تهديدات الذكاء الاصطناعي في طب الأسنان: بين الابتكار والمخاطر الأخلاقية

يفتقر إلى الحدس والخبرة الواقعية للأطباء

(غيتي) يفتقر الذكاء الاصطناعي إلى الحدس والخبرة الواقعية للأطباء
(غيتي) يفتقر الذكاء الاصطناعي إلى الحدس والخبرة الواقعية للأطباء
TT
20

تهديدات الذكاء الاصطناعي في طب الأسنان: بين الابتكار والمخاطر الأخلاقية

(غيتي) يفتقر الذكاء الاصطناعي إلى الحدس والخبرة الواقعية للأطباء
(غيتي) يفتقر الذكاء الاصطناعي إلى الحدس والخبرة الواقعية للأطباء

يشهد قطاع طب الأسنان ثورة رقمية بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من التشخيص، وخطط العلاج، وإدارة المرضى. وتوفر هذه الأدوات دقة، وسرعة غير مسبوقة، ما يساعد على تحسين جودة الرعاية الصحية للفم. ولكن في المقابل، تحمل هذه التكنولوجيا تهديدات وتحديات أخلاقية قد تؤثر سلباً على مستقبل طب الأسنان إذا لم يتم التعامل معها بحذر.

مشكلات الدقة والموثوقية

تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي على كميات هائلة من البيانات لاكتشاف الأنماط، واتخاذ القرارات. وفي مجال طب الأسنان، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل صور الأشعة السينية، واكتشاف التسوس، واقتراح خطط علاجية. ولكن دقة هذه الأنظمة تعتمد بشكل كامل على جودة وتنوع البيانات التي تم تدريبها عليها. فإذا كانت قاعدة البيانات غير شاملة، أو كانت منحازة، فقد يؤدي ذلك إلى تشخيصات خاطئة، ما قد يتسبب في علاجات غير ضرورية، أو تفويت مشكلات صحية خطيرة. وهكذا، وعلى عكس أطباء الأسنان البشر، يفتقر الذكاء الاصطناعي إلى الحدس، والخبرة الواقعية، مما يجعله عرضة للأخطاء في الحالات المعقدة.

فقدان المهارات البشرية

مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، هناك خطر متزايد من أن يعتمد أطباء الأسنان بشكل مفرط على هذه الأدوات دون التحقق من دقة نتائجها. وقد يؤدي ذلك إلى تراجع مهاراتهم التشخيصية مع مرور الوقت. كما أن الجيل الجديد من أطباء الأسنان قد يعتمد على الذكاء الاصطناعي بدلاً من تطوير قدراته التشخيصية الذاتية. وهذا التوجه قد يؤدي إلى انخفاض جودة الرعاية الصحية على المدى الطويل.

مخاطر الخصوصية والأمن السيبراني

تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي في طب الأسنان على تخزين ومعالجة بيانات المرضى الحساسة، مثل السجلات الطبية، وصور الأشعة، والتفاصيل الشخصية.

ويؤدي ذلك إلى زيادة خطر التعرض لهجمات إلكترونية، أو تسرب البيانات، إذ يمكن للمتسللين استهداف عيادات الأسنان، وسرقة معلومات المرضى، مما قد يتسبب في سرقة الهوية، أو قضايا قانونية. ولذا ومن دون تدابير أمنية قوية، قد يصبح الذكاء الاصطناعي في طب الأسنان نقطة ضعف في حماية البيانات الصحية.

تحديات أخلاقية في اتخاذ القرارات

يفتقر الذكاء الاصطناعي إلى القدرة على اتخاذ قرارات أخلاقية كما يفعل البشر. فقد يوصي بعلاجات بناءً على الإحصائيات فقط، دون مراعاة ظروف المريض الشخصية، أو إمكانياته المالية.

