التحرير «اللاجيني»... يحدّ من نشاط الجينات المسببة للأمراض

تغييرات في العلامات الكيميائية على الحامض النووي من دون المساس بالجينوم

التحرير «اللاجيني»... يحدّ من نشاط الجينات المسببة للأمراض
TT

التحرير «اللاجيني»... يحدّ من نشاط الجينات المسببة للأمراض

التحرير «اللاجيني»... يحدّ من نشاط الجينات المسببة للأمراض

عملية تقلل نشاط الجين من دون حدوث أي خلل في تطور علمي جديد، وضّحت دراسة حديثة نهجاً بديلاً لتحرير الجينوم، يستهدف اللاجينوم على وجه التحديد؛ لتقليل نشاط الجين الذي يؤثر في مستويات الكوليسترول دون تغيير تسلسل الحامض النووي.

وبدلاً من التحرير المباشر لتسلسل الحامض النووي، قام العلماء بتعديل الجينوم الذي يتضمن علامات كيميائية على الحامض النووي تؤثر في نشاط الجينات. وتمكّن الباحثون من خلال تغيير نمط هذه العلامات الكيميائية من تنظيم نشاط الجين المستهدف.

التعديلات اللاجينية

يمكن للتعديلات اللاجينية أن تحدد هوية الخلية في أثناء التطور، وتؤثر في التعبير الجيني. أما «التعبير الجيني» فهي العملية التي يتم من خلالها استخدام المعلومات الجينية لإنتاج منتجات وظيفية داخل الخلية، حيث تتم ترجمة هذه المعلومات من الحامض النووي إلى سلاسل من الأحماض الأمينية لتشكيل البروتينات، وهي العملية التي تجعل الحامض النووي يتحول إلى الحياة.

وفي هذا السياق طوّر الباحثون في بحثهم المنشور في مجلة «نتشر (Nature)» في 28 فبراير (شباط) 2024 برئاسة أنجيلو لومباردو الباحث في العلاج الجيني في معهد سان رافاييل العلمي في ميلانو إيطاليا وزملائه، طريقة لتعديل العلامات اللاجينية باستخدام بروتينات أصابع الزنك المندمجة مع البروتينات المشاركة في إضافة أو إزالة العلامات الكيميائية على الحامض النووي.

ويشار إلى أن الموافقة على أول علاج لتحرير الجينوم الذي يعتمد على نظام التحرير (القص) الجيني (كريسبر-كاس9) عام 2023، بشّرت بتطور نوع جديد من الطب الذي يتضمن إجراء تغييرات مستهدفة على تسلسل الحامض النووي.

لكن النتائج الجديدة التي نشرها أنجيلو لومباردو أخيراً في هذه الدراسة تدعم الحجة القائلة بتحرير اللاجينوم بدلاً من ذلك لعلاج أمراض معينة، وبالتالي تجنب بعض المخاطر التي تأتي مع كسر وتغيير خيوط الحامض النووي بشكل لا رجعة فيه.

علم الوراثة اللاجينية

يشير علم الوراثة اللاجينية إلى دراسة التغيرات الوراثية في التعبير الجيني التي لا تنطوي على تغييرات في تسلسل الحامض النووي نفسه. بل وبدلاً من ذلك تتم هذه التغييرات عن طريق تعديلات على بنية الحامض النووي أو البروتينات المرتبطة به، المعروفة مجتمعة باسم «الكروماتين (chromatin)» حيث يمكن أن تؤثر التعديلات اللاجينية في التعبير الجيني عن طريق تنشيط أو إسكات جينات معينة، وبالتالي تلعب دوراً حاسماً في العمليات البيولوجية المختلفة، بما في ذلك التطور والشيخوخة والمرض.

