الخِبْرة أم الفِطْرة... لماذا يضيع بعض الناس؟

أكثر أهمية من القدرة الوراثية للإحساس بالاتجاه

الخِبْرة أم الفِطْرة... لماذا يضيع بعض الناس؟
TT

الخِبْرة أم الفِطْرة... لماذا يضيع بعض الناس؟

الخِبْرة أم الفِطْرة... لماذا يضيع بعض الناس؟

تشير الأبحاث إلى أن الخبرة قد تكون أكثر أهمية من القدرة الفطرية أو الوراثية عندما يتعلق الأمر بالإحساس بالاتجاه.

تغيرات تشتت الانتباه

وقد يعاني بعض الأشخاص من ضعف ذاكرة المكان التي تؤدي إلى ضياعهم حتى في الأماكن التي يعرفونها جيداً.

كما أن التغييرات الكبيرة في الحياة، مثل الانتقال إلى وظيفة جديدة، أو بدئها، يمكن أن تجعل الشخص يشعر بالضياع، لأنه قد لا يعرف طريقه، أو ليس لديه روتين، أو ليس لديه أي أصدقاء لغاية ذلك الوقت.

وقد تقود وفاة أحد أفراد الأسرة أو فقدان علاقة مهمة في الحياة إلى احتمال أن تجعل الشخص يشعر بالصدمة، والحزن، والغضب، والضياع. وكذلك قد تشتت الأمور اليومية الانتباه بسهولة، وتحول العقول عن مهمة، أو سلسلة من الأفكار، مما قد يجعل الفرد يشعر بالضياع في التفكير، وأخيراً المقارنة بالآخرين يمكن أن تجعل الشخص يشعر بالضياع.

كيف تتطور القدرة الملاحية؟

في النظرة الحديثة لدور علم الوراثة في الملاحة، يؤكد العلماء على أهمية بيئة الشخص. ففي دراسة سابقة نشرت في 2 يوليو (تموز) 2020 في مجلة «نتشر» Science of Learning – Nature قامت مارغريتا مالانشيني عالمة النفس التنموي بجامعة كوين ماري في لندن -المملكة المتحدة- وزملاؤها بمقارنة أداء أكثر من 2600 توأم متطابق وغير متطابق، أثناء تنقلهم عبر بيئة افتراضية لاختبار ما إذا كانت القدرة الملاحية تسري في العائلات أم لا. ووجد الباحثون أن الأمر كذلك حقاً، ولكن بشكل متواضع.

الملاحون يُصنعون ولا يُولدون

وبدلاً من ذلك كان المساهم الأكبر في أداء الناس هو ما يسميه علماء الوراثة «البيئة غير المشتركة» nonshared environment أي التجارب الفريدة التي يراكمها كل شخص مع تطور حياته.

وهذا يعني أن الملاحين الجيدين يُصنعون في المقام الأول، ولا يُولدون. وعلى سبيل المثال فإن التعرض للأنشطة التي تتضمن التنقل، مثل الاستكشاف، في الهواء الطلق، أو ألعاب الفيديو يمكن أن يعزز مهارات التنقل.

لكن نورا نيوكومب عالمة النفس المعرفي في قسم علم النفس جامعة تيمبل العلوم النفسية والدماغية فيلادلفيا الولايات المتحدة وزملاءها التي شاركت في تكوين النظرة حول كيفية تطور القدرة الملاحية في البحث المنشور في مجلة «Annual Review of Developmental Psychology» في 22 سبتمبر (أيلول) 2022 تؤكد على أن العوامل الثقافية تؤثر أيضاً على الملاحة. فقد يميل الأشخاص من بلدان الشمال الأوروبي حيث تحظى رياضة التوجيه بشعبية كبيرة إلى أن يكونوا ملاحين أفضل قليلاً.

بالإضافة إلى ذلك ترتبط الاختلافات بين الجنسين في الملاحة بالمعايير والخبرات الثقافية أكثر من ارتباطها بالقدرة الفطرية في المجتمعات التي تتاح فيها فرص أقل للنساء للاستكشاف بشكل مستقل، مثل بعض دول الشرق الأوسط حيث يميل الرجال إلى التفوق على النساء في مهام الملاحة.

