رصد حركة الإلكترونات فائقة السرعة يمنح 3 علماء «نوبل للفيزياء»

عبر نبضات «الأتوثانية»

رصد حركة الإلكترونات فائقة السرعة يمنح 3 علماء «نوبل للفيزياء»
TT

رصد حركة الإلكترونات فائقة السرعة يمنح 3 علماء «نوبل للفيزياء»

رصد حركة الإلكترونات فائقة السرعة يمنح 3 علماء «نوبل للفيزياء»

بين «الفيمتوثانية» و«الأتوثانية» فارق ضئيل للغاية في الزمن، لكنّ الاثنين قادا باحثين للفوز بجائزة «نوبل»؛ إذ منحت «الفيمتوثانية» (مليون مليار جزء من الثانية) العالم المصري أحمد زويل، جائزة «نوبل في الكيمياء» عام 1999، فيما فاز كل من الفرنسي بيار أغوستيني، والنمساوي المجري فيرينس كراوس، والفرنسية السويدية آن لويلييه بجائزة «نوبل للفيزياء» 2023، تقديراً «لطرقهم التجريبية التي تولّد نبضات ضوئية بأتوثانية (مليار من مليار جزء من الثانية) لدراسة ديناميكيات الإلكترون في المادة.

واخترع زويل ميكروسكوبا يُصور أشعة الليزر في زمن مقداره «فيمتوثانية»، وهكذا يمكن رؤية الجزيئات أثناء التفاعلات الكيميائية. لكنّ العلماء الثلاثة الفائزين بـ«نوبل للفيزياء» «أثبتوا طريقة لإنشاء ومضات قصيرة للغاية من الضوء يمكن استخدامها لقياس العمليات السريعة التي تتحرك فيها الإلكترونات أو تُغير الطاقة»، وفق بيان الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، التي تمنح جائزة «نوبل للفيزياء».

وعلى مدى عقود، سمح البحث الذي أجراه الفائزون الثلاثة لهم بالتحقيق في العمليات التي كانت سريعة للغاية، لدرجة أنه كان من المستحيل متابعتها في السابق، وهذه التقنية الجديدة مهمة لفهم كيفية تصرف الإلكترونات في المادة والتحكم فيها.

وقالت إيفا أولسون، رئيسة لجنة «نوبل للفيزياء»، في مؤتمر صحافي، الثلاثاء، إن علم الأتوثانية يسمح لنا بمعالجة الأسئلة الأساسية» مثل النطاق الزمني للتأثير الكهروضوئي الذي حصل بسبب ألبرت أينشتاين على جائزة «نوبل في الفيزياء» عام 1921.

وأوضح أعضاء اللجنة أن «الأتوثانية قصيرة جدا لدرجة أن عددها في الثانية الواحدة هو عدد الثواني التي انقضت منذ ظهور الكون، قبل 13.8 مليار سنة»، مشيرين إلى أن «مساهمات الفائزين مكّنت من التحقيق في عمليات كانت سريعة للغاية، وكان من المستحيل متابعتها في السابق».

ماذا قدم الفائزون؟

وأغوستيني هو أستاذ بجامعة ولاية أوهايو في الولايات المتحدة، بينما يشغل كراوس منصب مدير في معهد ماكس بلانك في ألمانيا. أما لويلييه، وهي خامس امرأة تفوز بجائزة «نوبل للفيزياء» منذ 1901، فهي تعمل أستاذة في جامعة لوند في السويد.

الفرنسية السويدية آن لويلييه تتلقى مكالمة هاتفية بعد فوزها بالجائزة (صفحة جائزة نوبل على فيسبوك)

أنتجت تجارب الفائزين بجائزة «نوبل للفيزياء»، نبضات ضوئية قصيرة جداً، بحيث تم قياسها بالأتوثانية، مما يدل على أنه يمكن استخدام هذه النبضات لتوفير صور للعمليات داخل الذرات والجزيئات.

واكتشفت آن لويلييه تأثيراً جديداً من تفاعل ضوء الليزر مع الذرات الموجودة في الغاز، فيما نجح بيار أغوستيني في إنتاج ودراسة سلسلة من نبضات الضوء المتتالية، حيث استمرت كل نبضة 250 أتوثانية فقط. في الوقت نفسه، كان فيرينك كراوس يعمل على نوع آخر من التجارب، ما جعل من الممكن عزل نبضة ضوئية واحدة تستمر لمدة 650 أتوثانية. وقد مكنت مساهمات الفائزين من التحقيق في العمليات التي كانت سريعة للغاية، وكان من المستحيل متابعتها في السابق، وفق بيان اللجنة.

