ضربات هندسية صينية رائعة تُوِّجت بذكاء اصطناعي «عملاق ورخيص»

حظر الرقائق الأميركية المتطورة أدى إلى ظهور وحش يسمى «ديب سيك»

ضربات هندسية صينية رائعة تُوِّجت بذكاء اصطناعي «عملاق ورخيص»
TT

ضربات هندسية صينية رائعة تُوِّجت بذكاء اصطناعي «عملاق ورخيص»

ضربات هندسية صينية رائعة تُوِّجت بذكاء اصطناعي «عملاق ورخيص»

أحدثت شركة الذكاء الاصطناعي الصينية «ديب سيك» ضجة في قطاع صناعة الذكاء الاصطناعي. إذ بعد حرمانها من أقوى الرقائق التي يُعتقد أنها ضرورية لإنشاء نماذج الذكاء الاصطناعي الحديثة، نجحت «ديب سيك» في تحقيق بعض الضربات الهندسية الرائعة التي سمحت للباحثين بفعل المزيد بأقل قدر من الموارد.

أداء متطور أفضل من جميع النماذج

حققت نماذج «ديب سيك» -V3 وDeepSeek-R1 التي أصدرتها الشركة أخيراً أداءً متطوراً في اختبارات المقارنة وهي تكلف وقتاً ومالاً أقل بكثير للتدريب والتشغيل من النماذج المماثلة.

نتائج لجميع الباحثين في العالم

أما «الكرز على الكعكة» فتجسَّد في إظهار باحثي الشركة نتائج عملهم؛ لقد شرحوا الاختراقات في أوراق البحث وفتحوا النماذج حتى يتمكن الآخرون من استخدامها لإنشاء نماذجهم ووكلائهم الخاصة.

قيود أميركية على الرقائق

السبب الرئيسي وراء اضطرار «ديب سيك» إلى فعل المزيد بموارد أقل، هو أن إدارة بايدن وضعت سلسلة من القيود على صادرات الرقائق قائلةً إن شركات تصنيع الرقائق الأمريكية مثل «نفيديا» لا يمكنها تصدير أقوى وحدات معالجة الرسومات (وحدات معالجة الرسومات، الشريحة المفضلة لتدريب الذكاء الاصطناعي) إلى دول خارج الولايات المتحدة.

بدأ هذا الجهد في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، وجرى تحديثه وضبطه عدة مرات لإغلاق الثغرات. وأصدر بايدن أمراً تنفيذياً قبل وقت قصير من مغادرته منصبه بتشديد القيود بشكل أكبر.

«ديب سيك» إبداع برقائق أضعف

يبدو أن «ديب سيك» التزمت بالقواعد، فقد اكتفت بشرائح H800 التي سمحت الولايات المتحدة لشركة «نفيديا» ببيعها في الصين، بدلاً من H100 الأكثر قوة التي تستخدمها شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي الأمريكية.

مع الرقائق الأقل قوة، اضطر الباحثون إلى إيجاد طرق لتدريب وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي باستخدام ذاكرة وقوة حوسبة أقل.

تستخدم نماذج «ديب سيك» نهج «مزيج من الخبراء mixture of experts»، الذي يسمح لهم بتنشيط مجموعة فرعية فقط من معاملات النموذج المتخصصة في نوع معين من الاستعلام. ويوفر هذا النهج الطاقة الحاسوبية ويزيد السرعة.

لم تخترع شركة «ديب سيك» هذا النهج، إذ يستخدمه نموذج «GPT-4» من «أوبن إيه آي» ونموذج «DBRX» من «داتابريكس»، لكن الشركة وجدت طرقاً جديدة لاستخدام البنية لتقليل وقت معالجة الكمبيوتر اللازم في أثناء التدريب المسبق، وهي العملية التي يعالج فيها النموذج كميات هائلة من البيانات من أجل تحسين معاملاته للاستجابة بشكل صحيح لاستفسارات المستخدم.

