أفريقيا الأكثر تضرراً من عواقب تغيّر المناخ على أسعار الغذاء

ارتفاع درجات الحرارة يسبب انخفاضاً في إنتاجية المحاصيل

تغير المناخ يسبب انخفاضاً في إنتاجية المحاصيل بأفريقيا (رويترز)
تغير المناخ يسبب انخفاضاً في إنتاجية المحاصيل بأفريقيا (رويترز)
TT

أفريقيا الأكثر تضرراً من عواقب تغيّر المناخ على أسعار الغذاء

تغير المناخ يسبب انخفاضاً في إنتاجية المحاصيل بأفريقيا (رويترز)
تغير المناخ يسبب انخفاضاً في إنتاجية المحاصيل بأفريقيا (رويترز)

يُعدّ تغيّر المناخ أحد أبرز التحديات التي تواجه العالم، وله تأثيرات خطيرة على النظم الغذائية والمزارع في جميع أنحاء العالم. وتشمل بعض تأثيراته انخفاض الإنتاجية الزراعية، ونقص الأمن الغذائي، وما ينجم عنه من سوء التغذية.

الاحترار والغذاء

ورغم تزايد فهم تأثيرات تغيّر المناخ على الاقتصاد، من خلال رصد تداعياته على إنتاجية العمل، والإنتاج الزراعي، والطلب على الطاقة، وصحة الإنسان، فإن الفهم العميق لتأثيراته على التضخم وأسعار الغذاء لم يتم دراسته بالشكل الكافي.

وحذّرت دراسة عالمية، أجريت بالتعاون مع البنك المركزي الأوروبي، من أن أسعار المواد الغذائية والتضخم الإجمالي في جميع أنحاء العالم، سيرتفعان مع ارتفاع درجات الحرارة نتيجة تغيّر المناخ. وكشفت الدراسة، التي نُشرت في العدد الأخير من دورية «كوميونيكيشنز إيرث آند إنفايرومنت»، أن قارة أفريقيا هي الأكثر تضرراً عالمياً من ارتفاع أسعار المواد الغذائية والتضخم الإجمالي بالتوازي مع ارتفاع درجات الحرارة نتيجة تغيّر المناخ، تليها أميركا الجنوبية.

وبمراجعة الأسعار الشهرية للأغذية والسلع الأخرى ودرجات الحرارة والعوامل المناخية الأخرى في 121 دولة منذ عام 1996، توصل الباحثون إلى أن «صدمات الطقس والمناخ» ستتسبب في ارتفاع تكلفة الغذاء بنسبة 1.5 إلى 1.8 نقطة مئوية سنوياً خلال العقد المقبل.

ارتفاع درجات الحرارة يؤثر على الإنتاجية الزراعية في أفريقيا (رويترز)

وبحلول عام 2035، ستؤدي درجات الحرارة المرتفعة وحدها إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء العالم بنسبة تتراوح بين 0.9 و3.2 في المائة كل عام، وسيضيف هذا ما بين 0.3 و1.2 في المائة إلى التضخم الإجمالي سنوياً.

اللافت، أن تأثير درجة الحرارة على التضخم ليس مؤقتاً؛ إذ وجدت الدراسة أن هذه الزيادات في الأسعار يمكن أن تستمر لمدة تصل إلى 12 شهراً بعد ارتفاع درجة الحرارة.

الأمن الغذائي بأفريقيا

وتسلط الدراسة الضوء على التأثير غير المتناسب لتغيّر المناخ على القطاع الزراعي في أفريقيا؛ إذ تؤدي زيادات درجات الحرارة إلى تفاقم الصدمات في جانب العرض، ما يؤدي إلى ارتفاع الضغوط التضخمية. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، أشار الباحث الرئيسي للدراسة في معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ في ألمانيا، الدكتور ماكس كوتز، إلى العواقب المحتملة لتغيّر المناخ على الأمن الغذائي في أفريقيا.

وأضاف أن البلدان الأفريقية ستتأثر بقوة أكبر من البلدان الأخرى، بنسب لا تقل عن 1.75 نقطة مئوية سنوياً على تضخم الغذاء بحلول عام 2035، مقارنة بـ1.15 نقطة مئوية في أوروبا. وأوضح أن «درجات الحرارة المرتفعة خاصة تلك التي تزيد عن 25-30 درجة مئوية، يمكن أن تسبب انخفاضاً في إنتاجية المحاصيل. ورغم أننا لا نقيم ذلك بشكل صريح، فإننا نفسر نتائجنا كدليل على أن هذا الانخفاض في الإنتاجية يؤدي إلى صدمات في جانب العرض تؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية».

