الاضطرابات الجوية المفاجئة في السماء الصافية... ما سببها؟

أدلة قوية على أن ازديادها بسبب التغيرات المناخية

طائرة الخطوط الجوية السنغافورية (أ.ف.ب)
طائرة الخطوط الجوية السنغافورية (أ.ف.ب)
TT

الاضطرابات الجوية المفاجئة في السماء الصافية... ما سببها؟

طائرة الخطوط الجوية السنغافورية (أ.ف.ب)
طائرة الخطوط الجوية السنغافورية (أ.ف.ب)

«اضطراب السماء الصافية» ما مدى شيوعه؟ وما سبب خطورته على حركة الطيران العالمية؟

سلطت وفاة رجل بريطاني وإصابة العشرات من الأشخاص الآخرين على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية السنغافورية تعرضت لاضطرابات شديدة، الثلاثاء، الضوء على المخاطر المحتملة للطيران في أجواء غير مستقرة.

اضطرابات قوية نادرة

ولا يزال السبب الدقيق لوفاة الرجل البالغ من العمر 73 عاماً قيد التحقيق. وقالت السلطات إنه ربما أصيب بنوبة قلبية، رغم أن ذلك لم يتم تأكيده. واستناداً إلى روايات الشهود، وعدد الإصابات والهبوط الحاد للطائرة، يشير الخبراء إلى المخاطر الكبيرة التي تشكلها الاضطرابات أثناء الرحلة على ركاب الخطوط الجوية وأطقمها.

وفي حين أن الوفيات المرتبطة بالاضطرابات نادرة جداً، إلا أن الإصابات تراكمت على مر السنين. ويشير بعض من خبراء الأرصاد الجوية ومحللي الطيران إلى تزايد التقارير عن حدوث اضطرابات، وإلى التأثيرات المحتملة التي قد يخلفها تغير المناخ على ظروف الطيران.

ومع ذلك، فإن معظم حوادث اصطدام الطائرات بالدوامات الهوائية تكون بسيطة، وقد قامت شركات الطيران بإجراء تحسينات مطردة لتقليل معدلات الحوادث الناتجة عن الاضطرابات بمرور الوقت. وينصح الخبراء المسافرين جواً بتوخي الحذر، مشددين على أهمية ارتداء حزام الأمان كلما أمكن ذلك على اعتبار أنه الخط الأول للحماية.

أسباب اضطراب السماء الصافية

ما هذا الاضطراب؟ الاضطراب هو في الأساس هواء غير مستقر يتحرك بطريقة لا يمكن التنبؤ بها، يربطه معظم الناس بالعواصف الشديدة. لكن النوع الأكثر خطورة هو اضطراب الهواء الصافي، الذي يحدث غالباً دون أي تحذير مرئي في السماء أمامك.

يحدث اضطراب الهواء الصافي في أغلب الأحيان في أو بالقرب من التيارات المتدفقة المرتفعة التي تسمى التيارات النفاثة. والسبب هو «مقاصصة أو قصّ الرياح»، الذي يحدث عندما تتحرك كتلتان هوائيتان ضخمتان قريبتان من بعضهما بعضاً بسرعات مختلفة. وإذا كان الفرق في السرعة كبيراً بدرجة كافية، فلن يتمكن الغلاف الجوي من تحمل الضغط، وينقسم إلى أنماط مضطربة، مثل الدوامات في الماء.

«عندما تحصل على قص رياح قوي بالقرب من التيار النفاث، يمكن أن يتسبب ذلك في فيضان الهواء». ويوضح توماس جين، رئيس قسم علوم الطيران التطبيقية في جامعة إمبري ريدل للطيران في دايتونا بيتش بولاية فلوريدا في حديث نقلته «أسوشييتد بريس»، أن ذلك يخلق هذه الحركات الفوضوية في الهواء.

