نحن نقف عند نقطة تحول رائعة، ولكنها مثيرة للقلق مع صعود الذكاء الاصطناعي.
توسع استخدام الذكاء الاصطناعي
يكشف استطلاع رأي حديث أجرته مؤسسة «غالوب» عن أن 79 في المائة من الأميركيين يستخدمون بالفعل منتجات مدعومة بالذكاء الاصطناعي في حياتهم اليومية، غالباً دون أن يدركوا ذلك. وفي الوقت نفسه، كما يزعم موقع مجلة «سلون ريفيو»، التابعة لـ«معهد ماسوشوسيتس للتكنولوجيا»، فإن الأسئلة العميقة التي يثيرها الذكاء الاصطناعي حول الوعي والذكاء واتخاذ القرار ليست مشكلات تقنية في المقام الأول. إنها مشكلات فلسفية، كما كتب فيصل حق (*).
التفاعل بين الإنسان والذكاء الاصطناعي
نحن بحاجة إلى الفلسفة لمساعدتنا على فهم ماهية الذكاء الاصطناعي في الواقع، وما يعنيه أن تكون ذكياً، وكيف يجب أن نتعامل مع التفاعل بين الإنسان والذكاء الاصطناعي. دون هذا الأساس الفلسفي، نخاطر بتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي التي لا تتوافق مع القيم الإنسانية وطرق التفكير.
«حالة طوارئ فلسفية»
وهذا يخلق ما أسميها «حالة طوارئ فلسفية» في كتابي المقبل «TRANSCEND: Unlocking Humanity in the Age of AI».
على عكس الثورات التكنولوجية السابقة التي غيَّرت في المقام الأول ما يمكننا فعله، فإن الذكاء الاصطناعي يغيِّر بشكل أساسي كيفية تفكيرنا وعقلنا وعلاقتنا ببعضنا بعضاً.
الحفاظ على قدرتنا في التفكير المستقل
ومن دون تطوير مهارات التفكير النقدي القوية التي تمت معايرتها خصيصاً لعصر الذكاء الاصطناعي هذا، فإننا نخاطر بأن نصبح مستهلكين سلبيين لقرارات الذكاء الاصطناعي بدلاً من أن نكون شركاء نشطين ومدروسين مع هذه التكنولوجيا.
إن المخاطر عالية بشكل لا يصدق. لا يتعلق الأمر فقط باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل فعال، بل يتعلق بالحفاظ على قدرتنا على التفكير المستقل، والتواصل البشري الأصيل، واتخاذ القرارات ذات المغزى في عالم حيث يتم دمج الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد في كل جانب من جوانب حياتنا.
مهارات أساسية
فيما يلي 7 مهارات أساسية للتفكير النقدي، تستند إلى الحكمة الفلسفية، التي يجب أن نطورها للشراكة بشكل فعال مع الذكاء الاصطناعي:
1- مهارة التعرف على القيود. (المعروفة أيضاً باسم التواضع المعرفي Epistemological Humility): عندما ندرك حدودنا الخاصة، نصبح أكثر حكمةً في تفاعلاتنا مع الذكاء الاصطناعي.
هذه المهارة متجذرة في حكمة سقراط الشهيرة: «أعلم أنني لا أعرف شيئاً». وهي ترتبط أيضاً بحدود المعرفة والعقل البشريَّين لإيمانويل كانط. عندما ندرك حدودنا الخاصة، نصبح أكثر حكمة في تفاعلاتنا مع الذكاء الاصطناعي.
+ مثال: اختيار الأفلام عمداً خارج فقاعة التوصيات الخاصة بالذكاء الاصطناعي، وتأكيد سيطرة الإبداع البشري (لعقولنا) على الأنماط الخوارزمية (المقدمة إلينا).
2- التعرف على الأنماط مقابل كسر الأنماط: يُستمَد هذا من الفلسفة الوجودية، خصوصاً مفهوم سارتر للحرية الجذرية. فبينما يتبع الذكاء الاصطناعي الأنماط، يتمتع البشر بما أسماها سارتر «القدرة على تجاوز المعطى» - التحرر من الأنماط المحددة مسبقاً وخلق إمكانات جديدة.
+ مثال: اختيار إجراء محادثات صعبة شخصياً بدلاً من استخدام الذكاء الاصطناعي لصياغة رسائل مثالية. وكذلك إعطاء الأولوية للاتصال الأصيل على الراحة.
التفكير المرتبط بالقيم والوعي الحقيقي
3- التفكير القائم على القيم: يرتبط بمفهوم أرسطو للحكمة العملية (الفطنة) - القدرة على تمييز ما يهم حقاً في أي موقف. ويرتبط أيضاً بتسلسل القيم الخاص بماكس شيلر، حيث يزعم أن بعض القيم (مثل الحب والنمو الروحي) أعلى بطبيعتها من غيرها (مثل الراحة والفائدة).
