دراسة وراثية تشير إلى الأوكسيتوسين علاجاً محتملاً للسمنة واكتئاب ما بعد الولادة

جين معين يشكل عاملاً حاسماً في تطور السمنة والمشاكل السلوكية واكتئاب ما بعد الولادة لدى الأمهات
جين معين يشكل عاملاً حاسماً في تطور السمنة والمشاكل السلوكية واكتئاب ما بعد الولادة لدى الأمهات
TT

دراسة وراثية تشير إلى الأوكسيتوسين علاجاً محتملاً للسمنة واكتئاب ما بعد الولادة

جين معين يشكل عاملاً حاسماً في تطور السمنة والمشاكل السلوكية واكتئاب ما بعد الولادة لدى الأمهات
جين معين يشكل عاملاً حاسماً في تطور السمنة والمشاكل السلوكية واكتئاب ما بعد الولادة لدى الأمهات

حددت دراسة حديثة جيناً معيناً بوصفه عاملاً حاسماً في تطور السمنة والمشاكل السلوكية واكتئاب ما بعد الولادة لدى الأمهات، وحدد العلماء هذا الجين الذي يعرف باسم TRPC5 والذي في حالة فقدانه أو خلله يمكن أن يسبب تلك الأحداث، وقد يكون لهذا الاكتشاف آثار أوسع نطاقاً على علاج اكتئاب ما بعد الولادة؛ إذ تعدّ السمنة واكتئاب ما بعد الولادة من المشاكل الصحية العالمية المهمة؛ إذ يؤثر اكتئاب ما بعد الولادة على أكثر من واحدة من كل 10 نساء خلال عام من الولادة، ويرتبط بزيادة خطر الانتحار، ويمثل أيضاً ما يصل إلى واحدة من كل خمس وفيات الأمهات في البلدان ذات الدخل المرتفع، وفي الوقت نفسه تضاعفت معدلات السمنة بين البالغين منذ عام 1990، وتضاعفت أربعة أضعاف بين المراهقين وفقاً لـ«منظمة الصحة العالمية».

وتسلط الدراسة الحديثة التي أجراها فريق دولي يضم باحثين من جامعة كامبريدج في المملكة المتحدة، وكلية بايلور للطب في هيوستن بالولايات المتحدة، والتي نُشرت في مجلة «سيلCell » في 2 يوليو (تموز) الحالي 2024 الضوء على النتائج المهمة التي يمكن أن تؤثر على العلاجات المستقبلية لاكتئاب ما بعد الولادة.

اكتشاف الجينات

واكتشف فريق البحث في أثناء التحقيق مع صبيين من عائلتين مختلفتين يعانيان من السمنة المفرطة والقلق والتوحد ومشاكل سلوكية ناجمة عن الأصوات أو الروائح، إن كان الأولاد يفتقدون جيناً واحداً يُعرف باسم TRPC5والذي يقع على الكروموسوم Xوكشف المزيد من التحقيقات، أن كلا الصبيين ورث افتقاد الجين من كلتا الوالدتين اللتين فقدتا الجين الموجود على أحد كروموسوماتهما X كانت الوالدتان تعانيان أيضاً من السمنة، لكن بالإضافة إلى ذلك تعانيان من اكتئاب ما بعد الولادة.

تأكيد النموذج الحيواني

ولاختبار ما إذا كان جين TRPC5 هو الذي يسبب المشاكل لدى الأولاد وأمهاتهم، لجأ الباحثون إلى نماذج حيوانية، حيث قاموا بهندسة فئران وراثية تحتوي على نسخة معيوبة من الجين في الفئران، واستخدموا الفئران المعدلة وراثياً لتأكيد تأثيرات الجين، فقد أظهرت الفئران الذكور التي تحمل هذا الجين المعيوب نفس المشاكل التي يعاني منها الأولاد، بما في ذلك زيادة الوزن والقلق وكراهية التفاعلات الاجتماعية والسلوك العدواني، وأظهرت إناث الفئران نفس السلوكيات لكن عندما أصبحت أمهات أظهرت أيضاً سلوكاً اكتئابياً وضعف رعاية الأمومة.

الجين والخلايا العصبية الأوكسيتوسين

ويعمل هذا الجين RPC5 وهو واحد من عائلة الجينات التي تشارك في اكتشاف الإشارات الحسية مثل الحرارة والذوق واللمس على مسار في منطقة ما تحت المهاد في الدماغ، حيث من المعروف أنه يتحكم في الشهية. وعندما نظر الباحثون بمزيد من التفصيل في منطقة الدماغ هذه اكتشفوا أن الجين يعمل على الخلايا العصبية للأوكسيتوسين وهي الخلايا العصبية التي تنتج هرمون الأوكسيتوسين والذي يُطلق عليه غالباً «هرمون الحب»؛ بسبب إطلاقه استجابةً لعروض المودة والعاطفة والترابط، وقد أدت استعادة الجين الموجود في هذه الخلايا العصبية إلى تقليل وزن الجسم، وتقليل أعراض القلق واكتئاب ما بعد الولادة أيضاً.