ما مدى شيوع الإصابات المرتبطة بالاضطرابات؟

من الصعب تتبع العدد الإجمالي للإصابات المرتبطة بالاضطرابات في جميع أنحاء العالم. لكن بعض الدول تنشر بيانات وطنية. أفاد المجلس الوطني لسلامة النقل بأن أكثر من ثلث جميع حوادث الطيران في الولايات المتحدة في الفترة من عام 2009 حتى عام 2018 كانت مرتبطة بالاضطرابات الجوية، وأدى معظمها إلى إصابة واحدة أو أكثر خطيرة، ولكن لم تلحق أي أضرار بالطائرة. بين عامي 2009 و2022، أصيب 163 شخصاً بجروح خطيرة بما يكفي خلال أحداث الاضطرابات التي تتطلب العلاج في المستشفى لمدة يومين على الأقل، وفقاً للإحصاءات. وكان معظمهم من المضيفات، وهن تعرضن للخطر بشكل خاص؛ لأنهن أكثر عرضة للخروج من مقاعدهن أثناء الرحلة.

لا تزال التحقيقات جارية فيما حدث خلال رحلة الخطوط الجوية السنغافورية يوم الثلاثاء. وقالت شركة النقل إن طائرة «بوينغ 777 - 300 إي آر» هبطت 6000 قدم (حوالي 1800 متر) في حوالي ثلاث دقائق بعد اصطدامها باضطرابات شديدة فوق المحيط الهندي.

وتشير الأرقام الأولية للضحايا من المطار ومستشفى في بانكوك، حيث هبطت الطائرة المتجهة من لندن إلى سنغافورة وسط طقس عاصف، إلى أنه بالإضافة إلى حالة الوفاة، أصيب ستة أو سبعة ركاب بجروح خطيرة. وورد أن العشرات من المسافرين الآخرين وأفراد الطاقم أصيبوا بجروح متوسطة أو أقل خطورة.

وقال لاري كورنمان، عالم المشروع في المركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي التابع لمؤسسة العلوم الوطنية الذي درس الاضطرابات منذ فترة طويلة: «ليس من غير المألوف أن تحدث اضطرابات جوية تسبب إصابات طفيفة تصل إلى كسر في العظام على سبيل المثال... لكن الوفيات نادرة جداً جداً - خاصة بالنسبة لطائرات النقل الكبيرة».

ووفقاً لستيوارت فوكس، مدير الطيران والعمليات الفنية في الاتحاد الدولي للنقل الجوي، فإن آخر حالة وفاة مرتبطة بالاضطرابات الجوية الواضحة تم الإبلاغ عنها من شركة طيران كبرى حدثت في عام 1997. وقد تم الإبلاغ عن عدد قليل من الوفيات على الطائرات الصغيرة منذ ذلك الحين، بما في ذلك حالة وفاة على متن طائرة خاصة العام الماضي.

وقد ساعدت إجراءات السلامة الموحدة الآن بشكل كبير في منع مزيد من حالات الإصابات الخطيرة على مر السنين كما أشار فوكس. وهي تشمل مراجعة توقعات الطقس، وإلزام الطيارين بالإبلاغ عندما يواجهون اضطرابات جوية، وتعليق خدمة المقصورة عندما تتعرض الطائرات لأجواء قاسية.

هل يستطيع الطيارون تجنب الاضطرابات الجوية؟

يستخدم الطيارون مجموعة متنوعة من الأساليب لتجنب الاضطرابات، بما في ذلك استخدام شاشة رادار الطقس. في بعض الأحيان يمكنهم ببساطة رؤية العواصف الرعدية والتحليق حولها. لكن الاضطرابات الجوية في السماء الصافية «هي أمر مختلف تماماً»، وفقاً لدوغ موس، طيار طيران سابق ومستشار سلامة. وقال إنه يمكن أن يكون مدمراً، «لأن الوقت الذي يسبق الحادث يمكن أن يكون هادئاً للغاية، ويأخذ الناس على حين غرة». وأضاف موس أن مراقبي الحركة الجوية سيحذرون الطيارين بعد تعرض طائرة أخرى لاضطرابات جوية صافية، وأن كثيراً من الطيارين ينظرون أيضاً إلى التيارات النفاثة في المستوى العلوي على طول طريقهم بحثاً عن علامات قص الرياح، ثم يخططون للطيران فوق تلك المناطق أو أسفلها أو حولها.

