كشفت دراسة حديثة لباحثين من قسم الطب النفسي في جامعة سوينبورن للتكنولوجيا، في ملبورن، بأسترالياSwinburne University of Technology, Melbourne, Australia، نُشرت في مطلع شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الحالي، في مجلة التدخل المبكر في الطب النفسي Early Intervention in Psychiatry، عن الدور الكبير الذي تلعبه التعليقات السلبية الصادرة من الآباء فيما يخص صورة الجسد في فترة المراهقة، على نفسية الأبناء وعلاقتهم بالطعام في البلوغ.
قام الباحثون بعمل الدراسة بأثر رجعي، على مجموعة من البالغين في أستراليا يبلغ عددها 177 فرداً، من أعمار مختلفة بداية من عمر 18 عاماً وكان متوسط العمر ثلاثون عاماً تقريباً، لمعرفة تأثير العوامل الأبوية على صورة الجسد لديهم، وكان معظمهم من الإناث 88 في المائة، ثم طُلب منهم إكمال بحث إلكتروني عن تجاربهم خلال مرحلتي الطفولة والمراهقة، وتضمنت الأسئلة استبياناً عن تأثير الوالدين (PIQ)، يقيس مدى تأثير الوالدين المباشر على الأبناء. ومن المعروف أن صورة الجسد تؤثر في الفتيات أكثر من الذكور.
تعليقات الوالدين
شملت الأسئلة تعليقات الوالدين على صورة الجسد سواء كانت هذه التعليقات مباشرة، مثل: «قال أبي إن جسمي بدين» أو غير مباشرة مثل: «اشتكت أمي من وزني الزائد». وعلاوةً على ذلك، شمل الاستبيان السجلات الاجتماعية والديموغرافية والمعلومات الغذائية والصحية للمشاركين جميعاً.
تم تقييم عدم رضا المشاركين عن صورة أجسامهم في البلوغ، باستخدام مقياس معين مكون من 28 بنداً، تتعلق بالشكل والوزن، يُستخدم لتقييم صورة الجسد وأعراض اضطراب الطعام ومنها، القلق بشأن الأكل، والقلق بشأن الشكل، والقلق بشأن الوزن.
أشارت الدراسة إلى أن مناقشة الأمور المتعلقة بالوزن والمظهر تتم بشكل علني مباشر وبشكل خفي في نحو ثلثي الأسر، مما يوضح حجم الضغط النفسي على المراهقين، وقام العلماء بتحديد ثلاثة عوامل رئيسية، تؤثر في صورة الجسد في المراهقة وحدوث اضطرابات الطعام لاحقاً في البلوغ، وهذه العوامل هي وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، والتنمر من الأقران، وانتقادات الوالدين.
ولمعرفة تأثير تعليقات الوالدين كعامل مستقل، قام العلماء بتثبيت جميع العوامل الأخرى التي يمكن أن تؤثر في صورة الجسد، مثل ضغط الأقران، ووسائل التواصل، ونمط الحياة، والحالة النفسية للمشاركين.
أطهرت النتائج أن التأثير الأبوي المباشر (النقد، والسخرية، والمقارنة بين صورة الجسد بين أفراد العائلة) كان مؤشراً بالغ الأهمية لعدم رضا الأبناء عن صورة جسدهم في البلوغ. وعلى النقيض من ذلك، لم يُظهر التأثير الأبوي غير المباشر مثل ملاحظة عدم رضا أحد الوالدين عن جسده أو رغبته في اتباع حمية غذائية، أي تأثير على صورة الجسد.
وتشير هذه النتائج بوضوح إلى أن الرسائل المباشرة أو التعليقات اللفظية الصريحة، التي يتلقاها الطفل من والديه حول وزنه، ومظهره، لها تأثير أقوى وأكثر استمرارية على صورة جسده لاحقاً (حتى في مرحلة البلوغ)، مقارنة بالرسائل غير المباشرة، التي يحاول فيها الآباء لفت نظر الطفل إلى صورة جسده عن طريق إظهار رغبتهم في تغيير مظهر جسدهم.
عواقب على نفسية الطفل
تُعد نتائج هذه الدراسة بالغة الأهمية، لأنها تؤكد أن تعليقات الوالدين السلبية، قد تكون أكثر أهمية من أفعالهم حتى لو كانت هذه التعليقات نابعة من نية حسنة، ولذلك أي تعليق حول مظهر الطفل، سواء وزنه، أو طوله، أو لون بشرته، يمكن أن تكون عواقبه سيئة جداً على نفسية الطفل لفترة طويلة يمكن أن تلازمه طوال حياته.
أكد الباحثون أن الانتقادات اللفظية من الآباء، فيما يتعلق بصورة الجسد في الطفولة والمراهقة، في الأغلب تؤدي إلى الإصابة باضطرابات الطعام، سواء أثناء فترة المراهقة والشباب أو لاحقاً في البلوغ، من المعروف أن اضطرابات الطعام تشمل، الإقبال على تناول الطعام بشراهة، أو الامتناع شبه التام عن تناوله، مما يسبب مشكلات نفسية وجسدية متعددة.
وأشارت الدراسة إلى ضرورة وجود برامج تثقيفية تُساعد الآباء على فهم الأثر الكبير والدائم لكلماتهم على أطفالهم، ونصحتهم بتشجيع أبنائهم على الحياة بشكل صحي، بدلاً من إبداء انتقادات حول الوزن أو المظهر، من أجل الحفاظ على الاتزان النفسي للمراهق وشعوره بالرضا عن شكل جسمه، وبالتالي يتمكن من بناء علاقة صحية مع الطعام على مدى حياته.
على الرغم، من أن المخاوف المتعلقة بصورة الجسد تظهر في العادة في فترة المراهقة أو الطفولة المتأخرة، فإنها تُعد أيضاً الفترة الأهم، التي يمكن فيها حماية الشباب من الإصابة باضطرابات الطعام أو تقليل حدة الأعراض في حالة حدوثها بمساعدة الدعم النفسي، مما يشير إلى أهمية دور الوالدين في التعامل مع أبنائهم فيما يتعلق بمظهرهم.
حذرت الدراسة الوالدين من تشجيع أبنائهم على إنقاص الوزن، حتى لو كان بدافع الحب والخوف على صحتهم، لأن ذلك في الأغلب يؤدي إلى حدوث تصور سلبي عن الجسد، لأن النصيحة بفقدان الوزن تحمل نقداً غير معلن لشكل الجسم، وبالتالي يحدث عدم رضا عن صورة الجسد، يؤدي إلى حدوث اكتئاب، والاكتئاب يدفع المراهق إلى الإفراط في تناول الطعام وزيادة الوزن، مما يؤدي إلى تراجع الحالة النفسية أكثر ودخول المراهق حلقة مفرغة.
في النهاية نصحت الدراسة الآباء، بضرورة اختيار الألفاظ، التي يستخدمونها في لفت نظر أبنائهم إلى شكل جسدهم بعناية، وتقبل أبنائهم في جميع حالاتهم، والتوفير الدعم النفسي لهم عند تعرضهم للتنمر.
* استشاري طب الأطفال.

