الجشع يجعل الشخص أكثر غضباً وعدائية واكتئاباً

يؤدي إلى «ضائقة عاطفية ونفسية كبيرة»

الجشع يجعل الشخص أكثر غضباً وعدائية واكتئاباً
TT

الجشع يجعل الشخص أكثر غضباً وعدائية واكتئاباً

الجشع يجعل الشخص أكثر غضباً وعدائية واكتئاباً

تكشف الأبحاث الحديثة في علم الأعصاب حقيقة عميقة: إن السعي الدؤوب لتحقيق الثروة والنجاح، والذي غالباً ما يتم التفاخر به، يمكن أن يؤدي إلى ضائقة عاطفية ونفسية كبيرة.

دراسة خصائص الشخصية الجشعة

تتعمق هذه الدراسة الشاملة التي ضمت أكثر من 400 فرد، في سمات أو خصائص الشخصية الجشعة (خ ش ج) greed personality trait وتأثيراتها العاطفية. وتكشف أن وجود مستويات عالية من هذه الخصائص يرتبط بزيادة الاكتئاب والغضب والعدوان. يمتد هذا الارتباط إلى ما هو أبعد من السلوك إلى بنية الدماغ؛ حيث تشير بيانات تصوير الشبكات العصبية إلى حصول تأثيرات كبيرة على مناطق محددة في الدماغ، لدى أولئك الذين لديهم سمات جشع أعلى.

دماغ الشخص الجشع وتأثير الدومينو

لم يُبلغ المشاركون الحاصلون على درجات أعلى في اختبار «خ ش ج» عن حصول مزيد من المشاعر السلبية لديهم فحسب؛ بل أظهروا أيضاً أنماطاً عصبية مميزة؛ إذ كشف التصوير العصبي أن المناطق المرتبطة بتنظيم العواطف، وصنع القرار، والتعاطف، أظهرت أنماطاً مميزة من التنشيط لدى هؤلاء الأفراد.

الجشع يغير وظائف المخ

ويشير هذا إلى أن الجشع يمكن أن يغير وظائف المخ بشكل أساسي، ما يؤدي إلى زيادة الميل للمشاعر السلبية. ومن الناحية الاقتصادية، فإن الثقافة التي تكافئ الجشع تؤدي إلى عدم الاستقرار المالي، وهو ما تجسد في الأزمة المالية عام 2008.

في بيئات الشركات، يمكن أن تؤدي هذه الروح إلى ثقافات عمل سامة، تتميز بالمنافسة الشديدة، وارتفاع معدل دوران الموظفين، ما يؤثر سلباً على الأداء التنظيمي.

من الناحية النفسية، تقدم هذه الدراسات نظرة ثاقبة حول الأعمال الداخلية للجشع، فالأفراد الذين يعانون من ارتفاع «خ ش ج» يقعون في دائرة من المقارنة المستمرة وعدم الرضا، ما يؤدي إلى الاضطرابات العاطفية.

يعد هذا الفهم أمراً بالغ الأهمية لتعزيز القيم المجتمعية والتنظيمية الصحية، مع التركيز على الرفاهية النفسية والنجاح المستدام على المكاسب قصيرة المدى.

أماكن العمل «الجشعة»

تؤكد نتائج الدراسة أهمية تصميم تجارب مكان العمل التي تعزز السلوكيات الاجتماعية الإيجابية وتثبط الجشع. يمكن للقادة والمديرين أن يلعبوا دوراً محورياً من خلال تنمية البيئات التي تقدر التعاطف والرضا والتعاون؛ إذ إن مثل هذه الثقافات لا تعارض الطبيعة المدمرة للجشع فحسب؛ بل تعزز أيضاً بيئة عمل أكثر توازناً وإنتاجية.

ويبدو أن اكتشافات الدراسة لها آثار عميقة على ثقافة مكان العمل، ففي البيئات التي يتم فيها تقدير الجشع ومكافأته، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية. غالباً ما تعزز أماكن العمل هذه ثقافة المنافسة الشرسة والفردية، ما يطغى على توجهات العمل الجماعي والتعاون. وهذا يمكن أن يؤدي إلى زيادة التوتر، وانخفاض الرضا الوظيفي، وارتفاع معدل دوران الموظفين، ما يؤثر في نهاية المطاف على الإنتاجية التنظيمية والروح المعنوية.