تقليل الذاكرة المخصصة لتخزين البيانات

في «ديب سيك»-R1، وهو نموذج استدلالي يضاهي أحدث سلسلة من نماذج OpenAI o1 (تم الإعلان عنها في سبتمبر - أيلول)، وجدت «ديب سيك» طرقاً لتوفير الوقت في أثناء وقت الاستدلال، عندما «يفكر» النموذج من خلال طرق مختلفة للوصول إلى إجابة جيدة. في أثناء عملية التجربة والخطأ هذه، يجب على النظام جمع وتخزين مزيد ومزيد من المعلومات حول المشكلة والحلول الممكنة لها في «نافذة السياق»، (ذاكرته)، في أثناء عمله.

مع إضافة نافذة السياق لمزيد من المعلومات، تقفز الذاكرة وقوة المعالجة المطلوبة بسرعة. ربما يكون أكبر ابتكار لشركة «ديب سيك» هو تقليل مقدار الذاكرة المخصصة لتخزين كل هذه البيانات بشكل كبير.

بشكل عام، يخزن نظام R1 بيانات السياق في شكل مضغوط، مما يؤدي إلى توفير الذاكرة وتحسين السرعة دون التأثير في جودة الإجابة التي يراها المستخدم.

تكلفة يسيرة جداً مقارنةً بالنماذج الأميركية

قالت شركة «ديب سيك» في ورقة بحثية إن تكلفة تدريب نموذج V3 الخاص بها بلغت 5.576 مليون دولار فقط. وبالمقارنة، قال الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي» سام ألتمان، إن تكلفة تدريب نموذج GPT-4 الخاص بها كانت أكثر من 100 مليون دولار.

أفضل تطبيق مجاني رائد

منذ إصدار «ديب سيك» V3، كان المطورون يشيدون بأداء النموذج وفائدته. والآن يتبنى المستهلكون الآن روبوت محادثة جديداً من «ديب سيك» مدعوماً بنموذجي V3 وR1، (الذي أصبح الآن رقم واحد في تصنيف أبل للتطبيقات المجانية)، ومع ذلك، فقد اجتذب هذا النجاح هجمات إلكترونية ضد «ديب سيك» وتسبب في تقييد الشركة لتسجيلات المستخدمين الجدد مؤقتاً.

ترويج خادع

على مدى العامين الماضيين، كانت السردية في هذا القطاع تتمثل في فكرة أن إنشاء نماذج متطورة يتطلب مليارات الدولارات، إضافة إلى الكثير من أسرع شرائح «نفيديا»، وأعداد كبيرة من الباحثين المتميزين.

والآن يجري في جميع أنحاء القطاع وفي دوائر الاستثمار، تحدي هذا الافتراض. ونتيجة لذلك، انخفض سهم «نفيديا» بنحو 17 في المائة أمس (الاثنين)، حيث يشكك المستثمرون في افتراضاتهم حول الطلب على وحدات معالجة الرسومات باهظة الثمن.

مختبر بحث صيني متفوق

وكل هذا يحدث لأن مختبراً صغيراً من الباحثين الصينيين كانوا يعرفون أنهم سيحتاجون إلى بعض الاختراقات الهندسية الكبيرة من أجل إنشاء نماذج متطورة باستخدام شرائح أقل من أحدث التقنيات.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


مقالات ذات صلة

ما تأثير الذكاء الاصطناعي على العملات الرقمية؟

تكنولوجيا شهد مجالا التكنولوجيا والعملات الرقمية تطورات سريعة في السنوات الأخيرة كان من أبرزها صعود تقنيات الذكاء الاصطناعي (رويترز)

ما تأثير الذكاء الاصطناعي على العملات الرقمية؟

شهد مجالا التكنولوجيا والعملات الرقمية تطورات سريعة في السنوات الأخيرة، كان من أبرزها صعود تقنيات الذكاء الاصطناعي مع إمكانية استخدامه في هذين المجالين.

شادي عبد الساتر (بيروت)
تكنولوجيا أصبح الناس أكثر ذكاءً في استخدام الذكاء الاصطناعي وقد تحتوي هذه التكنولوجيا على قدر كبير من المخاطر (رويترز)

كيف تحمي نفسك من الذكاء الاصطناعي؟

قد تحتوي تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على قدر كبير من المخاطر، فمثلاً تتيح أدوات الذكاء الاصطناعي للمجرمين إنشاء رسائل واقعية.