على سبيل المثال، قد يقترح الذكاء الاصطناعي علاجاً مكلفاً باعتباره «الأفضل» دون أن يأخذ في الاعتبار قدرة المريض على تحمل تكاليفه. كما أن استخدام الذكاء الاصطناعي في تقييم مطالبات التأمين الصحي قد يؤدي إلى رفض غير عادل لبعض الحالات بناءً على خوارزميات آلية بدلاً من التقييم البشري.

تهديد فرص العمل والتغيرات في الأدوار المهنية

بدأ الذكاء الاصطناعي بالفعل في تقليل الحاجة إلى بعض الوظائف في قطاع طب الأسنان، مثل تحليل صور الأشعة، ووضع خطط العلاج. وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي لن يحل محل أطباء الأسنان بالكامل، فإنه قد يقلل الحاجة إلى بعض التخصصات المساندة، ما يؤدي إلى فقدان وظائف، أو تغيير طبيعة الأدوار المهنية، حيث يصبح الأطباء مشرفين على الذكاء الاصطناعي بدلاً من القيام بالمهام التشخيصية بأنفسهم.

تحديات المستقبل

رغم الفوائد الهائلة التي يمكن أن يقدمها الذكاء الاصطناعي لطب الأسنان، فإن التحديات المرتبطة به لا يمكن تجاهلها. فالدقة، والأخلاقيات، وأمن البيانات، وتأثيره على القوى العاملة، كلها قضايا تحتاج إلى حلول متوازنة. ولضمان أن يكون الذكاء الاصطناعي أداة مفيدة، وليس مصدراً للخطر، يجب استخدامه بحذر، تحت إشراف بشري، وضمن أطر تنظيمية واضحة. فالتكنولوجيا يمكنها تحسين الرعاية الصحية، لكنها لا يمكن أن تحل محل الخبرة، والثقة اللتين يوفرهما طبيب الأسنان للمرضى.


مقالات ذات صلة

في «يوم النسخ الاحتياطي العالمي»... نصائح لبقاء بياناتك بأمان

خاص يسلّط «يوم النسخ الاحتياطي العالمي» الضوء على أهمية النسخ الاحتياطي الدوري بوصفه ممارسة حيوية للأفراد والشركات على حد سواء (شاترستوك)

في «يوم النسخ الاحتياطي العالمي»... نصائح لبقاء بياناتك بأمان

في ظل تزايد الهجمات الإلكترونية، تبرز أهمية النسخ الاحتياطي للبيانات بوصفه ضرورة لحماية الذكريات والملفات التجارية، مع تأكيد قاعدة «3-2-1» للأمان.

نسيم رمضان (لندن)
يوميات الشرق فؤاد المهندس في الإعلان المثير للجدل (يوتيوب)

مصر: أزمة إعلانية لاستعانة شركة حلويات بنجوم الزمن الجميل

الإعلان المثير للجدل صُمِّم بالذكاء الاصطناعي بشكل كامل، يُظهر مجموعة من نجوم الزمن الجميل كأنهم يعملون في المحل الشهير ويقدِّمون الحلوى للزبائن...

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق صور مولدة بالذكاء الاصطناعي لإحدى لقطات فيلم «سمير وشهير وبهير» على غرار استديو غيبيلي (متداولة)

تفاعل «سوشيالي» مع صور من عالم «استوديو غيبلي»... ومخاوف بشأن حقوق الملكية

انتشرت في الأيام السابقة صور مُنتجة بالذكاء الاصطناعي على غرار  «استوديو غيبلي»، استوديو الرسوم المتحركة الياباني الشهير.

يسرا سلامة (القاهرة)
تحليل إخباري يُعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل الذكاء البشري بتوسيع قدراته وتعزيز تفاعله مع الحواسيب (شاترستوك)

تحليل إخباري مستقبل العلاقة بين ذكاء الإنسان والحاسوب... تعايش أم صراع؟

يُحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في قدرات الذكاء البشري، ما يُمكِّن من الاندماج الكامل مع الحواسيب لتعزيز القدرات الذهنية والتكنولوجية بشكل غير مسبوق.