وقال موس إن الطائرات الحديثة قوية أمام أي اضطراب، وقد تتعرض مناطق المقصورة، مثل الصناديق العلوية لأضرار تجميلية، «لكنها لا تؤثر على السلامة الهيكلية للطائرات».

هل يسبب التغير المناخي زيادة الاضطرابات؟

ويشير بعض العلماء إلى أن التقارير عن حدوث اضطرابات آخذة في الارتفاع. وهناك عدد من التفسيرات المحتملة لذلك، لكن كثيراً من الباحثين أشاروا إلى التأثيرات المناخية المحتملة.

ويوضح جين، من جامعة إمبري ريدل للطيران، أن البعض يتوقع أن تغير المناخ يمكن أن يغير التيار النفاث وقص الرياح، ما سيؤدي بالتالي إلى زيادة الاضطراب في الهواء. وفي بيان الثلاثاء، قال بول ويليامز، أستاذ علوم الغلاف الجوي في جامعة ريدينغ في إنجلترا، إن هناك «أدلة قوية على أن الاضطرابات تزداد بسبب تغير المناخ». وقال ويليامز إن فريقه البحثي اكتشف مؤخراً أن اضطراب الهواء الصافي الشديد في شمال المحيط الأطلسي قد زاد بنسبة 55 في المائة منذ عام 1979، على سبيل المثال.

وقال إن أحدث توقعات الفريق تشير إلى أن الاضطرابات الشديدة في التيارات النفاثة قد تتضاعف أو تزيد ثلاث مرات في العقود المقبلة إذا استمرت الظروف العالمية كما يُتوقع.

ومع ذلك، يقول آخرون إن عوامل أخرى يمكن أن تلعب دوراً أيضاً. ويشير كورنمان إلى أنه قد يكون هناك ازدياد في الحركة الجوية الإجمالية، وهو ما قد يزيد من حدوث الاضطرابات مع ارتفاع عدد مسارات الطيران، بما في ذلك تلك الموجودة في المناطق التي تعاني مزيداً من الاضطرابات.

كيف يمكن للمسافرين البقاء آمنين؟

باختصار، اربط حزام الأمان. قد يكون من الصعب التنبؤ بالاضطرابات الجوية، لكنّ الخبراء يؤكدون أن خط الدفاع الأول في الهواء هو إبقاء حزام الأمان مربوطاً، كلما أمكن ذلك. وقال جوين: «الطائرات مصممة عموماً لتحمل الاضطرابات الجوية»، مشيراً إلى أن عدم ارتداء الركاب لأحزمة الأمان يمثل مصدراً كبيراً للإصابات الناجمة عن الاضطرابات الجوية أثناء الرحلة.

وقال إنه على الرغم من عدم وجود أي احتياطات مضمونة، فإن ارتداء حزام الأمان يزيد بشكل كبير من فرص الفرد في تجنب الإصابات الخطيرة... ارتدِ حزام الأمان «فهو مجرد حل سريع حقاً لمنع الإصابة».

* خدمة «تريبيون ميديا».


مقالات ذات صلة

«كوب 29» يشتعل في اللحظات الحاسمة مع اعتراضات من كل الأطراف

الاقتصاد سيارات تُحضر بعض الوفود إلى مقر انعقاد مؤتمر «كوب 29» في العاصمة الأذرية باكو (رويترز)

«كوب 29» يشتعل في اللحظات الحاسمة مع اعتراضات من كل الأطراف

سيطر الخلاف على اليوم الختامي لـ«كوب 29» حيث عبرت جميع الأطراف عن اعتراضها على «الحل الوسطي» الوارد في «مسودة اتفاق التمويل».

