تراكم النفايات الإلكترونية في أفريقيا يثير مخاوف صحية وبيئية

النسبة المُعاد تدويرها بالقارة السمراء لا تتخطى 1%

التخلص الآمن من النفايات الإلكترونية يمثل تحدياً كبيراً في أفريقيا (رويترز)
التخلص الآمن من النفايات الإلكترونية يمثل تحدياً كبيراً في أفريقيا (رويترز)
TT
20

تراكم النفايات الإلكترونية في أفريقيا يثير مخاوف صحية وبيئية

التخلص الآمن من النفايات الإلكترونية يمثل تحدياً كبيراً في أفريقيا (رويترز)
التخلص الآمن من النفايات الإلكترونية يمثل تحدياً كبيراً في أفريقيا (رويترز)

مع شيوع استخدام الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، وتقليص دورة حياتها، بتعديل تصاميمها لتصبح أقل قابلية للإصلاح، تزداد كمية النفايات الإلكترونية بسرعة في جميع أنحاء العالم.

وتعد النفايات الإلكترونية أسرع النفايات المنزلية نمواً وأكثرها قيمة في العالم؛ إذ تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 62 مليون طن متري من الهواتف الجوالة والأجهزة جرى التخلص منها في أرجاء الكوكب عام 2022 وحده، ومن المتوقع أن تزيد هذه الكمية بمقدار الثلث بحلول 2030.

وبينما أعيد تدوير 22.3 في المائة فقط من النفايات الإلكترونية في العالم بشكل صحيح، فإن النسبة المُعاد تدويرها رسمياً في البلدان الأفريقية لا تتخطى 1 في المائة، وفق تقرير أصدره معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث في 20 مارس (آذار) 2024.

عالمياً، كشف التقرير أن النفايات الإلكترونية لعام 2023 احتوت على ما قيمته 90 مليار دولار من المعادن، منها 19 مليار دولار من النحاس، و15 مليار دولار من الذهب، و16 مليار دولار من الحديد، بالإضافة إلى خسارة 62 مليار دولار من الموارد الطبيعية القابلة للاسترداد في 2022 وحده.

وتتكون النفايات الإلكترونية من أي أجهزة يجري التخلص منها وتحتوي على منفذ كهرباء أو بطارية، وقد تحتوي على إضافات سامة أو مواد خطرة مثل الزئبق، وتمثل خطراً بيئياً وصحياً.

النسبة المُعاد تدويرها من النفايات الإلكترونية لا تتخطى 1 في المائة بأفريقيا (رويترز)
النسبة المُعاد تدويرها من النفايات الإلكترونية لا تتخطى 1 في المائة بأفريقيا (رويترز)

النفايات في أفريقيا

بالإضافة إلى النفايات الإلكترونية التي يلفظها سكان القارة، يتراكم جزء كبير من النفايات الإلكترونية العالمية في مكبات النفايات المفتوحة في العديد من البلدان الأفريقية. ووفقاً لأحدث التقديرات، فإن إجمالي النفايات الإلكترونية في أفريقيا المنتجة محلياً، بالإضافة إلى النفايات الإلكترونية المستوردة لعام 2019، يتراوح بين 5.8 و3.4 طن متري.

ويعتقد الباحثون أن هذا أقل من الواقع؛ إذ توجد فجوات كبيرة في البيانات، ما يعوق إجراء تقديرات أكثر دقة. واستناداً إلى البيانات المتاحة، فإن المتلقين الرئيسيين للنفايات الإلكترونية في أفريقيا هم نيجيريا وغانا وتنزانيا.

وتُنقل النفايات الإلكترونية من البلدان المتقدمة إلى النامية، وتُفكك في ظروف غير آمنة، وتُستورد الأجهزة المستعملة بكميات كبيرة بسبب الطلب العالي والتكلفة المنخفضة.

أخطار صحية وبيئية

يعد التخلص الآمن من النفايات الإلكترونية في أفريقيا تحدياً كبيراً؛ إذ يتم في كثير من الأحيان التخلص من النفايات بطرق بسيطة في البلدان التي تفتقر إلى تنظيمات قانونية كافية. ونتيجة لهذا الوضع، ينشأ التلوث البيئي ويتعرض البشر لخطر الملوثات الضارة بالصحة والبيئة.

وتتمثل الطريقة الشائعة للتخلص من النفايات الإلكترونية في وضعها في مدافن، لكن في غياب التحكم الكافي، يمكن أن يؤدي تحلل المواد العضوية إلى تلويث المياه، بالإضافة إلى انبعاث غاز الميثان الضار بالمناخ.