يمثل التحرير اللاجيني نهجاً رائداً لتنظيم الجينات الذي يسخر «قوة كريسبر» دون تغيير تسلسل الحامض النووي نفسه، ومن خلال التعديل الانتقائي للعلامات اللاجينية يستطيع الباحثون معالجة أنماط التعبير الجيني؛ مما يوفر طرقاً جديدة لعلاج الأمراض وفهم العمليات البيولوجية المعقدة. على الرغم من أن مجال التحرير اللاجيني لا يزال في بداياته فإنه يحمل وعداً هائلاً لإحداث ثورة في الطب وعلم الأحياء في السنوات المقبلة.

تطبيقات مستقبلية

الجين المستهدف للتعديل اللاجيني في هذه الدراسة هو جين معروف بارتباطه بارتفاع مستويات الكوليسترول، ويدعى «PCSK9» ومن خلال تحرير الجينوم الخاص بذلك الجين في الفئران لا

حظ الباحثون انخفاضاً في مستويات الكوليسترول ومستويات البروتين.

واستمرت تأثيرات التحرير اللاجيني لفترة طويلة مع الحفاظ على مستويات منخفضة من الجين المستهدف لمدة 330 يوماً في الفئران، وهذا يشير إلى إمكانية تحقيق فوائد علاجية طويلة المدى دون الحاجة إلى علاج مستمر.

وتسلط الدراسة الضوء على إمكانات التحرير اللاجيني بوصفه نهجاً علاجياً لعلاج الأمراض دون تغيير تسلسل الحامض النووي بشكل مباشر، إذ قد توفر هذه الطريقة مزايا مقارنة بتحرير الجينوم التقليدي بما في ذلك تقليل المخاطر والتأثيرات طويلة الأمد. كما تسهم النتائج في زيادة الإثارة العلمية حول التحرير اللاجيني بوصفه وسيلة واعدة للتطوير العلاجي.

وتؤكد الدراسة قدرة التحرير اللاجيني على إحداث ثورة في الطب من خلال تقديم علاجات دقيقة وطويلة الأمد لمختلف الأمراض. ومع ذلك هناك حاجة إلى مزيد من البحث لفهم سلامة وفعالية هذا النهج بشكل كامل قبل أن ترجمته إلى تطبيقات سريرية.

وأحد التطبيقات الواعدة للتحرير اللاجيني هو في مجال أبحاث السرطان، إذ كثيراً ما تتم ملاحظة التعديلات اللاجينية الشاذة في الخلايا السرطانية، مما يؤدي إلى خلل تنظيم الجينات المهمة المشارِكة في قمع الورم أو ترقيته. ومن خلال التعديل الانتقائي لهذه العلامات اللاجينية يأمل الباحثون في استعادة أنماط التعبير الجيني الطبيعية، وربما وقف أو عكس نمو الورم.



«جي بي تي» أم «غوغل»: أيهما أكثر فائدة للإبداع؟

«جي بي تي» أم «غوغل»: أيهما أكثر فائدة للإبداع؟
TT

«جي بي تي» أم «غوغل»: أيهما أكثر فائدة للإبداع؟

«جي بي تي» أم «غوغل»: أيهما أكثر فائدة للإبداع؟

ربما تتذكر وقتاً كنت فيه بحاجة إلى إجابة سريعة، لوصفة طبق للطعام، أو مشروع لتحسين بيتك.

من محرك «غوغل» إلى «جي بي تي»

قبل بضع سنوات، كانت غريزة معظم الناس الأولى هي البحث عن المعلومات على محرك «غوغل» للبحث، ومع ذلك، اليوم، مما كتب غاي يون تشونغ (*)، أصبح كثير من الناس أكثر ميلاً إلى استخدام «تشات جي بي تي (ChatGPT)»، أداة الذكاء الاصطناعي والمحادثة من شركة «أوبن إيه آي»، التي تغير الطريقة التي يبحث بها الناس عن المعلومات.

بدلاً من مجرد توفير قوائم بمواقع الويب، يُقدِّم «تشات جي بي تي» إجابات محادثة أكثر مباشرة.