وقال البروفسور صدف فاروقي، من مختبرات أبحاث الأيض بجامعة كامبريدج معهد علوم الأيض والمعهد الوطني للصحة مركز كامبريدج لأبحاث الطب الحيوي كامبريدج المملكة المتحدة والمؤلف الرئيسي للدراسة، إن هناك سبباً وراء إصابة الأشخاص الذين يفتقرون إلى جين TRPC5 بكل هذه الحالات؛ فقد عرف منذ فترة طويلة أن منطقة ما تحت المهاد تلعب دوراً رئيسياً في تنظيم «السلوكيات الغريزية» التي تمكن البشر والحيوانات من البقاء على قيد الحياة، مثل البحث عن الطعام والتفاعل الاجتماعي والاستجابة للقتال ورعاية أطفالهم الرضع، وفي حين أن عمليات حذف الجين نادرة فقد كشف تحليل عينات الحامض النووي (دي أن ايه) DNA المأخوذة من نحو 500 ألف فرد في البنك الحيوي في المملكة المتحدة، عن أن 369 شخصاً، ثلاثة أرباعهم من النساء، يحملون متغيرات الجين، وكانت كتلة الجسم أعلى من المتوسط.

هرمون الأوكسيتوسين

هو هرمون يُفرز في منطقة ما تحت المهاد في الدماغ، ويشارك في عمليات فسيولوجية مختلفة، وتتمثل الوظيفة المعروفة لهذا الهرمون في تقوية الروابط الاجتماعية والتسبب في انقباض عضلات الرحم في أثناء المخاض، ومع ذلك أظهرت الأبحاث الحديثة أيضاً أن للأوكسيتوسين العديد من الوظائف الأخرى، ويلعب هرمون الأوكسيتوسين دوراً في التفاعلات الاجتماعية وتقوية الروابط الاجتماعية، وزيادة مشاعر الترابط العاطفي، وتعزيز التعاطف. كما أن له تأثيراً يقلل من التوتر، ويمكن أن يقلل من القلق من خلال إحداث تأثير مريح.

الأبحاث والعلاجات المستقبلية

وتشير الدراسة إلى أن استعادة الأوكسيتوسين يمكن أن تخفف الأعراض المرتبطة بنقص الجين TRPC5 بما في ذلك اكتئاب ما بعد الولادة، ويدعم ذلك تجارب سابقة حول دور الأوكسيتوسين في الاكتئاب ورعاية الأمومة. وتشير النتائج إلى أن الأوكسيتوسين يمكن أن يكون علاجاً فعالاً للأمهات المصابات باكتئاب ما بعد الولادة المرتبط بنقص الجين، ويسلط البحث الضوء على الأساس البيولوجي لسلوكيات؛ مثل الأكل والقلق ورعاية الأمومة، مع تأكيد أهمية فهم التأثيرات الجينية على هذه الحالات.

وأشار البروفسور صدف فاروقي إلى أهمية هذه النتائج، مسلطاً الضوء على أن فهم الحالات الوراثية مثل نقص جين TRPC5 يمكن أن يكشف عن رؤى مهمة في بيولوجيا الإنسان وسلوكه. كما أن هذه النتائج لا تؤدي إلى تعزيز المعرفة حول اكتئاب ما بعد الولادة فحسب، بل تؤكد أيضاً الأسس البيولوجية للعديد من السلوكيات، مما يعزز المزيد من التعاطف والفهم للمتضررين من هذه الحالات.


مقالات ذات صلة

كيف تؤثر تقلبات البورصة على الصحة العقلية للمستثمرين؟

صحتك تقلبات سوق الأسهم لها تأثير كبير على صحة المستثمرين (رويترز)

كيف تؤثر تقلبات البورصة على الصحة العقلية للمستثمرين؟

أفادت دراسة صينية بأن تقلبات سوق الأسهم أو البورصة لها تأثيرات فورية على الصحة النفسية والبدنية، خصوصاً لدى كبار السن والذكور.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
صحتك شخص يعمل على جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص (أ.ف.ب)

المشكلات المرتبطة بالمال قد تكون علامة مبكرة لـ«الخرف»

في نيويورك، وجد باحثون في «الاحتياطي الفيدرالي»، أن درجات الائتمان تبدأ في التدهور وتأخرات الدفع تزداد في السنوات الخمس التي تسبق تشخيص الخرف.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك صندوق من حقنة «أوزمبيك» في بريطانيا (رويترز)

جديد «أوزمبيك» وأخواته... تقلل من مخاطر الإصابة بالسرطان

أظهرت دراسة حديثة أن فئة من أدوية مرض السكري، والتي تشمل عقار أوزمبيك الأكثر مبيعاً، ترتبط بانخفاض خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان المرتبطة بالسمنة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك امرأة حامل (أرشيفية - رويترز)

أقراص جديدة يمكن أن تزيد معدلات نجاح التلقيح الصناعي

أظهرت دراسة جديدة أن أقراصاً دوائية جديدة يمكن أن تساعد في تحسين فرص نجاح علاج التلقيح الصناعي.