+ مثال: فهم أنه في حين أن روبوت الدردشة بالذكاء الاصطناعي قد يوفر الراحة، فإنه لا يمكن أن يحل محل التفاهم المتبادل العميق الممكن في الصداقات البشرية.
4- الوعي بالارتباط الحقيقي: يستمد هذا المفهوم كثيراً من فلسفة «أنا وأنت» لمارتن بوبر. فقد ميَّز بوبر بين نوع علاقات «أنا وأنت» (معاملة الآخرين بوصفهم أشياء) ونوع علاقات «أنا وأنت» (اللقاءات الحقيقية بين الأشخاص). وهذا يساعدنا على فهم الفرق بين تفاعلات الذكاء الاصطناعي والارتباط البشري الحقيقي.
+ مثال: التدقيق بشكل منتظم في القرارات التي قمتَ بتفويضها للذكاء الاصطناعي دون وعي... من اختيار المحتوى إلى قرارات التسوق.
5- اتخاذ القرارات الواعية الحرة: استناداً إلى مفهوم «الإرادة المدروسة» لحنة أرندت - اتخاذ خيارات واعية بدلاً من الانجراف وراء الأتمتة والراحة. كما يرتبط بتأكيد كيركيجارد على اتخاذ القرارات الحقيقية بوصفها جوهر الوجود البشري.
+ مثال: المثال السابق نفسه - التدقيق بشكل منتظم في القرارات التي فوضتها دون وعي إلى الذكاء الاصطناعي، من اختيارات المحتوى إلى قرارات التسوق.
التأثير الأخلاقي
6- تحليل التأثير الأخلاقي: يبني على «ضرورة المسؤولية» لهانز جوناس - فكرة أن التكنولوجيا الحديثة تتطلب نوعاً جديداً من الأخلاقيات التي تأخذ في الاعتبار العواقب طويلة المدى والبعيدة المدى. كما يتضمَّن اعتبارات نفعية حول تعظيم النتائج الجيدة مع تقليل الضرر.
+ مثال: تقييم كيف يمكن أن يؤثر استخدام الذكاء الاصطناعي في قرارات التوظيف، على تنوع مكان العمل والإمكانات البشرية قبل التنفيذ.
7- محاذاة الغرض المتسامي: مستمدة من العلاج بالمعنى لفيكتور فرانكل والحاجة البشرية إلى المعنى، جنباً إلى جنب مع مفهوم ماسلو لتحقيق الذات. يتعلق الأمر باستخدام الذكاء الاصطناعي مع التركيز على الأغراض والإمكانات البشرية العليا.
+ مثال: استخدام الذكاء الاصطناعي للتعامل مع المهام الروتينية مع التركيز عمداً على الوقت المحرر (المستفاد منه) لتعزيز جودة العمل والعلاقات ذات المغزى.
الحفاظ على إنسانيتنا
هذه المهارات السبع للتفكير النقدي ليست مجرد مفاهيم فلسفية لطيفة، بل إن هذه المهارات ضرورية للبقاء على قيد الحياة للحفاظ على إنسانيتنا وقدرتنا على التصرف في عالم معزز بالذكاء الاصطناعي. وهي تساعدنا على التعامل مع الذكاء الاصطناعي بطريقة تعزز إنسانيتنا بدلاً من تقليصها، ما يسمح لنا بالبقاء على اتصال بما يجعلنا بشراً فريدين، مع الاستفادة القصوى من قدرات الذكاء الاصطناعي.
تذكرنا الأسس الفلسفية بأننا لا نتعامل فقط مع التحديات التقنية، ولكن أيضاً مع أسئلة أساسية حول الطبيعة البشرية والغرض والإمكانات. لقد تصارع الفلاسفة العظماء مع هذه الأسئلة قبل وقت طويل من ظهور الذكاء الاصطناعي، وتوفر رؤاهم أطراً غنية للتفكير في كيفية شراكتنا مع الذكاء الاصطناعي، مع الحفاظ على إنسانيتنا وتعزيزها.
مع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي وتكامله بشكل أعمق في حياتنا، فإن تطوير مهارات التفكير النقدي هذه لا يصبح مهماً فحسب، بل يصبح ضرورياً لازدهارنا الفردي والجماعي. إنها توفر الأدوات العقلية التي نحتاج إليها للتنقل في هذه المنطقة الجديدة بشكل مدروس ومتعمد، ما يضمن أن نظل مشاركين نشطين في تشكيل مستقبلنا المعزز بالذكاء الاصطناعي بدلاً من المتلقين السلبيين لأي شيء قد يجلبه هذا المستقبل.
* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا».