ماريانا إسكندر: «ويكيبيديا» ستظل مهمة في عصر الذكاء الاصطناعي

رغم اقتباس الأدوات الذكية لمحتوياتها وإزاحتها إلى آخر قائمة البحث الإنترنتي

ماريانا إسكندر
ماريانا إسكندر
TT

ماريانا إسكندر: «ويكيبيديا» ستظل مهمة في عصر الذكاء الاصطناعي

ماريانا إسكندر
ماريانا إسكندر

رغم ظهور نماذج الذكاء الاصطناعي مثل «تشات جي بي تي» و««جيمناي»» تظل موسوعة «ويكيبيديا» «التقليدية» واحدة من أكثر المواقع زيارةً في جميع أنحاء العالم، إذ يزورها 15 مليار شخص كل شهر.

لقاء مع مسؤولة «ويكيبيديا»

ماريانا إسكندر، الرئيسة التنفيذية لشركة «ويكيميديا» Wikimedia، المنظمة غير الربحية التي تقف وراء «ويكيبيديا»، تتحدث عن كيف تحافظ المنصة على مكانتها في مواجهة منافسي الذكاء الاصطناعي، وتتعامل مع واحدة من أكثر القضايا المثيرة للجدال في عصرنا: أين يمكننا العثور على معلومات يمكننا الوثوق بها في عام 2024؟

وهذا نص مختصر لمقابلة استضاف فيها بوب صفيان(*)، رئيس التحرير السابق لمجلة «فاست كومباني» ماريانا إسكندر.

* «ويكيبيديا» هي في نواحٍ كثيرة مؤشر على نوع العلاقة المتوترة اليوم مع الحقائق والأخبار والتحيز والقضايا الثقافية الرئيسية. كيف يتعامل «ويكيبيديا» مع هذه القضايا أو تتعامل معها؟

- من تجربتي، فإن كل شخص تقريباً يستخدم «ويكيبيديا»، لكن قِلة قليلة من الناس يفهمون حقاً كيف تعمل (هذه المؤسسة) وماذا يحدث خلف الشاشة؟ إنها واحدة من أفضل عشرة أو خمسة مواقع على الإنترنت، وفي بعض البلدان، فإنها الموقع الأكثر زيارة حرفياً.

يزور (أو يتصل بـ) «ويكيبيديا» 15 مليار «جهاز» شهرياً، وهو رقم يبلغ ضعف عدد سكان العالم. وتشرف عليها منظمة غير ربحية تسمى مؤسسة «ويكيميديا». وتعتمد في الغالب على كرم التبرعات الصغيرة، والتي تشير، بالنسبة لي، إلى قيمتها واستخدامها من قبل الملايين من الأشخاص.

ويتم إنشاء المحتوى من قبل متطوعين في جميع أنحاء العالم... مئات الآلاف منهم، حول مواضيع في جميع أنحاء العالم، في 330 لغة. ويتبع هؤلاء المتطوعون الركائز الأساسية التي كانت الأساس التأسيسي لـ«ويكيبيديا»، والكثير من السياسات والمبادئ التوجيهية لضمان دقة المحتوى والتحقق منه واستخدام المصادر المذكورة. إن «ويكيبيديا» ليست مكاناً لآراء الناس، إنها مكان لمحاولة تقديم مجموعة محايدة ومحققة من المعلومات للعالم.

* إذن كيف تتفاعل مؤسسة «ويكيميديا»، التي تديرها، مع المحتوى، الأشياء التي نقرأها ونراها على «ويكيبيديا»؟

- نحن نوفر البنية التحتية للتكنولوجيا بشكل أساسي، لكن المحتوى نفسه مكتوب ومُدار من قبل مجتمعات تطوعية في جميع أنحاء العالم. تلعب المؤسسة دوراً حاسماً في المسائل القانونية والتنظيمية ودعم المجتمع، لكننا نتعاون حقاً مع المجتمعات وندعم إنشاء المحتوى نفسه.

 

** نشهد تحولاً كبيراً من «الإنترنت القائم على الروابط» إلى «الإنترنت القائم على الدردشة»**

الذكاء الاصطناعي يزيح «ويكيبيديا» ويقتبس منها

* في الماضي، كنت أبحث عن شيء ما على «غوغل»، وكانت «ويكيبيديا» غالباً النتيجة الأولى. الآن، أرى في نتائج البحث أولاً الذكاء الاصطناعي من «غوغل» وهو ««جيمناي»»، أو أحياناً أسأل «تشات جي بي تي». هل الذكاء الاصطناعي منافس لك في بعض النواحي؟

- أشعر بالقلق وأفكر في ذلك طوال الوقت. نحن نشهد تحولاً كبيراً مما أسميه الإنترنت القائم على الروابط إلى الإنترنت القائم على الدردشة. أعتقد أن «ويكيبيديا» لديها نوعان من الإشكالات.

الإشكال الأول: هل سينتقل الأشخاص إلى أسفل (نتائج البحث) بدرجة كافية وينقرون على الرابط ويصلون إلى صفحة «ويكيبيديا»؟ في بعض النواحي، على المدى القصير، هذا مهم حقاً بالنسبة لنا، لأن هذا الأمر مهم لنموذج الإيرادات لدينا لأن هذه هي الطريقة التي يجدنا بها الناس ويقدمون تبرعاتهم. كما أن هذا الأمر مهم لكيفية فهم متطوعينا لما يفعلونه وكيف يمكن رؤيته.

الإشكال الآخر هو: إنك ربما لن تقوم بالتمرير لأسفل والنقر فوق صفحة «ويكيبيديا»، ولكن الإجابة التي يقدمها لك «جيمناي» أو الذكاء الاصطناعي تأتي من «ويكيبيديا» لأنها المصدر الأكبر للبيانات لمعظم هذه النماذج.

الصراع على المحتوى والإسناد والتوثيق

والصراع هو ما إذا كان المستخدم يعرف ذلك أم لا، وما إذا كان هناك إسناد وتوثيق، وهو كما أود أن أقول، ربما يكون أحد أهم الأشياء التي نحاول التركيز عليها... إضافة إلى كيفية تطور الذكاء الاصطناعي. والأمر (بالنسبة لنا) يتعلق بتحفيز الناس على الاستمرار في القيام بذلك والمساهمة. كما أن الإسناد مهم.

لمواصلة خلق أشياء يمكن للآلات، كما تعلمون، امتصاصها وإعادتها إليك بواسطة روبوتات الدردشة المختلفة. لذلك أعتقد أن «ويكيبيديا» أصبحت أكثر وأكثر حيوية، حتى لو أصبحت أقل جاذبية ربما. هل يأتي المراهقون إلى صفحة ويقرأون مقالاً طويلاً؟ لا، فإن ابن أخي يبحث على الإنترنت عبر موقع «يوتيوب». ولكننا لم نشهد حتى الآن انخفاضاً في عدد مرات مشاهدة الصفحات على منصة «ويكيبيديا» منذ إطلاق «تشات جي بي تي». نحن نعمل على ذلك، ونولي اهتماماً وثيقاً، ونشارك، ولكننا لا نصاب بالذعر أيضاً، كما أعتقد.

«ويكيبيديا» تدرب الذكاء الاصطناعي

* إذا كانت «ويكيبيديا» مصدراً ثابتاً لبيانات التدريب لمحركات الذكاء الاصطناعي، فهل هذا أمر جيد أم سيئ؟ أعني، إنه أمر جيد من حيث تحسين جودة ما تخرجه أدوات الذكاء الاصطناعي، ولكن هل تتمنين أن تحصلي على أجر مقابل ذلك؟

- أعتقد أن هذا ليس موجوداً حقاً في النموذج (الخاص بـ«ويكيبيديا»). أعني أننا فكرنا في ذلك وتحدثنا عنه. أعتقد أن لدينا دوراً مختلفاً نلعبه. كيف سنستخدم صوتنا ومكانتنا في هذه البيئة للحديث عن جعل النماذج أكثر انفتاحاً؟ إذا نظرت إلى نماذج الذكاء الاصطناعي التي بنتها فرقنا، فهي كلها مفتوحة. إنها توفر للمجتمعات جميع البيانات لتقييم ما إذا كانت النماذج تعمل أم لا.

* نموذج عملك غير تقليدي للغاية؛ لا إعلانات، ومساهمون غير مدفوعي الأجر. ومع ذلك، فانه لا يزال مهيمناً في عصر شركات التكنولوجيا العملاقة التي تبلغ قيمتها تريليون دولار. إنها مفارقة غير متوقعة، أليس كذلك؟

- أعلم. أعلم ذلك. إنه أمر مذهل، في الواقع. هذه هي النقطة المهمة حقاً. إنه أمر مذهل ويكاد لا يصدق. إذا سألت المساهمين لدينا عن سبب قيامهم بذلك، فهم لا يفعلون ذلك للحصول على أجر. يبدو الأمر وكأن هناك شيئاً آخر يحدث هنا يتحدث عن الدافع البشري، أي محاولة أن نكون جزءاً من نظام بيئي للمعلومات مع أشخاص آخرين يهتمون بالمعلومات الدقيقة، ويهتمون بالإنترنت الذي يمنحنا شيئاً يمكننا الوثوق به. هذه هي «اللعبة» التي نلعبها، وأعتقد أن العثور على حلفاء آخرين ليكونوا معنا في ذلك كان مهماً حقاً أيضاً.

* زبائنك، في بعض النواحي، ليسوا المستخدمين النهائيين للمنتج، أليس كذلك؟ ولكن هل المساهمون كذلك؟ يجب أن يكون الأمر مختلفاً تماماً بين المتطوعين الرائدين والموظفين مدفوعي الأجر. كيف تفكرين في ذلك بشكل مختلف؟

- في كتاب نجم البحر والعناكب، يوجد قسم يتحدث عن دور الرئيس التنفيذي كمحفز في مقابل دور الرئيس التنفيذي كرأس للمؤسسة. الفرضية السريعة هي أنه إذا كان لديك عنكبوت وقطعت رأسه، فإن كل الأرجل تسقط، ويموت الجسم بأكمله.

وبالمقابل، إذا كان لديك نجم البحر وقطعت ساقه، فإن الجسم يجدد الساق فقط، ويبقى الباقي سليماً. أعتقد أن هذا القياس جيد لكونك جزءاً من هذا النظام، أعني بذلك، أن لدي موظفين مدفوعي الأجر.

مؤسسة «ويكيميديا»، كمنظمة غير ربحية، لديها نحو 700 شخص، ولكن لدينا مئات وآلاف المتطوعين. لا يوجد توجيه؛ عليك أن تكون في شراكة. عليك أن تكون مؤثراً. هناك عدد قليل جداً من الأشياء التي أستيقظ وأقررها بنفسي في أي يوم من أيام الأسبوع، أليس كذلك؟ أنا أعيش في نظام من أصحاب المصلحة والمجتمعات. إنه نموذج قيادي مختلف تماماً عن العديد من المنظمات التقليدية.

 

** قوتنا في قوة مؤسسات الصحافة الحرة والمصادر المستقلة وأبحاث الجامعات التي يمكن الاستشهاد بها كمصدر للمعلومات**

 

مراقبة وحماية المحتوى ضد التشويه

* أنت تعتمدين على مجتمعك لمراقبة نفسه. يمكنك أن ترى جهات فاعلة سيئة تريد التأثير على ذلك. هل هذه طبقة جديدة من التحدي لمنظمتك؟

- أنت على حق تماماً. هناك طرق يمكن أن يجد بها المجرمون السيئون طريقهم. يقوم الناس بتخريب الصفحات، لكننا توصلنا إلى حل لهذه المشكلة، وغالباً ما يمكن نشر الروبوتات لعكس التخريب، عادةً في غضون ثوانٍ. في المؤسسة، قمنا ببناء فريق لمكافحة المعلومات المضللة يعمل مع المتطوعين لتتبع ومراقبة ذلك. في عام الانتخابات هذا (في أميركا)، رأينا أن سياسات مجتمعنا تعمل، حيث تعمل كترياق لبعض هذه التهديدات، لكن لا يوجد نظام آلي.

* ألا تقلقين من أن الحكومة الروسية أو الحكومة الصينية قد تحاول التسلل إلى مجتمع المساهمين لديك؟

-هل إنني قلقة؟ أنا قلقة بشأن ذلك طوال الوقت! إن إنشاء مجتمع مساهمين صحي وكبير ومتنوع للغاية هو السبيل لضمان تمثيل جميع وجهات النظر وعدم اختطافها من قبل مجموعة صغيرة.

* مع كل هذه الأشياء التي تدور حولك، كيف تحافظين على هدوئك الشخصي وسط كل هذه الاضطرابات؟

- أنا أقدر هذا السؤال حقاً. أعتقد أن بناء فريق يمكنك الوثوق به هو شرط أساسي لعدم فقدان عقلك. عندما بدأت هذه الوظيفة، كانت عيناي مفتوحتين على ما يحدث في العالم وكيف يؤثر ذلك على ما نقوم به. يعمل نظام «ويكيبيديا»، وكان يعمل منذ ما يقرب من عقدين ونصف، وهذا يمنحك الراحة. لا تتعطل خوادمنا أبداً، حتى عندما نواجه ارتفاعات هائلة في حركة المرور، عادةً عندما يموت المشاهير.

* ما هو على المحك بالنسبة لـ«ويكيميديا» ​​الآن؟

-هناك قضايا واضحة نراها تتكشف. أود أن أقول إن الأشياء التي تقلقني تحت السطح هي قوة المؤسسات التي نعتمد عليها مثل الصحافة الحرة، والمصادر المستقلة، والبحث من الجامعات التي يمكن الاستشهاد بها كمصدر للمعلومات. لذا فإن البنية التحتية حول سلامة المعلومات ضرورية لـ«ويكيبيديا».

إن الاهتمام بهذه القضايا، والصحافة، والرقابة، وكيفية إنتاج الناس ونشر المعرفة هي أشياء قد تحدث ولا تتصدر العناوين الرئيسية. أعتقد أن إحساسنا بدورنا تجاه هذا العالم الأوسع أمر بالغ الأهمية لسلامتنا وبقائنا.

*مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

منصّات التواصل تشهد «تسونامي» من الصور التاريخية المزيفة

يوميات الشرق تتم مشاركة صور بالأسود والأبيض يُزعم أنها تمثل مشاهد مألوفة من التاريخ عبر صفحات ثقافية في منصات التواصل (أرشيفية - رويترز)

منصّات التواصل تشهد «تسونامي» من الصور التاريخية المزيفة

تنتشر بشكل كبير عبر منصّات التواصل صور قريبة جداً من الواقع، لكنّها أُنشئت باستخدام الذكاء الاصطناعي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الاقتصاد صورة أثناء حفل توقيع شركة «أسمو للخدمات اللوجيستية» 16 مذكرة تفاهم مع عدد من الشركات بقيمة 80 مليون دولار (الشرق الأوسط)

شراكات بقيمة 80 مليون دولار لتعزيز سلاسل الإمداد في السعودية

وقعت «أسمو للخدمات اللوجيستية» المشروع المشترك بين «أرامكو» و«دي إتش إل» 16 مذكرة لدعم النمو والرقمنة في قطاعات متنوعة بقيمة 80 مليون دولار

علي القطان (الدمام)
تكنولوجيا شعار شركة «غوغل» على أحد مباني الشركة في سان دييغو (رويترز)

«غوغل» تشتري مفاعلات نووية لتشغيل ذكائها الاصطناعي

ستشتري شركة «غوغل» طاقة نووية من شركة «كايروس باور» الأميركية الناشئة، سيتم إنتاجها بواسطة مفاعلات صغيرة من الجيل الجديد تسمى «إس إم آر».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد جانب من إحدى نسخ معرض «جيتكس غلوبال» الذي يشهد أكبر نسخة في تاريخه (وام)

«جيتكس» ينطلق اليوم في دبي... والمشاركات تتمحور حول تطورات الذكاء الاصطناعي

حدّد معرض «جيتكس غلوبال» التقني محور «الذكاء الاصطناعي» عنواناً بارزاً لانطلاق نسخته الـ44 التي تبدأ اليوم في دبي وعلى مدار أربعة أيام.

«الشرق الأوسط» (دبي)

لأول مرة: تنبؤات الذكاء الاصطناعي الدقيقة لقوة الأعاصير تتفوق على دقة النظم الكومبيوترية

التنبؤ الدقيق بالأعاصير يقلل من حجم الكوارث الناجمة عنها
التنبؤ الدقيق بالأعاصير يقلل من حجم الكوارث الناجمة عنها
TT

لأول مرة: تنبؤات الذكاء الاصطناعي الدقيقة لقوة الأعاصير تتفوق على دقة النظم الكومبيوترية

التنبؤ الدقيق بالأعاصير يقلل من حجم الكوارث الناجمة عنها
التنبؤ الدقيق بالأعاصير يقلل من حجم الكوارث الناجمة عنها

كنت أدرس الأعاصير وأتنبأ بها وأكتب عنها لأكثر من عقدين من الزمان، منذ وقت طويل عندما كنا نرسم خرائط الطقس يدوياً، كما كتب إريك هولثاوس (*).

توقعات الذكاء الاصطناعي الدقيقة للطقس

إلا أن إعصارَي «هيلين» و«ميلتون» كانا أول إعصارين اعتمدت فيهما بشدة على توقعات الطقس التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي. ويبدو هذا الأمر وكأنه نقطة تحول.

وفي عصرنا الحالي الذي يتسم بحالة الطوارئ المناخية المتصاعدة، تساعد الأجواء الدافئة في جعل الطقس أكثر تطرفاً وخطورة، مما يعرض مزيداً من الناس للخطر كل عام. ولذا فإن التنبؤات الأكثر ثقة بتلك الأعاصير التي ستتحول إلى وحش أو التي ستتلاشى بأمان، تمنح الناس مزيداً من الوقت للاستعداد.

تحديث تطور الأعاصير ساعة بساعة

خلال إعصاري «هيلين» و«ميلتون»، تم تطوير أداة الذكاء الاصطناعي التي استخدمتها كثيراً -AI RI- بواسطة باحثين في جامعة ويسكونسن. وهي تقدم احتمالات محدثة كل ساعة حول فرص حدوث نوبة من التكثيف السريع لسيرورة إعصار ناشئ جديد.

في مرحلة ما، كانت هذه الأداة (AI RI) تعطي فرصة بنسبة 100 في المائة تقريباً بأن «ميلتون» سيزداد قوة ليتحول من الفئة 1 إلى الفئة 5 في غضون 24 ساعة قادمة. وبالطبع، تبين أن هذا التنبؤ صحيح.

ولم يشهد أي إعصار أطلسي في 175 عاماً من تسجيلاتنا للأعاصير تعززاً في قوته، مثل إعصار «ميلتون». ولم يكن لأحد أن يتصور حدوث مثل هذا.

تنبؤات غير مسبوقة

هذا التنبؤ الدقيق حتى قبل 5 سنوات كان صعباً باستخدام نماذج الطقس الحاسوبية التقليدية.

قبل قرن واحد فقط، كان من المستحيل تقريباً وضع توقعات للظروف الجوية المعاكسة بشكل موثوق، ضمن أي نطاق زمني. ولإعطاء فكرة عن حجم التقدم، فإن التنبؤ بالطقس لمدة 4 أيام أصبح الآن دقيقاً، مثلما كان حال التنبؤ بالطقس ليوم واحد في عام 1995.

ويعِد الذكاء الاصطناعي بتمديد هذه المكاسب أياماً وأسابيع وأشهراً في المستقبل، وعلى مقاييس جغرافية أدق وأدق، حتى على مستوى المناخ المحلي والحي.

** في غضون 25 عاماً، من المتوقع أن تكلف التأثيرات الإجمالية لتغير المناخ تريليونات الدولارات سنوياً **

كلفة الكوارث الطبيعية

وحتى بعد تعديل التضخم النقدي، تكلف الكوارث الطبيعية الآن نحو 5 أضعاف ما كانت عليه في الثمانينات. ويمكن أن تمثل التقلبات الجوية اليومية ما يصل إلى 3 في المائة- 6 في المائة، من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً. أما الفيضانات الناجمة عن هطول الأمطار الشديدة وحدها، مثل تلك التي نجمت عن «هيلين»، فتكلف الآن ما متوسطه 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة كل عام.

وفي غضون 25 عاماً، من المتوقع أن تكلف التأثيرات الإجمالية لتغير المناخ تريليونات الدولارات سنوياً.

تطبيق ذكاء اصطناعي على كومبيوتر محمول

ورداً على سؤالي: «لقد فوجئت قليلاً بأن عمليات التشغيل الروتينية لنموذج التكثيف السريع لا تتطلب أي طاقة حاسوبية على الإطلاق»، تقول سارة غريفين، الخبيرة في الأعاصير والأقمار الاصطناعية في جامعة ويسكونسن التي طورت أداة الذكاء الاصطناعي: «إنها لا تحتاج إلى أي شيء فاخر؛ إذ لا توجد حاجة إلى وحدة معالجة رسومية، وعادة ما تعمل في أقل من دقيقة».

** الذكاء الاصطناعي يغيِّر عمل خبراء الأرصاد الجوية**

قبل البداية السريعة لأدوات الذكاء الاصطناعي، تم تطوير أفضل نموذج حاسوبي للأعاصير بتكلفة 150 مليون دولار. وكان لا بد من تشغيله على أحد أسرع أجهزة الكومبيوتر في العالم.

لذا فإن حقيقة أنه يمكن تشغيل «AI RI» من الناحية النظرية، خلال بضع دقائق على جهاز كومبيوتر محمول، أشبه بالسحر. وقد ظلت إدارة الأرصاد الجوية الوطنية ومنظمتها الأم (NOAA) لسنوات، تستثمر في الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لمساعدة علمائها على غربلة كميات هائلة من البيانات البيئية التي يجمعونها كل يوم.

وتؤتي هذه الاستثمارات ثمارها بالفعل، وبشكل كبير، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بجعل تكنولوجيا التنبؤ بالطقس أكثر فائدة للمجتمعات المحرومة والأشخاص على الخطوط الأمامية لحالة الطوارئ المناخية.

50 عاماً من نماذج الطقس الكومبيوترية

عرض الرادار من طائرة صيد الأعاصير التابعة للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي

منذ اختراعها قبل نحو 50 عاماً، كانت نماذج الطقس بمساعدة الكومبيوتر تُشغَّل دائماً تقريباً على أكبر أجهزة الكومبيوتر التي يستطيع العلماء تحمل تكلفتها. وذلك لأن مئات الحسابات الرياضية والفيزيائية يجب إجراؤها مراراً وتكراراً لتتبع جميع المسارات المحتملة للأمام في الوقت المناسب لكل جزء من الغلاف الجوي الذي توجد بيانات عنه، بقدر ما يمكن جمع هذه البيانات. إنها دورة لا تنتهي أبداً من الخيارات الصعبة حول كيفية تركيز قوة الحوسبة النادرة بأكبر قدر من الكفاءة، وهو صراع صعب جداً ضد قوى الطبيعة.

وهذا يعني أن التنبؤ بالطقس كان مكلفاً دائماً، كما أن عدم المساواة صارخ؛ إذ تنفق الحكومات في البلدان الأكثر ثراءً -مثل الولايات المتحدة وأوروبا- ما معدله نحو 25 دولاراً سنوياً لكل مواطن على توقعات الطقس الخاصة بها، بينما تنفق البلدان الأكثر فقراً أقل من دولار واحد سنوياً لكل مواطن، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض دقة التوقعات بالنسبة للأشخاص الذين من المرجح أن يشاركوا في أنشطة حساسة للطقس، مثل الزراعة أو صيد الأسماك.

الذكاء الاصطناعي يحقق المساواة المناخية العالمية

ومن أفضل جوانب الذكاء الاصطناعي قدرته على تحقيق المساواة في هذا المجال. وللتعرف على مزيد حول هذا الموضوع، تحدثت مع مايكل فيشر الباحث في مجال الأعاصير، وأستاذ الأرصاد الجوية في جامعة ميامي. وميامي هي قلب عالم التنبؤ بالأعاصير، فهي المكان الذي يوجد فيه خبراء التنبؤ بالأعاصير الرسميون التابعون للمركز الوطني للأعاصير، كما أنها موطن «صائدي الأعاصير»، وهم قسم من احتياطي القوات الجوية الأميركية الذي كان لعقود من الزمان يطير بالطائرات عبر الأعاصير لقياس موقعها وحركتها وقوتها.