الخبرة تلعب دوراً حاسماً

وأعطت تجربة رائعة وواسعة النطاق بقيادة هوغو سبايرز عالم الأعصاب الإدراكي في جامعة كوليدج لندن وزملاءه في البحث المنشور في 8 ديسمبر (كانون الأول) 2021 في مجلة «توبكس» Topics لمحة عن كيفية تأثير الخبرة والعوامل الثقافية الأخرى على مهارات إيجاد الطريق. وتلعب الخبرة دوراً حاسماً في تطوير المهارات الملاحية، فقد أظهرت الدراسات التي أجريت على مجتمعات السكان الأصليين التقليدية، مثل قبيلة تسيماني في منطقة الأمازون البوليفية، أن أداء كل من الرجال والنساء جيد على قدم المساواة في مهام الملاحة. ويرجع ذلك على الأرجح إلى تربيتهم في بيئات تشجع على الاستكشاف.

كما تؤثر سمات الشخصية أيضاً على التنقل، حيث يميل الأفراد الذين يستمتعون بالأنشطة الخارجية، أو الاستكشاف، إلى امتلاك قدرات ملاحية أفضل. وعلى العكس من ذلك، فإن أولئك الذين هم أقل ميلاً للاستكشاف، أو لديهم تجارب مبكرة سلبية، قد يواجهون صعوبة أكبر في التنقل.

رسم الخرائط الذهنية

يقول دانييل مونتيلو، الجغرافي وعالم النفس في قسم العلوم النفسية والدماغية جامعة كاليفورنيا الولايات المتحدة، إن هناك مهارتين فرعيتين رئيسيتين تسهمان في التنقل الفعال، هما: متابعة الطريق، ومن ثم معرفة المسح، أي القدرة على بناء الخرائط الذهنية، والرجوع إليها. وفي حين أن معظم الأشخاص يتفوقون في متابعة المسار، فإن معرفة خريطة الاستطلاع أكثر تحدياً وأهمية للتنقل الإبداعي. كما يتمتع الملاحون الأفضل بمهارة في استخدام استراتيجيات متعددة، والتكيف مع المواقف الملاحية المختلفة.

مهارات من دون «جي بي إس»

وقد يتضمن تحسين المهارات الملاحية الممارسة، والانتباه إلى الاتجاهات، أو المعالم الأساسية، وتقليل الاعتماد على أجهزة تحديد المواقع، حيث تشير دراسة حديثه أجريت من قبل مجموعة من الباحثين برئاسة نورا نيوكومب عالمة النفس المعرفي في البحث المنشور في 7 فبراير (شباط) 2024 في مجلة «Proceedings of the Royal Society B: Biological Sciences» إلى أن الاستخدام المفرط لنظام تحديد المواقع العالمي (GPS) يمكن أن يقلل في الواقع من القدرات الملاحية بمرور الوقت.

وبشكل عام في حين أن بعض الأفراد قد يكون لديهم استعداد طبيعي للملاحة، يمكن لمعظم الناس تحسين مهاراتهم من خلال الممارسة، والاهتمام بالإشارات البيئية، والرغبة في استكشاف المناطق المحيطة بهم، والتفاعل معها، كما تقول الباحثة وزملاؤها.


مقالات ذات صلة

تقنية جينومية جديده لتتبع الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية في المستشفيات

علوم الفحص المختبري للبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية

تقنية جينومية جديده لتتبع الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية في المستشفيات

طور باحثون دوليون تقنية جينومية جديدة تتيح تتبع انتشار عدة جراثيم مقاومة للمضادات الحيوية في المستشفيات بشكل متزامن، ما قد يسهم في السيطرة أو حتى منع العدوى…

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
علوم جهاز لاختبار وظائف الرئة

أبحاث علمية تشير إلى «وراثة» مرض الانسداد الرئوي المزمن

متغيرات جينية ترتبط بالمرض لها تأثير كبير على وظائف الرئة لدى الأطفال الصغار

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
علوم «اختراقات علم الوراثة» لدراسة الرضّع... يمكن أن تغير حياة البشر

«اختراقات علم الوراثة» لدراسة الرضّع... يمكن أن تغير حياة البشر

لِفَهم وتحديد التأثيرات الجينية

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
علوم تشخيص وراثي لأمراض نادرة جديدة بالذكاء الاصطناعي

تشخيص وراثي لأمراض نادرة جديدة بالذكاء الاصطناعي

يؤكد التطبيق الناجح لمشروع تسلسل الجينوم، خصوصاً في فحوصات الأطفال المبكرة، إمكانات الذكاء الاصطناعي في التشخيص والتدخل المبكر.