إبراهيم محمود («الشرق الأوسط»)
الاقتصاد شريحة ذكاء اصطناعي من سلسلة «إم آي 350» لشركة «إيه إم دي» معروضة في سان خوسيه بكاليفورنيا (رويترز)

ماليـزيا تفرض قيوداً صارمة على تصدير شرائح الذكاء الاصطناعي الأميركية

فرضت ماليزيا، يوم الاثنين، قيوداً صارمة على تصدير وإعادة شحن وعبور جميع شرائح الذكاء الاصطناعي المصنّعة في الولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (كوالالمبور )
يوميات الشرق المؤثرة من صنع الذكاء الاصطناعي مايا زيلو (إنستغرام)

مايا زيلو... مؤثرة موضة «وهمية» تجذب الآلاف على «إنستغرام»

مايا زيلو مؤثرة ذات شعبية كبيرة على «إنستغرام»... لكنها مُولّدة بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
تكنولوجيا شهدت تطبيقات الذكاء الاصطناعي قفزة هائلة في السنوات الأخيرة (رويترز)

ما أفضل تطبيقات الذكاء الاصطناعي على الهواتف الذكية؟

شهدت تطبيقات الذكاء الاصطناعي قفزة هائلة في السنوات الأخيرة، فبعد أن كانت مقتصرة على أجهزة الحاسوب المكتبي عام 2022، أصبحت اليوم جزءاً أساسياً من تجربة الهواتف.

شادي عبد الساتر (بيروت)

الذكاء الاصطناعي يقلب المعادلة في فوضى «الحميات الغذائية»

الذكاء الاصطناعي يقلب المعادلة في فوضى «الحميات الغذائية»
TT

الذكاء الاصطناعي يقلب المعادلة في فوضى «الحميات الغذائية»

الذكاء الاصطناعي يقلب المعادلة في فوضى «الحميات الغذائية»

قال أبقراط في عام 400 قبل الميلاد: «اجعل غذاءك دواءك، واجعل دواءك غذاءك». ومنذ آلاف السنين، أدرك الإنسان أن ما يضعه في طبقه قد ينقذ حياته أو يدمرها. لكن في عصر الخوارزميات والبيانات الضخمة، هل ما زال علم التغذية يسير على هدى؟ أم أننا نأكل بناءً على توصيات متناقضة، وصفها أحد أشهر أطباء العصر بأنها «أقرب إلى التخمين»؟

فوضى الحميات الغذائية

وسط الفوضى المتزايدة في عالم الحميات الغذائية والنصائح الصحية المتضاربة، يبرز تساؤل محوري: هل لا يزال علم التغذية يسير على أسس علمية راسخة، أم أننا أصبحنا أسرى توصيات متناقضة أقرب إلى التخمين منها إلى الدليل؟

ولم يأت وصفٌ كهذا من ناقد عابر، بل صدر عن أحد أبرز أطباء العصر، الدكتور إريك توبول (Eric Topol) طبيب القلب الأميركي الشهير، والعالم الرائد في استخدامات الذكاء الاصطناعي في الطب، ومدير معهد سكريبس للأبحاث الانتقالية (Scripps Research Translational Institute) في كاليفورنيا.

يُعد الدكتور إريك توبول من الأصوات الرائدة في إعادة تشكيل ملامح الطب الحديث، وهو أحد أبرز من تصدوا لنقد النماذج التقليدية في الرعاية الصحية. وقد ألّف عدداً من الكتب المرجعية التي أحدثت تأثيراً عالمياً، من أبرزها Deep Medicine وThe Creative Destruction of Medicine، حيث مهّد من خلالها لفهمٍ جديد لدور البيانات في التشخيص والعلاج واتخاذ القرار الطبي.

وفي 17 يونيو (حزيران) الماضي، شارك توبول بصفته ضيفاً رئيسياً في «بودكاست دولي» بثّ عبر منصة YouTube تحت عنوان:

«Shocking Truth About AI, Chronic Disease, Toxins, Diet & Lifestyle For Longevity».

«طب التغذية الرقمي»

وقدّم الباحث رؤية ثاقبة حول كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي لتطوير استراتيجيات تغذية شخصية قائمة على تحليل شامل لنمط حياة الفرد، وتاريخه المرضي، والعوامل البيئية التي يتعرض لها.

وفي حوارٍ لافت، قال توبول: «نحن لا نحتاج إلى مزيد من الدراسات العامة، بل إلى تغذية دقيقة مخصّصة للفرد. وهذا لن يتحقق إلا من خلال الذكاء الاصطناعي الذي يربط بين بيانات الطعام الحقيقي، والجينات، والسجلات الصحية في آن واحد».

