النفايات الإلكترونية: سوق بمليارات الدولارات تنتظر التنظيم

نفايات من مخلفات أجهزة إلكترونية (شاترستوك)
نفايات من مخلفات أجهزة إلكترونية (شاترستوك)
TT

النفايات الإلكترونية: سوق بمليارات الدولارات تنتظر التنظيم

نفايات من مخلفات أجهزة إلكترونية (شاترستوك)
نفايات من مخلفات أجهزة إلكترونية (شاترستوك)

أعلنت السلطات الإسبانية مطلع سنة 2023 عن نجاحها في تفكيك مجموعة قامت بتهريب أكثر من 5 آلاف طن من النفايات الإلكترونية الخطرة إلى غانا وموريتانيا ونيجيريا والسنغال. وتستغل عصابات الجريمة المنظمة البلدان الأفريقية، التي لا تتبنى معايير بيئية صارمة للتعامل مع النفايات الخطرة، كمقصد نهائي للتخلص من هذه النفايات واسترجاع موادها الثمينة في ظروف لا تحقق متطلبات الصحة العامة.
ويشهد العالم زيادة مطردة في إنتاج الأجهزة الإلكترونية بسبب الثورة الرقمية واتساع نطاق وأساليب التواصل. وتترافق هذه الزيادة مع نمو كبير في كميات النفايات الإلكترونية التي لا يجد أغلبها سبيله للتدوير، رغم ما يحتويه من معادن ثمينة. ويمثّل قطاع تدوير النفايات الإلكترونية مجالاً واعداً للاستثمارات، شريطة لحظ المخاطر الصحية والأضرار البيئية التي تنشأ خلال دورة حياة المنتَج.

- نمو متسارع
وفقاً لآخر تقارير المرصد العالمي للنفايات الإلكترونية، أنتج العالم 53.6 مليون طن من النفايات الإلكترونية عام 2019. بزيادة بلغت 21 في المائة في خمس سنوات فقط. ويتنبأ المرصد أن تصل كمية النفايات الإلكترونية العالمية إلى 74 مليون طن بحلول 2030. مما يجعلها أسرع أنواع النفايات المنزلية نمواً في العالم.
ويُعزى النمو المتسارع للنفايات الإلكترونية إلى المعدلات المتزايدة لاستهلاك المعدات والأجهزة الكهربائية والإلكترونية، ودورة حياة المنتج القصيرة (كما في حالة الأجهزة الإلكترونية المحمولة)، والخيارات المحدودة لإصلاح الأجهزة. ويشير تقرير المرصد إلى أن 17.4 في المائة فقط من النفايات الإلكترونية تم جمعها وتدويرها خلال 2019. رغم ما تحتويه من الذهب والفضة والنحاس والبلاتين وغيرها من المواد ذات القيمة العالية.
وتُنتج آسيا أكبر كمية من النفايات الإلكترونية (نحو 24.9 مليون طن)، تليها الأميركيتان (13.1 مليون طن) وأوروبا (12 مليون طن). فيما تُنتج أفريقيا وأوقيانوسيا 2.9 مليون طن و0.7 مليون طن على التوالي. وفي العالم العربي ارتفع توليد النفايات الإلكترونية بنسبة 61 في المائة خلال عشر سنوات، من 1.8 مليون طن (4.9 كيلوغرام لكل شخص) في 2010 إلى 2.8 مليون طن (6.6 كيلوغرام لكل شخص) في 2019.
وتعكس كميات النفايات الإلكترونية مستويات المعيشة المتباينة بين البلدان العربية، حيث سجلت السعودية أعلى معدل فردي لتولد النفايات الإلكترونية بلغ 13.2 كيلوغرام للشخص، فيما سجلت جزر القمر المعدل الأدنى بمقدار 0.7 كيلوغرام للشخص.
ووفق المعطيات المتوفرة لعام 2019. تقترب نسبة جمع واسترداد النفايات الإلكترونية في العالم العربي من 0.1 في المائة، أو ما مجموعه 2200 طن في السنة. ويوجد عدد من الشركات العاملة في هذا القطاع في الأردن وفلسطين وقطر والإمارات. وفي مصر، توجد سبع منشآت مرخصة لمعالجة النفايات الإلكترونية، إلى جانب 6 منشآت جديدة قيد الترخيص حالياً.
وفي السعودية، تأسست شركة تدوير البيئة الأهلية (تدوير) عام 2015. كإحدى الشركات الرائدة والمتخصصة في إعادة تدوير مخلفات الأجهزة الإلكترونية والكهربائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبحسب أرقامها، نجحت الشركة في إعادة تدوير ما يزيد عن 100 ألف طن النفايات الإلكترونية والكهربائية على مدى 5 سنوات. وتسعى الشركة لرفع طاقتها الإنتاجية من 15 ألف طن عند انطلاقتها إلى 128 ألف طن بحلول 2025.
وتتبنى معظم الدول العربية تشريعات تتعلق بإدارة النفايات الصلبة، بما فيها النفايات الخطرة التي تشمل النفايات الإلكترونية. ولكن قلّة من الدول العربية، مثل الأردن والبحرين والإمارات مثلاً، تملك تشريعات أو سياسات صريحة لإدارة النفايات الإلكترونية ومعالجتها والتخلُّص منها.

