ملابس تنمو في المختبرات... تحوك خيوطها الروبوتات

تطوير حمض نووي مماثل لألياف النباتات ووبر الحيوانات

ملابس تنمو في المختبرات... تحوك خيوطها الروبوتات
TT

ملابس تنمو في المختبرات... تحوك خيوطها الروبوتات

ملابس تنمو في المختبرات... تحوك خيوطها الروبوتات

على مدار مليارات السنين، أمدنا التطور بمواد رائعة لصنع الملابس: الكشمير الناعم، والصوف المنظم لدرجة الحرارة، والحرير الفاخر، والقطن المتين.

مواد خام تهدّد البيئة

ومع ذلك، نشهد في عصرنا الحالي ارتفاعاً مهولاً في عدد سكان الأرض، لذا فإن جهود إنتاج ما يكفي من هذه المواد الخام لتلبية حاجتنا الشرهة إلى اقتناء الملابس، تؤثر بالسلب في البيئة. وتتسبّب تربية الأغنام وحصاد القطن في تدهور التربة؛ ناهيك بأن شحن المواد حول العالم يُطلق انبعاثات كربونية في الغلاف الجوي.

«زراعة» ألياف الملابس مختبرياً

ترى شركة «فوليباك» (Volleback) الناشئة، ومقرها لندن، المتخصصة في صناعة الملابس المستقبلية، أن هناك طريقة أفضل لصنع هذه المواد؛ عن طريق زراعتها في أطباق مختبرية. واعتماداً على الهندسة الجزيئية، طوّرت الشركة مادة جديدة تماماً تحاكي الحمض النووي للألياف التي تأتي من النباتات والحيوانات. ويتميّز النسيج الناتج الذي يجري إنشاؤه بواسطة آلة حياكة ثلاثية الأبعاد، بملمس يشبه مزيجاً من الكشمير والصوف والحرير.

وحديثاً، أطلقت «فوليباك» مجموعتها الأولى التي تتميّز بهذه الألياف المزروعة داخل المختبر، وتشمل سترة وقبعة ووشاحاً، بسعر يتراوح بين 245 و595 دولاراً.

جدير بالذكر أن «فوليباك» تأسّست قبل ثماني سنوات على يد التوأمين نيك وستيف تيدبول، اللذين حصلا على شهادة جامعية في الهندسة المعمارية وتاريخ الفن، وبعد ذلك، أطلقا هذه الشركة الناشئة بغرض الجمع بين حبهما للتصميم واهتمامهما بالعلوم والتكنولوجيا.

والآن، يخوضان مهمة لتصميم ملابس المستقبل.

ملابس متينة ومضادة للفيروسات

وبالفعل، ابتكر الشقيقان ملابس مدمجة بالنحاس لقتل الفيروسات. كما ابتكرا سترة تتميّز بغلاف خارجي مصنوع من المظلات التي حملت آخر مركبة «روفر» على المريخ، في حين يتميّز الجزء الداخلي منها بدرع حرارية من الهلام الهوائي، مصممة للعصر الذي سيصبح فيه السفر عبر الفضاء جزءاً من حياة الناس اليومية.

وفي هذا الصدد، أوضح نيك قائلاً: «لسنا مهتمين باستكشاف الأفكار الموجودة بالفعل بصناعة الموضة، وإنما نشعر أنه يمكننا ترك بصمة صغيرة على العالم، من خلال مساعدة الصناعة على استكشاف ما سنرتديه في العقد أو القرن المقبل».

تقاطع علم الأحياء مع تصميم الملابس

وأكد نيك أنه تعرّف للمرة الأولى على مفهوم المواد المزروعة في المختبر، منذ خمس سنوات. حدث ذلك عندما طالع عمل نيري أوكسمان، الأستاذ السابق في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، الذي استكشف عمله التقاطع بين علم الأحياء ومجال تصميم الملابس. وبعد ذلك، سمع عن مختبر ياباني يسمى «سبايبر»، يزرع المواد الحيوية عن طريق تغيير الحمض النووي للكائنات الحية الدقيقة. وعام 2015 تمكّن «سبايبر» من إنتاج نوع جديد تماماً من البروتين. أما المنتج الأول للمختبر فكان عبارة عن مادة تعتمد على الحمض النووي لحرير العنكبوت، لكنها شكلت نوعاً جديداً تماماً من النسيج، أطلقوا عليها اسم «البروتين المخمر».