وبجانب النفايات الصلبة الأخرى، يتم التخلص من الأجهزة الإلكترونية، وغالباً ما يتم نبشها لاستخراج المعادن الثمينة بطرق غير آمنة، ما يعرض العمال والمقيمين المحليين لمخاطر صحية.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن الرصاص هو إحدى المواد الشائعة التي تتسرب للبيئة عند إعادة تدوير النفايات الإلكترونية أو تخزينها أو التخلص منها بطرق غير سليمة، مثل الحرق في الهواء الطلق. ويمكن أن تؤدي هذه الأنشطة إلى آثار ضارة على صحة الإنسان، خاصة الأطفال والنساء الحوامل الذين يعرضون للخطر بشكل خاص.

وتقدر منظمة العمل الدولية ومنظمة الصحة العالمية أن ملايين النساء والأطفال العاملين في قطاع إعادة التدوير غير الرسمي حول العالم، قد يكونون عرضة لخطر التعرض للنفايات الإلكترونية. كما تجتذب مدافن النفايات غالباً الحشرات التي تنقل الأمراض، وهذا يزيد من خطر الإصابة والتعرض للمواد الخطرة، خاصة بين الأطفال الذين ينبشون في مدافن النفايات بحثاً عن أشياء ذات قيمة.

ويعد الحرق بديلاً لمدافن النفايات، لكن يمكن أن يؤدي إلى إطلاق مواد سامة، ويزيد الأمر سوءاً عندما لا تكون المواد البلاستيكية قابلة للتحلل؛ إذ تلوث البيئة بشكل كبير. وتتسبب النفايات الخطرة، التي تتضمن المواد القابلة للاشتعال أو السامة، في زيادة مشاكل الصحة العامة، مثل ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان والعيوب الخلقية.

يقول مدير أول برنامج «الدورة المستدامة» في معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث، الدكتور روديجر كوهر لـ«الشرق الأوسط»: «الغالبية العظمى من دول أفريقيا، تفتقر إلى تشريعات وسياسات مناسبة للتعامل مع النفايات الإلكترونية، بالإضافة إلى عدم وجود أنظمة لجمع النفايات الإلكترونية وإعادة تدويرها».

وأضاف: «في أغلب الأحيان تتم ممارسة عملية إعادة التدوير غير الرسمية بمعدلات كفاءة منخفضة، علاوة على ذلك يتم تطبيق طرق بدائية مثل الحرق في الهواء الطلق أو الحمامات الحمضية، ما يؤدي لعواقب بيئية وصحية».

والحمامات الحمضية، المعروفة أيضاً باسم «الغسل الحمضي»، هي تقنية معالجة تُستخدم لاستخراج المعادن الثمينة من النفايات الإلكترونية، وتتضمن استخدام أحماض قوية، مثل الهيدروكلوريك أو النيتريك، لإذابة المعادن من اللوحات الإلكترونية وغيرها من المكونات، ما قد يشكل مخاطر صحية على العمال والسكان المحليين. ويمكن أن تؤدي هذه العملية إلى تلوث الهواء والماء والتربة، كما أنها تُنتج انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، مثل ثاني أكسيد الكربون، ما يساهم في تغير المناخ.

التزام محدود

في الوقت ذاته، نبّه كوهر إلى أن التشريعات التي تنظم النفايات الإلكترونية موجودة في 81 دولة فقط حول العالم، من بينها 36 دولة تحدد أهدافاً لإعادة التدوير، معظمها في أوروبا. وحتى في الاتحاد الأوروبي، تفشل أغلب الدول الأعضاء في تحقيق الأهداف التي حددتها بنفسها، والعديد منها حتى الآن بعيد المنال.

علاوة على ذلك، في معظم أنحاء العالم، لا توجد بنية تحتية للتجميع وإعادة التدوير، لذلك فإن الكثير من النفايات الإلكترونية تذهب إلى مدافن النفايات، أو يتم التخلص منها مع النفايات، أو معالجتها بشكل غير رسمي بوسائل بدائية للغاية تؤثر على صحة العمال والبيئة.

في المقابل، أشار إلى أنه إذا تمكنت الدول من رفع معدلات جمع النفايات الإلكترونية وإعادة تدويرها إلى 60 في المائة فقط بحلول عام 2030، فإن الفوائد ستتجاوز التكاليف بمقدار 38 مليار دولار، لكن هذه الجهود تعوقها خيارات الإصلاح المحدودة، ودورة حياة المنتج القصيرة.


