التعاطف المفرط له آثار سلبية

تفاعل الأطفال القوي مع الصراعات النفسية للكبار يزيد توترهم

التعاطف المفرط له آثار سلبية
TT

التعاطف المفرط له آثار سلبية

التعاطف المفرط له آثار سلبية

أوضحت أحدث دراسة نفسية نُشرت في نهاية شهر يونيو (حزيران) من العام الحالي، في «مجلة المخ والسلوك والمناعة» (the journal Brain, Behavior, and Immunity) أن التعاطف المفرط مع الآخرين ربما يزيد من حدة الآثار الصحية السلبية على المستوى النفسي والبدني للطفل. ويحدث هذا خصوصاً إذا كان التفاعل النفسي مع أفراد الأسرة. ويكون الأطفال الأكثر تعاطفاً مع أحد الوالدين في الخلافات الأسرية هم الأكثر عرضة لاعتلال الصحة، تبعاً للاختبارات النفسية والمؤشرات الحيوية، مقارنة بالأطفال الأقل تعاطفاً مع المشكلات المحيطة بهم في المنزل.

مشاعر التعاطف

قال الباحثون من «كلية ولاية بنسلفانيا للصحة والتنمية البشرية» (Penn State College of Health and Human Development) إن التعاطف مع الآخرين شعور غريزي جيد بالطبع، ويُحسِّن الصحة النفسية؛ لكن الإفراط في التفاعل مع الصراعات النفسية للآخرين يجعل الجسم يتفاعل مع مشكلاتهم كما لو كانت مشكلاته الخاصة، ما يؤدي إلى تغير في مستويات مؤشرات الالتهاب التي تُضعف الجسم، وتجعله أكثر عرضة للإصابة بأمراض مختلفة، بالإضافة للاكتئاب وتدني الحالة النفسية.

وكلما كان عمر الطفل صغيراً زاد الضغط النفسي عليه. وبالنسبة للأطفال في الفئة السنِّية من 7 إلى 9 سنوات، يمثل المنزل مصدر الأمان الأساسي. ولذلك في حالة حدوث خلافات بين الوالدين (حتى لو كانت خلافات بسيطة) فإن ذلك يمثل نوعاً من التهديد والإرهاق النفسي على الطفل، ينعكس بشكل فسيولوجي عليه، ويؤدي إلى مرضه دون أن يدرك الآباء.

استخدم الباحثون بيانات مستمدة من مسح صحي سابق، شمل استطلاعاً نفسياً للأطفال وذويهم، وكذلك عينات دم من الزيارات المنزلية الروتينية، لمجموعة من الأطفال بلغ عددهم 106، وتراوحت سنيِّهم بين 7 و9 سنوات، وكان أولياء أمورهم جميعاً قد تلقوا محاضرات نفسية واجتماعية تناولت العلاقة بين الزوجين، وأهمية تفهم وجهات النظر المختلفة في بناء أسرة سليمة، وتوفير بيئة صحية لنمو الطفل. ومعظم الآباء الذين شاركوا في الدراسة كانت لديهم علاقات أسرية إيجابية وخلافات أسرية قليلة، وكذلك كانت علاقتهم بأطفالهم جيدة.

تقييم تصورات الأطفال

قام العلماء بتقييم تصور الأطفال عن الصراع والخلاف بين الوالدين، وسألوهم: «لأي مدي تؤثر خلافات الوالدين عليهم؟ وهل يشعرهم ذلك بالتهديد أو الخوف؟ وهل يشعرون بأنهم مخطئون عندما يتشاجر آباؤهم». وأيضاً اهتم الباحثون بتعبير الأطفال عن أنفسهم فيما يتعلق بتعاطفهم مع أحد الوالدين، وكذلك تعاطفهم مع الآخرين بشكل عام. وسألوهم عما إذا كانوا يشعرون بالأسف عندما يشعر الآخرون بالحزن من عدمه؟ وإلى أي مدى يهتمون بمشاعر الآخرين؛ سواء كانت حزناً أو فرحاً؟ وهل هذه المشاعر تؤثر عليهم بالسلب أم بالإيجاب؟

قام الباحثون أيضاً بعمل استبيان للآباء، وطلبوا منهم تقييماً لصحة أطفالهم بشكل عام، فيما يتعلق بالصحة بالبدنية، وكيف يمكن وصف حالتهم الصحية، تبعاً لمقياس يتراوح من حالة صحية ممتازة إلى ضعيفة، فيما يتعلق بإصابة الطفل بأنواع العدوى المختلفة، والفترة التي يحتاجها للتعافي بشكل كامل، ومدى تكرار الإصابة، وهل يتغيب الطفل عن المدرسة جراء إصابته بعدوى معينة؟ وهل يختلف الطفل عن أقرانه بشكل واضح في الحجم والقوة البدنية والمقدرة الذهنية؟ وأيضاً تم سؤالهم عن حالة أطفالهم النفسية، وهل يشعرون بالحزن أو الاكتئاب؟

مؤشرات الالتهاب

كما أجرى الباحثون تحليلاً لعينات الدم التي تم جمعها من الأطفال من المنازل، لقياس بعض المؤشرات الحيوية المهمة، مثل ارتفاع مستويات بروتين معين (CRP) وأيضاً معامل مناعي معين (IL-6). وهذه الدلالات تشير إلى وجود التهاب معين؛ في الجسم سواء بشكل مؤقت (في حالة ارتفاعها فترة قصيرة) أو بشكل مزمن (في حالة ارتفاعها فترة طويلة) ومن المعروف أن الالتهاب يُعد نوعاً من الاستجابة المناعية للجسم، والالتهاب الحاد أو قصير المدى استجابة مهمة لإصابة معينة، وبالتالي يساعد الجسم على سرعة الشفاء.