مزيج من الكشمير والصوف والحرير

قبل عام، قررت شركة «فوليباك» أن تتعاون مع معمل «سبايبر»، لإنشاء مادة جديدة يمكن استخدامها في الملابس المنسوجة. وباستخدام تقنية بروتين التخمير من «سبايبر»، أصبح من الممكن الجمع بين هياكل جزيئية مختلفة لإنشاء أنماط من النسيج جديدة تماماً، ومع ذلك فإنها تحاكي جوانب من أنماط أخرى موجودة بالفعل. وقد تعاون الجانبان لإنشاء مادة عبارة عن مزيج من الكشمير والصوف والحرير؛ ثلاثة من أنعم أنواع النسيج الطبيعية.

ويمكن تصنيع النسيج عبر عملية تخمير صناعية، تماماً كما يحدث عند تخمير النبيذ أو الخبز. وشعر نيك، الذي زار قريباً مطعم «نوما» الدنماركي، الذي يستخدم الكثير من التخمير في الطهي، بالانبهار بهذه العملية. وقال: «إنها العملية نفسها بشكل أساسي».

وبمجرد برمجة الميكروبات باستخدام الحمض النووي للبروتين، يجري وضعها في خزان فولاذي عملاق يحتوي على سكريات، حيث تبدأ في التكاثر بسرعة، وتتحول إلى بوليمر البروتين.

ألياف مختبرية يحوكها الروبوت

في النهاية، يجري تجفيف بوليمر البروتين ليتحول إلى مسحوق، ثم إذابته في مذيب وطرده عبر فوهات إلى الماء، ليخلف وراءه أليافاً بروتينية فائقة الدقة يمكن غزلها وحياكتها ونسجها في الأقمشة. وفي هذا الإطار، دخلت «فوليباك» في شراكة مع شركة تستخدم روبوتات ثلاثية الأبعاد الآلية لحياكة المنتجات.

من جهته، يهتم فريق العمل في «فوليباك» بمدة استدامة هذه المنسوجات، مقارنة بتلك التي تتعيّن زراعتها في الطبيعة. يُذكر أن صناعة الملابس والأزياء واحدة من أكثر الصناعات تلويثاً على مستوى العالم، فهي مسؤولة عما يصل إلى 8.6 في المائة من الانبعاثات المسببة للتغيرات المناخية عالمياً، و20 في المائة من تلوث المياه، وفقدان الموائل الطبيعية، والتلوث الناجم عن المواد البلاستيكية الدقيقة، وأكثر من ذلك بكثير. ومع ذلك، فإن عملية تصنيع البروتين المخمر التي تجري في بيئة مختبرية خاضعة للرقابة؛ تُسهم في تراجع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 79 في المائة، وانخفاض بنسبة 97 في المائة في استخدام الأراضي واستهلاك المياه.

تكلفة عالية وطلبات متزايدة

من ناحية أخرى، فإن أسعار المنتجات في المجموعة الجديدة ليست بالزهيدة، خصوصاً أن إنتاج أنواع النسيج الجديدة مكلف، لما يستلزمه من جهود كبيرة بمجالي البحث والتطوير، علاوة على أن التصنيع يجري على دفعات صغيرة.

ومع ذلك، تحظى شركة «فوليباك» بقاعدة عملاء متنامية منتشرة في مدن حول العالم، وتأتي 60 في المائة من الطلبات من الولايات المتحدة. وهؤلاء الأشخاص ملتزمون بمهمة «فوليباك»، ويرون أنفسهم من أوائل من تبنّوا المسيرة الجديدة. وعن ذلك، قال نيك: «يحب عملاؤنا التكنولوجيا، ويرغبون في الحصول على ملابس تتماشى مع قيمهم»

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا».

حقائق

8.6 %

من الانبعاثات المسببة للتغيرات المناخية عالمياً تأتي من قطاع صناعة الأزياء

حقائق

20 %

من تلوّث المياه في العالم تأتي من صناعة الأزياء


مقالات ذات صلة

سماعة طبية جديدة قد تحدث ثورة في علاج أمراض القلب

يوميات الشرق تشهد التقنيات الطبية القابلة للارتداء تطوراً كبيراً (جامعة جنوب أستراليا)

سماعة طبية جديدة قد تحدث ثورة في علاج أمراض القلب

كشف باحثون من جامعة «سيتي هونغ كونغ» في الصين، عن سماعة طبية تعد الأحدث ضمن «أجهزة استشعار صوت القلب القابلة للارتداء».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
تكنولوجيا ساعة «أبل» «أبل سيريس 10» الخفيفة

أفضل المختارات من هدايا الأجهزة التكنولوجية

إن وظيفتنا في موقع «سي نت» الإلكتروني هي التدقيق في كل تلك الأجهزة الإلكترونية الجديدة... وهو أمر مرح ولطيف، لكنه يضعنا في الوقت ذاته في موضع مسؤولية حقيقية،…

