قمل الرأس يساعد على كشف تاريخ الهجرات البشرية

علامة جيدة لدراسة اختلاط الشعوب

قمل الرأس يساعد على كشف تاريخ الهجرات البشرية
TT

قمل الرأس يساعد على كشف تاريخ الهجرات البشرية

قمل الرأس يساعد على كشف تاريخ الهجرات البشرية

أظهرت دراسة حديثة أن فحص قمل الرأس يمكن أن يكون وسيلة فعالة لفهم الزمان الذي وصل فيه الأوروبيون إلى الأميركتين، وأن الاختلافات الجينية بين قمل رؤوس الأوروبيين وتلك التي وُجدت في قمل رؤوس السكان الأصليين في الأميركتين تمكّن من تحديد فترة الانتقال من سيادة القمل الأصلي إلى القمل الذي جلبه الأوروبيون.

كما يُظهر هذا الأسلوب إمكان استخدامه في دراسة الشعوب الأصلية في شرق البحر الأبيض المتوسط، لتفحص التأثيرات التاريخية والبيولوجية للهجرات القديمة في تلك المنطقة.

تباين جيني لأنواع القمل

وفي دراسة نُشرت في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 في مجلة «بلوس وان (PLOS ONE Public Library of Science)»، قام الباحثون برئاسة مارينا أسكونس عالمة الأحياء الجزيئية في قسم أمراض النبات بمعهد مسببات الأمراض الناشئة بجامعة فلوريدا الأميركية وزملائها، بدراسة التباين الجيني في قمل الرأس من جميع أنحاء العالم.

ووجد الباحثون علامات على رابط جيني بين قمل الرأس (Pediculus humanus capitis) في آسيا وفي أميركا الوسطى، ما قد يشكّل علامة على زمن وصول الإنسان القديم إلى قارتي أميركا الشمالية والجنوبية. إذ يبدو أن الحامض النووي «دي إن إيه (DNA)» للقمل يعكس بدقة الجدول الزمني المعروف لتداخل المستوطنين الأوروبيين مع السكان الأصليين في الأميركيين. وهذا دليل على أن قمل الإنسان يمكن أن يصبح علامة جيدة لتطور وهجرة الإنسان.

حشرة متطفلة

يتشبث قمل الرأس بالشعر، ويتغذى على الدم من فروة الرأس. وقد اشتكى الناس في جميع أنحاء العالم من القمل منذ آلاف السنين نظراً لأن قمل الرأس لا يمكن أن ينتشر إلا بين البشر، أي إنه لا ينتقل من الحيوان إلى الإنسان، وبذلك فهو مؤشر جيد لتتبع الهجرات البشرية.

وقد أثبت العلماء في الماضي أن التوزيع العالمي لسلالات القمل يعكس الحركات السكانية الماضية والمعاصرة، كما أجروا دراسات مماثلة على طفيليات أخرى مثل بق الفراش، وعدد من مسببات الأمراض مثل السل والبكتيريا المسؤولة عن الطاعون، أو ما يسمى الموت الأسود.

ومن خلال العمل مع زملائها في الأرجنتين والمكسيك ودول أخرى سعت الباحثة مارينا أسكونس إلى معرفة ما إذا كانت العلامات الجينية في القمل يمكنها تتبع الاتصالات التاريخية بين مضيفيها من البشر. وتكمن الفكرة في أنه «عندما تعيش مجموعات من الناس على مقربة من بعضهم بعضاً فإنهم سيتشاركون في طفيلياتهم، أي إن القمل أو الطفيليات الأخرى سوف تنتقل بينهم»، كما يقول ديفيد ريد، أحد المشاركين في الدراسة الباحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه في «مختبر عالم الوراثة» بجامعة فلوريدا الذي كان يبحث في العلاقات الجينية بين الثدييات وطفيلياتها.

تنوع وراثي لمئات الحشرات

وقد جمع الباحثون 274 من القمل من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك عدد قليل منه جمعوه بأنفسهم من المدارس في المكسيك والأرجنتين. وقاموا بوضع تسلسل الحامض النووي للحشرات، وحددوا أجزاء قصيرة ومتكررة تعرف باسم «المايكروساتلات (microsatellites)». والمايكروساتلات هي مجموعة من القطع القصيرة والمتكررة في الحامض النووي تُستخدم لتحديد وتحليل مناطق محددة من الحامض النووي.