والارتفاع المزمن لدلالات الالتهاب لا يكون بالضرورة نتيجة لإصابة معينة، وفي الأغلب لا يسبب أعراضاً واضحة على المدى القريب؛ لكن على المدى الطويل يؤثر بصورة شديدة السلبية على صحة الجسم. وهناك كثير من الدراسات ربطت بين الالتهاب المزمن وزيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري، وأنواع معينة من السرطان.

ووجد الباحثون أن الأطفال الأكثر تعاطفاً كانت لديهم مستويات أعلى من بروتين «CRP» مما يشير إلى احتمالية وجود التهاب مزمن، ما يعني أن صحتهم بشكل عام ليست جيدة، حتى لو كان مظهرهم طبيعياً، ولا يشكون من أي أعراض. وكان الشيء اللافت للنظر والمثير للقلق، أن الأطفال الأكثر تعاطفاً لم يُبلِّغوا عن خلافات عنيفة حدثت في منازلهم، ولكن معظمهم قالوا إن الخلافات كانت يومية لا ترقى إلى مستوى العنف، وأقرب للتباين في وجهات النظر.

الأطفال الأكثر تعاطفاً كانت لديهم مستويات أعلى من بروتين يشير إلى احتمالية وجود التهاب مزمن

وتعد نتائج هذه الدراسة في غاية الأهمية؛ لأنها ركزت على تأثير التعاطف على الحالة الفسيولوجية للأطفال، وليست الحالة النفسية فقط، في سن صغيرة نسبياً، من 7 إلى 9 أعوام (لم تركز عليها معظم الدراسات السابقة) بجانب أنها أوضحت الأثر الكبير لخلافات الوالدين (مهما كانت بسيطة) على صحة أطفالهم العضوية والنفسية.

في النهاية، أكد الباحثون أن التعاطف مهم بالطبع، ولكن يجب أن يتعلم الأطفال وضع حدود لمشاعرهم والسيطرة عليها، ومحاولة عمل توازن بين الشعور بالآخرين والتفاعل مع كل التفصيلات الصغيرة التي تحدث؛ لأن الأمور يمكن أن تكون أبسط من اعتقادهم. ونصحت الدراسة الآباء بضرورة أن تكون خلافاتهم بعيداً عن أطفالهم.

* استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

ما تأثير الملح على معدتك؟ وكيف تخفف أضراره؟

صحتك إضافة الملح لطبق من البطاطس المقلية

ما تأثير الملح على معدتك؟ وكيف تخفف أضراره؟

كان الملح جزءاً أساسياً من الحضارة لآلاف السنين. وأثبت أنه ذو قيمة كبيرة بصفته مادة حافظة للأغذية، واستُخدم سابقاً عملةً في التجارة. 

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك هناك انقسام طبي حول إلزامية الاستمرار في إجراء اختبارات كوفيد (رويترز)

انقسام علمي... هل لا يزال من الضروري الاستمرار في إجراء اختبارات كوفيد؟

تحوّل «كوفيد-19» على مر السنوات الماضية من جائحة عالمية إلى فيروس «مستوطن» وفق خبراء الصحة، ما يعني أن وجوده سيصبح مستمراً، فكيف يجب أن نتعامل معه؟

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك الناس يشعرون بعدم الثقة جرّاء ضغوط في العمل (أ.ف.ب)

نصائح لتعزيز الثقة بالنفس وزيادة القدرات الذهنية

يُعدّ الشعور بعدم الثقة بالنفس من المشاعر التي يصعب التعامل معها، وقد نشعر بها جرّاء عوامل خارجية، مثل اجتماع سيئ مع المدير في العمل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
صحتك «أوزمبيك» و«ويغوفي» (رويترز)

«أوزمبيك»... «نافورة شباب» تبطئ الشيخوخة

وجد باحثون أن دواء إنقاص الوزن الشهير «أوزمبيك» قد يبطئ الشيخوخة وله «فوائد بعيدة المدى» تتجاوز ما كان متصوراً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أفريقيا تظهر العلامات على يد طفلة بعد تعافيها من جدري القردة (رويترز)

منظمة الصحة: تفشي جدري القردة في أفريقيا قد ينتهي خلال 6 أشهر

أعرب رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس عن اعتقاده أن تفشي فيروس جدري القردة في أفريقيا قد يتوقف في الأشهر الستة المقبلة.