- قطاع واعد، ضمن شروط
من المرجح أن تؤدي الكلفة المتزايدة للمعادن الثمينة، مثل الذهب والفضة والبلاتين وغيرها، إلى زيادة الطلب على تدوير النفايات الإلكترونية في السنوات المقبلة. علاوة على ذلك، تُعتبر الزيادة الكبيرة في النفايات الإلكترونية إحدى المخاطر البيئية الرئيسية، مما سيعزز سوق استرداد المواد من النفايات الإلكترونية. وتساهم مبادرات الشركات في إطار مسؤولية المنتج الممتدة وتحسين مبيعاتها في دعم هذا القطاع.
وكانت شركة «إيون ماركت ريسيرتش» (Eon Market Research) نشرت مطلع 2023 تقريراً تتوقع فيه نمو حجم السوق العالمية للتخلص من النفايات الإلكترونية من نحو 12 مليار دولار في 2021 إلى أكثر من 23 مليار دولار بحلول 2028، بمعدل نمو سنوي يبلغ 10 في المائة.
وفي مقابل الأرباح المنتظرة من قطاع استرداد المواد من النفايات الإلكترونية، يمكن أن تؤدي الإدارة غير السليمة والممارسات غير الآمنة إلى مخاطر صحية جسيمة على العاملين في هذا القطاع. وتحتوي النفايات الإلكترونية على مجموعة من مواد سامة، مثل الزئبق والرصاص والنيكل والهيدروكربونات العطرية المتعددة الحلقات، التي يسبب التعرض لها مشكلات صحية متعددة، كتغيُّر وظائف الغدة الدرقية واختلال وظائف الرئة وعواقب وخيمة على حديثي الولادة.
وتشير منظمة الصحة العالمية، في تقرير صدر منتصف العام الماضي، إلى أن نحو 12.9 مليون امرأة يعملن في قطاع النفايات غير النظامي، مما يعرّضهن للنفايات الإلكترونية السامة ويهدد صحتهن وصحة أجنّتهن عند الحمل. كما يعمل أكثر من 18 مليون طفل ومراهق في القطاع الصناعي غير النظامي، الذي تعدّ معالجة النفايات جزءاً منه، وكثيراً ما تتم الاستعانة بالأطفال في إعادة تدوير النفايات الإلكترونية لأن أيديهم الصغيرة أبرع في التعامل معها.
ويدعو تقرير المنظمة المصدّرين والمستوردين والحكومات إلى اتخاذ إجراءات فعالة وملزمة لضمان التخلص السليم بيئياً من النفايات الإلكترونية، وضمان صحة وسلامة العاملين وأسرهم ومجتمعاتهم، ورصد التعرُّض للنفايات الإلكترونية وعواقبها على الصحة، وتيسير إعادة استخدام المواد على نحو أفضل، والتشجيع على تصنيع معدات إلكترونية وكهربائية أكثر استدامة.
وفي مسألة حماية البيئة، تمثّل النفايات الإلكترونية قمة جبل الجليد المرتبطة بمخلّفات الأجهزة الإلكترونية طيلة دورة حياتها. وعادة ما تتجاهل البيانات الخاصة بتوليد النفايات المخلّفات التي تنشأ خلال التعدين والتصنيع، وهي تفوق بكمياتها حجم النفايات الإلكترونية. وعلى سبيل المثال، يتسبب استخراج كيلوغرام واحد من النحاس، الذي يدخل في تصنيع الأجهزة الإلكترونية، فيما لا يقل عن 210 كيلوغرامات من نفايات المناجم.
وفيما نجح الاتحاد الأوروبي في جمع 3.1 مليون طن من النفايات الإلكترونية المنزلية في 2014. نشأ داخل الاتحاد في العام ذاته 16.2 مليون طن من تصنيع المنتجات الإلكترونية. وهذا يعني أنه حتى لو تمكن الاتحاد الأوروبي من إعادة تدوير جميع النفايات الإلكترونية المنزلية، تبقى نفايات التصنيع أكبر بكثير من النفايات المعاد تدويرها.
وتُظهر البيانات الواردة من الشركات المصنِّعة للهواتف وأجهزة الكومبيوتر والأجهزة اللوحية أن منتجاتها تطلق أغلب كمية ثاني أكسيد الكربون أثناء عملية الإنتاج قبل أن تصل إلى أيدي المستهلكين، لا سيما في مرحلتي تعدين المواد الأولية وتصنيع المكوّنات.
إن النمو المتسارع لاستهلاك المنتجات الإلكترونية وما يستتبعه من زيادة في النفايات، يستوجب اتخاذ تدابير سريعة لتنظيم هذا القطاع بدءاً من تعدين المواد الأولية التي تدخل في الإنتاج، وانتهاءً بعمليات المعالجة والتخلُّص. وتظهر أهمية هذه المسألة في العالم العربي، على وجه الخصوص، حيث تواجه الدول المنخفضة الدخل مخاطر النفايات الإلكترونية المستوردة فيما تواجه الدول الأخرى مصاعب في التعامل مع طوفان الأجهزة المستهلكة.