د. حسن الشريف
خاص يعزز الذكاء الاصطناعي من كفاءة العمليات ويوفر تجارب تسوق شخصية من خلال تحسين الاتصال وتوفير تحليلات فورية (أ.ف.ب)

خاص كيف يساعد الذكاء الاصطناعي تجار التجزئة في تحليل سلوك المستهلك بدقة؟

تلعب الشبكات المدعومة بالذكاء الاصطناعي دوراً أساسياً في تخصيص تجربة التسوق فورياً مستفيدةً من بيانات تفاعلات العملاء وسجلات التصفح والرؤى القائمة على الموقع.

نسيم رمضان (لندن)

كيف يسهم الذكاء الاصطناعي «مفتوح المصدر» في دعم التشخيص الطبي؟

الذكاء الاصطناعي يمكنه تحسين دقة التشخيصات وتقليل الأخطاء الطبية (جامعة هارفارد)
الذكاء الاصطناعي يمكنه تحسين دقة التشخيصات وتقليل الأخطاء الطبية (جامعة هارفارد)
TT
20

كيف يسهم الذكاء الاصطناعي «مفتوح المصدر» في دعم التشخيص الطبي؟

الذكاء الاصطناعي يمكنه تحسين دقة التشخيصات وتقليل الأخطاء الطبية (جامعة هارفارد)
الذكاء الاصطناعي يمكنه تحسين دقة التشخيصات وتقليل الأخطاء الطبية (جامعة هارفارد)

يشهد مجال الذكاء الاصطناعي تطوراً غير مسبوق، حيث أصبحت النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) قادرة على أداء مهام معرفية معقدة في الطب، فمن الإجابة الدقيقة عن الأسئلة الطبية متعددة الاختيارات، إلى تقديم استدلالات سريرية متقدمة ووضع تشخيص تفاضلي للحالات الطبية المعقدة، يثبت الذكاء الاصطناعي قدرته على دعم التشخيص الطبي.

وتشير الإحصاءات إلى أن الأخطاء التشخيصية تتسبب في وفاة أو إعاقة دائمة لنحو 795 ألف مريض سنوياً في الولايات المتحدة وحدها. ومع التكاليف الباهظة الناتجة عن التشخيص الخاطئ أو المتأخر، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دوراً حيوياً في تحسين دقة التشخيصات وتقليل الأخطاء الطبية. وخلال العامين الماضيين، تفوقت نماذج الذكاء الاصطناعي «مغلقة المصدر»، مثل (GPT - 4) من شركة «أوبن إي آي»، في تشخيص الحالات الطبية المعقدة، ما جعلها جزءاً من تطبيقات الرعاية الصحية. ورغم توفر نماذج «مفتوحة المصدر»، فإنها لم تصل بعد إلى نفس مستوى الأداء.

لكن دراسة لباحثين من كلية الطب بجامعة هارفارد الأميركية كشفت عن أن النماذج الحديثة مفتوحة المصدر، مثل (Llama 3.1) من شركة «ميتا»، يمكنها منافسة النماذج مغلقة المصدر، حيث حققت نتائج واعدة في اختبارات متقدمة. وأظهرت الدراسة أن (Llama 3.1) قدم أداءً مماثلاً لأحد أقوى النماذج المغلقة في تشخيص الحالات الطبية المعقدة، ونُشرت نتائجها بعدد 17 مارس (آذار) 2025 بدورية (JAMA Health Forum).

ويُعد (Llama 3.1) جزءاً من سلسلة نماذج (Llama) التي تطورها «ميتا» بوصفها بديلاً مفتوح المصدر، ما يتيح للباحثين استخدامها وتعديلها بحرية دون قيود تجارية. وتتميز النماذج المفتوحة بإمكانية تخصيصها وفق الاحتياجات الخاصة، مثل التدريب على بيانات داخلية دون مشاركة معلومات حساسة، بينما تبقى النماذج المغلقة احتكارية وتعمل فقط عبر خوادم الشركات.