الغذاء يستحوذ على الجزء الأكبر من الإنفاق اليومي لسكان أفريقيا (رويترز)

وفي الاقتصادات الأفريقية، يستحوذ الإنفاق على الغذاء على جزء أكبر من الإنفاق اليومي للناس، لذلك من المرجح أن يكون لهذه التأثيرات تأثير أكبر على الناس في هذه المناطق، وفق كوتز.

وعن أبرز التوصيات لمعالجة آثار تغيّر المناخ على التضخم وضمان الاستقرار الاقتصادي في المنطقة، يشير كوتز إلى أن الطريقة الرئيسية تتمثل فقط في الحد من تغيّر المناخ نفسه. وأضاف أنه من خلال خفض الانبعاثات بما يتماشى مع اتفاقية باريس، يمكننا تجنب تأثيرات التضخم بنسبة 2 في المائة سنوياً.

ونوّه بأن التكيف أيضاً يمكن نظرياً أن يقلل من هذه التأثيرات؛ إذ تشير العديد من الدراسات السابقة إلى أن تبديل المحاصيل يمكن أن يكون استراتيجية فعالة للحد من آثار تغيّر المناخ على إنتاجية المحاصيل.

وتعدّ نتائج الدراسة بمثابة دعوة لصناع السياسات، لحثهم على معالجة التحديات المتعددة الأوجه التي يفرضها تغيّر المناخ والتضخم، من خلال الاستثمار في البنية التحتية القادرة على الصمود في وجه تغيّر المناخ، وتعزيز الممارسات الزراعية المستدامة، وتنفيذ استراتيجيات التكيف القوية لتخفيف الآثار السلبية لتغيّر المناخ على التضخم وتعزيز النمو والتنمية.


مقالات ذات صلة

بطاطا ضدَّ ارتفاع الحرارة

يوميات الشرق أملٌ ببطاطا صامدة (أدوب ستوك)

بطاطا ضدَّ ارتفاع الحرارة

يُطوِّر العلماء بطاطا من شأنها تحمُّل موجات الحرّ، وذلك لمساعدة المحاصيل على النمو في مستقبل يتأثّر بالتغيُّر المناخي.

«الشرق الأوسط» (إلينوي (الولايات المتحدة))
يوميات الشرق أشجار متجمدة في أوبر رايفنبرج بالقرب من فرنكفورت بألمانيا (أ.ب)

أوروبا تشهد عدداً أقل من الأيام شديدة البرد... ماذا يعني ذلك؟

دراسة أشارت إلى أن التغير المناخي تسبب بتسجيل فصول شتاء أكثر حرّاً في أوروبا تحديداً، مع ارتفاع عدد الأيام التي تكون فيها الحرارة أعلى من صفر درجة مئوية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
بيئة درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)

صعوبة في تفسير الارتفاع القياسي في درجات الحرارة العالمية

يُعدّ الاحترار الذي يواجهه العالم منذ عقود بسبب غازات الدفيئة المنبعثة من الأنشطة البشرية مسألة معروفة، لكنّ درجات الحرارة العالمية التي حطّمت الأرقام القياسية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق ارتفاع درجة الحرارة ومستويات البحار يهدّد الطبيعة (غيتي)

التّغير المُناخي يُهدّد وجهات سياحية عالمية بحلول 2034

يُهدّد ارتفاع درجة الحرارة وتصاعد مستويات البحار والأحداث الجوية المتطرفة سكان تلك المناطق والبنية التحتية السياحية والجمال الطبيعي.

«الشرق الأوسط» (برلين)
عالم الاعمال «كوب 16» الرياض يقدم إرثاً داعماً لجهود مكافحة التصحر عالمياً

«كوب 16» الرياض يقدم إرثاً داعماً لجهود مكافحة التصحر عالمياً

شهد مؤتمر الأطراف الـ16 لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) الرياض، إطلاق «أجندة عمل الرياض» لتقديم عمل دائم بشأن إعادة تأهيل الأراضي.


نهاية الإنترنت... كما نعرفها

نهاية الإنترنت... كما نعرفها
TT

نهاية الإنترنت... كما نعرفها

نهاية الإنترنت... كما نعرفها

يبدو أن الإنترنت ينهار... ولكن ليس حرفياً، أي من الناحية البنيوية؛ لأنها لا تزال شبكة سليمة؛ إذ إن هناك الكثير من كابلات الألياف الضوئية التي تبطن قاع المحيط، وأبراج الهاتف الخلوي التي ترتفع في الأفق فوق معالم المدن، إضافة إلى مراكز البيانات المليئة بالخوادم، كما كتب سكوت نوفر(*).

انهيار أسس الويب «النفعي»

لكن الأسس ذاتها للويب النفعي utilitarian web - المنصات التي تدعم تجاربنا اليومية عبر الإنترنت - تبدو مهتزة، تنبض بالهزات الأولى للانهيار.