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا جرس «رينغ بالكاميرا والبطارية» الذكي

طوّر منزلك الذكي بأجهزة مبتكرة في المنطقة العربية

«الشرق الأوسط» تختبر جهازين جديدين

خلدون غسان سعيد (جدة)
تكنولوجيا تعمل استراتيجيات مثل الأمن متعدد الطبقات واستخبارات التهديدات المتقدمة على تعزيز دفاعات الشركات السعودية (شاترستوك)

السعودية تسجل 44 % انخفاضاً في الهجمات الإلكترونية حتى نوفمبر مقارنة بـ2023

تواجه السعودية التحديات السيبرانية باستراتيجيات متقدمة مع معالجة حماية البيانات وأمن السحابة وفجوات مواهب الأمن السيبراني.

نسيم رمضان (لندن)
خاص تتضمن الاتجاهات الرئيسة لعام 2025 الاستعداد الكمومي وممارسات الأمن السيبراني الخضراء والامتثال (شاترستوك)

خاص كيف يعيد الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية تشكيل الأمن السيبراني في 2025؟

«بالو ألتو نتوركس» تشرح لـ«الشرق الأوسط» تأثير المنصات الموحدة والذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية على مستقبل الأمن السيبراني.

نسيم رمضان (لندن)

جينات سرطان الثدي... تهدّد صحة الرجال

جينات سرطان الثدي... تهدّد صحة الرجال
TT

جينات سرطان الثدي... تهدّد صحة الرجال

جينات سرطان الثدي... تهدّد صحة الرجال

عندما اكتشفت ماري كلير كينغ، أول جين على صلة بسرطان الثدي الوراثي عام 1990، تعيّن عليها اختيار اسم له. وبالفعل، استقرت على أربعة حروف «بي آر سي إيه» (BRCA)، وهو الاسم الذي حمل ثلاثة معانٍ مميزة. وجاء اختيار هذا الاسم تكريماً لجامعة «كاليفورنيا» ببيركلي؛ حيث كانت تعمل كينغ آنذاك. الأهم من ذلك، حمل الاسم إشارة إلى بول باروكا، الطبيب الفرنسي الذي عاش في القرن الـ19، والذي أقرّت أبحاثه وجود صلة بين التاريخ الصحي العائلي والإصابة بسرطان الثدي. كما حمل الاسم الجديد اختصاراً لمرض سرطان الثدي «breast cancer».

جينات سرطان الثدي

في غضون سنوات قليلة من اكتشاف كينغ «BRCA1»، جرى اكتشاف جين آخر «BRCA2». واليوم، نال هذان الجينان شهرة ربما تفوق أي جين آخر، وتعزّزت صورتهما عبر أبحاث كشفت عن تأثيرات هائلة لهما على خطر الإصابة بالسرطان. وأعقب ذلك إطلاق حملات توعية بخصوص الجينين.

وفي مقال رأي نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» عام 2013، كشفت الممثلة أنجلينا جولي خضوعها لعملية استئصال الثديين الوقائية، بسبب طفرة جين «BRCA» لديها، مما دفع الكثير من النساء إلى إجراء اختبارات حمض نووي.

وبالفعل، أصبح جينا «BRCA» على صلة وثيقة بالثديين، بقدر ما أصبحت الشرائط الوردية رمزاً دولياً لسرطان الثدي. ومع تحفيز المزيد من النساء نحو محاولة اكتشاف ما إذا كان لديهن طفرات «BRCA»، ساعد ذلك بدرجة هائلة في تقليص مخاطر الإصابة بسرطان الثدي الوراثي.

طفرات سرطانية

ومع ذلك، على مدار العقود الثلاثة منذ اكتشاف الجينين، تعلّم العلماء كذلك أن طفرات «BRCA» يمكن أن تسبّب الإصابة بالسرطان في المبايض والبنكرياس والبروستاتا. وفي الآونة الأخيرة، جرى الربط بين هذه الطفرات وظهور السرطان بأجزاء أخرى من الجسم، مثل: المريء، والمعدة، والجلد.

وتشير تقديرات إلى أن ما يصل إلى 60 في المائة من الرجال الذين لديهم تغيرات في جين «BRCA2»، يُصابون بسرطان البروستاتا. ومع ذلك، نجد أن الرجال أقل وعياً عن النساء بفكرة أن طفرات جين «BRCA» يمكن أن تؤثر فيهم.