القادة وثقافة أماكن العمل

للقادة والمديرين دور حاسم في تشكيل ثقافة مكان العمل. ومن خلال التأكيد على قيم، مثل التعاطف والتعاون والنجاح الجماعي، يمكنهم مواجهة التأثير السلبي للجشع.

إن تشجيع ثقافة السلوك الاجتماعي الإيجابي لا يؤدي إلى تحسين رفاهية الموظفين فحسب؛ بل يمكنه أيضاً تعزيز الأداء التنظيمي العام. يتضمن هذا النهج إعادة التفكير في أنظمة المكافآت، وأساليب القيادة، وسياسات الشركة لدعم بيئة عمل أكثر شمولية وإنسانية.

بشكل عام، تعد الأبحاث بمثابة تذكير بالتكاليف الخفية للجشع التي لا تؤثر على المجالات الاقتصادية أو الاجتماعية فحسب؛ بل تؤثر بشكل عميق على الصحة العقلية والعاطفية الشخصية. ومن خلال إعادة تقييم قيمنا وسلوكياتنا، يمكننا رعاية مجتمعات ومنظمات أكثر دعماً وناجحة، والتخفيف من الآثار السلبية للجشع وتعزيز ثقافة الرفاهية الجماعية.

* مجلة «إنك»- خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

تنبؤات المستقبل... التاريخ يثبت صعوبة طرحها

علوم مسيرة الإنسان نحو المستقبل... اتجاهات وتوجهات مبهمة

تنبؤات المستقبل... التاريخ يثبت صعوبة طرحها

قبل 50 عاماً ظهرت توقعات الحرب النووية والطفرة السكانية التي ستتجاوز قدرة الكوكب على إطعام سكانه.

«الشرق الأوسط»
علوم جدل علمي حول عدد القارات

جدل علمي حول عدد القارات

تقسيم القارات إلى «ثقافي» أكثر منه «علمياً»

يوميات الشرق آفاق العلم شاسعة (رويترز)

أحفورة عمرها 237 مليون عام تُضيء على صعود الديناصورات

يعتقد علماء أنّ حفرية من أقدم الحفريات على الإطلاق ربما تساعد في تفسير ظهور الديناصورات. فماذا في التفاصيل؟

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

تضارب الآراء في «الفيدرالي» بشأن وتيرة خفض الفائدة

لم يكن هناك إجماع كامل في «الاحتياطي الفيدرالي» عندما صوت الأسبوع الماضي لتخفيض أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية، حيث اعترض صانع سياسة واحد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
يوميات الشرق أصابع روبوتية تعيد حاسة اللمس للمصابين بفقدان الإحساس

أصابع روبوتية تعيد حاسة اللمس للمصابين بفقدان الإحساس

تمكن باحثون في جامعة كلية لندن (UCL) من تحقيق اختراق علمي جديد قد يُحدِث تحولاً كبيراً في علاج الأشخاص الذين يعانون فقدان حاسة اللمس، مثل مرضى متلازمة النفق…

«الشرق الأوسط» (لندن)

تنبؤات المستقبل... التاريخ يثبت صعوبة طرحها

مسيرة الإنسان نحو المستقبل... اتجاهات وتوجهات مبهمة
مسيرة الإنسان نحو المستقبل... اتجاهات وتوجهات مبهمة
TT

تنبؤات المستقبل... التاريخ يثبت صعوبة طرحها

مسيرة الإنسان نحو المستقبل... اتجاهات وتوجهات مبهمة
مسيرة الإنسان نحو المستقبل... اتجاهات وتوجهات مبهمة

عام 1974، نشرت مجلة «ساترداي ريفيو - Saturday Review» الأميركية الرصينة، التي كانت في عامها الـ50 آنذاك، عدة إصدارات بمناسبة ذكراها السنوية، تناولت كيف أدى القرن إلى حاضر قاتم من الحرب النووية الحرارية الوشيكة، والطفرة السكانية التي سرعان ما ستتجاوز قدرة الكوكب على إطعام سكانه، ونضوب الطاقة القابلة للاستغلال، وغيرها من التعثرات التي تهدد العالم.