«الشرق الأوسط» (جنيف)

انقسام علمي... هل لا يزال من الضروري الاستمرار في إجراء اختبارات كوفيد؟

هناك انقسام طبي حول إلزامية الاستمرار في إجراء اختبارات كوفيد (رويترز)
هناك انقسام طبي حول إلزامية الاستمرار في إجراء اختبارات كوفيد (رويترز)
TT

انقسام علمي... هل لا يزال من الضروري الاستمرار في إجراء اختبارات كوفيد؟

هناك انقسام طبي حول إلزامية الاستمرار في إجراء اختبارات كوفيد (رويترز)
هناك انقسام طبي حول إلزامية الاستمرار في إجراء اختبارات كوفيد (رويترز)

إذا كنت تعاني من التهاب في الحلق والزكام، فهل يعني هذا أنه يجب عليك إجراء اختبار «كوفيد-19»؟ على مر السنوات الماضية، تحول «كوفيد-19» من جائحة عالمية إلى فيروس «مستوطن» وفق خبراء الصحة، ما يعني أن وجوده سيصبح مستمراً.

وعلى الرغم من أن «كوفيد-19» لا يزال «مميتاً» ويتسبب في أعراض طويلة الأمد لبعض الأشخاص، فإن معظم الناس يتعافون منه دون مضاعفات. وفي هذه المرحلة، ينظر الكثيرون إلى الفيروس على أنه مشابه للإنفلونزا وأمراض الجهاز التنفسي الشائعة الأخرى، وفقاً لما ذكره موقع «هيلث» المختص بأخبار الصحة.

ونظراً لهذا التحول في التفكير، فمن المفهوم أن نتساءل عما إذا كان يجب علينا إجراء مسحة فيروس «كورونا» في كل مرة نشعر فيها بالمرض، أو أنه بإمكاننا افتراض إصابتنا بـ«كوفيد-19» دون إجراء الاختبار والمضي قدماً في حياتنا، وما الذي يوصي به أطباء الأمراض المعدية؟

أعراض كوفيد التي يجب التنبّه لها

قبل أن نتعمق في التوصيات المتعلقة بالاختبار، من المهم أن نكون على دراية بالأعراض التي يجب الانتباه لها في البداية. ويقول ويليام شافنر، اختصاصي الأمراض المعدية والأستاذ في كلية الطب بجامعة فاندربيلت الأميركية، لمجلة «هيلث»: «إنها حقاً أعراض تشبه نزلات البرد... لكن معظم نزلات البرد لا تسبب لك حمى، أما كوفيد فيسبب الحمى».

بدوره، يقول توماس روسو، أستاذ ورئيس قسم الأمراض المعدية بجامعة بافالو في نيويورك: «مع السلالات المنتشرة الحالية، فإن التهاب الحلق شائع جداً، إلى جانب احتقان الجيوب الأنفية، كما سيصاب بعض الأشخاص بالسعال».

ووفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الأميركية، تشمل أعراض كوفيد الشائعة الأخرى ما يلي: فقدان حاسة التذوق أو الشم، الإرهاق وآلام العضلات أو الجسم، الصداع، الغثيان أو القيء، الإسهال، وقد يعاني الأشخاص الذين يصابون بحالات أكثر شدة من أعراض مثل صعوبة التنفس أو الألم المستمر أو الارتباك أو صعوبة البقاء مستيقظاً.

هل لا يزال الاختبار أمراً يوصى به؟

أصبح موقف مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بشأن الاختبار أكثر ليونة مما كان عليه في السابق، وفقاً لموقع «هيلث». وفي حين حثت الهيئة ذات يوم بإلزامية إجراء الاختبار، فإنها توصي الآن بإجراء الاختبار «للمساعدة في معرفة ما إذا كنت مصاباً بكوفيد أم لا حتى تتمكن من تحديد ما يجب عليك فعله بعد ذلك، مثل الحصول على العلاج لتقليل خطر الإصابة بنسخة أشد من الفيروس» دون إشارة لإلزامية إجراء الاختبار.

وكان الأطباء الذين تحدث إليهم موقع «هيلث» منقسمين حول هذا الموضوع. فبينما يذهب شافنر لعدم إلزامية إجراء الاختبار، يوصي روسو عموماً بأن يختبر الناس أنفسهم «لمعرفة ما يتعاملون معه»، ويقول: «لا يزال كوفيد أكثر فتكاً من الإنفلونزا».

من يجب أن يخضع لاختبار كوفيد؟

يرى شافنر أن بعض الأشخاص، على وجه الخصوص، يجب أن يخضعوا للاختبار إذا ظهرت عليهم أعراض كوفيد، ​​ويشمل ذلك الأشخاص المعرضين للخطر مثل كبار السن، وأولئك الذين يتناولون أدوية مثبطة للمناعة، والأشخاص الذين يعانون من حالات مثل الربو والسكري والسمنة والحمل.

ويوصي الأشخاص الذين يتعاملون مع الأفراد المعرضين للخطر، مثل أولئك الذين يعملون أو يعيشون مع كبار السن أو الأشخاص الذين لديهم أحباء مصابون بالسرطان، بأن يختبروا أنفسهم أيضاً إذا ظهرت عليهم أعراض.