سلس البول... حلول واستراتيجيات لاستعادة السيطرة على المثانة

يحدث في أي عمر وأكثر شيوعاً عند النساء فوق سن الخمسين

سلس البول... حلول واستراتيجيات لاستعادة السيطرة على المثانة
TT

سلس البول... حلول واستراتيجيات لاستعادة السيطرة على المثانة

سلس البول... حلول واستراتيجيات لاستعادة السيطرة على المثانة

سلس البول هو فقدان البول عرضاً عن طريق الخطأ ودون إرادة أو قصد. قد يكون سلس البول حالة مؤقتة تنتج عن حالة طبية كامنة. ويمكن أن تتراوح من الانزعاج الناجم عن فقدان البول إلى التبول الشديد والمتكرر.

وفقاً للرابطة الوطنية لاستمرار البول (National Association for Continence)، فإن أكثر من 25 مليون أميركي بالغ يعانون من سلس البول المؤقت أو المزمن، الذي يمكن أن يحدث سلس البول في أي عمر، ولكنه أكثر شيوعاً بين النساء فوق سن 50 عاماً.

وقد وجدت الأبحاث أن ما لا يقل عن نصف الأشخاص الذين يعانون من سلس البول لا يناقشون حالاتهم مع مقدمي الرعاية الصحية، في حين أنه ليست هناك حاجة للشعور بالحرج. فإذا كنت تعاني من تسريب المثانة، فتأكد أنك لست وحدك المصاب بهذه المشكلة الصحية.

إن تسريب المثانة، أو سلس البول، يؤثر على النساء والرجال من جميع الأعمار، كما أنه سيكون أكثر شيوعاً في وقت لاحق من الحياة.

الأسباب والأنواع

يقول الدكتور إدوارد. جيمس رايت (Edward. James Wright, M.D.)، دكتوراه في الطب، ومدير طب المسالك البولية في جونز هوبكنز - مركز «باي فيو الطبي» - إن من المؤكد أن السلس البولي Urinary incontinence (UI) مرض مهم جداً ويستحق المناقشة، فهو تسرب لا إرادي من المثانة يمكن أن يحدث عندما يحدث خطأ ما في التفاعلات المعقدة بين الدماغ والجهاز العصبي وأعضاء الحوض. هناك كثير من أسباب سلس البول، وكثير منها يمكن علاجه بالعلاجات الجراحية وغير الجراحية.

• ما الذي يسبب سلس البول؟ سلس البول ليس نتيجة حتمية للشيخوخة، ولكنه شائع بشكل خاص عند كبار السن. غالباً ما يكون سببه تغيرات محددة في وظائف الجسم قد تنجم عن الأمراض، واستخدام الأدوية و/أو ظهور المرض.

• في بعض الأحيان يكون هذا هو العرض الأول والوحيد لعدوى المسالك البولية. تكون النساء أكثر عرضة للإصابة بسلس البول أثناء الحمل وبعد الولادة، أو بعد التغيرات الهرمونية المرتبطة بانقطاع الطمث.

• ما أنواعه؟ وما الاختلافات بينها؟

سلس البول الإلحاحي (Urgency Incontinence): عدم القدرة على حبس البول لفترة كافية للوصول إلى الحمام. يمكن أن يرتبط بالحاجة إلى التبول بشكل متكرر والشعور برغبة قوية ومفاجئة في التبول. يمكن أن تكون حالة منفصلة، ولكنها قد تكون أيضاً مؤشراً على أمراض أو حالات أخرى تتطلب أيضاً عناية طبية.

سلس البول الإجهادي (Stress Incontinence): تسرب البول أثناء ممارسة التمارين الرياضية، أو السعال، أو العطس، أو الضحك، أو رفع الأشياء الثقيلة أو أداء حركات الجسم الأخرى التي تضغط على المثانة.

سلس البول الوظيفي (Functional Incontinence): تسرب البول بسبب صعوبة الوصول إلى الحمام في الوقت المناسب بسبب الظروف الجسدية، مثل التهاب المفاصل أو الإصابة أو غيرهما من الإعاقات.

سلس البول الفائض (Overflow Incontinence): يحدث التسرب عندما تتجاوز كمية البول المنتجة قدرة المثانة على الاحتفاظ بها.

