تفاعل «سوشيالي» مع صور من عالم «استوديو غيبلي»... ومخاوف بشأن حقوق الملكية

صور مولدة بالذكاء الاصطناعي لإحدى لقطات فيلم «سمير وشهير وبهير» على غرار استديو غيبيلي (متداولة)
صور مولدة بالذكاء الاصطناعي لإحدى لقطات فيلم «سمير وشهير وبهير» على غرار استديو غيبيلي (متداولة)
TT

تفاعل «سوشيالي» مع صور من عالم «استوديو غيبلي»... ومخاوف بشأن حقوق الملكية

صور مولدة بالذكاء الاصطناعي لإحدى لقطات فيلم «سمير وشهير وبهير» على غرار استديو غيبيلي (متداولة)
صور مولدة بالذكاء الاصطناعي لإحدى لقطات فيلم «سمير وشهير وبهير» على غرار استديو غيبيلي (متداولة)

انتشرت في الأيام الأخيرة صور مُنتجة بالذكاء الاصطناعي على غرار استوديو غيبلي، استوديو الرسوم المتحركة الياباني الشهير، بعدما أتاحت النسخة الجديدة من برنامج «تشات جي بي تي» تحويل الصور، الشخصية والساخرة، إلى صور تحاكي أسلوب الاستوديو.

لكن هذا التوجه سلّط الضوء أيضاً على المخاوف الأخلاقية بشأن أدوات الذكاء الاصطناعي المُدرّبة على الأعمال الإبداعية المحمية بحقوق الطبع والنشر، وما يعنيه ذلك لمستقبل الفنانين.

وأعرب هاياو ميازاكي، مؤسس استوديو غيبلي، البالغ من العمر 84 عاماً، والمعروف بأسلوبه في الرسم اليدوي ورواية القصص الخيالية، عن شكوكه بشأن دور الذكاء الاصطناعي في الرسوم المتحركة.

لم يُفكّر جانو لينغسواران كثيراً في ذلك عندما حمّل صورة قطته مالي، البالغة من العمر 3 سنوات، إلى أداة «تشات جي بي تي» الجديدة لتوليد الصور يوم الأربعاء. ثم طلب من «تشات جي بي تي» تحويله إلى نمط غيبلي، مما أدى على الفور إلى إنشاء صورة أنمي تشبه مالي ولكن أيضاً إحدى الشخصيات القططية المرسومة بعناية التي تملأ أفلام ميازاكي مثل «جاري توتورو» أو «خدمة توصيل كيكي». وقال لينغسواران، وهو رائد أعمال يعيش بالقرب من آخن بألمانيا لوكالة «أسوشييتد برس»: «لقد أُعجبتُ بالنتيجة حقاً. نفكر في طباعتها وتعليقها على الحائط».

انتشار كبير

وأعطت نتائج مماثلة أسلوب غيبلي للصور الأيقونية، مثل المظهر غير الرسمي للرامي التركي يوسف ديكيتش مرتدياً قميصاً ويده في جيبه في طريقه للفوز بالميدالية الفضية في أولمبياد 2024. أو ميم «فتاة الكارثة» الشهير لطفلة تبلغ من العمر 4 سنوات تلتفت إلى الكاميرا بابتسامة خفيفة بينما يشتعل حريق منزل في الخلفية.

صورة «فتاة الكارثة» التي انتشرت بوصفها صورة ساخرة

صورة تحاكي صورة «فتاة الكارثة» التي ظهرت عام 2005 وانتشرت بوصفها صورة ساخرة (وسائل إعلام أميركية)

كما انتشرت عربياً صور من مقاطع أفلام ومسلسلات شهيرة، مثل مسلسل «لن أعيش في جلباب أبي» وأفلام شهيرة مُنتجة من استوديو غيبلي مثل فيلم الناظر.