الاكتظاظ السكاني وندرة النفط... تنبؤات ما قبل 50 عاماً

في الختام، قدمت المجلة إصداراً خيالياً غير معتاد مليئاً بالتنبؤات والمقترحات الخيالية والمعقدة أحياناً للعالم، لما بعد نصف قرن من الزمان في المستقبل. وكان أحد إصدارات الذكرى السنوية في عام 1974 مخصصاً بالكامل للطرق التي يمكن للعالم من خلالها استعادة ثقته. وأشرف على إصدار الإصدارات محرر المجلة نورمان كوزينز، وهو نفسه مثقف عام غزير الإنتاج وكان ذات يوم أشهر شخصية متفائلة في البلاد.

كان كوزينز وصف في عام 1979، كتابه الأكثر مبيعاً «تشريح المرض كما يراه المريض» كيف نجح في علاج نفسه، جزئياً، بعد تشخيص حالته بمرض مميت، من خلال التمتع بأفلام كوميدية مجنونة وضحكات عالية.

«مستقبليون» سابقون مشهورون

جمع كوزينز قائمة من كبار الشخصيات المشهورين على مستوى العالم، مثل أندريه ساخاروف، ونيل أرمسترونغ، وجاك كوستو، وإسحاق أسيموف، وكلير بوث لوس (المرأة الوحيدة).

وقد تراجعت بعض المشاكل التي كانوا يأملون أن يتمكن العالم من إيجاد مخرج منها، وخاصة ندرة النفط والاكتظاظ السكاني. وسواء كان ذلك بحكمة أو بغير حكمة، فقد حلت محل هذه المخاوف نقيضاتها الظاهرية الحالية.

وباء السمنة وحطام الوقود الأحفوري

في البلدان الغنية حالياً ظهرت مشكلات أخرى، إذ تتعامل اليوم مع أوبئة السمنة و«حطام» الوقود الأحفوري المفرط في الوفرة.

ومن المفارقة أن قيمة شركة «نوفو نورديسك»، المصنعة لعقاقير إنقاص الوزن أوزيمبيك وويجغفي تأتي فقط بعد قيم شركتي النفط والغاز الكبيرتين في العالم، «أرامكو» السعودية و«إكسون».

واليوم تصاب الدول بالذعر إزاء الانحدار العالمي في معدلات المواليد وتقلص أعداد السكان وشيخوخة السكان. وقد أكون مغروراً بقدر ما أصبت في توقعاتي، ولكنني أدرك أيضاً ما أغفلته توقعاتي المستقبلية.

40 % من البالغين لا يريدون الإنجاب

لقد توقعت أن معدلات المواليد المتقلصة سوف تجتاح العالم بأسره، ولكنني لم أتوقع أن يصبح عدد البالغين الذين سوف يختارون عدم إنجاب الأطفال على الإطلاق كبيراً، ففي بعض البلدان تصل نسبتهم إلى نحو 40 في المائة. لقد توقعت بشكل صحيح أن سياسة الطفل الواحد التي تنتهجها الصين سوف تدفع الأسر الصينية إلى الاستثمار بشكل متزايد في تعليم أطفالها من أجل إعدادهم للسوق العالمية. لم أكن أتوقع أن الملايين من الشباب الصينيين المتعلمين في الجامعات والذين يعانون من الإحباط المهني سوف يفضّلون البقاء عاطلين عن العمل لسنوات بدلاً من العمل في وظائف يعدّونها أدنى من مستواهم، أو أنهم سوف يظلون معتمدين على والديهم، غير متزوجين وليس لديهم أطفال.

ازدياد أجيال من غير المتعلمين

لم أكن أتوقع بالتأكيد أن الرخاء وانخفاض معدلات البطالة في أميركا سوف يثني الشباب عن الذهاب إلى الجامعة، أو أن «غير المتعلمين» سوف يلوّحون بعدم حصولهم على الشهادات الجامعية كفضيلة سياسية ثم يتفاخرون بها وبأنهم يمثلون طليعة النهضة الأميركية العظيمة.

صدمة المستقبل

الأشياء التي فاتتني لم تكن جامحة مثل بعض الرؤى الغريبة التي تخيلها طاقم المجلة في عام 1974.