الأعراض والتشخيص

• الأعراض الشائعة تشمل:

الحاجة للإسراع إلى الحمام و/أو فقدان البول إذا لم يصل في الوقت المناسب.

تسرب البول مع الحركات أو ممارسة الرياضة.

تسرب البول مع السعال أو العطس أو الضحك.

الشعور الدائم بالبلل دون الإحساس بتسرب البول.

الشعور بعدم إفراغ المثانة بشكل كامل.

تسرب البول الذي بدأ أو استمر بعد الجراحة.

• كيف يتم تشخيص سلس البول؟ بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من سلس البول، من المهم لهم استشارة مقدم الرعاية الصحية. في كثير من الحالات، تتم إحالة المرضى بعد ذلك إلى طبيب متخصص في أمراض المسالك البولية. يتم تشخيص سلس البول من خلال الفحص البدني الكامل الذي يركز على الجهاز البولي والعصبي والأعضاء التناسلية وعينات البول. وفقاً لفريق جونز هوبكنز.

خطوات تفادي سلس البول

وحول استراتيجيات لاستعادة السيطرة على تسرب المثانة، يقدم الدكتور إدوارد جيمس رايت من مركز جونز هوبكنز لمرضى تسرب المثانة، أخباراً جيدة وآمالاً جديدة، قائلاً: «يمكن علاج الغالبية العظمى من الحالات أو تحسينها بشكل ملحوظ، بغض النظر عن سبب تسرب المثانة». ويواصل رايت: «يتوفر كثير من الحلول، لكن يمكن للمريض فقط الحصول على المساعدة فيما يرغب بالتحدث عنه وشرحه».

وهذه بعض الاستراتيجيات التي يمكن أن تساعد:

- أولاً: مراجعة النظام الغذائي، قد تتمكن من الحد من تسرب المثانة عن طريق تجنب بعض الأطعمة والمشروبات والمكونات، منها: الكحول - المحليات الصناعية - مادة الكافيين - المشروبات الغازية – الشوكولاته - الحمضيات والطماطم - شراب الذرة - العسل.

- ثانياً: التخلص من الوزن الزائد، وجدت الأبحاث أن النساء البدينات اللاتي فقدن الوزن أبلغن عن عدد أقل من نوبات تسرب المثانة.

- ثالثاً: تدريب المثانة، يمكن لبعض التمارين أن تساعد في إبقاء المثانة تحت سيطرة أفضل، مثل ممارسة تمارين «كيجل»، ويتم فيها شد عضلات معينة في الحوض بانتظام لتقويتها، ما يساعد على أن تصبح أكثر مقاومة للتسرب. وتمارين «موهبة»، ويتم فيها استخدام تمارين «كيجل» أثناء السعال أو العطس أو القيام بأي نشاط آخر يؤدي إلى حدوث التسرب. وهذه الأخيرة تحتاج إلى متخصص، أو طبيب أو معالج فيزيائي، ليوضح كيفية القيام بذلك بشكل صحيح.

- رابعاً: التعرف على خيارات العلاج، ويتم فيها الاختيار اعتماداً على نوع سلس البول، وفقاً لرأي د. رايت، وتكون كالتالي:

. الأدوية، التي يمكن أن تساعد المثانة في الاحتفاظ بقدر أكبر، وتقليل إلحاح المثانة، وتحسين القدرة على إفراغ المثانة. وهناك لصقة تمت الموافقة عليها مؤخراً من دون وصفة طبية للنساء اللاتي يعانين من فرط نشاط المثانة تساعدهن في استرخاء عضلة المثانة؛ وهي متاحة للرجال بوصفة طبية.

. حقن البوتوكس، في بطانة المثانة لمنع إطلاق مادة كيميائية تحفز تقلصات العضلات.

. حقنة من مادة سميكة، حول مجرى البول (الأنبوب الذي ينقل البول إلى خارج الجسم) لمساعدته في حبس البول.

. عملية جراحية، لإدخال شريط شبكي للضغط على مجرى البول ومنع التسربات.