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
علوم الجينات المرتبطة بالتوتر والإجهاد قد تساهم في الإصابة بسرطان البروستاتا

الجينات المرتبطة بالتوتر والإجهاد قد تساهم في الإصابة بسرطان البروستاتا

دراسة جديدة حللت 105 جينات منها

د. وفا جاسم الرجب (لندن)

تقنية جينومية جديده لتتبع الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية في المستشفيات

الفحص المختبري للبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية
الفحص المختبري للبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية
TT

تقنية جينومية جديده لتتبع الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية في المستشفيات

الفحص المختبري للبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية
الفحص المختبري للبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية

طور باحثون دوليون تقنية جينومية جديدة تتيح تتبع انتشار عدة جراثيم مقاومة للمضادات الحيوية في المستشفيات بشكل متزامن، ما قد يسهم في السيطرة أو حتى منع العدوى الشائعة في المستشفيات بشكل أسرع وأكثر فاعلية من ذي قبل.

التسلسل العميق لمسببات الأمراض

في دراسة حديثة نُشرت في 20 أغسطس (آب) 2024 في مجلة Lancet Microbe أجراها فريق من معهد «ويلكوم سانجر» من المملكة المتحدة وجامعة أوسلو في النرويج ومؤسسة سان ماتيو في إيطاليا، تم تطوير نهج جديد يعرف بـ«التسلسل العميق لجميع مسببات الأمراض».

ويسمح هذا النهج بالتقاط بيانات تسلسل الجينوم الكامل لمجموعة واسعة من مسببات الأمراض في وقت واحد ويمكنه توفير هذه البيانات الجينومية بالسرعة التي تستطيع فيها المستشفيات معالجة العينات. والتسلسل العميق هو مجموعة من التقنيات المستخدمة لتحديد وقياس أنواع الحمض النووي الريبي (أر إن إيه) RNA بطريقة متوازية على نطاق واسع ما يسمح بتغطية عميقة وتحليل مفصل للتعبير الجيني للمسببات المرضية.

التقاط بكتيريا المستشفيات

وفي إطار دراسة إثبات المفهوم - وهي إدراك طريقة معينة أو فكرة لإظهار الجدوى منها بهدف معاينة إمكانية التطبيق أو التنفيذ أو الاستخدام - تم التقاط مجموعة كاملة من البكتيريا المسببة للأمراض في وحدات العناية المركزة والأجنحة العادية في مستشفى إيطالي خلال الموجة الأولى من جائحة كوفيد - 19 في عام 2020 وأخذ الفريق عينات من 256 مريضاً وتم تحديد 52 نوعاً من البكتيريا في هذه العينات منها 66 بالمائة من سلالات مختلفة من أكثر سبعة أنواع من عدوى البكتيريا الأكثر شيوعاً في المستشفيات.

التأثير على وحدات العناية المركزة

وتشكل العدوى المكتسبة من المستشفيات خطراً كبيراً على المرضى وخاصة في وحدات العناية المركزة. وخلال الموجة الأولى من جائحة كوفيد - 19 زاد عدد المرضى بشكل كبير ما زاد من صعوبة فاعلية تدابير مكافحة العدوى. وهدفت الدراسة إلى تقييم المخاطر ومدى انتقال مسببات الأمراض في ظل الضغط الكبير على وحدات العناية المركزة وذلك من خلال تصميم نهج جديد للتسلسل الجينومي العميق deep genomic sequencing approach، والذي يمكن دمجه مع أنظمة المراقبة السريرية الروتينية وسير العمل التشخيصي.

ويشير التسلسل الجينومي العميق إلى تسلسل منطقة جينومية عدة مرات وأحياناً مئات أو حتى آلاف المرات. ويتيح نهج التسلسل من الجيل التالي للباحثين اكتشاف أنواع أو خلايا أو ميكروبات مستنسخة نادرة لا تشكل سوى 1 بالمائة من العينة الأصل.

