«انهيار المناخ»... قد يحدث فجأة

المسار الحالي للانبعاثات سيدفع إلى تغيير لا رجعة فيه

«انهيار المناخ»... قد يحدث فجأة
TT

«انهيار المناخ»... قد يحدث فجأة

«انهيار المناخ»... قد يحدث فجأة

​منذ أن وضع العلماء بعض التصورات المبكرة حول تغيرات المناخ في السبعينات، ظهر أنها كانت دقيقة بشكل ملحوظ في التنبؤ بالمعدل الذي سترتفع به درجات الحرارة العالمية.

على مدى عقود، سار تغير المناخ بالوتيرة المتوقعة تقريباً، كما يقول ديفيد أرمسترونغ مكاي، عالم المناخ في جامعة «إكسيتر» في إنجلترا. ومع ذلك، فإن آثاره تتسارع، وأحياناً تكون أسرع بكثير مما كان متوقعاً.

ولفترة من الوقت، لم يكن من السهل رؤية العواقب. إلا أنها ظاهرة اليوم بالتأكيد. وقد شهد مطلع شهر يوليو (تموز) أكثر الأيام سخونة على مستوى العالم منذ بدء التسجيلات، وهو ما تم تجاوزه مرة أخرى في اليوم التالي.

لفترة طويلة كنا ضمن النطاق الطبيعي؛ لكن الأمر تغير؛ إذ أخبرتني أليغرا ليغراندي، عالمة الأبحاث الفيزيائية بجامعة كولومبيا، أننا الآن لسنا كذلك حقاً. وقد حدث ذلك بالسرعة الكافية بحيث يتذكر الناس حدوثه.

نقاط التحول

في الواقع، يعتقد عدد متزايد من علماء المناخ الآن، أننا قد نتجه نحو ما تسمى «نقاط التحول»؛ حيث يمكن أن تدفع الخطوات المتزايدة على طول المسار نفسه منظومة الأرض (المناخية) إلى تغيير مفاجئ، أو لا رجعة فيه، مما يؤدي إلى تحولات لا يمكن إيقافها حتى إذا توقفت الانبعاثات فجأة.

استنتج أرمسترونغ مكاي وزملاؤه في مجلة «ساينس» (Science) الخريف الماضي: «ربما تكون الأرض قد تركت حالة مناخية (آمنة) لكي تتجاوز درجة حرارة 1 درجة مئوية للاحتباس الحراري». وإذا تم تجاوز هذه العتبات، فمن المحتمل أن تحدث بعض تأثيرات الاحترار العالمي -مثل ذوبان الجليد الدائم، أو فقدان الشعاب المرجانية في العالم- بسرعة أكبر من المتوقع.

انقلاب بعض الأنظمة الطبيعية قد ينذر بإعادة هيكلة العالم

عواقب خطيرة

إجمالاً، ومع ذلك، فإن الآثار المترتبة على تجاوز نقاط التحول هذه تظل من بين أكثر الأمور غير المعروفة لتغير المناخ: لا نعرف حقاً متى أو كيف ستنهار الأشياء بسرعة. إذا انقلبت بعض الأنظمة الطبيعية، فقد تنذر بإعادة هيكلة العالم. خذ على سبيل المثال نهر ثويتس الجليدي في غرب أنتاركتيكا (القارة القطبية الجنوبية): إنه بحجم فلوريدا تقريباً، مع وجود جرف جليدي بارز يعيق تدفق النهر الجليدي إلى المحيط. على الرغم من أن الذوبان الكلي للجرف الجليدي أبطأ مما كان متوقعاً في الأصل، فإن الماء الدافئ يأكله الآن من الأسفل، ما يتسبب في حدوث تشققات عميقة. عند نقطة معينة، قد يتقدم هذا الذوبان بدرجة كافية ليصبح مكتفياً ذاتياً، ما يضمن الانهيار النهائي للنهر الجليدي.

وسيؤدي ذلك إلى تحديد مقدار ارتفاع مستوى سطح البحر، وبالتالي مستقبل ملايين البشر. يمكن أن يكون مصير نهر ثويتس الجليدي مستقلاً عن نقاط التحول الأخرى، مثل تلك التي تؤثر على خسارة الأنهار الجليدية الجبلية في أميركا الجنوبية، أو الرياح الموسمية في غرب أفريقيا. لكن بعض النقاط الحرجة ستتفاعل، مما يؤدي إلى تفاقم تأثيرات بعضها البعض. عندما يدخل الذوبان من الأنهار الجليدية في غرينلاند إلى المحيط، على سبيل المثال، فإنه يغير نظاماً مهماً للتيارات يُسمى «دوران انقلاب خط الزوال الأطلسي» (Atlantic Meridional Overturning Circulation) وهو جزء من دورة حرارية ملحية عالمية تجري في المحيطات. وهذا الحزام الناقل المسمى اختصاراً «The AMOC».