مقالات ذات صلة

مالكا منتجع بيئي في السويد يتركان خلفهما 158 برميلاً من الفضلات البشرية

بيئة المالك الجديد لمنتجع «ستدسانس» في السويد وخلفه براميل من الفضلات البشرية والعضوية تركها المالكان السابقان (موقع «داغنس نيهيتر»)

مالكا منتجع بيئي في السويد يتركان خلفهما 158 برميلاً من الفضلات البشرية

هرب زوجان دنماركيان من «منتجع الغابات» في السويد إلى غواتيمالا، وتركا وراءهما ديوناً ضريبية كبيرة و158 برميلاً من الفضلات البشرية والعضوية.

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)
بيئة أدى تراجع الأمطار قبل 6 آلاف عام إلى تحوّل المنطقة مجدداً لبيئة قاحلة (واس)

«كاوست»: «الربع الخالي» كان موطناً لأنهار ومروج خضراء

كشفت دراسة بحثية علمية حديثة أن «الربع الخالي»، أكبر صحراء رملية متصلة في العالم لم تكن في الماضي كما نعرفها اليوم أرضاً جافة وقاحلة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
يوميات الشرق الظبي الرملي من الأنواع الأصيلة في السعودية المعرضة للانقراض (واس)

ولادة أول ظبي رملي لموسم ربيع 2025 في السعودية

احتفت محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية بولادة أول ظبي رملي لموسم ربيع 2025، ليصل بذلك إجمالي عدد الظباء الرملية التي وُلدت في المحمية إلى 94 مولوداً.

«الشرق الأوسط» (تبوك)
علوم باحثة في المختبر تدرس جسيمات البلاستيك

ما الذي تفعله الجسيمات البلاستيكية الدقيقة بأجسامنا؟

البلاستيك الدقيق ازداد 50 في المائة في عينات الدماغ البشري خلال 8 سنوات.

«الشرق الأوسط» (ألباكركي (ولاية نيو مكسيكو الأميركية))

علماء صينيون يؤكدون «عطش» الجانب البعيد من القمر

الصين أول دولة تستكشف جانب القمر البعيد عن الأرض
الصين أول دولة تستكشف جانب القمر البعيد عن الأرض
TT
20

علماء صينيون يؤكدون «عطش» الجانب البعيد من القمر

الصين أول دولة تستكشف جانب القمر البعيد عن الأرض
الصين أول دولة تستكشف جانب القمر البعيد عن الأرض

يختلف الجانب البعيد من القمر -وهو الجزء الذي لا يواجه الأرض أبداً- اختلافاً يشوبه الغموض، عن الجانب القريب له. فهو مليء بالفوهات، وله قشرة أكثر سمكاً، ومساحة أقل من «البحر البركاني»، أو السهول التي تشكلت فيها الحمم البركانية، كما كتبت كاترينا ميلر (*).

عينات القمر الصينية

ويقول العلماء الآن إن هذا الاختلاف قد يكون أعمق مما يبدو على السطح.

وباستخدام عينة قمرية تم الحصول عليها العام الماضي، يعتقد باحثون صينيون أن باطن الجانب البعيد من القمر قد يكون أكثر جفافاً من جانبه القريب. وقد يقدم اكتشافهم، الذي نُشر في مجلة «نيتشر» الأسبوع الماضي، صورة أوضح لكيفية تشكل وتطور الكرة اللؤلؤية التي نعجب بها في سماء الليل على مدى مليارات السنين.

يبدو أن اختلاف محتوى الماء داخل الجانبين البعيد والقريب من القمر «متسق بشكل متصادف» مع الاختلافات في سمات سطح كل من نصفي القمر، وفقاً لسين هو Sen Hu، الباحث في الأكاديمية الصينية للعلوم في بكين الذي توصل إلى النتائج الجديدة، والذي قال: «إنه أمرٌ مثيرٌ للاهتمام».

فرضيات جفاف القمر

حتى تسعينات القرن الماضي، كان يُعتقد أن القمر جافٌّ تماماً. ثم بدأ العلماء باكتشاف آثارٍ للماء على سطحه. وقد تأكدت هذه الآثار عندما صدمت وكالة «ناسا» الأميركية صاروخاً في القطب الجنوبي للقمر عام 2009.

ومنذ ذلك الحين، أشارت الدراسات إلى وجود جليدٍ يغطي معظم سطح القمر. كما عُثر على ماءٍ في الوشاح، وهو طبقةٌ من القمر تقع أسفل القشرة وفوق النواة.