جينات مقاومة المضادات الحيوية

وأظهرت النتائج أن جميع المرضى في وحدات العناية المركزة تقريباً كانوا يحملون بكتيريا واحدة على الأقل قادرة على التسبب في مرض شديد وأن جينات مقاومة المضادات الحيوية كانت موجودة في 40 بالمائة من هذه الحالات على الأقل. كما تمكن الفريق من رسم خريطة لانتشار البكتيريا في المستشفيات خلال فترة أخذ العينات التي استمرت خمسة أسابيع، ما سمح لهم بالتنبؤ بالبكتيريا الأكثر احتمالاً للتسبب في العدوى المكتسبة أثناء الإقامة في المستشفى.

وتعزز هذه التقنية الجديدة من فاعلية الرعاية الصحية من خلال تقديم وسيلة أسرع وأكثر شمولاً لتتبع الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية مما قد يساعد في تحسين تشخيص العدوى والسيطرة عليها في المستشفيات

تطبيقات أوسع

وقال البروفسور جوكا كوراندر رئيس قسم الإحصاء الحيوي كلية الطب جامعة أوسلو، والمؤلف المشارك الرئيسي للدراسة إن هذه الطريقة تلتقط المعلومات الجينية عن سلالات بكتيرية متعددة وفي نفس الوقت لديها القدرة على تحويل المراقبة الجينية لمسببات الأمراض، ما يمكننا من التقاط المعلومات الأساسية بشكل أسرع وأكثر شمولاً من أي وقت مضى دون فقدان الدقة. ويمكن الآن استخدام هذا النهج بثقة في الأبحاث المستقبلية لالتقاط النطاق الكامل للبكتيريا عالية الخطورة في منطقة ما، ونأمل أن تساعد المستشفيات في تتبع انتشار البكتيريا المقاومة للعلاج والحد منه.

وأوضح الدكتور هاري ثورب المؤلف الأول للدراسة في قسم الإحصاء الحيوي كلية الطب جامعة أوسلو والباحث الزائر في معهد ويلكوم سانجر أن الدراسة تعكس كيفية استخدام علم الجينوم لخلق صورة شاملة للبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية في وحدات العناية المركزة وأماكن أخرى داخل المستشفيات. وأشار إلى أن البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية تتطور وتنتشر بسرعة مما يتطلب من أساليب التتبع أن تواكب هذا التطور وبيَّن أن معرفة تسلسل جميع البكتيريا في العينة توفر صورة أكثر شمولاً للتنوع البكتيري في منطقة ما وهو أمر أساسي للتنبؤ بالمخاطر وفهم العوامل الخارجية التي تسهم في انتشار سلالة معينة.

بكتيريا مقاومة أثناء جائحة «كوفيد»

من جانبه أكد البروفسور فاوستو بالدانتي مدير وحدة علم الأحياء الدقيقة والفيروسات في مؤسسة سان ماتيو أن وحدته كانت أول من اكتشف حالة إصابة بكوفيد - 19 في العالم الغربي مشيراً إلى أنهم شهدوا بداية الوباء جنباً إلى جنب مع الجهود العلمية العالمية الضخمة التي ركزت على فيروس «سارس كوف 2». ومع ذلك أظهرت الدراسة التي أجراها الباحثون أن البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية لم تختفِ خلال تلك الفترة. بل أضاف أن الوجود المتزامن لأنواع متعددة من البكتيريا المقاومة للأدوية في أجنحة العناية المركزة التي استقبلت مرضى كوفيد - 19 قد يكون جزءاً مهماً من الصورة السريرية المعقدة للمرض الجديد في تلك الأيام الحرجة.

وفي تعليق له على الدراسة أشار البروفسور نيكولاس تومسون عالم الطفيليات والميكروبات معهد ويلكوم سانجر في كمبريدج المملكة المتحدة إلى أن العدوى المقاومة للمضادات الحيوية لا تزال تمثل مشكلة مستمرة في المستشفيات رغم الجهود الكبيرة التي يبذلها العاملون في الرعاية الصحية للحد منها. وأكد على أهمية رؤية وتتبع هذه البكتيريا من خلال دمج نهج التسلسل الجينومي العميق في أنظمة الرعاية الصحية مما يسهم في تشخيص العدوى بشكل أفضل وتحديد تفشيها والسيطرة عليها، خاصة في وحدات العناية المركزة.