كما استخدمه محبو كرة القدم في إنتاج صور لأشهر اللاعبين، كما نشر النادي الفيصلي الأردني عدداً من صور لاعبيه باستخدام التقنية نفسها ونشرها على صفحته الرسمية بموقع «فيسبوك».

ومن الفن والرياضة إلى عالم السياسة، انتشرت صور كذلك للرئيس الأميركي دونالد ترمب وهو في محل ماكدونالدز إبان حملته الانتخابية، وكذلك صور لنائبه جي دي فانس.

بدورها، شجعت شركة «أوبن إيه آي»، المطورة لبرنامج «تشات جي بي تي»، التي تخوض دعاوى قضائية تتعلق بحقوق الطبع والنشر بسبب روبوت الدردشة الرائد الخاص بها، تجارب إنتاج صور مستوحاة من عالم استوديو غيبلي إلى حد كبير، وقام رئيسها التنفيذي سام ألتمان بتغيير ملفه الشخصي على منصة التواصل الاجتماعي «إكس» إلى صورة شخصية على طراز غيبلي. في ورقة فنية نُشرت الثلاثاء، قالت «أوبن إيه آي» إن الأداة الجديدة ستتبع «نهجاً محافظاً» في الطريقة التي تحاكي بها جماليات الفنانين الأفراد.

مؤسس «غيبلي» يرفض الذكاء الاصطناعي

مع نشر المستخدمين صورهم بأسلوب غيبلي على وسائل التواصل الاجتماعي، بدأت تعليقات ميازاكي السابقة حول الرسوم المتحركة بالذكاء الاصطناعي بالظهور. عندما عُرض على ميازاكي عرض تجريبي للذكاء الاصطناعي عام 2016، قال إنه «شعر بالاشمئزاز الشديد» من العرض، وفقاً لفيلم وثائقي. وأوضح ميازاكي حينها أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن «يُقدم لنا حركات غريبة لا يمكننا نحن البشر تخيلها». وأضاف أنه يمكن استخدامه لحركات الزومبي.

هاياو ميازاكي مؤسس استوديو غيبيلي ومخرج فيلم الرسوم المتحركة «بونيو» يقف في عرض خاص للفيلم في لوس أنجليس يوم 27 يوليو 2009 (أرشيفية - أ.ب)

وقال مُنتج فيلم «Spirited Away» إنه «لن يرغب أبداً في دمج هذه التقنية في أعماله». وأضاف ميازاكي: «أشعر بشدة بأن هذا إهانة للحياة نفسها».

مخاوف من حقوق الملكية

وقال جوش ويغنسبرغ، الشريك في شركة «براير كاشمان للمحاماة»، إن أحد التساؤلات التي يطرحها فن الذكاء الاصطناعي على غرار استوديو غيبلي هو ما إذا كان نموذج الذكاء الاصطناعي قد تم تدريبه على أعمال ميازاكي أم استوديو غيبلي. وأضاف أن هذا بدوره «يثير التساؤل: هل لديهم ترخيص أو إذن لإجراء هذا التدريب أم لا؟».

وأضاف ويغنسبرغ أنه إذا كان العمل مرخصاً للتدريب، فقد يكون من المنطقي أن تسمح الشركة بهذا النوع من الاستخدام. ولكن إذا حدث هذا النوع من الاستخدام دون موافقة أو تعويض، فقد يكون «إشكالياً».

وقال ويغنسبرغ إن هناك مبدأ عاماً «من منظور شامل»، مفاده أن «الأسلوب» غير قابل لحماية حقوق الطبع والنشر. لكن في بعض الأحيان، كما قال، فإن ما يفكر فيه الناس فعلياً عندما يقولون «أسلوب» قد يكون «عناصر أكثر تحديداً ووضوحاً وتميزاً في عمل فني»، على حد قوله.

صور مولدة بالذكاء الاصطناعي من استديو غيبيلي (متداولة)

وفي السياق، عدَّ الصحافي والباحث في الذكاء الاصطناعي حسام مصطفى إبراهيم انتشار صور معدلة بأسلوب غيلبي مؤخرا نتيجة لميل المستخدمين لتجربة أي أداة جديدة، معتبراً أنه بعد فترة قصيرة قد «يهدأ الترند» ويبدأ التفكير بشكل عملي في هذه الأداة.

وتابع إبراهيم لـ«الشرق الأوسط» أن أزمة أدوات الذكاء الاصطناعي الآن هي كونها حديثة العهد ولا يوجد تشريعات أو قوانين حاكمة لأي تطور لنماذجها. وتابع: «هناك جدل قانوني وفلسفي غير محسوم، هل من حق الشركات تدريب النماذج على أي أسلوب فني جديد؟ أم من حق المبدعين مقاضاة هذه الشركات من أجل الحصول على مقابل مادي؟ هناك عدد كبير من التطبيقات لنماذج الذكاء الاصطناعي لم يكن ليتطور إذا أخذنا حقوق الملكية في كل خطوة».

دعوة لمقاضاة التطبيق

وصفت الفنانة كارلا أورتيز، التي نشأت على مُشاهدة أفلام ميازاكي وتُقاضي مُولّدي صور ذكاء اصطناعي آخرين بتهمة انتهاك حقوق النشر في قضية لا تزال مُعلقة، الأمر بأنه «مثال واضح آخر على عدم اكتراث شركات مثل (أوبن إيه آي) بأعمال الفنانين وسبل عيشهم».

وقالت أورتيز: «هذا استغلالٌ لعلامة غيبلي التجارية، واسمها، وعملها، وسمعتها، للترويج لمنتجات (أوبن إيه آي). إنها إهانة. إنه استغلال»، حسبما نقلت وكالة «أسوشييتد برس».

وازداد غضب أورتيز عندما انخرطت إدارة الرئيس دونالد ترمب في الترند الجديد، يوم الخميس، مستخدمةً حساب البيت الأبيض الرسمي على منصة «إكس» لنشر صورةٍ على غرار غيبلي لامرأة تبكي من جمهورية الدومينيكان، اعتقلتها سلطات الهجرة الأميركية مؤخراً.

وكتبت أورتيز على وسائل التواصل الاجتماعي: «من المحزن رؤية شيءٍ بهذه الروعة والجمال، مثل عمل ميازاكي، يُشوّه لإنتاج شيءٍ بهذا السوء»، مضيفةً أنها تأمل أن يُقاضي استوديو غيبلي شركة «أوبن إيه آي» «بشدة» على هذا.


مقالات ذات صلة

تقرير: «أوبن إيه آي» تجري مناقشات لجمع تمويل من السعودية ومستثمرين هنود

الاقتصاد شعار «أوبن إيه آي»... (رويترز)

تقرير: «أوبن إيه آي» تجري مناقشات لجمع تمويل من السعودية ومستثمرين هنود

أفادت صحيفة «ذا إنفورميشن» بأن «أوبن إيه آي» تجري مناقشات لجمع تمويل من السعودية ومستثمرين هنود بقيمة 40 مليار دولار.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم 3 طرقٍ يُحدث بها الذكاء الاصطناعي ثورةً في الطب

3 طرقٍ يُحدث بها الذكاء الاصطناعي ثورةً في الطب

دقة ملحوظة في تشخيص الأمراض من الصور الطبية ونتائج الاختبارات

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا شركة ذكاء اصطناعي... تسعى للاستيلاء على وظيفتك

شركة ذكاء اصطناعي... تسعى للاستيلاء على وظيفتك

«وكلاء» الذكاء الاصطناعي قادرة اليوم على تنفيذ سلسلة طويلة من المهام، والتحقق من عملها بأنفسها كما يفعل الإنسان.

كيفن روز (سان فرانسيسكو)
يوميات الشرق رسم توضيحي لجهاز كمبيوتر يعتمد على جزيئات ثنائية الأبعاد (جامعة ولاية بنسلفانيا)

تطوير أول حاسوب إلكتروني خالٍ من السيليكون

طوَّر باحثون من جامعة ولاية بنسلفانيا الأميركية، حاسوباً إلكترونياً خالياً من السيليكون، الذي يعدّ عنصراً رئيسياً في أشباه الموصلات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق ينشئ الجهاز خريطة رقمية للجيوب الأنفية باستخدام مسح وجه المريض من هاتف ذكي (شركة ساوندهيلث)

سوار ذكي لعلاج احتقان الأنف المزمن لدى الأطفال

اعتمدت إدارة الغذاء والدواء الأميركية سوار «سونو (Sonu)»، جهازاً طبياً قابلاً للارتداء، يعمل بالذكاء الاصطناعي، ويُستخدم في المنزل لعلاج احتقان الأنف.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

مصر: «الباعة الجائلون» يستخدمون «حناجرهم» ببراعة رغم هيمنة التكنولوجيا

أحد الأهالي يحصل على بعض المثلجات من بائع متجول في منطقة العمرانية بالجيزة (الشرق الأوسط)
أحد الأهالي يحصل على بعض المثلجات من بائع متجول في منطقة العمرانية بالجيزة (الشرق الأوسط)
TT

مصر: «الباعة الجائلون» يستخدمون «حناجرهم» ببراعة رغم هيمنة التكنولوجيا

أحد الأهالي يحصل على بعض المثلجات من بائع متجول في منطقة العمرانية بالجيزة (الشرق الأوسط)
أحد الأهالي يحصل على بعض المثلجات من بائع متجول في منطقة العمرانية بالجيزة (الشرق الأوسط)

من شرفة منزل متواضع بمنطقة شعبية في ضاحية الهرم (محافظة الجيزة)، خرجت سيدة ثلاثينية بمجرد أن سمعت النداء: «اللبن... يلاااا اللبن»، بينما ينزل أولادها الثلاثة إلى الشارع بسعادة، يستقبلون البائع المتجول، ليختاروا ما يشتهون، في مشهد يوحي بـ«المكافأة اليومية».

الأول اختار حلوى «الأرز باللبن»، والأخرى «الجُبن»، وثالثهم «اللبن»، والأم تدير حواراً مع البائع وأولادها من شرفتها. كان ذلك في الفترة بين صلاتي المغرب والعشاء، حين يكون الأربعيني هاني محمد، في منتصف رحلته اليومية لبيع منتجاته، وهو يقطع طريقه ببطء، متفحصاً النوافذ؛ لعل أحداً يطلّ.

يتجول هاني، بدراجة هوائية، يحمل على جانبيها قِدر الألبان وفي وسطها صندوق لحمل الجُبن والأرز باللبن، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إنه يعمل بائعاً متجولاً منذ 25 عاماً، ومن دخل هذا العمل ربّى أولاده.

بائع الألبان المتجول واحد ضمن عشرات الباعة ممن يجوبون المنطقة ليل نهار، بعضهم يبيع الخضروات والفاكهة، مطلقين نداءات مثل «مجنونة يا أوطة (طماطم)»، أو يتغزلون في فاكهتهم: «يا بلح ولا تين ولا عنب زيك». وآخرون يبيعون المثلجات و«غزل البنات»، بخلاف «البليلة»، وهي وجبة تُعدّ من القمح، سجل أحد الباعة أغنية للدعاية لها، ونسخها الباقون.

@shroukagag

شاب مصري عامل اغنية للبليلة #بليلة #kenzysala @Shroukagag

♬ الصوت الأصلي - Shroukagag

نوع آخر من المتجولين، هم المنادون على «الروبابيكيا» و«الزيوت المستعملة»، ممن يشترونها مقابل بيعها فيما بعد لآخرين.