علاج سلس البول

لإدارة سلس البول، يرتدي كثير من النساء حفاضات واقية لحماية ملابسهن من تسرب البول. وبدلاً من ذلك، يمكن ارتداء الملابس الداخلية الماصة المصممة خصيصاً لهذا الغرض، التي تشبه في مظهرها الملابس الداخلية العادية بسهولة تحت الملابس اليومية.

ووفقاً لفريق «مايو كلينيك»، يتم عادة تحديد العلاج المناسب لسلس البول بواسطة الطبيب المعالج بناءً على المؤشرات التالية:

العمر، والصحة العامة، والتاريخ الطبي.

نوع سلس البول ومدى تأثيره.

مدى تحمل المريض للأدوية أو الإجراءات العلاجية.

التوقعات لمسار المرض.

رأي المريض وتفضيلاته لطرق العلاج.

وقد يشمل العلاج ما يلي:

أولاً: العلاجات السلوكية، ومنها:

تدريب المثانة: تعليم الشخص كيفية مقاومة الرغبة في الإفراغ وتوسيع الفترات الفاصلة بين الإفراغ تدريجياً.

المساعدة في استخدام المرحاض: بشكل روتيني ومجدول، والحث على التبول لإفراغ المثانة بانتظام لمنع التسرب.

تعديلات النظام الغذائي: التخلص من مهيجات المثانة، مثل الكافيين والكحول والحمضيات.

ثانياً: تأهيل عضلات الحوض (لتحسين قوة عضلات الحوض ومنع التسرب) بممارسة تمارين محددة، منها:

تمارين «كيجل» (Kegel exercises): لتحسين سلس البول، بل وحتى الوقاية منه.

الارتجاع البيولوجي (Biofeedback): يُستخدم مع تمارين «كيجل»، لاكتساب الوعي والتحكم في عضلات الحوض، وفقاً لفريق «مايو كلينيك».

تدريب الوزن المهبلي (Vaginal weight training): يتم حمل أوزان صغيرة داخل المهبل عن طريق شد عضلات المهبل.

التحفيز الكهربائي لقاع الحوض (Pelvic floor electrical stimulation): تعمل النبضات الكهربائية الخفيفة على تحفيز تقلصات العضلات.

ثالثاً: العلاج الدوائي

أدوية مضادات الكولين.

الاستروجين المهبلي.

فرزجة (جهاز مطاطي صغير يتم ارتداؤه داخل المهبل لمنع التسرب).

حقن البوتوكس في المثانة.

عوامل تضخيم مجرى البول.

تحفيز الأعصاب المحيطية.

رابعاً: العلاج الجراحي

عملية الرافعات (Slings): قد تكون مصنوعة من شبكة صناعية أو من الأنسجة الخاصة.

عملية تعليق المثانة.

عملية تحفيز الأعصاب المحيطية.

جراحة سلس البول الإجهادي عند النساء قد توفر حلاً طويل الأمد خصوصاً عندما لا تنجح العلاجات الأخرى.

يهدف العلاج الجراحي إلى دعم مجرى البول وعنق المثانة. يساعد هذا الدعم الإضافي في إبقاء مجرى البول مغلقاً عند ممارسة الضغط، حتى لا يتسرب البول.

وعلى الرغم من أن الجراحة تنطوي على خطر حدوث مضاعفات أكبر من العلاجات الأخرى، فإنها قد توفر حلاً طويل الأمد. يعتمد العثور على الخيار الأفضل لجراحة سلس البول الإجهادي على الفوائد والمخاطر المرتبطة بكل إجراء، بالإضافة إلى الاحتياجات الصحية والعلاجية الخاصة.

مضاعفات ومخاطر محتملة

مثل أي عملية جراحية، فإن جراحة سلس البول لها مخاطرها، وإن كانت غير شائعة، ومنها:

صعوبة مؤقتة في التبول.

صعوبة مؤقتة في إفراغ المثانة (احتباس البول).

تطور فرط نشاط المثانة.

التهاب المسالك البولية.

عدوى الجرح.

ممارسة الجنس الصعبة أو المؤلمة.

خروج مادة جراحية إلى داخل المهبل.

ألم في الفخذ.

وأخيراً ننصح بالتحدث إلى الطبيب الجراح المعالج حول المخاطر والفوائد المحتملة للخيار الجراحي.

