركز أبحاث الألم بجامعة نيويورك، الذي لم يشارك في الدراسة: «إن أهم ما استخلصته هذه الدراسة هو أن ألم أسفل الظهر صعب العلاج للغاية، وهناك بعض العلاجات التي وجدوها فعالة، ولكن تلك التي كانت فعالة كانت ذات فاعلية سريرية ضئيلة».

على سبيل المثال، كانت هناك أدلة قوية على أن التمارين الرياضية يُمكن أن تقلل من آلام الظهر المزمنة، لكنها لم تُقلل من شدة الألم إلا بمعدل 7.9 نقطة على مقياس الألم من 0 إلى 100، وهو أقل مما يعده معظم الأطباء فرقاً ذا دلالة سريرية.

وقال الدكتور براساد شيرفالكار، الأستاذ المساعد في طب الألم بجامعة كاليفورنيا، سان فرنسيسكو: «لنفترض أن مريضاً يُقيَّم ألمه بـ7 من 10. إذا سألتك: ماذا لو استطعت أن أجعلك تصل إلى 6.3 من 7؟ ألن يكون ذلك رائعاً؟»... «ليس حقّاً. وهذا هو حجم التأثير».

وقال الدكتور ديفيد كلارك، أستاذ التخدير في كلية طب ستانفورد، وطبيب متخصص في علاج الألم في المركز الطبي التابع لجامعة بالو ألتو، إن النتائج تتوافق مع خبرته بصفته ممارساً طبيّاً. وأضاف: «معظم ما نجربه لا يُجدي نفعاً مع المرضى».

توفير «راحة متوسطة»

ومع ذلك، أكد هو وخبراء آخرون أن الدراسة أكَّدت أن بعض العلاجات الشائعة قد تُوفر راحة متوسطة.

على سبيل المثال، قال شيرفالكار إن هناك أنواعاً كثيرة من مضادات الالتهاب غير الستيرويدية، ومن المحتمل أنها لا تُستخدم بشكل كافٍ. وأضاف: «قد يُجرب الناس نوعين أو ثلاثة منها، ويعانون آثاراً جانبية، لكن الأطباء لا يجربون أنواعاً أخرى».

التمارين الرياضية تُخفف الآلام

وعلى الرغم من أن حجم تأثير التمارين الرياضية كان ضئيلاً، فإن الأطباء ما زالوا يعتقدون أنها تُساعد على الأرجح في تخفيف آلام الظهر على المدى الطويل. وقال شيرفالكار إن تمارين الجذع، مثل تمارين البلانك، تُساعد على تقوية العضلات التي تدعم العمود الفقري. وأضاف كلارك أن للتمارين الرياضية فوائد، إلى جانب تخفيف شدة الألم، مثل تحسين القوة، والقدرة على الحركة، وتحسين الحالة المزاجية، وتقليل مدى تأثير الألم على أداء المهمة.

وقال أيدان كاشين، المؤلف الرئيسي للدراسة، ونائب مدير مركز تأثير الألم في مركز أبحاث علوم الأعصاب في أستراليا، إن الهدف من الدراسة هو تحديد العلاجات الأولية لآلام أسفل الظهر التي لها آثار محددة تتجاوز العلاج الوهمي، والتي قد تستحق مزيداً من الدراسة، وقد لا تستحق المتابعة. على سبيل المثال، كانت هناك أدلة قوية على أن الباراسيتامول (الأسيتامينوفين) لا يُجدي نفعاً يُذكر في علاج آلام أسفل الظهر الحادة.

وشملت الدراسة قائمة طويلة من العلاجات، التي كانت الأدلة المتعلقة بها «غير قاطعة»؛ نظراً لقلة عدد المشاركين فيها، أو لاحتمالية وجود تحيُّز كبير في البحث.

وأكد الخبراء أن هذا لا يعني بالضرورة عدم فاعلية هذه العلاجات. ومن عيوب هذا النوع من التحليل الذي أجراه كاشين أنه جمع بيانات من دراسات مختلفة وفئات سكانية مختلفة لمحاكاة تجربة واحدة واسعة النطاق. ولكن في هذه العملية، قد تتلاشى الإشارة القوية من إحدى الدراسات إلى فاعلية علاج ما وسط ضجيج من دراسات أخرى ربما لم تكن مصممة بشكل جيد، على حد قوله.

الحرارة والتدليك والعلاج بالإبر

على سبيل المثال، وجدت المراجعة أن الأدلة على تدخلات مثل الحرارة (استخدام وسادة التدفئة) والتدليك والعلاج بالإبر كانت منخفضة اليقين، لكن هذه العلاجات قللت من شدة الألم بنحو 20 نقطة.