وفي هذا السياق فإن تتبع التسلسل يشير إلى عملية تحديد ترتيب النوكليوتيدات (الآدينين والثايمين والسيتوزين والجوانين) التي تشكّل المواد الوراثية للحشرات، إذ يمكن أن يوفر تحليل هذه المايكروساتلات تفاصيل رؤى حول التنوع الوراثي وهيكل توزع السكان. وغالباً ما تُستخدم هذه القطع المتكررة في الدراسات الوراثية لفهم التنوع الوراثي للسكان. وقد ورثها القمل الذي يشترك في هذه الأجزاء من سلف مشترك مما أعطى الباحثين أداة لتصنيف الطفيليات إلى عائلات وثيقة الصلة.

وقد أشارت مجموعة من «المايكروساتلات» إلى وجود صلة وراثية بين القمل في آسيا وأميركا الوسطى، مما يعكس الهجرة الأولية للناس من شرق آسيا إلى الأميركتين.

وهناك مجموعة أخرى ترتبط بقمل الرأس من الأميركتين وأوروبا، واستناداً إلى مدى سرعة تكاثر القمل وتراكم الطفرات الجينية التي تؤدي إلى «المايكروساتلات» يمكن للباحثين تقدير متى قد يكون قمل السكان الأصليين الأميركيين قد تهجّن مع القمل الأوروبي.

والإجابة التي حصلوا عليها والأكثر ترجيحاً كانت قبل نحو 500 عام، أي خلال فترة الاستعمار الأوروبي، وهي دليل على مفهوم أن القمل البشري يعد علامات جيدة للتطور البشري والهجرة، وأن الحامض النووي للقملة ينعكس في تاريخنا.

تقول أليخاندرا بيروتي، عالمة الأحياء اللافقارية بجامعة ريدينغ في المملكة المتحدة والمتخصصة في القمل، إن تحديد تسلسل الجينوم الكامل للحشرات سيوفر للعلماء وسائل أكثر موثوقية لتحديد العلاقة بين مجموعات القمل وكذلك مطابقة تلك المجموعات مع التجمعات البشرية في الماضي والحاضر. بينما يشير ميكيل وينثر بيدرسن، عالم البيئة القديمة الجزيئية بجامعة كوبنهاغن في الدنمارك الذي لم يشارك في الدراسة، إلى أن إحدى المزايا المحتملة للقمل بوصفه إحدى علامات الهجرة البشرية، هي أن الطفيليات يمكنها التهجين حتى لو لم يفعل ذلك مضيفها البشري، وبالتالي فإن الجينات المشتركة للقمل يمكن أن تسلط الضوء على الحالات التي اجتمعت فيها مجموعات من الناس ربما لتجارة السلع، ولكن لم يخلفوا بعدهم أية ذرية.


مقالات ذات صلة

تقرير: علماء ينجحون في تكوين فأر من جينات كائن وحيد الخلية

علوم خلايا (صورة أرشيفية)

تقرير: علماء ينجحون في تكوين فأر من جينات كائن وحيد الخلية

قالت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية إن علماء نجحوا لأول مرة في تكوين فأر من جينات كائن حي وحيد الخلية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق هل تتنبأ الحيوانات بالكوارث الطبيعية؟ قمر اصطناعي يراقب سلوكها لتقديم إنذار مبكر

هل تتنبأ الحيوانات بالكوارث الطبيعية؟ قمر اصطناعي يراقب سلوكها لتقديم إنذار مبكر

يعكف علماء على مراقبة سلوك الحيوانات باستخدام أجهزة تعقب متطورة تُثبّت على أجسادها، وترتبط بقمر اصطناعي جديد يُطلق العام المقبل

«الشرق الأوسط» (برلين)
علوم مسيرة الإنسان نحو المستقبل... اتجاهات وتوجهات مبهمة

تنبؤات المستقبل... التاريخ يثبت صعوبة طرحها

قبل 50 عاماً ظهرت توقعات الحرب النووية والطفرة السكانية التي ستتجاوز قدرة الكوكب على إطعام سكانه.

«الشرق الأوسط»
علوم جدل علمي حول عدد القارات

جدل علمي حول عدد القارات

تقسيم القارات إلى «ثقافي» أكثر منه «علمياً»

يوميات الشرق آفاق العلم شاسعة (رويترز)

أحفورة عمرها 237 مليون عام تُضيء على صعود الديناصورات

يعتقد علماء أنّ حفرية من أقدم الحفريات على الإطلاق ربما تساعد في تفسير ظهور الديناصورات. فماذا في التفاصيل؟

«الشرق الأوسط» (لندن)

تطبيقات طب الأسنان عن بُعد: مستقبل واعد للتكنولوجيا

تطبيقات طب الأسنان عن بُعد: مستقبل واعد للتكنولوجيا
TT

تطبيقات طب الأسنان عن بُعد: مستقبل واعد للتكنولوجيا

تطبيقات طب الأسنان عن بُعد: مستقبل واعد للتكنولوجيا

أوجد التطور الهائل في السنوات العشر الأخيرة في مجال الاتصالات والتكنولوجيا الكثير من الفرص التي توفر فرصة رائعة لتحويل مجال طب الأسنان بشكل كامل.