مقترحات لما قبل الجراحة

قبل اتخاذ قرار بشأن الجراحة وتحديد نوعها، يجب على المريض/ة أخذ المقترحات التالية في عين الاعتبار:

الحصول على تشخيص دقيق، تتطلب الأنواع المختلفة من سلس البول علاجات مختلفة. يقوم طبيب أمراض الجهاز البولي التناسلي (أو طبيب المسالك البولية) بإجراء مزيد من الاختبارات التشخيصية.

التفهم أن الجراحة لا تصحح إلا المشكلة التي صممت لعلاجها. فمثلاً لا تعالج جراحةُ سلس البول الإجهادي الرغبةَ المفاجئةَ والشديدةَ في التبول (فرط نشاط المثانة)، وكذلك فإن سلس البول المختلط - وهو مزيج من سلس البول الإجهادي وفرط نشاط المثانة - من المحتمل أن يحتاج إلى علاجات إضافية.

التفكير في المخططات المستقبلية لإنجاب الأطفال. فقد يوصي الطبيب بالانتظار لإجراء الجراحة حتى تنتهي من الإنجاب. قد يؤدي الضغط الناتج عن الحمل والولادة على المثانة والإحليل والأنسجة الداعمة إلى إبطال فوائد العلاج الجراحي.

أخيراً، ننصح كل من يعاني من سلس البول: «لا تدع سلس البول يمنعك من الاستمتاع بالحياة، راجع وناقش وتابع مع طبيب المسالك البولية، فإنه حتماً سيمنحك حلولاً مناسبة للتعايش بشكل جيد مع حالتك».

• استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

صحتك استهلاك الأطعمة التي تحتوي على «أوميغا 3» و«أوميغا 6» مثل الأسماك الزيتية يقلل معدل خطر الإصابة بالسرطان (جمعية الصيادين الاسكوتلنديين)

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

وجدت دراسة أن استهلاك «أوميغا 3» و«أوميغا 6»، وهي الأحماض الدهنية التي توجد في الأطعمة النباتية والأسماك الزيتية، قد يؤثر على معدل خطر الإصابة بالسرطان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح، وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام
TT

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

مؤشرات وزن الجسم

يستخدم «مؤشر كتلة الجسم» BMI الذي يحسب مقدار وزن الجسم بالكيلوغرامات، مع الأخذ بالاعتبار مقدار طول الجسم بالمتر، ليعطينا «رقماً» يفصل بين 3 حالات: الحالة الطبيعية، وزيادة الوزن، والسمنة.

ونلجأ كذلك إلى قياس «محيط الخصر» WC بعدد السنتيمترات بوصفه «رقماً» يميز وجود سمنة البطن من عدم ذلك.

في السنوات الأخيرة ازداد ظهور أمراض ذات صلة بالسلوكيات غير الصحية في نمط عيش الحياة اليومية، وعادات الأكل السيئة، وتداعيات التقدم التكنولوجي الذي يفصل الناس عن ممارسة النشاط البدني. وقد ثبت تجريبياً أن العواقب الصحية السلبية لذلك تنمو على مستوى العالم بمعدل مثير للقلق. وهي تشمل السمنة Obesity، ومرض السكري من النوع 2، وأمراض القلب.

وإلى جانب ظهور «أمراض نمط الحياة» هذه، هناك انتشار زائد لمتلازمة التمثيل الغذائي Metabolic Syndrome، وهي مجموعة من الاضطرابات الأيضية في العمليات الكيميائية الحيوية التي تجري في الجسم، وترتبط بمقاومة الجسم لمفعول الإنسولين، ونشوء عمليات بطيئة ومستمرة في الالتهابات، واضطرابات الدهون في الدم (خصوصاً ارتفاع الدهون الثلاثية)، وارتفاع ضغط الدم.

«سمنة مركزية» ووزن طبيعي

ومن بين كل ذلك، تطفو السمنة البطنية (السمنة المركزية Central Obesity)، التي تتميز بزيادة كمية الأنسجة الشحمية (الشحوم الصفراء) داخل البطن، بوصفها علامة مميزة في كثير من تلك الحالات.