وتعليقاً على الجائزة، قال بوب روزنر، رئيس الجمعية الفيزيائية الأميركية والأستاذ بجامعة كاليفورنيا: «لقد تمكن الفائزون من إنشاء ومضات ضوء تسمح لنا بمشاهدة تجميع الجزيئات، وكيف تتجمع الأشياء معاً لتكوين الجزيء». وأضاف روزنر لشبكة «سي إن إن» أن هذه الحركات «تحدث بسرعة كبيرة لدرجة أنه ليس لدينا عادة أي فكرة عن كيفية حدوثها فعلياً أو ما هو تسلسل الأحداث».

وتابع أن عمل الفائزين يعني أن العلماء يمكنهم الآن مراقبة كيفية حدوث هذه الحركات. وواصل حديثه: «تخيل بناء منزل. لديك الأساس والجدران والسقف وما إلى ذلك. هناك تسلسل لأي شيء مُعقد. وبالنسبة للجزيء، إذا لم تحصل على التسلسل الصحيح، فلن تتمكن من تجميعه».

من جانبه، قال مايكل مولوني، الرئيس التنفيذي للمعهد الأميركي للفيزياء: «تساعدنا هذه التقنيات في النظر داخل الذرات إلى مستوى الإلكترونات، التي كانت في السابق تتحرك بسرعة كبيرة للغاية، بحيث لا يمكننا رؤيتها. لم يكن لدينا ضوء قوي بالسرعة الكافية لرصد هذه الحركة»، وفق صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.

فيما أضاف ميتي أتاتوري، رئيس مختبر الفيزياء بجامعة كامبريدج البريطانية أن «السعي وراء نبضات قصيرة مكثفة على مدى عقود من الزمن سمح لنا بمعرفة كيف تتصرف المادة في فترات زمنية أقصر وأقصر. إنها بمثابة مقياس الدقة الأعلى لدينا لكيفية عمل العالم».

«الأتوثانية» وحركة الإلكترونات

و«الأتوثانية» أسرع 1000 مرة من «الفيمتوثانية» وهي أقصر مقياس زمني حققه العلماء على الإطلاق.

وبينما تُستخدم «الفيمتوثانية» لقياس أحداث سريعة للغاية مثل تفاعلات الضوء والمواد، كما أنها تستخدم في تقنيات الليزر المتقدمة، فإن «الأتوثانية» تستخدم لقياس أحداث تجري بوتيرة أسرع من «الفيمتوثانية»، مثل حركة الإلكترونات.

النمساوي - المجري فيرينس كراوس (صفحة جائزة نوبل على فيسبوك)

وتتحرك الإلكترونات، وهي الجسيمات الصغيرة التي تدور حول نواة الذرة، بسرعات عالية بشكل لا يُصدق، مما يجعل من الصعب مراقبتها. ومع ذلك، من خلال دراسة هذه الجسيمات في أجزاء من الثانية المعروفة باسم الأتوثانية، تمكّن الباحثون من الحصول على لمحة «ضبابية» عن سلوكها. يسمح هذا الاختراق باستكشاف تخصصات علمية جديدة، ولديه القدرة على التطبيقات العملية في مجالات مثل الإلكترونيات وتشخيص الأمراض، بحسب الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم.

ووفق بيان لجنة «نوبل»، فإن الأحداث سريعة الحركة تتدفق إلى بعضها بعضاً عندما يدركها الإنسان، تماماً كما يُنظر إلى الفيلم الذي يتكون من صور ثابتة على أنه حركة مستمرة. وإذا أردنا التحقيق في أحداث قصيرة جداً، فنحن بحاجة إلى تكنولوجيا خاصة. وفي عالم الإلكترونات، تحدث التغيرات في بضعة أعشار «الأتوثانية».

وأوضحت اللجنة أنه مثلما لا تستطيع العين البشرية المجردة تمييز الضربات الفردية لجناح الطائر الطنان، فإن العلماء حتى هذا الإنجاز لم يتمكنوا من مراقبة أو قياس الحركات الفردية للإلكترون. الحركات السريعة غير واضحة معاً، مما يجعل من المستحيل ملاحظة الأحداث القصيرة للغاية.