طب الأسنان عن بُعد

«طب الأسنان عن بُعد» هو مصطلح جديد نسبياً يربط بشكل كبير بين مجالي الاتصالات وطب الأسنان. وبفضل التطور الهائل في التكنولوجيا، يمتلك طب الأسنان عن بُعد القدرة على تغيير عمليات رعاية الأسنان بشكل جذري. وإذا ما تم إدخال الذكاء الاصطناعي مع هذا التطور فإنه سيكون نقلة هائلة في مجال خدمات طب الأسنان.

في عام 1997، قدم الدكتور جيمس كوك (استشاري تقويم الأسنان من مستشفى برستول في بريطانيا) مفهوم «طب الأسنان عن بُعد» الذي عرَّفه على أنه «ممارسة استخدام تقنيات الفيديو للتشخيص وتقديم النصائح بشأن العلاج عن بُعد». ويتيح هذا التخصص الجديد لأطباء الأسنان تقديم نوع جديد من الرعاية لمرضاهم من خلال وسائل الاتصال والتكنولوجيا الإلكترونية، مما يتيح الوصول التفاعلي إلى آراء المتخصصين دون أن تكون المسافات عائقاً.

وقد شهدت فترة جائحة كورونا ما بين عامي 2020 و2022 ازدهار مثل هذه التقنية بسبب التباعد الاجتماعي وإغلاق عيادات طب الأسنان، إذ كانت تقريباً 90 في المائة من خدمات طب الأسنان تقدَّم من خلال طب الأسنان عن بعد باستعمال وسائل الاتصال الفيديو التصويري.

استشارة الاختصاصيين في المستشفيات

مكَّن التطور الهائل في الاتصالات المرئية والفيديو من أن تقوم عيادات طب الأسنان المختلفة بالتعاقد مع كبرى مستشفيات طب الأسنان وكليات ومعاهد طب الأسنان لعرض بعض حالات أمراض الفم والأسنان المعقدة عبر طب الأسنان عن بُعد على كبار أساتذة طب الأسنان في العالم لأخذ المشورة والرأي السديد في صياغة خطة العلاج بحيث يضمن أفضل خدمة طب أسنان لمرضى هذه العيادات.

نجاحات في المناطق النائية

في المناطق النائية، يعاني السكان من نقص في أطباء الأسنان المتخصصين والرعاية الشاملة للأسنان، إذ أثبت تقرير وضع صحة الفم في العالم لعام 2022 الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية أن العالم العربي يعاني من نقص شديد في خدمات طب الأسنان في المناطق الريفية والقرى، لذا يلعب طب الأسنان عن بُعد دوراً مهماً في توفير إمكانية الوصول إلى المتخصصين لأولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية والنائية مع توفر كل أنواع الاتصالات المرئية فيها، مما يقلل من الوقت والتكلفة للاستشارات. يمكن لتغيير طريقة تقديم الخدمة أن يؤثر بشكل إيجابي في جدوى الممارسة في المناطق الريفية، حيث يساعد على تقليل العزلة عن الأقران والمتخصصين. ويؤدي إلى رفع مستوى صحة الفم والتقليل من انتشار أمراضه خصوصاً تسوس الأسنان وأمراض اللثة التي تشهد ارتفاعات كبيرة في هذه المناطق النائية، حسب تقرير منظمة الصحة العالمية.

تطبيقات في التعليم الطبي

لعب طب الأسنان عن بُعد، دوراً مهماً في التعليم الطبي من خلال وسائل التعليم الذاتي والمؤتمرات الفيديوية. ويوفر النظام التعليمي عبر الإنترنت معلومات خُزنت في الخوادم الإلكترونية حتى قبل وصول المستخدم إلى البرنامج. يتمتع المستخدم بسلطة التحكم في سرعة البرنامج ويمكنه مراجعة المادة التعليمية عدة مرات حسب رغبته. وقد ازدهرت هذه التطبيقات أكثر خلال جائحة كورونا وعندما جرى اكتشاف الفوائد الكبيرة لهذه التقنيات في تعميق التعليم الطبي عن بُعد واستفادة أضعاف الأعداد من طلبة طب الأسنان وأطباء الأسنان تم الاستمرار في تطوير هذه التطبيقات بشكل كبير. كما ازدهرت في تخصصات طب الأسنان، إذ يمكن أن يكون طب الأسنان عن بُعد أداة قوية لتعليم الطلاب الذين يواصلون دراساتهم العليا ومساعدتهم في الحصول على تحديثات مستمرة في مجال تخصصات طب الأسنان المختلفة، وهكذا جرى تطوير برامج الاتصال المرئي مثل «زووم» و«تيمس» و«مايت» لتكون قنوات مهمة للتطوير المهني لأطباء الأسنان لتخصصهم الدقيق في مختلف تخصصات طب الأسنان. ويمكن عقد جلسات الفيديو لمناقشة تفاصيل المرضى والتفاعل بين المعلم والطلاب، مما يوفر فرصاً جديدة للتعلم. هذا النوع من التعليم يتيح للطلاب الاستفادة من خبرات المتخصصين بغض النظر عن المسافات.