يُسحب الماء الدافئ من المناطق الاستوائية الشمالية، فتزداد ملوحة المياه مع تبخرها، مما يجعلها -من بين عوامل أخرى- تغرق وتعود جنوباً على طول قاع المحيط، مع دخول مزيد من المياه العذبة الجليدية إلى النظام، مما يضعف حزام النقل هذا. وهو الآن هو أضعف ما كان عليه منذ أكثر من 1000 عام.

حرائق الغابات والأحراش إحدى نتائج الاحتباس الحراري

العبث بالمنظومة المناخية

يمكن أن يؤدي إيقاف تيار المحيط هذا إلى تغيير ظواهر متنوعة، مثل أنماط الطقس العالمية، وتغيير غلات المحاصيل بشكل كبير. والعبث بالأنظمة المعقدة مخيف على وجه التحديد؛ لأن هناك كثيراً من العوامل: إذا تغيرت درجة حرارة سطح البحر، فإن هطول الأمطار فوق الأمازون قد يتغير أيضاً، مما يساهم في إزالة الغابات، والتي بدورها ارتبطت بتساقط الثلوج على هضبة التبت.

قد لا ندرك حتى متى نبدأ المرور بنقاط اللاعودة. قال أرمسترونغ مكاي: «الأمر يشبه إلى حد ما الدخول في حقل ألغام... نحن لا نريد معرفة مكان هذه الأشياء من خلال تحفيزها».

التحول المفاجئ في المناخ سيقود إلى فشل الأنظمة ويؤدي إلى تفكك المجتمعات في جميع أنحاء العالم

نتائج كارثية

وقد صدرت نتائج دراسة واحدة قاتمة العام الماضي، بعنوان «لعبة نهاية المناخ» (Climate End Game) حددت بعض الكوارث المحتملة التي يمكن أن تتبع «سلسلة الانقلاب»، ونظرت في احتمال أن «يؤدي التحول المفاجئ في المناخ إلى فشل الأنظمة الذي يؤدي إلى تفكك المجتمعات في جميع أنحاء العالم». وحذر كريس فيلد، مدير معهد «ستانفورد وودز» للبيئة، ومساهم في كثير من تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، من أنه «في مرحلة ما، قد تصبح آثار أزمة المناخ شديدة، لدرجة أننا نفقد القدرة على العمل معاً لتقديم الحلول».

ومن جهة أخرى، يشير جيمس هانسن، أحد أوائل الأصوات المتحدثة عن المناخ، إلى بعض المفارقات؛ إذ يقول إن تدابير التخفيف من حدة الأزمة، قد تساهم الآن في حدوثها. وكان هانسن قد نشر نتائج دراسة له هذا الربيع تشير إلى أن انخفاض تركيز جزيئات الكبريتات العالقة -أو تلوث الهواء المرتبط بحرق الفحم وصناعة الشحن العالمية- قد ساهم في ارتفاع درجات الحرارة؛ لأن هذه الجسيمات تسبب تجمع قطرات الماء في الأجواء.

* «ذي أتلانتك»- خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

يوميات الشرق علَّ الصرخة تصل (أ.ب)

قرود وغوريلا وفهود «ورقية» من أفريقيا إلى القطب الشمالي

هذه الحيوانات ستُجبر على مغادرة موائلها الطبيعية بسبب الاحتباس الحراري، وستنزح نحو الشمال، حيث تمرُّ عبر مدن عدّة في طريقها وتنضم إليها حيوانات أخرى.

«الشرق الأوسط» (كينشاسا)
علوم جزيرة العرب مرت بحقبات خضراء في الأزمان الماضية

دراسة علمية: جزيرة العرب ظلت يانعة لفترات طويلة

تكاد شبه الجزيرة العربية اليوم تكون صحراء قاحلة، لكنها كانت خضراء وخصبة مرات عديدة خلال الثمانية ملايين سنة الماضية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا مواطنون يحتمون من الشمس في الهند (أ.ف.ب)

درجات الحرارة العالمية تسجل مستويات قياسية في شهر مارس

بقيت درجات الحرارة العالمية عند مستويات مرتفعة تاريخياً في مارس، ما يشكّل استمراراً لقرابة عامَيْن من الحرّ غير المسبوق الذي يشهده الكوكب.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الولايات المتحدة​ مواطنة أميركية تنظر إلى نهر ليكينغ وهو يرتفع ويبدأ في إغراق قبو منزلها في فالموث بولاية كنتاكي (أ.ف.ب)