وقال الأطباء إن الأدلة على علاج مثل الحرارة قد تكون غير قاطعة، لكنهم ما زالوا يوصون المرضى بتجربته. وقال شيرفالكار: «إنه رخيص؛ ومتوفر؛ ويكاد لا يُسبب أي ضرر».

قال ديفيدسون إن العلاجات التي لم تتوفر عنها أدلة قاطعة تُمثل نقطة انطلاق لمزيد من الأبحاث. وأضاف: «ما تُظهره هذه القائمة أن لدينا إمكانات للعمل عليها فيما يتعلق باستكشاف طرق مختلفة لعلاج آلام أسفل الظهر».

* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

195 عامل خطر وراثي تؤثر على الصحة الإنجابية للمرأة

علوم 195 عامل خطر وراثي تؤثر على الصحة الإنجابية للمرأة

195 عامل خطر وراثي تؤثر على الصحة الإنجابية للمرأة

أحدثت دراسة جينية رائدة ضجة في الأوساط الطبية، بعد تحديدها 195 عامل خطر وراثي قد يكون لها دور محوري في تشكيل الصحة الإنجابية للمرأة.

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
صحتك يقول طبيب أميركي إن تربية الأبناء قد تُشكّل خطراً على الصحة (أ.ب)

إذا شعرت بأن تربية الأبناء تُشكّل عبئاً على صحتك... فجرّب هذا

كشف طبيب أميركي مؤخراً تحذيراً أثار ذهول ملايين الناس، مُدّعياً أن تربية الأبناء قد تُشكّل خطراً على الصحة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الغمر في الماء البارد ممارسة شائعة بين الرياضيين وعشاق اللياقة البدنية (جمعية القلب الأميركية)

الاستحمام بالماء البارد يُعزز مقاومة الجسم للإجهاد

كشفت دراسة كندية حديثة عن أن التعرض المتكرر للماء البارد قد يُعزِّز قدرة خلايا الجسم على التكيف مع الإجهاد، مما قد ينعكس إيجاباً على الصحة العامة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
صحتك التمارين تلعب دوراً في تحسين الصحة (رويترز)

6 نصائح لاختيار مشروبات مناسبة أثناء ممارسة الرياضة

تُعدّ ممارسة الرياضة هواية مهمة للجسم لما لها من فوائد عديدة، ولكن فقدان الماء هو أحد آثارها الجانبية، ومن الضروري الحفاظ على رطوبة الجسم طوال الوقت

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك العلاج الكيميائي الأولي المُركّز عادة ما يستمر من أربعة إلى ستة أشهر (رويترز)

من الإرهاق إلى الجلطات الدموية... آثار جانبية قد تفاجئك لعلاج السرطان

بعد أكثر من عام من إعلان الملك البريطاني تشارلز عن تشخيص إصابته بالسرطان، أصدر القصر بياناً يفيد بأنه عانى من آثار جانبية جراء علاجه، كانت شديدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

195 عامل خطر وراثي تؤثر على الصحة الإنجابية للمرأة

195 عامل خطر وراثي تؤثر على الصحة الإنجابية للمرأة
TT
20

195 عامل خطر وراثي تؤثر على الصحة الإنجابية للمرأة

195 عامل خطر وراثي تؤثر على الصحة الإنجابية للمرأة

أحدثت دراسة جينية رائدة ضجة في الأوساط الطبية، بعد تحديدها 195 عامل خطر وراثي قد يكون لها دور محوري في تشكيل الصحة الإنجابية للمرأة.

جاءت الدراسة التي شارك فيها باحثون من إستونيا والنرويج باستخدام بيانات ضخمة من بنوك البيانات الحيوية في إستونيا وفنلندا، حيث اعتمدوا على دراسات الارتباط على مستوى الجينوم «GWAS» للكشف عن الاختلافات الجينية المسبِّبة لمشكلات صحية مثل متلازمة تكيُّس المبايض، والتهاب بطانة الرحم، وحتى اضطرابات مثل ركود الصفراء داخل الكبد أثناء الحمل.

نهج استباقيّ للرصد الصحي

تؤثر اضطرابات الإنجاب على واحدة من كل عشر نساء حول العالم، مما يؤدي إلى ضعف الخصوبة والتأثير السلبي على نتائج الحمل والصحة العامة. وعلى الرغم من انتشار هذه الاضطرابات، فقد ظل فهم أسبابها محدوداً حتى الآن. ويأمل مؤلفو الدراسة أن يُحدث فهم أعمق للأسس الجينية تحولاً في كيفية تشخيص هذه الحالات وعلاجها. وقد شمل البحث تحليل بيانات ما يقرب من 300 ألف امرأة، باستخدام تقنيات حسابية متقدمة، ما سمح برسم خرائط لـ42 نمطاً ظاهرياً للصحة الإنجابية، استناداً إلى رموز التصنيف الدولي للأمراض المعتمَدة من منظمة الصحة العالمية.