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد مفوض الاتحاد الأوروبي للعمل المناخي فوبكي هوكسترا في مؤتمر صحافي على هامش «كوب 29» (رويترز)

«كوب 29» في ساعاته الأخيرة... مقترح يظهر استمرار الفجوة الواسعة بشأن تمويل المناخ

تتواصل المفاوضات بشكل مكثّف في الكواليس للتوصل إلى تسوية نهائية بين الدول الغنية والنامية رغم تباعد المواقف في مؤتمر المناخ الخميس.

«الشرق الأوسط» (باكو)
بيئة أظهرت الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة (رويترز)

الاحترار القياسي للمحيطات زاد حدة الأعاصير الأطلسية في 2024

أكدت دراسة جديدة، نُشرت الأربعاء، أن ظاهرة الاحترار المناخي تفاقم القوة التدميرية للعواصف، مسببة زيادة السرعة القصوى لرياح مختلف الأعاصير الأطلسية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد رجل يقف بجوار شعار مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «كوب 29» في أذربيجان (رويترز)

«أوبك» في «كوب 29»: التحول المتوازن في مجال الطاقة مفتاح الاستدامة العالمية

قال أمين عام «أوبك» إن النفط والغاز الطبيعي «هبة من الله»، وإن محادثات الحد من الاحتباس الحراري يجب أن تركز على خفض الانبعاثات وليس اختيار مصادر الطاقة.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد الأمين العام لمنظمة «أوبك» يتحدث خلال مؤتمر «كوب 29»... (رويترز)

الأمين العام لـ«أوبك» في «كوب 29»: النفط هدية من الله

قال الأمين العام لمنظمة «أوبك»، هيثم الغيص، الأربعاء، خلال مؤتمر المناخ «كوب 29» في باكو، إن النفط الخام والغاز الطبيعي هما «هدية من الله».

«الشرق الأوسط» (باكو)

«جي بي تي» أم «غوغل»: أيهما أكثر فائدة للإبداع؟

«جي بي تي» أم «غوغل»: أيهما أكثر فائدة للإبداع؟
TT

«جي بي تي» أم «غوغل»: أيهما أكثر فائدة للإبداع؟

«جي بي تي» أم «غوغل»: أيهما أكثر فائدة للإبداع؟

ربما تتذكر وقتاً كنت فيه بحاجة إلى إجابة سريعة، لوصفة طبق للطعام، أو مشروع لتحسين بيتك.

من محرك «غوغل» إلى «جي بي تي»

قبل بضع سنوات، كانت غريزة معظم الناس الأولى هي البحث عن المعلومات على محرك «غوغل» للبحث، ومع ذلك، اليوم، مما كتب غاي يون تشونغ (*)، أصبح كثير من الناس أكثر ميلاً إلى استخدام «تشات جي بي تي (ChatGPT)»، أداة الذكاء الاصطناعي والمحادثة من شركة «أوبن إيه آي»، التي تغير الطريقة التي يبحث بها الناس عن المعلومات.

بدلاً من مجرد توفير قوائم بمواقع الويب، يُقدِّم «تشات جي بي تي» إجابات محادثة أكثر مباشرة.

مسألة الإبداع

ولكن هل يمكن لـ«تشات جي بي تي» أن يفعل أكثر من مجرد الإجابة عن الأسئلة المباشرة؟ هل يمكنه بالفعل مساعدة الناس على أن يكونوا أكثر إبداعاً؟

إني أدرس التقنيات الجديدة وتفاعل المستهلكين مع وسائل التواصل الاجتماعي، وقد شرعت أنا وزميلي بيونغ لي في استكشاف هذا السؤال: هل يمكن لـ«تشات جي بي تي» مساعدة الناس حقاً على حل المشكلات بشكل إبداعي، وهل يؤدي هذا بشكل أفضل من محركات البحث التقليدية مثل «غوغل»؟

عبر سلسلة من التجارب في دراسة نُشرت في مجلة «نتشر-السلوك البشري (Nature Human Behaviour)»، وجدنا أن «تشات جي بي تي» يعزز الإبداع، خصوصاً في المهام العملية اليومية.