وقالت اللجنة: «كلما كان الحدث أسرع، زادت سرعة التقاط الصورة إذا أردنا التقاط اللحظة». و«ينطبق المبدأ نفسه على محاولة التقاط لقطة سريعة لحركات الإلكترونات».

تطبيقات مُحتملة

وأشار بيان نوبل إلى أن هناك تطبيقات محتملة لنبضات الأتوثانية في كثير من المجالات المختلفة. في الإلكترونيات، على سبيل المثال، من المهم فهم كيفية تصرف الإلكترونات في المادة والتحكم فيها. يمكن أيضاً استخدام نبضات الأتوثانية لتحديد الجزيئات المختلفة، كما هي الحال في التشخيص الطبي.

الفرنسية السويدية آن لويلييه (صفحة جائزة نوبل على فيسبوك)

وقالت إيفا أولسون، إن عمل الفائزين الثلاثة سيمهد الطريق للتطبيقات المحتملة في مجالات تشمل الإلكترونيات والطب، مضيفة «يمكننا الآن أن نفتح الباب أمام عالم الإلكترونات. تمنحنا فيزياء الأتوثانية الفرصة لفهم الآليات التي تحكمها الإلكترونات. الخطوة التالية ستكون الاستفادة منها».

فيما قالت آن لويلييه، وهي المرأة الخامسة فقط من بين 225 من الحائزين على جائزة «نوبل للفيزياء»، إن الاستخدام العملي لأشعة ليزر الأتوثانية سيكون بمثابة أداة تصوير في صناعة أشباه الموصلات. وحققت لويلييه أول تقدم في سلسلة من الاكتشافات التي أدت إلى فيزياء الأتوثانية في جامعة باريس ساكلاي الفرنسية في عام 1987، وواصلت أبحاثها بعد انتقالها إلى السويد في التسعينات. وقالت: «الآن فقط نشهد ظهور التطبيقات. الأبحاث الأساسية مهمة جداً ويجب تمويلها».

وذكرت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، أن مختبر فيرينس كراوس «يتخذ الخطوات الأولى نحو التطبيقات البيولوجية». من خلال الجمع بين فيزياء الأتوثانية والبصريات ذات النطاق العريض، يقوم الباحثون بتطوير طرق جديدة لاكتشاف التغيرات في التركيب الجزيئي للسوائل البيولوجية، بما في ذلك الكشف عن الأمراض من عينات الدم.


مقالات ذات صلة

لماذا يُثير حصول ترمب على «جائزة فيفا للسلام» جدلاً؟

الولايات المتحدة​ ترمب وإنفانتينو في حديث سابق حول المونديال (أ.ف.ب)

لماذا يُثير حصول ترمب على «جائزة فيفا للسلام» جدلاً؟

يُتوقع أن يُسلم رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) جياني إنفانتينو، للرئيس الأميركي دونالد ترمب "جائزة الفيفا للسلام" عند إجراء قرعة كأس العالم يوم الجمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن )
العالم الشرع خلال إلقائه كلمته (سانا)

أبرز 5 شخصيات طبعت سنة 2025

فيما يأتي لمحة عن أبرز 5 شخصيات طبعت سنة 2025 في مختلف المجالات ومن مختلف أنحاء العالم.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أميركا اللاتينية زعيمة المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو (رويترز)

فنزويلا تعتزم اعتبار زعيمة المعارضة «هاربة» في حال سفرها لتسلم جائزة نوبل

تعتزم فنزويلا اعتبار زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو «هاربة من وجه العدالة» في حال مغادرتها البلاد إلى النرويج لتسلم جائزة نوبل للسلام التي نالتها.