تحسين مُدخلات البيانات

يركز عمل فيشر على تحسين التنبؤ بالأعاصير، وخصوصاً فائدة رادارات الطقس المحمولة جواً على طائرات صائدي الأعاصير. ويقول: «أعتقد أن الذكاء الاصطناعي يفتح كثيراً من الأبواب التي ليست ممكنة بالضرورة، على الأقل مع القدرات الحسابية الحالية؛ لأن هذه النماذج يمكن أن تعمل بسرعة كبيرة». ويضيف: «إنه يسمح لنا بالقيام بأشياء، مثل إنشاء توقعات عالية الدقة للمناطق المحلية، ونأمل أن يساعد ذلك في إنقاذ الأرواح، إضافة إلى جوانب أخرى مثل موجات الحر والطقس المتطرف والأمطار الغزيرة».

إنني كبير السن بما يكفي لأتذكر عندما كنت طالباً جامعياً في عام 2000 عندما بدأت نماذج الطقس الحاسوبية المبكرة في التفوق بشكل موثوق على مهارة المتنبئين البشريين. ومع ذلك، لم يثق أساتذتي بها، وبدلاً من ذلك كانوا يعلموننا صفحات من «القواعد الأساسية» و«الحيل البسيطة» لتقدير التوقعات بناءً على التعرف على الأنماط في خرائط الطقس.

لكن هناك شيئاً واحداً قالوه عن بناء نموذج طقس حاسوبي جدير بالاهتمام ظل عالقاً في ذهني حقاً: «القمامة تدخل، والقمامة تخرج». وهذا يعني أن توقعات الكومبيوتر الخاصة بك لا تكون جيدة إلا بقدر البيانات التي تبدأ بها. وهذا هو هدف مشروع تحسين توقعات الأعاصير الذي أطلقه فيشر، لاستخدام التعلم الآلي لمراقبة جودة البيانات المتدفقة من صائدي الأعاصير أثناء طيرانهم.

يقول فيشر إن الأمر يستغرق من عالم الأرصاد الجوية المدرب نحو أسبوعين لتصفية «الضوضاء» يدوياً من رادار الطائرة. يمكن لنموذج الذكاء الاصطناعي الخاص به القيام بذلك في دقائق، بينما لا تزال الطائرة في الهواء، بحيث يمكن بعد ذلك إرسال البيانات في الوقت الفعلي إلى نماذج الطقس للتوصل إلى توقعات.

نماذج طقس حكومية وخاصة

واليوم، بالطبع، ليست هيئة الأرصاد الجوية الوطنية هي الوحيدة التي تستثمر في تحسين نماذج الطقس باستخدام الذكاء الاصطناعي، فكل الأسماء الكبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي تفعل ذلك أيضاً.

تمتلك «غوغل» GraphCast، بينما تمتلك «نيفيديا» FourCastNet. وتعِدُ الشركات الناشئة –مثل «precip.ai» و«atmo.ai»- عملاءها بتحليلات الطقس المحلية والدقيقة للغاية لجميع أنواع الاستخدامات. وتجعل «غوغل» أحدث نموذج للطقس المعزز بالذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر. قد يكون التنبؤ بالطقس نقطة مضيئة نادرة في مجال الذكاء الاصطناعي؛ خصوصاً مع زيادة الحاجة بسبب تصاعد مخاطر المناخ.

تستخدم هيئة الأرصاد الجوية الوطنية الذكاء الاصطناعي في خدمة ترجمة لغة جديدة لنشرات الطقس، لجعل التوقعات في متناول الجميع بحيث لا تقتصر على اللغة الإنجليزية فقط.

مخاوف تحيّز الذكاء الاصطناعي

إلا أن فيشر يشعر ببعض المخاوف المألوفة، وخصوصاً بشأن التحيز الذي قد يقدمه فريقه أثناء تدريبهم للذكاء الاصطناعي؛ لكنه يعتقد في الوقت الحالي أن الأداة يمكن استخدامها بشكل متوازن.

وتمنح مشاركة شركات التكنولوجيا الكبرى فيشر الأمل في أن روح التعاون هذه في مواجهة حالة الطوارئ المناخية قد تستمر. ويقول: «إذا كان هدفنا الرئيسي هو محاولة المساعدة في إنقاذ الأرواح وحماية الممتلكات، فأعتقد أن العمل معاً بوصفنا مجتمعاً علمياً هو أفضل طريقة للقيام بذلك»،

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».