وأشار الباحثون إلى أن هذه النتائج تمثل خطوة مهمة نحو تحقيق رعاية صحية إنجابية شخصية إذ يمكن من خلالها الانتقال من النهج التفاعلي إلى نهج استباقي في إدارة صحة المرأة، عبر تحديد عوامل الخطر الجينية بدقة.

ولطالما كانت صحة المرأة من المجالات التي تحظى بدراسة غير كافية، مع وجود فجوات كبيرة في فهم الحالات التي تتراوح من تكيسات المبيض، إلى مضاعفات الحمل. وقد أسهمت هذه الدراسة المنشورة بمجلة نيتشر ميديسن «nature medicine»، في 11 مارس (آذار) 2025، في تسليط الضوء على الأسباب البيولوجية وراء كثير من هذه الاضطرابات. إذ جمعت بيانات من البنك الحيوي الإستوني ومشروع FinnGen في فنلندا؛ وهما من أقوى قواعد البيانات الجينية في أوروبا، مما مكَّن الباحثين من تحديد 244 ارتباطاً جينياً متعلقاً بالصحة الإنجابية؛ نِصفها تقريباً لم يُوصف من قبل.

وأكدت الباحثة ترين لايسك، الأستاذ المشارك في علم الجينوم بجامعة تارتو في إستونيا ومنسقة الدراسة، أن هذه النتائج لا توضح آليات المرض فحسب، بل تكشف أيضاً عن تداخل المخاطر الجينية عبر الحالات، مثل ارتباط التهاب بطانة الرحم باضطرابات الكبد المرتبطة بالحمل.

ارتباطات جينية وأدوات التنبؤ

تجاوز الباحثون مجرد تحديد عوامل الخطر الجينية، حيث استكشفوا كيف تتقاسم الاضطرابات التناسلية مسارات جينية مشتركة. على سبيل المثال، أظهر التحليل ارتباطات جينية قوية بين الأورام الليفية الرحمية وفرط الطمث، وبين خلل تنسج عنق الرحم والتهاب عنقه. ومن اللافت أيضاً ظهور ارتباط وراثي سلبي بين متلازمة تكيس المبايض والولادة المبكرة، مما يشكل تحدياً لبعض الدراسات السابقة التي أشارت إلى زيادة خطر الولادة المبكرة لدى المصابات بتكيس المبايض.

وتُظهر الدراسة نتائج واعدة في مجال تحسين بروتوكولات التلقيح الاصطناعي (IVF)، من خلال تحديد جينات أساسية لنضج الجريبات والإباضة لدى النساء المصابات بتكيسات المبيض، حيث كانت أدوار هذه الجينات غامضة في البشر، رغم معرفتها في نماذج الفئران. كما أشارت النتائج إلى إمكانية التدخل المبكر في حالات مضاعفات الحمل، مثل ارتفاع ضغط الدم داخل الرحم، ما يُتيح مراقبة أدق لتفادي النتائج السلبية التي ترتبط بزيادة معدلات الإصابة والوفيات لدى الأطفال عند الولادة المبكرة.

وتميّزت الدراسة بتركيزها على المتغيرات الجينية الخاصة بالسكان لدى النساء الإستونيات والفنلنديات، حيث ظهرت بعض عوامل الخطر في هذه المجموعات بشكل أكثر تكراراً، مما يؤكد أهمية تنوع البنوك الحيوية للحصول على رؤى أدقّ. ويأمل الباحثون أن تسهم هذه النتائج في تطوير اختبارات جينية، لتقييم مخاطر الإصابة باضطرابات الإنجاب، ما يوجه تقديم الرعاية الصحية بشكل أفضل وأكثر تخصيصاً. كما أن الفهم الأعمق للأسس الجينية لهذه الاضطرابات قد يفتح آفاقاً جديدة لعلاجات تستهدف الأسباب الجذرية، بدلاً من مجرد تخفيف الأعراض، مما يعزز فعالية التدخل الطبي ويحسّن النتائج الصحية لملايين النساء حول العالم.

وتمثل هذه الدراسة نقطة تحول في مجال صحة المرأة، حيث توفّر رؤى جينية دقيقة يمكن أن تُحدث فرقاً في كيفية التعامل مع الاضطرابات الإنجابية وتشخيصها وعلاجها. ومع استمرار الأبحاث والتقدم في تقنيات علم الوراثة، يقترب حلم الرعاية الصحية الإنجابية الشخصية من التحقيق، مما يضمن مستقبلاً أكثر صحة ورفاهية للنساء على مستوى العالم.