«الشرق الأوسط» (كاراكاس)
آسيا ساناي تاكايتشي لدى وصولها إلى مقر رئاسة الوزراء في العاصمة اليابانية طوكيو (أرشيفية - أ.ب)

رئيسة وزراء اليابان تعتزم ترشيح ترمب لجائزة نوبل

تستعد رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي لترشيح الرئيس الأميركي دونالد ترمب لجائزة نوبل للسلام، مشيرة إلى أنها تقوم بالترتيبات اللازمة لإبلاغه بنواياها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق عالم الفيزياء النظرية الحائز جائزة نوبل تشين نينغ يانغ (صحيفة تشينا ديلي)

وفاة العالم الصيني نينغ يانغ حائز «نوبل» في الفيزياء عن 103 أعوام

توفي عالم الفيزياء النظرية الحائز جائزة نوبل، تشين نينغ يانغ، في بكين اليوم (السبت) عن عمر ناهز 103 أعوام.

«الشرق الأوسط» (بكين)

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟
TT

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

في سباق محتدم لنشر نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسواق العالمية، تفترض العديد من الشركات أن «النموذج الإنجليزي ← المترجم» كافٍ لذلك.

اللغة- ثقافة وأعراف

ولكن إذا كنتَ مسؤولاً تنفيذياً أميركياً تستعد للتوسع في آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد يكون هذا الافتراض أكبر نقطة ضعف لديك. ففي تلك المناطق، ليست اللغة مجرد تفصيل في التغليف: إنها الثقافة والأعراف والقيم ومنطق العمل، كلها مُدمجة في شيء واحد.

وإذا لم يُبدّل نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك تسلسل رموزه الكمبيوترية فلن يكون أداؤه ضعيفاً فحسب؛ بل قد يُسيء التفسير أو يُسيء المواءمة مع الوضع الجديد أو يُسيء خدمة سوقك الجديدة.

الفجوة بين التعدد اللغوي والثقافي في برامج الدردشة الذكية

لا تزال معظم النماذج الرئيسية مُدربة بشكل أساسي على مجموعات النصوص باللغة الإنجليزية، وهذا يُسبب عيباً مزدوجاً عند نشرها بلغات أخرى. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن اللغات غير الإنجليزية والمعقدة لغويا غالباً ما تتطلب رموزاً أكثر (وبالتالي تكلفةً وحساباً) لكل وحدة نصية بمقدار 3-5 أضعاف مقارنةً باللغة الإنجليزية.

ووجدت ورقة بحثية أخرى أن نحو 1.5 مليار شخص يتحدثون لغات منخفضة الموارد يواجهون تكلفة أعلى وأداءً أسوأ عند استخدام نماذج اللغة الإنجليزية السائدة.

والنتيجة: قد يتعثر نموذج يعمل جيداً للمستخدمين الأميركيين، عند عمله في الهند أو الخليج العربي أو جنوب شرق آسيا، ليس لأن مشكلة العمل أصعب، ولكن لأن النظام يفتقر إلى البنية التحتية الثقافية واللغوية اللازمة للتعامل معها.

«ميسترال سابا» نظام الذكاء الاصطناعي الفرنسي مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا

مثال «ميسترال سابا» الإقليمي جدير بالذكر

لنأخذ نموذج «ميسترال سابا» (Mistral Saba)، الذي أطلقته شركة ميسترال للذكاء الاصطناعي الفرنسية كنموذج مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا (التاميلية والمالايالامية... إلخ). تشيد «ميسترال» بأن «(سابا) يوفر استجابات أكثر دقة وملاءمة من النماذج التي يبلغ حجمها 5 أضعاف» عند استخدامه في تلك المناطق. لكن أداءه أيضاً أقل من المتوقع في معايير اللغة الإنجليزية.

وهذه هي النقطة المهمة: السياق أهم من الحجم. قد يكون النموذج أصغر حجماً ولكنه أذكى بكثير بالنسبة لمكانه.

بالنسبة لشركة أميركية تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو سوق جنوب آسيا، هذا يعني أن استراتيجيتك «العالمية» للذكاء الاصطناعي ليست عالمية ما لم تحترم اللغات والمصطلحات واللوائح والسياق المحلي.

تكاليف الرموز والتحيز اللغوي

من منظور الأعمال، تُعدّ التفاصيل التقنية للترميز أمراً بالغ الأهمية. تشير مقالة حديثة إلى أن تكاليف الاستدلال في اللغة الصينية قد تكون ضعف تكلفة اللغة الإنجليزية، بينما بالنسبة للغات مثل الشان أو البورمية، يمكن أن يصل تضخم عدد الرموز إلى 15 ضعفاً.