في المدارس ومراكز رعاية الأطفال

يجب إنشاء نماذج لاستخدام طب الأسنان عن بُعد في المدارس ومراكز رعاية الأطفال لزيادة الوصول إلى رعاية الأسنان للأطفال. وتلعب هذه المؤسسات دوراً حيوياً في ضمان صحة الفم المثلى للأطفال من خلال الكشف المبكر عن مشكلات الأسنان وإدارة الأمراض المزمنة وتوفير الرعاية العاجلة. وقد استخدم أطباء الأسنان في جامعة روتشستر صور الأطفال الصغار لتحديد حالات تسوس الأسنان المبكرة، مما يساعد على تجنب الألم والصدمة المالية والزيارات الطارئة للعيادات. ولعل مدارسنا ومعاهد الأطفال في عالمنا العربي في أمسّ الحاجة لمثل هذه التطبيقات حيث يعاني أكثر من 90 في المائة من الأطفال العرب من تسوس الأسنان، حسب تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2022.

دخول الذكاء الاصطناعي

في السنوات المقبلة، يُتوقع أن تُحدث التطورات في مجال الاتصالات تغييرات مثيرة تمكّن من الوصول إلى رعاية الأسنان للجميع. ومع ذلك، فإن نجاح طب الأسنان عن بُعد يتطلب حل كثير من القضايا مثل الترخيص بين الدول، والأخلاقيات، والأمان التكنولوجي. وقد تمكن الذكاء الاصطناعي من تطوير هذه التقنية من خلال التطورات التالية:

- التشخيص: الذكاء الاصطناعي يحلل الصور الشعاعية بسرعة وبدقة.

- الرعاية الشخصية: الذكاء الاصطناعي يخلق خطط علاج مخصصة ويتنبأ بالمشكلات المستقبلية.

- المساعدات الافتراضية: الذكاء الاصطناعي يتعامل مع الاستفسارات الروتينية وجدولة المواعيد.

- التعليم: الذكاء الاصطناعي يوفر تدريباً متقدماً للمهنيين وتعليمات شخصية للمرضى.

- إدارة البيانات: الذكاء الاصطناعي ينظم السجلات ويؤمن البيانات.

- المراقبة عن بُعد: الذكاء الاصطناعي يتابع صحة الأسنان عن بُعد عبر الأجهزة.

الوصول: الذكاء الاصطناعي يُحسن الوصول إلى الرعاية السنية، خصوصاً في المناطق النائية.

قيود وتحديات طب الأسنان عن بُعدرغم الفوائد الكثيرة، يواجه طب الأسنان عن بُعد عدة تحديات تشمل:

- الترخيص بين الدول: تحتاج الممارسات التي تستخدم طب الأسنان عن بُعد إلى ترخيص لمزاولة المهنة في أي جزء من البلد.

- الأمان والخصوصية: يتعين على الأطباء اتخاذ جميع الإجراءات لحماية بيانات المرضى باستخدام تقنيات التشفير وكلمات المرور.

- التقبل العام: يحتاج طب الأسنان عن بُعد إلى قبول واسع من المرضى ومقدمي الخدمات الطبية ليصبح جزءاً من النظام الصحي.

وعلى الرغم من استخدام الطب عن بُعد منذ سنوات كثيرة، فإن استخدامه في مجال طب الأسنان في العالم العربي ما زال محدوداً رغم الحاجة الماسة إلى ذلك.

يُتوقع أن يصبح طب الأسنان عن بُعد جزءاً أساسياً من رعاية صحة الفم في المستقبل القريب، مما يوفر حلاً مشجعاً للسكان المعزولين الذين يواجهون صعوبة في الوصول إلى نظام الرعاية الصحية في صحة الفم بسبب بُعد المسافة أو عدم القدرة على السفر أو نقص مقدمي الرعاية الصحية.