والسؤال الذي يتبادر للذهن: هل الأمر في شأن الأضرار الصحية مرتبط بالسمنة بوصفها حالة عامة في زيادة كتلة عموم الجسم أم أن الأمر مرتبط على وجه الخصوص بزيادة تراكم الشحوم في البطن (محيط منطقة الوسط)؟

والأدق أيضاً في طرح هذا السؤال عندما يكون لدى المرء حالة «الوزن الطبيعي مع سمنة بطنية» NWCO، أي عندما يكون وزن الجسم طبيعياً لدى الشخص بالنسبة لطوله، ولكن في الوقت نفسه لديه سمنة بطنية... هل من الممكن أن يكون هذا الشيء ضاراً ويمثل خطراً صحياً؟

والإجابة عن هذا السؤال تحتاج بداية إلى التساؤل بالأصل: هل ثمة «مشروعية طبية» لطرح مثل هذا السؤال؟

والإجابة نعم بالتأكيد، أن ثمة مشروعية طبية في طرح هذا السؤال لدواع شتى، أهمها اثنان، هما:

- الداعي الأول أن هناك أمثلة من سمنة أجزاء معينة في الجسم، ثبت أن ليس لها ضرر صحي واضح، حتى لو كان لدى الشخص ارتفاع في مقدار وزن الجسم، وارتفاع في مؤشر كتلة الجسم. وتحديداً أفادت نتائج دراسات عدة بأن سمنة شحوم الأرداف بحد ذاتها لدى النساء، ليس لها تأثير صحي ضار يوازي وجود سمنة تراكم شحوم البطن لديهن. وكذلك ثبت أن سمنة كتلة عضلات الجسم (زيادة مقدار وزن الجسم بسبب زيادة وزن كتلة العضلات فيه وليس زيادة تراكم الشحوم)، التي قد تزيد في مقدار مؤشر كتلة الجسم لتجعله ضمن نطاق السمنة، ليس لها تأثيرات سلبية مقارنة مع سمنة زيادة كتلة الشحوم في الجسم بالعموم وفي البطن على وجه الخصوص. وثبت أيضاً أن سمنة الوزن الطبيعي، مع تدني حجم كتلة العضلات، وارتفاع كتلة الشحوم Sarcopenic Obesity، لها تأثيرات ضارة لا تقل عن سمنة زيادة مؤشر كتلة الجسم.

- الداعي الآخر أن نحو 25 في المائة من البالغين ذوي الوزن الطبيعي، يُصنفون بالفعل على أن لديهم سمنة تراكم شحوم البطن، وفي الوقت نفسه يكون وزن أجسامهم طبيعياً، وفق «المجلة الطبية البريطانية BMJ» عدد 26 أبريل (نيسان) 2017. وهذه النسبة مقاربة جداً للإحصاءات الطبية في الولايات المتحدة. وفي مجتمعات أخرى ثبت أنها أعلى وفق نتائج دراسات طبية فيها. وهي نسبة مهمة بين عموم البالغين الذين قد يعتقدون أن كون مقدار وزن جسمهم طبيعياً يعني تلقائياً أنه لا ضرر متوقعاً عليهم من تراكم الشحوم في بطونهم.

دراسات سمنة البطن

والملاحظ أن الأوساط الطبية تأخرت كثيراً في الاهتمام بهذه الوضعية الصحية ومعرفة آثارها. وأيضاً تأخرت في وضع إرشادات ونصائح طبية للتعامل معها. وفي دراسة مشتركة لباحثين من جامعة آيوا، ومن كلية ألبرت آينشتاين للطب بنيويورك، ومن جامعة كاليفورنيا، ومن كلية الطب بجامعة هارفارد، ومن مركز فريد هاتشينسون لأبحاث السرطان في سياتل، تم طرح الأمر في دراسة بعنوان: «ارتباط السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بالوفيات بين النساء». ونشر ضمن عدد 24 يوليو (تموز) 2019 من مجلة «شبكة جاما المفتوحة» JAMA NETWORK Open، الصادرة عن «الجمعية الطبية الأميركية» AMA.

وقال فيها الباحثون: «السمنة المركزية، التي تتميز بتراكم الشحوم في منطقة البطن بشكل مرتفع نسبياً، ارتبطت بارتفاع خطر الوفاة، بغض النظر عن مقدار مؤشر كتلة الجسم. ومع ذلك، فإن الأفراد الذين لديهم مؤشر كتلة جسم طبيعي مع السمنة المركزية يتم إهمالهم عادة في الإرشادات الإكلينيكية. وعلاوة على ذلك لا يحظى الأفراد الذين يعانون من السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي باهتمام كبير في وضع استراتيجيات الحد من المخاطر، مثل تعديلات نمط الحياة والتدخلات الأخرى».