للبدء، يبدو أن لا شيء يعمل بعد الآن... كان محرك بحث «غوغل» يوفر ذات يوم مساعدة على مستوى الدليل الإرشادي لسكان الإنترنت. الآن أصبح مليئاً بالإعلانات والأشرطة الجانبية وطُعم للنقر المحسّن لمحركات البحث، والتخمينات المدعومة بالذكاء الاصطناعي للإجابات المحتملة لأسئلة الناس.

نتائج بحث «غوغل» لا ترتبط بالجودة

في وقت سابق من هذا العام، وجدت مجموعة من الباحثين الألمان أن «غوغل» صنفت صفحات مراجعات المنتجات في مرتبة عالية عندما كانت تحتوي على نص منخفض الجودة، وأطنان من الروابط التابعة لمواقع التجارة الإلكترونية، وكانت مليئة بحيل تحسين محركات البحث التي لا تتوافق تماماً مع الجودة.

بعبارة أخرى، كانت «غوغل» تسمح لأدنى المستويات بالاستيلاء على منصتها.

«أمازون» تزخر بمنتجات «الراعين»

على أمازون، تتناثر الأرفف الرقمية بالمنتجات المدعومة من «الرعاة» لها، والنسخ الرخيصة من المنتجات الرائجة شعبياً. وعلى «أمازون» أو «غوغل»، ستحتاج غالباً إلى وقت أطول قليلاً للحصول على أي شيء مفيد أو ذي صلة عن بُعد عند البحث عن شيء تريده.

لقد أطلقت شكاوى مكافحة الاحتكار الحكومية ضد كلتا الشركتين عليها في الأساس؛ لأنهما تجنيان الرسوم من المعلنين، الذين يدفعون من أجل جذب انتباه المستخدمين، ما أدى إلى تدهور هذه الخدمات في هذه العملية. عندما تجعل شركات التكنولوجيا العملاقة الكبيرة خدماتها المعتمدة أسوأ، فهذا أمر سيئ للمستهلكين، حتى لو لم يكن عليهم دفع المزيد.

انحدار منصات التواصل الاجتماعي

على وسائل التواصل الاجتماعي، يكون الوضع أكثر خطورة. يعد «فيسبوك» جيداً وظيفياً للقتال مع أصدقاء المدرسة الثانوية حول السياسة، والحصول على تذكيرات عيد الميلاد وغيرها، لم تعد هناك أخبار تقريباً على المنصة.

وكما خمنت، فإن إعلانات منصة «إكس» منخفضة الجودة، فهي عبارة عن مستنقع يمينى مليء بمنافقى إيلون ماسك، وملصقات احتيال رجال التكنولوجيا، وأسوأ الإعلانات التي رأيتها على الإطلاق. أما «تيك توك» أحد الأماكن القليلة المثيرة للاهتمام والمصادفة والمبهجة (عادةً) على الإنترنت، فهي منصة معرضة لخطر الحظر من الولايات المتحدة في الشهر المقبل ما لم تتدخل المحكمة العليا المحافظة أو الرئيس المنتخب دونالد ترمب نفسه لإنقاذها.

الذكاء الاصطناعي والتزييف في المنصات

ويعني صعود الذكاء الاصطناعي التوليدي أن كل واحدة من هذه المنصات أصبحت الآن مشبعة بما يسمى عادةً بالهراء، والصور المزيفة السيئة المهينة المصممة غالباً لخداع أو إثارة غضب الناس. إنك قد تجد مجموعات على موقع «فيسبوك» تتفاخر بالمناظر الطبيعية الخلابة دون أن تدرك أنها تتلاشى إذا أمعنت النظر، وأن عارضة الأزياء الجميلة على موقع «إنستغرام» في الصورة لديها أصابع كثيرة للغاية.

جشع الشركات وانحسار الابتكار

إن الإنترنت، بطبيعة الحال، شبكة تسيطر عليها أكبر الشركات وأغناها وأقواها في العالم. إنه ليس إنترنت ميتاً، بل إنه حي ومهمل، ملعون فقط بسبب جشع الشركات وكسلها ولامبالاتها.

ولم تعد شركات وادي السيليكون العملاقة تتنافس ولم تعد تبتكر، وبدلاً من ذلك، تعمل على خفض التكاليف، وتعزيز هوامش الربح وحجب المنافسين من أجل الحفاظ على عادات الاستهلاك والهيمنة على السوق. تمنحنا المنصات عبر الإنترنت الراحة، لكنها لا تقدم أي جديد، ولديها فائدة متلاشية في حياتنا الرقمية بشكل متزايد.

في عام 2025، ربما ينفجر كل شيء. ولكن من المؤمل أن يبدأ الناس في إعادة التفكير في اعتمادهم على المنصات الرقمية التي تعاملهم بازدراء تام، كما لو كانوا مستهلكين، وكأنهم «مستخدمون». إذا كانت هذه نهاية الإنترنت كما نعرفها، فإنني أشعر بأنني بخير.

مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».