مسألة الإبداع

ولكن هل يمكن لـ«تشات جي بي تي» أن يفعل أكثر من مجرد الإجابة عن الأسئلة المباشرة؟ هل يمكنه بالفعل مساعدة الناس على أن يكونوا أكثر إبداعاً؟

إني أدرس التقنيات الجديدة وتفاعل المستهلكين مع وسائل التواصل الاجتماعي، وقد شرعت أنا وزميلي بيونغ لي في استكشاف هذا السؤال: هل يمكن لـ«تشات جي بي تي» مساعدة الناس حقاً على حل المشكلات بشكل إبداعي، وهل يؤدي هذا بشكل أفضل من محركات البحث التقليدية مثل «غوغل»؟

عبر سلسلة من التجارب في دراسة نُشرت في مجلة «نتشر-السلوك البشري (Nature Human Behaviour)»، وجدنا أن «تشات جي بي تي» يعزز الإبداع، خصوصاً في المهام العملية اليومية.

وإليك ما تعلمناه عن كيفية تغيير هذه التقنية للطريقة التي يحلُّ بها الناس المشكلات، ويتبادلون بها الأفكار ويفكرون بشكل إبداعي.

«جي بي تي» مبدع

«تشات جي بي تي» والمهام الإبداعية. تخيل أنك تبحث عن فكرة هدية إبداعية لابنة أخت في سِنِّ المراهقة. في السابق، ربما كنت تبحث على «غوغل» عن «هدايا إبداعية للمراهقين»، ثم تتصفح المقالات حتى تجد شيئاً يناسبك.

الآن، إذا سألت «تشات جي بي تي»، فإنه يولِّد استجابةً مباشرةً بناءً على تحليله للأنماط عبر الويب. قد يقترح مشروعاً مخصصاً أو تجربةً فريدةً من نوعها، وصياغة الفكرة في الوقت الفعلي.

لاستكشاف ما إذا كان «تشات جي بي تي» يتفوق على «غوغل» في مهام التفكير الإبداعي، أجرينا 5 تجارب، تعامل فيها المشاركون مع مهام إبداعية مختلفة.

توليد الأفكار

على سبيل المثال، قمنا بتعيين المشاركين بشكل عشوائي، إما لاستخدام «تشات جي بي تي» للمساعدة، أو استخدام بحث «غوغل»، أو توليد الأفكار بأنفسهم.

بمجرد جمع الأفكار، قام الحكام الخارجيون، الذين لا يدركون الشروط المخصصة للمشاركين، بتقييم كل فكرة من حيث الإبداع. قمنا بوضع متوسط ل​​درجات الحكام؛ بهدف توفير تصنيف إبداعي عام.

كانت إحدى المهام تتضمَّن تبادل الأفكار حول طرق إعادة استخدام العناصر اليومية، مثل تحويل مضرب تنس قديم وخراطيم الحديقة إلى شيء جديد. وطُلبت مهمة أخرى من المشاركين تصميم طاولة طعام مبتكرة. وكان الهدف هو اختبار ما إذا كان «تشات جي بي تي» يمكن أن يساعد الناس على التوصل إلى حلول أكثر إبداعاً، مقارنة باستخدام محرك بحث على الويب أو مجرد خيالهم.

نتائج لصالح الذكاء التوليدي

وكانت النتائج واضحة: صنف الحكام الأفكار التي تم إنشاؤها بمساعدة «تشات جي بي تي» على أنها أكثر إبداعاً من تلك التي تم إنشاؤها باستخدام عمليات البحث على «غوغل» أو دون أي مساعدة. ومن المثير للاهتمام أن الأفكار التي تم إنشاؤها باستخدام «تشات جي بي تي» - حتى دون أي تعديل بشري - سجَّلت درجات أعلى في الإبداع من تلك التي تم إنشاؤها باستخدام «غوغل».

وكانت إحدى النتائج البارزة هي قدرة «تشات جي بي تي» على توليد أفكار إبداعية تدريجياً: تلك التي تعمل على تحسين أو البناء على ما هو موجود بالفعل. وفي حين أن الأفكار الجذرية حقاً قد لا تزال تشكل تحدياً للذكاء الاصطناعي، فقد تفوَّق «تشات جي بي تي» في اقتراح نهج عملي ومبتكر. على سبيل المثال، في تجربة تصميم الألعاب، توصَّل المشاركون الذين يستخدمون «تشات جي بي تي» إلى تصميمات خيالية، مثل تحويل مروحة متبقية وكيس ورقي إلى مروحة تعمل بطاقة الرياح.