وقد دعا توبول إلى تبنّي مفهوم جديد أطلق عليه اسم «طب التغذية الرقمي» (Digital Nutrition Medicine)، وهو نهج طبي مستقبلي يمكّن الأطباء من تصميم أنظمة غذائية فائقة التخصيص، تتوافق مع الشيفرة الوراثية لكل شخص، وتاريخه الصحي، وأسلوب حياته، في محاولة للانتقال من التغذية العامة إلى التغذية العميقة والدقيقة، بمساعدة تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحليل الجيني.

لا تكاد تمرّ أشهر قليلة حتى تنقلب قائمة «الأطعمة الصحية» رأساً على عقب: ما كان يُصنّف بالأمس غذاءً ضاراً، يتحوّل اليوم إلى عنصر مفيد، والعكس صحيح. فبعد أن وُصِفت الدهون لعقود بأنها العدو الأول للقلب، اكتُشف لاحقاً أن بدائلها من السمن النباتي غنية بدهون متحولة أشد فتكاً.

أما البيض، الذي وُضِع تحت الحظر الغذائي الصارم، عاد ليوصى به كمصدر مثالي للبروتين. وبالنسبة للكحول، تنقل في التوصيات الطبية بين كونه حامياً للقلب إلى كونه مادة مسرطِنة بلا نقاش.

هشاشة أدلة الادعاءات الغذائية

لكن ما السبب وراء هذا التخبّط؟ الجواب، ببساطة، هو هشاشة الأدلة التي تُبنى عليها كثير من هذه الادعاءات: معظم «الاكتشافات» الغذائية لا تستند إلى تجارب سريرية صارمة، بل إلى دراسات رصدية تعتمد على ما يتذكره المشاركون عن طعامهم، وهي ذاكرة كثيراً ما تتعرض للتشويش والنسيان.

ولتفكيك هذه المنهجية، لا بد من فهم المفاهيم الثلاثة التالية:

> الدراسات الرصدية أو دراسات الملاحظة (Observational Studies): تعتمد على استبيانات شاملة تسأل آلاف الأشخاص عمّا تناولوه من طعام، ثم تربط هذه البيانات بمعدلات الإصابة بأمراض معينة.

> الإبلاغ الذاتي (Self-reporting): يُفترض أن يتذكّر الأشخاص، بدقّة، ما أكلوه على مدار شهور وربما سنوات... وهي مهمة مستحيلة، حتى بعد عشاء البارحة!

> غياب العلاقة السببية (Lack of Causality): مجرد وجود علاقة بين نوع من الطعام ومرض معين لا يعني بالضرورة أن الأول تسبب في الثاني؛ فالارتباط لا يعني السببية.

ويُعلق على هذا النهج البروفسور الشهير جون إيوانيديس (John Ioannidis)، أستاذ علم البيانات الطبية في جامعة ستانفورد وأحد أبرز نقّاد البحوث العلمية في العالم، قائلاً: «كثير من الدراسات الغذائية يمثل سلسلة من الأوهام الإحصائية التي تُغذّي الإعلام أكثر مما تُغذّي العقول».

دراسات بنتائج صادمة

في خضم هذا الجدال، جاءت دراسة PURE الشهيرة والتي بدأت عام 2003 وما زالت مستمرة بقيادة البروفسور سليم يوسف من جامعة ماكماستر الكندية - وهي واحدة من أضخم الدراسات التغذوية في التاريخ - لتُحدث زلزالاً في الأوساط العلمية. فقد تابعت الدراسة أكثر من 135 ألف شخص في 18 دولة على مدى سنوات، وانتهت إلى نتيجة صادمة: السبب الأول في أمراض القلب والوفاة لم يكن الدهون، بل الكربوهيدرات، التي طالما اعتُبرت أقل ضرراً.

لم تقف المفاجآت عند هذا الحد. ففي عام 2017، كشفت دراسة كبرى نُشرت في Journal of the American Medical Association أن نحو 45 في المائة من وفيات أمراض القلب، والسكتات الدماغية، والسكري في الولايات المتحدة يمكن ربطها بعشر عادات غذائية فقط، أبرزها نقص تناول المكسرات والخضراوات الكاملة وزيادة استهلاك الصوديوم والمشروبات المحلاة. ومع ذلك، ورغم الأرقام الصادمة، فإن هذه الدراسة، كغيرها، لم تتمكن من إثبات العلاقة السببية المباشرة.