فيضانات مفاجئة وأعاصير تضرب أجزاء من أميركا... ووقوع قتلى (صور وفيديو)

ضربت موجة أخرى من الأمطار الغزيرة والفيضانات المفاجئة أمس (السبت) أجزاء من الجنوب والغرب الأوسط للولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (تينيسي )

شُرفات ألمانيا: أكثر من 780 ألف لوحة شمسية مسجلة لإمدادات الكهرباء

شُرفات ألمانيا: أكثر من 780 ألف لوحة شمسية مسجلة لإمدادات الكهرباء
TT

شُرفات ألمانيا: أكثر من 780 ألف لوحة شمسية مسجلة لإمدادات الكهرباء

شُرفات ألمانيا: أكثر من 780 ألف لوحة شمسية مسجلة لإمدادات الكهرباء

يتمنى ريموند وارد، وهو ممثل جمهوري في ولاية يوتا الأميركية، رؤية ألواح شمسية تُغطي كل شرفة في الولايات المتحدة. ولا يفهم سبب عدم حدوث ذلك.

تقنيات سهلة التركيب

التكنولوجيا في غاية السهولة في الاستخدام - ما عليك سوى تعليق لوح أو لوحين على درابزين وتوصيلهما بمقبس كهربائي. توفر هذه الأجهزة ما يصل إلى قدرة 800 واط؛ وهو ما يكفي لشحن جهاز كمبيوتر محمول أو تشغيل ثلاجة صغيرة.

وتحظى هذه الأجهزة بشعبية كبيرة في ألمانيا، حيث يُشيد بها الجميع، من المستأجرين إلى نشطاء المناخ إلى مُحبي الأجهزة الإلكترونية، بصفتها وسيلة رخيصة وسهلة لتوليد الكهرباء.

ملايين الألواح الشمسية

سجّل الألمان أكثر من 780 ألف جهاز لدى هيئة تنظيم المرافق في البلاد حتى ديسمبر (كانون الأول) الماضي. كما ركَّبوا ملايين أخرى دون إبلاغ الحكومة. هنا في الولايات المتحدة، لا توجد سوق للطاقة الشمسية للشرفات.

وريموند وارد الذي اطلع على هذه التقنية العام الماضي، يريد تغيير هذا الوضع. من وجهة نظره، يُعد هذا حلاً بديهياً للطلب المتزايد على الطاقة. قال لصحيفة «غريست»: «تنظر إلى هناك وتقول: (حسناً، هذا النظام ناجح). إذن، ما الذي يمنعنا من استخدامه هنا؟».

تسهيل التحول إلى الطاقة الشمسية

يتفق زملاؤه معه. في الشهر الماضي، أقرَّ المجلس التشريعي بالإجماع مشروع قانون رعاه لتعزيز هذه التقنية، ووقَّع عليه الحاكم الجمهوري سبنسر كوكس. ويُعفي مشروع القانون رقم 340 أجهزة الطاقة الشمسية المحمولة من لوائح الولاية التي تُلزم مالكي ألواح الطاقة الشمسية على الأسطح وأنظمة توليد الطاقة الأخرى بتوقيع اتفاقات للربط مع شركات المرافق المحلية. وهذه الصفقات، وغيرها من «التكاليف غير المباشرة» يمكنها أن تُضاعف الإنفاق على كل من يريد التحول إلى الطاقة الشمسية.

وأكد مؤيدو هذه التقنية أن التغلب على هذه التحديات سيستغرق وقتاً وجهداً، لكنها ليست مستعصية. حتى الآن، يعمل فريق من رواد الأعمال وعلماء الأبحاث، بدعم من التمويل الفيدرالي، على وضع هذه المعايير.

ريادة ألمانيا

يعكس عملهم ما حدث في ألمانيا قبل ما يقرب من عقد من الزمان، عندما بدأ مؤيدو الطاقة النظيفة والشركات في الضغط على هيئة اعتماد الكهرباء في البلاد لتعديل لوائح السلامة وتقنين أنظمة الطاقة الشمسية للشرفات.

في عام 2017، أصدرت جمعية Verband der Elektrotechnik، أو VDE، وهي هيئة اعتماد ألمانية تُصدر معايير المنتج والسلامة للمنتجات الكهربائية، أول دليل إرشادي يسمح بأنظمة الطاقة الشمسية للشرفات. وبينما كانت مثل هذه الأنظمة موجودة قبل أن تتخذ VDE هذه الخطوة، فإن المعيار الذي وضعته سمح للمصنعين ببيعها على نطاق واسع؛ ما أدى إلى ازدهار الصناعة.