ولكن حتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي، قد يكون أولئك الذين يعانون من السمنة المركزية مُعرّضين لخطر زائد للوفاة بسبب تراكم الشحوم المفرط في البطن. وفي نتائج دراستهم التي شملت أكثر من 160 ألف امرأة أفادوا بالقول: «ارتبطت السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والوفاة بالسرطان، مقارنة بالوزن الطبيعي دون السمنة المركزية».

عوامل خطر أيضية قلبية

ومن ثمّ بدأت تصدر دراسات طبية من مناطق مختلفة من العالم حول هذا الأمر. وعلى سبيل المثال، نذكر دراسة حديثة من الصين، وأخرى من بنما.

وفي دراسة بعنوان: «ارتباط السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بارتفاع ضغط الدم»، تم نشرها العام الماضي، عدد 8 مارس (آذار) 2023 من مجلة «BMC» لاضطرابات القلب والأوعية الدموية، لباحثين من الصين، أفادوا بالقول: «السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي (NWCO) هي حالة أيضية تم وصفها أخيراً في عدد قليل من الدراسات. ويتم تجاهل الأفراد المصابين بها بسهولة في الرعاية الصحية الروتينية، بسبب التركيز الصارم على مؤشر كتلة الجسم».

وأضافوا: «قد يكون لدى الفرد ذي الوزن الطبيعي نسبة شحوم كبيرة في الجسم، وهو ما لا يظهر عندما يكون مقدار مؤشر كتلة الجسم طبيعياً. وتشير الأدلة الموجودة إلى أن السمنة المركزية، التي تتميز بالتراكم المرتفع نسبياً للشحوم في البطن، ترتبط ارتباطاً أقوى بعوامل الخطر الأيضية القلبية من السمنة العامة، وحتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي». وخلصوا في نتائجهم إلى القول: «ترتبط السمنة المركزية، كما هو محدد بواسطة محيط الخصر، بزيادة خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى البالغين ذوي مؤشر كتلة الجسم الطبيعي».

وضمن عدد يونيو (حزيران) 2022 من مجلة «لانسيت للصحة الإقليمية - بالأميركتين» The Lancet Regional Health - Americas، نشر باحثون من كلية الطب بجامعة بنما، حول انتشار السمنة المركزية والتعرف على مدى وجود عوامل الخطر القلبية الأيضية Cardiometabolic risk لديهم.

ويتم تعريف مخاطر القلب والأيض على أنها مجموعة من التشوهات في العمليات الأيضية الكيميائية الحيوية، وفي القلب، وفي الأوعية الدموية، بما في ذلك السمنة البطنية، ومقاومة الإنسولين، وارتفاع ضغط الدم، واضطرابات الكولسترول، ودهون الدم، وتصلب الشرايين، التي تجعل الأفراد أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب، والأوعية الدموية، ومرض السكري من النوع 2.

ولاحظوا أن باستخدام مؤشر «نسبة الخصر إلى الطول»WHtR، كان معدل انتشار السمنة البطنية نحو 44 في المائة بين الذين بالأساس لديهم مؤشر كتلة الجسم طبيعياً. وقالوا في نتائجهم: «ارتبطت السمنة البطنية مع الوزن الطبيعي للجسم بعوامل الخطر القلبية الوعائية، خصوصاً مع ارتفاع تركيز الدهون الثلاثية. قد يكون تقييم السمنة البطنية على مستوى الرعاية الصحية الأولية تقنية مفيدة لتحديد الأشخاص ذوي الوزن الطبيعي مع خصائص السمنة الأيضية».