نماذج الذكاء الاصطناعي تعتمد على مجموعات ضخمة من البيانات (جامعة هارفارد)
نماذج الذكاء الاصطناعي تعتمد على مجموعات ضخمة من البيانات (جامعة هارفارد)

تشخيص الأمراض

تعتمد نماذج الذكاء الاصطناعي، المفتوحة والمغلقة، على تحليل بيانات ضخمة تشمل الكتب الطبية والأبحاث وبيانات المرضى، ما يساعدها في تشخيص الأمراض مثل الأورام وفشل القلب والتهابات القولون. وعند مواجهة حالة جديدة، تقارن النماذج المعلومات الواردة بما تعلمته سابقاً لتقديم تشخيصات محتملة.

وخلال الدراسة، خضع نموذج (Llama 3.1) لاختبار شمل 70 حالة سريرية معقدة و22 حالة جديدة لضمان دقة التقييم. وحقق دقة 70 في المائة في التشخيص، متفوقاً على (GPT - 4) الذي سجل 64 في المائة، وحدد التشخيص الصحيح في محاولته الأولى بنسبة 41 في المائة مقابل 37 في المائة لـ(GPT - 4). أما في الحالات الجديدة، فقد ارتفعت دقته إلى 73 في المائة، مع تحديد التشخيص الصحيح كمقترح أول بنسبة 45 في المائة.

وقال الدكتور أرغون مانراي، الباحث الرئيسي للدراسة وأستاذ المعلوماتية الطبية الحيوية بجامعة هارفارد، إن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون مساعداً موثوقاً للأطباء إذا أُدمج بحكمة في البنية التحتية الصحية.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن النماذج المفتوحة والمغلقة تختلف في الخصوصية وأمان البيانات، حيث تتيح النماذج المفتوحة تشغيلها والاحتفاظ بالبيانات داخل المستشفيات؛ ما يحافظ على سرية بيانات المرضى، بينما تتطلب النماذج المغلقة إرسال البيانات لخوادم خارجية، ما قد يثير مخاوف أمنية. كما أن النماذج المفتوحة أكثر مرونة وأقل تكلفة، مما يجعلها مناسبة للمؤسسات محدودة الموارد.

ورغم ذلك، أشار مانراي إلى تحديات تعيق تبني النماذج المفتوحة، مثل الحاجة لفريق تقني للصيانة وصعوبة تكاملها مع الأنظمة الطبية مقارنة بالمغلقة، التي توفر دعماً فنياً متكاملاً. كما أن ضمان دقتها يتطلب دراسات سريرية إضافية وتحديثات مستمرة لتحسين الأداء وتجنب التحيزات.

منصات مفتوحة المصدر

تتوفر عدة نماذج طبية مفتوحة المصدر، أبرزها منصة (Azure AI Foundry) من «مايكروسوفت»، التي توفر نماذج ذكاء اصطناعي متقدمة لتحليل الصور الطبية وإعداد تقارير الأشعة السينية. وتضم المنصة نماذج مثل (MedImageInsight) لتصنيف الصور وكشف الحالات غير الطبيعية، و(MedImageParse) لتحديد حدود الأورام والأعضاء، و(CXRReportGen) لتحليل صور الأشعة السينية وإنتاج تقارير تشخيصية تلقائياً، مما يعزز دقة التشخيص ويسرّع إعداد التقارير الطبية. كما طوّرت شركة «إنفيديا» مع جامعة كينغز كوليدج لندن منصة (MONAI) لدعم بناء وتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي في التصوير الطبي، مع تعزيز الخصوصية ودقة التشخيص.

كما أطلق باحثو جامعة كورنيل الأميركية منصة (OpenMEDLab) في مارس 2024، لتطوير نماذج ذكاء اصطناعي متعددة الوسائط بالمجال الطبي، مستندة إلى نماذج مثل (Gemini) من «غوغل»، مما يتيح نتائج تنافسية وتشجيع الابتكار في الرعاية الصحية.

عاجل وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش يقدم استقالته من الحكومة