ريادة الصين

أصبحت الصين في يونيو (حزيران) الماضي، أول دولةٍ تُعيد عينةً من الجانب البعيد للقمر. إذ قامت سفينة «تشانغ آه-6»، وهي السادسة في سلسلةٍ من بعثات استكشاف القمر الصينية، باستخراج وحفر أكثر من 4 أرطال من الريغوليث regolith من حوض أيتكين في القطب الجنوبي، وهو أعمق فوهةٍ على سطح القمر.

كان أحد أهداف هذه البعثة وغيرها تقدير كمية المياه في أعماق القمر، ما يُساعد العلماء على دراسة ماضيه. فالطبقة الداخلية للقمر أقل تأثراً بالعمليات التي يُمكن أن تُؤثر على سطحه. وبعد عودة عينات «تشانغ آه-6»، إلى الأرض، بحث الباحثون عن البازلت البحري، أو حبيبات الحمم البركانية المتصلبة التي انفجرت من داخل وشاح القمر.

جانبا القمر: جاف ورطب

واحتوى بعض هذا البازلت، وهي مواد يصل عمرها إلى 2.8 مليار سنة، على الزبرجد الزيتوني (معدن الأوليفين) olivine، وهو بلورة تشكلت مع تبريد الصهارة القديمة داخل القمر، مما حفظ معلومات حول تركيب الوشاح في مراحل مبكرة من تاريخ القمر.

مكّنت كمية الهيدروجين المحبوسة في الزبرجد الزيتوني العلماء من استنتاج كمية الماء الموجودة في الوشاح آنذاك: ما بين 1 و1.5 غرام من الماء لكل مليون غرام من الصخور القمرية.

كانت القياسات السابقة للعينات التي جُمعت من الجانب القريب من القمر -من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وأخيراً الصين- أكثر رطوبةً بما يصل إلى 200 مرة.

وقال هو إن الاختلاف الواضح في نطاقات محتوى الماء المستمد من عينات الجانبين القريب والبعيد من القمر قد يشير إلى أن الجزء غير المرئي من القمر على الأرض أكثر جفافاً بشكل عام.

محدودية المعلومات

ووصف شواي لي، عالم جيولوجيا الكواكب في جامعة هاواي في مانوا، الذي يدرس المياه على سطح القمر، النتائج بأنها «مثيرة للاهتمام للغاية». لكنه أشار إلى أنه لا يمكن استخلاص سوى معلومات محدودة من عينة واحدة. وقال لي، الذي لم يشارك في العمل: «من الصعب الجزم بما إذا كان الجانب البعيد أكثر جفافاً من الجانب القريب».

تفسير الاختلافات في نسبة المياه

أحد السيناريوهات التي اقترحها فريق «تشانغ إي-6» لتفسير الاختلافات الداخلية هو أن الاصطدام الذي نتج عنه حوض القطب الجنوبي-أيتكين كان قوياً بما يكفي لقذف الماء وعناصر أخرى إلى الجانب القريب من القمر، مما أدى إلى استنزاف كمية المياه على جانبه البعيد.

وهناك فكرة أخرى مفادها أن البازلت من عينة «تشانغ إي-6» يأتي من جزء أعمق وأكثر جفافاً من وشاح القمر.

تصورات علمية

وقال ماهيش أناند، عالم الكواكب في الجامعة المفتوحة بإنجلترا، الذي لم يشارك في الدراسة ولكنه ساعد في تقدير محتوى الماء في باطن القمر من عينة الجانب القريب التي جمعتها الصين بواسطة مهمة «تشانغ آه-5» عام 2020: «أعتقد أن هذا (الافتراض) أكثر واقعية».

كما أشاد أناند بدقة الباحثين، الذين اختاروا بعناية مئات الجسيمات من عينة «تشانغ آه-6»، والتي يقل امتدادها جميعاً عن سدس البوصة (0.4 سنتيمتر)، لتقدير وفرة الماء. وأضاف: «إن القدرة على فعل ذلك شاقة للغاية، وتتطلب الكثير من العمل المتطور والدقيق».

وسيساعد مزيد من العينات من مواقع مختلفة، التي تجمعها البعثات القمرية المستقبلية، العلماء على تحديد ما إذا كان باطن الجانب البعيد جافاً بشكل موحد، أو ما إذا كان مختلفاً بين منطقة وأخرى.

* خدمة «نيويورك تايمز».

حقائق

200

مرة أكثر... تبلغ الرطوبة في الجانب القريب من القمر مقارنةً بالبعيد منه