حدود الإبداع في الذكاء الاصطناعي

تكمن قوة «تشات جي بي تي» في قدرته على الجمع بين المفاهيم غير ذات الصلة في استجابة متماسكة.

وعلى عكس «غوغل»، الذي يتطلب من المستخدمين غربلة الروابط وتجميع المعلومات معاً. يقدم «تشات جي بي تي» إجابةً متكاملةً تساعد المستخدمين على التعبير عن الأفكار وصقلها بتنسيق مصقول. وهذا يجعل «تشات جي بي تي» واعداً بوصفه أداةً إبداعيةً، خصوصاً للمهام التي تربط بين الأفكار المتباينة أو تولد مفاهيم جديدة.

من المهم ملاحظة، مع ذلك، أن «تشات جي بي تي» لا يولِّد أفكاراً جديدة حقاً. إنه يتعرَّف على الأنماط اللغوية ويجمعها من بيانات التدريب الخاصة به، وبالتالي يولِّد مخرجات بتسلسلات أكثر احتمالية بناءً على تدريبه. إذا كنت تبحث عن طريقة لتحسين فكرة موجودة أو تكييفها بطريقة جديدة، فيمكن أن يكون «تشات جي بي تي» مورداً مفيداً. ومع ذلك، بالنسبة لشيء مبتكر، لا يزال الإبداع والخيال البشري ضروريَّين.

بالإضافة إلى ذلك، في حين يمكن لـ«تشات جي بي تي» توليد اقتراحات إبداعية، فإنها ليست عملية دائماً أو قابلة للتطوير دون مدخلات الخبراء. تتطلب خطوات مثل الفحص، وفحص الجدوى، والتحقق من الحقائق، والتحقق من السوق خبرة بشرية. ونظراً لأن استجابات «تشات جي بي تي» قد تعكس تحيزات في بيانات التدريب الخاصة بها، فيجب على الأشخاص توخي الحذر في السياقات الحساسة مثل تلك التي تنطوي على العرق أو الجنس.

كما اختبرنا ما إذا كان «تشات جي بي تي» يمكن أن يساعد في المهام التي غالباً ما يُنظر إليها على أنها تتطلب التعاطف، مثل إعادة استخدام العناصر العزيزة على أحد الأحباء. ومن المدهش أن «تشات جي بي تي» عزَّز الإبداع حتى في هذه السيناريوهات، حيث أدى إلى توليد أفكار وجدها المستخدمون ذات صلة، ومدروسة.

وتتحدى هذه النتيجة الاعتقاد بأن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه المساعدة على المهام التي تحركها العواطف.

مستقبل الذكاء الاصطناعي والإبداع

مع ازدياد إمكانية الوصول إلى «تشات جي بي تي» وأدوات الذكاء الاصطناعي المماثلة، فإنها تفتح إمكانات جديدة للمهام الإبداعية. سواء في مكان العمل أو في المنزل، يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في الشحذ الذهني وحل المشكلات وتعزيز المشروعات الإبداعية.

ومع ذلك، يشير بحثنا أيضاً إلى الحاجة إلى الحذر: في حين يمكن لـ«تشات جي بي تي» تعزيز الإبداع البشري، فإنه لا يحلُّ محلَّ القدرة البشرية الفريدة على التفكير الجذري حقاً خارج الإطار المألوف.

يمثل هذا التحول من البحث على «غوغل» إلى سؤال «تشات جي بي تي»، أكثرَ من مجرد طريقة جديدة للوصول إلى المعلومات. إنه يمثل تحولاً في كيفية تعاون الناس مع التكنولوجيا للتفكير والإبداع والابتكار.

* أستاذ مساعد في إدارة الأعمال بجامعة رايس الأميركية - مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا».

اقرأ أيضاً