وإليك ما تعلمناه عن كيفية تغيير هذه التقنية للطريقة التي يحلُّ بها الناس المشكلات، ويتبادلون بها الأفكار ويفكرون بشكل إبداعي.

«جي بي تي» مبدع

«تشات جي بي تي» والمهام الإبداعية. تخيل أنك تبحث عن فكرة هدية إبداعية لابنة أخت في سِنِّ المراهقة. في السابق، ربما كنت تبحث على «غوغل» عن «هدايا إبداعية للمراهقين»، ثم تتصفح المقالات حتى تجد شيئاً يناسبك.

الآن، إذا سألت «تشات جي بي تي»، فإنه يولِّد استجابةً مباشرةً بناءً على تحليله للأنماط عبر الويب. قد يقترح مشروعاً مخصصاً أو تجربةً فريدةً من نوعها، وصياغة الفكرة في الوقت الفعلي.

لاستكشاف ما إذا كان «تشات جي بي تي» يتفوق على «غوغل» في مهام التفكير الإبداعي، أجرينا 5 تجارب، تعامل فيها المشاركون مع مهام إبداعية مختلفة.

توليد الأفكار

على سبيل المثال، قمنا بتعيين المشاركين بشكل عشوائي، إما لاستخدام «تشات جي بي تي» للمساعدة، أو استخدام بحث «غوغل»، أو توليد الأفكار بأنفسهم.

بمجرد جمع الأفكار، قام الحكام الخارجيون، الذين لا يدركون الشروط المخصصة للمشاركين، بتقييم كل فكرة من حيث الإبداع. قمنا بوضع متوسط ل​​درجات الحكام؛ بهدف توفير تصنيف إبداعي عام.

كانت إحدى المهام تتضمَّن تبادل الأفكار حول طرق إعادة استخدام العناصر اليومية، مثل تحويل مضرب تنس قديم وخراطيم الحديقة إلى شيء جديد. وطُلبت مهمة أخرى من المشاركين تصميم طاولة طعام مبتكرة. وكان الهدف هو اختبار ما إذا كان «تشات جي بي تي» يمكن أن يساعد الناس على التوصل إلى حلول أكثر إبداعاً، مقارنة باستخدام محرك بحث على الويب أو مجرد خيالهم.

نتائج لصالح الذكاء التوليدي

وكانت النتائج واضحة: صنف الحكام الأفكار التي تم إنشاؤها بمساعدة «تشات جي بي تي» على أنها أكثر إبداعاً من تلك التي تم إنشاؤها باستخدام عمليات البحث على «غوغل» أو دون أي مساعدة. ومن المثير للاهتمام أن الأفكار التي تم إنشاؤها باستخدام «تشات جي بي تي» - حتى دون أي تعديل بشري - سجَّلت درجات أعلى في الإبداع من تلك التي تم إنشاؤها باستخدام «غوغل».

وكانت إحدى النتائج البارزة هي قدرة «تشات جي بي تي» على توليد أفكار إبداعية تدريجياً: تلك التي تعمل على تحسين أو البناء على ما هو موجود بالفعل. وفي حين أن الأفكار الجذرية حقاً قد لا تزال تشكل تحدياً للذكاء الاصطناعي، فقد تفوَّق «تشات جي بي تي» في اقتراح نهج عملي ومبتكر. على سبيل المثال، في تجربة تصميم الألعاب، توصَّل المشاركون الذين يستخدمون «تشات جي بي تي» إلى تصميمات خيالية، مثل تحويل مروحة متبقية وكيس ورقي إلى مروحة تعمل بطاقة الرياح.