مقالات ذات صلة

الاحترار القياسي للمحيطات زاد حدة الأعاصير الأطلسية في 2024

بيئة أظهرت الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة (رويترز)

الاحترار القياسي للمحيطات زاد حدة الأعاصير الأطلسية في 2024

أكدت دراسة جديدة، نُشرت الأربعاء، أن ظاهرة الاحترار المناخي تفاقم القوة التدميرية للعواصف، مسببة زيادة السرعة القصوى لرياح مختلف الأعاصير الأطلسية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا وزيرة البيئة الأوكرانية تلقي كلمة في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (كوب 29) في أذربيجان 20 نوفمبر 2024 (رويترز)

أوكرانيا تُقدّر الضرر البيئي نتيجة الحرب بـ71 مليار دولار

قالت وزيرة البيئة الأوكرانية إن الضرر البيئي بسبب العمليات العسكرية جراء الغزو الروسي لأوكرانيا منذ فبراير 2022 يقدّر بـ71 مليار دولار.

«الشرق الأوسط» (كييف)
خاص قام أفراد المجتمع بزراعة أكثر من مليون شجيرة في متنزه ثادق السعودي لإصلاح الأراضي المتدهورة ومعالجة التصحر (برنامج الأمم المتحدة للبيئة)

خاص ثياو قبل «كوب 16»: العالم يحتاج 355 مليار دولار سنوياً لمكافحة التصحر

مع اقتراب انعقاد «كوب 16» يترقّب العالم خطوات حاسمة في معالجة أكبر التحديات البيئية التي تواجه كوكب الأرض.