وفي حديث دار بيني وبين كولين بريتشارد، بروفسور الطب المخبري وعلم الأمراض بجامعة «واشنطن»، قال: «إنها مشكلة تتعلّق بالصورة العامة»، مشيراً إلى أن الرجال الذين لديهم تاريخ عائلي من الإصابة بسرطان الثدي، ربما لا يدركون أن من الضروري خضوعهم للفحص. كما يفتقر الأطباء إلى الوعي اللازم بخصوص الرجال الذين يجب أن يخضعوا للفحص، وطبيعة الخطوات التي يجب اتخاذها عند اكتشاف طفرة.

واليوم، يعمل بريتشارد وباحثون آخرون على إعادة تسمية جين «BRCA»، والمتلازمة المرتبطة به، بهدف دفع المزيد من الرجال إلى إجراء الاختبار اللازم.

في العادة، تنتج جينات «BRCA» بروتينات تساعد في إصلاح الحمض النووي التالف في جميع أنحاء الجسم. ويجري تشخيص معظم الأشخاص الذين يحملون طفرات تضعف وظيفة الجين، بمتلازمة سرطان الثدي والمبيض الوراثي. (يعني وجود عرض سرطان الثدي والمبيض الوراثي، أن الشخص معرّض لخطر متزايد للإصابة بالسرطان، وليس أنه مصاب بالفعل بالمرض).

واللافت أنه لا يوجد رابط وراثي معروف فيما يتعلّق بمعظم حالات سرطان الثدي، ومع ذلك فإن أكثر من 60 في المائة من النساء المصابات بطفرة ضارة في «BRCA1» أو «BRCA2»، يتعرّضن للإصابة بسرطان الثدي، مقارنة بنحو 13 في المائة من السكان الإناث على نطاق أوسع.

سرطانا البروستاتا والبنكرياس

وبطبيعة الحال، يمكن أن يُصاب الرجال بسرطان الثدي كذلك، لكن يبقى ها الأمر نادر الحدوث، حتى بين حاملي طفرة «BRCA».

يُذكر أنه لم تتضح بعد الأهمية الكاملة للرابط بين طفرات «BRCA» وسرطاني البنكرياس والبروستاتا حتى وقت قريب فقط. ربما العقد الماضي، حسبما أفاد بريتشارد. وتبعاً للدراسات القائمة، ثمة تنوّع كبير في المخاطر المحددة الناجمة عن هذه الطفرات المتعلقة بالرجال. ومع ذلك، يبقى أمر واحد شديد الوضوح: الرجال الذين يحملون طفرات «BRCA» ليسوا أكثر عرضة للإصابة بسرطان البروستاتا فحسب، بل يواجهون كذلك خطر الإصابة بصور أكثر عدوانية من المرض.

وبحسب الإحصاءات، فإن نحو واحد من كل 400 شخص يحمل طفرة ضارة في «BRCA1» أو «BRCA2»، ونصفهم من الرجال. ومع ذلك، تبقى النساء أكثر احتمالاً بكثير لأن يتعرّضن لوجود طفرة؛ بمعدل يصل إلى 10 أضعاف، حسب إحدى الدراسات.

وتكشف الإحصاءات عن أن نصف الأميركيين فقط يخضعون لفحص جسدي سنوياً، ولا يدرك الأطباء دوماً ضرورة أن يوصوا بأن يخضع الرجال لاختبار «BRCA». ويبلّغ الكثير من الرجال الذين لا يخوضون اختبار طفرة «BRCA» عن إجرائهم الاختبار ذاته لبناتهم، وأظهرت دراسات أنهم يميلون إلى الشعور بالارتباك تجاه مخاطر إصابتهم بالسرطان أنفسهم. وبفضل حملات التوعية بخصوص جين «BRCA»، أقبلت الكثير من النساء على إجراء الاختبار. على سبيل المثال، في غضون الأسبوعين التاليين لظهور مقال أنجلينا جولي الذي انتشر على نطاق واسع، رصد الباحثون ارتفاعاً بنسبة 65% في معدلات إجراء اختبار «BRCA». وفي هذه الحالة، قد يخضع عدد من الأشخاص للاختبار أكثر من اللازم. ومع ذلك، فإنه بوجه عام، ساعد ارتفاع فحوصات السرطان والتدخلات الجراحية الاختيارية في تقليل معدلات الوفيات بسبب سرطان الثدي والمبيض.

التوعية بالمخاطر

ويمكن أن يؤدي نشر الوعي حول ارتباط الجينات بأنواع أخرى من السرطان إلى الأمر نفسه بين الرجال. وسعياً لتحقيق هذه الغاية، عبّر بريتشارد في تعليق له نشرته دورية «نيتشر» عام 2019، عن اعتقاده ضرورة إعادة تسمية سرطان الثدي والمبيض الوراثي «متلازمة كينغ»، تيمناً بماري كلير كينغ.

*«ذي أتلانتيك أونلاين»

- خدمات «تريبيون ميديا».