هذا يعني أنه إذا استخدم نموذجك ترميزاً قائماً على اللغة الإنجليزية ونشرتَه في أسواق غير إنجليزية، فإن تكلفة الاستخدام سترتفع بشكل كبير، أو تنخفض الجودة بسبب تقليل الرموز. ولأن مجموعة التدريب الخاصة بك كانت تركز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية، فقد يفتقر «نموذجك الأساسي» إلى العمق الدلالي في لغات أخرى.

أضف إلى هذا المزيج اختلافات الثقافة والمعايير: النبرة، والمراجع، وممارسات العمل، والافتراضات الثقافية، وما إلى ذلك، وستصل إلى مجموعة تنافسية مختلفة تماماً: ليس «هل كنا دقيقين» بل «هل كنا ملائمين».

التوسع في الخارج

لماذا يهم هذا الأمر المديرين التنفيذيين الذين يتوسعون في الخارج؟

إذا كنت تقود شركة أميركية أو توسّع نطاق شركة ناشئة في الأسواق الدولية، فإليك ثلاثة آثار:

-اختيار النموذج ليس حلاً واحداً يناسب الجميع: قد تحتاج إلى نموذج إقليمي أو طبقة ضبط دقيقة متخصصة، وليس فقط أكبر نموذج إنجليزي يمكنك ترخيصه.

-يختلف هيكل التكلفة باختلاف اللغة والمنطقة: فتضخم الرموز وعدم كفاءة الترميز يعنيان أن تكلفة الوحدة في الأسواق غير الإنجليزية ستكون أعلى على الأرجح، ما لم تخطط لذلك.

-مخاطر العلامة التجارية وتجربة المستخدم ثقافية: فبرنامج الدردشة الآلي الذي يسيء فهم السياق المحلي الأساسي (مثل التقويم الديني، والمصطلحات المحلية، والمعايير التنظيمية) سيُضعف الثقة بشكل أسرع من الاستجابة البطيئة.

بناء استراتيجية ذكاء اصطناعي متعددة اللغات واعية ثقافياً

للمديرين التنفيذيين الجاهزين للبيع والخدمة والعمل في الأسواق العالمية، إليكم خطوات عملية:

• حدّد اللغات والأسواق كميزات من الدرجة الأولى. قبل اختيار نموذجك الأكبر، اذكر أسواقك ولغاتك ومعاييرك المحلية وأولويات عملك. إذا كانت اللغات العربية أو الهندية أو الملايوية أو التايلاندية مهمة، فلا تتعامل معها كـ«ترجمات» بل كحالات استخدام من الدرجة الأولى.

• فكّر في النماذج الإقليمية أو النشر المشترك. قد يتعامل نموذج مثل «Mistral Saba» مع المحتوى العربي بتكلفة أقل ودقة أكبر وبأسلوب أصلي أكثر من نموذج إنجليزي عام مُعدّل بدقة.

• خطط لتضخم تكلفة الرموز. استخدم أدوات مقارنة الأسعار. قد تبلغ تكلفة النموذج في الولايات المتحدة «س» دولاراً أميركياً لكل مليون رمز، ولكن إذا كان النشر تركياً أو تايلاندياً، فقد تكون التكلفة الفعلية ضعف ذلك أو أكثر.

• لا تحسّن اللغة فقط، بل الثقافة ومنطق العمل أيضاً. لا ينبغي أن تقتصر مجموعات البيانات المحلية على اللغة فحسب، بل ينبغي أن تشمل السياق الإقليمي: اللوائح، وعادات الأعمال، والمصطلحات الاصطلاحية، وأطر المخاطر.

صمم بهدف التبديل والتقييم النشطين. لا تفترض أن نموذجك العالمي سيعمل محلياً. انشر اختبارات تجريبية، وقيّم النموذج بناءً على معايير محلية، واختبر قبول المستخدمين، وأدرج الحوكمة المحلية في عملية الطرح.

المنظور الأخلاقي والاستراتيجية الأوسع

عندما تُفضّل نماذج الذكاء الاصطناعي المعايير الإنجليزية والناطقة بالإنجليزية، فإننا نُخاطر بتعزيز الهيمنة الثقافية.

كمسؤولين تنفيذيين، من المغري التفكير «سنترجم لاحقاً». لكن الترجمة وحدها لا تُعالج تضخم القيمة الرمزية، وعدم التوافق الدلالي، وعدم الأهمية الثقافية. يكمن التحدي الحقيقي في جعل الذكاء الاصطناعي مُتجذراً محلياً وقابلاً للتوسع عالمياً.