اللافت استمرار ظاهرة الباعة المتجولين الذين يعتمدون على النداء المباشر بأصواتهم الجهورية، رغم التطور التكنولوجي وما أحدثه من تغيرات في حركة البيع والشراء، حتى جاوز حجم التجارة عبر الإنترنت في مصر عام 2022 نحو 121 مليار جنيه (الدولار يساوي 49.5 جنيه)، بزيادة 30 في المائة عن عام 2021، وفق مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار.

ويرجع الباحث في الإنثروبولوجيا، وليد محمود، استمرار هذه الظاهرة إلى «طبيعة زبائنهم»، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «زبائنهم لا يتحملون دفع 50 جنيهاً (نحو دولار) لتوصيل السلع».

ربما حمل ذلك مبرراً لوجودهم بكثرة في المناطق «الشعبية» و«الريفية» أو بعض «المدن الجديدة»، لكنهم يتمددون أيضاً إلى مناطق مرفهة. ففي منطقة المهندسين (تبعد نحو 5 كيلو مترات عن وسط القاهرة)، يتجول باعة باستمرار، معلنين عن بضاعتهم بحناجرهم القوية، مزاحمين كبار المحال التجارية صاحبة «البرندات».

تداخل إنساني

فسر الباحث في علم الاجتماع والإنثروبولوجي، عصام فوزي، أسباب توغل الباعة الجائلين بـ«العلاقة الإنسانية التي تنشأ بينهم وبين أهالي المناطق التي يتجولون فيها»، ووصفها بـ«العلاقة الملتبسة، أحياناً ينزعجون منهم ومن أصواتهم العالية، وأخرى يمازحونهم ويشترون منهم وينتظرونهم».

بعدما اختار أبناء سيدة الشرفة ما يشتهونه، تفاجأت الأم بأن طلبات أبنائها جاوزت الـ100 جنيه التي أعطتها لهم، فطلبت من البائع أن تدفع الباقي في اليوم التالي عند مروره، ووافق دون تردد.

ويرجع البائع موقفه إلى «العلاقة الإنسانية» بينه وبين زبائنه، قائلاً: «لا بد أن أشعر بالناس، فأنا أبيع اللبن منذ كان سعره 180 قرشاً للكيلو، والآن أصبح بـ40 جنيهاً».

باعة في منطقة العتبة لا يتجولون لكن لا يستقرون في محال تجارية أيضاً (الشرق الأوسط)

اللحن المميز

يسود الصمت عادةً في منطقة حدائق أكتوبر (تبعد نحو 36 كيلومتراً عن وسط القاهرة) إلا من أصوات الباعة الجائلين، مرة يبيعون أسطوانات الغاز، وأداتهم النقر على الأسطوانة، أو الفواكه مستخدمين عبارات مبتكرة.

والأكثر وجوداً من بينهم في هذه المنطقة هم جامعو «الروبابيكيا»؛ يطلق أحدهم الكلمة «بيكيااااااا»، والآخر «روبابيكيا بيكياااا» ثم يزيد «أيّ كراكيب قديمة... أيّ كتب مدارس... أيّ تلاجات أيّ غسلات»، مستخدمين مكبرات صوت، لينفذ نداؤهم إلى الأدوار المرتفعة، وبعضهم يستخدم تسجيلاً.

ويرى فوزي أن «دخول هذه الأدوات على عمل الباعة انعكاس لتغليب الجوانب النفعية على الفنية»، موضحاً: «في الماضي كانت الجوانب الفنية أكثر وضوحاً حتى أن سيد درويش استلهم بعض ألحانه وأغنياته منهم».

جامع روبابيكيا يستخدم عجلة بصندوق فيما آخرون يستخدمون سيارات نصف نقل (الشرق الأوسط)

يسرح الباحث الاجتماعي الذي جاوز الستين عاماً بذاكرته في زمن طفولته، في مدينة الزقازيق، حين كان يمر بائع «العرقسوس» (مشروب مُثلج) مردداً مقطعاً غنائياً للترويج لمشروبه، والأطفال من حوله يرقصون على نغم الأغنية، مع الصاجات التي يستخدمها هؤلاء أداة إضافية للتنبيه، فضلاً عن ملابس خاصة تميزهم.