* نبوءة نيل أرمسترونغ. تنبأ نيل أرمسترونغ (رائد الفضاء الأميركي) بوجود مجموعات كاملة من البشر يعيشون في محيط من مادة الميثان اللزجة تحت سطح كوكب المشتري الذي يمكنهم البقاء عليه. سوف يعملون في وظائفهم اليومية، ويتسوّقون ويحتفلون بينما يطفون في بدلات السباحة، ولكن فقط بعد إجراء عملية جراحية لاستبدال قلوب ورئات المستعمرين بأجهزة أكسجين قابلة للزرع. ومن الغريب أن أرمسترونغ، وهو مهندس طيران، رأى هذا باعتباره رؤية وردية لعام 2024.

* نبوءة أندريه ساخاروف. كما قدم أندريه ساخاروف، والد القنبلة الهيدروجينية السوفياتية والحائز على جائزة نوبل للسلام (1975)، أفكاراً حول كيفية إخراج الناس «من عالم صناعي مكتظ وغير مضياف للحياة البشرية والطبيعة».

كان ساخاروف يعتقد أن عالم عام 2024 سوف ينقسم إلى مناطق صناعية قاتمة وأحزمة خضراء مكتظة بالسكان حيث يقضي الناس معظم وقتهم. لكن سطح الأرض لن يكون كافياً لـ«7 مليارات نسمة في عام 2024» (كان ينقصه مليار). كما توقع ساخاروف مدناً شاسعة في الفضاء ستكون موطناً للمزارع والمصانع. أعتقد أن هذا يبدو وكأنه رؤية طوباوية إذا كانت الحياة البائسة على سطح الأرض أسوأ بكثير.

* نبوءة كلير بوث لوس، المحافظة السياسية ومدمنة عقار «إل إس دي»، والتي كانت كاتبة مسرحية وممثلة في الكونغرس وسفيرة في إيطاليا وزوجة لرجال أقوياء، أن التقدم البطيء للغاية الذي أحرزته النساء تمكن رؤيته في ملامح ماضيهن.

كانت لوس تعتقد أن المساواة للمرأة سوف تأتي، لكنها ستستغرق قرناً أو أكثر. وقد كتبت: «يؤسفني أن أقول إن الصورة التي أراها هناك ليست صورة المرأة الجالسة في الغرفة البيضاوية في البيت الأبيض في عام 2024».

إيمان مستقبلي

في الآونة الأخيرة، كنت أحاول أن أرى المستقبل من خلال قضاء بعض الوقت في مواقع بناء مراكز البيانات التي تنتشر في جميع أنحاء البلاد لالتقاط ملامح الطفرة في الذكاء الاصطناعي.

إن أحد التنبؤات المذهلة التي تحرك الأموال والسياسات اليوم أن العالم سينفق أكثر من تريليون دولار لبناء البنية الأساسية للبيانات (يتوقع سام ألتمان، مؤسس شركة «OpenAI» سبعة تريليونات دولار) للحوسبة من الجيل التالي التي يمكن أن تلغي التنبؤ البشري وتستبدله بنماذج تنبؤية تديرها الآلات.

ورغم أنه لا أحد يعرف إلى أين ستقود كل هذه القوة الحاسوبية، فإن العالم يراهن عليها بشدة مع ذلك. إن هذه الطفرة تجعل خيالي - وهو شيء كنت فخوراً به للغاية - يشعر بالضآلة والإرهاق.

رؤية مفعمة بالأمل لدحر التشاؤم

لقد جاء دافع كوزينز للتنبؤ بالمستقبل أكثر من منطلقات الذكاء العاطفي له والرؤى المفعمة بالأمل له وأمثاله الذين وظّفوا معرفتهم للانفصال عن الماضي، وأقل من منطلقات رؤيته للمستقبل المستنبطة من الحقائق المعروفة في زمنه.

ومن المفارقات، كما أشار كوزينز، أن التنبؤات لا تأخذ في الحسبان التفاؤل الذي يتوقعه الناس في المستقبل.

وأضاف، في حينه، أنه إذا كان لدى عدد كافٍ من الناس إيمان بأن الجنس البشري يتمتع بالقدر الكافي من الذكاء والطاقة للعمل معاً على حل المشاكل العالمية، فإنه استخلص أن «التوقعات المتشائمة للخبراء سوف تفقد قدرتها على الشلل أو الترهيب. لذا فإن أكبر مهمة تواجه البشرية في السنوات الـ50 المقبلة سوف تكون إثبات خطأ الخبراء [المتشائمين]».

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».