إذا كنت تُراهن على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم توسعك في أسواق جديدة، فلا تُعامل اللغة كحاشية هامشية. فاللغة بنية تحتية، والطلاقة الثقافية ميزة تنافسية. أما التكاليف الرمزية وتفاوتات الأداء فليست تقنية فحسب، بل إنها استراتيجية.

في عالم الذكاء الاصطناعي، كانت اللغة الإنجليزية هي الطريق الأقل مقاومة. ولكن ما هي حدود نموك التالية؟ قد يتطلب الأمر لغةً وثقافةً وهياكل تكلفة تُمثل عوامل تمييز أكثر منها عقبات.

اختر نموذجك ولغاتك واستراتيجية طرحك، لا بناءً على عدد المعاملات، بل على مدى فهمه لسوقك. إن لم تفعل، فلن تتخلف في الأداء فحسب، بل ستتخلف أيضاً في المصداقية والأهمية.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
TT

الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

في مدينةٍ لا تهدأ، وتحديداً في مركز «جاڤِتس» على ضفاف نهر هدسون، اختتمت أمس أعمال اجتماعات نيويورك السنوية لطبّ الأسنان، التي استمرت 5 أيام، أحد أكبر التجمعات العالمية للمهنة، بمشاركة نحو 50 ألف طبيب وخبير من أكثر من 150 دولة.

لم يكن الحدث مجرد مؤتمر، بل منصّة حيّة لمستقبل طبّ الأسنان؛ فبين أروقته تتقدّم التكنولوجيا بخطى ثابتة: من الروبوتات الجراحية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأشعة في ثوانٍ، وصولاً إلى تجارب التجديد الحيوي التي قد تغيّر شكل العلاج خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي نجم المؤتمر بلا منافس

كان الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لهذا العام، إذ جاء المؤتمر في لحظةٍ تتسارع فيها التحوّلات العلمية بسرعة تفوق قدرة المناهج التقليدية على مواكبتها. وقد برزت تقنيات محورية: أنظمة تحليل الأشعة الفورية، والمساعد السريري الذكي، والتخطيط الرقمي للابتسامة. وعلى امتداد القاعات، كان واضحاً أن هذه التقنيات لم تعد تجارب مختبرية، بل هي حلول جاهزة تغيّر طريقة ممارسة المهنة أمام أعيننا.

الروبوتات تدخل غرفة العمليات

شكّلت الجراحة الروبوتية محوراً لافتاً هذا العام، بعد أن عرضت شركات متخصصة أنظمة دقيقة تعتمد على بيانات الأشعة ثلاثية الأبعاد وتتكيف لحظياً مع حاجة الإجراء. وقد أظهرت العروض قدرة هذه الروبوتات على تنفيذ خطوات معقدة بثباتٍ يفوق اليد البشرية، مع تقليل هامش الخطأ ورفع مستوى الأمان الجراحي.

التجديد الحيوي... من الخيال إلى التجربة

عرضت جامعات نيويورك وكورنيل أبحاثاً حول بروتينات مثل «BMP-2»، وهو بروتين ينشّط نمو العظم، و«FGF-2» عامل يساعد الخلايا على الانقسام والتئام الأنسجة خصوصاً الألياف، إلى جانب تقنيات الخلايا الجذعية لإحياء الهياكل الدقيقة للسن.

في حديث مباشر مع «الشرق الأوسط»

وأثناء جولة «الشرق الأوسط» في معرض اجتماع نيويورك لطبّ الأسنان، التقت الدكتورة لورنا فلامر–كالديرا، الرئيس المنتخب لاجتماع نيويورك الكبرى لطب الأسنان، التي أكدت أنّ طبّ الأسنان يشهد «أكبر تحوّل منذ ثلاثة عقود»، مشيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت جزءاً فاعلاً في هذا التحوّل العالمي.