قال كريستيان أوفينهوسل، مؤسس شركة EmpowerSource، وهي شركة مقرّها برلين تعمل على الترويج للطاقة الشمسية للشرفات، إن «الأفراد الدؤوبين» كانوا مفتاح تحقيق ذلك.

وقد قضى أعضاء جمعية صناعة الطاقة الشمسية الألمانية سنوات في الدعوة إلى هذه التقنية، وعملوا مع VDE لتمهيد الطريق نحو توحيد أنظمة الطاقة الشمسية للشرفات. وتبع المعيار الأولي إصدارات منقحة في عامي 2018 و2019 حددت المتطلبات الفنية بشكل أكبر.

واصل الهيكل التنظيمي تطوره. فقد عمل أوفينهوسل مع دعاة آخرين لتعديل معايير سلامة الشبكة، وإنشاء تسجيل بسيط عبر الإنترنت للأجهزة الموصولة بالكهرباء، وترسيخ حق المستأجرين في الطاقة الشمسية للشرفات. دعم السياسيون هذه الجهود؛ لأنهم يرون أن هذه التقنية تخفف من اعتماد البلاد على الغاز الطبيعي الروسي.

برلين وميونيخ تقدم الدعم للسكان

قدمت مدن مثل برلين وميونيخ ملايين من اليورو دعماً لمساعدة الأسر على شراء هذه الأنظمة، وتعمل البلاد على وضع معيار أمان للبطاريات القادرة على تخزين الطاقة لاستخدامها لاحقاً.

في الوقت نفسه، لم تتخذ الولايات المتحدة بَعدُ الخطوة الأولى لوضع معيار أمان لهذه التقنية. لا تضع الإرشادات الكهربائية الأميركية في الحسبان إمكانية توصيل جهاز توليد الطاقة بمقبس كهربائي منزلي. كما تعمل البلاد بنظام مختلف يمنع ببساطة نسخ ولصق القواعد الألمانية. على سبيل المثال، تعمل شبكة الكهرباء الأميركية بفرق جهد كهربائي يبلغ 120 فولت، بينما تعمل شبكة الكهرباء في ألمانيا بفرق جهد 230 فولت.

مخاطر نشر الألواح من دون معايير

ومن دون معايير مناسبة، قد يُشكّل نظام الطاقة الشمسية للشرفات الكثير من المخاطر. أحد هذه المخاطر ظاهرة تُسمى «حجب القاطع» (breaker masking). داخل المنزل، يُمكن لدائرة واحدة أن تُوفّر الطاقة لمنافذ عدة. كل دائرة مُزوّدة بقاطع دائرة، وهو جهاز أمان داخل اللوحة الكهربائية يُوقف الطاقة في حال زيادة الحمل على هذه الدائرة، وهو ما يحدث عندما تحاول الكثير من الأجهزة سحب كمية كبيرة من الكهرباء في الوقت نفسه. وهذا يمنع ارتفاع درجة الحرارة أو نشوب حريق.

عندما يُرسل جهاز الطاقة الشمسية للشرفات الطاقة إلى دائرة بينما تسحب الأجهزة الأخرى الطاقة منها، لا يستطيع القاطع اكتشاف مصدر الطاقة الإضافي هذا. وإذا زادت الطاقة المُحمّلة على الدائرة - تخيّل تشغيل جهاز التلفزيون أثناء تشغيل مُدفأة منزلية وشحن الكمبيوتر المحمول، وكل ذلك في الغرفة نفسها - فقد يفشل قاطع الدائرة في العمل السريع.

كان هذا مصدر قلق في ألمانيا؛ لذلك وُضعت معايير تُحدّد وحدات الطاقة الشمسية للشرفات بـ800 واط فقط، أي نحو نصف الكمية التي يستخدمها مُجفف الشعر.

تركيبات آمنة

وقال سيباستيان مولر، رئيس جمعية الطاقة الشمسية للشرفات الألمانية، وهي مجموعة تثقيفية ومناصرة للمستهلكين، إن هذه العتبة تعدّ منخفضة بما يكفي بحيث يمكن للأسلاك، حتى في أقدم منازل البلاد، أن تتحمل الحرارة التي تحدث حتى في أسوأ السيناريوهات. ونتيجة لذلك؛ قال أوفينهوسل إنه لم تكن هناك أي حالات لحوادث بسبب هذه المخاطر تسببت في حدوث ضرر.

في الواقع، مع تركيب ملايين الأجهزة في جميع أنحاء البلاد، لم تشهد ألمانيا بعد أي مشكلات تتعلق بالسلامة بخلاف حالات قليلة قام فيها شخص ما بالتلاعب بالأجهزة لإضافة بطارية سيارة أو أجهزة أخرى غير مناسبة، على حد قوله.

* باختصار. مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»