ولذا إذا أردنا ألا نفقد متابعة هذه الفئة من الناس، فيجدر قياس محيط الوسط مع قياس وزن الجسم وحساب مؤشر كتلة الجسم، والالتفات إلى كليهما في التقييم الإكلينيكي. وللتوضيح، على الرغم من حقيقة أن مؤشر كتلة الجسم يتم استخدامه على نطاق واسع لتحديد السمنة في الممارسة الإكلينيكية، فإن أحد القيود المهمة لمؤشر كتلة الجسم هو أنه لا يميز بين أشكال مكونات تركيبات أجزاء الجسم المختلفة، حيث قد يكون لدى الفرد ذي الوزن الطبيعي نسبة شحوم متزايدة في منطقة من الجسم، ولكنها قد تكون مخفية بالقيمة الطبيعية لمؤشر كتلة الجسم.

وحتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي، فإن أولئك الذين لديهم نسبة عالية من الشحوم في الجسم، لديهم انتشار أعلى لمتلازمة التمثيل الغذائي ومكوناتها من أولئك الذين لديهم مؤشر كتلة جسم طبيعي، ونسبة شحوم في الجسم طبيعية.

25 % من البالغين ذوي الوزن الطبيعي لديهم سمنة تراكم شحوم البطن

تشخيص السمنة بالأساس مجرد حسابات من الأرقام

* عند التكلم عن السمنة في جانب التشخيص، علينا ابتداءً استخدام لغة الأرقام. ومن بين عدة «طرق» مطروحة لدى الأوساط العلمية والطبية، يظل «الأشهر»، و«الأقرب» هو الطرق الأربع التالية في تقييم وزن الجسم والسمنة:

- حساب «مؤشر كتلة الجسم» BMI يتم بقسمة مقدار الوزن بالكيلوغرامات على مربع طول الجسم بالمتر. و«الطبيعي» أن يكون مؤشر كتلة الجسم ما بين 20 إلى 25، أما ما بين 25 و30 فهو «زيادة في الوزن»، وما بين 30 إلى 35 فهو «سمنة»، وما بين 35 و40 فهو «سمنة شديدة»، وما فوق ذلك هو «سمنة مفرطة».

- حساب محيط الخصر Waist Circumference هو طريقة مهمة في تقييم سمنة البطن بالذات. وبدقة، يتم قياس محيط الخصر عند مستوى منتصف المسافة بين أدنى ضلع ملموس وبين الحافة الحرقفية لأعلى قوس عظمة الحوض، وذلك تقريباً أعلى قليلاً من السرّة، بعد إخراج هواء الزفير من النفس، أي قياس محيط أصغر جزء من الخصر. ولكن تجدر ملاحظة أن محيط الخصر يختلف في المجتمعات الجغرافية المختلفة وفق متوسط الطول فيها وعموم حجم الجسم.

ووفقاً للمعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة NIH، فإن محيط الخصر الذي يزيد على 102 سنتيمتر (40 بوصة) للرجال ويزيد على 88 سنتيمتراً (35 بوصة) للنساء (غير الحوامل)، هو سمنة البطن. بينما لدى ذوي الأصول من جنوب شرقي آسيا، فإن الطبيعي نحو 94 سنتيمتراً (37 بوصة) للرجال و80 سنتيمتراً (31 بوصة) للنساء. ولذا تحتاج المجتمعات المختلفة دراسات لتقييم الطبيعي وغير الطبيعي في ذلك.

- حساب نسبة محيط الخصر إلى محيط الورك WHR. ومحيط الورك Hip Circumference يختلف عن محيط الخصر، حيث إن محيط الورك هو قياس محيط الجزء الأكبر من الوركين، أي الجزء الأوسع من كتلة الأرداف. والطبيعي أن تكون تلك النسبة أقل من 0.95 للرجال، وأقل من 0.80 للنساء. وما فوق ذلك فهو سمنة. وهي طريقة يتم بها التغلب على وجود حجم أكبر في الأرداف التي تكون الشحوم فيها مختلفة عن نوعية الشحوم التي في البطن. وتحديداً شحوم بيضاء في الأرداف، وشحوم صفراء في البطن.

- حساب نسبة الخصر إلى الطول WHtR: يكون بقسمة مقدار محيط الخصر على مقدار الطول. والطبيعي أن يكون أقل من 0.5، وما فوق ذلك هو سمنة. وهي طريقة يتم من خلالها التغلب على الاختلافات العرقية في متوسط الطول لدى غالبية الناس في المجتمعات المختلفة.