«الشرق الأوسط» (لندن )
يوميات الشرق اللاعب المصري أحمد رفعت (نادي مودرن سبورت)

بعد رحيل اللاعب المصري أحمد رفعت... هل الضغوط النفسية تؤدي إلى الوفاة؟

هل يمكن أن تؤدي الضغوط العصبية والنفسية للوفاة؟ وما هي متلازمة القلب المنكسر؟

يسرا سلامة (القاهرة)

الوخز بالإبر يساعد على الخروج من دائرة الإدمان

الوخز بالإبر هو تقنية علاجية من الطب التقليدي الصيني (جامعة ملبورن)
الوخز بالإبر هو تقنية علاجية من الطب التقليدي الصيني (جامعة ملبورن)
TT

الوخز بالإبر يساعد على الخروج من دائرة الإدمان

الوخز بالإبر هو تقنية علاجية من الطب التقليدي الصيني (جامعة ملبورن)
الوخز بالإبر هو تقنية علاجية من الطب التقليدي الصيني (جامعة ملبورن)

أفادت دراسة صينية بأن الوخز بالإبر يساعد على الخروج من دائرة الإدمان من خلال تقليل الرغبة في استخدام العقاقير المضادة لاضطراب استخدام المواد الأفيونية.

وأوضح الباحثون بجامعة «قوانغتشو» للطب الصيني، أن النتائج التي نُشرت، الاثنين، في دورية «حوليات الطب الباطني» تدعم النظر في استخدام العلاج بالوخز بالإبر؛ لتقليل جرعة الميثادون بالنسبة إلى المرضى الذين يخضعون للعلاج ببدائل الأفيون.

والوخز بالإبر هو تقنية علاجية من الطب التقليدي الصيني تتضمّن إدخال إبر رفيعة جداً في نقاط محددة من الجسم؛ لتحفيز الشفاء الطبيعي وتخفيف الألم وتحسين الوظائف الجسدية.

وعادة يخضع الأشخاص للعلاج ببدائل الأفيون أو الميثادون، التي تُستخدم أيضاً بوصفها مسكنات للآلام، لأسباب تشمل تقليل الاعتماد على الأفيونات غير القانونية مثل الهيروين؛ ما يقلل من المخاطر المرتبطة بتعاطي المخدرات.

كما يوفر الميثادون وأدوية أخرى تأثيرات مشابهة للأفيونات بجرعات محسوبة وتحت إشراف طبي؛ ما يساعد على تخفيف أعراض الانسحاب المؤلمة التي يعاني منها المدمنون عند محاولة التوقف عن تعاطي الأفيونات.

ويُسهم العلاج ببدائل الأفيون في الحد من السلوكيات الضارة المرتبطة بالإدمان مثل الجريمة، والانحرافات السلوكية، واستخدام الإبر غير المعقمة؛ ما يقلل من انتشار الأمراض المعدية مثل فيروس نقص المناعة البشرية (HIV) والتهاب الكبد. كما يُسهم في استقرار الحالة الصحية والنفسية والاجتماعية للمدمنين؛ ما يمكّنهم من إعادة بناء حياتهم والعمل على تحقيق الاستقرار المالي والعاطفي.

وخلال الدراسة، قسّم الباحثون المشاركين بصورة عشوائية إلى مجموعتين، تلقت الأولى العلاج بالوخز بالإبر، في حين عُولجت الثانية بدواء وهمي، 3 مرات في الأسبوع لمدة 8 أسابيع؛ لتقييم فاعلية العلاج بالوخز بالإبر في تقليل جرعة الميثادون.

وركّز الباحثون بصفة خاصة على تقليل جرعة الميثادون بنسبة 20 في المائة أو أكثر، مقارنة بخط الأساس وتخفيض درجة الرغبة في تعاطي الأفيون.

ووجدوا أن العلاج بالوخز بالإبر أسفر عن تحسينات كبيرة في تقليل جرعة الميثادون، وتخفيض درجة الرغبة في تعاطي الأفيون؛ ما يمكن أن يساعد المرضى في تجنب الانتكاسات والتقدم نحو التعافي الكامل.

وقال الباحثون إن هذه النتائج تشير إلى أن الوخز بالإبر يمكن أن يكون جزءاً مهماً من استراتيجية شاملة للتغلب على الإدمان وتحسين فاعلية العلاجات الحالية.

وأضافوا أن الوخز بالإبر يُعد بديلاً طبيعياً وآمناً يمكن أن يكمل العلاجات الدوائية التقليدية؛ ما يوفّر خيارات أوسع للمرضى والأطباء في معالجة الإدمان.