حسين الصياد، بائع المثلجات واحد ممن استبدل النداءات المسجلة بصوته، فقبل سنوات كان يتجول في شوارع منطقة العمرانية (جنوب العاصمة) منغماً كلمة «الطبيييييعي»، ويقصد أنه يصنع مثلجاته من فواكه طبيعية. الآن يتجول مع جهاز تسجيل ومكبر صوت يردد «بولة بولة» (وحدة تعبئته). يقول لـ«الشرق الأوسط» إنه «أكثر راحة له، يحافظ على جذب الانتباه وفي الوقت نفسه لا يكلف حنجرته عبء النداء».

ذاكرة للمدن وسلوكها

لا يحمل الباعة الجائلون فقط بضائعهم، لكنهم يحملون معها «ذاكرة المدن وسلوكيات قاطنيها»، وفق فوزي، قائلاً: «كل منهم قادر على رصد تفاصيلها بدقة، ويتغيرون فيعكسون تغير تلك المدن».

كان بائع الألبان هاني محمد يتجول حاملاً «زُمارة» لتنبيه زبائنه بقدومه، لكن «بسبب الأطفال الذين يتندرون عليّ، لم أعد أستخدمها، وأضطر للنداء الذي يرهق حنجرتي، خصوصاً أنني لا أستخدم مكبر صوت، حتى لا أزعج السكان». ويضيف بأسى: «الأخلاق لم تعد متوفرة مثلما كانت قديماً».

تغيُّر آخر يتمثل في حالة «الركود» التي يرصدها هاني، وكذلك بائع الخضروات شعبان رجب (30 عاماً) الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»، إنه «يبدأ عمله في الصباح بالتمركز في نقطة معينة، لكن مع تقدم اليوم، وركود البيع يتجول بحثاً عن الرزق».

وتواجه مصر أزمة اقتصادية منذ عام 2016، دفعت الحكومة إلى تحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار أكثر من مرة، وكذلك اللجوء للاقتراض من صندوق النقد الدولي. وانعكس ذلك على مستوى معيشة الكثيرين وسط ارتفاع لنسبة التضخم، التي سجلت في مايو (أيار) الماضي، على مستوى سنوي 13.1 في المائة.

بائع الألبان هاني محمد خلال جولته بإحدى ضواحي الهرم (الشرق الأوسط)

ويقول بائع الألبان: «كنت أتجول ببضاعة 3 أضعاف الحالية، وتُباع في وقت أقل، الآن أحتاج إلى 6 ساعات حتى أتمكن من بيع بضاعتي رغم قلتها».

ويعدُّ فوزي أن «الباعة الجائلين ظاهرة تتجاوز الزمن»، إذ إنهم «موجودون منذ قرون، منذ كانوا ينادون (شكوكو بإزازة) فهؤلاء من أوائل الباعة الجائلين، كانوا يعدون لعبة بلاستيكية بسيطة على شكل الفنان الكوميدي محمود شكوكو (1912-1985)، حتى يشجعوا الأطفال على تقديم ما لديهم من زجاجات فارغة، تستخدم في عمليات إعادة التدوير».

ولا يبدي الباحث في الإنثروبولوجي وليد محمود التقدير ذاته لهم، إذ يذهب ذهنه إلى «باعة المترو ووسائل النقل» الذين وفق قوله «يبيعون بضائع غير مطابقة للمواصفات»، ويضيف: «بعضهم يمارس الشحاتة (التسول) تحت ستار البيع».

أما المتجولون في الأحياء الشعبية فيرى أنهم «يتهربون من الضرائب، ويزعجون السكان بنداءاتهم المتكررة»، على حد تعبيره.