آيات نور (الرياض)
بيئة ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)

ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية يُهدد خطط المناخ

أظهرت أوراق بحثية أن الأراضي الرطبة الاستوائية حول العالم بات نبعث منها كميات من غاز الميثان أكبر من أي وقت مضى.

«الشرق الأوسط» (باكو)
بيئة رجل يسكب الماء على رأسه أثناء موجة حر في هيوستن بولاية تكساس بالولايات المتحدة - 25 أغسطس 2023 (رويترز)

دراسة: ارتفاع درجات الحرارة يزيد خطر الإصابة بالرجفان الأذيني

تشير دراسة جديدة إلى أن موجات الحر قد تزيد خطر الإصابة بالرجفان الأذيني، وهو اضطراب في ضربات القلب، إلى ضعفين أو 3 أضعاف، لا سيما إذا لم يكن القلب بصحة جيدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

الاحترار القياسي للمحيطات زاد حدة الأعاصير الأطلسية في 2024

أظهرت الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة (رويترز)
أظهرت الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة (رويترز)
TT

الاحترار القياسي للمحيطات زاد حدة الأعاصير الأطلسية في 2024

أظهرت الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة (رويترز)
أظهرت الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة (رويترز)

تسببت درجات حرارة المحيطات المرتفعة بشكل قياسي في زيادة السرعة القصوى لرياح مختلف الأعاصير الأطلسية التي سُجّلت سنة 2024، بحسب دراسة نُشرت الأربعاء، ما يؤكد أن ظاهرة الاحترار المناخي تفاقم القوة التدميرية للعواصف.

وأظهرت هذه الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل من 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقال معدّ الدراسة، دانييل غيلفورد، في حوار مع وسائل الإعلام: «لقد أثرت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والغازات الدفيئة الأخرى على درجات حرارة سطح البحار في مختلف أنحاء العالم».

وفي خليج المكسيك، تسببت هذه الانبعاثات في ارتفاع درجات حرارة سطح البحر بنحو 1.4 درجة مئوية مما كانت عليه، لتكون في عالم لا يواجه تغيراً مناخياً.

وهذا الارتفاع في درجات الحرارة يفاقم رياح الأعاصير التي تزداد قوتها. وتحوّلت ظواهر مثل «ديبي» و«أوسكار» بشكل سريع من عواصف استوائية إلى أعاصير فعلية.

صورة تظهر الأضرار التي لحقت بمدينة أشفيل في ولاية كارولينا الشمالية الأميركية بعد مرور إعصار هيلين 29 سبتمبر 2024 (رويترز)

وارتفع مستوى أعاصير مثل «ميلتون» و«بيريل» على مقياس سافير-سيمبسون من الرابع إلى الخامس، بسبب التغير المناخي، بينما ارتفع مستوى إعصار «هيلين» من الثالث إلى الرابع.

ويُترجَم هذا الارتفاع في المستوى بزيادة القدرة التدميرية أربع مرات تقريباً.

وكان الإعصار «هيلين» مدمراً بشكل خاص، إذ أدى إلى مقتل أكثر من 200 شخص، وعُدّ ثاني أعنف إعصار يضرب القارة الأميركية منذ أكثر من نصف قرن، بعد إعصار «كاترينا» عام 2005.

وبحسب دراسة أخرى أجراها «كلايمت سنترال» بين عامي 2019 و2023، باتت حدّة 84 في المائة من الأعاصير أكبر بكثير بسبب احترار المحيطات الناجم عن الأنشطة البشرية.

وعلى الرغم من أن دراستيهم ركزتا على حوض المحيط الأطلسي، فإن الباحثين أكدوا أن النهج الذي اعتمدوه يمكن تطبيقه على الأعاصير المدارية على نطاق عالمي.

وحذّر علماء المناخ من احتمال تفاقم التأثيرات مع تخطي الاحترار 1.5 درجة مئوية.