كانت الرسالة غير المعلنة صادمة بوضوحها: نحن نخسر أرواحاً كل يوم بسبب جهلنا في علوم التغذية... لكننا لا نعرف من أين نبدأ أو بمن نثق.

ثلاث دراسات حديثة

وفي هذا الشهر فقط، تصدّرت ثلاث دراسات علمية بارزة المشهد الطبي، وطرحت تساؤلات جذرية حول ما نعدّه «حقائق غذائية» ثابتة:

> هل الملح بريء (من التهم الموجهة إليه)؟ في دراسة نُشرت في مجلة Frontiers in Nutrition، توصّل فريق بحثي أميركي - صيني إلى أن ارتفاع مستويات الصوديوم في النظام الغذائي قد يُقلّل من خطر الوفاة بنسبة 11 في المائة لدى مرضى حصى الكلى، في تناقض صريح مع التوصيات الغذائية العالمية التي طالما حذّرت من الملح.

> الصويا تثير القلق لدى الأطفال: في بحث نُشر في Journal of Pediatric Urology، كشف باحثو جامعة سينسيناتي أن الأطفال الذين يعتمدون على تغذية أنبوبية تحتوي على الصويا، أظهروا مستويات مرتفعة من الأوكسالات البولية، وهو عامل خطر معروف في تكوّن الحصى الكلوية.

> نهاية «الكأس اليومي»: أعلنت مسودّة الإرشادات الغذائية الأميركية لعام 2025 حذف التوصية التقليدية التي طالما شجّعت على استهلاك الكحول «باعتدال». وهو تحوّل كبير يُنهي عقوداً من الجدل العلمي حول فوائد كأس النبيذ اليومي.

هذه الدراسات أعادت فتح ملف تاريخي طالما أثار الجدل. ففي ستينيات القرن الماضي، نشر عالم الفسيولوجيا الأميركي أنسل كيز (Ancel Keys) دراسته الشهيرة «دول السبع»، التي زعمت أن الدهون المشبعة هي الجاني الأساسي في أمراض القلب. لكن كيز استبعد عمداً بيانات من 15 دولة أخرى لم تتماشَ مع فرضيته، ورغم ذلك، تبنّت جمعية القلب الأميركية نتائجه، واندلعت «حرب الزبدة»، لتُستبدل بالدهون الطبيعية دهون صناعية (Trans fats)، قبل أن نكتشف لاحقاً أنها مسرطنة وتم حظرها عالمياً.

في تعليقه على هذه الفوضى، يقول الدكتور إريك توبول بوضوح: «ما دمنا نستمر في تقديم توصيات غذائية عامة للجميع، فستبقى الأمراض العامة تطارد الجميع. والحل الوحيد هو التخصيص الدقيق... والذكاء الاصطناعي هو المفتاح».

إننا نقف على أعتاب عصر جديد: عصر يُصمَّم فيه نظامك الغذائي لك وحدك، بناءً على جيناتك، طريقة تفاعل جسدك مع الطعام، وتاريخك الصحي الكامل. لا مزيد من الوصفات العامة. بل تغذية دقيقة... بإشراف خوارزميات ذكية. وأخيراً، آن أوان التغذية الذكية الدقيقة: زمنٌ تُقرِّر فيه الخوارزميات، لا العناوين الصحافية الصاخبة، وصفة غذائك اليومي. والخلاصة الذهبيّة أن التوصيات الكلاسيكية تنقضُّ على نفسها واحدةً تلو الأخرى.

الذكاء الاصطناعي يفتح الباب لثورة علميّة تُعيد تعريف ما هو «صحي» وفق بياناتك الحيّة، لا وفق متوسطات عامّة. والقاعدة الأهم: لا تُقصي طعاماً بلا دليل، ولا تتّبع حمية لمجرد أنّها رائجة.

في عالمٍ تتبدّل فيه النصائح مع كل موسم، قد يكون الذكاء الاصطناعي أوّل خبير تغذية يمكن الوثوق به حقاً.