حدود الإبداع في الذكاء الاصطناعي

تكمن قوة «تشات جي بي تي» في قدرته على الجمع بين المفاهيم غير ذات الصلة في استجابة متماسكة.

وعلى عكس «غوغل»، الذي يتطلب من المستخدمين غربلة الروابط وتجميع المعلومات معاً. يقدم «تشات جي بي تي» إجابةً متكاملةً تساعد المستخدمين على التعبير عن الأفكار وصقلها بتنسيق مصقول. وهذا يجعل «تشات جي بي تي» واعداً بوصفه أداةً إبداعيةً، خصوصاً للمهام التي تربط بين الأفكار المتباينة أو تولد مفاهيم جديدة.

من المهم ملاحظة، مع ذلك، أن «تشات جي بي تي» لا يولِّد أفكاراً جديدة حقاً. إنه يتعرَّف على الأنماط اللغوية ويجمعها من بيانات التدريب الخاصة به، وبالتالي يولِّد مخرجات بتسلسلات أكثر احتمالية بناءً على تدريبه. إذا كنت تبحث عن طريقة لتحسين فكرة موجودة أو تكييفها بطريقة جديدة، فيمكن أن يكون «تشات جي بي تي» مورداً مفيداً. ومع ذلك، بالنسبة لشيء مبتكر، لا يزال الإبداع والخيال البشري ضروريَّين.

بالإضافة إلى ذلك، في حين يمكن لـ«تشات جي بي تي» توليد اقتراحات إبداعية، فإنها ليست عملية دائماً أو قابلة للتطوير دون مدخلات الخبراء. تتطلب خطوات مثل الفحص، وفحص الجدوى، والتحقق من الحقائق، والتحقق من السوق خبرة بشرية. ونظراً لأن استجابات «تشات جي بي تي» قد تعكس تحيزات في بيانات التدريب الخاصة بها، فيجب على الأشخاص توخي الحذر في السياقات الحساسة مثل تلك التي تنطوي على العرق أو الجنس.

كما اختبرنا ما إذا كان «تشات جي بي تي» يمكن أن يساعد في المهام التي غالباً ما يُنظر إليها على أنها تتطلب التعاطف، مثل إعادة استخدام العناصر العزيزة على أحد الأحباء. ومن المدهش أن «تشات جي بي تي» عزَّز الإبداع حتى في هذه السيناريوهات، حيث أدى إلى توليد أفكار وجدها المستخدمون ذات صلة، ومدروسة.

وتتحدى هذه النتيجة الاعتقاد بأن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه المساعدة على المهام التي تحركها العواطف.

مستقبل الذكاء الاصطناعي والإبداع

مع ازدياد إمكانية الوصول إلى «تشات جي بي تي» وأدوات الذكاء الاصطناعي المماثلة، فإنها تفتح إمكانات جديدة للمهام الإبداعية. سواء في مكان العمل أو في المنزل، يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في الشحذ الذهني وحل المشكلات وتعزيز المشروعات الإبداعية.

ومع ذلك، يشير بحثنا أيضاً إلى الحاجة إلى الحذر: في حين يمكن لـ«تشات جي بي تي» تعزيز الإبداع البشري، فإنه لا يحلُّ محلَّ القدرة البشرية الفريدة على التفكير الجذري حقاً خارج الإطار المألوف.

يمثل هذا التحول من البحث على «غوغل» إلى سؤال «تشات جي بي تي»، أكثرَ من مجرد طريقة جديدة للوصول إلى المعلومات. إنه يمثل تحولاً في كيفية تعاون الناس مع التكنولوجيا للتفكير والإبداع والابتكار.

* أستاذ مساعد في إدارة الأعمال بجامعة رايس الأميركية - مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا».

اقرأ أيضاً