وأضافت الدكتورة لورنا، خلال حديثها مع الصحيفة في أروقة المؤتمر، أنّ اجتماع نيويورك «يتطلّع إلى بناء شراكات متقدمة مع جهات في السعودية، أسوة بالتعاون القائم مع الإمارات ومؤسسة (إندكس) وجهات دولية أخرى»، موضحة أنّ هناك «فرصاً واسعة للتعاون البحثي والتعليمي في مجالات الزراعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلاجات المتقدمة»، وأن هذا التوجّه ينسجم بطبيعة الحال مع طموحات «رؤية السعودية 2030».

العرب في قلب الحدث

شارك وفود من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والعراق في جلسات متقدمة حول الذكاء الاصطناعي والزراعة الرقمية، وكان حضور الوفود لافتاً في النقاشات العلمية، ما عكس الدور المتنامي للمنطقة في تشكيل مستقبل طبّ الأسنان عالمياً.

نيويورك... حيث يبدأ الغد

منذ بدايات اجتماع نيويورك قبل أكثر من قرن، بقيت المدينة مرآةً لتحوّلات المهنة ومختبراً مفتوحاً للمستقبل. وعلى امتداد 5 أيام من الجلسات والمحاضرات والورش العلمية، رسّخ اجتماع نيويورك السنوي مكانته كأكبر تجمع عالمي لطبّ الأسنان، وكمنصّة تُختبر فيها التقنيات التي ستعيد رسم ملامح المهنة في السنوات المقبلة. كما يقول ويليام جيمس، مؤسس الفلسفة البراغماتية الأميركية، إنّ أميركا ليست مكاناً، بل تجربة في صناعة المستقبل... وفي نيويورك تحديداً، يبدو مستقبل طبّ الأسنان قد بدأ بالفعل.


دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

أدت الزيادة الكبيرة في أعداد الأقمار الاصطناعية المتمركزة في مدار منخفض حول الأرض إلى تطورات في مجال الاتصالات، منها توفير خدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والنائية في أنحاء العالم.

لكنها تسببت أيضا في زيادة حادة في التلوث الضوئي في الفضاء، ما يشكل تهديدا لعمل المراصد الفلكية المدارية. وتشير دراسة جديدة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتركز على أربعة تلسكوبات فضائية، منها تلسكوبان يعملان حاليا وآخران يجري العمل عليهما، إلى أن نسبة كبيرة من الصور التي سيجري التقاطها بواسطة هذه المراصد على مدى العقد المقبل قد تتأثر بالضوء المنبعث أو المنعكس من الأقمار الاصطناعية التي تشترك معها في المدار المنخفض.

وخلص الباحثون إلى أن نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية. وقال الباحثون إن «هابل» سيكون أقل تأثرا بسبب مجال رؤيته الضيق.

والتلسكوبات المدارية عنصر أساسي في استكشاف الفضاء، نظرا لما تمتلكه من قدرة على رصد نطاق أوسع من الطيف الكهرومغناطيسي مقارنة بالتلسكوبات الأرضية، كما أن غياب التداخل مع العوامل الجوية يمكنها من التقاط صور أكثر وضوحا للكون، مما يتيح التصوير المباشر للمجرات البعيدة أو الكواكب خارج نظامنا الشمسي.

وقال أليخاندرو بورلاف، وهو عالم فلك من مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا وقائد الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر «في حين أن معظم تلوث الضوء حتى الآن صادر من المدن والمركبات، فإن زيادة مجموعات الأقمار الاصطناعية للاتصالات بدأ يؤثر بوتيرة أسرع على المراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف «في الوقت الذي ترصد فيه التلسكوبات الكون في مسعى لاستكشاف المجرات والكواكب والكويكبات البعيدة، تعترض الأقمار الاصطناعية في كثير من الأحيان مجال الرؤية أمام عدساتها، تاركة آثارا ضوئية ساطعة تمحو الإشارة الخافتة التي نستقبلها من الكون. كانت هذه مشكلة شائعة في التلسكوبات الأرضية. ولكن، كان يعتقد، قبل الآن، أن التلسكوبات الفضائية، الأكثر كلفة والمتمركزة في مواقع مراقبة مميزة في الفضاء، خالية تقريبا من التلوث الضوئي الناتج عن أنشطة الإنسان».

وفي 2019، كان هناك نحو ألفي قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. ويبلغ العدد الآن نحو 15 ألف قمر. وقال بورلاف إن المقترحات المقدمة من قطاع الفضاء تتوقع تمركز نحو 650 ألف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض خلال العقد المقبل.